الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: نقد المشككين
.
الوجه الأول: الفتح الاسلامي والاستعمار الغربي
.
الاستعمار سيطرة فرد على فرد، أو جماعة على جماعة، أو دولة على دولة بغية الاستغلال.
وبعد الكشوف الجغرافية في العصر الحديث عرف العالم تنافسًا استعماريًّا محمومًا، انحسر عن أنواع من الاستعمار أهمها:
1 - الاستعمار الاستيطاني:
وهو أن تقوم دولة بإبادة السكان الأصليين أو إجلائهم لتملأ البلاد بأبنائها. كما حدث في أمريكا عند إبادة الهنود الحمر، وفي أسترالية عند إبادة السكان الاستراليين الأصليين، وفي فلسطين عندما أجلي السكان الأصليون عنها وشردوا.
2 - الاستعمار العسكري:
وهو سيطرة أجنبية بجيوش مقيمة تتصرف بشؤون البلاد تصرفًا مطلقًا، وتستغلها أبشع استغلال، كما حدث في الهند أيام الاستعمار البريطاني لها.
3 - الحماية:
السيطرة على الشؤون الخارجية والأمن والدفاع والاقتصاد
…
مع بقاء مظهر من مظاهر الحكم المحلي.
4 - الانتداب:
ابتكرته عصبة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى (حسب المادة 22 من ميثاقها)، وهو صيغة متقدمة للاستعمار، وضع لتأهيل البلاد للاستقلال فإذا به استغلال تام لمقدرات البلاد.
وتطور الاستعمار إلى نوع جديد منه، هو الاستعمار الحديث، وهو استعمار اقتصادي يسيطر على مصادر ثروة البلاد، مع السماح للبلاد المستعمرة اقتصاديًّا بالتمثيل خارجيًّا، وبإنشاء جيش، وبالانضمام للأمم المتحدة.
ومن صور الاستعمار التي حدثت في العالم: "إلى جانب القوة العسكرية والاقتصادية":
1 -
استيراد وشراء الزنوج من أفريقية؛ بل اختطافهم بأعداد هائلة (20 مليونًا) وترحيلهم إلى أمريكا وأوربا للعمل في الأعمال القاسية: كالمناجم.
2 -
إبادة السكان الأصليين في بعض المناطق: كأمريكا وأستراليا، أو تشريدهم كما فعل اليهود في فلسطين.
3 -
سيطرة العنصرية والتفريق العنصري في: أمريكا وروديسيا وجنوب أفريقية، أو التمييز الديني كما في فلسطين المحتلة.
4 -
تطاحن الدول المستعمرة فيما بينها طمعًا على خيرات الأمم، كما حدث بين أسبانيا والبرتغال، والإنكليز والفرنسيين، والإنكليز والبرتغاليين، والإنكليز والهولنديين
…
5 -
ابتزاز خيرات الشعوب وخاصة المواد الأولية، وإقامة صرح الصناعة في أوروبا وأمريكا بفضل خيرات المستعمرات.
6 -
تطور الاستعمار ووصوله إلى "الإمبريالية" التي هي استعمار اقتصادي يتجلى في الاحتكارات، وتوظيف رؤوس الأموال، والضغط الاقتصادي.
7 -
إفقار البلاد الزراعية وإبقاؤها زراعية وربطها بقروض مشروطة وبأحلاف وقواعد.
أما آثار ونتائج الاستعمار فهي:
1 -
التجزئة واغتصاب الأراضي.
2 -
التخلف الاقتصادي في البلاد المستعمرة.
3 -
إبقاء البلدان المستعمرة معتمدة على وسائل الإنتاج البدائية، الزراعة فقط.
4 -
التدخل في العلاقات، وإقامة الحواجز الاقتصادية كالاحتكارات والمضاربة.
5 -
انخفاض مستوى المعيشة في البلاد المستعمرة، والرفاهية في البلاد المستعمرة.
6 -
تأخر الصحة وعجز الخدمات الصحية في البلاد المستعمرة.
7 -
انتشار الجهل والأمية وقصور التعليم في البلاد المستعمرة.
8 -
افتقار البلاد المستعمرة إلى الفنيين والاقتصاديين والعلماء لإعاقة النمو الاقتصادي.
9 -
انتشار الرقيق في أوربا وأمريكا.
فهل نستطيع استنادًا لتعريف الاستعمار العلمي ونتائج وآثار هذا الاستعمار أن نسمي الفتح الإسلامي استعمارًا؟
يمكن القول بكل تأكيد -بعد النظر إلى نتائج الاستعمار التي مرت معنا- إن الإسلام لم يكن استعمارًا لما يلي:
1 -
الإسلام جاء فحرر الرقيق.
2 -
لم يعرف الإسلام إبادة الشعوب، فوصية الصدِّيق شاهد يمكن الرجوع إليها في آداب الجهاد.
3 -
السيطرة العنصرية والتمييز العنصري، حدد الإسلام موقفه منهما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا فرق بين عربي وأعجمي، ولا بين أبيض وأسود إلا بالتقوى". فلقد رفع الإسلام بلالًا -وهو عبد أسود- فوق الكعبة ليقول: الله أكبر.
4 -
أما ابتزاز خيرات الشعوب، فنرى أن الإسلام خلَّص سكان البلاد المفتوحة من الضرائب الباهظة التي كانت مفروضة من قبل الفرس أو الروم، ولنعلم أن الجزية مبلغ لا يُذكر مقابل الخدمات التي يستفيد منها الذمي، ويدفع المسلم أضعاف ما يدفع الذمي.
5 -
عمَّ الرفاه البلاد التي فتحت؛ لاستتباب الأمن فيها، كما حدث في وادي النيل وسواد العراق. وأصبح الفاتح المسلم أحب إلى الشعوب من الحاكم السابق؛ لأنهم رأوا عمليًا خير وفائدة الإسلام.
كما عمت نهضة علمية وطبية وكثرت "البيمارستانات" والترجمات وإحياء الكتب القديمة على يد المسلمين ويد سكان البلاد المفتوحة معًا، فقد كان العلم للجميع، حتى أن أمهر العلماء في كل الميادين كانوا من سكان البلاد المفتوحة مثل: ابن سينا الذي ولد في "أفشنة" قرب بخارى، وأبي بكر الرازي المولود في "الري" والإمام البخاري المنسوب إلى "بخارى"، وأبي ريحان البيروني في "خوارزم". ومحمد بن موسى الخوارزمي المولود في "خوارزم" وأبي الوفاء البوزنجاني المولود في فارس، وكلهم علماء خلَّدهم التاريخ في ميادين العلوم بأنواعها.
تساءل د. لوبون: لو انتصر العرب في بواتيه، فماذا كان يصيب أوروبا؟ ويجيب: "كان يصيب أوربا النصرانية المتبربرة، مثل ما أصاب أسبانية من الحضارة الزاهرة تحت راية
النبي العربي، وكان لا يحدث في أوربا التي تكون قد هذبت ما حدث فيها من الكبائر كالحروب الدينية، وملحمة سان بارتيمي ومظالم محاكم التفتيش، وكل ما لم يعرفه المسلمون من الوقائع التي ضرَّجت أوربا بالدماء عدة قرون" (1).
فهل نشر الإسلام مع الإيمان بالله عز وجل علمًا أم جهلًا؟ نورًا أم ظلامًا؟ الاستعمار جهل، والإسلام علم، فكيف يجتمعان؟ الاستعمار خراب، والإسلام إعمار وبناء فكيف يلتقيان؟
كان النشيد الذي ردده الجيش الإيطالي الذي غزا ليبيا سنة 1911 م:
"يا أماه أتمي صلاتك، ولا تبكي؛ بل أضحكي وتأملي، ألا تعلمين أن إيطالية تدعوني، وأنا ذاهب إلى طرابلس فرحًا مسرورًا؛ لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة، ولأحارب الديانة الإسلامية، سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن، وإن لم أرجع فلا تبك على ولدك، وإن سألك أخي عن عدم حزنك عليَّ فأجيبيه إنه مات في محاربة الإسلام".
1 -
سحق الأمة الملعونة: المسلم لا يسحق حتى حكام الشعوب عند الفتح، بل أراد هداية، هنا في النشيد سحق، والإسلام حياة للشعوب التي فتحت بلادها.
2 -
"محو القرآن والاسلام"، بينما نجد في القرآن {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} [آل عمران: 64] فالإسلام دعوة، والاستعمار سحق ومحو، ولن يلتقيا.
وهذه شهادة منصفة من مبشر في أفريقية ذكرها في كتابه "الإسلام في أفريقية الشرقية" وصاحب الكتاب هو المبشر "ليندن هاديس" فقد قرر المؤلف بعد النظر إلى الفارق الكبير بين أثر العرب وأثر الأوربيين في إفريقية الشمالية، أن البرتغاليين قضوا فيها نحو مائتي سنة لم يتركوا بعدها أثرًا من اثار الحضارة النافعة، ولم يعقبوا بعدهم غير ذكرى الخراب الذي حل على أيديهم بالمعاهد والمعابد الإسلامية، ولم يزالوا حيثما نزلوا يخربون وينهبون.
(1) حضارة العرب، صـ 317.