الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه أن تستخدم الحجة أو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة أو المجادلة بالتي هي أحسن، وبغير ضابط من خلق أو شرع أو قانون؟ هل يجوز قتلهم أو الاعتداء عليهم أو لا؟
فمن الإرهاب المذموم استخدام العنف مع الأبرياء، أو فيمن ليس بينك وبينه قضية، وإنما هو وسيلة لإرهاب الآخرين، وإجبارهم على أن يخضعوا لمطالبك أو لسياستك، وإن كانت عادلة أو صحيحة في رأيك.
مفاهيم خاطئة حول الإرهاب
لقد أصبحت تهمة الإرهاب سلاحًا خطيرًا يسلط على كثير من الشعوب والجماعات والمنظمات وأحيانًا حتى على الدول والحكومات، وأصبح ترويج هذه التهمة وإلصاقها بجهة من الجهات كافية لإدانتها وتجريمها وشن الحرب عليها بل يمكن القول أن تهم الإرهاب قد أصبحت من أخطر وسائل الإرهاب.
غير أن من أخطر ما في استعمال مصطلح الإرهاب اليوم هو التسوية والخلط المعتمد بين الظالمين والمظلومين، بين المعتدين والمقهورين وقد يتجاوز الأمر مجرد الخلط والتسوية إلى قلب الحقائق بإضفاء صفة المشروعية على الظالم المعتدي وإلصاق تهمة الإرهاب على المظلوم والمعتدى عليه.
إن النظر السليم والحكم الصحيح على الأعمال التي توصف اليوم بالإرهاب لابد فيهما من التمييز والتفريق ووضع كل شيء في موضعه اللائق به، فهذا من البدهيات التي يقتضيها العدل والإنصاف، أما الخلط والتعميم والتسوية بين المختلفات فليس سوى أسلوب من أساليب المغالطة والتضليل والخداع.
لابد في هذا الموضوع من التمييز مثلًا بين الحالات الآتية:
الحالة الأولى: كون الفاعل ظالمًا والمفعول ضده مظلومًا لا ذنب له.
الحالة الثانية: كون الفاعل مظلومًا والمفعول ضده هو ظالمه المصر على ظلمه.
الحالة الثالثة: كونهما معًا معتدين ظالمين.
الحالة الرابعة: حالة من ترك الوسائل السلمية وسلك من أول الأمر أعمال العنف والإرهاب لنيل حقه أو لم يستنفد كل الفرص السليمة المتاحة له.
الحالة الخامسة: من سلك كل السبل السلمية واستنفد كل فرص المطالبة والإقناع لنيل حقه ورفع الظلم والعدوان عن نفسه، فلم تجده شيئًا ولم يأبه له خصمه، بل أمعن في ظلمه وهضم حقه.
الحالة السادسة: من يلجأ إلى العنف دفاعًا عن النفس أو معاملة بالمثل حيث جاءت البداية من خصمه.
الحالة السابعة: حالة من كان حقه مقررًا ومسلمًا ومعترفًا به.
الحالة الثامنة: من كان حقه مجرد ادعاء ومطلب لم يثبت أحقيته ولم يعترف بمشروعيته.
فهذه الحالات كلها موجودة الآن فيمن يتهمون بالإرهاب ويدانون به ويجرمون وليس فيما عرفته البشرية وآمنت به من تعاليم دينية أو قيم أخلاقية أو قواعد قانونية أو أعراف قضائية ليس فيها ما يسوغ التسوية بين كل هذه الحالات وإدانتها وتجريمها جميعًا واعتبارها شيئًا واحد والحكم عليها بحكم واحد. ولكن الأغلبية الساحقة نعم ساحقة من السياسيين وأتباعهم من الإعلاميين وغييرهم يفعلون هذا تلبيسًا على الشعوب وتضليلًا لها ويفعلونه على سبيل الإرهاب والإذلال لذوى الحقوق المشروعة حتى لا ينهضوا لنيل حقوقهم ورفع الظلم عن أنفسهم، ويفعلونه على سبيل التشويه والتنفير من كل فكرة أو حركة ينشد أصحابها الحق والعدل والكرامة.
وإذا كان المنطق يقتضي أن ندين كل إرهابي ظالم وأن ندين كل مسارع إلى تفجير أعمال العنف والقتل حتى ولو كان ذلك في طلب الحق ما دام لم يستنفد جميع الوسائل السلمية في طلب حقه فإن هذا المنطق نفسه يقتضي تأييد من قام يدافع عن نفسه وعن حقه بعد أن صبر واحتمل، وبعد أن استنفد كل السبل والوسائل السلمية.
وإذا كنا ندين المبادئ بالعنف والإرهاب، فلا شك أن من يفعل ذلك ردًا ودفاعًا عن النفس يختلف عنه، وحتى حينما ندين من يرد العنف بمثله، فيجب على الأقل أن ندين أكثر البادئ بالعدوان.
وإذا كنا نقف موقف التحفظ أو التردد أو حتى الإدانة تجاه من دافع عن حق مختلف في أحقيته، أو ما زال بحاجة إلى إثبات واعتراف، فليس من العدل في شيء أن نستنكر على من يسعى إلى حق لا غبار عليه، ولا نزاع في مشروعيته، وهكذا.
والأدهى والأمر هو أن يدان المظلوم المعتدى عليه ويسمى إرهابيًّا، ويسكت تمامًا عن ظالمه وعن الظلم الذي الحق به، بل قد يحظى ظالمه بالتأييد والدعم والمساندة (1).
(1) مجلة كلية أصول الدين والدعوة - العدد 21/ الجزء الثاني ص 912 - 914.