الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن عثيمين: إنما ذكر الله الزوجات للأزواج؛ لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة، وسكت عن الأزواج للنساء ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج؛ بل لهن أزواج من بني آدم. (1)
فإنَّ شوق المرأة للرجال ليس كشوق الرجال للمرأة -كما هو معلوم- ولهذا فإن الله شوّق الرجال بذكر نساء الجنة مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء). (2)
أما المرأة فشوقها إلى الزينة من اللباس والحلي يفوق شوقها إلى الرجال؛ لأنه مما جبلت عليه كما قال تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [الزخرف: 18].
الوجه الثالث: حالات المرأة في الدنيا بين الزواج وعدمه
المرأة لا تخرج عن هذه الحالات في الدنيا فهي:
1 -
إما أن تموت قبل أن تتزوج.
2 -
إما أن تموت بعد طلاقها قبل أن تتزوج من آخر.
3 -
إما أن تكون متزوجة ولكن لا يدخل زوجها معها الجنة.
4 -
إما أن تموت بعد زواجها.
5 -
إما أن يموت زوجها وتبقى بعده بلا زوج حتى تموت.
6 -
إما أن يموت زوجها فتتزوج بعده غيره.
هذه حالات المرأة في الدنيا ولكل حالة ما يقابلها في الجنة
.
1 -
فأما المرأة التي ماتت قبل أن تتزوج فهذه يزوجها الله عز وجل في الجنة من رجل من أهل الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما في الجنة أعزب". (3)
(1) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين جمع وترتيب: فهد بن ناصر بن إبراهيم 2/ 53.
(2)
أخرجه البخاري (4808)، ومسلم (2741).
(3)
مسلم (2834) من حديث أبي هريرة.
قال ابن عثيمين: إذا لم تتزوج -أي المرأة- في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر بها عينها في الجنة. . فالنعيم في الجنة ليس مقصورا على الذكور، وإنما هو للذكور والإناث ومن جملة النعيم: الزواج. (1)
2 -
ومثلها المرأة التي ماتت وهي مطلقة.
3 -
ومثلها المرأة التي لم يدخل زوجها الجنة.
قال ابن عثيمين: فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج، أو كان زوجها ليس من أهل الجنة فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال. أي فيتزوجها أحدهم. (2)
فإن كان أحد الزوجين من أهل النار فإمّا أن يكون كافرًا، فهذا يُخلَّد فيها، ولا ينفعه كون قرينه من أهل الجنّة، لأنّ الله تعالى قضى على الكافرين أنّهم {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)} [البقرة: 162].
وقضى تعالى بالتفريق بين الأنبياء وزوجاتهم إن كنّ كافرات يوم القيامة، فقال سبحانه:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)} [التحريم: 10]، فكان التفريق بين سائر الناس لاختلاف الدين أولى.
قال ابن كثير: قال تعالى {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} أي: نبيين رسولين عندهما في صحبتهما ليلًا وَنهارًا، يؤاكلانهما ويضاجعانهما ويعاشرانهما أشد العشرة والاختلاط، {فَخَانَتَاهُمَا} أي: في الإيمان لم يوافقاهما على الإيمان، ولا صَدَّقاهما في
(1) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين جمع وترتيب: فهد بن ناصر بن إبراهيم 2/ 53.
(2)
المصدر السابق.
الرسالة، فلم يُجدِ ذلك كله شيئًا، ولا دفع عنهما محذورًا، ولهذا قال تعالى {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} أي: لكُفرهما، وقيل للمرأتين {وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} . (1)
4 -
وأما المرأة التي ماتت بعد زواجها فهي -في الجنة- لزوجها الذي ماتت عنه.
فإذا كان الزوجان من أهل الجنّة فإنّ الله تعالى يجمعُ بينهما فيها؛ بل يزيدهُم من فضلِه فيُلحِقُ بهم أبناءهم، ويرفع دَرجات الأدنى منهم فيُلحقه بمن فاقه في الدرجة، بدلالة إخباره تعالى عن حملة العرش من الملائكة أنّهم يقولون في دُعائهم للمؤمنين:{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)} [غافر: 8] وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21].
5 -
وأما المرأة التي مات عنها زوجها فبقيت بعده لم تتزوج حتى ماتت فهي زوجة له في الجنة.
6 -
أما إن كان للمرأة في الدنيا أكثر من زوجٍ، فإنّ من فارقَها بطلاق حُلّ زواجه بطلاقه، فتعيّن افتراقهما في الآخرة كما افترقا في الدنيا.
وأمّا إن مات عنها وهي في عصمته، ثم تزوّجت غيره بعده، فلأهل العلم ثلاثة أقوال في من تكون معه في الجنّة:
القول الأول: أنّها مع من كان أحسنَهُم خُلقًا وعشرةً معها في الدنيا.
القول الثاني: أنها تُخيَّر فتختار من بينهم من تشاء، ولا أعرف دليلًا لمن قال به.
وهذان القولان ذكرهما الإمام القرطبي في كتابه الشهير (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة) واختار الثاني منهما الشيخ ابن العثيمين رحمه الله وبعض المعاصرين.
والقول الثالث: أنها تكون في الجنّة مع آخر زوجٍ لها في الدنيا، أي مع من ماتت وهي في عصمته، أو مات عنها ولم تنكح بعده، ويدلّ على هذا القول حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أنّ رسول
(1) تفسير ابن كثير (4/ 394).