الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 - شبهة: الملل
.
نص الشبهة:
أثار هؤلاء المعترضون شبهة في حديثٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وادعوا أن الله تعالى له صفة الملل فقالوا: الله يمل ويسأم.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالتْ: كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَال: مَنْ هَذِهِ؟ قُلْتُ: فُلَانَةُ لَا تَنَامُ بِاللَّيْلِ فَذُكِرَ مِنْ صَلَاتِهَا، فَقَال: مَهْ عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنْ الْأَعْمَالِ، فَإِنَّ الله لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا. (1)
والجواب عن ذلك من وجوه:
الوجه الأول: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حق الله تعالى سواء كان وصفًا أو اسمًا
.
فنحن نؤمن به على مراد الله تعالى مع تنزيه الله عز وجل عن كل نقص وعيب، وقد ذكرنا ذلك سابقا، وهذا هو منهج الصحابة ومن سار على منهجهم من التابعين وتابعيهم بإحسان.
الوجه الثاني: توضيح معنى الملل هنا
قال ابن قتيبة: وتحن نقول: إن التأويل لو كان على ما ذهبوا إليه كان عظيمًا من الخطأ فاحشا، ولكنه أراد فإن الله سبحانه لا يمل إذا مللتم. ومثال هذا قولك في الكلام: هذا الفرس لا يفتر حتى تفتر الخيل، لا تريد بذلك أنه يفتر إذا فترت، ولو كان هذا هو المراد ما كان له فضل عليها؛ لأنه يفتر معها، فأية فضيلة له؛ وإنما تريد أنه لا يفتر إذا فترت، وكذلك تقول في الرجل البليغ في كلامه الغزير: فلان لا ينقطع حتى تنقطع خصومه؛ تريد أنه لا ينقطع إذا انقطعوا، ولو أردت أنه ينقطع إذا انقطعوا لم يكن له في هذا القول فضل على غيره، ولا وجبت له به مدحة. وقد جاء مثل هذا بعينه في الشعر المنسوب إلى ابن أخت تأبط شرا ويقال إنه لخلف الأحمر:
صليت مني هذيل بخرق لا يمل الشر حتى يملوا
لم يرد أنه يمل الشر إذا ملوه، ولو أراد ذلك ما كان فيه مدح له؛ لأنه بمنزلتهم وإنما
(1) البخاري (1151) ومسلم (785).
أراد أنهم يملون الشر وهو لا يمله. (1)
قال أبو إسحاق الحربي: قوله: "لا يَمَلُّ الله حتى تملوا": أخبرنا سلمة عن الفراء؛ يقال: مللت أمَلُّ: ضجرت، وقال أبو زيد: ملَّ يَمَلُّ ملالة، وأمللته إملالًا، فكأنَّ المعنى لا يملُّ من ثواب أعمالكم حتى تملُّوا من العمل. (2)
قلت: وهذا ليس تأويلًا، بل تفسير الحديث على ظاهره.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم: "فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا": من نصوص الصفات، وهذا على وجه يليق بالباري، لا نقص فيه، كنصوص الاستهزاء والخداع فيما يتبادر. (3)
وقال الشيخ ابن عثيمين: هل نستطيع أن نثبت صفة الملل والهرولة لله تعالى؟ فأجاب: "جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملوا".
فمن العلماء من قال: إنَّ هذا دليل على إثبات الملل لله، لكن، ملل الله ليس كملل المخلوق، إذ إنَّ ملل المخلوق نقص؛ لأنه يدل على سأمه وضجره من هذا الشيء، أما ملل الله، فهو كمال وليس فيه نقص، ويجري هذا كسائر الصفات التي نثبتها لله على وجه الكمال وإن كانت في حق المخلوق ليست كمالا.
ومن العلماء من يقول: إنَّ قوله: "لا يَمَلُّ حتى تملوا"؛ يراد به بيان أنه مهما عملت من عمل، فإنَّ الله يجازيك عليه؛ فاعمل ما بدا لك، فإنَّ الله لا يمل من ثوابك حتى تمل من العمل، وعلى هذا، فيكون المراد بالملل لازم الملل.
ومنهم من قال: إنَّ هذا الحديث لا يدل على صفة الملل لله إطلاقًا؛ لأنَّ قول القائل: لا أقوم حتى تقوم، لا يستلزم قيام الثاني، وهذا أيضًا:"لا يمل حتى تملوا"، لا يستلزم ثبوت الملل لله عز وجل.
(1) تأويل مختلف الحديث ص 349، 350.
(2)
غريب الحديث 1/ 338.
(3)
الفتاوى والرسائل 1/ 209.