الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قضت بأن يكون الليل مظلمًا. (1)
أصدر البرلمان الإنجليزي قرارًا في عصر هنري الثامن يحظر على المرأة قراءة العهد الجديد (الأناجيل وملحقاتها) - أين هذا عند المسلمين في وضعهم المصحف الأم عند حفصة أم المؤمنين؟ !
في عام 1847 م عارضت الكنيسة استخدام التخدير في حالات الوضع؛ لأن الله قال في الكتاب المقدس - حسب زعمهم - قضى أن تلد حواء بآلام. (2)
الثمرة الثانية: الإيمان باليوم الآخر وجعله محور سلوك الإنسان
.
تمهيد:
إن الرسل كلهم بعثوا من أجل التبشير بالحياة الأبدية الطيبة للصالحين والعذاب الأبدي للطالحين.
قال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)} [النساء: 165].
وجاء في إنجيل مرقس (13: 32): وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلَا يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلَا الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلَا الابْنُ، إِلَّا الآبُ.
وجاء في إنجيل متى (19: 16): وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ: "أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلَاحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟ .
من ثمار دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان باليوم الآخر:
إن من ثمار دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه أخرج - بإذنِ الله وَأَمرِهِ - جيلًا من البشر لم يَعُدْ لَهُ هِمَّةٌ إلَّا أن ينالَ رضا الله، وينالَ سعادة الأبد، وَدَلَّ البشرية على الطريق إلى ذلك.
فكان أتباعُه أعظمَ نماذج عرفها العالم كطلَّاب آخرة بعد النبيين، هذا مع قيام كامل في
(1) شمس العرب تسطع على الغرب صـ 305.
(2)
انظر: محمد في الترجوم والتلمود والتوراة صـ 217 - 220.
أمر الدنيا إصلاحًا ورعايةً، ولكن كمَمَرٍّ إلى الآخرة.
وهذه أمثلة على هذه النماذج التي أخرجتها تربية النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم:
1 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ مُضْطَجِعٌ، مُرْمَلٌ بِشَرِيطٍ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَدَخَلَ عُمَرُ رضي الله عنه فَانْحَرَفَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم انْحِرَافَةً، فَلَمْ يَرَ عُمَرُ بَيْنَ جَنْبِهِ وَبَيْنَ الشَّرِيطِ ثَوْبًا، وَقَدْ أَثَّرَ الشَّرِيطُ بِجَنْبِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فبَكَى عُمَرُ. فَقَالَ لَهُ النبي صلى الله عليه وسلم: مَا يُبْكِيكَ يَا عُمَرُ؟ . قَالَ: وَالله مَا أَبْكِى إِلَّا أَنْ أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّكَ أَكْرَمُ عَلَى الله عز وجل مِنْ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَهُمَا يَعِيثَانِ في الدُّنْيَا فِيمَا يَعِيثَانِ فِيهِ، وَأَنْتَ يَا رَسُولَ الله بِالْمَكَانِ الَّذِي أَرَى. فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ؟ ". قَالَ عُمَرُ: بَلَى. قَالَ: "فَإِنَّهُ كَذَاكَ"(1).
2 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "مات أبو بكر رضي الله عنه فما ترك دينارًا ولا درهمًا، وكان قد أخذ قبل ذلك ماله فألقاه في بيت المال".
3 -
وعن الحسن أنه سئل عن القائلين في المسجد فقال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقيل في المسجد وهو يومئذ خليفة، قال: ويقوم وأثر الحصير بجنبه، فيقال: هذا أمير المؤمنين، هذا أمير المؤمنين.
4 -
وعن شرحبيل بن مسلم أن عثمان رضي الله عنه كان يطعم الناس طعام الإمارة، ويدخل بيته فيأكل الخلّ والزيت.
5 -
وعن عبد الملك بن عمير قال: حدثني رجل من ثقيف أن عليًا استعمله على عكبرا قال: ولم يكن السواد يسكنه المصلون وقال لي: إذا كان عند الظهر فرُح إلي فرُحت إليه فلم أجد عنده حاجبًا يحبسني عنه دونه، فوجدته جالسًا وعنده قدح وكوز من ماء فدعا بطينة، فقلت في نفسي لقد أمنني حتى يخرج إليَّ جوهرًا ولا أدري ما فيها، فإذا عليها خاتم فكسر الخاتم فإذا فيها سويق فأخرج منها فصبَّ في القدح فصَبَّ عليه ماءً فشرب وسقاني فلم
(1) رواه أحمد (3/ 139)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3284).
أصبر فقلت: يا أمير المؤمنين أتصنع هذا بالعراق وطعام العراق أكثر من ذلك؟ قال: أما والله ما أختم عليه بخلًا عليه، ولكني أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن يفنى فيصنع من غيره، وإنما حفظي لذلك وأكره أن أدخل بطني إلا طيبًا. (1)
6 -
وعن عروة رضي الله عنه قال: دخل عمر بن الخطاب على أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه فإذا هو مضطجع على طنفسة رحله، متوسد الحقيبة، فقال له عمر: ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك؟
قال: يا أمير المؤمنين، هذا يبلّغني المقيل.
وقال معمر في حديثه: لما قدم عمر الشام تلقّاه الناس وعظماءُ أهل الأرض فقال عمر: أين أخي؟ قالوا من؟ قال: أبو عبيدة، قالوا: الآن يأتيك! فلما أتاه نزل فاعتنقه فقال، ثم دخل عليه بيته فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله. (2)
7 -
وعن الحسن قال: كان عطاء سلمان رضي الله عنه خمسة آلاف درهم، وكان أميرًا على زهاء ثلاثين ألفًا من المسلمين، وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها، وإذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يده. (3)
مما مرَّ - وغيره كثير - يتبين لنا أنّ الجيل الذي ربّاه محمد صلى الله عليه وسلم جيلٌ أصبح همُّه الأعلى الآخرة، ولم يعد له في غيرها همة، إلا إذا كان وسيلة تقربهم إلى الله تعالى، وتفرع عن هذا الأصل سلوك لا مثيل له في أي جانب من جوانب الحياة، ألا وهو التضحية، وهذا ما نراه عند الصحابة رضي الله عنهم واضحًا جليًا لكل ذي عينين ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، مما يدل على مقدار إيمانهم بالله تعالى واليوم الآخر، حتى أصبح محور حياتهم، وأسوق الآن بعض الأمثلة التي توضح أن هذا الأمر قد استقر في أنفسهم:
(1) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (1/ 82).
(2)
رواه أبو نعيم في الحلية (1/ 101).
(3)
المصدر السابق (1/ 198).
عن سعيد بن عبد العزيز قال: كان للزبير بن العوّام ألف مملوك يؤدون إليه الخراج فكان يقسِّمه كل ليلة، ثم يقوم إلى منزله وليس معه منه شيء. (1)
عن مالك الدار: أن عمر بن الخطاب أخذ أربعمائة دينار، فجعلها في صُرَّةٍ فقال للغلام: اذهب بهم إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تلَهَّ ساعة في البيت حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال: وصله الله ورحمه ثم قال: تعالَيْ يا جارية اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها، فرجع الغلام وأخبره فوجده قد أعدّ مثله إلى معاذ بن جبل فقال: اذهب بها إلى معاذ بن جبل وتلَهَّ في البيت حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذا في بعض حاجتك فقال: رحمه الله ووصله - تعالَيْ يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا واذهبي إلى بيت فلان بكذا، فاطّلعت امرأة معاذ فقالت: نحن والله مساكين فأعطنا ولم يبق في الخرقة إلا ديناران فدَحَا (أي دفعهما) بهما إليها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبره وسُرَّ بذلك وقال: إنهم إخوة بعضهم من بعض. (2)
بهذه الأمثلة وغيرها كثير يتبين لنا أن من ثمار نبوءة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا الضمير الحيّ، والروح اليقظة المنتظرة لجزائها في اليوم الآخر الذي دعا إليه كل المرسلين، وغفل عنه كثير من الناس.
ولا يمكن بحال من الأحوال للعقل إلا أن يقرّ بأن هذه الثمرة ليست إلا من ثمار نبيّ وليست من ثمار كذّاب. (3)
فاللهم صلّ وسلّم وبارك على محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.
(1) المصدر السابق (1/ 90).
(2)
رواه الطبراني في المعجم الكبير (20/ 33).
(3)
وانظر: الرسول صلى الله عليه وسلم. . . تأليف/ سعيد حوى (376).