الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولولا الفتح الإسلامي بالأندلس لاستؤصل اليهود الذين كانوا يتعرضون من حين لآخر إلى مصائب وويلات من لدن ملوك شبه الجزيرة قبل الفتح الإسلامي، وقد نالوا في ظل الإسلام من الحقوق والحظوة والمكانة العلمية والاجتماعية والسياسية ما لا ينكره أحد منهم، أما المسلمون فلا يزالون يبادون إلى اليوم، والبوسنة والشيشان مثال على ذلك.
المطلب الرابع: هل حضارة الغربيين حضارة مسيحية
؟
يقول د/ القرضاوي
(1): ولقد رأينا الغربيين يزعمون أنهم مسيحيون: وأن حضارتهم القائمة اليوم حضارة مسيحية (2) ويتباهون بأن المسيحية ديانة سلام ومحبة، وأن المسيح لم يرفع سيفًا في وجه أحد؛ بل قال لأتباعه:"من ضربك على خدك الأيمن، فأدر له خدك الأيسر، ومن سخرك لتسير معه ميلًا فسر معه ميلين، ومن أراد أن يأخذ قميصك، فأعطه إزارك"(3)! ! وبهذا لا يقاوم الشر بالشر، ولا يدفع القوة بالقوة؛ بل دعا المسيح أتباعه إلى أن يحبوا أعداءهم، ويباركوا لاعِنِيهم (4)!
فما نصيب هذه المقولة من الصحة؟ وهل الغربيون مسيحيون حقًّا؟ وهل للمسيحية ووصاياها -كما جاء بها الإنجيل- أثر في حياتهم؟ وهل طبق النصارى أتباع المسيح هذه التعاليم والوصايا في حياتهم وفي علاقاتهم بغيرهم من الأمم وأهل الأديان؟ بل هل طبقوها في علاقاتهم بعضهم ببعض؟ .
(1) الإسلام والعنف صـ 18 وما بعدها.
(2)
يقول الدكتور القرضاوي: إن حضارة الغرب أبعد ما تكون عن المسيحية، فهي حضارة مغرقة في المادية، والمسيحية ديانة مغرقة في الروحية، وهىِ حضارة تسوغ الإباحية والتحلل، والمسيح يقول: من نظر بعينه فقد زنى! وقد قلت من قديم: إنها ليست حضارة المسيح ابن مريم، ولكنها حضارة المسيح الدجال، فهو أعور، وهي حضارة عوراء! تنظر إلى الحياة والإنسان والعالم بعين واحدة، هي العين المادية. انظر: الإسلام حضارة الغد صـ 11 - 25.
(3)
انظر: إنجيل متى. الإصحاح 5 - الفقرات: 39 - 42. إنجيل لوقا 6 - 29، 30.
(4)
إنجيل متى 5 - 43، 44. ولوقا 6 - 27، 28.
التاريخ الحافل، والواقع الماثل، يقولان: إن النصارى أتباع المسيح -في جملتهم- كانوا أبعد الناس عن هذه الوصايا. ولم يدر منهم أحد خده الأيسر لمن ضربه على خده الأيمن، بل هم ابتدؤوا العالمين بالضرب على كلا الخدين، بلا مسوَّغ ولا سبب إلا العدوان.
ولقد قتل المسيحيون طوال التاريخ من أبناء الشعوب المخالفين لهم، ما تشيب من هوله الولدان، بل قتل بعضهم من بعض بالملايين ما لا يزال التاريخ القريب يذكره ولا ينساه.
قتل الكاثوليك من البروتستانت في بداية ظهورهم بالملايين، وقتل البروتستانت من الكاثوليك -بعد انتصارهم عليهم- بالملايين (1).
وقتل بعضهم من بعض في الحربين العالميتين في القرن العشرين، بالملايين. وكلهم مسيحيون، يؤمنون بالإنجيل، ويدينون بدين المسيح عليه السلام. حتى قال بعض الباحثين من المسيحيين الأوربيين: لم يصدق المسيح عليه السلام-في نبوءة من نبوءاته، مثلما صدق في قوله: ما جئت لألقي على الأرض سلامًا بل سيفًا (2)!
وبهذا أثبت التاريخ، وأثبت الواقع كلاهما: أن أتباع دين المحبة والسلام هم أكثر أهل الأديان دموية، وأسرعهم إلى العدوانية، وأشدهم قسوة ووحشية في التعامل مع الآخرين.
وهذا ما نراه رأي العين، ونلمسه لمس اليد، في يومنا هذا من القوة العالمية العظمى، القوة المتألهة في العالم، وهي قوة أمريكا التي تتصرف في الأرض، تصرفَ الإله في السماء، فهي لا تُسأل عما تفعل ولا يقف أمام رغبتها شيء، وقد رأينا أثرها العسكري في أفغانستان والعراق. وقد جسدت موقفها الديني والأخلاقي فيما صنعته في سجون
(1) انظر: ما نقله الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه إظهار الحق بالوقائع والأرقام من كتب المسيحيين أنفسهم من مجازر ومظالم ومآثم قام بها الكاثوليك مع البروتستانت عند بداية ظهورهم، ثم عندما انتصر البروتستانت على الكاثوليك كالوا لهم الصاع صاعين، صـ 509 - 528.
(2)
إنجيل متى 10 - 43، لوقا 12 - 51.