الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن تيمية: ولهذا سمى الله نفسه بأسماء، وسمى صفاته بأسماء، وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه لا يشركه فيها غيره، وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم، مضافة إليهم، توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص، ولم يلزم من اتفاق الاسمين وتماثل مسماهما، واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص، اتفاقهما، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص
…
ووصف نفسه ببسط اليدين فقال: {وَقَالتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} (المائدة: 64).
ووصف بعض خلقه ببسط اليد في قوله: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} (الإسراء: 29)، وليس اليد كاليد، ولا البسط كالبسط، وإذا كان المراد بالبسط الإعطاء والجود؛ فليس إعطاء الله كإعطاء خلقه، ولا جوده كجودهم.
ونظائر هذا كثيرة، فلا بد من إثبات ما أثبته الله لنفسه ونفى مماثلته بخلقه، فمن قال: ليس لله علم ولا قوة ولا رحمة ولا كلام ولا يحب ولا يرضى ولا نادى ولا ناجى ولا استوى؛ كان معطلًا جاحدًا ممثلًا لله بالمعدومات والجمادات.
ومن قال: له علم كعلمي أو قوة كقوتي أو حب كحبي أو رضاء كرضائي أو يدان كيداي أو استواء كاستوائي؛ كان مشبها ممثلا لله بالحيوانات، بل لا بد من إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل. (1)
الوجه الثاني: إضافة الفعل إلى اليد بغير تعدية بحرف الجر يكتمل المجاز
.
وإنما معنى الصفة في سياق الآية يختلف عن غيرها من الآيات على حسب ما ورد في لسان العرب في تعريف اليد. فقد تكون بمعنى اليد حقيقة مثل قوله تعالى: {قَال يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (ص: 75).
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (3/ 13 - 16) باختصار.
وقد تكون بمعنى القوة أو البيعة كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (الفتح: من الآية 10)
قال ابن جرير الطبري: وفي قوله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} وجهان من التأويل:
أحدهما: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} : البيعة؛ لأنهم كانوا يبايعون الله ببيعتهم نبيه صلى الله عليه وسلم.
والآخر: قوة الله فوق قوتهم في نصرة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم إنما بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نصرته على العدو. (1)
وقد تأتي كصفة ولكن معناها في السياق الكرم والإنفاق كما قال تعالى: {وَقَالتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} (المائدة: من الآية 64).
وقد قال ابن جرير الطبري في اختلاف أهل الملة في هذه الآية:
واختلف أهل الجدل في تأويل قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} :
فقال بعضهم: عني بذلك نعمتاه؛ وقال ذلك بمعنى يد الله على خلقه، وذلك نعمه عليهم، وقال: إن العرب تقول: لك عندي يد؛ يعنون؛ بذلك نعمة.
وقال آخرون منهم: عنى بذلك: القوة، وقالوا: ذلك نظير قول الله تعالى ذكره: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45)} (ص: 45).
وقال آخرون منهم: بل يده ملكه، وقال: معنى قوله: {وَقَالتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} ملكه وخزائنه، قالوا: وذلك كقول العرب للمملوك: هو ملك يمينه، وفلان بيده عقدة نكاح فلانة؛ أي يملك ذلك، وكقول الله تعالى ذكره:{فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} (المجادلة: 12).
وقال آخرون منهم: بل يد الله صفة من صفاته، هي أنها ليست بجارحة كجوارح بني آدم عليه السلام، قالوا: وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن خصوصية آدم بما خصه به من خلقه إياه
(1) تفسير الطبري (26/ 76).
بيده، قالوا: ولو كان لخصوصية آدم بذلك وجه مفهوم؛ إذ كان جميع خلقه مخلوقين بقدرته، ومشيئته في خلقه تعمه، وهو لجميعهم مالك، قالوا: وإذا كان تعالى ذكره قد خص آدم بذكره خلقه إياه بيده دون غيره من عباده؛ كان معلوما إنه إنما خصه بذلك لمعنى به فارق غيره من سائر الخلق، قالوا: وإذا كان ذلك كذلك بطل قول من قال: معنى اليد من الله القوة والنعمة أو الملك في هذا الموضع، قالوا: وأحرى أن ذلك لو كان كما قال الزاعمون: إن يد الله في قوله: {وَقَالتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} هي نعمته؛ لقيل: بل يده مبسوطة، ولم يقل بل يداه؛ لأن نعمة الله لا تحصى بكثرة، وبذلك جاء التنزيل، يقول الله تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} (النحل: 18) قالوا: ولو كانت نعمتين ينفذ محصاتين.
قالوا: فإن ظن ظان أن النعمتين بمعنى النعم الكثيرة؛ فذلك منه خطأ؛ وذلك أن العرب قد تخرج الجميع بلفظ الواحد لأداء الواحد عن جميع جنسه؛ وذلك كقول الله تعالى ذكره: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)} (العصر: 1، 2) وكقوله {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} (البلد: 4) وقوله: {وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)} (الفرقان: 55).
قال: فلم يرد بالإنسان والكافر في هذه الأماكن إنسان بعينه، ولا كافر مشار إليه حاضر؛ بل عنى به جميع الكفار؛ ولكن الواحد أدى عن جنسه؛ كما تقول العرب: ما أكثر الدرهم في أيدي الناس، وكذلك قوله:{وَكَانَ الْكَافِرُ} معناه: وكان الذين كفروا.
قالوا: فأما إذا ثني الاسم فلا يؤدى عن الجنس، ولا يؤدى إلا عن اثنين بأعيانهما دون الجميع ودون غيرهما.
قالوا: وخطأ في كلام العرب أن يقال: ما أكثر الدرهمين في أيدي الناس! بمعنى: ما أكثر الدراهم في أيديهم! .
قالوا: وذلك أن الدرهم إذا ثني لا يؤدى في كلامها إلا عن اثنين بأعيانهما.
قالوا: وغير محال ما أكثر الدرهم في أيدي الناس! ، وما أكثر الدراهم في أيديهم! ؟ لأن الواحد يؤدي عن الجميع.