الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم
.
القرآن الكريم معجزة الله التي لا تبليها السُنونُ ولا القرون، هذا الكتاب معجزة خالدة ودليل باهر بما أودعه الله من أنواع الإعجاز العلمي والتشريعي والبياني، وغيرِها من وجوه الإعجاز، (1) يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِىٌّ إِلَّا أُعْطِىَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الذي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ الله إِلَىَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (2)
والآيات في ذلك كثيرة ومتعددة، وسنكتفي بذكر بعضها، مع ذكر تفسير مختصر لها.
قال تعالى:
1 -
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144].
المعنى: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسولٌ كسائر الرُّسل؛ قد بلَّغَ الرِّسالة كما بلَّغُوا فيجب عليكم التمسُّكُ بدينه في حياته وبعد موته. وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَنَّ مُحَمَّدًا لَيْسَ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا قَدْ خَلَتْ وَمَضَتِ الرُّسُلُ مِنْ قَبْلِهِ فَمَاتُوا، وَقَدْ قُتِلَ بَعْضُ النَّبِيِّينَ كَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمُ الْخُلْدُ وَهُوَ لَا بُدَّ أَنْ تَحْكُمَ عَلَيْهِ سُنَّةُ اللهِ بالمَوتِ. (3)
2 -
المعنى: لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسهمْ" أَيْ عَرَبِيًّا مِثْلهمْ لِيَفْهَمُوا عَنْهُ وَيَشْرُفُوا بِهِ لَا مَلَكًا وَلَا عَجَمِيًّا "يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاته" الْقُرْآن "وَيُزَكِّيهِمْ" يُطَهِّرهُمْ مِنْ الذُّنُوب "وَيُعَلِّمهُمْ الْكِتَاب" الْقُرْآن "وَالْحِكْمَة" السُّنَّة "وَإِنْ" مُخَفَّفَة أَيْ إنَّهُمْ "كَانُوا مِنْ قَبْل" أَيْ قَبْل بَعْثه "لَفِي ضَلَال مُبِين" بَيِّن. (4).
(1) مستفاد من كتاب دلائل النبوة لـ د/ منقذ السقار 1/ 2 - 3.
(2)
البخاري (6496)، ومسلم (402) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
التسهيل لعلوم التنزيل لابن جُزَي 1/ 209، وتفسير المنار 4/ 132.
(4)
تفسير الجلالين 1/ 464، وابن عبد السلام 1/ 325.
3 -
المعنى: هَذَا خِطَابٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْبَشَرِ مِنَ الْعَرَب وَالْعَجَمِ، وَجَّهَهُ إِلَيْهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله النَّبِيُّ الْعَرَبِيُّ الْهَاشِمِيُّ بِأَمْرِ الله تَعَالَى، يُنْبِئُهُمْ بِهِ أَنَّهُ رَسُولُ الله تَعَالَى إِلَيْهِمْ كَافَّةً لَا إِلَى قَوْمِهِ الْعَرَبِ خَاصَّةً (كَمَا زَعَمَتِ الْعِيسَوِيَّةُ مِنَ الْيَهُودِ)، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} . (1)
4 -
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
المعنى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ} ، أيها القوم، رسول الله إليكم {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} ، تعرفونه، لا من غيركم، فتتهموه على أنفسكم في النصيحة لكم {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ} ، أي: عزيز عليه عنتكم، وهو دخول المشقة عليهم والمكروه والأذى {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} ، يقول: حريص على هُدَى ضُلالكم وتوبتهم ورجوعهم إلى الحق {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ} أي: رفيق {رَحِيمٌ} : شديد الرأفة والرحمة بكم. (2)
5 -
وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب: 21].
المعنى: هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته
(1) تفسير المنار 9/ 255، والتفسير الميسر 3/ 119.
(2)
تفسير الطبري 14/ 584، والوسيط لطنطاوي 1/ 2068.
وانتظاره الفرج من ربه عز وجل صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين. (1)
6 -
وقال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)} [الأحزاب: 40].
المعنى: يقول تعالى ذكره: ما كان أيها الناس محمدًا أبا زيد بن حارثة، ولا أبا أحدٍ من رجالكم الذين لم يلده محمد؛ فيحرم عليه نكاح زوجته بعد فراقه إياها، ولكنه رسول الله وخاتم النبيين، الذي ختم النبوة فطبع عليها، فلا تفتح لأحد بعده إلى قيام الساعة، وكان الله بكل شيء من أعمالكم ومقالكم وغير ذلك ذا علم لا يخفى عليه شيء. (2)
لما نفى كونه أبًا عقَّبه بما يدل على ثبوت ما هو في حكم الأبوة من بعض الوجوه فقال: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} فإن رسول الله كالأب للأمة في الشفقة من جانبه، وفي التعظيم من طرفهم؛ بل أقوى فإن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والأب ليس كذلك، ثم بين ما يفيد زيادة الشفقة من جانبه والتعظيم من جهتهم بقوله:{وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} وذلك لأن النبي الذي يكون بعده نبي إن ترك شيئًا من النصيحة والبيان يستدركه من يأتي بعده، وأما من لا نبي بعده يكون أشفق على أمته وأهدى لهم وأجدى؛ إذ هو كوالد لولده الذي ليس له غيره من أحد. (3)
7 -
المعنى: ذلك المرسَل بالهدى ودين الحق هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. يخبر تعالى عن محمد
(1) تفسير ابن كثير 6/ 391، والنكت والعيون 3/ 367.
(2)
تفسير الطبري 20/ 278، والنكت والعيون 3/ 381، وابن عجيبة 5/ 95.
(3)
تفسير الرازي 12/ 357، والكشاف 5/ 333.
صلوات الله عليه أنه رسوله حقًا بلا شك ولا ريب. (1)
8 -
المعنى: بَشَّرَ كلُّ نبيٍّ قومَه بنَبِيِّنا صلى الله عليه وسلم، وأفرد الله - سبحانه - عيسى بالذِّكْرِ في هذا الموضع؛ لأنه آخِرُ نبيٍّ قبل نبيِّنا صلى الله عليه وسلم: فبيَّن بذلك أن البشارة به عَمّتْ جميعَ الأنبياء واحدًا بعد واحد حتى انتهت بعيسى عليه السلام.
فعيسى عليه الصلاة والسلام كالأنبياء - يصدق بالنبي السابق، ويبشر بالنبي اللاحق، بخلاف الكذابين، فإنهم يناقضون الأنبياء أشد مناقضة، ويخالفونهم في الأوصاف والأخلاق، والأمر والنهي {فَلَمَّا جَاءَهُمْ} صلى الله عليه وسلم الذي بشر به عيسى (بِالْبَيِّنَاتِ) أي: الأدلة الواضحة، الدالة على أنه هو، وأنه رسول الله حقًا. قَالُوا معاندين للحق مكذبين له {هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} وهذا من أعجب العجائب، الرسول الذي قد وضحت رسالته، وصارت أبين من شمس النهار، يُجعل ساحرًا بينًا سحره، فهل في الخذلان أعظم من هذا؟ وهل في الافتراء أعظم من هذا الافتراء، الذي نفى عنه ما كان معلومًا من رسالته، وأثبت له ما كان أبعد الناس منه؟ (2)
9 -
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة: 119].
المعنى: يَقُولُ الله تَعَالَى لِنَبيِّه صلى الله عليه وسلم: "إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالشَّيءِ الثَّابِتِ الحَقِّ لِتُبَشِّرَ بِهِ مَنْ أَطَاعَ، وَتُنْذِرَ بِهِ مَنْ عَصَى وَاسْتَكْبَرَ". (3)
(1) تفسير ابن عجيبة 6/ 97، وابن كثير 7/ 360.
(2)
تفسير القشيري 7/ 421، والسعدي 1/ 859.
(3)
تفسير حومد 1/ 126، والنكت والعيون 1/ 88.
10 -
{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)} [الإسراء: 105] المعنى: ولعل الجملة لتحقيق حقية بعثته صلى الله عليه وسلم أثر تحقيق حقية القرآن. (1)
11 -
{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)} [الأنبياء: 107].
المعنى: قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان محمد صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع الناس فمن آمن به وصدق به سَعِد. . .، ومن رَدّها وجحدها خسر في الدنيا والآخرة، وقال ابن زيد: أراد بالعالمين المؤمنين خاصة. (2)
12 -
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56)} [الفرقان: 56].
المعنى: وَمَا أَرْسَلْنَاك إلَّا مُبَشِّرًا" بِالْجَنَّةِ "وَنَذِيرًا" مُخَوِّفًا مِنْ النَّار. (3)
13 -
{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)} (الأحزاب: 45).
المعنى: على من بعثت إليهم تراقب أحوالهم، وتشاهد أعمالهم وتتحمل عنهم الشهادة بما صدر عنهم من التصديق والتكذيب وسائر ما هم عليه من الهدى والضلال، وتؤديها يوم القيامة أداءً مقبولًا فيما لهم وما عليهم. (4)
14 -
المعنى: كافًا لهم عن الشرك والهاء للمبالغة، أو أرسلناك إلى الجميع تضمهم. (5)
15 -
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24].
المعنى: يعني بشيرًا بالثواب لمن آمن ونذيرًا بالعقاب لمن كفر. (6)
(1) تفسير الآلوسي 11/ 124، وأبو السعود 4/ 230.
(2)
تفسير القرطبي 11/ 350، وابن كثير 5/ 385.
(3)
تفسير الجلالين 6/ 422، وابن عجيبة 4/ 306.
(4)
تفسير الآلوسي 16/ 159، والتسهيل لابن جُزَي 1/ 1557.
(5)
تفسير ابن عبد السلام 5/ 91، والمحرر لابن عطية 5/ 351.
(6)
لباب التأويل للخازن 5/ 236، والنكت والعيون 3/ 425.