الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظلم الذي وقع على الجنس البشري لم يكن له أي مقصد أو هدف؛ بل كان لمجرد الشهرة وإظهار الهيبة والعظمة لا غير وكان يحدث أن تسفك دماء الألوف من الناس لمجرد إرضاء شهوات الملوك ونزواتهم الوضيعة وهذه الحادثة التي وقعت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد سمع (خسرو أبرويز) عن جمال ابنة النعمان بن المنذر فأمره أن يدخل ابنته في البلاط الملكي إلا أن النعمان بغيرته العربية لم يهتم بهذا الحكم ورفضه علنا فصدر أمرًا من خسروا باحتلال إمارة الحيرة والقبض على النعمان فقام النعمان وأولاده باللجوء إلى حماية بنى شيبان وذهب بنفسه إلى بلاط كسرى يلتمس العفو على هذا الذنب لكن كسرى أمر بقتله وأرسل جيشًا قوامه أربعون ألف جندي لسلب أهل النعمان بن المنذر من بني شيبان ودارت رحى المعركة عند ذي قار معركة ضارية مات فيها الآلاف من الطرفين لا لشيء إلا لأن الملك كان يشتهى رؤية امرأة جميلة (1).
الأسرى في ظل تشريعات الرومان واليونان
إذا كان هذا هو الحال في فارس في معاملة أسرى الحرب؛ فإن حال الأسرى في قوانين الرومان واليونان القدامى أشد سوءًا.
كان أسرى الحرب عندهم هم أكثر الناس تعرضًا للمهانة والمذلة والتعذيب والقهر، فقد كان الرومان واليونان قدامى يعتبرون الأمم الأخرى أمم همجية بربرية، ولم يكن في قوانينهم مادة تتعلق بالأسير سوى مادة واحدة تنص على قتله أو استرقاقه ولا شيء غير هذا.
يقول أرسطو معلم الأخلاق: ببساطة إن الطبيعة قد خلقت هؤلاء البرابرة؛ ليكونوا مجرد عبيد وغلمان (2).
وفي موضع آخر يتحدث عن السبل المشروعة للحصول على الثروة فيقول: وتحدث
(1) المرجع السابق.
(2)
راجع شريعة الإسلام في الجهاد والعلاقات الدولية صـ 163.
الحرب من أجل استرقاق هذه الأمم فقد خلقتهم الطبيعة لهذا الغرض (1).
وقد أدى هذا الاعتقاد بالتالي إلى استهتار الرومان بأرواح الأمم الأخرى وأموالها من ناحية، ومن ناحية أخرى سيطرت على المجتمع الروماني بهمجية ووحشية جعلت أفراد المجتمع الروماني يتلذذون بمشاهدة الوحشية في ألعابهم، فحولوا هذا التلذذ المجازي إلى واقع فلو تخيلوا حرق بيت قاموا بحرقه فعلًا، وهكذا قاموا بحرق الإنسان حيًا، وتركوا الإنسان فريسة للأسود في قفص واحد، ولما كانوا في حاجة إلى هؤلاء الذين يتسلون بهم في لهوهم الوحشي ولم يكن من المعقول أن يكونوا من المواطنين الأحرار في روما؛ جعلوا أسرى الحرب وسائل لتلك التسلية الدموية، وكانت هذه التسلية تتم على نطاق واسع لدرجة أنها كانت تضم آلاف الرجال، يطاح بهم في وقت واحد.
أما تينوس الذي يقال: إنه محبوب الجنس البشرى فقد أمر بالقبض على خمسين ألفًا من الحيوانات المتوحشة ثم نزل منها عدة آلاف من الأسرى اليهود داخل سياج واحد.
وفي ألعاب بشعة أخرى كان هناك عشرة ألف رجل يتصارعون مع أحد عشر ألفًا من الوحوش الضارية.
وقد قام كلاديوس ذات مرة بجعل (19) تسع عشرة ألف رجل يقتلون بعضهم بعضًا بالسيف خلال هذه الألاعيب الحربية البشعة، والوصية التي كتبها قيصر أغسطس جاء فيها: لقد شاهدت مباريات ثمانية آلاف جندي مع ثلاثة آلاف وخمسمائة وعشرة من الحيوانات المفترسة، وكانت هذه المباريات تتم كلها باستخدام أسرى الحروب.
أضف إلى ذلك لقد كان استخدام أسرى الحرب يشمل أيضًا استرقاقهم من جانب الرومان الأحرار، وقد احتل الأسرى الدرجة الدنيا في المجتمع؛ إذ لم تكن لهم أية حقوق محدودة، ولم تكن لأرواحهم قيمة، ولم يكن لهم هدف من حياتهم سوى إرضاء رغبات
(1) راجع المصدر السابق.