الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ويكره لكم ثلاثًا: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال". (1)
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم قَال: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ الله أَحَبَّ الله لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ الله كَرِهَ الله لِقَاءَهُ". (2)
قال الشيخ مُحَمَّد خَلِيل هَرَّاس: تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ إِثْبَاتَ بَعْضِ صِفَاتِ الْفِعْلِ مِنَ الرِّضَى لله، وَالْغَضَبِ، وَاللَّعْنِ، وَالْكُرْهِ، وَالسَّخَطِ، وَالمُقْتِ، وَالْأَسَفِ.
وَهِيَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ صفَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ لله عز وجل، عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، وَلَا تُشْبِهُ مَا يَتَّصِفُ بِهِ المُخْلُوقُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا مَا يَلْزَمُ فِي الْمَخْلُوقِ. (3)
الوجه الثاني: صفة البغض، وكلام أهل العلم في صفة البغض
.
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عز وجل بالأحاديث الصحيحة.
الدليل:
1 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَال: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ - قَال - فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِى فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ الله يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ - قَال - ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ. وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ - قَال - فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ الله يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضوهُ - قَال - فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ"(4).
2 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها". (5)
(1) مسلم (1715).
(2)
البخاري (6507)، مسلم (2683).
(3)
شرح العقيد الواسطية 1/ 111.
(4)
رواه مسلم (2637).
(5)
رواه مسلم (671).
يقول ابن القيم: إن ما وصف الله سبحانه به نفسه من المحبة والرضى والفرح والغضب والبغض والسخط من أعظم صفات الكمال. (1)
وفي "تهذيب اللغة": "وقال الليث: البغض: نقيض الحب". (2)
قال الشيخ عبد الرزاق في عبد المحسن البدر: "والبغض" أي: ومن أوصافه الثابتة له سبحانه: البغض، فهو سبحانه يبغض الكفر والكافرين، والعصيان والعصاة.
ومن أدلة ثبوت هذه الصفة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانًا فأَحِبَّه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إنَّ الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانًا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إنَّ الله يبغض فلانًا فأبغضوه، فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض".
وهذا الحديث العظيم، هو في بيان شأن ومقام الذين يحبهم الله من عباده - وأسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم منهم بمنه وكرمه - فهو سبحانه ينادي في السماء: يا جبريل إني أحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل لحب الله تعالى له، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: يا أهل السماء إنَّ الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يطرح له القبول في الأرض. وهذا هو معنى قول الله تبارك وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)} [مريم: 96].
وإذا أبغض الله عبدًا نادى جبريل: إني أبغض فلانًا فأبغضه. فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إنَّ الله يبغض فلانًا فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء، ثم تطرح له البغضاء في الأرض، فهناك أهل محبة وأهل بغضاء، وإذا آمن العبد بذلك فعليه أن يعرف الأوصاف
(1) الصواعق المرسلة 4/ 1451.
(2)
تهذيب اللغة 8/ 17.
والأشخاص الذين يحبهم الله، وقد جاء في الحديث الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم:"أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله"(1).
فهذا الحديث من تحقيق الإيمان بصفة الحب وصفة البغض لله سبحانه وتعالى؛ لأن العبد مأمور أن يحب ما يحبه الله، وأن يبغض ما يبغضه الله.
إذا علمنا هذا، عرفنا الانقطاع الشاسع الكبير الذي وقع فيه الجهمية ومن تأثر بهم، الذين يقولون: إنَّ الله لا يُحب ولا يبغض ولا يرضى ولا يسخط. فما أضرَّ تعطيل صفات الله تبارك وتعالى أو تعطيل شيء منها على عبادة الإنسان وسلوكه، فكم أوجد فيهم هذا المعتقد من الانحرافات التعبدية والسلوكية.
فعقيدة الجهمية كما أنَّها انحراف في المعتقد هي كذلك انحراف في العبادة والسلوك، وبحسب ما يقع فيه العبد من التعطيل لصفات الله تعالى يكون الخلل في عبادته وسلوكه؛ إذ كلامهم الباطل في صفات الله تعالى قطع عليهم الطريق لتحصيل الآثار التي تقع من العبد إثر إيمانه بهذه الصفات العظيمة. (2)
ولهذا يقول ابن القيم: تجد أضعف الناس بصيرة أهل الكلام الباطل المذموم الذي ذمه السلف؛ لجهلهم بالنصوص ومعانيها وتمكن الشبه الباطلة من قلوبهم، وإذا تأملت حال العامة الذين ليسوا مؤمنين عند أكثرهم رأيتهم أتم بصيرة وأقوى إيمانًا وأعظم تسليمًا للوحي وانقيادًا للحق" (3)؛ لأنهم على السنة والفطرة.
وهذا يجعلنا نتنبه، فكما أكرمنا الله عز وجل بالإيمان بهذه الصفة: صفة المحبة وصفة البغض، فعلينا أن ننهض بأنفسنا، وأن نسعى جادين - مستعينين بالله - في معرفة الأمور التي يحبها الله لنفعلها فننال محبته، ولنعرف الأمور التي يبغضها فنجتنبها لنسلم من بغضه تبارك وتعالى لنا.
(1) أخرجه أحمد 4/ 286، والطيالسي (747)، وابن أبي شيبة (34338)، وصححه الألباني في الصحيحة (1728).
(2)
تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي ص 58: 160.
(3)
مدارج السالكين 1/ 125.