الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)} [يونس: 21].
وقال تعالى: {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)} [الرعد: 42].
وقال تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَال (46)} [إبراهيم: 46].
الوجه السابع: أقوال أهل العلم في المكر، وأن الله لا يوصف بالمكر إلا مقيدًا
.
قال الراغب الأصفهاني: المكر: صرف الغير عما يقصده بحيلة.
وذلك ضربان:
مكر محمود: وذلك أن يتحرى بذلك فعل جميل على ذلك قال: {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} .
ومكر مذموم: وهو أن يتحرى به فعل قبيح، قال:{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} ، {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ} وقال في الأمرين:{وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا} .
وقال بعضهم: من مكر الله إمهال العبد وتمكينه من أعراض الدنيا، ولذلك قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: من وسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله. (1)
وعلى التقديرين فإطلاق ذلك عليه سبحانه على حقيقته دون مجازها.
وقال ابن القيم: وأما المكر الذي وصف به نفسه فهو مجازاته للماكرين بأوليائه ورسله، فيقابل مكرهم السيء بمكره الحسن فيكون المكر منهم أقبح شيء، ومنه أحسن شيء؛ لأنه عدل ومجازاة وكذلك المخادعة منه جزاء على مخادعة رسله أوليائه فلا أحسن من تلك المخادعة والمكر (2).
(1) مفردات القرآن ص 47.
(2)
الفوائد ص 163.
وقال رحمه الله: وكذلك المكر ينقسم إلى محمود ومذموم؛ فإن حقيقته إظهار أمر وإخفاء خلافه، ليتوصل به إلى مراده. فمن المحمود مكره تعالى بأهل المكر مقابلة لهم بفعلهم وجزاء لهم بجنس عملهم قال تعالى:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54] وقال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 50]. (1)
وقال أيضًا: فإن المكر إيصال الشيء إلى الغير بطريق خفي وكذلك الكيد والمخادعة، ولكنه نوعان: قبيح وهو إيصال ذلك لمن لا يستحقه، وحسن وهو إيصاله إلى مستحقه عقوبة له؛ فالأولى مذموم والثاني ممدوح، والرب تعالى إنما يفعل من ذلك ما يحمد عليه عدلا منه وحكمة وهو تعالى يأخذ الظالم والفاجر من حيث لا يحتسب لا كما يفعل الظلمة بعباده، وأما السيئة فهي فيعلة مما يسوء ولا ريب أن العقوبة تسوء صاحبها فهي سيئة له حسنة من الحكم العدل. (2)
وقال ناصر الفهد: والصحيح في هذه الصفات إثباتها على الوجه اللائق بالله سبحانه، وكون الاستهزاء والمكر والكيد ونحوها صفات مذمومة من البشر لا يقتضي هذا نفيها عن الله سبحانه لأمرين:
الأمر الأول: أنَّ الله سبحانه وتعالى لا شبيه له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فلا يقاس بخلقه - كقياسات المعتزلة مشبهة الأفعال - فيجعل كل ما حسن من البشر حسن منه، وما قبح منهم قبح منه، فإن هذا لا يكون إلا للنظيرين، والله سبحانه لا نظير له، فقد يحسن منه ما لا يجوز للبشر الاتصاف به كالعظمة والكبرياء، وقد يحسن من خلقه ما ينزه عنه سبحانه كالعبودية.
(1) إغاثة اللهفان 1/ 388.
(2)
إعلام الموقعين 3/ 218.
الأمر الثاني: إن كون الاتصاف بهذه الصفات مذموم ليس على الإطلاق، لأن هذه الصفات ونحوها لها حالتان:
الحالة الأولى: يكون الاتصاف بها مذمومًا وهو إذا ما تضمن ذلك الظلم والكذب والغش ونحوها.
الحالة الثانية: يكون الاتصاف بها محمودًا وهو ما كان بحقٍ وعدلٍ ومجازاةٍ، فمن مكر بظلم فيحسن أن يمكر به بحقٍ وبعدلٍ.
فمثل هذه الصفات ليست كمالًا على الإطلاق، وليست نقصًا على الإطلاق؛ بل فيها تفصيل، ومثلها يرد إطلاقها على الله سبحانه في حالة كونها كمالا وهي التي تكون على سبيل المقابلة، لذلك فليس من أسمائه سبحانه (المستهزئ) ولا (الماكر) ولا (الكائد) ونحوها؛ لأنَّها ليست محمودة على الإطلاق، والله سبحانه لم يصف نفسه بها إلا على وجه المقابلة والجزاء لمن فعل ذلك بغير وجه حق. (1)
قال ابن القيم: عن صفات المكر والخداع والكيد والاستهزاء ونحوها -: (لا ريب أن هذه المعاني يذم بها كثيرًا، فيقال: فلان صاحب مكر وخداع وكيد واستهزاء، ولا تكاد تطلق على سبيل المدح بخلاف أضدادها، وهذا هو الذي غر من جعلها مجازًا في حق من يتعالى ويتقدس عن كل عيبٍ وذم.
والصواب: أنَّ معانيها تنقسم إلى محمود ومذموم، فالمذموم منها يرجع إلى الظلم والكذب، فما يذم منها إنما لكونه متضمنًا للكذب والظلم أو لهما جميعًا، وهذا هو الذي ذمه الله تعالى لأهله
…
فلما كان غالب استعمال هذه الألفاظ في المعاني المذمومة ظن المعطلون أن ذلك هو حقيقتها، فإذا أطلقت لغير الذم كان مجازًا، والحق خلاف هذا الظن، وأنها منقسمة إلى محمود ومذموم، فما كان منها متضمنًا للكذب والظلم فهو مذموم، وما كان
(1) الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام ص 61.