الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذلك لدلالة المعجز على صدقه، وأمر الله سبحانه بطاعته، وتحذيره من مخالفة أمره (1).
ومن البديهي بعد هذا أن أقول: إن السنة التي لها هذه الأهمية في التشريع، إنما هي السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالطرق العلمية، والأسانيد الصحيحة المعروفة عند أهل العلم بالحديث ورجاله (2).
ومعنى حجية السنة هو: وجوب العمل بمقتضاها (3)، وأقسام السنة كلها حجة أي: تصلح أن يحتج بها على ثبوت الأحكام الشرعية (4).
إجماع السلف على حجية السنة:
أجمع الناس على أن من استبانت له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس (5).
فإن الأئمة المقبولين عند الأمة قبولًا عامًّا؛ متفقون اتفاقًا يقينًا: على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويرد، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم (6).
وثبوت حجية السنة المطهرة، واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلا منْ لا حظَّ له في دين الإسلام (7).
3 - السنة وحي من الله عز وجل تكفل بحفظها:
قال تعالى واصفًا رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]. فصح لنا بذلك أن الوحي من الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ينقسم على قسمين:
(1) روضة الناظر موفق الدين ابن قدامة (1/ 273).
(2)
منتهى الأماني بفوائد مصطلح الحديث للمحدث الألباني أحمد سليمان (320).
(3)
حجية السنة عبد الغني عبد الخالق (243).
(4)
شرح الكوكب المنير ابن النجار (2/ 167).
(5)
إعلام الموقعين ابن القيم (2/ 239).
(6)
رفع الملام عن الأئمة الأعلام ابن تيمية (11).
(7)
إرشاد الفحول، الشوكاني (33).
أحدهما: القرآن، والثاني: الخبر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9]. وقالى تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} [الأنبياء: 45].
والذكر: اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم من قرآن، أو من سنة وحي يبيَّن بها القرآن.
فأخبر تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي، والوحي بلا خلاف: الذكر، وكله محفوظ بحفظ الله صلى الله عليه وسلم، مضمون لنا أنه لا يضيع منه شيء، إذ ما حفظ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء، فهو منقول إلينا كله (1).
وعن حسان بن عطية: كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن (2).
وقالى تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113].
قالى تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 34]، فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي: وذكر الله مَنَّهُ على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز - والله أعلم - أن يقال الحكمة ها هنا إلا سنة رسول الله؛ وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأن الله افترض طاعة رسوله، وحتم على الناس اتباع أمره؛ فلا يجوز أن يقال لقوله: فرض إلا لكتاب الله، ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه، غير رسوله صلى الله عليه وسلم (3).
(1) الإحكام في أصول الأحكام ابن حزم (1/ 93، 95، 115).
(2)
فتح الباري (13/ 305) بسند صحيح.
(3)
الرسالة الإمام الشافعي (78، 79).