الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأعطتها لإبرام زوجها لتكون زوجة) (التكوين 16/ 3)، كذلك في نفس السفر نجد أن (راميل) زوجة يعقوب الثانية حينما وجدت نفسها عقيمًا لا تلد طلبت منه عليه السلام أن يدخل بجاريتها (بلهة) ووجه الاستشهاد أن عبارة السفر تقطع بأن هذه الجارية قد صارت زوجة (فَأَعْطَتْهُ بِلْهَةَ جَارِيَتَهَا زَوْجَةً، فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَعْقُوب)(التكوين 30/ 4: 1).
إن إصرار اليهود على جعل إسحاق هو الذبيح دون إسماعيل له جانب هام يفوق في أهمية جانب البحث التاريخي الذي يراد به مجرد العلم باسم الذبيح من ابني إبراهيم، فإنه اختلاف يتعلق به اختيار الشعب الموعود ويتعلق به الحذف والإثبات في سيرة إبراهيم ليتصل بذرية إسحاق وينقطع عن ذرية إسماعيل أو ليثبت من سيرته كل ما يتعلق بإسرائيل ينقطع منها كل ما يتعلق بالعرب.
فاعتقاد اليهود إذن في أن إسحاق هو الذبيح جاء استكمالًا لاستبعاد إسماعيل واستئثار إسحاق بميراث أبيها إبراهيم عليه السلام حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق (1).
ويذكر ابن كثير: أن الذي حمل اليهود على التحريف وجعل إسحاق هو الذبيح حسدهم للعرب، فإن إسماعيل أبو العرب الذي يسكنون الحجاز الذين منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسحاق والد يعقوب -وهو إسرائيل- الذي ينتسبون إليه فأرادوا أن يجروا هذا الشرف إليهم فحرفوا كلام الله وزادوا فيه وهم قوم بهت ولم يقروا بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء (2).
5 - الاستدلال بموضع الذبيح
.
قد مر في قصة الذبح (4 وَفي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَفَعَ إبراهِيمُ عَيْنيه وَأبَصَرَ المُوْضِعَ مِنْ بَعِيدٍ)(التكوين 22/ 4)، فزعمت اليهود أن هذا امان هو موضع هيكل سليمان في أورشليم، وزعمت النصارى أنه موضع صلب المسيح عليه السلام حسب معتقدهم، ولكن المحققين منهم قد علموا أنه باطل محض.
(1) قصة الذبيح صـ 59.
(2)
قصص الأنبياء لابن كثير صـ 161.
ونذكر خلاصة آرائهم من كلام أحد مشايخهم، أعني (كولنزو) فإنه ذكر مخالفتهم في اسم الموضع الذي سموه (أرض المريا)، ثم صرح بتحريفهم في هذه التسمية، وهذا ما ذكره من الاختلاف:
ذكره من الاختلاف
جدول
النسخة السبعينية -النسخة العبرانية-موقع ذكر الاسم-ترجمة أقيلا الذي ناقض السبعينية- ترجمة سمافوس
إلى الأرض العالية -إلى أرض موره- التكوين (22/ 2) الأرض المستعلنة-أرض الرؤيا
البلوطة العالية -ميدان موره -التكوين (12/ 6)
قرب البلوطة العالية -على قرب ميدان موره -التثنية (11/ 30)
عند جبل مورة - عند جبل موره-القضاة (7/ 1)
وبعد أن ذكر هذه الاختلافات استدل كولنزو على تحريفهم وتمسك بحجتين:
الأولى: أن هذا الاسم لمكان الهيكل لا يوجد في سائر الصحف فقال (لا يوجد هذا الاسم في أحد من الكتب بعد سليمان، فإن كتب الأنبياء والمزامير الأولى لا تذكر الجيل الذي بنى عليه الهيكل إلا باسم (صيهون) ولا تذكر (مريا) أبدًا لمكان الهيكل.
والثانية: أن صفة ذلك الوضع لا تصدق على مكان الهيكل وهذه الحجة في غاية القوة. والمقصود من نقل هذه الأقوال أن موضع الذبح المسمى باسم مورة صار موضعًا لاختلاف شديد فيما بينهم فطائفة منهم غيبوا هذا الاسم وترجموه إما ببلوطات عالية وإما بأرض مستعلنة وإما بأرض الرؤيا وطائفة منهم أبقوا هذا الاسم ولكن حرفوه لفظًا فجعلوه (مورة)(ومرياة)(مورياة) وذلك ليلبسوا الحق بالباطل.
وقد رجح الإمام عبد الحميد الفراهي أن الاسم هو المروة بالميم الأصلية وتقديم الراء على الواو لكن حدث تحريف وتبديل لأصل الكلمة وقد بين ذلك.
والأمر الثاني الذي يكشفه لنا: هو تعيين المسمى بهذا الاسم فإن اليهود جعلوه لمكان هيكل سليمان والنصارى لمكان كنيسة القبر المقدس عندهم. ولكن الصحيح أن ذلك الموضع هو الذي في مساكن بني إسماعيل ولم يزل مشهورًا باسم المروة ويؤيد ذلك ما في صحفهم فإنه قد جاء في سفر القضاة (وَكَانَ جَيْشُ المدْيَانِيِّينَ شِمَالِيَّهُمْ عِنْدَ تَلِّ مُورَةَ فِي الْوَادِي)(القضاة 7/ 2: 1).
فتبين أن هذا تل مورة كان معسكر المديانيين ولا شك أن المديانيين هم العرب واسم مديان يطلق عليهم وعلى أرضهم وقد جاء التصريح بأن مديان هم الإسماعيليون (وَقَالَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ لجِدْعُونَ: "تَسَلَّطْ عَلَيْنَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنُ ابْنِكَ، لانكَ قَدْ خَلَّصتَنَا مِنْ يَدِ مِدْيَانَ". 23 فَقَالَ لهمْ جِدْعُونُ: "لا أتسَلَّطُ أنا عَلَيْكُمْ وَلا يَتَسَلَّطُ ابْنِي عَلَيْكُمُ. الرَّبُّ يَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمْ". 24 ثُمَّ قَالَ لهمْ جِدْعُونُ: "أَطْلُبُ مِنْكُمْ طِلْبَةً: أَنْ تُعْطُوني كُلُّ وَاحِدٍ أَقْرَاطَ غَنِيمَتِهِ". لأنهُ كَانَ لَهُمْ أَقْرَاطُ ذَهَبٍ لأَنَّهُمْ إِسْمَاعِيلِيُّونَ)(القضاة 8/ 24: 22).
فاتضح مما ذكرنا أن مورة كان في مساكن مديان وأن مديان هم بنو إسماعيل وأن أرض مديان في الحجاز على بحر قلزم (1).
قال د/ فتحي محمد الزغبي: وإذا كان كاتب سفر التكوين فد ذكر أن الجبل الذي أمر الله إبراهيم أن يذبح ابنه فوقه هو (جبل المريا) أو (أرض المريا) فإن مفسري العهد القديم وشراحه قد اختلفوا في تعيين هذا الجبل ومعرفته على سبيل التحديد جاء في كتاب (السنن القويم) أن معنى المريا إما (الرب علم) وإما (الرب معد أوراء).
فإن كان المعنى الثاني هو المقصود هنا فيكون المكان سمي المريا من الحادثة ويكون المعنى: المكان الذي فيه (الرب يعد أو يرى خروف المحرقة)، ورأى كثيرون من أكابر
(1) الرأي الصحيح صـ 62: 48 بتصرف.