الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 -
وهب في منبه: وذكر قصة طويلة في ذبح إسحاق. (1)
11 -
مسروق: قال: هو إسحاق (2).
الوجه الرابع: الحجح العقلية في أن الذبيح إسحاق عليه السلام
.
استدل القائلون بأن الذبيح إسحاق عليه السلام بحجج عقلية استنبطوها من آيات القرآن الكريم، وتأولوا معانيها حتى توافق مذهبهم، ومن هذه الحجج:
الحجة الأولى:
ذكر الإمام الرازي أن من الحجج العقلية التي استدل بها هؤلاء أنه تعالى لما حكى عن إبراهيم عليه السلام قبل هذه الآية أنه قال: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} وأجمعوا على أن المراد منه مهاجرته إلى الشام ثم قال: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)} فوجب أن يكون هذا الغلام ليس إلا إسحاق، ثم قال بعده:{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} وذلك يقتضي أن يكون المراد من هذا الغلام الذي بلغ معه السعي هو ذلك الغلام الذي حصل في الشام، فثبت أن مقدمة هذه الآية تدل على أن الذبيح هو إسحاق (3).
وهذا ما أشار إليه الطبري بقوله:
وأولى القولين بالصواب في المَفْديّ من ابني إبراهيم خليل الرحمن على ظاهر التنزيل قول من قال: هو إسحاق، لأن الله قال:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} فذكر أنه فدَى الغلامَ
= فيه أسباط صدوق كثير الخطأ، وموسي بن هارون شيخ الطبري ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/ 168) ولم يذكر فيه شيئًا، فمثله مجهول الحال.
(1)
موضوع. أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 559 - 560 من طريق عبد المنعم بن إدريس، عن أبيه، عن وهب بن منبه به. وفيه؛ إدريس بن سنان: ضعيف، التقريب 1/ 97.
عبد المنعم بن إدريس: يضع الحديث على أبيه، وقال أحمد ويحيى بن معين: كذاب. ثم هو لم يسمع من أبيه، مات أبوه وهو رضيع. ميزان الاعتدال 2/ 668، لسان الميزان 4/ 73، التاريخ الكبير 6/ 238، المجروحين لابن حبان 2/ 157.
(2)
إسناده ضعيف. أخرجه الطبري 23/ 81 من طريق شعبة وزكريا، عن ابن إسحاق، عن مسروق به.
(3)
الرازي في تفسيره 26/ 154.
الحليمَ الذي بُشِّر به إبراهيم حين سأله أن يهب له ولدًا صالحًا من الصالحين، فقال:{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)} فإذا كان المفدِيّ بالذبح من ابنيه هو المبشر به، وكان الله - تبارك اسمه - قد بين في كتابه أن الذي بُشِّر به هو إسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، فقال جل ثناؤه:{فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)} (هود: 71)، وكان في كل موضع من القرآن ذكر تبشيره إياه بولد، فإنما هو معنيّ به إسحاق، كان بيّنا أن تبشيره إياه بقوله:{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} في هذا الموضع نحو سائر أخباره في غيره من آيات القرآن (1).
وبنفس الحجة قاله القرطبي بشيء من التصرف (2).
فهم يرون أن الخليل عليه السلام قد بشر بالغلام بعد اعتزاله لقومه، وأن هذا الغلام هو إسحاق وليس إسماعيل حسب ما ورد في سورة مريم، وأن هذا الغلام المبشر به هو الذبيح لقوله تعالى:{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} ، وأن إسحاق فقط هو الذي بشر به دون إسماعيل.
وللرد عليهم وبيان بطلان ما ذهبوا إليه نقول:
فيما يتعلق بتبشير الله سبحانه لإبراهيم بإسحاق عقب الاعتزال كما يزعمون فإن ذلك غير صحيح، حيث إنهم اعتمدوا على ما ورد في سورة مريم {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ .. } (مريم: 49). فلو كان هذا صحيحًا لكان إسحاق أكبر من إسماعيل، وهذا لم يقل به أحد من اليهود والنصارى ولا من المسلمين، اللهم ما ذكره القرطبي فشذ فيه عن الجميع حين قال في تفسيره لقصة الذبيح: قد ذكرنا أولًا ما يدل على أن إسحاق أكبر من إسماعيل (3).
ولو كان الأمر كما يدعي لأصبح إسحاق هو البكر وأراح اليهود من محاولات التحريف والتبرير التي أحدثوها حتى ينفوا عن إسماعيل أنه بكر، ويسقطوا عنه البكورية.
(1) جامع البيان 23/ 85.
(2)
الجامع لأحكام القرآن 15/ 100.
(3)
الجامع لأحكام القرآن 15/ 111.
والعجيب أنني وجدت القرطبي يذكر أن إسماعيل هو أكبر ولد إبراهيم، وأن أباه قد نقله إلى مكة وكان له سنتان، وأنه ولد قبل أخيه إسحاق (1).
بل والأعجب من ذلك أنني وجدته في تفسير سورة مريم يقول بالنص في قوله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ} : والجمهور أنه إسماعيل الذبيح أبو العرب ابن إبراهيم. وقد قيل: إن الذبيح إسحاق، والأول أظهر على ما تقدم ويأتي في "وَالصَّافَّاتِ" إن شاء الله تعالى (2).
فالإجماع قائم من أهل الكتاب والمسلمين على أن إسماعيل أكبر من إسحاق، وبناءً على ذلك فإن أول غلام بشر به إبراهيم بعد اعتزاله لقومه أو هجرته لربه هو إسماعيل وليس إسحاق، وأن قوله تعالى:{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} ينطبق على إسماعيل.
ونكتفي بالإشارة هنا إلى أن الفاء في {فَبَشَّرْنَاهُ} للتعقيب، والبشارة: الإِخبار بخير وارد عن قرب أو على بعد؛ فإن كان الله بشّر إبراهيم بأنه يولد له ولد أو يوجد له نسل عقب دعائه كما هو الظاهر وهو صريح في سفر التكوين في الإصحاح الخامس عشر فقد أخبره بأنه استجاب له وأنه يهبه ولدًا بعد زمان، فالتعقيب على ظاهره؛ وإن كان الله بشره بغلام بعد ذلك حين حملت منه هاجر جاريته بعد خروجه بمدة طويلة، فالتعقيب نسبي، أي بشرناه حين قدّرنا ذلك أول بشارة بغلام فصار التعقيب آئلًا إلى المبادرة كما يقال: تزوج فولد له؛ وعلى الاحتمالين فالغلام الذي بُشر به هو الولد الأول الذي ولد له وهو إسماعيل لا محالة. وهذا الغلام الذي بشر به إبراهيم هو إسماعيل ابنه البكر وهذا غير الغلام الذي بشره به الملائكة (3).
والرد على قولهم أن إسحاق وحده هو المبشر به دون إسماعيل:
فإنه يكفي أن تكون هذه الآية {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)} كما يقول الآلوسي دليلًا على أنه مبشر به أيضًا لأن قوله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} بعد استيفاء هذه القصة في
(1) الجامع لأحكام القرآن 2/ 140.
(2)
الجامع لأحكام القرآن 11/ 121.
(3)
التحرير والتنوير لابن عاشور 23/ 149.