الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتاب ثم جئت به في أديم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا الذي في يدك يا عمر؟ " فقلت: يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد علمًا إلى علمنا، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة فقالت الأنصار: أغضب نبيكم صلى الله عليه وسلم؟ السلاح السلاح فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتمه واختصر لي اختصارًا، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون" قال عمر: فقصت فقلت: رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبك رسولًا ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
الوجه الخامس: ضعف السند إلى الصحابي أو التابعي
.
فقد يكون ما روي عن الصحابة مدسوسًا عليهم وضعه عليهم الزنادقة والملحدون كي يظهروا الإسلام وحملته بهذا المظهر المنتقد المشين، ويجوز أن يكون بعضها مما ألصق بالتابعين ونسب إليهم زورًا، ولاسيما أن أسانيد معظمها لا تخلو من ضعيف أو مجهول أو متهم بالكذب أو الوضع أو معروف بالزندقة أو مغمور في دينه وعقيدته، وبعض الإسرائيليات قد يصح السند إليها.
الوجه السادس: رواية الكذب ليس معناها أن الراوي هو الذي اختلقه بيان صدق من روى، أو روى عنه الإسرائيليات
.
بعض الإسرائيليات قد يصح السند إليها، ولعل قائلًا يقول: أما ما ذكرت من احتمال أن تكون هذه الروايات الإسرائيلية مختلقة موضوعة على بعض الصحابة والتابعين فهو إنما يتجه في الروايات التي في سندها ضعف أو مجهول أو وضاع أو متهم بالكذب، أو سيء الحفظ، يخلط بين المرويات، ولا يميز، أو نحو ذلك، ولكن بعض هذه الروايات حَكَم عليها بعض حفاظ الحديث بأنها صحيحة السند أو حسنة السند أو إسنادها جيد أو ثابت ونحو ذلك فماذا تقول فيها؟ .
والجواب: أنه لا منافاة بين كونها صحيحة السند، أو حسنة السند أو ثابتة السند وبين كونها من إسرائيليات بني إسرائيل، وخرافاتهم وأكاذيبهم فهي صحيحة السند إلى ابن
(1) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1/ 223).
عباس، أو عبد الله بن عمرو بن العاص أو إلى مجاهد، أو عكرمة، أو سعيد بن جبير وغيرهم ولكنها ليست متلقاة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بالذات، ولا بالواسطة ولكنها متلقاة عن أهل الكتاب الذين أسلموا فثبوتها إلى من رويت عنه شيء وكونها مكذوبة في نفسها، أو باطلة أو خرافة شيء آخر، ومثل ذلك: الآراء والمذاهب الفاسدة اليوم فهي ثابتة عن أصحابها وعن آرائهم ولاشك ولكنها في نفسها فكرة باطلة أو مذهب فاسد.
فقد اختلق الوضاعون عليهم أشياء كثيرة، فاتخذوهم مطية لترويج الكذب وإذاعته بين الناس، مستغلين شهرتهم العلمية الواسعة بما في كتب أهل الكتاب، ثم تناقل هذه الأخبار بعض القصاص والمؤرخين والأدباء، وبعض المفسرين على أنها حقائق، من غير أن يتثبتوا من صحة نسبتها إلى من عزيت له.
يقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: وبعض أهل عصرنا تكلم فيه - يقصد وهب بن منبه - عن جهل، ينكرون أنه يروي الغرائب عن الكتب القديمة، وما في هذا بأس، إذ لم يكن دينًا، ثم أنى لنا أن نوقن بصحة ما روي عنه من ذلك وأنه هو الذي رواه وحدَّث به".
فهل بعد هذا كله نقبل كلام جولد زيهر ومن مشى في ركابه، ونعرض عن كلام أئمة الإسلام، وجهابذة المحدثين والنقاد، الذين وثقوا هؤلاء الرواة، وخرجوا أحاديثهم في كتبهم التي تلقتها الأمة بالقبول جيلًا بعد جيل، فضلًا عن أن نتهمهم بالمكر والدهاء والكيد للإسلام وأهله، اللهم إنا نبرأ إليك من ذلك (1).
وأحب أن أنبه هنا إلى حقيقة وهي: أنه ليس معنى أن هذه الإسرائيليات المكذوبات والباطلات مروية عن كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام وأمثالهم أنها من وضعهم، واختلاقهم كما زعم ذلك بعض الناس اليوم وإنما معنى ذلك أنهم هم الذين رووها ونقلوها لبعض الصحابة والتابعين من كتب أهل الكتاب ومعارفهم وليسوا هم الذين اختلقوها وإنما اختلقها، وافتجرها أسلافهم القدماء.
(1) مجلة النار (26/ 1/ 73).