الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} (المائدة: 90)، وقال تعالى:{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19} (المجادلة: 19).
وعن عُثْمَانَ بْنَ أَبِى الْعَاصِ رضي الله عنه أنه أَتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَي، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ: خِنْزِبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْته فتعَوَّذْ بِالله مِنْهُ وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلًاثًا"، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَهُ الله عَنِّي (1).
ثالثا: طبيعة الشيطان وخلقته وطعامه وشرابه:
قال تعالى: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} (الحجر: 27)، وقال تعالى:{وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} (الرحمن: 15).
قال ابن كثير: وخلقُه الجان من مارج من نار، وهو: طرف لهبها. قاله الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنه، وبه يقول عكرمة، ومجاهد، والحسن، وابن زيد.
وقال العَوْفي عن ابن عباس رضي الله عنه: {مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} من لهب النار، من أحسنها.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه: {مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} من خالص النار، وكذا قال عكرمة، ومجاهد، والضحاك وغيرهم (2).
وعن عائشة قالت: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خُلِقَتِ الملائِكَةُ مِنْ نُور، وَخُلِقَ الجْانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ"(3).
قال النووي: والمارج: اللهب المختلط بسواد النار (4).
(1) مسلم (2203).
(2)
تفسير ابن كثير (13/ 317).
(3)
مسلم (2996).
(4)
شرح النووي (9/ 350).
وفي صفة خلقهم قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} (الأعراف: 179)، فقد صرح الله عز وجل بأن للجن قلوبًا وأعينًا وآذانًا، وكذلك لهم صوت لقوله تعالى:{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} (الإسراء: 64)(1).
أما عن طعامهم وشرابهم:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إِدَاوَةً لِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْبَعُهُ بِهَا فَقَالَ:"مَنْ هَذَا"، فَقَالَ: أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ:"ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا، وَلا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلا بِرَوْثَةٍ"، فَأَتيْتُهُ بِأَحْجَارٍ أَحْمِلُهَا في طَرَفِ ثَوْبِي حَتَّى وَضَعْتُ إِلَى جَنْبِهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مَشَيْتُ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ، قَالَ:"هُمَا مِنْ طَعَامِ الجِنِّ، وَإِنَّهُ أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصيبِينَ وَنِعْمَ الجنُّ، فَسَألُونِى الزَّادَ، فَدَعَوْتُ الله لَهُمْ أَنْ لَا يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ إِلَاّ وَجَدُوا عَلَيْهَا طَعَامًا"(2).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَتَانِى دَاعِي الجنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ"، قَالَ: فَانْطَلَقَ بِنَا، فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، وَسَأَلُوهُ الزَّادَ، فَقَالَ:"لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ يَقَعُ في أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لحْمًا وَكُلُّ بَعَرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ"، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِما فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ"(3).
وعن ابن عمر رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ"(4).
قال النووي: وَفِيهِ: أَنَّهُ يَنْبَغِي اِجْتِنَاب الْأَفْعَال الَّتِي تُشْبِه أَفْعَال الشَّيَاطِين، وَأَنَّ
(1) راجع (سلسلة العقيدة في ضوء الكتاب والسنة)، (عالم الجن والشياطين) د/ عمر الأشقر.
(2)
البخاري (3860).
(3)
مسلم (450).
(4)
مسلم (2020).
لِلشَّيَاطِينِ يَدَيْنِ (1).
ومن حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لا يُذْكَرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ (2).
قال النووي: مَعْنَى: (يَسْتَحِلّ) يَتَمَكَّن مِنْ أَكْله، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَتَمَكَّن مِنْ أَكْل الطَّعَام إِذَا شَرَعَ فِيهِ إِنْسَان بِغَيْرِ ذِكْر الله تَعَالَى، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْرَع فِيهِ أَحَد فَلَا يَتَمَكَّن، وَإِنْ كَانَ جَمَاعَة فَذَكَرَ اِسْم الله بَعْضهمْ دُون بَعْض لَمْ يَتَمَكَّن مِنْهُ، تُمَّ الصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالخَلَف مِنْ المحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاء وَالمُتكَلِّمِينَ أَنَّ هَذَا الحدِيث وَشَبَهه مِنْ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي أَكْل الشَّيْطَان مَحْمُولَة عَلَى ظَوَاهِرهَا، وَأَنَّ الشَّيْطَان يَأْكُل حَقِيقَة؛ إِذْ الْعَقْل لَا يُحِيلهُ، وَالشَّرْع لَمْ يُنْكِرهُ؛ بَلْ أَثْبَته فَوَجَبَ قَبُوله وَاعْتِقَاده، وَالله أَعْلَم (3).
وعن جابر بنِ عَبْدِ الله رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ الله عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ الله عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ المْبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ الله عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ المُبِيتَ وَالْعَشَاءَ"(4).
* * *
(1) شرح النووي (7/ 212).
(2)
مسلم (2017).
(3)
شرح النووي (7/ 211).
(4)
مسلم (2018).