الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَكُونُ بِضَمِّ الْبَاء. وَالله أَعْلَمُ (1).
قال ابن حجر: اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الدَّوَابّ لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيَما جَرَتْ الْعَادَة بِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَوْلهَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ، لِلْإِشَارَةِ إِلَى مُعْظَم مَا خُلِقَتْ لَهُ، وَلَمْ تُرِدْ الحْصْر فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْر مُرَاد اِتِّفَاقًا، لِأَنَّ مِنْ أَجْل مَا خُلِقَتْ لَهُ أَنَّهَا تُذْبَح وَتُؤْكَل بِالِاتِّفَاقِ (2).
وقال أيضًا: وقد أورد البخاري الْحَدِيث فِي ذِكْر بَنِي إِسْرَائِيل، وَهُوَ مُشْعِر بِأَنَّهُ عِنْده مِمَّنْ كَانَ قَبْل الْإِسْلَام، وَقَدْ وَقَعَ كَلَام الذِّئْب لِبَعْضِ الصَّحَابَة فِي نَحْو هَذ الْقِصَّة.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينا راع يرعى بالحرة إذ انتهز ذئب شاة من شياهه، فحال الراعي بين الذئب والشاة، فأقعى الذئب على ذنبه، ثم قال للراعي: ألا تتقي الله، تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي؟ فقال الراعي: العجب من ذئب مقع على ذنبه يتكلم بكلام الإنس، فقال الذئب: ألا أحدثك بأعجب مني: رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق، فساق الراعي شاة حتى أتى المدينة، فزوي إلى زاوية من زواياها ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فحدثه بحديث الذئب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس، فقال: للراعي: "قم فأخبرهم"، قال: فقام الراعي فحدثهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صدق الراعي ألا إنه من أشراط الساعة كلام السباع للإنس"(3).
وقَوْله صلى الله عليه وسلم: "فَإِنِّي أُؤْمِن بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْر وَعُمَر"، أَطْلَقَ ذَلِكَ لمِا اِطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُمَا يُصَدِّقَانِ بِذَلِكَ إِذَا سَمِعَاهُ وَلَا يَتَرَدَّدَانِ (4).
الوجه الثاني: أن الله عز وجل لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو قادر على إنطاق كل شيء
.
إن من يتعجب أن بقرة تتكلم، أو ذئب يتكلم، لجاهل باسم الله القدير سبحانه وتعالى، واسمه القادر عز وجل.
(1) شرح النووي 8/ 170.
(2)
فتح الباري 6/ 580.
(3)
دلائل النبوة لأبي نعيم (234)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (122).
(4)
فتح الباري 6/ 581.
وإذا نظرنا إلى مثل هذه الخوارق لوجدنا أن الله سبحانه سيُنطق الجلود يوم القيامة، والسمع، والبصر، والأيدي، والأرجل، والألسن، يقول تعالى:{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22)} (فصلت 22: 19).
وقال سبحانه: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)} (النور 25: 24).
قال الطبري: يقول الله: حتى إذا ما جاءوا النار، شهد عليهم سمعهم بما كانوا يصغون به في الدنيا إليه، ويسمعون له، وأبصارهم بما كانوا ينظرون إليه في الدنيا {وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. وقد قيل: عني بالجلود في هذا الموضع: الفروج (1).
وقال في آية سورة النور: وذلك حين يجحد أحدهم ما اكتسب في الدنيا من الذنوب، عند تقرير الله إياه بها فيختم الله على أفواههم، وتشهد عليهم أيديهم، وأرجلهم بما كانوا يعملون. فإن قال قائل: وكيف تشهد عليهم ألسنتهم حين يختم على أفواههم؟ قيل: عني بذلك أن ألسنة بعضهم تشهد على بعض، لا أنَّ ألسنتهم تنطق وقد ختم على الأفواه (2). قال تعالى:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (يس: 65).
ومن هذا الباب أيضًا أن هناك بعض البشر قد تكلموا في المهد:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي المهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ عِيسَى وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ، كَانَ يُصَلِّي جَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي فَقَالَتْ:
(1) تفسير الطبري 11/ 99.
(2)
تفسير الطبري 9/ 292.
اللهمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ المُومِسَاتِ، وَكَانَ جرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ، وَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى، فَأَتئَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَقَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ فَأَتَوْهُ، فَكَسَرُوا صوْمَعَتَهُ، وَأَنْزَلُوهُ، وَسَبُّوهُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ قَالَ الرَّاعِي، قَالُوا نَبْنِي صوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لَا إِلَّا مِنْ طِينٍ، وَكَانَتْ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ، فَقَالَتْ: اللهمَّ اجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهُ؛ فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ اللهمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: - كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَمَصُّ إِصْبَعَهُ - ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ فَقَالَتْ: اللهمَّ لَا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ؛ فَتَرَكَ ثَدْيَهَا فَقَالَ: اللهمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَقَالَتْ: لِمَ ذَاكَ فَقَالَ: الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنْ الجَبَابِرَةِ، وَهَذِهِ الْأَمَةُ يَقُولُونَ سَرَقْتِ زَنَيْتِ وَلَمْ تَفْعَلْ (1).
وقال الله عز وجل عن عيسى وهو في المهد: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} (مريم 33: 30).
* * *
(1) البخاري (3436)، مسلم (2550).