الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فدليل الجواز يمنع التحريم، ودليل التحريم يمنع الجواز، فكل منهما مقابل للآخر، ومعارض له، وممانع له (1).
ومرادهم بوقوع التعارض في الشريعة: تقابل الأدلة -القرآن مع القرآن، والسنة مع السنة، والقياس مع القياس، والإجماع مع الإجماع، ثم تقابل كل منها مع الآخر- فالقرآن يقابل السنة والقياس، والسنة تقابل القياس والإجماع، والقياس يقابل الإجماع؛ فيكون مجموع الأدلة المتقابلة عشرة أدلة، بحيث يمنع مدلول أحدها مدلول الآخر، فيستحيل الجمع بينهما بوجه من وجوه الجمع الصحيحة، مثل أن يكون أحد الدليلين مثبت والآخر نافٍ في زمن واحد، في محل واحد، فإذا أثبتوا على الشريعة هذا التناقض؛ امتنع الأخذ بها بأي وجه من الوجوه.
الوجه الثاني: أركان التعارض
.
للتعارض ركنان هما:
الأول: كون كل من المتعارضين حجة، أي: دليل شرعي محتَجّ به يصح التمسك به في محل النزاع، ويمكن استنباط الحكم منه، فإذا كان أحد الدليلين دليلًا لا يحتج به كالحديث الضعيف مثلًا، لم يكن ثَمَّ تعارض. وكون هذا ركن واضح من تعريف التعارض بأنه تقابل الدليلين.
الثاني: تقابل الدليلين على وجه التمانع، بحيث لا يمكن الجمع بينهما جمعًا صحيحًا، فإن أمكن الجمع بينهما، أو كان كل واحد منهما ينزل على نوع لم يكن هناك تعارض، وإن كان كل واحد منهما ينزل في زمن من الأزمان لم يكن ثَمَّ تمانع. (2)
الوجه الثالث: شروط تحقيق التعارض
.
لابد للحكم على حديثين بالتعارض، وجعلهما من باب مختلف الحديث: أن يكون كل منهما مُحْتَجًّا به، أما إن كان أحدهما لا يُقْبَلُ بحال، فإنه لا يُعَارَضُ به القوي، إذ إنه-
(1) نهاية السول شرح منهاج الوصول (2/ 20)، شرح الكوكب المنير (4/ 605) أصول السرخسي (2/ 14)، البحر الحيط (6/ 109)، إرشاد الفحول (605)، الواضح في أصول الفقه (270)، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية د/ محمود عبد المنعم (1/ 467، 466).
(2)
أصول السرخسي (2/ 14)، تعارض أدلة التشريع وطرق التخلص منه د/ حمدي صبح طه صـ (49).
والحالة هذه- لا أَثَر له.
وقد بين ابن القَيِّم رحمه الله ذلك وأكده، فقال: لا يجوز معارضة الأحاديث الثابتة بحديث من قد أجمع علماء الحديث على ترك الاحتجاج به. (1)
وقال: ومعارضة الأحاديث الباطلة للأحاديث الصحيحة لا توجب سقوط الحكم بالصحيحة والأحاديث الصحيحة يصدق بعضها بعضًا. (2)
الشرط الأول: اتحاد محل الحكمين المستفادين من الدليلين، فإن اختلف المحل فلا تعارض. فالنكاح الصحيح مثلًا يحل ويحرم، ولا تقابل ولا تعارض لاختلاف المحل، فيحل الزوجة، ويحرم أمها، فلا تعارض بين قوله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، لكونه في الزوجة التي أحلها عقد النكاح وهي محل الحكم، وبين قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} إلي قوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23]، لكونه في الأم التي هي محل التحريم بالعقد على ابنتها، فاختلف محل الحكمين.
الشرط الثاني: اتحاد الجهة، ويُعَبَّر عنه باتحاد الحال أي: الحال المحمول عليه كل من الحكمين التي يتوجه إليها الحكمان المتقابلان، فإن اختلفت الجهة ولو اتحد الحكم فلا تعارض، ومثال ذلك الأمر بحلق الرأس في الحج والعمرة، والنهي عن حلقه فيهما، لاختلاف جهة الحكم، فلا تعارض بين قوله تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]، وبين قوله:{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27]، فالآية الأولى فيما يحرمه الإحرام بالحج والعمرة، والآية الثانية في التحلل من الحج والعمرة.
ومثال آخر قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6].
(1) تهذيب السنن 6/ 324.
(2)
أحكام أهل الذمة (2/ 1124).