الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: أدلة المنكرين لخبر الواحد:
وقد تعلق المنكرون لحجية خبر الواحد بعدد من الأدلة، التي زعموا أنها تؤيد ما ذهبوا إليه في ردِّهم لخبر الواحد، وعدم قبوله.
1 -
من ذلك قصة ذي اليدين الثابتة في الصحيح، حين توقف النبي صلى الله عليه وسلم في قبول خبر
ذي اليدين لما سلَّم على رأس الركعتين في صلاة العشاء فقال له ذو اليدين: (أقصرت فيلصلاة أم نسيت؟ )، قالوا: فلم يقبل خبره حتى أخبره أبو بكر، وعمر، ومن كان في الصف بصدقه، فأتمَّ عليه الصلاة والسلام صلاته، وسجد للسهو، ولو كان خبر الواحد حجة؛ لأتمَّ صلى الله عليه وسلم صلاته من غير توقف، ولا سؤال.
2 -
ثم قالوا: وقد روي عن عدد من الصحابة عدم العمل بخبر الآحاد، فقد ثبت أن أبا بكر ردَّ خبر المغيرة بن شعبة في ميراث الجدَّة، حتى انضم إليه خبر محمد بن مسلمة، وثبت أن عمر ردَّ خبر أبي موسى في الاستئذان، حتى انضم إليه أبو سعيد، وكان علي لا يقبل خبر أحد حتى يحُلِّفه سوى أبي بكر، وردَّت عائشة خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله، إلى غير ذلك من الروايات.
الرد على هذه الشبهات:
وكلُّ ما ذكروه من شبه في الحقيقة ليس فيها دليل على ما ذهبوا إليه من عدم الاحتجاج بخبر الواحد، والإجابة عنها في غاية الوضوح لمن كان يعقل.
أولًا: فأما توقف النبي صلى الله عليه وسلم في خبر ذي اليدين، فلأنه توهم غلطه حيث استبعد أن ينفرد بمعرفة هذا الأمر دون من حضره من الجمع الكثير، ولذا قال له صلى الله عليه وسلم:"لم أنس، ولم تقصر الصلاة؟ "، وكان هذا اعتقاده صلى الله عليه وسلم، ولا يُكَلَّف الإنسان بقبول خبرٍ مع اعتقاده خطأه، فلما وافقه غيره؛ ارتفع احتمال الوهم عنه، فَقَبِلَه صلى الله عليه وسلم، وعمل بموجب الخبر عندما تبين له عدم الوهم، وبعبارة أخرى: كان يقين ذي اليدين معارضًا ليقين النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن تقديم أحدهما إلا بمرجح خارجي، وهو شهادة الصحابة الباقين.
ورد الصحابة له أسباب:
1 -
إما للتثبت: كما رد عمر بن الخطاب أبا موسى، فقد أخبره أنه أراد التثبت.
2 -
وإما لأن الصحابي رأى أن الخبر يعارض دليلًا قطعيا: كما في إنكار عائشة على ابن عمر رضي الله عنه حديثه: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" فقالت: حسبكم القرآن {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (الأنعام: 164).
3 -
وإما أظنه عدم ضبط الراوي أو خطئه، مثل رد عمر.
ثانيًا: وأمَّا ما أوردوه من أن عددًا من الصحابة لم يعمل بخبر الآحاد، فإن الثابت الذي لا شك فيه أن الصحابة رضي الله عنه مجمعون على العمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم آحادًا كان أو غير آحاد -، فإذا روي عنهم التوقف في بعض الأخبار؛ فإن ذلك لا يدل على عدم الاحتجاج والعمل به، بل قد يكون لغرض آخر كطروء ريبة، أو احتمال الوهم، أو سدِّ ذريعة، أو مزيد رغبة في التثبت والاحتياط، إلى غير ذلك من الأغراض.
فردُّ أبي بكر رضي الله عنه لخبر المغيرة في ميراث الجدَّة لم يكن ردًّا منه لخبر الآحاد، ولكنه توقف فيه إلى أن يأتي ما يؤيده ويزيده تثبتًا من وجود هذا التشريع في الإسلام، وهو إعطاء الجدَّة السدس، خصوصًا وأنه لم ينص عليه في القرآن؛ فكان لا بد للعمل به وإقراره من زيادة في التثبت والاحتياط، فلما شهد محمد بن مسلمة أنه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم لم يتردد أبو بكر في العمل بخبر المغيرة، ومع أن شهادة محمد بن مسلمة لم ترفع الخبر عن كونه آحادًا؛ إلا أن أبا بكر لم يتردد في قبوله، والعمل به.
- وأما ردُّ عمر صلى الله عليه وسلم لخبر أبي موسى الأشعري في الاستئذان؛ فإن أبا موسى أخبره بالحديث عقب إنكاره عليه، فأراد عمر التثبت والاحتياط في الرواية؛ سدًّا للذريعة، لئلا يفضي ذلك إلى التوسع في الحديث عن رسول الله، خصوصًا ممن نشأ حديثًا في الإسلام أو دخل فيه، ولذلك قال عمر لأبي موسى:(أما إني لم أتَّهِمك، ولكنه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).