الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 - شبهة: الحمى من جهنم
.
نص الشبهة:
عن رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ الْحُمَّى مِنْ فَوْرِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا عَنكمْ بِالمُاءِ (1).
والجواب عن ذلك من وجوه:
الوجه الأول: معنى (فيح جهنم
، وفور جهنم).
الوجه الثاني: معنى الحديث (الْحُمَّى مِنْ فَوْرِ جَهَنَّمَ).
الوجه الثالث: فوائد النار في الدنيا التي تنفع في الآخرة.
الوجه الرابع: فوائد الحمى.
وإليك التفصيل،
الوجه الأول: معنى (فيح جهنم).
قال ابن منظور: (فيح): فاحَ الحرُّ يَفِيحُ فَيْحًا سَطَعَ وهاجَ وفي الحديث شدّة القَيْظ من فَيْح جهنم الفَيْح سُطُوع الحرّ وفَوَرانُه ويقال بالواو فوح الحر شدة سطوعه، وفاض القِدْرُ تَفِيحُ وتَفُوحُ إِذا غَلَتْ وقد أَخرجه مَخْرَجَ التشبيه أَي كأَنه نار جهنم في حرِّها.
وفَوْرُ الحرّ شدته وفي الحديث "كلا بل هي حُمَّى تَثُور أَو تَفُور" أَي يظهر حرها وفي الحديث "إِن شدة الحرّ من فَوْرِ جهنم" أَي وَهَجِها وغليانها، وفار الشيء فورًا: جاش (2).
قال ابن حجر: (بَاب الْحُمَّى مِنْ فَيْح جَهَنَّم)، وفي لَفْظِ "فَوْر" بِالرَّاءَ بَدَل الْحَاء وَكُلّهَا بِمَعْنًى وَالْمرَاد سُطُوع حَرّهَا وَوَهَجه (3). ويُقصد به أيضًا شِدَّة حَرّهَا وَلَهَبهَا وَانْتِشَارهَا (4).
الوجه الثاني: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: الْحُمَّى مِنْ فَوْر جَهَنم
.
إن خِطَابُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَوْعَانِ: عَامّ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، وَخَاصّ بِبَعْضِهِمْ، فَالْأَوّلُ كَعَامّةِ
(1) البخاري (3262)، مسلم (2212).
(2)
لسان العرب 5/ 67.
(3)
فتح الباري 6/ 185.
(4)
شرح النووي 7/ 456.
خِطَابِهِ، وَالثّانِي: كَقَوْلِهِ: "لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرّقُوا أَوْ غَرُّبوا"(1)، فَهَذَا لَيْسَ بِخِطَابٍ لِأَهْلِ الْمشْرِقِ وَالْمغْرِبِ وَلَا الْعِرَاقِ لِأَهْلِ الْمدِينَةِ وَمَا عَلَى سَمْتِهَا كَالشّامِ وَغَرهَا، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَخِطَاُبهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ خَاصّ بِأَهْلِ الحجَازِ مَا وَالَاهُمْ؛ إذْ كَانَ أَكْثَرُ الحمِيّاتِ الّتِي تَعْرِضُ لَهُمْ مِنْ نَوْعِ الْحُمّى الْيَوْمِيّةِ الْعَرَضِيّةِ الْحَادِثَةِ عَنْ شِدّةِ حَرَارَةِ الشّمْسِ؛ وَهَذِهِ يَنْفَعُهَا الماءُ الْبَارِدُ شُرْبًا وَاغْتِسَالًا (2).
قال ابن حجر: وَاخْتُلِفَ فِي نِسْبة الحمى إِلَى جَهَنَّم فَقِيلَ حَقِيقَة، وَاللهب الْحَاصِل فِي جِسْم الْمَحْمُوم قِطْعَة مِنْ جَهَنَّم، وَقَدَّرَ الله ظُهُورهَا بِأَسْبَابٍ تَقْتَضِيهَا لِيَعْتَبِر الْعِبَاد بِذَلِكَ، كَمَا أَنَّ أَنْوَاع الْفَرَح وَاللَّذَّة مِنْ نَعِيم الجنَّة، أَظْهَرهَا فِي هَذ الدَّار عِبْرَة وَدَلَالَة. وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيث أَخْرَجَهُ الْبَزَّار مِنْ حَدِيث عَائِشَة بِسَنَدٍ حَسَن، وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عِنْد أَحْمَد، وَعَنْ أَبِي رَيْحَانَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ، وَعَنْ ابْن مَسْعُود فِي مُسْنَد الشِّهَاب "الحمَّى حَظّ المُؤْمِن مِنْ النَّار". وَقِيلَ: بَلْ الْخَبَر وَرَدَ مَوْرِد التَّشْبِيه، وَالمعْنَى أَنَّ حَرّ الْحُمَّى شَبِيه بَحْر جَهَنَّم تَنْبِيهًا لِلنّفوسِ عَلَى شِدَّة حَرّ النَّار، وَأَنَّ هَذ الحْرَارَة الشَّدِيدَة شَبِيهَة بِفَيْحِهَا وَهُوَ مَا يُصِيب مَنْ قَرُبَ مِنْهَا مِنْ حَرّهَا كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ فِي حَدِيث الْإِبْرَاد، وَالْأَوَّل أَوْلَى وَالله أَعْلَم.
وَيُؤَيِّد هذا القَوْل إِبْن عُمَر رضي الله عنه: (اكشف عنا الرجز) أي: العذاب، وهذا موصول بالسند الذي قبله، وكأن ابن عمر فهم من كون أصل الحمى من جهنم، أن من أصابته عذب بها، وهذا التعذيب يختلف باختلاف محله: فيكون للمؤمن تكفيرا لذنوبه وزيادة في أجوره كما سبق، وللكافر عقوبة وانتقامًا. وإنما طلب ابن عمر كشفه مع ما فيه من الثواب لمشروعية طلب العافية من الله سبحانه؛ إذ هو قادر على أن يكفر سيئات عبده ويعظم ثوابه، من غير أن يصيبه شيء يشق عليه. (3)
(1) البخاري (144)، مسلم (264).
(2)
زاد المعاد 4/ 26: 25.
(3)
فتح الباري 10/ 188: 185.