الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"إنها صفية"، ثم قال لهما:"إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وإني خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ في قُلُوبِكُمَا شَيْئًا"(1).
هذه أكرمك الله إحدى فوائد ما تكلمنا عليه في هذه الفصول ولعل جاهلًا لا يعلم بجهله إذا سمع شيئًا منها يرى أن الكلام فيها جملة من فضول العلم وأن السكوت أولى وقد استبان لك أنه متعين للفائدة التي ذكرناها (2).
4 - القول بالعصمة يفيد في أصول الفقه في مسألة أقوال النبى صلى الله عليه وسلم وأفعاله
.
قال القاضي عياض: وفائدة ثانية يُنظر إليها في أصول الفقه ويبتنى عليها مسائل لا تتعد من الفقه ويتخلص بها من تشعيب مختلفي الفقهاء في عدة منها وهي الحكم في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وهو باب عظيم وأصل كبير من أصول الفقه ولا بد من بنائه على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في أخباره وبلاغه، وأنه لا يجوز عليه السهو فيه وعصمته من المخالفة في أفعاله عمدًا وبحسب اختلافهم في وقوع الصغائر وقع خلاف في امتثال الفعل (3).
5 - القول بالعصمة يحتاج إليها الحاكم والمفتي
قال القاضي عياض: وفائدة ثالثة يحتاج إليها الحاكم والمفتى فيمن أضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من هذه الأمور ووصفه بها فمن لم يعرف ما يجوز وما يمتنع عليه وما وقع الإجماع فيه والخلاف كيف يصمم في الفتيا في ذلك ومن أين يدري هل ما قاله في نقص أو مدح فإما أن يجترئ على سفك دم مسلم حرام أو يسقط حقًّا ويضيع حرمة للنبي صلى الله عليه وسلم (4).
ثالثا: عصمة الأنبياء قبل البعثة
.
أولًا: بالنسبة إلى الاعتقاد
.
(1) البخاري (2035)، مسلم (2175).
(2)
الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2/ 187.
(3)
الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2/ 188.
(4)
الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2/ 188.
وأما الكفر والبدعة فأجمعت الأمة على عصمتهم منهما قبل النبوة وبعدها. ولم يخالف هذا الإجماع إلا من لا يعتد بخلافهم (1).
قال القاضي عياض: والصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته والتشكك في شيء من ذلك وقد تعاضدت الأخبار والآثار عن الأنبياء بتنزيههم عن هذه النقيصة منذ ولدوا ونشأتهم على التوحيد والإيمان بل على إشراق أنوار المعارف نفحات ألطاف السعادة ولم ينقل أحد من أهل الأخبار أن أحد النبي واصطفى ممن عرف بكفر وإشراك قبل ذلك ومستند هذا الباب النقل وقد استدل بعضهم بأن القلوب تنفر عمن كانت هذه سبيله. وأنا أقول: إن قريشًا قد رمت نبينا صلى الله عليه وسلم بكل ما افترته، وغير كفار الأمم أنبياءها بكل ما أمكنها واختلقته مما نص الله تعالى عليه أو نقلته إلينا الرواة ولم نجد في شيء من ذلك تعييرًا لواحد منهم برفضه آلهته وتقريعه بذمه بترك ما كان قد جامعهم عليه،
(1) عصمة الأنبياء للرازي ص 26، الإحكام للآمدي 1/ 145، البحر المحيط للزركشي 4/ 169، حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة 1/ 145.
الذين خالفوا في هذه المسألة هم:
1 -
الأزارقة: أتباع نافع بن الأزرق، وهم فرقة من فرق الخوارج وقد نقل عنهم أنهم قالوا بجواز بعثة نبي علم الله أنه يكفر بعد نبوته. انظر الإحكام في أصول الأحكام 1/ 146، والمواقف للإيجي 3/ 415 - 426. روح المعاني للألوسي 16/ 274.
2 -
الفضيلية: وهم من فرق الخوارج، ويقولون بجواز الكفر على الأنبياء من جهة كونهم يعتقدون جواز صدور الذنوب عن الأنبياء وكل ذنب هو كفر -على حسب اعتقادهم- فمن هذا الباب جوزوا صدور الكفر عنهم. عصمة الأنبياء للرازي ص 26، والإحكام للآمدي 1/ 146.
3 -
الرافضة: فقد جوزوا على الأنبياء إظهار الكفر على سبيل التقية عند خوف الهلاك، بل نقل عنهم أنهم أوجبوه. ويعللون ذلك بقولهم: إن إظهار الإسلام إن كان مفضيًا إلى القتل كان إلقاءً للنفس في التهلكة، وإلقاء النفس في التهلكة حرام لقوله تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: 195)، وإذا كان إظهار الإسلام حرامًا كان إظهار الكفر واجبًا. انظر: عصمة الأنبياء للرازي صـ 26، والمواقف للإيجي 3/ 415.
4 -
قال ابن حزم: وأما هذا الباقلاني فإنا رأينا في كتاب صاحبه أبي جعفر السمناني قاضي الموصل أنه كان يقول: أن كل ذنب دق أو جل فإنه جائز على الرسل حاشى الكذب في التبليغ فقط قال: وجائز عليهم أن يكفروا. الفصل في الملل والأهواء والنحل 2/ 245.