الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن كثير: وقوله: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} قال ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما:{لَيُزْلِقُونَكَ} لينفذونك بأبصارهم، أي: ليعينونك بأبصارهم، بمعنى: يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك، وحمايته إياك منهم، وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق، بأمر الله عز وجل كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة. (1)
ثانيًا: من السنة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الْعَيْنُ حَقٌّ وَنَهَى عَن الْوَشْمِ". (2)
وعَن ابْنِ عَبَّاسٍ صلى الله عليه وسلم عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا". (3)
وعَن أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يتَعَوَّذُ مِن الجانِّ وَعَيْنِ الْإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتْ المُعَوِّذتانِ فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا. (4)
وعن عَبْدِ الله بْنِ عَامِرٍ قَالَ: انْطَلَقَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يُرِيدَانِ الْغُسْلَ قَالَ فَانْطَلَقَا يَلْتَمِسَانِ الْخَمَرَ قَالَ فَوَضَعَ عَامِرٌ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ صوفٍ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَأَصَبْتُهُ بِعَيْنِي، فَنزلَ الماءَ يَغْتَسِلُ، قَالَ: فَسَمِعْتُ لَهُ فِي الماءِ قَرْقَعَةً فَأتيْتُهُ فَنَادَيْتُهُ ثَلَاثًا فَلَمْ يُجِبْنِي، فَأتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: فَجَاءَ يَمشي فَخَاضَ الماءَ كَأنّي أنظر إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ، قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: اللهمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا، قَالَ: فَقَامَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيُبَرِّكْهُ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ. (5)
الوجه الثاني: كيف يكون للعين تأثير؟ وأن هذا واقعي في عالمنا
.
(1) تفسير ابن كثير 4/ 525.
(2)
البخاري (5229).
(3)
مسلم (2188).
(4)
الترمذي (2058) النسائي (4594)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (4563).
(5)
مسند أحمد (15738)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2572).
قال ابن حجر: وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْض النَّاس فَقَالَ: كَيْف تَعْمَل الْعَيْن مِنْ بُعْد حَتَّى يَحْصُل الضَّرَر لِلْمَعْيُون؟
وَالجَوَاب: أَنَّ طَبَائِع النَّاس تَخْتَلِف، فَقَدْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ سُمّ يَصِل مِنْ عَيْن الْعَائِن فِي الْهَوَاء إِلَى بَدَن المُعْيُون؛ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْض مَنْ كَانَ مِعْيَانًا أنَّهُ قَالَ: إِذَا رَأَيْت شَيْئًا يُعْجِبنِي وَجَدْت حَرَارَة تَخْرُج مِنْ عَيْنِي. وَيَقْرَب ذَلِكَ بِالمرْأَةِ الحائِض تَضَع يَدهَا فِي إِنَاء اللَّبَن فَيَفْسُد، وَلَوْ وَضَعَتْهَا بَعْد طُهْرهَا لَمْ يُفْسِد، وَكَذَا تَدْخُل الْبُسْتَان فَتَضُرّ بِكَثِيرٍ مِن الْغُرُوس مِنْ غَيْر أَنْ تَمَسّهَا يَدهَا، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحِيح قَدْ يَنْظُر إِلَى الْعَيْن الرَّمْدَاء فَيَرْمَد، وَيَتَثَاءَب وَاحِد بِحَضْرَتِهِ فَيَتَثَاءَب هُوَ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ اِبْن بَطَّال. (1)
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي الحَدِيث أَنَّ لِلْعَيْنِ تَأْثِيرًا فِي النُّفوس، وَإِبْطَال قَوْل الطَّبائِعيِّينَ أنَّهُ لَا شَيْء إِلَّا مَا تُدْرِك الحوَاسّ الْخَمْس وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَا حَقِيقَة لَهُ. وَقَالَ المازِرِيّ: زَعَمَ بَعْض الطَّبَائِعِيِّينَ أَنَّ الْعَائِن يَنْبَعِث مِنْ عَيْنه قُوَّة سمِّيَّة تَتَّصِل بِالمُعِينِ فَيَهْلِك أَوْ يَفْسُد، وَهُوَ كَإِصَابَةِ السُّمّ مَنْ نَظَر الْأَفاعِي، وَأَشَارَ إِلَى مَنْع الحصْر فِي ذَلِكَ مَعَ تَجْوِيزه، وَأَنَّ الَّذِي يَتَمَشَّى عَلَى طَرِيقَة أَهْل السُّنَّة أَنَّ الْعَيْن إِنَّمَا تَضُرّ عِنْد نَظَر الْعَائِن بِعَادَةٍ أَجْرَاهَا الله تَعَالَى أَنْ يَحْدُث الضَّرَر عِنْد مُقَابَلَة شَخْص لِآخَر، وَهَلْ ثَمَّ جَوَاهِر خَفِيَّة أَوْ لَا؟ هُوَ أَمْر محُتمَل لَا يُقْطَع بِإِثْبَاتِهِ وَلَا نَفْيِهِ، حتى إنَّ جِنْسًا مِن الْأَفاعِي اُشْتُهِرَ أَنَّهَا إِذَا وَقَعَ بَصَرهَا عَلَى الْإِنْسَان هَلَكَ فَكَذَلِكَ الْعَائِن. وَالحَاصِل أَنَّ التَّأْثِير بإِرَادَةِ الله تَعَالَى وَخَلْقه ليْسَ مَقْصُورًا عَلَى الاتِّصَال الجُسْمَانِيّ، بَلْ يَكُون تَارَة بِهِ وَتَارَة بِالمُقَابَلَةِ، وَأُخْرَى بمجرد الرُّؤْيَة وَأُخْرَى بِتَوَجُّهِ الرُّوح، كَالَّذِي يَحْدُث مِن الْأَدْعِيَة وَالرُّقَى وَالِالْتِجَاء إِلَى الله، وَتَارَة يَقَع ذَلِكَ بِالتَّوَهُّمِ وَالتَّخَيُّل، فَالَّذِي يَخْرُج مِنْ عَيْن الْعَائِن سَهْم مَعْنَوِيّ إِنْ صَادَفَ الْبَدَن لَا وِقَايَة لَهُ أثَّرَ فِيهِ، وَإِلَّا لَمْ يَنْفُذ السَّهْم، بَلْ رُبَّما رُدَّ عَلَى صَاحِبه كَالسَّهْمِ الحسِّيّ سَوَاء. (2)
(1) فتح الباري لابن حجر، (قوله: باب رقية العين) 10/ 200.
(2)
فتح الباري 10/ 201.
قال النووى: وَمَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَنَّ الْعَيْن إِنَّمَا تَفْسُد وَتَهْلَك عِنْد نَظَر الْعَائِن بِفِعْلِ الله تَعَالَى، أَجْرَى الله سبحانه وتعالى الْعَادَة أَنْ يَخْلُق الضَّرَر عِنْد مُقَابَلَة هَذَا الشَّخْص لِشَخْصٍ آخَر. (1)
ويقول ابن القيم: وَلَا رَيْبَ أَنّ الله سُبْحَانَهُ خَلَقَ فِي الْأَجْسَامِ وَالْأَرْوَاحِ قُوًى وَطَبَائِع مُخُتَلِفَةً، وَجَعَلَ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا خَوَاصّ وَكَيْفِيّاتٍ مُؤَثّرَةً، وَلَا يُمْكِنُ لِعَاقِلٍ إنْكَارُ تَأْثِيرِ الْأَرْوَاحِ فِي الْأَجْسَامِ فَإِنّهُ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ مَحْسُوسٌ، وَأَنْتَ تَرَى الْوَجْهَ كَيْفَ يَحْمَرّ حُمْرَةً شَدِيدَةً إذَا نَظَرَ إلَيْهِ مِنْ يَحْتَشِمُهُ وَيَسْتَحِي مِنْهُ، وَيَصْفَرّ صفرة شَدِيدَةً عِنْدَ نَظَرِ مَنْ يَخَافُهُ إلَيْهِ، وَقَدْ شَاهَدَ النّاسُ مَنْ يَسْقَمُ مِن النّظَرِ وَتَضْعُفُ قُوَاهُ وَهَذَا كُلّهُ بِوَاسِطَةِ تَأْثِيرِ الْأَرْوَاحِ وَلشِدّةِ ارْتبَاطِهَا بِالْعَيْنِ يُنْسَبُ الْفِعْلُ إلَيْهَا وَلَيْسَتْ هِيَ الْفَاعِلَةَ؛ وَإِنّمَا التّأْثِيرُ لِلرّوحِ، وَالْأَرْوَاحُ مُخْتلِفَةٌ فِي طَبَائِعِهَا وَقُوَاهَا وَكَيْفِيّاتِهَا وَخَوَاصّهَا، فَرُوحُ الحَاسِدِ مُؤْذِيَةٌ لِلْمَحْسُودِ أَذًى بَيّنًا وَلِهَذَا أَمَرَ الله - سُبْحَانَهُ - رَسُولَهُ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ شَرِّه، وَتَأْثِيرُ الحاسِدِ فِي أَذَى المَحْسُودِ أَمْرٌ لَا يُنْكِرُهُ إلّا مَنْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْإِنْسَانِيّةِ وَهُوَ أَصْلُ الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ؛ فَإِنّ النّفْسَ الْخَبِيثَةَ الحاسِدَةَ تَتكَيّفُ بِكَيْفِيّةٍ خَبِيثَةٍ وَتُقَابِلُ المحْسُودَ فَتُؤَثّرُ فِيهِ بِتِلْكَ الخاصّيّةِ، وَأَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِهَذَا الْأَفْعَى فَإِنّ السّمّ كَامِنٌ فِيهَا بِالْقُوّةِ، فَإِذَا قَابَلَتْ عَدُوّهَا انْبَعَثَتْ مِنْهَا قُوّةٌ غَضَبِيّةٌ وَتَكَيّفَتْ بِكَيْفِيّةٍ خَبِيثَةٍ مُؤْذِيَةٍ، فَمِنْهَا مَا تَشْتَدّ كَيْفِيّتُهَا وَتَقْوَى حَتّى تُؤَثّرَ فِي إسْقَاطِ الجَنِينِ، وَمنْهَا مَا تُؤَثّرُ فِي طَمْسِ الْبَصَرِ كَمَا قَالَ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في الْأَبْتَرِ وَذِي الطّفْيَتَيْنِ مِنْ الحيّاتِ إنهما يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ وَيُسْقِطَانِ الحَبَل.
وَكَثيرٌ مِن الْعَائِنِينَ يُؤَثّرُ فِي المعِينِ بِالْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيّهِ:{وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} [القلم: 51]. (2)
وقيل: كانت العين في بني أسد، حتى إن البقرة السمينة أو الناقة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول: يا جارية، خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم هذه الناقة، فما تبرح حتى
(1) النووي 14/ 171.
(2)
زاد المعاد 4/ 149.