الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: من القرآن:
{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} حفظ الله عز وجل عباده المخلصين من كيد إبليس وجنوده فلا سبيل له عليهم كما قال عز وجل {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)} ، واعترف إبليس بعجزه عن الكيد لهم فحكى عنه رب العزة قوله:{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)} .
ولا شك أن أنبياء الله عز وجل ورسله، وعلى رأسهم خاتمهم صلى الله عليه وسلم على قمة عباد الله المخلصين الذين عصمهم رب العزة من كيد إبليس وجنوده.
ثانيًا: من السنة
.
فقد ورد فيها ما يؤكد ما ورد في القرآن الكريم من تعرض الشياطين لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غير موطن رغبة في إطفاء نوره، وإماتة نفسه، وإدخال شغل عليه، ولكن كانت عصمة الله عز وجل له حائلة دون تمكن الشياطين من إغوائه، أو إلحاق ضرر به. ومن هذه الأحاديث.
1 -
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الجنِّ ". قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "وإياي، إِلَّا أَنَّ الله أعانني عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلا يأمرني إِلَّا بِخَيْرٍ". (1)
فأسلم برفع الميم وفتحها وهما روايتان مشهورتان فمن رفع قال: معناه أسلمُ أنا من شره وفتنته. ومن فتح قال: أن القرين أسلمَ من الإسلام وصار مؤمنًا لا يأمرني إلا بخير واختلفوا في الأرجح منهما. فقال الخطابي الصحيح المختار الرفع، ورجح القاضي عياض الفتح. وهو المختار لقوله صلى الله عليه وسلم فلا يأمرني إلا بخير. واختلفوا على رواية الفتح قيل: أسلم بمعنى استسلم وانقاد وقد جاء هكذا في غير صحيح مسلم فاستسلم، وقيل معناه صار مسلمًا مؤمنًا وهذا هو الظاهر. (2)
(1) مسلم (2814).
(2)
شرح صحيح مسلم للنووي 9/ 173.
قال القاضي عياض: وفقه الله فإذا كان هذا حكم شيطانه وقرينه المسلط على بني آدم فكيف بمن بعد منه ولم يلزم صحبته ولا أقدر على الدنو منه؟ ! (1).
2 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الجنِّ تَفَلَّتَ الْبَارِحَةَ ليقْطَعَ عَلَيَّ صلاتي، فأمكنني الله مِنْهُ، فَأَخَذْتُهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سواري المُسْجِدِ حَتَّى تَنْظروا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أخي سُلَيْمَانَ رَبِّ هَبْ لي مُلْكًا لا ينبغي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِى. فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا"(2).
3 -
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: "أَعُوذُ بِالله مِنْكَ". ثُمَّ قَالَ: "ألعَنُكَ بِلَعْنَةِ الله" ثَلاثًا. وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا، فَلَمّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ في الصَّلاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُوُلهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ. قَالَ:"إِنَّ عَدُوَّ الله إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ في وجهي فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِالله مِنْكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْتُ: ألعَنُكَ بِلَعْنَةِ الله التَّامَّةِ فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ، وَالله لَوْلا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيمانَ لأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ المُدِينَةِ"(3).
4 -
عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم وهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ. ثُمَّ غَسَلَهُ في طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ في مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ - يَعْنِي ظِئْرَهُ - فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ. فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقَعُ اللَّوْنِ. قَالَ أَنسٌ: وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أثَرَ ذَلِكَ المخْيَطِ في صَدْرِهِ. (4)
وإخراج جبريل لحظ الشيطان منه، وتطهير لقلبه، فلا يقدر الشيطان على إغوائه إذ لا سبيل له عليه، وهذا دليل على عصمته من كل ما يمس قلبه، وعقيدته، وخلقه، منذ صغره صلى الله عليه وسلم، فقد أُفرغ في صدره الشريف طست ممتلئ حكمة وإيمانًا؛ وتجسيد المعنويات في قدرة الله
(1) الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2/ 135.
(2)
البخاري (3423)، مسلم (541).
(3)
مسلم (542).
(4)
مسلم (261).