الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن غربة الإسلام في أول الأمر؛ قلة المسلمين؛ فعَنْ سَعْدٍ بن أبي وقاص قَالَ: رَأَيْتُنِي سَابعَ سَبْعَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الحبْلَةِ أَوْ الحبَلَةِ حَتَّى يَضَعَ أَحَدُنَا مَا تَضَعُ الشَّاةُ ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الْإِسْلَامِ خَسِرْتُ إِذًا وَضَلَّ سَعْيِي (1).
وعن عُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَاجَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَا طَعَامُنَا إِلَّا وَرَقُ الحبْلَةِ حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا. (2)
قال ابن حجر: وَوَقَعَ عِنْد اِبْن أَبِي خَيْثَمَةَ أَنَّ السَّبْعَة المذْكُورِينَ: أَبُو بَكْر، وَعُثْمَان، وَعَليّ، وَزَيْد بْنُ حَارِثَة، وَالزُّبَيْر، وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف، وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص، وَكَانَ إِسْلَام الْأَرْبَعَة بِدُعَاءِ أَبِي بَكْر لهمْ إِلَى الْإِسْلَام فِي أَوَائِل الْبَعْثَة، وَأَمَّا عَليّ وَزَيْد بْن حَارِثَة فَأَسْلما مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَوَّل مَا بُعِثَ. (3).
وقوله: (سابع سبعة) دليل على قلة من كان ينتسب إلى الإسلام في أول أمره، وهكذا كل دعوة تبدأ بصغيرة ثم تنتشر آفاقها ويزيد ناصروها شيئًا فشيئًا.
وبعد هذه الغربة ظهر الإسلام بعد الهجرة إلى المدينة، وعز وصار أهله ظاهرين كل الظهور، ودخل الناس بعد ذلك في دين الله أفواجًا، وأكمل الله لهم الدين وأتم عليهم النعمة، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، وأهل الإسلام على غاية من الاستقامة في دينهم، وهم متعاضدون متناصرون، وكانوا على ذلك في زمن أبي بكر وعمر رضي الله عنهم (4).
وزادت الفتوحات بعد ذلك؛ حيث فتح كثير من البلاد، ودخلها الإسلام، وزالت الغربة والضعف.
غربة الإسلام في آخر الأمر التي يعقبها قوة ونصر للإسلام بإذن الله:
(1) البخاري (5412)، مسلم (2966)؛ بغير ذكر (سابع سبعة).
(2)
مسلم (2967).
(3)
فتح الباري (9/ 628).
(4)
كشف الكربة في وصف أهل الغربة (1/ 4).
وبعد ما ذكرنا أن الإسلام بدأ غريبًا ثم انتشر وقوي وأصبح له التمكين والعزة، بدأت تظهر علامات الغربة الثانية، حيث أعمل الشيطان مكائده على المسلمين وألقى بأسهم بينهم، وأفشى بينهم فتنة الشبهات والشهوات، ولم تزل هاتان الفتنتان تتزايدان شيئًا فشيئًا؛ حتى استحكمت مكيدة الشيطان وأطاعه أكثر الخلق (1).
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الغربة وهذه الفتن، حيث قال أبو هريرة رضي الله عنه:(في فتنة الشبهات) قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِى عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً"(2).
وجاء عند الترمذي: "كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي"(3).
وأما فتنة الشهوات. فعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ؟ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا الله، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ ! تَتَنَافَسُونَ ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ"(4).
قوله: (نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا الله) أي: نحمده ونشكره ونسأله المزيد من فضله (5).
فلما دخل أكثر الناس في هاتين الفتنتين أو إحداهما أصبحوا متقاطعين متباغضين بعد أن كانوا إخوانًا متحابين متواصلين، فإن فتنة الشهوات عمت غالب الخلق، ففتنوا بالدنيا وزهرتها وصارت غاية قصدهم؛ لها يطلبون وبها يرضون، ولها يبغضون، ولها يوالون، وعليها يعادون، فقطعوا بذلك أرحامهم، وسفكوا دماءهم، وارتكبوا معاصي الله بسبب ذلك.
(1) كشف الكربة في وصف أهل الغربة (1/ 3).
(2)
أبو داود (4596)، الترمذي (2640)، وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (203).
(3)
الترمذي (2641)، أبو داود (4597)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3227).
(4)
مسلم (2962)، ابن ماجه (3996).
(5)
شرح النووي (9/ 334).