الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن القيم: إن كون الدليل من الأمور الظنية، أو القطعية أمر نسبي، يختلف باختلاف المدرك المستدل، ليس هو صفة للدليل في نفسه، فهذا أمر لا ينازع فيه عاقل - فقد يكون قطعيًا عند زيد ما هو ظني عند عمرو - فقولهم: إن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة المتلقاة بين الأمة لا تفيد العلم، بل هي ظنية: هو إخبار عما عندهم؛ إذ لم يحصل لهم من الطرق التي استفاد بها العلم أهل السنة ما حصل لهم، فقولهم: لم يستفد بها العلم لم يلزم منها النفي العام، وذلك بمنزلة الاستدلال على أن الواجد للشيء والعالم به غير واجد له ولا عالم به، فهو كمن يجد من نفسه وجعا أو لذة أو حبا أو بغضا، فينتصب له من يستدل على أنه غير وجيع ولا متألم ولا محب ولا مبغض، ويكثر من الشبه التي غايتها أني لم أجد ما وجدته، ولو كان حقا لاشتركنا أنا وأنت فيه! وهذا عين الباطل، وما أحسن ما قيل:
أقول للائم المهتدي ملامته
…
ذق الهوى فإن استطعت الملام لم
فيقال له: اصرف عنايتك إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، واحرص عليه وتتبعه واجمعه، وعليك بمعرفة أصول نقلته وسيرتهم، وأعرض عما سواه، واجعله غاية طلبك، ونهاية قصدك (1).
الوجه السادس عشر:
إن من لوازم هذا القول الباطل: الاقتصار في العقيدة على ما جاء في القرآن وحده، وفصل الحديث عنه، وعدم الاعتداد بما فيه من العقائد والأمور الغيبية، وفقا لطائفة من الناس اليوم يعرفون (بالقرآنيين)؛ لأنهم لا يدينون بالحديث إطلاقًا، إلا ما وافق القرآن منه.
الوجه السابع عشر:
أنه يستلزم من العمل بهذا القول، إنكار ما عليه المسلمون من العقائد الصحيحة، وهاك بعضا منها:
- نبوة آدم عليه السلام، وغيره من الأنبياء الذين لم يذكروا في القرآن.
- أفضلية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء والرسل.
- شفاعته العظمى في المحشر، وشفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته.
(1) مختصر الصواعق (568).
- معجزاته صلى الله عليه وسلم كلها ما عدا القرآن، ومنها: معجزة انشقاق القمر.
- الأحاديث التي تتحدث عن بدء الخلق، وصفة الملائكة، والجن، والجنة، والنار، وأنهما مخلوقتان، وأن الحجر الأسود من الجنة.
- خصوصياته صلى الله عليه وسلم التي جمعها السيوطي رحمه الله في كتابه (الخصائص الكبرى) مثل: دخول الجنة، ورؤية أهلها، وما أعد للمتقين فيها، وإسلام قرينه من الجن، وغير ذلك.
- القطع بأن العشرة المبشرين بالجنة من أهل الجنة!
- الإيمان بسؤال منكر ونكير في القبر.
- الإيمان بعذاب القبر، وبضغطة القبر.
- الإيمان بالميزان ذي الكفتين يوم القيامة، والإيمان بالصراط.
- الإيمان بحوضه صلى الله عليه وسلم، وأن من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا.
- دخول سبعين ألفا من أمته صلى الله عليه وسلم الجنة بغير حساب.
- سؤال الأنبياء في المحشر عن التبليغ.
- الإيمان بكل ما صح في الحديث في صفة القيامة والحشر والنشر.
إلى غيرها من العقائد الإسلامية الصحيحة التي وردت في الأحاديث الثابتة المتواترة أو المستفيضة، وتلقتها الأمة بالقبول، وهي تبلغ المئات. (1)
* * *
(1) رسالة: وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة، والرد على شبه المخالفين، الألباني.