الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو: كعب بن ماتع بن عمرو بن قيس من آل ذي رعين، وقيل ذي الكلاع الحميري، وقيل: غير ذلك في اسم جده، ونسبه يكنى: أبا إسحق، كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا وكان يهوديًا عالمًا بكتبهم، حتى كان يقال له: كعب الحبر، وكعب الأحبار.
وكان إسلامه في خلافة سيدنا عمر، وقيل: في خلافة الصديق، وقيل: إنه أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن تأخرت هجرته، فمن ثم لم يره، والأول هو الأصح والأشهر، وقد سكن المدينة وغزا الروم في خلافة عمر، ثم تحول في عهد سيدنا عثمان إلى الشام، فسكنها، إلى أن مات بحمص، في خلافة عثمان سنة اثنتين أو ثلاث، أو أربع وثلاثين والأول هو الأكثر، وقد كان عنده علم بكتب أهل الكتاب، والثقافة اليهودية، كما كان له حظ من الثقافة الإسلامية ورواية الأحاديث.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه مرسل، لأنه لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسمع منه، وعن عمر، وصهيب، والسيدة عائشة، وروى عنه من الصحابة معاوية، وأبو هريرة، وابن عباس، وبقية العبادلة، وعطاء بن أبي رباح، وغيره من التابعين.
ثانيًا: توضيح مقالة معاوية رضي الله عنه في كعب:
ولكن قد يعكر على ما ذكرنا: ما ورد في حقه في الصحيح: روى البخاري في صحيحه بسنده، عن حميد بن عبد الرحمن: أنه سمع معاوية وهو يحدث رهطًا من قريش بالمدينة - يعنى لما حج في خلافته وذكر كعب الأحبار، فقال "إن كان من أصدق - وفى رواية لمن أصدق - هؤلاء الذين يتحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلوا عليه الكذب".
وظاهر كلام معاوية، يخدش كعبًا في بعض مروياته كما يدل أيضًا على أن الذين كانوا يحدثون بمعارف أهل الكتاب، كان فيهم صادقون، وأن كعبًا كان من أصدق هؤلاء، ولكنها لا تدل على أنه وضاع أو كذاب فهذا الكلام لا يخدش في ثقة كعب وعدالته، بل إن في ذلك تزكية من معاوية وثناء عليه بأنه أصدق المحدثين عن أهل الكتاب، وقول معاوية:"وإن كنا مع ذلك لنبلوا عليه الكذب"، لا يراد منها اتههامه بالكذب، وإنما المقصود أن في بعض الأخبار
التي ينقلها بأمانة ما لا يطابق الواقع، فالكذب حينئذ مضاف إلى تلك الكتب التي ينقل عنها لا إلى كعب، وهو نحو قول ابن عباس في حقه (بدل من قبله فوقع في الكذب)(1).
وقد حسن العلماء الظن بكعب، فحملوا هذه الكلمة على محمل حسن.
قال ابن التين: وهدا: نحو قول ابن عباس في حق كعب الذكور: "بدل من قبله فوقع في الكذب"، قال: والمراد بالمحدثين أنداد كعب ممن كانوا من أهل الكتاب، وأسلموا فكان يحدث عنهم، وكذا من نظر في كتبهم، فحدث عما فيها، قال: ولعلهم كانوا مثل كعب إلا أن كعبًا كان أشد منهم بصيرة، وأعرف بما يتوقاه، وقال ابن حبان في "الثقات": أراد معاوية أنه يخطئ أحيانًا فيما يخبر به ولم يرد أنه كان كذابًا، وقال ابن الجوزى: المعنى: أن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذبًا لا أنه يتعمد الكذب.
والظاهر: أن معاوية رضي الله عنه لم يقل مقالته هذه في كعب الأحبار إلا بعد أن أختبره في مروياته، وآرائه، فوجد بعضها لا يوافق الحق والصدق، وأنه كان يذكر آراءً، وأقوالًا ليست صحيحة، وتحتاج إلى المراجعة والتثبت، وليس أدل على هذا: من هذه الحادثة التي كانت بين معاوية، وكعب، فقد روى ابن لهيعة قال: حدثني سالم بن غيلان، عن سعيد ابن أبى هلال: أن معاوية بن أبي سفيان قال لكعب الأحبار: أنت تقول إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا؟ فقالى له كعب: إن كنت قلت ذلك فإن الله قال: "وآتيناه من كل شيء سببًا" وهذا إن صح: يدل على أنه كان يذكر آراءَ من عند نفسه، وباجتهاده في بعض الآيات، وهي غير صحيحة، وإلا فلو كان موجودًا في التوراة أو في غيرها لكان الأقرب في الرد أن يقول في الرد: وجدت ذلك في كتب الأولين وقد علق على هذه الحادثة الحافظ ابن كثير، فقال: وهذا الذي أنكره معاوية رضي الله عنه على كعب الأحبار هو الصواب، والخق مع معاوية في هذا الإنكار، فإن معاوية كان يقول عن كعب: إن كنا لنبلوا عليه الكذب، يعنى فيما ينقله لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحفه، ولكن الشأن في صحفه: أنها من
(1) مجلة المنار (26/ 1/ 73).
الإسرائيليات التي غالبها مبدل، مصحف، محرف، مختلق، ولا حاجة لنا مع خبر الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شيء منها بالكلية فإنه دخل منها على الناس شر كثير، وفساد عريض، وتفسير كعب قول الله تعالى:{وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} ، بأنه يربط خيله بالثريا غير صحيح ولا مطابق للواقع، فإنه لا سبيل للبشر إلى شيء من ذلك ولا إلى الترقي في أسباب السماوات، وإنما التفسير الصحيح: أن الله يسر الأسباب أي الطرق، والوسائل إلى فتح الأقاليم والبلاد، وكسر الأعداء، وكبت الملوك، وإذلال أهل الشرك، فقد أوتى من كل شيء مما يحتاج إليه مثله سببًا وكذلك: نجد أبا هريرة رضي الله عنه أيضًا يراجع كعبًا في بعض أقواله، فقد سأله:"عن الساعة التي في يوم الجمعة، ولا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلى، يسأل الله تعالى شيئًا إلا أعطاه إياه"، فيجيبه كعب: بأنها في جمعة واحدة من السنة، فيرد عليه أبو هريرة رضي الله عنه قوله هذا، ويبين له أنها في كل جمعة، فيرجع كعب إلى التوراة، فيرى الصواب مع أبى هريرة رضي الله عنه، فيرجع إليه، وكذلك: نجد أبا هريرة رضي الله عنه يسأل عبد الله بن سلام عن تحديد هذه الساعة، ويقول له: أخبرني ولا تضن على فيجيبه ابن سلام: بأنها آخر ساعة في يوم الجمعة فيرد عليه أبو هريرة رضي الله عنه بقوله: كيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة وقد قال الرسول: "لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلى"؟ وتلك الساعة لا يصلى فيها، فيجيبه بقوله: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس مجلسًا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلى "؟ ولو أن الصحابة راجعوا أهل الكتاب في كل مروياتهم التي أخذوها عنهم، لكان من وراء ذلك خير كثير، ولخلت كتب التفسير من هذا الركام من الإسرائيليات، التي تصادم العقل السليم والنقل الصحيح ولكن هذا ما كان ومع هذا: لم نعلم أحدًا طعن فيه، ورماه بالكذب والاختلاق إلا ما كان من بعض المتأخرين ومهما يكن من شيء فقد تبين لنا: أنه ما كان وضاعًا يتعمد الكذب، وأن الإسرائيليات التي رواها إن كان وقع فيها كذب وأباطيل فذلك يرجع إلى من نقل عنهم من أسلافه الذين حرفوا وبدلوا وإلى بعض كتب اليهود التي حشيت بالأكاذيب والخرافات وإما إلى خطئه في التأويل كما في قصة كعب ومع