الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: كان عبد الله بن مسعود يمكث السَّنَةَ لا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أخذته الرعدة ويقول: أو هكذا، أو نحوه، أو شبهه. (1)
وقال صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها؛ فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه. (2) ".
ومنعه المحدثون والفقهاء، وشددوا فيه، ولم يجيزوا ذلك لأحد، ولا سوَّغوا إلا الإتيان به على اللفظ نفسه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، وروى نحوه عن مالك أيضا، وشدد مالك الكراهية فيه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه في سماع أشهب: أما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم فأحب إلى أن يؤتى به على ألفاظه، ورخص فيه في حديث غيره، وفى التقديم والتأخير، وفى الزيادة والنقص.
فكان مالك يتقى في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الباء والتاء ونحوهما، ويقول: أما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأحب أن يؤتى به على ألفاظه.
وما قاله رحمه الله الصواب، فإن نظر الناس مختلف، وأفهامهم متباينة، وفوق كل ذي علم عليم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" فإذا أدى اللفظ؛ أمن الغلط، واجتهد كل من بلغ إليه فيه، وبقى على حاله لمن يأتي بعدن وهو أنزه للراوي، وأخلص للمحدث. (3)
الوجه الثالث: شروط وضوابط رواية الحديث بالمعنى -عند مَن جَوَّزها
-.
اختلف السلف وأرباب الحديث والفقه والأصول: هل يسوغ ذلك لأهل العلم فيحدثون على المعنى، أولا يباح لهم ذلك؟ (4)
قال ابن القيم: إذا أراد رواية ما سمعه على معناه دون لفظه فإن لم يكن عالمًا بالألفاظ ومقاصدها، خبيرًا بما يحيل معانيها، بصيرًا بمقادير التفاوت بينها، فلا خلاف أنه لا يجوز
(1) أخرجه الرامهرمزي في المحدث الفاصل (ص: 549).
(2)
أخرجه ابن ماجه (230)، وصححه الألباني.
(3)
الإلماع (1/ 178).
(4)
الإلماع (1/ 180: 178).
له ذلك، بل يتعين رواية اللفظ الذي سمعه منه، فإن كان عالمًا بذلك فأقوال:
أحدها: المنع أيضًا، وبه قالت طائفة من المحدثين والأصوليين والفقهاء.
وثانيها: لا يجوز في حديثه صلى الله عليه وسلم، ويجوز في غيره.
وأصحها عند جمهورهم: الجواز إذا قطع بأداء المعنى، وهو الذي يشهد به أحوال الصحابة والسلف (1).
قال الخطيب البغدادي: ورواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث غيره على المعنى جائزة عندنا إذا كان الراوي عالمًا بمعنى الكلام وموضوعه، بصيرًا بلغات العرب ووجوه خطابها، عارفًا بالفقه واختلاف الأحكام، مميزًا لما يحيل المعنى وما لا يحيله، وكان المعنى أيضا ظاهرًا معلومًا، وأما إذا كان غامضا محتملًا؛ فإنه لا يجوز رواية الحديث على المعنى، ويلزم إيراد اللفظ بعينه وسياقه على وجهه، وقد كان في الصحابة رضوان الله عليهم من يتبع روايته الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول: أو نحوه، أو شكله، أو كلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة أرباب اللسان، وأعلم الخلق بمعاني الكلام، ولم يكونوا يقولون ذلك إلا تخوفًا من الزلل؛ لمعرفتهم بما في الرواية على المعنى من الخطر، والله أعلم (2).
- فيتلخص من ذلك شروط رواية الحديث بالمعنى وهي:
1 -
أن يكون الراوي عالمًا وفاهمًا لمعنى الحديث.
2 -
أن يكون الراوي عالمًا بلغات العرب، ومرادفات الألفاظ، وتراكيب الجُمل.
3 -
أن يكون عالمًا بالفقه، واختلاف الأحكام؛ حتى يميز بين ما تحمله الألفاظ من معانٍ.
4 -
أن يكون مميزًا لما يحيل معاني الألفاظ والتراكيب؛ فلا يبدل عامًا بخاص، ولا مطلقًا بمقيد، ولا خفيًا بجلي ...... إلخ.
(1) المقنع في علوم الحديث (1/ 372).
(2)
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (3/ 261 - 274)، وانظر: مقدمة ابن الصلاح (1/ 120).