الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان الكهان والمنجم يدخل في اسم الكاهن عند الخطابي وغيره من العلماء وحكى ذلك عن العرب وعند آخرين هو من جنس الكاهن واسوأ حالا منه فلحق به من جهة المعنى. (1)
عن أبي مسعود الأنصاري قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن". (2)
وحلوانه الذي تسميه بالعامة حلاوته ويدخل في هذا المعنى ما يعطيه المنجم وصاحب الأزلام التي يستقسم بها مثل الخشبة المكتوب عليها أب ج د والضارب بالحمى ونحوهم فما يعطى هؤلاء حرام.
وقد حكى الإجماع على تحريمه غير واحد من العلماء كالبغوي، والقاضي عياض وغيرهما. (3)
الوجه الرابع: شبهات من أثبت أن للكواكب والنجوم تأثيرًا والرد عليها
.
هذه الأدلة ذكرها ابن القيم عن أبي عبد الله الرازى، ثم ذكر الرد عليها:
الشبهة الأولى: هناك آيات دالة على تعظيم هذه الكواكب
.
1 -
فمنها قوله عز وجل: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)} التكوير: 5)، وأكثر المفسرين على أن المراد هو الكواكب التي تسير راجعة تارة ومستقيمة أخرى.
2 -
ومنها قوله عز وجل: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)} (الواقعة: 75 - 76)، وقد صرح عز وجل بتعظيم هذا القسم وذلك يدل على غاية جلالة مواقع النجوم ونهاية شرفها.
3 -
ومنها قوله عز وجل: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ} (الطارق: 1 - 3).
قال ابن عباس: الثاقب هو زحل لأنه يثقب بنوره سمك السموات السبع.
4 -
ومنها أنه تعالى بين إلهيته بكون هذه الكواكب تحت تدبيره وتسخيره فقال: {وَالشَّمْسِ
(1) مجموع الفتاوى (35/ 193 - 194).
(2)
البخاري (2237)، مسلم (1567).
(3)
مجموع الفتاوى (35/ 194).
وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].
والجواب عنه:
أما عن الاستدلال بقوله تعالى {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)} .
1 -
فإن أكثر المفسرين على أن المراد هو الكواكب التي تسير راجعة تارة ومستقيمة أخرى وهذا القول قد قاله جماعة من المفسرين وأنها الكواكب الخمسة زحل وعطارد والمشترى والمريخ والزهرة وروى عن على واختاره ابن مقاتل وابن قتيبة قالوا: وسماها خنسًا لأنها في سيرها تتقدم إلى جهة المشرق ثم تخنس أي تتأخر وكنوسها استتارها في معربها كما تكنس الظباء وتفر من الوحوش إلى أن تأوي إلى كناسها وهي أكنتها، وتسمى هذه الكواكب المتحيرة لأنها تسير مستقيمة وتسير راجعة وقيل كنوسها بالنسبة إلى الناظر وهو استتارها تحت شعاع الشمس.
2 -
وقيل هي النجوم كلها وهو اختيار أبي عبيدة وقاله الحسن وقتادة، وعلى هذا القول فيكون باعتبار أحوالها الثلاثة من طلوعها وغروبها وما بينهما فهي خنس عند أول الطلوع لأن النجم منها يرى كأنه يبدو ويخنس وتكنس عند غروبها تشبها بالظباء التي تأوي إلى كناسها وهي جوار ما بين طلوعها وغروبها خنس عند الطلوع جوار بعده كنس عند الغروب وهذا كله بالنسبة إلى أفق كل بلد تكون لها فيه الأحوال الثلاثة.
3 -
وقال ابن مسعود: هي بقر الوحش وهي رواية عن ابن عباس واختاره سعيد بن جبير.
4 -
وقيل -وهو أضعف الأقوال-: الملائكة حكاه المروزي في تفسيره فإن كان المراد بعض هذه الأقوال غير ما حكاه الرازي فلا حجة له وإن كان المراد ما حكاه فغايته إن يكون الله سبحانه وتعالى قد أقسم بها كما أقسم بالليل والنهار والضحى والوالد والفجر وليال عشر والشفع والوتر والسماء والأرض واليوم الموعود وشاهد ومشهود والنفس والمرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات والنازعات والناشطات والسابحات والسابقات وما نبصره وما لا نبصره من كل غائب عنا وحاضر مما فيه التنبيه على كمال
ربوبيته وعزته وحكمته وقدرته وتدبيره وتنوع مخلوقاته الدالة عليه المرشدة إليه بما تضمنته من عجائب الصنعة وبديع الخلقة وتشهد لفاطرها وبارئها بأنه الواحد الأحد الذي لا شريك له وأنه الكامل في علمه وقدرته ومشيئته وحكمته وربوبيته وملكه وأنها مسخرة مذللة منقادة لأمره مطيعة لمراده منها ففي الإقسام بها تعظيم لخالقها تبارك وتعالى وتنزيه له عما نسبه إليه أعداؤه الجاحدون المعطلون لربوبيته وقدرته ومشيئته ووحدانيته وأن من هذه عبيده ومماليكه وخلقه وصنعه وإبداعه فكيف تجحد ربوبيته وألوهيته وكيف تنكر صفات كماله ونعوت جلاله وكيف يسوغ لذي حس سليم وفطرة مستقيمة تعطيلها عن صانعها أو تعطيل صانعها عن نعوت جلاله وأوصاف كماله وعن أفعاله.
فإقسامه بها أكبر دليل على فساد قول نوعي المعطلة والمشركين الذين جعلوها آلهة تعبد مع دلائل الحدوث والعبودية والتسخير والافتقار عليها، وإنها أدلة على بارئها وفاطرها وعلى وحدانيته وأنه لا تنبغي الربوبية والإلهية لها بوجه ما بل لا تنبغي إلا لمن فطرها وبرأها.
فلم يكن إقسامه بها سبحانه مقررًا بذلك علم الأحكام النجومية -كما يقوله الكاذبون المفترون-، بل مقررًا لكمال ربوبيته ووحدانيته وتفرده بالخلق والابداع وكمال حكمته وعلمه وعظمته وهذا نظير إخباره سبحانه عن خلقها وعن حكمة خالقها بقوله:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق: 12]، وقوله عز وجل:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)} [الأنبياء: 33]، وقوله عز وجل:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)} [فصلت: 37]، وقوله-عز وجل:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف:
54)، وقوله عز وجل:{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)} [النحل: 12].
وهؤلاء المشركون يعظمون الشمس والقمر والكواكب تعظيمًا يسجدون لها ويتذللون لها ويسبحونها تسابيح معروفة في كتبهم ودعوات لا ينبغي أن يدعى بها إلا خالقها وفاطرها وحده فبالله أتجعل قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)} دليلًا على هذا، ومقدمة له في أول الكتاب فإن كان الإقسام بها دليلًا على تأثيراتها في العالم كما يقولون فينبغي أن يكون سائر ما أقسم به كذلك وإن لم يكن القسم دليلا بطل الاستدلال به.
فائدة: اجتمع جماعة من الكبراء والفضلاء يومًا فقرأ قارىء: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)} حتى بلغ {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)} ، وفي الجماعة أبو الوفاء بن عقيل فقال له قائل: يا سيدي هب أنه أنشر الموتى للبعث والحساب وزوج النفوس بقرنائها للثواب والعقاب فما الحكمة في هدم الأبنية وتسيير الجبال ودك الأرض وفطر السماء ونثر النجوم وتخريب هذا العالم وتكوير شمسه وخسف قمره فقال ابن عقيل على البديهة: إنما بني لهم هذه الدار للسكنى والتمتع وجعلها وما فيها للاعتبار والتفكر والاستدلال عليه بحسن التأمل والتذكر فلما انقضت مدة السكنى وأجلاهم عن الدار وخربها لانتقال الساكن منها، فأراد أن يعلمهم بأن في إحالة الأحوال وإظهار تلك الأهوال وإبداء ذلك الصنع العظيم بيانا لكمال قدرته ونهاية حكمته وعظمة ربوبيته وعظمة جلاله وعظم شأنه وتكذيبًا لأهل الإلحاد وزنادقة المنجمين وعباد الكواكب والشمس والقمر والأوثان ليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين فإذا رأوا أن منار آلهتهم قد انهدم وأن معبوداتهم قد انتثرت والأفلاك التي زعموا أنها وما حوته هي