الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - شبهة: الشيطان يبيت على خيشوم المرء
.
نص الشبهة:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ"
كيف يبيت الشيطان على خيشوم الإنسان؟ كأنهم يتعجبون من ذلك وينكرونه.
والرد على ذلك من وجوه:
الوجه الأول: أقوال العلماء على الحديث
.
الوجه الثاني: خصائص الشيطان ووظائفه، فلا يُقاس بالإنسان.
الوجه الثالث: ملازمة الشيطان للإنسان.
الوجه الرابع: السرُّ في المبيت على الخيشوم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسله.
الوجه الخامس: بالذكر يخنس الشيطان.
الوجه السادس: عداوة الشيطان للإنسان.
وإليك التفصيل،
الوجه الأول: أقوال العلماء على الحديث.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أُرَاهُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ"(1).
خيْشُومه: هُوَ الأَنْف، وَقِيلَ: المُنْخِر، وَقَوْله:"فَلْيَسْتَنْثِرْ" أَكْثَر فَائِدَة مِنْ قَوْله: "فَلْيَسْتَنْشِقْ"؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْثَار يَقَع عَلَى الِاسْتِنْشَاق بِغَيْرِ عَكْس، ثم قال: ثُمَّ إِنَّ ظَاهِر الحَدِيث أَنَّ هَذَا يَقَع لِكُلِّ نَائِم، وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَخْصُوصًا بِمَنْ لَمْ يَحْتَرِس مِنْ الشَّيْطَان بِشَيْء مِنْ الذِّكْر؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه فَإِنَّ فِيهِ:"فَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَان"(2). وَكَذَلِكَ آيَة الْكُرْسِيّ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ: "وَلَا يَقْرَبك شَيْطَان"، وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون المُرَاد بِنَفْيِ الْقُرْب هُنَا
(1) البخاري (3295)، النسائي (90).
(2)
البخاري (3293)، مسلم (2691).
أَنَّهُ لَا يَقْرَب مِنْ المُكَان الَّذِي يُوَسْوِس فِيهِ وَهُوَ الْقَلْب، فَيَكُون مَبِيته عَلَى الْأَنْف؛ لِيَتَوَصَّل مِنْهُ إِلَى الْقَلْب إِذَا اِسْتَيْقَظَ، فَمَنْ اِسْتَنْثَرَ مَنَعَهُ مِنْ التَّوَصُّل إِلَى مَا يَقْصِد مِنْ الْوَسْوَسَة، فَحِينَئِذٍ فَالْحَدِيث مُتَنَاوِل لِكُلِّ مُسْتَيْقِظ (1).
قال ابن القيم: فَعَلَّلَ بِعَدَمِ الدِّرَايَة لِمَحَلِّ المُبِيت، وَهَذَا السَّبَب ثَابِت فِي مَبِيت الشَّيْطَان عَلَى الْخَيْشُوم، فَإِنَّ الْيَد إِذَا بَاتَتْ مُلَابِسَة لِلشَّيْطَانِ لَمْ يَدْرِ صَاحِبهَا أَيْنَ بَاتَتْ، وَفِي مَبِيت الشَّيْطَان عَلَى الْخَيْشُوم وَمُلَابَسَته لِلْيَدِ سِرُّ يَعْرِفهُ مَنْ عَرَفَ أَحْكَام الْأَرْوَاح، وَاقْتِرَان الشَّيَاطِين بِالمُحَالِّ الَّتِي تُلَابِسهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَان خَبِيث يُنَاسِبهُ الْخَبَائِث، فَإِذَا نَامَ الْعَبْد لَمْ يُرَ فِي ظَاهِر جَسَده أَوْسَخ مِنْ خَيْشُومه، فَيَسْتَوْطِنهُ فِي المُبِيت، وَأَمَّا مُلَابَسَته لِيَدِهِ فِلأَنَّهَا أَعَمّ الجْوَارِح كَسْبًا وَتَصَرُّفًا وَمُبَاشَرَة لِمَا يَأْمُر بِهِ الشَّيْطَان مِنْ المعْصِيَة، فَصاحِبهَا كَثِير التَّصَرُّف وَالْعَمَل بِهَا (2).
وَمَبِيت الشَّيْطَان إِمَّا حَقِيقَة: لِأَنَّهُ أَحَد مَنَافِذ الْجِسْم يَتَوَصَّل مِنْهَا إِلَى الْقَلْب وَالمُقْصُود مِنْ الاسْتِنْثَار إِزَالَة آثَاره. وَأَمَّا مَجَازًا: فَإِنَّ مَا يَنْعَقِد فِيهِ مِنْ الْغُبَار وَالرُّطُوبَة قَذِرَات تُوَافِق الشَّيْطَان؛ فَالمُرَاد أَنَّ الْخَيْشُوم مَحَلّ قَذِر يَصْلُح لِبَيْتُوتَةِ الشَّيْطَان؛ فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ تَنْظِيفه (3).
وقال السيوطي: قَالَ عِيَاض: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ عَلَى حَقِيقَته، وَأَنْ يَكُون عَلَى الِاسْتِعَارَة؛ فَإِنَّ مَا يَنْعَقِد مِنْ الْغُبَار وَرُطُوبَة الْخَيَاشِيم قَذَارَة تُوَافِق الشَّيْطَان (4).
وإن الله تعالى قد يسلط الشيطان علي بني آدم، فإذا نام بات الشيطان على خيشومه بإذن الله عز وجل، وهذا التسليط من الله عز وجل له حكمة، لكننا لا نعلم ما هي إلا أننا نعلم أنه لم يسلط إلا لحكمة (وهو غير استنثار الوضوء)(5).
(1) فتح الباري (6/ 384: 383).
(2)
تهذيب سنن أبي داود لابن القيم (1/ 58).
(3)
شرح سنن النسائي (1/ 77) حاشية السندي.
(4)
شرح سنن النسائي (1/ 77) حاشية السيوطي.
(5)
الشرح المختصر على بلوغ المرام (2/ 49).
قال الملا القاري: يبيت على خيشومه: يعني: أن الشيطان إذا لم يمكنه الوسوسة عند النوم لزوال الإحساس، يبيت على أقصى أنفه؛ ليلقي في دماغه الرؤيا الفاسدة، ويمنعه عن الرؤيا الصالحة؛ لأن محله الدماغ فأمر صلى الله عليه وسلم أن يغسلوا داخل أنوفهم لإزالة لوث الشيطان ونتنه منها. (1)
قال التوربشتي والقاضي: إذا نام الإنسان تجتمع الأخلاط وييبس عليه المخاط، ويكل الحس، ويتشوش الفكر، فيرى أضغاث أحلام، فإذا قام وترك الخيشوم بحاله استمر الكسل والكلال، واستعصى عليه النظر الصحيح، وعسر الخضوع والقيام بحقوق الصلاة.
ثم قال التوربشتي: ما ذكره من طريق الاحتمال وحق الأدب في الكلمات النبوية أن لا يتكلم في هذا الحديث وأمثاله بشيء؛ فإن الله سبحانه قد خصه بغرائب المعاني وحقائق الأشياء ما يقصر عنه باعُ غيره، وجاء الأمر بكظم الفم في التثاؤب من أجل دخول الشيطان في الفم، ويحتمل أن تكون على الاستعارة؛ فإنه إنما ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذر يوافق الشياطين (2).
وقال ابن تيمية: لما جاءت السنة بتجنب الخبائث الجسمانية والتطهر منها كذلك، جاءت بتجنب الخبائث الروحانية والتطهر منها، حتى قال: إذا قام أحدكم من الليل فليستنشق بمنخريه من الماء فإن الشيطان يبيت على خيشومه (3).
وقال أيضًا: وأما الحكمة في غسل اليد ففيها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه خوف نجاسة تكون على اليد مثل مرور يده موضع الاستجمار مع العرق أو على زبلة ونحو ذلك. والثاني: أنه تعبد ولا يعقل معناه. والثالث: أنه من مبيت يده ملامسة للشيطان كما في الصحيحين عن أبى هريرة؛ وذكر الحديث الذي معنا (4).
ومثل هذه الأقوال نقولها في الاستنثار بعد النوم.
(1) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح؛ كتاب الطهارة" باب سنن الوضوء.
(2)
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 316).
(3)
مجموع الفتاوى (21/ 12).
(4)
الفتاوى الكبرى (1/ 217).