الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموكل بالإنسان، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش، ولا يألوه جهدًا في الخيال والمعصوم من عصمه الله.
وعَنْ أَبِي المَلِيحِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَعَثَرَتْ دَابَّةٌ، فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ:"لَا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَعَاظَمَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْبَيْتِ؛ وَيَقُولُ: بِقُوَّتي، وَلَكِنْ قُلْ: بِسْمِ الله؛ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَصَاغَرَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبَابِ"(1).
قال ابن كثير: فيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغُلِبَ، وإن لم يذكر الله تعاظم وغَلَبَ، وقال المعتمر بن سليمان، عن أبيه: ذُكر لي أن الشيطان أو الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح، فإذا ذكر الله خنس (2).
الوجه السادس: عداوة الشيطان للإنسان
.
إن الله عز وجل لما خلق آدم وأمر الملائكة بالسجود إليه وكان الشيطان معهم، فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا الشيطان، فإنه تكبَّر على طاعة الله، وأنِفَ أن يسجد لآدم، فأهبطه الله إلى الأرض، وأدخل آدم وزوجته الجنة، فمن هنا بدأت العداوة بين الشيطان وبين آدم وبنيه، وأصبح يفكر في كل مدخل يدخل به عليهم، كي يُدخلهم معه النار؛ قال تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)} [البقرة: 34].
وقال تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ
(1) أبو داود (4982)، مسند أحمد (5/ 59)، وصححه الألباني في الجامع الصغير (13358).
(2)
ابن كثير (4/ 801: 800).
وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)} [الأعراف: 12: 17]، وغير ذلك من الآيات.
قال ابن كثير: وقوله: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} تنفير عنه وتحذير منه؛ كما قال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)} [فاطر: 6]، وقال تعالى:{وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50](1).
وقال الطبرى: يعني: أنه قد أبان لكم عداوته بِإِبائه عن السجود لأبيكم، وغروره إياه؛ حتى أخرجه من الجنة، واستزله بالخطيئة، وأكل من الشجرة؛ يقول تعالى ذكره: فلا تنتصحوه أيها الناس مع إبانته لكم العداوة ودعوا ما يأمركم به والتزموا طاعتي فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه مما أحللته لكم وحرمته عليكم (2).
عن أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ بَني آدَمَ مَوْلُودٌ إِلَّا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا".
ثُمَّ يَقُولُ أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (3).
وعَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبائِكَ وَآباءِ أَبِيكَ، فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بطَرِيقِ الهِجْرَةِ، فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ؛ وَإِنَّما مَثَلُ المُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ، فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الجِهَادِ، فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالمالِ؛ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ المرْأَةُ وَيُقْسَمُ المالُ، فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى الله عز وجل أَنْ يُدْخِلَهُ الجنّةَ، وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى الله
(1) تفسير ابن كثير (1/ 289).
(2)
تفسير الطبري (2/ 76).
(3)
البخاري (3248)، مسلم (6282).
عزَّ وجل أَنْ يُدْخِلَهُ الجنّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى الله أَنْ يُدْخِلَهُ الجنّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى الله أَنْ يُدْخِلَهُ الجنّةَ" (1).
وعن جابر رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ"(2).
وعنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ، فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً"(3).
وعَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَاّ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الجنِّ"، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسولَ الله؟ ! قَالَ: "وَإِيَّاىَ؛ إِلَاّ أَنَّ الله أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلا يَأْمُرُنى إِلَاّ بِخَيْرٍ"(4).
قال النووي: في هذا الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه، فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان (5).
* * *
(1) أخرجه النسائي (6/ 21)(3134)، مسند أحمد (3/ 483)، وصححه الألباني في الصحيحة (2979).
(2)
مسلم (2812).
(3)
مسلم (2813).
(4)
مسلم (2814).
(5)
شرح النووي (9/ 173).