الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ القاضي: قِيلَ: المُرَاد بِأنَّهُ لَا يَضُرّهُ أنَّهُ لَا يَصْرَعهُ شَيْطَان، وَقِيلَ: لَا يَطْعَن فِيهِ الشَّيْطَان عِنْد وِلَادَته بِخِلَافِ غَيْره، قَالَ: وَلَمْ يَحْمِلهُ أَحَد عَلَى الْعُمُوم فِي جَمِيع الضَّرَر وَالْوَسْوَسَة وَالْإِغْوَاء (1).
وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ - أَوْ قَالَ جُنْحُ اللَّيْلِ - فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ؛ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ الله، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ الله، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ الله، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ، الله وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا"(2).
قالَ اِبْن الجَوْزيّ: إِنَّما خِيفَ عَلَى الصِّبْيَان فِي تِلْكَ السَّاعَة؛ لِأَنَّ النَّجَاسَة الَّتِي تَلُوذ بِهَا الشَّيَاطِين مَوْجُودَة مَعَهُمْ غَالِبًا، وَالذِّكْر الَّذِي يُحْرَز مِنْهُمْ مَفْقُود مِنْ الصِّبْيَان غَالِبًا، وَالشَّيَاطِين عِنْد اِنْتِشَارهمْ يَتَعَلَّقُونَ بِمَا يُمْكِنهُمْ التَّعَلُّق بِهِ، فَلِذَلِكَ خِيفَ عَلَى الصِّبْيَان فِي ذَلِكَ الْوَقْت وفِي اللَّيْل؛ لِأَنَّ الظَّلَام أَجْمَع لِلْقُوَى الشَّيْطَانِيَّة مِنْ غَيْره (3).
وفي حديث صفية بنت حيي أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُما سُوءًا أَوْ قَالَ: شَيْئًا"(4).
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْره: قِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِره، وَأَنَّ الله تَعَالَى جَعَلَ لَهُ قُوَّة وَقُدْرَة عَلَى الجرْي فِي بَاطِن الْإِنْسَان، كَمَا لَا يُفَارِقهُ دَمَه، وَقِيلَ: يُلْقِي وَسْوَسَته فِي مَسَامّ لَطِيفَة مِنْ الْبَدَن، فَتَصِل الْوَسْوَسَة إِلَى الْقَلْب، وَالله أَعْلَم (5).
الوجه الرابع: السر في المبيت على الخيشوم، وأمر النبى صلى الله عليه وسلم بغسله
.
قال ابن حجر: فيكون مَبِيته عَلَى الْأَنْف لِيَتَوَصَّل مِنْهُ إِلَى الْقَلْب إِذَا اِسْتَيْقَظَ، فَمَنْ
(1) شرح النووي (5/ 258).
(2)
البخاري (3280)، أبو داود (3731).
(3)
فتح الباري (6/ 379).
(4)
البخاري (3281)، مسلم (2175).
(5)
شرح النووي (7/ 412).
اِسْتَنْثَرَ مَنَعَهُ مِن التَّوَصُّل إِلَى مَا يَقْصِد مِنْ الْوَسْوَسَة (1). والخيشوم أحد منافذ الجسم يتوصل منها إلى القلب (2).
وقال ابن القيم: وَفِي مَبِيت الشَّيْطَان عَلَى الخَيْشُوم وَمُلَابَسَته لِلْيَدِ سِرٌّ يَعْرِفهُ مَنْ عَرَفَ أَحْكَام الْأَرْوَاح، وَاقْتِرَان الشَّيَاطِين بِالمحَالِّ الَّتِي تُلَابِسهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَان خَبِيث يُنَاسِبهُ الْخَبَائِث، فَإِذَا نَامَ الْعَبْد
لَمْ يرَ فِي ظَاهِر جَسَده أَوْسَخ مِنْ خَيْشومه، فَيَسْتَوْطِنهُ فِي المبِيت (3).
والخيشوم يَنْعَقِد فِيهِ مِن الْغُبَار وَالرُّطُوبَة قَذِرَات تُوَافِق الشَّيْطَان، فَالمُرَاد أَنَّ الْخَيْشُوم مَحَلّ قَذِر يَصْلُح لِبَيْتُوتَةِ الشَّيْطَان (4).
والشيطان إذا لم يمكنه الوسوسة عند النوم لزوال الإحساس، يبيت على أقصى أنفه؛ ليلقي في دماغه الرؤيا الفاسدة؛ ويمنعه عن الرؤيا الصالحة؛ لأن محله الدماغ فأمر صلى الله عليه وسلم أن يغسلوا داخل أنوفهم لإزالة لوث الشيطان ونتنه منها (5).
ومبيت الشيطان على الخيشوم لا يكون إلا بإذن الله عز وجل بتسليط منه سبحانه وتعالى لحكمة، لكننا لا نعلم ما هي إلا أننا نعلم أنه لم يسلط إلا لحكمة (6).
ومن الأسرار أيضًا تجَنُّبِ الْخَبَائِثِ الرُّوحَانِيَّةِ، كما أمرنا بِتَجَنُّبِ الْخَبَائِثِ الجُسْمَانِيَّةِ (7).
ومن ذلك يكون السرُّ في مبيت الشيطان على الخيشوم للآتي:
1 -
لحكمة يعلمها الله تبارك وتعالى، ومن الأدب ألا يتكلم فيما من لا يعلمها.
(1) فتح الباري (6/ 384).
(2)
شرح سنن النسائي (1/ 77) حاشية السندي.
(3)
تهذيب سنن أبى داود لابن القيم (1/ 58).
(4)
شرح سنن النسائي (1/ 77) حاشية السندي.
(5)
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 21/ 316).
(6)
عمدة القاري (2/ 269).
(7)
مجموع الفتاوى (21/ 12).