الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 -
ولتطاولهم على مقام الله رب العالمين {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)} [المائدة: 64].
7 -
ولعصيانهم أنبيائهم فحلت عليهم دعوة ولعنة أنبيائهم وقد لعنهم داوود في مزاميره وعيسى في إنجيله {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78)} [المائدة: 78] ولقد لخص القرآن في سورة النساء سبب لعنهم {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)} . (النساء 155: 161).
والآية الأخيرة جاءت بخبر أن الربا والكسب الغير مشروع سببًا للعنة فاحذروا يا عباد الله ولم يعلن الله الحرب على أحد في قرآنه إلا على آكل الربا {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279].
ومن الذين لعنوا في السنة:
1 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى رَسول الله صلى الله عليه وسلم رَجُلانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيءٍ لا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ فَلَعَنَهُمَا وَسَبَّهُمَا فَلَمّا خَرَجَا قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، مَنْ أَصَابَ مِنَ الخْيرِ شَيْئًا مَا
أَصَابَهُ هَذَانِ، قَالَ:"وَمَا ذَاكِ". قَالَتْ قُلْتُ لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُما قَالَ: "أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي، قُلْتُ: اللهمَّ إِنَّمَا أَنَابَشَرٌ فَأَيُّ المسْلِمِينَ لَعَتتهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا"(1).
وفي هذا الحديث تلفظ النبي صلى الله عليه وسلم باللعن، وذلك لوجوه:
1 -
أن هذا التلفظ مما جرت به العادات: أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ سَبّه وَدُعَائِهِ وَنَحْوه لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْعَرَب فِي وَصْل كَلَامهَا بِلَا نِيَّة، كَقَوْلِهِ: تَرِبَتْ يَمِينك، عَقْرَي حَلْقَي وَفِي هَذَا الحدِيث "لَا كَبِرَتْ سِنّك" وَفِي حَدِيث مُعَاوِيَة "لَا أَشْبَعَ الله بَطْنك" وَنَحْو ذَلِكَ لَا يَقْصِدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَة الدُّعَاء (2).
2 -
أن هذا حكم بالظاهر، وإن لم يكن صاحبه يستحق ذلك في الباطن.
فقد يكون الملعون لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ عِنْد الله تَعَالَى، وَفِي بَاطِن الْأَمْر، وَلَكِنَّهُ فِي الظَّاهِر مُسْتَوْجِب لَهُ، فَيَظْهَر لَهُ صلى الله عليه وسلم اِسْتِحْقَاقه لِذَلِكَ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّة، وَيَكُون فِي بَاطِن الْأَمْر لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَهُوَ صلى الله عليه وسلم مَأْمُور بِالحكْمِ بِالظَّاهِرِ، وَالله يَتَوَلَّى السَّرَائِر (3).
والأحاديث في الدلالة على ذلك كثيرة، اكتفى منها بما روى عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة فقسمها بين أربعة، فقال رجل يا رسول الله، اتق الله. فقال: ويلك! أو لست أحق أهل الأرض أن يتقى الله. ثم ولى الرجل، فقال خالد بن الوليد، يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ فقال: لا لعله أن يكون يصلى، فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال صلى الله عليه وسلم:"إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم "(4).
ففي قوله: "إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم" دلالة على ما
(1) مسلم (6779).
(2)
شرح النووي على مسلم (8/ 414).
(3)
شرح النووي على مسلم (8/ 414)، فتح الباري (11/ 176).
(4)
البخاري (3344)، مسلم (1064).
أجمع عليه العلماء في حقه صلى الله عليه وسلم من الحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر (1).
3 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط على ربه أن من دعي عليه أن يجعلها له طهور وزكاة وقربة إذا لم يكن المدعو عليه، أهلًا للدعاء عليه: قال صلى الله عليه وسلم إِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي عز وجل أَيُّ عَبْدٍ مِنَ المسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا" (2).
وعن أنس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتيمَةٌ وَهِىَ أُمُّ أَنَسٍ فَرَأَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْيَتيمَةَ فَقَالَ: "آنتِ هِيَهْ لَقَدْ كَبِرْتِ لا كَبِرَ سِنُّكِ" فَرَجَعَتِ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِي فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مَا لَكِ يَا بُنيَةُ قَالَتِ الجارِيةُ دَعَا عَلَيَّ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم أَنْ لا يَكْبَرَ سِنِّي فَالآنَ لا يَكْبَرُ سِنِّي أَبَدًا -أَوْ قَالَتْ قَرْنِي- فَخَرَجَتْ أُمُّ سلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا لَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ". فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ الله أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِي قَالَ: "وَمَا ذَاكِ يَا أُمَّ سلَيْمٍ". قَالَتْ زَعَمَتْ أنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لا يَكْبَرَ سِنُّهَا وَلا يَكْبَرَ قَرْنُهَا -قَالَ- فَضَحِكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: "يَا أُمَّ سُلَيْمٍ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِي عَلَى رَبِّي أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ فأيُّما أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَربُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(3).
قال ابن القاص: كان يجوز له صلى الله عليه وسلم أن يلعن شيئا من غير سبب يقتضيه لأن لعنته رحمة ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم إني اتخذت عندك عهدًا لن تخلفنيه؛ فإنما أنا بشر؛ فأي المؤمنين آذيته أو شتمته أو لعنته؛ فاجعلها له زكاة وصلاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة "وفي رواية لهما" إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة واجعل ذلك كفارة له إلى يوم القيامة".
(1) رد شبهات حول عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في ضوء السنة النبوية الشريفة (1/ 573).
(2)
مسلم (6790).
(3)
مسلم (6792).
قال الرافعي: وهذا قريب من جعل الحدود كفارات لأهلها؛ قال العلماء وذلك في حق المسلمين، كما نطق به الخبر؛ فإنه صلى الله عليه وسلم دعا على الكفار والمنافقين ولم يكن لهم رحمة (1).
4 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر كباقي البشر: "إِنَّمَا أنا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ وَأَغْضبُ كَمَا يَغْضبُ الْبَشَرُ"(2).
فهو صلى الله عليه وسلم إنما يغضب لمخالفة الشرع فغضبه صلى الله عليه وسلم لله سبحانه وتعالى، وله أن يؤدب على ذلك بما يرى من سب أو لعن أو جلد أو دعاء (3).
فغضبه صلى الله عليه وسلم لله سبحانه وتعالى يحمله على تعجيل معاقبة مخالفه وتر الإغضاء والصفح ويؤيده حديث عائشة ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله (4).
قال الماوردي: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن دعاءه وسبه وجلده كان مما خير فيه بين أمرين.
أحدهما: هذا والثاني: زجره بأمر آخر يحمله الغضب لله تعالى على أحد الأمرين المخير فيهما وهو السب واللعن والجلد، فليس ذلك خارجًا عن حكم الشرع، ومعنى:"اجعلها صلاة" أي رحمة كما في الرواية الأخرى ولا يفهم من قوله: "وأغضب كما يغضب البشر" أن الغضب حمله على ما لا يجب؛ بل يجوز أن يكون المراد بهذا: أن الغضب لله حمله على معاقبته بلعنه أو سبه، وأنه مما كان يحتمل، ويجوز عفوه عنه، أو كان مما خير بين المعاقبة فيه والعفو عنه وليس في ذلك الغضب خروج عن شرعه، وعصمته في سلوكه وخلقه، بل في ذلك كمال خلقه، ودلالة على بشريته، كما صرح بذلك في رواية مسلم عن أنس رضي الله عنه قال:"إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر"(5).
(1) غاية السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم (1/ 39).
(2)
مسلم (6792).
(3)
شرح الأبي على مسلم (7/ 43).
(4)
فتح الباري (11/ 176).
(5)
غاية السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم (1/ 39) الشفا (2/ 196)، رد شبهات حول عصمة النبي في ضوء السنة النبوية الشريفة (1/ 736).
5 -
أن هذا من باب سب أصحاب المعاصي:
يجوز لعن أصحاب المعاصي بالعنوان العام؛ كما لعن الرسول صلى الله عليه وسلم آكل الربا والواصلة والنامصة والسارق ومن يلعن والديه، ومن اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد أما لعن إنسان بعينه ممن اتصف بشيء من المعاصي؛ كزانٍ وسارق وآكل ربا؛ فظواهر الأحاديث أنه ليس بحرام، وأشار الغزالي إلى تحريمه إلا في حق من علمنا أنه مات على الكفر كأبي لهب وأبى جهل وفرعون وهامان وأشباههم؛ قال: لأن اللعن هو الإبعاد عن رحمة الله تعالى وما ندرى ما يختم به لهذا الفاسق أو الكافر، وأما الذين لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعيانهم فيجوز إنه علم موتهم على الكفر.
واللعن يقع على وجهين: الأول: أن يلعن الكفار وأصحاب المعاصي على سبيل العموم، كما لو قال: لعن الله اليهود والنصارى. أو: لعنة الله على الكافرين والفاسقين والظالمين. أو: لعن الله شارب الخمر والسارق. فهذا اللعن جائز ولا بأس به.
قال ابن مفلح: ويجوز لعن الكفار عامة. الثاني: أن يكون اللعن على سبيل تعيين الشخص الملعون سواء كان كافرًا أو فاسقًا، كما لو قال: لعنة الله على فلان ويذكره بعينه، فهذا على حالين:
1 -
أن يكون النص قد ورد بلعنه مثل إبليس، أو يكون النص قد ورد بموته على الكفر كفرعون وأبي لهب، وأبي جهل، فلعن هذا جائز.
وقال أيضًا: ويجوز لعن من ورد النص بلعنه، ولا إثم عليه في تركه.
2 -
لعن الكافر أو الفاسق على سبيل التعيين ممن لم يرد النص بلعنه بعينه مثل: بائع الخمر -من ذبح لغير الله- من لعن والديه -من آوى محدثا- من غير منار الأرض- وغير ذلك؛ فهذا قد اختلف العلماء في جواز لعنه على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يجوز بحال. الثاني: يجوز في الكافر دون الفاسق. الثالث: يجوز مطلقًا (1).
واستدل من قال بعدم جواز لعنه بعدة أدلة، منها:
(1) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 303).
1 -
ما رواه البخاري: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ: اللهمَّ الْعَنْ فُلانًا وَفُلانًا وَفُلانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ الله لمِنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الحمْدُ، فَأَنْزَلَ الله:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} [آل عمران: 128](1).
2 -
ما رواه البخاري: عن عمر أن رجلًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارًا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب؛ فأتي به يومًا فأمر به فجلد، قال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تلعنوه، فوالله ما علمت، إلا أنه يحب الله ورسوله"(2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: واللعنة تجوز مطلقًا لمن لعنه الله ورسوله، وأما لعنة العين؛ فإن علم أنه مات كافرًا جازت لعنته، وأما الفاسق العين؛ فلا تنبغي لعنته لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يلعن عبد الله بن حمار الذي كان يشرب الخمر، مع أنه قد لعن شارب الخمر عمومًا، مع أن في لعنة العين إذا كان فاسقًا أو داعيًا إلى بدعة نزاعًا" (3).
وقال الشيخ ابن عثيمين: الفرق بين لعن المعين ولعن أهل المعاصي على سبيل العموم؛ فالأول (العن المعين) ممنوع، والثاني:(العن أهل المعاصي على سبيل العموم) جائز؛ فإذا رأيت محدثًا، فلا تقل لعنك الله، بل قل: لعنة الله على من آوى محدثًا، على سبيل العموم، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صار يلعن أناسًا من المشركين من أهل الجاهلية بقوله:" اللهم العن فلانًا وفلانًا وفلانًا" نهي عن ذلك بقوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} [آل عمران: 128]، وليس في الآية الكريمة نهى عن اللعن، وإنما النهي
(1) البخاري (4070).
(2)
البخاري (6780).
(3)
مجموع الفتاوى (6/ 511).
حسب سبب النزول؛ عن تعيين أسماء من يلعنهم؛ لعل الله أن يتوب عليهم أو يعذبهم في الدنيا بقتلهم، وفي الآخرة بالعذاب الأليم، فإنهم ظالمون وهو ما حدث فعلًا (1).
فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم يوم أحد: "اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام. اللهم العن صفوان بن أمية، قال: فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (آل عمران: 128) فتاب الله عليهم، فأسلموا فحسن إسلامهم (2).
وتأمل ختام الآية: {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} والظالمون لعنهم رب العزة بصفتهم دون أسمائهم في أكثر من آية منها: قوله تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (الأعراف: 44)، وقوله عز وجل:{أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (هود: 18)، هذا فضلًا عن الآيات التى تلعن اليهود، وتلعن الكاذبين والكافرين، وتلعن بعض عصاة المؤمنين كالذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات وغيرهم. كقوله تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} (المائدة: 64)، وقوله سبحانه:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78)} ، (المائدة: 78) وقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)} [البقرة: 161].
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (النور: 23)، وقوله سبحانه:{وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (النور: 7)(3).
ومن الذين لُعنوا في السنة:
إتيان المرأة في دبرها ملعون من فعله لوجوه منها:
(1) القول المفيد (1/ 226).
(2)
الترمذي (3004) وقال: حسن غريب، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (3004).
(3)
رد شبهات حول عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في ضوء السنة النبوية الشريفة (1/ 729).