الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما التخصيص المنفصل فهو: ما يستقل بنفسه، بحيث يأتي في دليلين منفصلين ومثاله: قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (البقرة: 28)، فكلمة المطلقات: جمع عُرِّف بأل الاستغراقية فتناول جميع المطلقات بلا حصر، فأفاد أن كل مطلقة عدتها ثلاثة قروء.
وقد جاءت آية أخرى تخرج بعض أفراد هذا العام، وهي قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (الأحزاب: 49). فبينت الآية أن المطلقة غير المدخول بها فلا عدة لها.
ومثال ذلك أيضا قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} (البقرة: 221) - فإنه عام مع قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} (المائدة: 5) - فإنه خاص - فيحمل العام على الخاص. (1)
ومن الأمثلة أيضًا: قول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تيسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ"(2)، وهذا عام. (3)
وقد خصص ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صَلاة لمِنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ". (4)
ومن أمثلة تخصيص السنة بالسنة أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: "فِيَما سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ"(5).
وهذا عام خصص بقوله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ". (6)
حمل المطلق على المقيد
.
والمطلق هو: اللفظ الدال على الحقيقة، من حيث هي، من غير قيد، أو يقال هو: اللفظ
(1) الإبهاج شرح المنهاج (3/ 230).
(2)
البخاري (757)، مسلم (397) من حديث أبي هريرة.
(3)
وقد احتج به من قال أن قراءة الفاتحة لا تتعين.
(4)
البخاري (756)، مسلم (394) من عبادة بن الصامت.
(5)
البخاري (1483) من حديث ابن عمر.
(6)
البخاري (1447)، مسلم (979) من حديث أبي سعيد الخدري.
الدال على مدلول شائع في جنسه. (1)
كقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} (البقرة: 67).
فكلمة: بقرة نكرة في سياق الإثبات؛ فتدل على الإطلاق بلا قيد، فلو ذبحوا بقرة -أي بقرة- أجزأتهم.
المقيد: ما دل على الحقيقة بقيد.
ومثاله قوله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} (البقرة: 68).
وقوله: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} (البقرة: 69). وقوله: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا} (البقرة: 71).
فقيدت البقرة على بني إسرائيل بتلك الأوصاف، لما تشددوا شدد الله عليهم.
فهذا مثال واضح للمطلق والمقيد، إذ هو في قصة واحدة، في سورة واحدة، وفي آيات متتاليات.
ومن أمثلة حمل المطلق على المقيد:
حَدِيثُ عَبْدِ الله بْنِ عُكَيْم قَالَ: كَتَبَ إِلَينَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ لَا تَنتفِعُوا مِنْ المَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ. (2)
والإهاب: الجلد ما لم يدبغ. (3)
والعصب: أطناب المفاصل (4)، يعني: أعصابها.
وقد جاء في السنة ما يدل على جواز استخدام جلود الميتة مثل:
(1) روضة الناظر (2/ 191)، الأصول من علم الأصول لابن العثيمين (1/ 44).
(2)
رواه أحمد (4/ 311)، وابن أبي شيبة (5/ 206)، والترمذي (1729)، والنسائي (7/ 175)، وابن ماجه (3611)، وأبو داوود (4127) من طرق عن عبد الله بن عكيم، وصححه الألباني في الإرواء (38).
(3)
مختار الصحاح مادة أهـ ب.
(4)
القاموس المحيط مادة ع ص ب (1/ 201).