الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسرائيليات جمع مفرده إسرائيلية، وهي قصة أو حادثة تُروى عن مصدر إسرائيلي والنسبة فيها إلى إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم أبو الأسباط الإثنى عشر، وإليه يُنسب اليهود.
وهي: الأخبار المنقولة عن بني إسرائيل من اليهود وهو الأكثر، أو من النصارى.
ولفظ الإسرائيليات وإن كان يدل بظاهره على اللون اليهودى للتفسير، وما كان للثقافة اليهودية من أثر ظاهر فيه، إلا أنَّا نريد به ما هو أوسع من ذلك وأشمل، فنريد به ما يعم اللون اليهودي واللون النصراني للتفسير، وما تأثر به التفسير من الثقافتين اليهودية والنصرانية. فهو في الاصطلاح يدل على كل ما تطرق إلى التفسير والحديث من أساطير قديمة منسوبة في أصل روايتها إلى مصدر يهودي أو نصراني أو غيرهما، بل توسع بعض المفسرين والمحدثين فعدوا من الإسرائيليات ما دسه أعداء الإسلام من اليهود وغيرهم على التفسير والحديث من أخبار لا أصل لها في مصدر قديم، وإنما هي أخبار من صنع أعداء الإسلام صنعوها بخبث نية وسوء طوية، ثم دسوها على التفسير والحديث ليفسدوا بها عقائد المسلمين.
وإنما أطلقنا على جميع ذلك لفظ "الإسرائيليات"، من باب التغليب للجانب اليهودي على الجانب النصراني، فإن الجانب اليهودي هو الذي اشتهر أمره فكثر النقل عنه، وذلك لكثرة أهله، وظهور أمرهم، وشدة اختلاطهم بالمسلمين من مبدأ ظهور الإسلام إلى أن بسط رواقه على كثير من بلاد العالم ودخل الناس في دين الله أفواجًا. (1)
أقسام الإسرائيليات:
وتنقسم هذه الأخبار إلى ثلاثة أنواع:
الأول: ما أقره الإسلام، وشهد بصدقه فهو حق وما علمنا صحته مما بأيدينا من القرآن والسنة، والقرآن هو الكتاب المهيمن والشاهد على الكتب السماوية قبله فما وافقه فهو حق وصدق وما خالفه فهو باطل وكذب، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ
(1) التفسير والمفسرون (4/ 9)، ومقدمة في التفسير للعثيمين (1/ 46).
الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة 50: 47) وماعلم صحته بأن نُقِل عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلًا صحيحًا، مثاله: ما رواه البخاري وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع فيقول: أنا الملك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} (الزمر: 67)، وذلك كتعيين اسم صاحب موسى عليه السلام بأنه الخضر، فقد جاء هذا الاسم صريحًا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري، أو كان له شاهد من الشرع يؤيده. وهذا القسم صحيح مقبول.
الثاني: ما أنكره الإسلام وشهد بكذبه فهو باطل وعلم كذبه بأن يناقض ما عرفناه من شرعنا، أو كان لا يتفق مع العقل، وهذا القسم لا يصح قبوله ولا روايته. مثاله ما رواه البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها، جاء الولد أحول؛ فنزلت:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (البقرة: 223)، ومثل ما ذكروه في قصص الأنبياء من أخبار تطعن في عصمة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - كقصة يوسف وداود وسليمان، ومثل ما ذكروه في توراتهم من أن الذبيح إسحاق لا إسماعيل، فهذا لا تجوز روايته وذكره إلا مقترن ببيان كذبه، وأنه مما حرفوه وبدلوه قال تعالى:{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} (المائدة: 13)، وفي هذا القسم ورد النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة عن روايته، والزجر عن أخذه عنهم وسؤالهم عنه.
قال الإمام مالك: في حديث: "حدثو اعن بني إسرائيل ولا حرج" المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما علم كذبه فلا، ولعل هذا هو المراد من قوله صلى الله عليه وسلم:"يَا مَعْشَرَ المسْلِمِينَ، كَيْفَ تَسْألونَ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْدَثُ الأَخْبَارِ بِالله، تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّكُمُ الله أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ الله وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمُ الْكِتَابَ، فَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ الله، لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أَفَلا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ، وَلا وَالله مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا قَطُّ يَسْألُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ"(1)
الثالث: ما لم يقره الإسلام، ولم ينكره، وهو مسكوت عنه، فيجب التوقف فيه، فلا نؤمن به ولا نُكذِّبه، وتجوز حكايته لما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا:{آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} (العنكبوت: 46)، ولكن التحدث بهذا النوع جائز، إذا لم يخش محذور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". (2)
وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني؛ كتعيين لون كلب أصحاب الكهف ونحوه. ثم إذا جاء شيء من هذا القبيل - أعنى ما سكت عنه الشرع ولم يكن فيه ما يؤيده أو يفنده - عن أحد من الصحابة بطريق صحيح، فإن كان قد جزم به فهو كالْقِسم الأول، يُقبل ولا يُرد، لأنه لا يعقل أن يكون قد أخذه عن أهل الكتاب بعد ما علم من نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تصديقهم. وإن كان لم يجزم به فالنفس أسكن إلى قبوله، لأن احتمال أن يكون الصحابي قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، أو ظن سمعه منه، أقوى من احتمال السماع من أهل الكتاب، ولا سيما بعد ما تقرر من أن أخذ الصحابة عن أهل الكتاب كان قليلًا بالنسبة لغيرهم من التابعين ومَن
(1) البخاري (2685).
(2)
البخاري (3461).
يليهم. أما إن جاء شيء من هذا عن بعض التابعين، فهو مما يُتوقف فيه ولا يُحكم عليه بصدق ولا بكذب، وذلك لقوة احتمال السماع من أهل الكتاب، لما عُرفوا به من كثرة الأخذ عنهم، وبُعد احتمال كونه مما سُمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إذا لم يتفق أهل الرواية من علماء التفسير على ذلك، أما إن اتفقوا عليه. فإنه يكون أبعد من أن يكون مسموعًا من أهل الكتاب، وحينئذ تسكن النفس إلى قبوله والأخذ به، والله أعلم.
ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرًا ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعدتهم، وعصا موسي من أي الشجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى، إلى غير ذلك مما أبهمه الله في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم، ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز، كما قال تعالى:{ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)} (الكهف: 22).
فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام، وتعليم ما ينبغي في مثل هذا؛ فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين، وسكت عن الثالث، فدل على صحته؛ إذ لو كان باطلًا لرده كما ردهما، ثم أرشد إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا:{قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه، فلهذا قال:{فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك؛ فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجْم الغيب فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف، أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن ينبه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيشتغل به عن الأهم. فأما من حكي خلافًا في مسألة ولم يستوعب