الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآخر والله سبحانه إنما يذكر من مخلوقاته للدلالة عليه أشرفها وأظهرها للحس والعقل وأبينها دلالة وأعجبها صنعة كالسماء والأرض والشمس والقمر والليل والنهار والنجوم والجبال والسحاب والمطر وغير ذلك من آياته ولا يدعو عباده إلى التفكر في القمل والبراغيث والبعوض والبق والكلاب والحشرات ونحوها إنما يذكر ما يذكر من ذلك في سياق ضرب الأمثال مبالغة في الاحتقار والضعف كقوله تعالى أن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنفذوه منه فهنا لم يذكر الذباب في سياق الدلالة على إثبات الصانع تعالى وكذلك قوله أن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها وكذلك قوله: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} فتأمل ذكر هذه المخلوقات الحقيرة في أي سياق وذكر المخلوقات العظيمة في أي سياق.
ثانيًا: الآثار الواردة في الباب:
الأول: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى عند قضاء الحاجة عن استقبال الشمس والقمر واستدبارهما".
والجواب عليه:
كأنه والله أعلم لما رأى بعض الفقهاء قد قالوا ذلك في كتبهم في آداب التخلي: ولا تستقبل الشمس والقمر ظن أنهم إنما قالوا ذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه فاحتج بالحديث وهذا من أبطل الباطل فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه ذلك في كلمة واحدة لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مرسل ولا متصل وليس لهذه المسألة أصل في الشرع والذين ذكروها من الفقهاء منهم من قال العلة أن اسم الله مكتوب عليهما ومنهم من قال لأن نورهما من نور الله ومنهم من قال إن التنكب عن استقبالهما واستدبارهما أبلغ في التستر وعدم ظهور الفرجين وبكل حال فما لهذا ولا أحكام النجوم فإن كان هذا دالا على دعواكم فدلالة
النهي عن استقبال الكعبة بذلك أقوى وأولى (1).
الثاني: ومن الناس من يروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسافروا والقمر في العقرب ومنهم من يروى ذلك عن علي رضي الله عنه وإن كان المحدثون لا يقبلونه.
والجواب عليه:
أنه مختلق باتفاق أهل الحديث وهو من كلام المنجمين، وأما رسول رب العالمين فبريء ممن نسب إليه هذا الحديث وأمثاله ولكن إذا بعد الإنسان عن نور النبوة واشتدت غربته عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم جوز عقله مثل هذا كما يجوز عقل المشركين قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لو حسن أحدكم ظنه بحجر نفعه وهذا ونحوه من كلام عباد الأصنام الذين حسَّنوا ظنهم بالأحجار فساقهم حسن ظنهم إلى دار البوار".
وأما الرواية عن علي أنه نهي عن السفر والقمر في العقرب فمن الكذب على علي رضي الله عنه والمشهور عنه خلاف ذلك وعكسه وانه أراد الخروج لحرب الخوارج فاعترضه منجم فقال يا أمير المؤمنين لا تخرج فقال لأي شيء قال إن القمر في العقرب فإن خرجت أصبت وهزم عسكرك فقال علي رضي الله عنه ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأبي بكر ولا لعمر منجم بل أخرج ثقة بالله وتوكلا على الله وتكذيبًا لقولك فما سافر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة أبرك منها قتل الخوارج وكفي المسلمين شرهم ورجع مؤيدًا منصورًا فائزًا وقال علي لأصحابه لولا أن تنكلوا لحدثتكم بما لكم عند الله في قتلهم فكان هذا الظفر ببركة خلاف ذلك المنجم وتكذيبه والثقة بالله رب النجوم والاعتماد عليه وهذه سنة الله فيمن لم يلتفت إلى النجوم ولا بني عليها حركاته وسكناته وأسفاره وإقامته كما أن سنته نكبة من كان منقادا لأربابها عاملًا بما يحكمون له به.
(1) قلت: هذا الحديث نهى أن يبول الرجل وفرجه باد إلى الشمس والقمر. قال الألباني: باطل انظر: السلسلة الضعيفة (944).
الثالث: قال أبو ذر رضي الله عنه: "تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علمًا"، وليست الكواكب موكلة بالفساد والصلاح ولكن فيها دليل بعض الحوادث عرف ذلك بالتجربة.
والجواب عليه:
وأما احتجاجه بحديث أبي ذر رضي الله عنه: "تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علمًا". (1)
فهذا حق وصدق وهو من أعظم الأدلة على إبطال قولكم وتكذيبكم فيما تدعونه من علم أحكام النجوم فإنه صلى الله عليه وسلم ذكرهم على كل شيء حتى الخرأة ذكرهم من علم كل طائر وكل حيوان وكل ما في هذا العالم ولم يذكرهم من علم أحكام النجوم شيئا البتة، وهو صلى الله عليه وسلم أجل من هذا وأعظم وقد صانه الله سبحانه عن ذلك وإنما الذي ذكركم بهذه الأحكام المشركون عباد الأصنام والكواكب مثل بطليموس وبنكلوسا وطمطم صاحب الدرج وهؤلاء مشركون عباد أصنام وكذلك أتباعهم أفلا يستحي رجل أن يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المقام نعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أمته من تكذيبكم وكفركم ومعاداتكم والبراءة منكم والإخبار بأنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ما يعرفه من عرف ما جاء به من أمته والبهت والفرية والكذب على الله ورسوله.
هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد من أهل بيته مثبتا لأحكام النجوم وأما الاحتجاج بحديث أبي الدرداء لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركنا وما طائر يقلب جناحيه إلا وقد ذكر لنا منه علما فهذا حق وصدق وهو من أعظم الأدلة على إبطال قولكم وتكذيبكم فيما تدعونه من علم أحكام النجوم فإنه صلى الله عليه وسلم ذكرهم على كل شيء حتى الخرأة ذكرهم من علم كل طائر وكل حيوان وكل ما في هذا العالم ولم يذكرهم من علم أحكام النجوم شيئا البتة، وهو صلى الله عليه وسلم أجل من هذا وأعظم وقد صانه الله سبحانه عن ذلك وإنما الذي ذكركم بهذه
(1) إسناده حسن. أبو يعلى (8109)، ابن حبان (65)، المعجم الكبير للطبراني (1647) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
الأحكام المشركون عباد الأصنام والكواكب مثل بطليموس وبنكلوسا وطمطم صاحب الدرج وهؤلاء مشركون عباد أصنام وكذلك أتباعهم أفلا يستحي رجل أن يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المقام نعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أمته من تكذيبكم وكفركم ومعاداتكم والبراءة منكم والإخبار بأنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ما يعرفه من عرف ما جاء به من أمته والبهت والفرية والكذب على الله ورسوله.
هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد من أهل بيته مثبتا لأحكام النجوم عاملا بها في حركاته وسكناته وأسفاره كما هو المعروف من المشركين وأتباعهم سبحانك هذا بهتان عظيم.
وقالوا: وجاء في الآثار أن أول من أعطى هذا العلم آدم وذلك أنه عاش حتى أدرك من ذريته أربعين ألف أهل البيت وتفرقوا عنه في الأرض وكان يغتم لخفاء خبرهم عليه فأكرمه الله سبحانه وتعالى بهذا العلم وكان إذا أراد أن يعرف حال أحدهم حسب له بهذا الحساب فيقف على حالته.
والجواب عليه:
فليس هذا ببدع من بهت المنجمين والملاحدة وإفكهم وافترائهم على آدم وقد علموا بالمثل السائر هنا: إذا كذبت فابعد شاهدك. (1)
الخامس: أنهم زعموا أنه صنعة إدريس:
والجواب عليه:
أولًا: هذا قول بلا علم فإن مثل هذا لا يعلم إلا بالنقل الصحيح ولا سبيل لهذا القائل إلى ذلك ولكن في كتب هؤلاء هرمس الهرامسة ويزعمون أنه هو إدريس والهرمس عندهم اسم جنس ولهذا يقولون هرمس الهرامسة وهذا القدر الذي يذكرونه عن هرمسهم يعلم المؤمن قطعا أنه ليس هو مأخوذا عن نبي من الأنبياء على وجهه لما فيه من الكذب والباطل ويقال:
ثانيًا: هذا إن كان أصله مأخوذًا عن إدريس فانه كان معجزة له وعلما أعطاه الله إياه فيكون من العلوم النبوية وهؤلاء إنما يحتجون بالتجربة والقياس لا بأخبار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
(1) مفتاح دار السعادة (538) وما بعدها.
ثالثًا: إن كان بعض هذا مأخوذًا عن نبي فمن المعلوم قطعا أن فيه من الكذب والباطل أضعاف ما هو مأخوذ من ذلك النبي ومعلوم قطعًا أن الكذب والباطل الذي في ذلك أضعاف الكذب والباطل الذي عند اليهود والنصارى فيما يأثرونه على الأنبياء وإذا كان اليهود والنصارى قد تيقنا قطعًا أن أصل دينهم مأخوذ عن المرسلين وأن الله أنزل التوراة والإنجيل والزبور كما أنزل القرآن وقد أوجب الله علينا أن نؤمن بما أنزل علينا وما أنزل على من قبلنا كما قال: عز وجل {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)} [البقرة: 136]، ثم مع ذلك قد أخبرنا الله أن أهل الكتاب حرفوا وبدلوا وكذبوا وكتموا فإذا كانت هذه حال الوحي المحقق والكتب المنزلة يقينا مع أنها إلينا أقرب عهدا من إدريس ومع أن نقلتها أعظم من نقلة النجوم وأبعد عن تعمد الكذب والباطل وأبعد عن الكفر بالله ورسوله واليوم الآخر فما الظن بهذا القدر إن كان فيه ما هو منقول عن إدريس فإنا نعلم أن فيه من الكذب والباطل والتحريف أعظم مما في علوم أهل الكتاب.
وقد ثبت في البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "لَا تُصدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} ". فإذا كنا مأمورين فيما يحدثنا به أهل الكتاب أن لا نصدق إلا بما نعلم أنه الحق كما لا نكذب إلا بما نعلم أنه باطل فكيف يجوز تصديق هؤلاء فيما يزعمون أنه منقول عن إدريس عليه السلام وهم في ذلك أبعد عن علمهم المصدق من أهل الكتاب.
رابعًا: لا ريب أن النجوم نوعان حساب وأحكام فإما الحساب فهو معرفة أقدار الأفلاك والكواكب وصفاتها ومقادير حركاتها وما يتبع ذلك فهذا في الأصل علم صحيح لا ريب فيه كمعرفة الأرض وصفتها ونحو ذلك لكن جمهور التدقيق منه كثير التعب قليل الفائدة كالعالم مثلًا بمقادير الدقائق والثواني والثوالث في حركات السبعة المتحيرة الخنس