الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ} [الحج: 18] فسجود الشمس والقمر والنجوم والجبال على جهة التواضع والتذلل لخالقها عز وجل قال الشاعر:
ساجدَ المنخر لا يرفعُهُ
…
خاشعَ الطرفِ أَصمَّ المُسْتَمَعْ
أراد خاضعًا ذليلًا، وقال الآخر:
بجمْعٍ تَضِلُّ البُلْقَ في حَجَراتِهِ
…
ترى الأُكْمَ منها سجدًا للحوافِرِ
أراد خاشعة ذليلة ويكون السجود على معنى التحية كقول الشاعر:
وبنيتُ عَرْصَةَ منزلٍ برباوة
…
بينَ النخيلِ إلى بقيعِ الغَرْقدِ
قد كانَ ذو القرنينِ جدِّيَ مُسْلِمًا
…
ملكًا تدينُ له الملوكُ وتسجدُ
ينظر الأضداد أضداد الأصمعي أراد تحييه؛ وذلك أنهم كانوا في ذلك الزمان إذا أراد الرجل منهم أن يحيي أخاه ويعظمه سجد له؛ فكان السجود لهم في ذلك الزمان بمنزلة المصافحة لنا اليوم من ذلك قول الله: عز وجل {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} فيه ثلاثة أقوال:
أحدهن: أن تكون الهاء تعود على الله تعالى، فهذا القول لا نظر فيه؛ لأن المعنى خروا لله سجدًا وقال آخرون الهاء تعود على يوسف ومعنى السجود التحية؛ كأنه قال وخروا ليوسف عليه السلام سجدًا سجود تحية؛ لا سجود عبادة، قال أبو بكر: سمعت أبا العباس يؤيد هذا القول ويختاره وقال الأخفش معنى الخرور في هذه الآية المرور قال وليس معناه الوقوع والسقوط (1).
الوجه السابع: وقيل المقصود بالسجود أن الشمس إنما تسجد مرة واحدة وذلك عند محاذاتها لباطن عرش الرحمن
.
قال ابن حجر: وظاهر الحديث أن المراد بالاستقرار، وقوعه في كل يوم وليلة عند سجودها، ومقابل الاستقرار المسير الدائم المعبر عنه بالجري. وَالله أعلم.
قلت: وقول الحافظ "كل يوم وليلة" أي كل أربع وعشرين ساعة؛ وهي فترة دوران
(1) الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 46).
الشمس حول الأرض دورة كاملة، أو على قول من يؤول الأدلة ويرى ثبات الشمس: فترة دوران الأرض حول نفسها دورة كاملة، ولذلك قال الإمام الخطابي - كما نقله الحافظ في الفتح رحمه الله: يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر تحته استقرارًا لا نحيط به نحن
…
وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سيرها. وعند محاذاتها لباطن العرش، فإنها تكون عندئذٍ مقابل سمت أو حد من الأرض يحدث عند مواجهته السجود المذكور؛ ولكن هذا السمت أو الحد أو المنتهى. (1)
وقال الحافظ في الفتح في شأن المحاذاة التحتية:
وأما قوله: "تحت العرش" فقيل هو حين محاذاتها، ولا يخالف هذا قوله:
{وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} فإن المراد بها نهاية مدرك البصر إليها حال الغروب.
وقال الطيبي كما نقله صاحب تحفة الأحوذي بشأن حقيقة الاستقرار: وأما قوله مستقرها تحت العرش؛ فلا يُنكَر أن يكون لها استقرار تحت العرش، من حيث لا ندركه ولا نشاهده، وإنما أخبر عن غيب فلا نكذبه ولا نكيفه؛ لأن علمنا لا يحيط به، وهذا السمت أو الحد أو المنتهى المعبر عنه في الحديث بحرف "حتى" للدلالة على الغاية والحد فهو كالسمت، ولا أقول هو السمت الذي في الحديث الذي نصبه الجغرافيون على الخارطة الأرضية، ويسمونه خط الطول الممتد من أقصى شمال الأرض إلى أقصى جنوبها، فإذا حاذت الشمس هذا السمت الذي هو منتهى سيرها اليومي، مع محاذاتها في ذات الوقت لمركز باطن العرش؛ فإنها تسجد سجودًا على الكيفية التي لا يلزم منها أن توافق صفة سجود الآدميين، وعلى هيئة لا تستلزم استنكار الناس من أمرها شيئًا كما جاء في الحديث:"ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئًا"(2).
(1) فتح الباري (8/ 403).
(2)
البداية والنهاية لابن كثير (1/ 34).