الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمراد بالوجوب الثبوت إذ هو في صحة الوقوع كالشيء الواجب والأصل أنه لا يجب على الله شيء، بل الثواب فضله والعقاب عدله لا يُسأل عما يفعل، وفي رواية مسلم "من أثنيتم عليه خيرًا وجبت له الجنة"، وهو أبين في العموم من رواية آدم عليه السلام وفيه رد على من زعم أن ذلك خاص بالميتين المذكورين لغيب أطْلَع الله نبيه عليه؛ وإنما هو خبر عن حكم أعلمه الله به.
قوله: "أنتم شهداء الله في الأرض" أي: المخاطبون بذلك من الصحابة ومن كان على صفتهم من الإيمان.
الوجه الثاني: الشهادة المقبولة من الناس على الميت خاصة بالثقات المتقين فقط
.
قال ابن حجر: حكي ابن التين: أن ذلك مخصوص بالصحابة لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة بخلاف من بعدهم. قال: والصواب أن ذلك يختص بالثقات والمتقين. (1)
قال ابن عبد البر: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم لا يثنون على أحد إلا بالصدق، ولا يمدحون إلا بالحق لا لشيء من أعراض الدنيا: لشهوة أو عصبية أو تقية ومن كان ثناؤه هكذا يصح فيه هذا الحديث وما كان مثله. والله أعلم. (2)
الوجه الثالث: لا بد أن يكون لثناء الأمة على أمواتها فائدة، وثناء الأمة إلهام من الله
.
قال ابن حجر: ونقل الطيبي عن بعض شراح المصابيح قال: ليس معنى قوله: "أنتم شهداء الله في الأرض" أن الذي يقولونه في حق شخص يكون كذلك حتى يصير من يستحق الجنة من أهل النار بقولهم ولا العكس، بل معناه أن الذي اثنوا عليه خيرًا رأوه منه؛ كان ذلك علامة كونه من أهل الجنة وبالعكس، وتعقبه الطيبي بأن قوله:"وجبت" بعد الثناء، حكم عقب وصفًا مناسبًا فأشعر بالعلية، وكذا قوله:"أنتم شهداء الله في الأرض" لأن الإضافة فيه للتشريف لأنهم بمنزلة عالية عند الله، فهو كالتزكية للأمة بعد أداء شهادتهم؛ فينبغي أن يكون لها أثر، قال: وإلى هذا يومئ قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ
(1) فتح الباري لابن حجر 3/ 261 بتصرف يسير.
(2)
الاستذكار لابن عبد البر 8/ 278.
أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143](1).
قال النووي: إذا ألهم الله عز وجل الناس الثناء عليه استدللنا بذلك على أنه سبحانه وتعالى قد شاء المغفرة له، وبهذا تظهر فائدة الثناء، لأن شهادته كانت لا تجوز عليه في الدنيا، وإن كان عدلًا للعداوة، والبشر غير معصومين وقوله صلى الله عليه وسلم:"أنتم شهداء الله" ولو كان لا ينفعه ذلك إلا أن تكون أعماله تقتضيه لم يكن للثناء فائدة، وقد أثبت النبي له فائدة (2).
ثم إن ثناء الناس بالخير أو الشر هو بمشيئة الله تبارك وتعالى كما ذكرنا في كلام النووي سابقًا.
وكذلك جعل الله عز وجل الملائكة شهداء في السماء كما جعل له شهداء في الأرض.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدًا نادي جبريل: إن الله قد أحب فلانًا فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في أهل الأرض". (3)
فعلى هذا الحديث تكون شهادة الناس للإنسان بالخير أو الشر بالقبول الذي يوضع له في الأرض أو بالنفرة وعدم القبول الذي يوضع له في الأرض.
قال النووي: ومعنى يوضع له القبول في الأرض: أي الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه فتميل إليه القلوب وترضى عنه. (4)
والشهادة بالخير لها أسباب:
أولها: رحمة الله عز وجل بالمشهود له من الناس.
(1) فتح الباري 3/ 231 بتصرف يسير.
(2)
شرح النووي 4/ 24، ومعني هذا الكلام أن لثناء الناس على الميت فائدة ولو كانت أعماله فقط هي التي تنفعه، لم يكن للثناء فائدة، وقد أثبت الحديث فائدته، فقال:"أنتم شهداء الله في الأرض" فقد يكون عبدًا مقصرًا بينه وبين ربه، لكن يشاء الله له المغفرة فيلهم الله الناس عند موته الثناء عليه، فيكون من أهل الجنة بمشيئة الله له أولا، ثم بثناء الناس عليه.
(3)
البخاري (6931)، مسلم (2637)، وزاد مسلم (وإذا أبغض عبدًا. . .).
(4)
شرح النووي 16/ 184.