الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باب صفة الصلاة)
يُسَنُّ القِيامُ عندَ " قَدْ " مِن إقامَتِها وتَسويةُ الصفِّ، ويقولُ " اللهُ أكبرُ " رافعًا يَدَيْهِ مَضْمُومَتَيِ الأصابعِ مَمدودةً حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ كالسجودِ، رافعًا يَدَيْهِ مَضْمُومَتَيِ الأصابعِ مَمدودةً حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ كالسجودِ، ويُسْمِعُ الإمامُ من خلفِه كقراءتِه في أَوَّلَتَي غيرِ الظُّهْرَيْنِ، وغيرُه نفسَه، ثم يَقْبِضُ كُوعَ يُسراهُ تحتَ سُرَّتِه ويَنظُرُ مَسجِدَهُ ثم يقولُ:" سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ " ثم يَستعيذُ ثم يُبَسْمِلُ سِرًّا وليست من الفاتحةِ، ثم يَقرأُ الفاتحةَ، فإن قَطَعَها بذِكْرٍ أو سكوتٍ غيرِ مشروعَيْنِ وطالَ أو تَرَكَ منها تَشديدةً أو حَرْفًا أو تَرتيبًا لَزِمَ غيرَ مأمومٍ إعادتَها، ويَجْهَرُ الكلُّ بآمينَ في الْجَهْرِيَّةِ ثم يَقرأُ بعدَها سورةً تكونُ في الصبْحِ من طِوالِ الْمُفَصَّلِ وفي الْمَغْرِبِ من قِصارِه وفي الباقي من أَوْسَاطِه، ولا تَصِحُّ الصلاةُ بقراءةٍ خارجةٍ عن مُصْحَفِ عُثمانَ، ثم يَرْكَعُ مُكَبِّرًا رافعًا يَدَيْهِ ويَضَعُهما على رُكبتَيْهِ مُفَرَّجَتَي الأصابعِ مُستويًا ظَهْرُه ويَقولُ:" سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ " ثم يَرفعُ رأسَه ويَدَيْهِ قائلاً إمامٌ ومنفرِدٌ: (سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) وبعدَ قِيامِهما " رَبَّنا ولك الْحَمْدُ، مِلْءَ السماءِ ومِلءَ الأرضِ، ومِلءَ ما شِئْتَ من شيءٍ بَعْدُ " ومأمومٌ في رَفْعِه " رَبَّنا وَلَكَ الْحَمْدُ " فقط، ثم يَخِرُّ مُكَبِّرًا ساجدًا على سبعةِ أعضاءٍ؛ رِجْلَيْهِ ثم رُكْبَتَيْهِ ثم يَدَيْهِ ثم جَبْهَتِه مع أَنْفِه ساجدًا على سبعةِ أعضاءٍ؛ رِجْلَيْهِ ثم رُكْبَتَيْهِ
[باب صفة الصلاة]
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب صفة الصلاة.
يُسَنُّ القيام عند (قد) من إقامتها، وتسوية الصف، ويقول: الله أكبر، رافعًا يديه مضمومَتَيِ الأصابع، ممدودة حذو منكبيه كالسجود، ويُسْمِعُ الإمامُ مَن خلفه كقراءته في أَوَّلَتَيْ غير الظُّهْرَيْنِ، وغيرُه نفسَه، ثم يقبض كوع يُسْرَاه تحت سُرَّتِه، وينظرَ مسجِدَه، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى يَسَّرَ أن نقرأ باب صفة الصلاة ليكون دورة كاملة، ونسأل الله أن يَمُنَّ علينا في فهمه وإتمامه، وصفة الصلاة كغيرها من صفات العمل الصالح لا بد للإنسان أن يعرفها؛ لأن من شرط قبول العبادة أن تكون موافقة للشريعة، ولا يمكن أن تعرف الموافقة للشريعة إلا إذا عرفت كيف يتعبد النبي صلى الله عليه وسلم لربه، وكلنا يعلم أن شرط العبادة الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم احتاج العلماء رحمهم الله إلى بيان كيفية الوضوء، بيان كيفية الصلاة، بيان كيفية الحج، حتى يكون الإنسان متأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، ولهذا ينبغي لنا عندما نتوضأ أو نصلي أن نستحضر شيئين:
أولا: أننا ممتثلون لأمر الله في ذلك، حتى يكون فعلنا عبادة حقًّا، تذلُّلًا لله عز وجل وطاعةً له، لننتبه لهذا، أننا عندما نقوم للوضوء نمتثل قول الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] حتى يكون فعلنا تَذَلُّلًا لله عز وجل وطاعة له.
الثانية: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نستحضر كأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمامنا يتوضأ ونحن نتوضأ كوضوئه، حتى تتحقق المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وينبغي للإنسان قبل أن يحضر لصلاة الجماعة أن يتوضأ في بيته قبل أن يأتي إلى المسجد، ليتوفر له الأجر الكامل، وينوي بخروجه من بيته الخروج إلى الصلاة لا لغيرها، حتى وإن كان صاحب دكان يريد أن يفتح دكانه بعد الصلاة فلتكن نيته لأيش؟
طلبة: للصلاة.
الشيخ: للصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ وَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلَّا رَفَعَ اللهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً» . (1) فائدتان عظيمتان، رفعة درجة وحط خطيئة.
وهل يشترط لحصول هذا الأجر العظيم أن ينوي الإنسان ذلك عند أول خطوة، أو متى خرج للصلاة، وإن غفل عن نية الخطوات حصل له ذلك؟ أرجو الله أن يكون الثاني؛ لأنه كثيرًا ما يغفل الإنسان عن احتساب الخطوات، فإذا كان خرج من بيته للصلاة وإن لم يحتسب الأجر في الخطوات، فإننا نرجو الله عز وجل أن يكتب هذا لنا، أفهمت.
طالب: بلى
الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله: (يُسَنُّ القيام عند (قد) من إقامتها)، وهذا في الجماعة، أما المنفرد فيُسَنُّ أن يقوم قبل أن يبدأ بالإقامة، من أجل أن يقيم الصلاة وهو قائم؛ لأن السنة في إقامة الصلاة وفي الأذان أن يكون الإنسان إيش؟
طلبة: قائمًا.
الشيخ: قائمًا، لكن في صلاة الجماعة لا تُقُم حتى يقول المؤذِّن، بل حتى يقول المقيم، سواء المؤذِّن أو غير المؤذِّن، حتى يقول: قد، ونحن ما شاء الله لعجلتنا من حين ما يدخل الإمام وإذ الناس قائمون، حتى إنه ربما بعض الإئمة يقول: إذن أتسنن، أصلي ركعتين، وأُطَوِّل فيهما علشان أيش؟ يبقى هؤلاء قيامًا أو يجلسوا، وهذا من العجب، انتظر حتى يشرع المقيم بالإقامة على الأقل؛ لأنك لا تدري ربما يدخل الإمام المسجد ثم يذكر أنه على غير وضوء، وحينئذ لا بد أن يتوضأ.
وقول المؤلف: (عند (قد) من إقامتها) يعني إذا أقام وكَبَّرَ وقال: حي على الصلاة، حي على الفلاح، لا تقم حتى يقول (قد)، حينئذ تقوم.
وهذه المسألة اختلف فيها العلماء رحمهم الله، منهم من قال: إنك تقوم عند قوله (قد)، ومنهم من قال: تقوم عند قوله: حي على الصلاة، ومنهم من قال: لا تقم حتى يُكَبِّر الإمام، ومنهم من يقول: تقوم حين يُكَبِّر التكبيرة الأولى.
والإمام مالك رحمه الله قال: كلٌّ واسع، الأمر في هذا واسع، قم حين يبدأ بالإقامة، قم حين يقول: حي على الصلاة، قم حين يقول: قد قامت، قم حين يكمل، لكن لا تفوِّت تكبيرة الإحرام، الأمر واسع.
(عند (قد) من إقامتها، وتسوية الصف) يقول: وتُسَنُّ تسوية الصف، أن يكون كل واحد من المأمومين على حذاء الآخر.
وبماذا تكون التسوية، هل برؤوس الأقدام، أو بالأعقاب، أو بالأكتاف، أو ماذا؟ تكون بالكِعَاب؛ لأن الكعب هو الذي ينبني عليه الجسد، أما أطراف الأصابع فلا عبرة بها، لأيش؟ لأن بعض الناس طويل الرجل، وبعض الناس قصير الرجل، فإذا ساوى قصير الرجل بأصابع طويل الرجل صار متقدمًا عليه، الأعقاب أيضًا بعض الناس عقبه طويل شوي، وبعض الناس عقبه قصير، وبعض الناس في الوسط.
لكننا لا نعتبر لا العقب ولا رؤوس الأصابع، إنما نعتبر الكعب، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يلصق الواحد منهم كعبه بكعب صاحبه، علشان تحقيق المساواة، والتراصّ.
وهنا مسألة، وهي أن بعض الناس أخيرًا بحرصهم على السنة وتطبيق السنة أخطؤوا في فهم السنة، فصاروا يظنون أن معنى أقوال الصحابة: حتى يلصق الرجل كعبه بكعب أخيه (2)، أن معناها أن تفرج بين رجليك، وهذ غلط، لو كان هذا هو المراد لقال: حتى كان الرجل يفرج بين رجليه، حتى يَمَسَّ كعبُه كعبَ صاحبه، وهذا غير مراد بلا شك، ولو كان هو المراد لبَيَّن.
وإنك لتأتي بعض المساجد يتخذون هذا هو السنة، وعليهم بنطولات، فتجد رجليهم (
…
) كدا كأنهم هرم، نعم الأعلى منضم والأسفل متوسع، هذا ما هو صحيح، ولهذا قال عمر رضي الله عنه لأبي موسى: الفهمَ الفهمَ فيما يلقى إليك (3)، لازم أن تفهم النصوص على مرادها، على مراد الله ورسوله.
ولكن هل المراد بالتراصِّ التراصُّ الذي يشق فيه الإنسان على أخيه؟ الجواب: لا؛ لأن هذا يؤذي أخاك، ويفوته مثلًا التورك، ويفوته الجلوس على وجه الطمأنينة، فالمراد بالتراص ألَّا يكون بينكما فُرَج، أما أن ترص حتى إنه يتأذى بهذا فهذا غلط.
قول المؤلف رحمه الله: (تسوية الصف)، أفادنا أن التسوية سُنَّة، ولكنَّ في هذا نظرًا، وكيف تكون التسوية سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«عِبَادَ اللهِ -شف يخاطب العباد بالنداء- لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» (4)، وهذا وعيد، والوعيد هل يكون على فوات سنة؟ لا، بل لا يكون إلا على ترك واجب، أو فعل محرَّم.
وانظر إلى قوله: «لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» ، قيل: معناه أن يستدير الوجه، فواحد يستدير عن يمين، وواحد يستدير عن يسار، ولا يستطيع ينظر على وجه الاعتدال، يعني تلوى رقبته، وبعضهم يقول: بين وجوهكم، أي: بين قلوبكم، فيكون الوجه هنا بمعنى القصد، ومعلوم أنه إذا اختلفت المقاصد تفرقت الأمة، وحصل الضرر العظيم.
والصحيح أن تسوية الصف واجبة، أولًا: لهذا الحديث الذي فيه الوعيد.
ثانيًا: أن نبينا عليه الصلاة والسلام وقدوتنا وإمامنا كان هو بنفسه يسوِّي الصفوف بيده الكريمة، كأنما يسوي بها القداح (5)، يمسح الصدور والمناكب، ويقول:«سَوُّوا» ، ويمشي من أول الصف إلى آخره.
ولما كثرت الأمة في زمن عمر (6) وعثمان، (7) وَكَّلُوا مَن يسوي الصفوف، فإذا أقيمت الصلاة وسوَّاها الوكيل جاء وقال: استوت الصفوف، فيُكَبِّرُون، وهذا يدل على أنهم يعتقدون ذلك واجبًا أو سنة؟
طلبة: واجب.
الشيخ: واجب، ولا شك في الوجوب، كثير من العوام الآن حيث إن الأئمة -سامحهم الله- غفلوا عن هذه المسألة وصاروا يقولون: استووا، كأنك ليش تضرب على الورق وبس، حتى إن بعضهم يقول: استووا، وهو ما يلتفت، حتى سمعت بعض الناس يقول: صلى بي إمام أنا وإياه اثنين، فالتفت قال: استووا، واستووا، ما عندك أحد يجيء، ما هو صحيح هذا.
ولذلك نرى أن الإمام يلتفت ويستقبل الناس بوجهه، ويقول: استووا، كلمة لها معناها، وعلى هذا، إذا كانوا مستوين يحتاج يقول: استووا؟
طلبة: ما يحتاج.
الشيخ: لا، ما يحتاج؛ لأنها ليست كلمة يتعبد الإنسان لله بها، هي كلمة يقصد بها تسوية الصف، فإذا كان الصف مستويًا، كحال اليوم -والحمد لله- بواسطة الخطوط هذه، صارت الصفوف تستوي، ويقل أن تجد أحدًا تقدم أو تأخر، المهم إنك إذا احتجت إلى أن تقول: استووا، فقُلْها لكن بلفظها ومعناها، ما هو مجرد لفظ استووا اعتدلوا.
وكان أول ما فهمت هذا المعنى من شيخنا رحمه الله عبد الرحمن السعدي.
كان أئمتنا في المساجد العادية يقولون: استووا اعتدلوا، ولكنه ما يتكلم حتى لو كان الصف أعوج، لكن شيخنا رحمه الله يقول: تقدموا يمين الصف، تأخروا يمين الصف، وينص على هذا، فاستفدنا بذلك -جزاه الله خيرًا- فائدة كبيرة، أن المسألة ما هي مجرد لفظ.
الخلاصة: أن القول الراجح وجوب تسوية الصف، والمسؤول عن التسوية هم المأمومون أولًا، والمسؤول عن تنفيذ ذلك والإلزام به هو الإمام؛ لأن الإمام راعي في هذ المقام.
(ويقول: الله أكبر)، يعني بعد أن يستوي الصف يقول: الله أكبر، (يقول): هل ترون أنها منصوبة، أو مرفوعة؟
طالب: منصوبة.
الشيخ: ماذا تقولون؟
طالب: مرفوعة يا شيخ.
الشيخ: ماذا تقولون؟
طالب آخر: منصوبة.
طالب آخر: على الحكاية.
طالب آخر: يجوز الوجهان.
الشيخ: يقول: يجب أن تكون مرفوعة؛ لأنها لو كانت منصوبة لكانت معطوفة على المصدر: (يُسَنُّ القيام)، (ويقولَ: الله أكبر)، وعطفها على هذا المصدر صحيح ولَّا غير صحيح؟
طلبة: غير صحيح.
الشيخ: غير صحيح.
لأنا لو نقول: معطوف على القيام لصارت سنة، إذن يجب أن تكون مرفوعة على الاستئناف:(ويقولُ: الله أكبر).
الله أكبر، سبحان الله! أول ما يدخل على الله الإنسان يناجي ربه يقول: الله أكبر، أكبر من كل شيء، ولهذا حذف المفضل عليه لإفادة العموم.
أكبر من كل شيء، وإذا كانت السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن عز وجل كخردلة في كف أحدنا (8)، فإنه لا يمكن أن يتصور الإنسان كبر الرب عز وجل.
وإذا كان له الكبرياء في السماوات والأرض فإنه لن يتصور أحد أن أحدًا أكبر من الله عز وجل قدرًا أو عظمة أو سلطانًا.
إذن الله أكبر بكل معنى الكلمة، أكبر منين؟
طلبة: من كل شيء.
الشيخ: من كل شيء، الدليل؟ حذف المفضل عليه ليفيد العموم، قل: الله أكبر.
وهل يكفي ما كان بمعناها، مثل أن تقول: الله أعظم؟
لا، العبادات توقيفية، والرسول صلى الله عليه وسلم قال للرجل:«استقبل القبلة وكَبِّر» (9)، فنص على ذلك.
فلو قال: الله أَجَلّ، أو الله أعظم، أو أعزّ، أو ما أشبه ذلك، ما يجزئ، لا بد أَكْبَر.
قال أهل العلم: ولو مد الهمزة لم تنعقد الصلاة.
ولو مد همزة (أكبر) لم تنعقد الصلاة، ولو مد الباء لم تنعقد الصلاة؛ لأن المعنى يختلف.
إذا قال: الله أاكبر، ويش صار؟
طلبة: استفهام.
الشيخ: استفهام، ما كَبَّر الله، إذا قال: الله أاكبر ما صح؛ لأنه استفهام أيضًا.
إذا قال: الله أكبار؟ ما صح؛ لأنه يختلف المعنى، يقولون: إن أكبار -بالمد- جمع كَبَر، وهو الطبل -أعوذ بالله- يخلف المعنى كثيرًا، إذن قل: الله أكبر.
وهل يفرق الإمام بين التكبير؛ تكبيرات الانتقال وتكبيرة الإحرام أو لا؟
جرت عادة أئمتنا أنهم يفرِّقون؛ السجود له تكبير، والقيام من التشهد له تكبير، والهبوط إلى الأرض له تكبير.
لكن ما رأيت في هذا سنة، وبحثت، وأوصيت من يبحث من إخواننا المعتنين بالحديث ولم يجدوا، ولا في كلام الفقهاء أيضًا.
غاية ما وجدت في كلام الفقهاء أن بعضهم قال: إن تكبيرة الانتقال من ركن إلى آخر تكون بحسب المسافة، فإذا كبرت من القيام إلى السجود طوِّل التكبير، وإذا قمت من السجود إلى القيام طوِّل التكبير، هكذا.
أما أن يقال: التشهد الأول له تكبير، والتشهد الثاني له تكبير، فهذا ما علمت.
ولقد صليت خلف إمام التشهد الأول يقول: اللاه أكـ. بس، والتشهد الثاني يبين التمام، هذا -سبحان الله- غلط، العبادة ما هي ذوق ولا هوى ولا اجتهاد، العبادة شريعة متبوعة.
ثم إننا وجدنا في الواقع في عدم التمييز بين التكبير وجدنا مصلحة، وهي: أن الإمام يحضر قلبه؛ لأنه بالأول لما كان يفرق بينهن، إذا مده قال المأمومون على طول: سبحان الله، إذا كان أخطأ، لكن الآن ما يقدرون يقولوا شيئًا؛ لأن التكبير واحد، فتجد الإمام يحرص على إحضار قلبه لئلا يقوم في محل القعود، أو يقعد في محل القيام.
كذلك بالنسبة للمأموم؛ المأموم لما كان يخالف التكبير صار عبارة عن آلة متحركة حسب الكهرباء، مئتين وعشرين مع عشرة، نعم، إذا جاءت الله أكبار، لا عجلة، عرف إنه جالس ولَّا قائم، وخلاص قلبه رايح يمين ويسار، وها التكبير هو اللي يدله.
لكن لما صار التكبير واحدًا صار كل واحد من المأمومين يحسب حسابه؛ لأنه يخجل إنه يقوم والناس جالسين أو بالعكس، فصار فيه مصلحة واضحة.
ولو لم يكن من هذا إلا أن السنة لم تَرِد، يعني أنه يكفينا أن نقول: مَن فَرَّقَ بين التكبير فعليه الدليل، وإذا لم تَرِد السنة به فإننا نبقيه واحدًا.
(ويقول: الله أكبر، رافعًا يديه مضمومتي الأصابع ممدودة حذو منكبيه).
(حذو) متعلقة بـ (رافعًا).
(رافعًا يديه مضمومة الأصابع)، هكذا، (ممدودة)، هكذا.
ضد مضمومة الأصابع؟
طلبة: مُفَرَّقَة.
الشيخ: مُفَرَّقَة، ضد ممدودة؟ مضمومة، مقبوضة، كذا، مد الأصابع، وضم بعضها إلى بعض.
(حذو منكبيه)، المنكب: الكتف، وهذه إحدى صفاتها، أي إحدى صفات اليدين عند الرفع.
والسنة جاءت بهذا، وجاءت بأن تكون إلى شحمة الأذنين، وإلى فروع الأذنين، فالأمر إذن واسع، أو يقال: إن السنة كذا وكذا وكذا.
يعني: إما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا وهذا من باب أن الأمر واسع، أو يقال: إنها سنة مشروعة مرة كذا، ومرة كذا، بعض الناس يقول: كذا، انظروا، كذا، حصلت السنة؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا، بل هذه حركة مكروهة؛ لأن ما هي بسنة، وإن قصد التعبد بها صارت .. ؟
طلبة: بدعة.
الشيخ: بدعة، بعض الناس يربع مرة، هذا أيضًا؟
طالب: غير صحيح.
الشيخ: غلط، بعض الناس كأنه يتوضأ، يمسح ودانه، هل صحيح ولَّا غير صحيح؟
طلبة: غير صحيح.
الشيخ: غير صحيح، ولذلك أرى أن طلبة العلم عليهم مسئولية حول هذا الأمر أن يُبَيِّنُوا للناس، والعوام سريعون، قريبو العاطفة، لكن يحتاجون إلى مَن يُنَبِّهُهم.
طالب: بس شيخ، هكذا صحيح؟
الشيخ: كيف؟
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، أنا أقول بعض الناس، انتقادًا لا تقريرًا يا أخي، الرسول يرفع فقط.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، ما هو كذا، لا.
***
طالب: (
…
) وغيرُه نفسَه، ثم يقبض كوع يُسْرَاه تحت سُرَّتِه، وينظر مَسْجِدَه، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك ثم ..
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبق لنا أنه يُسَنُّ القيام إلى الصلاة إذا قال المقيم: قد قامت الصلاة.
وبَيَّنَّا أن القول الراجح أن الأمر .. ؟
طلبة: واسع.
الشيخ: واسع، سواء قام عند هذا، أو إذا انتهت الإقامة، أو عند الشروع في الإقامة، لكن المهم أن لا تفوته تكبيرة الإحرام.
وسبق أيضًا أنه يُسَنُّ تسوية الصف، والمخاطَب بذلك المأمومون والإمام، وبَيَّنَّا أن القول الراجح وجوب التسوية.
لكن هل التسوية معناها الاستقامة بالمحاذاة، أو تشمل حتى التراصّ؟
الجواب: الثاني، تشمل حتى التراص، وتشمل كذلك حتى تقارب الصفوف بعضها من بعض؛ لأن الأفضل أن تتقارب الصفوف، إلا إذا كان يلزم من تقاربها تقاطعها، مثل أن يكون لو تقاربوا لكانوا بين الأعمدة، فهنا نقول: لا بأس أن يتأخَّرُوا عن الأعمدة حتى لا تقطع الصفوف، وإلا فالأفضل قرب الإمام من الصف الأول، وقرب الصف الثاني من الصف الأول، وهلم جرًّا.
سبق لنا أنه يقول: الله أكبر، ولا يقول غيرَها، وأنه يرفع يديه على هذا الوصف:(مضمومتي الأصابع، ممدودة حذو منكبيه)، وبَيَّنَّا أن السُّنَّة وردت بهذا، ووردت أيضًا بأن يكون الرفع إلى شحمة الأذنين أو إلى فروع الأذنين.
فإن قال قائل: ما الفائدة، وما هي الحكمة؟
فالجواب من أحد وجهين:
الأول: أنك لا تقُل في المشروعات أو فيما شاء الله: ما الفائدة؟ ما الحكمة؟
أنت عبد مُذَلَّل، وقد قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36].
وعائشة لما سئلت: ما بال الحائض تقضي الصوم دون الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة (10)، فلا تسأل، تَعْبُد الله على أي حال.
لكن بعض العلماء استنبط حكمةً اللهُ أَعْلَمُ بها، قال: إن هذا إشارة إلى رفع الحجاب بينك وبين ربك، وهذا يصدق فيما لو قلنا: إنك لا ترفع إلا عند تكبيرة الإحرام، مع أن الرفع يُسَنُّ في مواضع أخرى.
قال المؤلف رحمه الله: (ويُسْمِعُ الإمامُ مَنْ خَلْفَهُ).
من تسوية الصفوف عند بعض العلماء: أن تُخْرِج الصغار من الصفوف الأولى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لِيَلِنِي مِنْكُم أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» (11)، لكن هذا قول ضعيف، والصواب أنه يحرُم أن يؤخَّر الصبيان؛ لأن الصبي تصح صلاته، وقد سبق إلى ما لم يسبق إليه المكلَّف، ولأن في تأخيره تنفيرًا له عن المسجد.
جاء صبي فرِحًا يريد أن يتقدم، تأتي أنت تطرده؟ ! هذا لا شك أنه ينفر، ولأن فيه إحداثًا للعداوة بين هذا الصبي وبين الذي أقامه، ولأن هذا يُحْدِث العداوة أيضًا بين وَلِيِّ الصبي وبين هذا الذي طرده، كل هذه مضارّ ومفاسد.
ومعنى قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لِيَلِنِي مِنْكُمْ» ، معناه، أي: حَثّ العقلاء البالغين على أن يتقدموا.
ولفظ الحديث ليس فيه: لا يَلِنِي إِلَّا، لو قال: لا يَلِنِي إلَّا هؤلاء، قلنا: نعم يُطْرَدُون، وسمعًا وطاعة، لكن قال:«لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» ، فالصواب أنه يحرُم، وهذا هو الذي تقتضيه الأدلة.
قال: (ويُسْمِعُ الإمامُ مَنْ خَلْفَه كقراءته في أَوَّلَتَيْ غير الظُّهْرَيْنِ، وغيرُه نفسَه).
يعني التكبير، (يُسْمِع الإمامُ مَن خلفه)، فيرفع الصوت بالتكبير.
(كقراءته) أي: الإمام.
(في أَوَّلَتَي غير الظهرين)، ما هو؟
طالب: (
…
)؟
الشيخ: (أَوَّلَتَيْ غير الظهرين).
طالب: صلاة الفجر يا شيخ.
الشيخ: الفجر ركعتان.
طالب: صلاة العشاء.
الشيخ: العشاء.
طالب: إي، وصلاة المغرب.
الشيخ: والمغرب، صحيح، السنة جهر الإمام في التكبير، هكذا قال المؤلف، ولو قيل بوجوب جهر الإمام بالتكبير لكان له وجه؛ لأنه لا يتم، أو لا تتم متابعة المأموم للإمام إلا بأيش؟
طالب: بسماع ..
الشيخ: بسماع التكبير، لو قلنا: إن المأموم يرى الإمام، قلنا: هذا ممكن في الصف الأول، لكن إذا كثُرَت الصفوف لا يمكن، فلو قيل بأنه يجب على الإمام أن يجهر بالتكبير لكان له وجه.
وقوله: (كقراءته في أَوَّلَتَيْ غير الظهرين)، أيضًا فإنه يُسْمِع مَن خلفه، هذا هو السنة، والأفضل.
(وغيرُه) يعني: ويُسْمِع غيرَه، أي غير الإمام نفسه، مَن غيرُ الإمام؟
طلبة: المأموم.
الشيخ: المأموم، والمنفرِد يجب أن يُسْمِع نفسه، فإن قال: ولكنه لم يسمع، لم تصح صلاته، يعني يسمع غيره نفسه وجوبًا، فإن لم يسمع نَفْسَه فلا صلاة له، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، وهو المذهب.
والقول الثاني: أنه لا يُشْتَرَط إسماع النفس، وأنه متى نطق فإنه يصح ويُعْتَبَر.
(ثم يقبض)، (ثم)، أي: بعد التكبير ورفع اليدين، (يقبض كوع يُسْرَاه تحت سرته) إلى آخره، (يقبض كوع يسراه) بأيش، بيمناه ولّا بيسراه؟
طلبة: لا، بيُمْنَاه.
الشيخ: نعم؟
طالب: بيسراه.
الشيخ: بيُمْنَاه ولَّا بيُسْرَاه؟
طلبة: بِيُمْنَاه، بِيُسْرَاه.
طالب: اليمين (
…
).
الشيخ: (يقبض كوعَ يُسْرَاه) نعم، بأيش؟
طلبة: باليمين.
الشيخ: باليمين ولا باليسار؟
طلبة: باليمين.
الشيخ: باليمين، ولا يمكن باليسار، وما هو الكوع؟
طالب: هذا يا شيخ.
الشيخ: هذا الكوع، ولّا ذا؟
طالب: (
…
).
الشيخ: هنا؟ لو سئلت أين كوعك، ما تقول؟
طالب: ها هو.
الشيخ: تقول هذا؟
طالب: يا شيخ، (
…
). نسيت تعريفه، (
…
).
طالب آخر: هذا الكوع، اللي يلي الإبهام الكوع، اللي يلي الخنصر الكرسوع، وبينهما الرسغ.
الشيخ: طيب، جيد.
وعلى هذا قال الناظم:
وَعَظْمٌ يَلِي الْإِبْهَامَ كُوعٌ وَمَا يَلِي
لِخِنْصِرِهِ الْكُرْسُوعُ وَالرُّسْغُ مَا وَسَطْ
وقول المؤلف: (ثم يقبض)، لم أرَ إلى ساعتي هذه، في النصوص أنه قبض، ولكنه وضع.
وفرق بين القبض والوضع، القبض هكذا، الوضع هكذا، فإن ثبت القبض -فوق كل ذي علم عليم- أخذنا به وأخذنا بالوضع، وإن لم يثبت أخذنا بالوضع فقط.
(كوع يسراه تحت سُرَّتِه)، يعني يجعل اليدين تحت السُّرَّة، هكذا، هذا أيضًا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله والفقهاء، وقيل: فوق السرة، وقيل: على الصدر، وهذا أقرب ما يكون؛ لأن كل الأحاديث الواردة في موضع اليدين كلها فيها ضعف، لكن أحسنها على الصدر.
وأما على النحر فلا أصل، يعني اللي يقول هكذا، لا أصل له.
والعجب أن بعض العلماء رحمهم الله قال: على النحر، وفسَّر بذلك قوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، وهذا تحريف للقرآن، المراد بالنحر هو أيش؟
طلبة: الذبح.
الشيخ: الذبح.
قال: (وينظر مسجِدَه)، يعني مكان سجوده، وهو قائم ينظر مسجِدَه، وهذا المشهور عند الفقهاء.
وبه فَسَّرَ بعض العلماء قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] قال: هم الذين ينظرون إلى موضع السجود، استثنى بعض العلماء المأموم، فقال: ينظر إلى الإمام؛ لأن الصحابة كانوا ينظرون للرسول عليه الصلاة والسلام.
واستثنى آخرون الكعبة، قال: إذا كان يشاهد الكعبة فلينظر إلى الكعبة.
أما الأول فالاستثناء له وجه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر يصلي عليه أول ما صنع، وقال:«فَعَلْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِهِ، وَلِتَعْلَمُوا صَلَاتِي» (12)، ولا يمكن يتعلمونها إلا وهم ..
طلبة: ينظرون.
الشيخ: يشاهدون، ينظرون إليه.
وحينئذ نقول: إن كان الإمام ممن يُقْتَدَى به في علمه، وينتفع المأموم إذا نظر إليه فلينظر إليه، وإلا فلا.
أما الكعبة فالقول بأنه ينظر إليها ضعيف جدًّا؛ لأنه لا علاقة بين الصلاة وبين الكعبة، هذه واحدة.
ثانيًا: أنه إذا جعل ينظر إلى الكعبة فالناس يطوفون حولها، سوف يشوشوا فكرَه، فالصواب أنه لا ينظر للكعبة.
وقول بعضهم: إن النظر للكعبة عبادة، غير صحيح، من قال: إن النظر للكعبة عبادة؟
نعم لو فُرِضَ أن الإنسان جلس ينظر للكعبة ويتأمل تعظيم هذا البيت، هذا يكون العبادة، ما هو بالنظر المجرد، ولكن بالنظر المقرون بالتأمل.
إذن (ينظر مسجده)، نقول: يُسْتَثْنَى من ذلك المأموم خلف إمام يسترشد بالنظر إليه.
يُسْتَثْنَى من ذلك الكعبة؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا، وقال بعض العلماء: لا ينظر إلى موضع سجوده، بل ينظر تلقاء وجهه حال قيامه، وينظر إذا ركع قدميه، يعني كأنهم يقولون: دع النظر على طبيعته، وأنت إذا تركت النظر على طبيعته، أين تنظر؟ تلقاء وجهك، وإذا ركعت؟
طالب: أسفل.
الشيخ: أسفل، يعني كأنهم يقولون: إنه ليس هناك عبادة مخصوصة في النظر.
يُسْتَثْنَى من ذلك أيضًا، في حال الإشارة في التشهد، الإشارة في التشهد، كان بَصَرُ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يتجاوز إشارته (13).
يعني مثلًا: إنسان واضع يده على فخذه، أو على رأس الركبة، سوف يشير إذا دعا، كلما دعا أشار بأصبعه، هكذا، مثلًا يقول: رب اغفر لي، اللهم صلِّ على محمد، يشير، في حال الإشارة انظر إلى أصبعك؛ لأن هذه الإشارة إلى علو الله عز وجل، فيجتمع الآن الإشارة بالإصبع إلى علو الله، واتباع القلب لهذه الإشارة، فيستحضر علو الله عز وجل.
قال رحمه الله: (ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك) إلى آخره.
وهذا هو الاستفتاح، واعلم أن الاستفتاح ورد على صفات متعددة، وسيأتينا إن شاء الله بعد أن نفسر الدعاء، «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ» (14).
(سبحانك اللهم) أي: تسبيحًا لك، والتسبيح: تنزيه الله جل وعلا عما لا يليق به سبحانه وتعالى، تنزهه عما لا يليق به، والذي لا يليق بالله: النقص، فكل صفة نقص فالله مُنَزَّهٌ عنها؛ العمى، الصمم، الخرس، العجز، كل ذلك قد نُزِّهَ الله عنه، التعب في العمل، يعني النقص في الكمال أيضًا يُنَزَّهُ الله عنه، فهو سبحانه وتعالى لا ينقص كماله، قدرته لا يلحقها عجز، وقوته لا يلحقها ضعف.
الثالث: تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين، أي عن مماثلة المخلوقين، فأنت تستحضر، يقول:(سبحانك اللهم) أنك مُنَزِّهٌ لله سبحانه وتعالى عن كل نقص وعيب.
(وبحمدك)، الواو حرف عطف، والباء للمصاحبة.
والمعنى: تسبيحًا مصحوبًا بالحمد، وإذا كان التسبيح يدل على نفي النقص، فالحمد يدل على ثبوت الكمال، فتكون بهذه الجملة (سبحانك اللهم وبحمدك) مُنَزِّهًا لله عن كل ما لا يليق به، مُثْبِتًا له كل صفة كمال.
(تبارك اسمك) يعني أن اسمك ذو بركة، والبركة تُنَالُ به، ولهذا لو ذبح رجلان كل واحد منهما شاة، أحدهما قال: بسم الله، والثاني لم يقل: بسم الله، فالأول تؤكل ذبيحته، والثاني لا تؤكل، هذه بركة، وإذا قال الإنسان عند الوضوء: بسم الله، صار وضوؤه؟
طالب: صحيحًا.
الشيخ: أكمل.
إي نعم، صحيحًا، وإن لم يقل: بسم الله، فوضوؤه؟ ناقص أو باطل، على خلاف بين العلماء.
وإذا أراد أن يبتدئ بشيء مهم فقال: بسم الله، فهو من أسباب بركته.
وإذا أتى الإنسان أهله وقال: بسم الله، اللهم جَنِّبْنَا الشيطان، وجَنِّب الشيطان ما رزقتنا، كان في ذلك بركة، المهم أن اسم الله تُنَالُ به البركة.
(وتعالى جدك)، (تعالى) بمعنى: تعاظَم وتَرَفَّع، والجد بمعنى العظمة.
(ولا إله غيرك)، كلمة التوحيد، أماتني الله وإياكم عليها.
طلبة: آمين.
الشيخ: (ولا إله غيرك)، أي: لا معبود غيرك، والمراد: لا معبود حق غيرك، وإلا فهناك معبودات غير الله، لكن لا مبعود حق غير الله عز وجل.
إذن هذا الاستفتاح ثناء على الله عز وجل محض وإخلاص له، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله له ميزات متعددة في زاد المعاد، فهذا دعاء استفتاح.
فيه دعاء آخر للاستفتاح وهو: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» (15).
هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستفتح به، حتى إن أبا هريرة يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة سكت هنيهة -يعني يسيرًا- فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ (15)
وفي هذا الحديث شاهد على أن الإسرار بالقول يسمى سكوتًا، والإمساك عن القول يسمى سكوتًا، وكلاهما سكوت.
قال: «أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» ، يعني: اجعلها بعيدة عني.
وهذا دعاء أن لا يمس الإنسانُ الخطايا، لا يفعلها.
«اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ» ، يعني: أَزِلْهَا عني، كما يُزَالُ الدنس عن الثوب الأبيض، وخص الأبيض؛ لأن الأبيض يظهر فيه الدنس أكثر من غيره.
«اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي» ، شوف، بعد التنقية غسل، «اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» ، شوف الترتيب!
أولًا: العصمة من الذنوب، من أين نأخذها؟
طلبة: «بَاعِدْ بَيْنِي» .
الشيخ: «بَاعِدْ بَيْنِي» .
ثانيًا: التنقية منها، «نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ» .
ثالثًا: إزالة آثارها وذلك بالغسل، وقال:«بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» ، الماء معروف إنه يزيل الوسخ، لكن الثلج والبَرَد، مناسبة الثلج والبَرَد هو أن الذنوب آثارها حارة، والحار يداوَى؟
طلبة: بالبارد.
الشيخ: بالبارد، فقال:«بِالْمَاءِ» لإزالة الوسخ، «وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» لتخفيف حرارة الذنوب.
هل نجمع بين هذا و (سبحانك اللهم وبحمدك)؟
لا، أبدًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما سأله أبو هريرة قال: أقول: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ» ، ولم يقل: أقول: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ» ، و «اللَّهُمَّ بَاعِدْ» ، وعليه فإما أن تقرأ هذا، وإما أن تقرأ هذا.
لكن هذا في صلاة الليل، والله الموفق.
***
طالب: (
…
) منها تشديدةً أو فرضًا أو ترتيبًا لزم غيرَ مأموم إعادتها، ويجهر الكل بـ (آمين) في الجهرية، ثم يقرأ بعدها سورة تكون في الصبح من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وفي الباقي من أوساطه، ولا تصح الصلاة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان، ثم يركع مُكَبِّرًا رافعًا يديه، ويضعهما على ركبتيه مُفَرَّجَتَيِ الأصابع، مستويًا ظهرُه، ويقول:(سبحان ربي العظيم)، ثم يرفع رأسه.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
سبق لنا أن الاستفتاح ورد له عدة أنواع، فهل يجمع بينها؟ قلنا: لا يجمع.
هل يُقْتَصَر على واحد دائمًا؟
طلبة: لا.
الشيخ: فيه خلاف؛ بعض الأئمة يقول: يقتصر على واحد دائمًا ويختار أوفاها وأكملها، ثم يستمر عليه.
منهم من اختار: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خطَايَايَ» ؛ لأنه أصح.
ومنهم من اختار: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ» ؛ لأنه أبلغ في الثناء.
وابن القيم في زاد المعاد يُرَجِّحُ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ» ، وإن كان من حيث الحديث أقل.
والصحيح: أنه يفعل هذا مرة، وهذا مرة في جميع العبادات المتنوعة، وفوائد ذلك ثلاثة:
الأولى: حفظ السنة في كلا النوعين؛ لأنه لو اقتصر على نوع واحد نُسِيَ الآخر، فإذا صار مرة هذا ومرة هذا حفظ بذلك السنة.
الفائدة الثانية: تمام الاقتداء بالسنة؛ لأنه إذا كان ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا وهذا، فتمام الاقتداء به أن تفعل أنت هذا وهذا؛ لأنك لو اقتصرت على واحد منها أَمَتَّ الثاني، فلم يكن لك الاقتداء التام بالسنة.
الفائدة الثالثة: أن ذلك أقوى في استحضار القلب؛ لأنك لو بقيت على واحد دائمًا صار كأنك ماكينة تتحرك بلا إرادة، ولذلك إذا غفل الإنسان وقد اعتاد نوعًا من هذه الاستفتاحات، ما يدري إلا وهو قد .. ؟
طلبة: (
…
)، شرع فيه.
الشيخ: قد شرع فيه وانتهى منه، فكوننا نراقب أو نلاحظ فعل هذا مرة وهذا مرة لا شك أنه أدعى للخشوع.
فهذه ثلاث فوائد في فعل العبادات المتنوعة على وجوهها المتنوعة.
لكن لو قال قائل: هل نشترط في ذلك أن لا يُشَوَّشَ على الآخرين؟
نعم، نقول: ربما نشترط هذا، وربما لا نشترط، إن كان الموجودون محصورين، فهذا وإن شُوِّشَ عليهم أول مرة لم يُشَوَّشْ عليهم فيما بعد، فليفعل هذا مرة وهذا مرة.
ومن ذلك: القراءات، تعرفون أن بعض الآيات فيها قراءات متعددة، هل الأفضل أن يقتصر على قراءة واحدة، أو أن يأتي بهذا مرة وهذا مرة؟ الأفضل أن يأتي بهذا مرة وهذا مرة، بشرط أن لا يُشَوِّش، فإن خاف أن يُشَوِّش فلا يقرأ.
الآن: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] فيها قراءة أخرى، {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، فلا يسوغ أن تقرأ بين العوام:{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، ليش؟ لأنك تُشَوِّش عليهم، ويعتقدون أحد أمرين ولا بد: إما أنك جاهل، وإما أن القرآن كُلٌّ يلعب به، يتلاعب الناس به، فلذلك لا تخرج عن القراءة الموجودة بين أيديهم.
ولقد أحسن المسلمون صنعًا أن صاروا يكتبون المصاحف على قراءة واحدة في الجهات، من أجل أن لا يحصل التشويش.
أفهمنا الآن؟ مَرَّ علينا من الأنواع المتعددة:
رفع اليدين عند التكبير إلى الكتفين، أو شحمة الأذنين، أو أطراف الأذنين، هذه واحدة.
كذلك أيضًا مَرَّ علينا وضع اليدين على الصدر، على السُّرَّة، تحت السرة، ولكننا قلنا: إنه لم ترد أحاديث صحيحة في هذا الباب، وأحسن ما وردت؟
طلبة: على الصدر.
الشيخ: أنها على الصدر.
هذه أيضًا أضفها إلى ما سبق وهي: دعاء الاستفتاح.
قال: (ثم يستعيذ)، يستعيذ، يعني يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وجوبًا أو استحبابًا؟ وجوبًا، على قول بعض العلماء؛ لقول الله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98].
وقيل: استحبابًا، وهذا هو المشهور من المذهب، أنه -أعني التعوُّذ- ليس بواجب عند القراءة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (17).
والاستعاذة ليست من فاتحة الكتاب، لكن للقائل بوجوب الاستعاذة أحيانًا يقول: أنا لا أقول: إنها من الفاتحة، لكن أقول: لا تقرأ إلا مستعيذًا بالله في الصلاة وغيرها.
(ثم يُبَسْمِلُ سرًّا)، يُبَسْمِلُ وجوبًا أو استحبابًا؟
طلبة: وجوبًا، استحبابًا.
الشيخ: إن قلنا: إنها من الفاتحة فوجوبًا، وإن قلنا: ليست منها، وهو مذهب الإمام أحمد وأبي حنيفة ومالك فهو.
طالب: استحبابًا.
الشيخ: أيش؟ استحبابًا، (ثم يُبَسْمِلُ سرًّا)، قال:(وليست من الفاتحة)، نص عليها دفعًا لقول مَن يقول: إنها من الفاتحة، كالإمام الشافعي رحمه الله.
الموجود في المصاحف الآن على أنها من الفاتحة حسب الترقيم، الترقيم يكتبون الرقم واحد عند البسملة، ولكن الصحيح أن أول الآيات في الفاتحة هو قوله:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
(ثم يقرأ الفاتحة) بعد الاستفتاح، والاستعاذة، البسملة، (يقرأ الفاتحة) كاملة من أولها إلى آخرها.
(فإن قطعها بِذِكْرٍ أو سكوت غير مشروعين وطال، أو ترك منها تشديدة أو حرفًا أو ترتيبيًا لزم غيرَ مأموم إعادتُها).
يشترط في قراءة الفاتحة شيئان:
الشيء الأول: الترتيب.
والثاني: الموالاة.
الترتيب: أن لا يُقَدِّم آية على آية، ولا كلمة على كلمة، فلو قال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، فهذا لا يصح.
لا بد أن يقرأها مُرَتَّبَة؛ لأن ترتيب الآيات توقيفي بأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وليس اجتهاديًّا.
الثاني: أن تكون متوالية.
(فإن قطعها بذكر أو سكوت غير مشروعين وطال) إلى آخره، إن تركها بذكر غير مشروع بأن لما قرأ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قام يسبح الله عز وجل: سبحان مَن يبعث الناس ليوم لا ريب، سبحان مَن يَذَرُهَا قاعًا صفصفًا لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا، سبحان من ينسف الجبال نسفًا، سبحان من يضع الصراط على شفير جهنم، سبحان من يحاسب الخلائق، سبحان من يضع الموازين. وجاب كل مشاهد يوم القيامة، ثم قال:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، ماذا تقولون، تبطل أو لا تبطل؟
طلبة: تبطل.
الشيخ: لعدم؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: لعدم الموالاة، كذلك لو أنه في أثناء الفاتحة قرأ آيات أخرى من غير الفاتحة فإنها تبطل؛ لعدم الموالاة.
وقوله: (أو سكوت غير مشروع)، السكوت المشروع هو سكوت المأموم فقط، المأموم يسكت، ربما يقرأ آيتين من الفاتحة ثم يشرع الإمام في القراءة، فيسكت لاستماع قراءة الإمام، ثم إن الإمام لما انتهى من القراءة التي بعد الفاتحة سكت، فأتمها المأموم، يصح هذا أو لا؟
طالب: يصح.
الشيخ: يصح أن يبني آخرها على أولها؛ لأن هذا السكوت مشروع، وهذا بناءً على أنه يجب الإنصات لقراءة الإمام حتى في الفاتحة.
والقول الراجح: أن الإنسان يستمر في قراءة الفاتحة ولو قرأ الإمام؛ لأن قراءة الفاتحة ركن حتى على المأموم، وحتى في صلاة الجهر فليقرأها؛ لأنه ربما يؤخِّرها ثم لا يسكت الإمام.
يقول رحمه الله: (أو ترك منها تشديدة).
وقوله: (وطال)، يعني بذلك السكوت، فإن لم يطل بأن سكت يسيرًا ثم استمر فلا، (
…
).
(أو ترك منها تشديدة)، تشديدة مثل {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
بعض الأئمة نسمعه يقول: الحمد لله ربِ العالمين، هذا ما يجوز، ليش؟
طالب: ترك تشديدة.
الشيخ: لأنه ترك تشديدة، والحرف المشدد عن حرفين، مثل أيضًا:{إِيَّاكَ} ، بعض الناس يقول: إيَاك، هذا ترك منها تشديدة.
(أو ترك منها حرفًا)، مثل: الحمد للا رب العالمين. ويش أسقط؟
طلبة: الهاء.
الشيخ: الهاء، لا تصح؛ لأنه لا بد أن يأتي بها كاملة.
(أو ترتيبًا) تقدم الكلام.
(لزم غيرَ مأموم إعادتُها)، وغير المأموم هو الإمام والمنفرد، أما المأموم فلا يجب عليه إعادتها، بناءً على أن قراءة المأموم في الصلاة سنة وليست بواجبة، وهو المذهب -مذهب الحنابلة- أن قراءة الفاتحة للمأموم سنة وليست بواجبة، وعليه فإذا ترك منها شيئًا من ذلك لم تلزمه الإعادة؛ لأنها ليست واجبة بحقه.
(ويجهر الكل بـ (آمين) في الجهرية)، (يجهر الكل) مَن الكل؟ المأموم والإمام.
يجهران بأ (آمين) في الجهرية، وآمين: اسم فعل دعاء، بمعنى: استجب، فإذا كانت الصلاة في الجهرية فليجهر بها الإمام والمأموم، لكن متى يقولها المأموم؟
يقولها إذا قال الإمام: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، وعلى هذا فيتفق صوت المأموم وصوت الإمام.
وأما من قال: يقولها إذا انتهى الإمام من التأمين، مستدلًّا بقوله صلى الله عليه وسلم:«إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» (18)، فغلط؛ لأن قوله:«إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» يفسره قوله: «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، فَقُولُوا: آمِين» (19)، وعلى هذا فيكون معنى «إِذَا أَمَّنَ»: إذا بلغ محل التأمين فأَمِّنُوا.
أو المعنى «إِذَا أَمَّنَ» : إذا شرع في التأمين، وكما نعلم أن (إذا) يأتي شرطها للمستقبل وللقرب من المستقبل، {إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} يعني أردت القراءة.
إنما على كل حال المأموم يجهر بـ (آمين) ويقولها مع إمامه، ولهذا جاء في الحديث:«فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غَفَرَ اللهُ» ، والملائكة يؤمِّنون إذا أَمَّن الإمام.
(ثم يقرأ بعدها) أي: بعد الفاتحة، (سورة تكون في الصبح من طوال الْمُفَصَّل، وفي المغرب من قصاره، وفي الباقي من أوساطه).
الْمُفَصَّل مَن (ق) إلى آخر (الناس)، وسُمِّيَ مفصلًّا لكثرة فواصله، بسبب قِصَر سوره، أوله (ق) وآخره سورة (الناس).
طواله: من (ق) إلى (عم)، وأوساطه: من (عم) إلى (الضحى)، وقصاره: من (الضحى) إلى (آخر القرآن).
وهذا هو الذي ينبغي أن يقرأ الإنسان بهذه السور في الْمُفَصَّل على هذا الوجه: الفجر؟
طلبة: طواله.
الشيخ: من طواله، المغرب مِن؟
طلبة: قصاره.
الشيخ: قصاره، الباقي من أوساطه.
وإنما اختير الْمُفَصَّل ليكون ذلك أسهل في حفظه على المأمومين؛ لأنه إذا تكرر عليهم الْمُفَصَّل حفظوه، وهذا أحسن من كونه يقرأ آيات من السور، حتى إن ابن القيم في زاد المعاد قال: إنه لم يكن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقرأ آيات من السور لا من أوساطها ولا آخرها، لكنه رحمه الله غفل عن كون أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر أحيانًا:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: 136] الآية في الركعة الأولى، و {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} [آل عمران: 64] الآية في الركعة الثانية.
والأصل أن ما ثبت بالنفل ثبت في الفرض.
فلا يُنْهَى الإنسان أن يقرأ من بعض السور آيات منها، ما ينهى عن ذلك، لكن يقال: الأفضل المحافظة على أيش؟ على الْمُفَصَّل، هذا هو الأفضل.
وقوله رحمه الله: (في المغرب من قصاره)، يعني في غالب الأحيان، وينبغي أن يقرأ من طواله أحيانًا؛ فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالطور، وقرأ بها في الفجر، قرأ بها في فجر يوم الرجوع من مكة إلى المدينة في حجة الوداع، وسمعت ذلك أم سلمة. (20)
وقرأ بها في المغرب في المدينة إثر غزوة بدر، وسمعها جبير بن المطعم، وكان من أسرى بدر، يقول رضي الله عنه: لما بلغ قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] كاد قلبي يطير (21)؛ لأن هذا دليل عقلي لا يمكن الانفكاك عنه {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} الجواب؟
طلبة: لا هذا ولا هذا.
الشيخ: لا هذا ولا هذا، وإذا كان لا هذا ولا هذا فمن خالقهم؟
طلبة: الله.
الشيخ: هو الله عز وجل، فلا بأس أن يقرأ في المغرب من طوال الْمُفَصَّل أحيانًا، بل هو من السنة.
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ فيها بطُولَى الطُّولَيَيْنِ (22)، أي: بسورة الأعراف.
قال: (وفي الباقي من أوساطه، ولا تصح الصلاة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان).
(لا تصح الصلاة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان)؛ لأنه هو المتواتر، وهو الذي قد تلقته الأمة الإسلامية، ومصحف عثمان هو ما تضمَّنَتْهُ القراءات السبع، فـ {مَالِكِ} و {مَلِكِ} من مصحف عثمان، و {تَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] و {تَثَبَّتُوا} من مصحف عثمان، وكل القراءات السبع من مصحف عثمان.
وقوله هذا رحمه الله احترازًا من مصحف ابن مسعود رضي الله عنه وأمثاله.
مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» (23)، وهذا إذن من الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بأيش؟ بقراءة عبد الله بن مسعود.
فكيف يقول قائل: إذا قرأ بالصلاة بقراءة ابن مسعود التي حَثَّ عليها الرسول صلى الله عليه وسلم بطلت صلاته؟
ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة: أنه لو قرأ بقراءة ابن مسعود أو غيرها مما صح فإن صلاته لا تبطل.
فلو قرأ قولَه تعالى: (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت من أم) فالصلاة صحيحة.
ولو قرأ في كفارة اليمين (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة) فالصلاة صحيحة.
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه إذا صحت القراءة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالقراءة بها صحيحة، ولا تبطل بها الصلاة؛ لأن الكل حق، والكل صحيح.
لكن كما قلت لكم آنفًا: لا يُقْرَأْ بالقراءات عند العوام إذا لم تكن معروفة عندهم في مصاحفهم.
(ولا تصح الصلاة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان).
لو قرأ تَلْقِينًا يجوز أو لا يجوز؟ تَلْقِينًا يعني: عنده واحد يُلَقِّنُه؛ قل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، فقال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يجزئ أو لا؟
طلبة: يجزئ.
الشيخ: يجزئ؛ لأنه يَصْدُقُ عليه أنه قرأ، ولأنه يحتاج إليه أحيانًا، أحيانًا يكون مع الإنسان نسيان إما لِكِبَرٍ أو لعاهة أو لحادث وينسى، فيكون عنده ابنه أو ابنته يُذَكِّرُه، يقول قل: الله أكبر، فيقول: الله أكبر. قل: كذا، ويلقنه حتى ينتهي من الصلاة، فصلاته؟
طلبة: صحيحة.
الشيخ: صحيحة.
قال: (ثم يركع إلى آخره).
طالب: شيخ.
الشيخ: نعم.
الطالب: في قراءة سورة الكهف يوم الجمعة هل يصح وتجزئ إذا لقنها كبير السن؟
الشيخ: إي نعم، يصح، يصدق عليه أنه قرأها.
***
طالب: سمع الله لمن حمده، وبعد قيامهما: ربنا ولك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، ومأموم في رفعه: ربنا ولك الحمد. فقط، ثم يَخِرُّ مُكَبِّرًا ساجدًا على سبعة أعضاء: رجليه، ثم ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهتِه مع أنفه، ولو مع حائل ليس من أعضاء سجوده.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين.
ذكر المؤلف فيما سبق أن المصلي إذا قرأ الفاتحة يقرأ بعدها سورة، هل هذا على سبيل الوجوب؟
طالب: على سبيل الندب.
الشيخ: ما الدليل؟
طالب: (
…
): «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» .
الشيخ: الدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» ، صحيح.
هل كونها على هذا الوجه في الفجر من طواله، وفي المغرب من قصاره، وفي الباقي من أوساطه، وعلى سبيل الوجوب؟
طالب: لا.
الشيخ: لا. على سبيل؟
الطالب: الندب.
الشيخ: الاستحباب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ثم يركع مُكَبِّرًا رافعًا يديه).
(ثم) يعني بعد أن ينتهي من القراءة، (يركع) يعني يحني ظهره، تعظيمًا لله عز وجل؛ لأن هذه الصيغة تُعَدُّ من التعظيم إلى وقتنا هذا، إذا أراد أحد أن يُعَظِّم شخصًا انحنى له، ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يلاقي أخاه: أينحني له؟ قال: «لَا» (24)؛ لأن هذا لا يكون إلا لله وحده.
(يركع مُكَبِّرًا رافعًا يديه)، ما حد الركوع الواجب؟
قالوا: حد الركوع الواجب أن يمكن متوسطَ اليدين مسُّ ركبتيه بيديه، يعني أن يكون هذا الانحناء بحيث يمكن أن تمس يداه ركبتيه إذا كان متوسط اليدين؛ لأن بعض الناس يداه قصار لا تمس الركبة إلا بانحناء بالغ، وبعض الناس يداه طويلتان تمس ركبتيه بأدنى انحناء، قالوا: فالمعتبَر الوسط.
وقيل: إن الواجب أن يكون إلى الركوع التام أقرب منه إلى الوقوف التام، وهذا جيد.
يعني إذا انحنى قليلًا لا يعد راكعًا، إذا انحنى حتى كان إلى الركوع التام أقرب منه إلى القيام التام فهذا أدنى مجزئ.
يقول رحمه الله: (يركع مُكَبِّرًا)، يكبر حال الْهُوِيِّ، لا قبل ولا بعد، فإن كَبَّر قبل أن يهوي راكعًا لم يصح التكبير، وإن كَبَّر بعد أن وصل الركوع لم يصح التكبير، وإن بدأ قبل أن يهوي، أو أتم بعد أن وصل إلى حد الركوع ففي إجزائه خلاف: فمنهم من يقول: إنه يجزئ.
ومنهم من يقول: إنه لا يجزئ، وأيهما الأرفق؛ أنه يجزئ أو لا يجزئ؟
طلبة: أنه يجزئ.
الشيخ: أنه يجزئ؛ لأن كثيرًا من الأئمة يبدأ التكبير قبل أن يَهْوِي، وكثيرًا منهم يبدأ بعد أن يهوي، ولكن لا يُكْمِل حتى يصل إلى حد الركوع.
وجُهَّال الأئمة لا يُكَبِّر إلا إذا وصل إلى الركوع، وهو راكع، لماذا يا رجل؟
قال: لئلَّا يسابقني المأمومون، علشان إذا سمعوا التكبير وإذا أنا قد ركعت، وهذا اجتهاد في غير محله.
نقول: أن تخطئ لخطأ المأمومين غلط، كَبِّرْ وأنت تهوي، والذي يتقي الله يعرف أنه لا يمكن أن يركع حتى تصل إلى الركوع، والذي لا يتقي الله ما عليك منه.
يقول رحمه الله: (يُكَبِّر)، لو أن أحدًا نسي وأهوى إلى الركوع ووصل الركوع، هل يُكَبِّر؟ لا يُكَبِّر؛ لأنه فاته محله، فلا يُكَبِّر.
لو نسي فَكَبَّرَ قبل أن يهوي، هل يُعَدُّ تاركًا للتكبير؟ نعم، يُعَدُّ تاركًا للتكبير.
لو كَبَّر ثم أهوى وأكمل التكبير وهو مهوي؟ فالمذهب لا يجزئه، وعليه سجود السهو.
والقول الصحيح: أنه يجزئ؛ لمشقة التحرز منه.
يقول: (رافعًا يديه)، إلى أين؟ كما رفعهما عند تكبيرة الإحرام.
(ويضعهما) أي: اليدين، (على ركبتيه، مفرجتي الأصابع، مستويًا ظهره)، فيفرجها هكذا كأنه قابض، كما جاء في الحديث، كالقابض بالركبتين (25).
(مستويًا ظهره): يعني لا مُحْدَوْدِبًا، ولا نازلًا، بل يكون مستويًا كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا، حتى جاء في الرواية: لو صب عليه الماء لاستقر (26).
(ويقول: سبحان ربي العظيم)، سبق لنا معنى سبحان، أي؟
طلبة: تنزيه.
الشيخ: تنزيهًا لله عز وجل.
و(ربي العظيم)، مناسب تمامًا للركوع؛ لأن الركوع تعظيم، فشرع له من القول ما يناسبه (سبحان ربي العظيم).
ويقول: (ثم يرفع رأسه ويديه قائلًا إمام ومنفرد: سمع الله لمن حمده).
(يرفع رأسه ويديه) جميل.
وهل يرفع اليدين إلى الأذنين في الرفع من الركوع؟
نعم، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (27).
(قائلًا إمام ومنفرد: سمع الله لمن حمده).
(سمع) بمعنى: استجاب.
(لمن حمده) أي: لمن وصفه بالكمال، فالله تعالى يستجيب له، فإن قال قائل: لماذا لا تجعلون سمع بمعنى أدرك الصوت، مثل قوله:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة: 1]؟
فالجواب: لأنه لا يتم السمع في مقابل الحمد والدعاء إلا بالإجابة.
(سمع الله لمن حمده، وبعد قيامهما: ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد).
يقول: (بعد قيامهما: ربنا ولك الحمد)، وفي هذه الجملة أربع صفات نبوية:
«رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» (29).
«اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» (30).
«اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» (31).
كل هذا ورد، وكما قلنا فيما سبق: ينبغي أن يأتي بهذا تارة وبهذا تارة.
فهذا المؤلف رحمه الله أن المنفرد والإمام يقول حال الرفع: (سمع الله لمن حمده)، وبعد أن يستتم قائمًا يقول:(ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء من بعد)، يعني مما لا نعلمه؛ لأن الكون ليس السماوات والأرض فقط، فيه أكوان ما نعلمها، الجن والنار أخبرنا الله عنهما، وربما أشياء ما ندري عنها.
وقوله: (ملء السماء)، ما معنى (ملء السماء)؟
قيل معناه: أنه حَمْدٌ لو كان أجسامًا لملأ السماء والأرض، فيكون الملء هنا ملئًا حسيًّا.
وقيل: المعنى (مل السماء) يعني: حَمْدًا يوافي كل ما في السماء والأرض؛ لأن الذي في السماء والأرض كله مخلوق لله، وهو مما يُحْمَدُ الله عليه، فيكون المعنى أنه كما أن خَلْقَك ملء السماء والأرض، فحَمْدُك أيضًا على كل ما خلقت يملأ السماء والأرض، وهذا أدق في المعنى وأولى؛ لأنه في الأول لو كان أجسامًا لملأ ذلك، الأجسام قد تكون صغيرة وقد تكون كبيرة، فلا وجه لهذا.
وقال المؤلف: (ومأموم في رفعه: ربنا ولك الحمد، فقط).
المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، وإنما يقول بدلها: ربنا ولك الحمد.
دليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» ، إلى أن قال:«وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» .
فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (32)؟
طالب: بلى.
الشيخ: فالجواب: بلى، أليس يقول في رفعه:«سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ؟ بلى، إذن المأموم ليش ما يقول؟
نقول: لأن هذا ورد فيه نص خاص، وهو:«إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» (29).
وقوله: (فقط) يعني: لا يزيد على هذه الكلمة، المأموم يرفع قائلًا: ربنا ولك الحمد، وفي حال قيامه يسكت، لا يقول شيئًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» ، هذا المذهب، لكنه قول ضعيف؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد بقوله:«قُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» في مقابل.
طلبة: سمع الله لمن حمده.
الشيخ: سمع الله لمن حمده، والذكر الذي يكون بعد القيام ثابت للإمام والمأموم والمنفرد، وهو:«رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» (33).
فالقول بأن المأموم يقف بس ساكتًا قول ضعيف؛ لأنه لا يمكن يسكت المأموم إلا لاستماع قراءة إمامه، إذن الصواب أن الإمام والمنفرد والمأموم كل منهم يقول أيش؟ «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» .
بماذا نجيب عما استدلوا به: «إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» ؟
طالب: حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: نقول: هذا في مقابل قول الإمام.
طالب: سمع الله لمن حمده.
الشيخ: سمع الله لمن حمده.
قال المؤلف: (ثم يَخِرُّ مُكَبِّرًا ساجدًا على سبعة أعضاء: رجليه، ثم ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته مع أنفه).
(يخر)، الخرور يكون من أعلى إلى أسفل، ومنه خرور الماء، خرور النهر، من أعلى إلى أسفل، من القيام إلى السجود.
يقول: (ثم يَخِرُّ مُكَبِّرًا)، يعني: قائلًا: الله أكبر، متى يقولها؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: فيما بين القيام والسجود.
(ساجدًا على سبعة أعضاء) وجوبًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أُمِرْنَا أَنْ نَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ» ، وأشار بيده إلى أنفه. (34) ليُبَيِّنَ أن الأنف ليس مستقلًّا ولا منعزلًا عن الجبهة، بل هو منها؛ لأننا لو عددنا الأنف مستقلًّا لكانت الأعضاء؟
طلبة: ثمانية.
الشيخ: ثمانية، لكنه تابع للجبهة.
فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالأعلى فالأعلى: الجبهة ثم، اليدين، ثم الركبتين، ثم أطراف القدمين، وجوبًا.
وظاهر كلام المؤلف أنه يبدأ بالركبتين قبل اليدين؛ لقوله رحمه الله: (على سبعة أعضاء: رجليه، ثم ركبتيه).
وهذا هو الحق، أنه عند السجود يبدأ بالركبتين قبل اليدين؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يبدأ الإنسان السجود باليدين قبل الركبتين في قوله:«إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ» (35)، ومعلوم أن البعير إذا برك يُقَدِّم أيش؟
طلبة: يديه.
الشيخ: يُقَدِّم يديه، لو نظرت إليه أول ما يُقَدِّم يديه، فإذا قَدَّمَ الإنسان يديه صار كالبعير إذا برك، ولهذا قال:«وَلْيَضَعْ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ» (36)، هذا هو صواب الحديث.
وأما «وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» فهذا يقول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: إنه منقلب على الراوي، ويتعين أن يكون منقلبًا؛ لأنه لو كان على صواب لكان أول الحديث مناقضًا لآخره:«لَا يَبْرُكُ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» ، تناقض؛ لأنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير، فإذا قال قائل: إذن لماذا لا نعتبر آخر الحديث دون أوله؟
نقول: لا؛ لأن آخره مبني على أوله، فالمعتبر الأول.
فإن قال قائل: البعير يبرك على ركبتيه وهما فين؟
طلبة: في يديه.
الشيخ: في يديه، فإذن يكون الركبتان هما المتأخرتان فـ «لَا يَبْرُكُ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ» ؛ لأن البعير يبرك أيش؟ على ركبتيه، فإذا بدأ بالركبتين فقد وقع في النهي؟
الجواب سهل على هذا، الجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير، لو قال: على ما يبرك عليه البعير، لقلنا: لا تسجد على الركبتين، ابدأ باليدين، ولكنه قال:«فَلَا يَبْرُكْ كَمَا» ، فالنهي عن أيش؟ عن المشابهة، لا عن العضو الذي يسجد عليه، وهو واضح لمن تأمله، ثم هو أيضًا مناسب للترتيب البدني، الترتيب البدني: الركبتين قبل اليدين.
الرِّجْلَان على الأرض، معروف، ثم الركبتان، ثم اليدان، ثم الجبهة، هذا الترتيب البدني، كما أنه في القيام يبدأ بأيش؟
طلبة: برفع الجبهة.
الشيخ: بالأعلى، بالجبهة، ثم اليدين، ثم الركبتين.
التكبير متى يكون؟ من حين يهوي إلى أن يصل إلى السجود.
ثم جَبْهَتِه مع أَنْفِه ولو مع حائلٍ ليس من أعضاءِ سُجودِه، ويُجافِي عَضُدَيْهِ عن جَنْبَيْهِ وبَطْنَه عن فَخِذَيْه، ويُفَرِّقُ رُكبتَيْهِ ويقولُ:" سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى " ثم يَرفعُ رأسَه مُكَبِّرًا ويَجلِسُ مُفْتَرِشًا يُسراهُ ناصبًا يُمْنَاهُ ويقولُ: " رَبِّ اغْفِرْ لِي "، ويَسْجُدُ الثانيةَ كالأُولى، ثم يَرْفَعُ مُكَبِّرًا ناهضًا على صُدُورِ قَدَمَيْه مُعْتَمِدًا على رُكْبَتَيْهِ إن سَهُلَ، ويُصَلِّي الثانيةَ كذلك ما عدا التحريمةَ والاستفتاحَ والتعوُّذَ ما عدا التحريمةَ والاستفتاحَ والتعوُّذَ وتجديدَ النِّيَّةِ، ثم يَجلِسُ مُفتَرِشًا ويَداهُ على فَخِذَيْهِ يَقْبِضُ خِنْصَرَ الْيُمْنَى وبِنْصَرَها ويُحَلِّقُ إبهامَها مع الوُسْطَى ويُشيرُ بسَبَّابَتِها في تَشَهُّدِه ويَبْسُطُ اليُسرَى ويَقولُ " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ والصلواتُ والطيِّباتُ، السلامُ عليك أيُّها النبيُّ ورَحمةُ اللهِ وبركاتُه، السلامُ علينا وعلى عِبادِ اللهِ الصالحينَ، أَشْهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأَشْهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عَبْدُه ورسولُه " هذا التَّشَهُّدُ الأَوَّلُ، ثم يقولُ " اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ كما صَلَّيْتَ على آلِ إبراهيمَ وعلى آلِ محمَّدٍ كما صَلَّيْتَ على آلِ إبراهيمَ إنك حَميدٌ مَجيدٌ،
العضو الذي يسجد عليه، وهو واضح لمن تأمله، ثم هو أيضًا مناسب للترتيب البدني؛ الترتيب البدني: الركبتان قبل اليدين، الرجلان على الأرض معروف، ثم الركبتان، ثم اليدان، ثم الجبهة، هذا الترتيب البدني كما أنه في القيام يبدأ بأيش؟
طلبة: بالجبهة.
الشيخ: بالأعلى؛ بالجبهة، ثم اليدين، ثم الركبتين.
التكبير متى يكون؟
من حين يهوي، إلى أن يصل إلى السجود، فإن تقدم -على المذهب- لا يصح، وإن تأخر لا يصح، والصواب أنه إذا تقدم أو تأخر وصار جزءًا منه أو أكثره حال الهوي فإنه لا يضر إن شاء الله تعالى.
قال: (ثم جبهته مع أنفه، ولو مع حائل ليس من أعضاء سجوده) يعني يجزئه السجود.
(ولو مع حائل ليس من أعضاء سجوده) الحائل يعني الذي يمنع مباشرة المصلي، لكن اشترط المؤلف ألا يكون من أعضاء سجوده، فإن كان من أعضاء سجوده لم يصح، مثال الذي من أعضاء السجود أن يسجد على كفيه، فهنا سجد على حائل لكنه.
طلبة: من أعضاء السجود.
الشيخ: أيش؟
طلبة: من أعضاء السجود.
الشيخ: من أعضاء السجود، فلا يصح؛ إذ إنه يقال في هذا: سجد على ستة أعضاء.
وقوله: (ولو مع حائل) كأنه يشير إلى خلاف؛ لأن الحائل غير أعضاء السجود إما متصل بالإنسان وإما منفصل، فإن كان منفصلًا فلا بأس به؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد على الخمرة، وهي صغيرة بمنزلة المنديل.
وإن كان متصلًا فلا يسجد عليه؛ لقول أنس بن مالك رضي الله عنه: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه وسجد عليه.
وحينئذٍ نقول: الحائل ثلاثة أقسام: قسم لا يصح معه السجود، متى؟
طلبة: إذا كان من أعضاء السجود.
الشيخ: إذا كان من أعضاء السجود.
وقسم لا بأس به إذا كان منفصلًا، وقسم يجوز عند الحاجة، وهو ما إذا كان متصلًا.
هذا ما لم يكن من شعار الرافضة، فإن كان من شعار الرافضة -فإنهم يسجدون على ما يخص الجبهة فقط- هذا لا يجوز أن يستعمله الإنسان، اللهم إلا للضرورة القصوى. ولهذا نص العلماء على أنه يكره أن يخص جبهته بما يسجد عليه، وعللوا ذلك بأنه من صنيع الرافضة. ويأتي -إن شاء الله- بقية الكلام على السجود.
طالب: شخص جاء متأخرًا المسجد، صلى في جماعة، مثلًا خلف جماعة، فركع، ولم (
…
).
الشيخ: ولم يجهر بالتكبير؟
الطالب: فرفع رأسه (
…
).
الشيخ: (
…
) غلط. سمعتم سؤاله؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يقول: إمام نسي أنه إمام، فكبر للركوع، ولما قال: سمع الله لمن حمده، عرف أن وراءه جماعة، فركع من أجل خاطرهم، ركع ركعة ثانية. نقول: هذا حرام ما يجوز. لكن ماذا يفعلون؟ نقول: يركعون، ثم يتابعون.
الطالب: يسجد يا شيخ للسهو؟
الشيخ: يسجد للسهو.
طالب: (
…
).
***
طالب: وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المصنف رحمه الله تعالى:
ثم يخر مكبرًا ساجدًا على سبعة أعضاء؛ رجليه، ثم ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته مع أنفه، ولو مع حائل ليس من أعضاء سجوده، ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، ويفرق ركبتيه، ويقول: سبحان ربي الأعلى. ثم يرفع رأسه مكبرًا، ويجلس مفترشًا يسراه وناصبًا يمناه، ويقول: ربِّ اغفر لي. ويسجد الثانية كالأولى.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
سألنا أحد الطلبة عن حال اليدين بعد الرفع من الركوع؛ لأن المؤلف ما ذكره رحمه الله فسألنا عن ذلك.
فنقول: إن الإمام أحمد رحمه الله قال: إن شاء أرسلهما، وإن شاء وضع يده اليمنى على اليسرى، كما قبل الركوع. فجعله مخيرًا.
واختار بعض العلماء أنه يضع يده اليمنى على اليسرى.
واختار بعضهم أنه لا يضع، حتى وصل إلى أن قال: إنه بدعة. وسأعلق على كلمة: إنه بدعة. فهذه ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه يُخَيَّر، وأنه إن أرسل فسنة، وإن وإن وضع فسنة. وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله، نص عليه، وكأنه رحمه الله لما لم يثبت إرسال اليدين، ولا وضع اليد اليمنى على اليسرى، جعل الإنسان مخيرًا؛ لأننا لا نؤمر لا بهذا ولا بهذا.
وأما من قال بالاستحباب فحجته حديث سهل بن سعد، قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.
ووجه الدلالة أن قوله: في الصلاة؛ يعم جميع أجزائها؛ فيخرج منه الركوع؛ لأن وضع اليد أيش؟
طلبة: على الركبتين.
الشيخ: على الركبتين، والسجود لأن اليد على الأرض، والجلوس لأن اليد على الفخذين، فيبقى القيام قبل الركوع، والقيام بعد الركوع. وهذا اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز.
أما حجة الآخرين الذين يقولون: إنه لا يضع فيقول: إن الأصل إبقاء الجسد على ما هو عليه، حتى يقوم دليل على أنه على خلاف الأصل، ولا دليل في المسألة. وكأن هذا القول يرمي إلى أنه لا بد من دليل خاص على كل عمل بخصوصه.
فالمسألة من باب الاجتهاد، والواجب على الإنسان أن يأخذ بما ترجح عنده من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
والراجح عندي أنه يضع يده اليمنى على اليسرى بعد الركوع كما (
…
)؛ لأن حديث سهل بن سعد واضح.
ولكن القول بأنه بدعة صعب؛ لأننا لو بدعنا كل من خالفنا في المسائل الفقهية لم نكد نجد مسألة إلا والعلماء الآخرون فيها مبتدعة، وهذا صعب؛ لأنهم إذا كان إما مصيب وإما مبتدع ما هو بصحيح هذا، فمسائل الاجتهاد الكل منهم مصيب في اجتهاده، لا في موافقة الحق.
انتبهوا! الكل من المجتهدين مصيب في اجتهاده، لا في موافقة الحق؛ لأن الحق واحد، ولا يمكن أن يكون الحق مع الرجل وخصمه أبدًا، لكن الاجتهاد حق، كلٌّ يجتهد، وقد علم كل أناس مشربهم، وهذه نقطة مهمة؛ وهي المسائل الفقهية إذا خالفنا فيه أحد، لا يحق لنا أن نقول: إنه مبتدع. ما دمنا مجتهدين نحن وهو، كيف نقول: إنه مبتدع وفيه احتمال أننا نحن مبتدعون! أليس كذلك؟ لأنه لا ينزل علينا الوحي.
فإذن نقول: اجتهادنا ليس ملزِمًا له، واجتهاده ليس ملزمًا لنا، والكل مختصمون عند الله عز وجل.
ولكن نقول: المسائل الخلافية التي لها مساغ في الاجتهاد لا يمكن أن نبدع غيرنا فيها. انتبهوا لهذه النقطة؛ لأنك لو بدَّعت، طالع كتب الفقهاء لا تكاد تجد صفحة إلا وفيها خلاف، إما بين المذاهب، أو بين علماء المذهب الواحد. لكن نقول: هذا مرجوح، هذا ضعيف، أو ما أشبه ذلك، ولا نبدّع، ولا نُظلّم، هذه المسألة.
المسألة الأخرى: السجود. سبق لنا البارحة تقرير أنه يقدم الركبتين، وبينا الدلالة على ذلك أثرًا وحسًّا، وقلنا: هذا هو الترتيب الطبيعي؛ أن تنزل الركبتان، ثم اليدان، ثم الوجه، لكن لو فرض أن الرجل ضعيف، أو كثير اللحم، أو معه ألم في ركبتيه، أو كبير -شيخ كبير- ويشق عليه أن ينزل على الركبتين، هل له أن ينزل على اليدين؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم له ذلك؛ لأن الدين يسر كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، ومعنى يسر يعني: اسلك الأيسر فهو الدين، ليس هذا خبرًا مجردًا عن معنى، هو له معنى. الدين يسر فمتى شق عليك شيء وانتقلت إلى آخر ليس فيه نهي فثم الدين، الدين يسر ولله الحمد.
يقول رحمه الله: (ولو مع حائل) ذكرنا أن الحائل بالأمس.
طلبة: ثلاثة أقسام.
الشيخ: ثلاثة أقسام: حائل من أعضاء السجود: فهذا لا يصح معه السجود.
حائل منفصل: جائز، ودليله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على الخُمْرة.
حائل متصل بالمصلي: هذا جائز عند الحاجة؛ لحديث أنس: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه وسجد عليه.
قال: (ويجافي عضديه عن جنبيه) يعني: يبعدها، ومحل ذلك ما لم يؤذ جاره، فإن كان في الصف وإذا جافى عضديه آذى الذي على جنبه فلا يفعل؛ لأنه لا يمكن أن يُفعل محرم لتحصيل سنة.
(ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه) يجافي البطن عن الفخذين أن يرفعه ولا يجعل بطنه على فخذيه، ولا يمتد كما يفعله بعض الناس، بعض الناس يعني مشكلة فهم النصوص، بعض الناس في السجود يمتد حتى تقول: هل هذا منبطح ولَّا ساجد؟ هذا غلط غير صحيح:
أولًا: أن هذا خلاف السنة، لا شك في هذا، والرسول قال:«اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ» وهذا خلاف الاعتدال.
ثانيًا: أنه سيشق على الرجل مشقة شديدة؛ لأنه سيكون اتكاء الجسم كله على الوجه واليدين، يتعب، ولا يستطيع أن يطيل السجود؛ فالمهم أن هذا فهم خاطئ من بعض الناس.
(وبطنه عن فخذيه ويفرق ركبتيه) يعني: لا يضمهما، وأفاد المؤلف بقوله:(ويفرق ركبتيه) إن أردنا أن نحمِّل عبارته أنه لا يفرق قدميه، ماذا يصنع بقدميه؟ يضم بعضهما إلى بعض، وهذا ظاهر كلام المؤلف، حيث خص التفريق بالركتبين، والقول بأنه يفرق بين القدمين ليس عليه دليل.
فإن قال قائل: والقول بأنه يضم الرجل إلى الأخرى ليس عليه دليل.
نقول: نعم، إذا لم يكن دليل لا على هذا ولا على هذا فضعهما على طبيعتهما؛ لأن كل شيء لا دليل عليه في الصلاة يرجع الإنسان إلى الطبيعة.
ولكن نقول: هذا فيه دليل، أنه يضم إحدى الرجلين إلى الأخرى:
أولًا: أن ابن خزيمة رواه صريحًا في صحيحه. وإن كان بعض العلماء تكلم في هذا الحديث.
ثانيًا: أنه ثبت في صحيح مسلم أن عائشة رضي الله عنها افتقدت النبي عليه الصلاة والسلام فقامت يعني تلتمس، فوقعت يدها على قدميه منصوبتين. ومعلوم أن اليد لا يمكن أن تقع على القدمين جميعًا إلا وهما قد ضم بعضهما إلى بعض.
فالصواب أن القدمين يضم بعضهما إلى بعض، وأما من قال: يفرق، ويجعل بينهما نحو شبر أو ما أشبه ذلك فهذا لا دليل عليه.
قال: (ويقول: سبحان ربي الأعلى في سجوده).
يقول: (سبحان ربي الأعلى) وسبق معنى التسبيح وهو؟
طلبة: التنزيه.
الشيخ: تنزيه الله عز وجل.
وتأمل حكمة الشريعة -الله أكبر- في الركوع يقول: سبحان ربي العظيم؛ لأن هذا يناسب الهيئة، هيئة الركوع؛ لأنها تعظيم.
في السجود يقول: سبحان ربي الأعلى؛ لأنه يناسب الهيئة أيضًا؛ لأن وضع جبهتك على الأرض سفول ونزول، أنت الآن أنزلت وجهك الذي كان في أعلى جسمك حتى وضعته على الأرض، ثم هو أيضًا نزول معنوي؛ فإن هذا ذل عظيم أن تضع جبهتك أشرف ما في جسمك على الأرض تعظيمًا لمن تسجد له، وعلى هذا فنقول: إن الذكر مناسب: سبحان ربي الأعلى.
وتذكر أيضًا علو الرب عز وجل الذي فيه تنزيه الله عن السفول جل وعلا؛ ولهذا كان الصحابة في السفر إذا علوا نشزًا أيش يقولون؟
الطلبة: كبروا.
الشيخ: كبروا، وإذا نزلوا سبحوا: سبحان الله؛ لأن الإنسان إذا علا نشزًا ربما تعلو نفسه ويرى نفسه أنه ارتفع، فيذكر كبرياء الله عز وجل فيقول: الله أكبر، إذا نزل يعلم نفسه أنه انخفض وسفل فيذكر علو الرب عز وجل، فيقول: سبحان الله، ينزهه عن النزول.
واعلم أنك إذا سجدت فإنك أقرب ما تكون إلى الله عز وجل، أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ؛ وذلك لتمام ذله لربه عز وجل، ومَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ.
ولم يقل المؤلف: يقول: سبحان ربي العظيم أو سبحان ربي الأعلى ثلاثًا، لكن هو ورد ثلاثًا.
قال العلماء: والإمام لا يزيد على عشر؛ لئلا يثقل على المأمومين، أما المنفرد فليفعل ما شاء، وأما المأموم فهو تبع لإمامه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» . نهاه الله أن يقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا.
أقول: نُهي الإنسان أن يقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا؛ لأن هذه الهيئة لا تليق بعظمة القرآن، وإن كان تعظيمًا لله عز وجل وخضوعًا له، لكن القرآن له شرف عظيم، فلو قرأ الإنسان وهو راكع أو ساجد هل تبطل صلاته؟
قال الظاهرية: تبطل الصلاة؛ لأنه قال قولًا منهيًّا عنه، والأصل أن الإنسان إذا فعل في العبادة فعلًا منهيًّا عنه أنها تبطل؛ لأنه منهي عنه بخصوصه، كما لو تكلم بطلت صلاته، فهذا إذا قرأ القرآن في الركوع والسجود فإنها تبطل صلاته.
وقولهم لا شك أنه له وجاهة؛ لأن نقول لهذا الذي قرأ وهو راكع وساجد هل هو عاص لله ورسوله أو لا؟
طلبة: نعم هو عاص.
الشيخ: الجواب: هو عاص لله ورسوله؛ فتبطل الصلاة.
لكن الصحيح أنها لا تبطل؛ لأن النهي عن القراءة ليس لذات القرآن، لكن لأنه يقرأ في محل لا يناسب، ثم إن القرآن ذكر مشروع في الجملة في الصلاة، ليس كلام الآدميين، فالصحيح رأي الجمهور أنها لا تبطل.
قال: (ثم يرفع رأسه مكبرًا)، (يرفع رأسه) حال كونه (مكبرًا)، فالتكبير إذن في حال رفعه.
(ويجلس مفترشًا يسراه ناصبًا يمناه، ويقول: ربِّ اغفر لي) إلى آخره.
(يجلس مفترشًا يسراه) أي: راكبًا عليها.
(ناصبًا يمناه) أي: موقفها، وتكون على يمينه ولّا على يساره؟
طلبة: على يمينه.
الشيخ: ناصب يمناه، على يمينه ولّا على يساره؟
طلبة: على يمينه.
الشيخ: على يمينه.
وعلم من كلامه –رحمه الله أنه لا يقعي في هذا الجلوس؛ يعني: لا يركب على عقبيه وينصب قدميه؛ لأن هذه الجلسة فيها مشقة شديدة على الإنسان، والأحاديث كلها تدل على الافتراش إلا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، والحديث في مسلم أن الإقعاء سنة.
ولكن يبدو لي -والله أعلم- أنه كان في الأول سنة ثم نُسخ، ولم يعلم ابن عباس بالناسخ، كما فعل عبد الله بن مسعود في وضع اليدين حال الركوع، وفي قيام الإمام مع الاثنين، فإن ابن مسعود رضي الله عنه لم يعلم بالناسخ؛ أي بنسخ التطبيق في حال الركوع، ونسخ تقدم الإمام إذا كانوا ثلاثة؛ فأمّ رجلين من أصحابه، وصار بينهما، وطبق في حال الركوع، طبق هكذا، يقول بيديه أو هكذا ويدخلهما بين فخذيه، وهذا منسوخ لا شك.
فالظاهر لي والله أعلم أن ابن عباس رضي الله عنهما لم يبلغه النسخ في مسألة الإقعاء.
وكما ذكرت لكم أن فيه مشقة على الإنسان، فالصواب ما ذهب إليه الجمهور من أن السنة هي افتراش الرِّجل اليسرى ونصب الرجل اليمنى.
والحمد لله رب العالمين، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
هو في سؤال الآن ..
طالب: (
…
) الإقعاء في الجلوس.
الشيخ: إي ما وصلناه، نصله إن شاء الله (
…
).
***
طالب: خنصر يدَه اليمنى.
الشيخ: يدَه! ليش، وهي مضاف إليه، هذه مضاف إليها، المضاف إليها تكون مجرورة.
الطالب: خنصر يدِه اليمنى وبنصرها، ويحلق إبهامها مع الوسطى، ويشير بسبابتها في تشهده، ويبسط اليسرى ويقول: التحيات لله والصلوات والطيبات.
الشيخ: إلى آخره. بسم الله الرحمن الرحيم، سبق لنا أنه يخرّ مكبرًا ساجدًا على سبعة أعضاء. ويبدأ بماذا؟
طالب: بالركبتين.
الشيخ: إذا سجد يبدأ بماذا؟ بالركبتين ولَّا باليدين؟
الطالب: بالركبتين.
الشيخ: بالركبتين، طيب، ألك دليل في هذا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ما هو؟
الطالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البروك كبروك البعير، وأمر أن يقدم ركبتيه على يديه.
الشيخ: نهى عن بروك كبروك البعير، وبروك البعير يقدم؟
الطالب: يقدم يديه.
الشيخ: يديه! هل رأيته وهو يبرك؟
الطالب: ما رأيته ولكن ظننت أنه.
الشيخ: كيف ما رأيته، لا بد تراه، هو كذلك.
فإن قال قائل: ماذا تقول في قوله: «وَلْيَبْدَأْ بِيَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» ؟
فالجواب أننا نقول كما قال؟
طالب: قال ابن القيم: انقلاب من الراوي، تعارض أول الحديث وآخره، فأخر الحديث جعله أوله.
الشيخ: أحسنت. إنه لا شك أنه منقلب على الراوي؛ لأن آخر الحديث يعارض أوله، لو أبقيناه على ما هو عليه.
كيف يسجد، يعني كيف يكون حاله في السجود؟
طالب: كيف يكون حاله؟
الشيخ: يضع يديه.
الطالب: يضع وجهه بين يديه ويمد ظهره، ويجافي بطنه عن فخذيه، ويبعد.
الشيخ: عضديه عن جنبيه.
الطالب: عضديه عن جنبيه، ويفرق بين ركبتيه.
الشيخ: نعم. وأما رجلاه؟
الطالب: أما رجلاه فلا يفرق.
الشيخ: فلا يفرق بينهما؛ يعني القدمين، بل يرص بعضهما إلى بعض.
والدليل؟
الطالب: كما جاء في حديث ابن خزيمة وإن كان تُكلم عن سنده، (
…
) رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما سجد: ووضعت يدي على قدميه.
الشيخ: نعم، وقعت يدي ..
الطالب: على قدميه.
الشيخ: على قدميه، وهذا لا يمكن أن تقع يدها على قدميه إلا وهما مرصوصتان.
قال: (ويسجد الثانية كالأولى) لا، أي ويقول: سبحان ربي الأعلى، شرحناها وبينا المناسبة فيها.
***
(ثم يرفع رأسه مكبرا، ويجلس مفترشا يسراه ناصبًا يمناه) وسبق هذا، وبينا أن ما رواه مسلم عن ابن عباس في الإقعاء يبدو لنا أنه منسوخ، وبينا أن العمل به فيه مشقة شديدة، يوجب للإنسان أن يختصر هذه الجلسة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان سجوده وقيامه وقعوده قريبًا من السواء.
(ويقول: رب اغفر لي) يعني الدعاء، يدعو بهذا الدعاء: رب اغفر لي.
وأصل (ربِّ): يا ربي بالياء، فحذفت (يا) النداء، وحذفت الياء من ربي؛ أما حذف الياء من ربي فللتخفيف، وأما حذف (يا) النداء فمن أجل التبرك بذكر اسم الله عز وجل قبل أي شيء.
(اغفر لي): (اغفر) بمعنى استر ذنوبي، وتجاوز عني؛ فيشمل -طلب المغفرة يشمل- شيئين مهمين: الأول: ستر الذنب في الدنيا والآخرة.
والثاني: التجاوز عن عقوبة الذنب.
وجه ذلك: أن المغفرة مأخوذة من المغفر الذي يوضع على الرأس ليتقي به الإنسان السهام، هذا المغفر يحصل به شيئان؛ الأول: الستر. والثاني: الوقاية من السهام.
(رب اغفر لي) والمؤلف اقتصر على هذه الجملة، وإلا فهناك جمل أخرى:«رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي وَاجْبُرْنِي وَاهْدِنِي» ، تقال، وعذر المؤلف رحمه الله أنه مختصر.
(ويسجد الثانية كالأولى) في أيش؟ كالأولى فيما يقال وفيما يفعل.
(ثم يرفع مكبرًا ناهضًا على صدور قدميه معتمدًا على ركبتيه إن سهل).
(ثم يرفع مكبرًا) يعني يكون التكبير متى؟ إذا شرع في الركعة.
(ناهضًا على صدور قدميه معتمدًا على ركبتيه إن سهل) وهذا بالنسبة للشباب يسهل، بالنسبة للشباب الصغير يسهل عليه هذا، فإن صعب فليقم كما يتيسر له، إما على يديه، وإما أن يجلس يسيرًا ثم يقوم، المهم إذا تعثر فالأمر والحمد لله واسع، يفعل ما يتيسر له، ولا يكلف نفسه ما يشق عليه.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا يجلس عند النهوض من الأولى مطلقًا؛ لأنه قال: (ناهضًا على صدور قدميه معتمدًا على ركبتيه إن سهل) ولم يقل: فإن صعب فليجلس.
وهذا الذي ذهب إليه رحمه الله هو أحد أقوال ثلاثة في هذه المسألة؛ فمن العلماء يقول: لا جلوس، ويحاول أن يبادر بالقيام على قدر ما يستطيع، وهذا هو المذهب كما ترون في هذا الكتاب.
ومن العلماء من يقول: بل يجلس على كل حال، يجلس ويستقل، ثم يقوم على كل حال، سواء كان نشيطًا أو ضعيفًا.
وفصل بعض العلماء فقال: أما إن كان قويًّا فالأفضل ألا يجلس، وإن كان ضعيفًا فالأفضل أن يجلس ويستوي، ثم ينهض.
وهذا القول الثالث –التفصيل- هو الصحيح، واختاره صاحب المغني الموفق رحمه الله، وكذلك ابن القيم في زاد المعاد، وهو الذي يليق بالقواعد الشرعية؛ لأن الأفضل أن الإنسان يكون نشيطًا في صلاته، غير متوانٍ فيها، ومعلوم أنه إذا قام من السجود إلى القيام رأسًا أدل على؟
طلبة: النشاط.
الشيخ: على النشاط، وعلى القوة. فإذا كان لا يستطيع فإنه يجلس، يستقر، لحديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي جالسًا.
وعلى هذا فيكون التفصيل به التحصيل، ودائمًا العلماء إذا اختلفوا في شيء تجد أن التفصيل في الغالب هو الصواب.
وهذه الجلسة تسمى عند العلماء جلسة الاستراحة؛ لأن المقصود بها أن يريح الإنسان نفسه، واشتقاقها يدل على أنها إنما تفعل أيش؟
طلبة: عند الحاجة.
الشيخ: عند الحاجة، لكن بعض المتأخرين نازع في هذا وقال: لا، ما نسميها جلسة الاستراحة، من أين لنا هذا الاسم؟ بل نسميها جلسة في وتر من الصلاة، كما قاله مالك بن الحويرث.
ونحن لا يهمنا التسمية، المهم العمل، هل نعمل بها أو لا؟
القول الراجح: أننا لا نعمل بها إلا عند الحاجة، كإنسان ضعيف، إنسان مريض، إنسان ركبه تؤلمه، أو ما أشبه ذلك، ويدل لهذا حديث مالك بن الحويرث نفسه الذي استدل به من يرى مشروعيتها على كل حال؛ لأن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قدم في عام الوفود سنة؟
الطلبة: تسع.
الشيخ: تسع من الهجرة، بعد أن كبر الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم إن ظاهر الجلوس هذا أنه محتاج إليه؛ لأنه إذا قام منه يعتمد على يديه، والاعتماد على اليدين لا يكون إلا لحاجة، وهذا يدل على أن القيام مباشرة فيه صعوبة، ثم هذه الجلسة لو كانت مقصودة في الصلاة لكان لها تكبير في أولها وفي آخرها، وذكرٌ في حال وجودها، وكل هذا منتفٍ.
التكبير الأول ليش؟ للقيام من السجود، ولا شيء بعده، والشارع لا يمكن أن يشرع شيئًا عبثًا، فلو كانت هذه جلسة مقصودة في الصلاة كجلسة التشهد أو بين السجدتين لكان لها ذكر مشروع، ولكان لها تكبير عند عند الجلوس، وتكبير عند القيام، ولكنها جلسة مشروعة عند الحاجة إليها؛ حتى لا يشق الإنسان على نفسه.
فإن قال قائل: وهل درء المشقة مقصود للشرع؟ فالجواب؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، مقصود للشرع؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيام أبدًا، وعن القيام بلا نوم، وما أشبه ذلك، من أجل المشقة.
ثم إن قول الله تعالى بعد أن ذكر الصيام: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة، فإذا كان المصلي يشق عليه النهوض من السجود إلى القيام رأسًا فالأمر والحمد لله واسع، نقول: استرح ثم قم.
وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس؛ أن من كان محتاجًا إليها فهي مشروعة في حقه، ويجلس كما ورد، ومن لم يكن محتاجًا إليها فلا ينبغي أن يجلس، بل يقوم ناهضًا على صدور قدميه.
فإن قال قائل: إذا كنت مأمومًا وأنا لا أرى استحبابها إلا عند الحاجة، والإمام يرى استحبابها، فهل أقوم قبله أو أتابعه؟
فالجواب: أتابعه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» ، ولأنني لو كنت سبقته إلى القيام، فنقول: اجلس، وإن لم ترها.
بالعكس لو كان الإمام لا يراها، والمأموم يراها، والإمام ينهض قائمًا بدون تأخير، فهل يُسن للمأموم أن يفعلها؟ لا، لا يسن؛ لأن صلاته الآن ارتبطت بصلاة الإمام.
وقد نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى، على أن الإمام إذا كان لا يجلس لا تجلس.
ولكن إذا قال قائل: هذه جلسة يسيرة، لا تخل بالمتابعة، كما لو أطلت السجود بعده، قلنا: وإطالة السجود بعده أيش؟ غير مشروعة، هذه واحدة.
والثانية: إذا أطلت السجود بعد قيام الإمام فما فعلت إلا أنك أطلت شيئًا مشروعًا لك وهو السجود، أما الجلسة فهي غير مشروعة ما دام الإمام قد نهض، وإذا كان الإمام إذا نهض عن التشهد الأول مع وجوبه وجب على المأموم أن يتابعه، فكيف بشيء مستحب على خلاف فيه؟
طالب: من باب أولى.
الشيخ: نعم. من باب أولى.
قال: (ويصلي الثانية كذلك)، (كذلك) يعني كالأولى، إلا في أشياء.
قال: (ما عدا التحريمة) يعني بذلك تكبيرة الإحرام؛ لأنه لو كبّر للإحرام أيش يكون؟ بطلت الركعة الأولى، ثم إذا أتى بركعة جديدة ثم قام للثالثة بتكبيرة الإحرام.
طلبة: بطلت الثانية.
الشيخ: بطلت الثانية وهلم جرًّا؛ ولهذا قال: (ما عدا التحريمة).
إذا قال قائل: كيف ما عدا التحريمة، أليس الساجد يقوم مكبرًا؟
طلبة: بلى.
الشيخ: أجب؟
الطلبة: بلى.
الشيخ: بلى، لكن هذه التكبيرة ليست بعد أن يقوم، هذه التكبيرة في أثناء نهوضه.
(ما عدا التكبيرة والاستفتاح) فإنه لا يستفتح؛ لأن الاستفتاح إنما يكون في الركعة الأولى.
(والتعوذ) التعوذ: يعني يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وهذا مبني على أن قراءة الصلاة واحدة. وقال بعض أهل العلم: بل يشرع أن يتعوذ في كل ركعة. والذي تميل إليه النفس أنه لا يتعوذ إلا في أول ركعة؛ لأن الصلاة شيء واحد، قراءة بينها تكبير وتسبيح ودعاء، وهذا لا يقطع القراءة الأولى حتى نقول: لا بد من تجديد التعوذ.
الرابع: (وتجديد النية) معلوم، ما يجدد النية، لو قلنا: يجدد النية كم يكون من نية في الصلاة الرباعية؟
الطلبة: أربعة.
الشيخ: أربع نيات، وهذا غير صحيح، النية الأولى تكفي، ثم إذا قلنا في تجديد النية وقلنا باستحباب النطق بها، وهو قول ضعيف جدًّا، صار معناه أن كل ما قام قال: اللهم إني نويت. أيش نويت؟ نويت أن أكمل صلاتي ولَّا أبدأ صلاتي؟
طلبة: أن أكمل.
الشيخ: أن أكمل. انتبه لهذا.
يعني لو قلنا بتجديد النية فهو يجدد نية للتكميل لا للابتداء، لو جدد نية للابتداء بطل الأول، وهذا مشكل.
ومن الغرائب على القول باللفظ بالنية أن رجلًا عاميًّا كان يصلي في المسجد الحرام؛ فلما أقيمت الصلاة كبر الإمام، قال هذا للمأموم: اللهم إني نويت أن أصلي صلاة الظهر في المسجد الحرام، خلف الإمام الفلاني. وجاء يكبر، قالوا: الآن اصبر يا ولد، باقي عليك. قال: وأيش بقي؟ قال: باقي التاريخ، الآن ذكرت المكان، وذكرت الإمام، وذكرت الصلاة، ما بقي إلا التاريخ، وأيش اليوم من الشهر، وأيش اليوم من الأسبوع!
أقول لكم: هذا مما يدل على أن الأقوال الضعيفة تنكرها الفطر، هل الرب عز وجل خافٍ عليه حتى تجهر بالنية لتخبره؟ أبدًا، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16].
هل نبيك وإمامك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم هل كان يجهر بها؟
طالب: لا.
الشيخ: يقول: اللهم إني نويت؟ لا، إذن يا أخي خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
طالب: فضيلة الشيخ، في هذه -هيآت السجود والركوع- هل واحد بين الرجال والنساء؟
الشيخ: إي نعم. الصحيح أن صلاة النساء كصلاة الرجال، إلا إذا صح الدليل بالمخالفة؛ لأن الأصل أن ما ثبت بحق الرجال ثابت في حق النساء، وما ثبت في حق النساء ثابت في حق الرجال إلا بدليل؛ ولهذا كان القول الراجح أن قوله صلى الله عليه وسلم:«خَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» في النساء اللاتي يصلين مع الرجال في مكان واحد، أما إذا كن منعزلات فخير صفوف النساء أولها.
طالب: شيخ، بارك الله فيكم، إذا نسي الإنسان الاستعاذة في الركعة الأولى أو تركها عمدًا، هل يستعيذ في الثانية والرابعة مثلًا؟
الشيخ: الظاهر إذا نسي أنه يستعيذ متى ذكر.
طالب: (
…
) اليدين على (
…
).
الشيخ: تشهد؟
الطالب: (
…
)
الشيخ: ما وصلناها.
طالب: حفظك الله، بالنسبة يا شيخ إلى السجود هل يكون الرأس بين اليدين؟
الشيخ: إي، في السجود ورد فيه صفات؛ إما أن يكون الرأس بين الكفين، وإما أن تكون الكفان على حذاء المناكب. كلها جائزة.
طالب: عفا الله عنك يا شيخ، بعض الناس يبالغ في جلسة الاستراحة، والإنسان اللي يصل وراه يا شيخ ما يتمكن من السجود والركوع يا شيخ، ومثله وتكبيرات (
…
) في رفع اليدين في محالها، كلها يهملونها -بعض الناس- وجلسة الاستراحة كثير جدًّا يعتني بها يا شيخ، يهملون مثل الطمأنينة، الطمأنينة اللي هي ركن يا شيخ يهملونها.
الشيخ: وعلى كل هذا قد يكون، إن بعض الناس يحرص على بعض السنن ويفرط في كثير منها، لكن أهم شيء عندي يا إخوان، يا أيها الطلبة أهم شيء عندي ألا يكون هذا الاختلاف سببًا للجدال، وانتفاخ الأوداج، واحمرار الأعين، بل ناقش بهدوء، وإذا تبين الحق وجب على الجميع الرجوع إليه، وإذا لم يتبين لكل واحد منا أن صاحبه على حق فالحمد لله كل يأخذ بما أداه إليه اجتهاده، والحساب على من؟ على من الحساب؟
الطلبة: على الله.
الشيخ: على الله عز وجل، أنت يا أخي اخش الله قبل خشية الناس، وتواضع لرفع الحق، متى تبين الحق ولو كان فيه إبطال لقولك، حتى لو كنت تدعو لما تقول سنين، إذا تبين الحق يجب أن ترجع إليه، ولا تعرف الحق بالرجال، ولكن اعرف الرجال بالحق، لو كنا لا نعرف الحق إلا بالرجال كان هذا الذي يطيل أكمامه ويوسعها، ويطيل ذؤابة العمامة، ويطيل المسواك، لقلنا: هذا الرجل المعصوم، لكن ما هو بصحيح هذا، يجب أن نعرف الرجال بالحق؛ لأن الرجل يوزن بما معه من الحق، كلما وجدنا الإنسان أتبع للسنة فهو صاحبنا، وكلما وجدنا الإنسان متعصبًا لرأيه فليس صاحبًا لنا، بل ننكره وننكر منهجه، الواجب اتباع السنة حيثما كانت؛ لأننا نحن مأمورون باتباع سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65] شوف السؤال عن شيئين؛ عن الرسالة، وعن التوحيد.
في التوحيد: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: 62] فيسأل عن التوحيد ويسأل عن الرسالة.
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال المصنف رحمه الله تعالى: ثم يجلس مفترشًا، ويداه على فخذيه، يقبض خنصر يده اليمنى وبنصرها، ويحلق إبهامها مع الوسطى، ويشير بسبابتها في تشهده، ويبسط اليسرى، ويقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وهذا التشهد الأول، ثم يقول: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، ويستعيذ من عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال، ويدعو بما ورد، ثم يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك، وإن كان في ثلاثية أو رباعية نهض مكبرًا بعد التشهد الأول، وصلى ما بقي كالثانية بالحمد فقط، كما يجلس في تشهده الأخير متوركًا، والمرأة مثله، لكن تضم نفسها، وتسدل رجليها في جانب يمينها.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نستمر في بيان صفة الصلاة، ولا شك أنه يجب على الإنسان أن يتعلم كيف يصلي، كيف يتوضأ، كيف يزكي إذا كان ذا مال، كيف يحج إذا وجب عليه الحج، كيف يصوم إذا وجب عليه الصيام؛ لأن شرط العبادة الإخلاص، وأيش؟
طلبة: والمتابعة.
الشيخ: والمتابعة، ولا تمكن المتابعة إلا بمعرفة كيف كان الرسول يفعلها عليه الصلاة والسلام.
انتهينا إلى قول المؤلف رحمه الله: (ويصلي الثانية كذلك ما عدا التحريمة والاستفتاح والتعوذ وتجديد النية).
قال: (ثم يجلس مفترشًا) هذا الجلوس هو الجلوس للتشهد.
(يجلس مفترشًا) مفترشًا أيش؟ مفترشًا رجله اليسرى، أي جاعلًا إياها كالفراش، بحيث يكون معتمدًا عليها؛ ظهرها إلى الأرض، وبطنها إلى أليته.
ومن صفة الافتراش: أن ينصب الرِّجل اليمنى، فتكون اليمنى منصوبة خارجة عن جنبه، واليسرى مفروشة.
يقول: (ويداه على فخذيه) يعني: والحال أن يديه على فخذيه، فتكون الجملة في قوله:(يداه على فخذيه) تكون في موضع نصب على الحال.
(ويقبض خنصر اليمنى وبنصرها) الخنصر: الصغير. والبنصر جاره الذي إلى جنبه.
(ويحلق إبهامها مع الوسطى) يجعلهما كالحلقة هكذا.
هذه إحدى الصفتين، الصفة الثانية: أن يضم الخنصر والبنصر والوسطى، ويضم إليهن الإبهام، وتبقى السبابة مفتوحة. فهاتان صفتان، هل يداوم على إحداهما؟
الجواب: سبق لنا الكلام في هذا، وهو قاعدة في جميع العبادات المتنوعة: هل الأفضل أن يلزم الإنسان نوعًا منها واحدًا أو أن يفعل كل الأنواع؟
طلبة: الثاني.
الشيخ: الثاني هو الصواب، إذا كنت تعلم الأنواع فخذ بكل نوع في موضعه، وذكرنا أن في ذلك فوائد.
طالب: إحياء السنة.
الشيخ: إحياء السنة.
طالب: فيها تمام الاقتداء.
الشيخ: تمام، أيش؟
الطالب: فيها تمام الاقتداء بالنبي بمحمد.
الشيخ: نعم، تمام الاقتداء.
طالب: فيها حضور القلب.
الشيخ: حضور القلب.
طالب: فيها حفظ السنة.
الشيخ: حفظ السنة، وهذا غير إحياء السنة، هذا زيادة عندنا.
قال: (ويحلق إبهامها مع الوسطى، ويشير بسبابتها في تشهده) يعني: يشيع بها عند التشهد، إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله يشير بها، يرفعها هكذا، وقيل: يشير بها عند ذكر اسم الله، كلما ذكر اسم الله عز وجل أشار بها، فمثلًا يقول: التحيات لله، ويشير إلى العلو؛ لأن الله سبحانه وتعالى في العلو فوق كل شيء.
وقيل: يشير في الدعاء، يشير بها في الدعاء فقط، في الجملة الدعائية، وهذا هو الأقرب، ولم أعلم إلى ساعتي هذه أنه يشير بها عند التشهد، ولا عند لفظ الجلالة، وإنما جاء الحديث: يحركها يدعو بها. وهذا يدل على أنها تحرك عند كل جملة دعائية.
ننظر في التشهد: السلام عليك أيها النبي، دعاء أو خبر؟
الطلبة: دعاء.
الشيخ: دعاء. السلام علينا؟
طلبة: دعاء.
الشيخ: دعاء. اللهم صل محمد؟
طلبة: دعاء.
الشيخ: اللهم بارك على محمد؟
الطلبة: دعاء.
الشيخ: أعوذ بالله من عذاب جهنم.
الطلبة: دعاء.
الشيخ: المهم في الدعاء إشارة إلى علو المدعو جل وعلا.
والباقي ذكر بعض العلماء أنها تبقى مرفوعة نوعًا ما ومحنية الرأس –أعني السبابة- والظاهر أنه لا يلزم هذا، يعني يطلق، ولكن لا يضمها إلى الأصابع، لو ضمها إلى الأصابع لكان تعيين ظن الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام عبثًا، ولو شرع أن تضم لكان يضم الخمسة جميعًا هكذا، فهي لا تضم. ولكن هل يبقى رافعًا لها دائمًا؟
لا؛ لأنه لو كان كذلك لم يكن يشير بها عند الدعاء.
وهل يبقى يحركها دائمًا؟
لا، لا يحركها دائمًا، وهذا إلى العبث أقرب منه إلى المشروع، ولا معنى له، كيف يحركها هكذا! كذا رأينا بعض الناس يقول هكذا، هذا يحتاج إلى دليل، أنه يحركها من أول ما يجلس إلى أن ينتهي، يحتاج إلى دليل. فصار الأقوال في الإشارة بها.
طلبة: ثلاثة.
الشيخ: ثلاثة؛ إما في التشهد، وإما عند لفظ الجلالة، وإما عند الدعاء، وهذا أقرب الأقوال.
وهل يكون وضع اليد اليمنى بين السجدتين كهذا؟ نعم، هو هكذا بين السجدتين، وقد ذكر هذا وائل بن حُجْر رضي الله عنه، وقد ذكره ابن القيم في زاد المعاد حكمًا ثم دليلًا، ذكره في زاد المعاد وقال: يفعل هكذا في السجدتين. واستدل بحديث وائل بن حجر، وحديث وائل بن حجر ذكر صاحب الفتح الرباني أن إسناده جيد، وذكر المحشي على زاد المعاد أنه صحيح. وقال بعض الناس: إنه شاذ.
وأنا لا أدري كيف كان شاذًّا؟ هل خالف أحدًا حتى نقول: شاذ؟ لأن من شرط الشذوذ أن يكون فيه مخالفة، ولم أعلم إلى ساعتي هذه -وأنتم ابحثوا- أن وضع اليد اليمنى على الفخذ تكون مبسوطة، وإنما الذي ذُكر أنها مبسوطة هي اليد اليسرى، أما اليد اليمنى ففي بعض ألفاظ حديث ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس للتشهد قبض أصابعه التي تقبض، وفي بعض الألفاظ: إذا قعد في الصلاة.
فهنا عندنا شيء مطلق وشيء مقيد، ومن القواعد المعروفة في أصول الفقه أنه إذا ذكر بعض أفراد المطلق بحكم لا يخالف المطلق فإنه لا يعتبر قيدًا.
ولذلك الذي أدين الله به أن حال اليد اليمنى فيما بين السجدتين كحالها في التشهد، ومن وجد في السنة ما سوى ذلك فليسعفنا به، حتى لا نضل ونُضِلّ؛ لأننا نحن سنعمل به إن شاء الله وعاملون به، ولكن أيضًا لا نضل غيرنا؛ لأن هذه شريعة، لن تجد أبدًا في أي حديث -فيما أعلم بعد البحث- أن اليد اليمنى تكون مبسوطة على الفخذ أبدًا.
ولقد كنت أقرر أن اليد اليمنى تكون مبسوطة بين السجدتين كاليسرى، ويكون الجلوس افتراشًا، في التشهد الأول يكون الجلوس افتراشًا واليد مقبوضة، فهذا فرق بين الجلستين، في التشهد الأخير تكون اليد مقبوضة فيوافق التشهد الأول لكن يختلف عنه في صفة الجلوس.
فأقول: هذا من المناسبة ومن الحكمة أن تكون الجلسات تختلف، يتفق التشهد الأول والجلوس بين السجدتين في أيش؟
طلبة: الافتراش.
الشيخ: في الافتراش. ويختلفان في ..
طلبة: قبض اليد.
الشيخ: في قبض اليد. ويتفق التشهد الأول والأخير في قبض اليد، ويختلفان في الافتراش، كنت أقرر هذا برهة من الزمن، حتى نبهني على ذلك بعض الفضلاء، وأحالني على كلام ابن القيم رحمه الله فراجعته، وإذا هو كما قال، أن وضع اليد بين السجدتين كوضعها في التشهد، ومع ذلك أنا أقول لكم: أرجو منكم إذا وجدتم شيئًا يخالف ذلك فأسعفونا به، نحن نطلب الدليل في هذا وغيره.
أما اليسرى فتبسط على الفخذ، وهذه إحدى الصفتين؛ فيه الصفة الثانية: أن اليد اليمنى تقدم حتى تكون على رأس الركبة، وهي مقبوضة واليد اليسرى تلقم الركبة، تلقم الركبة هكذا، وكلا الأمرين سنة، وإذا فعلت هذا مرة وهذا مرة فهو أفضل على حسب القاعدة التي ذكرناها.
ويقول: (التحيات لله والصلوات والطيبات) التحيات معناها: جميع التعظيمات لله عز وجل. وانظر إلى الجمع و (أل)، (أل) تفيد العموم، والجمع يفيد العموم، أي جميع التعظيمات المطلقة العظيمة لا يستحقها إلا الله عز وجل.
(والصلوات) نص عليها لأن الإنسان يذكر الله تعالى بها في الصلاة، وما المراد بالصلوات؟
المراد بالصلوات المفروضة والنافلة، كلها لله، ولا يجوز أن تصرف إلا لله عز وجل.
(والطيبات) الطيبات تشمل جهتين: من جهة الخالق عز وجل، ومن جهة المخلوق.
أما من جهة الخالق فمعناها أن جميع الأوصاف الطيبة والأفعال الطيبة لمن؟ لله؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ» .
من جهة فعل المخلوق أن الله تعالى لا يقبل إلا الطيب؛ الطيبات من الأعمال، والطيبات من الأعمال ما وافق الشريعة، وما خالف الشريعة فليس بطيب.
إذن الطيبات لها معنيان؛ الطيبات من جهة الخالق، الطيبات من جهة المخلوق؛ فالله تعالى موصوف بالطيب، أفعاله طيبة، أقواله طيبة، أحكامه الشرعية طيبة، أحكامه الكونية طيبة، كل ما صدر منه جل وعلا فهو طيب.
كذلك أيضًا بالنسبة لفعل العبد: ليس لله إلا الطيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، لا من الأعمال، ولا من الأموال، ولا غيرها؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم:«إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا» .
(السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)(السلام عليك) هذا دعاء أو خبر؟
طلبة: دعاء.
الشيخ: نعم. دعاء ولَّا خبر؟
الطلبة: دعاء.
الشيخ: دعاء، نعم، دعاء، تسأل الله تعالى أن يجعل السلام على نبيه عليه الصلاة والسلام، وما هو السلام؟
السلام من كل آفة، في حياة النبي صلى الله عليه وسلم واضح أن ندعو له بالسلامة من كل آفة، وهل بعد مماته يمكن أن تلحقه آفة حتى ندعو له بالسلامة؟
الجواب: نعم، يمكن أن يسطو عدو فاجر على قبره فيستولي على جثته، كما حاول ذلك بعض الملحدين والمنافقين.
أيضًا سلام أعم مما تتصور، وهو سلامة شرعه، فالسلام عليك يشمل سلامته ببدنه عليه الصلاة والسلام، وسلامة شرعه، ولهذا نقول في قوله تعالى:{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر-3]: إن مبغضك هو الأبتر، ومبغض دينك هو الأبتر.
إذن (السلام عليك يا أيها النبي) انتبه يا أخي، أنت كل يوم تصليها، (السلام عليك أيها النبي) على ذاته، وعلى أيش؟
طلبة: شرعه.
الشيخ: وعلى شرعه.
(أيها النبي) أي: يا أيها النبي، والمراد بالنبوة هنا ما يشمل الرسالة.
وقوله: (عليك) فيه إشكال، وهو وجود كاف الخطاب، وكاف الخطاب مخاطبة للآدمي، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» . فما الجواب عن هذه الشبهة؟
الجواب: أن الذي يقول في صلاته: (السلام عليك أيها النبي) لا يريد أن هذا كخطابه فيما لو مر به. أليس كذلك؟
طلبة: بلى.
الشيخ: الآن حتى الذين يصلون وراء النبي صلى الله عليه وسلم لا يعتقدون أن قولهم: (السلام عليك أيها النبي) كقولهم: (السلام عليك يا رسول الله) إذا مروا به، ولذلك لا يترقبون من الرسول صلى الله عليه وسلم إجابة، ولا هم يجهرون بها حتى يسمع.
فإذا قال قائل: إذن ما الفائدة؟ لماذا لا نقول: السلام على النبي؟
قلنا: الفائدة قوة استحضار الإنسان لمن يدعو له، كأنه أمامه يخاطبه، وليس كالخطاب المعتاد، انتبه، أفهمتهم الآن ولَّا هذه فيها إشكال؟ أن تخاطب النبي صلى الله عليه وسلم وأنت تصلي، والصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس.
فنقول: الجواب: أن هذا ليس كالخطاب المعتاد الذي يقوله الإنسان حين يمر بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا لقوة استحضاره كأنه أمامه، فيقول:(السلام عليك أيها النبي).
ومن المعلوم أنك إذا قلت: (السلام عليك أيها النبي) بمجرد ما تلفظ بها تبلغ الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
من يبلغها؟ الملائكة تبلغها إياه بأبي هو وأمي، طيب، من أجل ذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه: كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي: السلام عليك أيها النبي، فلما مات كنا نقول: السلام على النبي. فهل نحن نقول كما قال ابن مسعود؟
لا، هذا اجتهاد من ابن مسعود لكنه ليس بصواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أمته التشهد، ولم يقل: تشهدوا بهذا ما دمت حيًّا، فإذا مت فقولوا: السلام على النبي، ولأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهو أفقه من ابن مسعود وأعلم من ابن مسعود، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه:«إِنْ يَكُنْ فِيكُمْ مُحَدَّثُونَ فَعُمَرُ» قال على منبر النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مالك في موطئه بإسناد من أصح الأسانيد، قال وهو يعلم الناس التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، قالها على ملأ من الصحابة، ولم يقم واحد منهم فيقول: يا أمير المؤمنين، كنا نقول كذا وكذا. فلذلك كان الصواب ما عليه عامة الأمة أن تقول:(السلام عليك أيها النبي).
ومن المعلوم أن الناس في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام يقولون: (السلام عليك أيها النبي)، وهم في بلاد أخرى لا يسمعها الرسول، ولا يتوقع أن يسمعها، وكذلك من في مسجده؛ الصفوف المؤخرة وأطراف الصفوف لا يقصدون بهذا أن الرسول يسمعهم حتى نقول: إن المخاطب الآن في الأرض مدفون. ولكن بهذا وأمثاله مما يقع من فقهاء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم يتبين لك قصور الإنسان، وأن الإنسان مهما أوتي من العلم والفقه فإنه قاصر، {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف- 76] إلى أن ينتهي إلى من؟ إلى عالم الغيب والشهادة عز وجل، وكل إنسان يؤخذ منه قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم (
…
).
***
طالب: أما بعد، فقد قال المصنف رحمه الله تعالى: ثم يقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ويستعيذ من عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال، ويدعو بما ورد.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
انتهينا في صفة الصلاة والحمد لله إلى؟
طلبة: التشهد الأول.
الشيخ: التشهد الأول (التحيات لله والصلوات والطيبات) فما معنى التحيات؟
طالب: التعظيمات.
الشيخ: نعم، يعني جميع التعظيمات ثابتة لله عز وجل.
الطيبات؟
طالب: الطيبات نوعان: طيبات تتعلق بالخالق، وطيبات تجب لله عز وجل وتتعلق بالمخلوق؛ فإن كل ما وافق الشرع فإن الله عز وجل يقبله.
الشيخ: يعني معنى الطيبات من أقواله سبحانه وتعالى وأفعاله وأحكامه، والطيبات من أفعال الخلق.
إذن لا يمكن أن يوصف الله تعالى بخلاف الطيب، كذا أن تقول: الطيبات لله، ولا يتقرب إليه بالخبيث؛ لأنك تقول: الطيبات لله.
(السلام عليك أيها النبي) السلام على النبي بعد موته؟
طالب: تتضمن الدعاء بالسلامة لجسده من أن يعتدي عليه أحد.
الشيخ: بسلامة جسمه أن يعتدي عليه أحد؛ لأنه قد حاول بعض الأشقياء أن يصل إلى جسمه الشريف ويأخذه. هذه واحدة.
الطالب: ثانيًا: الدعاء لشريعته بالسلامة.
الشيخ: نعم. الدعاء بالسلامة على الرسول يشمل الدعاء بسلامة شريعته، وما أكثر الذين يحاولون هدم هذه الشريعة، عقيدة وعملًا ومعاملة، أليس كذلك؟
طلبة: بلى.
الشيخ: وقوله: (ورحمة الله وبركاته) بدأ بالسلام قبل الرحمة؛ لأن السلام فيه الخلو من الآفات، والرحمة فيها حصول الخيرات.
(وبركاته) جمع بركة، وهو أن يبارك الله سبحانه وتعالى لهذا الرسول الكريم بالعمل وبكل شيء. ولقد بارك الله عليه. من أكثر الأنبياء تابعًا؟
طلبة: الرسول صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء تابعًا، ومن بركته عليه الصلاة والسلام، أو من بركة الله عليه أن جعل من أمته العلماء الربانيين والعباد الأتقياء، فإن كل عملٍ يقوم به واحد من هذه الأمة فللنبي صلى الله عليه وسلم مثل أجره، كل عمل، من يحصي الأمة؟ لا يحصيهم إلا الذي خلقهم.
ولهذا كان من الخطأ -وإن شئت فقل: من السفه- أن يُهدي الإنسان ثواب شيء من الأعمال الصالحة للرسول عليه الصلاة والسلام، يعني لا يشرع أن تضحي له، أو أن تحج له، أو أن تتصدق له، هذا غير مشروع.
قد يقول العامي: أعوذ بالله، غير مشروع! أتصدق عن أبوي، ولا أتصدق عن رسول الله؟ نعم ربما يقول هكذا. فنقول: نعم، رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ أجرك قبل أن تُهديه، أليس كذلك؟ لو تصدقت لنفسك فللرسول مثلك، فما إهداؤك ثواب الصدقة للرسول إلا حرمان نفسك من ثوابها فقط، وإلا فالأجر واصل.
ولهذا كان أفقه الأمة بشريعة الله لم يفعلوا ذلك بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام، ما منهم أحد ضحّى عنه، أو اعتمر عنه، أو حج عنه، أبدًا، ولهذا نعتبر هذا الأمر بدعة، وكل بدعة.
طلبة: ضلالة.
الشيخ: ضلالة.
(السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) سبحان الله، ما أحسن هذا الترتيب، بدأ أولًا بحق الله عز وجل، ثم بحق الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بحقنا أنفسنا، ثم بحق عباد الله الصالحين، ترتيب عظيم، يُبدأ بالأهم فالأهم.
(السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) هل نعتبر أنفسنا داخلين في قوله: (عباد الله الصالحين)؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، وعليه فيكون تعميمًا بعد؟
الطلبة: تخصيص.
الشيخ: تخصيص.
(وعلى عباد الله الصالحين) من الصالحون؟
الصالحون هم الذين قاموا بحق الله وحق العباد، لكن إن كمّلوا ذلك بالمكملات التحقوا بالصديقين والشهداء.
(أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) اللهم توفنا عليها يا رب العالمين.
الشيخ: (أشهد أن لا إله إلا الله) يعني أعترف بلساني، موقنًا بقلبي أن لا إله إلا الله، وأن جميع الآلهة سوى الله باطلة؛ لقول الله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج: 62] لكن هل يسمى ما دونه آلهة؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، بنص القرآن:{فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} [الشعراء: 213]، {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} [هود: 101]. لكن كل الآلهة باطلة إلا الله عز وجل، إذن:(أن لا إله إلا الله) يعني: لا يوجد إله حق أيش؟
طلبة: إلا الله.
الشيخ: إلا الله، ولذلك كان أصح الأقاويل في خبر (لا) النافية للجنس أنه محذوف، وتقديره: حق، لا إله حق إلا الله.
وما معنى (إله)؟
قال العلماء: (إله) بمعنى مألوه، يعني لا مألوه، أي: لا أحد تألهه القلوب، وتحن إليه، وتحبه، وتعظمه، وترجوه، وتخافه، وتتوكل عليه إلا الله عز وجل.
(وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) وهذه العبودية أخص أنواع العبودية؛ لأن العبودية قسمان: عامة وخاصة. والخاصة قسمان أيضًا: خاصة أخص، وخاصة فوق ذلك.
العبودية العامة: هي التذلل لله عز وجل كونًا وقدرًا، هذه عامة لا أحد يخرج منها:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 53]. الكفار عبيد لله بهذا المعنى؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، لا يمكن أن يشذوا عن حكمه الكوني.
العبودية الخاصة: هي التعبد لله تعالى شرعًا، والذل له شرعًا. ثم هذه العبودية الخاصة تنقسم إلى قسمين: أخص، وفوق ذلك.
أخص العبوديات الشرعية هي: عبودية الرسل عليهم الصلاة والسلام، هم أعبد الناس لله. وللرسول صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله، أخصها وأعظمها.
(عبده ورسوله)(ورسوله) يعني مرسله؛ لأن الله تعالى أرسله إلى من؟
طلبة: إلى الناس أجمعين.
الشيخ: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} [النساء: 79]، كل الناس.
وفي هذا ردٌّ على طائفتين منحرفتين غاية الانحراف:
الطائفة الأولى: غلت بالرسول عليه الصلاة والسلام حتى أنزلته فوق العبودية، وجعلته في منزلة الرب، بل ربما يكون أعظم عندهم من الرب؛ ولذلك تجد عندهم من انكسار النفس والذل إذا ذكر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكثر مما يكون عندهم إذا ذكر الله، حتى إنهم ليدعونه ويسألونه تفريج الكربات.
ورد على طائفة أخرى منحرفة وهي المكذبة للرسول، الذين يقولون: إنه ليس برسول.
فعبده ورسوله ترد على أيش؟ الطائفتين؛ الغالية فيه، والجافية عنه.
(وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) هذا التشهد الأول يقتصر عليه، ثم يقوم ليقضي بقية صلاته إن كان في ثلاثية أو رباعية.
لكن المؤلف رحمه الله أكمل التشهد فقال: (اللهم صل على محمد).
(اللهم) أصلها يا الله، لكن حصل فيها تصريف وهو حذف ياء النداء، وعوضت عنها الميم، ولم تُجعل الميم في مكان الياء تيمنًا بالابتداء بذكر الله عز وجل، واختصت الميم من بين سائر الحروف لأن الميم دالة على الجمع، فكأن الإنسان إذا قال:(اللهم) قد جمع قلبه على من؟ على الله عز وجل، فيدعوه.
وقوله: (اللهم صل على محمد) اختلف العلماء في معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استحسن كثير من العلماء قول أبي العالية الرياحي رحمه الله: إن صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
(على محمد وعلى آل محمد) من الذي علم الأمة هذه الصيغة؟
طلبة: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: من؟
طلبة: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: النبي صلى الله عليه وسلم. النبي.
طلبة: نعم.
الشيخ: من أعلم الناس بحق الرسول؟
الطلبة: هو صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: الرسول صلى الله عليه وسلم، من أنصح الناس في توجيههم للخير؟
الطلبة: الرسول صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: الرسول. أقول ذلك لأنا نسمع أن بعض الناس يقول: اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد. من أين جاءوا بهذه الصيغة؟
نحن والله نعتقد أن محمدًا رسول الله سيدنا، وليس عندنا في ذلك شك، لكن من تمام سيادته ألا نتجاوز ما علمنا ونزيد عليه؛ ولهذا نقول: إن من قالوا: اللهم صل على سيدنا محمد هم إلى الإثم أقرب منهم إلى السلامة، إلى الإثم. أما الأجر ما لهم أجر؛ لأنهم زادوا في دين الله ما ليس منه، نحن نعلم أن الرسول سيدنا، ونقول كما قال عليه الصلاة والسلام:«أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ» ، لكن من سيادته علينا ألا نتجاوز ما علمنا.
الآن: (اللهم صل على محمد) ما قلنا: على رسول الله؛ لأننا أثبتنا ذلك في الأول: (السلام عليك أيها النبي).
فإذا قال قائل: أليس الله تعالى يقول: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63]؟ قلنا: بلى، قال الله ذلك، لكن ما معنى الآية؟ هل معناها: إذا ناديتموه لا تجعلوه كما تنادون -ينادي بعضكم بعضًا- ولكن نادوه بالنبوة أو بالرسالة؟ أو المعنى: لا تجعلوا دعاءه إياكم كدعاء بعضكم بعضًا، إن شئتم أجبتم وإن شئتم لا تجيبون؟
طلبة: كلاهما.
الشيخ: كلاهما، يعني: لا تدعوه باسمه كما يدعو بعضكم بعضًا، ولا تجعلوا دعاءه إذا دعاكم كدعاء بعضكم بعضًا؛ إن شئتم أجبتم وإن شئتم فلا.
قلنا: بلى لكن دعاءه إنشاء، و (اللهم صل على محمد) إخبار، وباب الإخبار أوسع من باب الإنشاء؛ فلذلك ينهى الرجل أن يقول: يا محمد، ولكن لا ينهى أن يقول: اللهم صل على محمد، بل هذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(وعلى آل محمد) من آله؟ آله قرابته؟ المؤمنون من أمته؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: نعم، قال بعض الناس: الآل هم الأقارب. وهذا لا شك فيه، لكننا نعلم أننا إذا قلنا: إن آل الرسول أقاربه على الإطلاق دخل فيهم أبو لهب؛ ولهذا قال الشاعر أو الناظم:
آلُ النَّبِيِّ هُمُ أَتْبَاعُ مِلَّتِهِ
مِنَ الْأَعَاجِمِ وَالسُّودَانِ وَالْعَرَبِ
لَوْ لَمْ يَكُنْ آلُهُ إِلَّا قَرَابَتَهُ
صَلَّى الْمُصَلِّي عَلَى الطَّاغِي أَبِي لَهَبِ
لكنا نقول: الصحيح أن الآل إن قرنت بالأصحاب والتابعين فالمراد بها المؤمنون من قرابته، وأول من يدخل فيهم زوجاته، وأما إذا ذكر مفردًا مثل التشهد فالمراد بهم المؤمنون من أمته.
فإن قال قائل: وهل تأتي (آل) في اللغة العربية بمعنى الأتباع؟
الجواب: نعم، اقرأ قول الله تعالى:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]، آله يعني أتباعه، وليس المراد قرابة فرعون فقط.
(كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) نزاع كثير على قولك: (كما صليت على إبراهيم) ووجه النزاع أنهم قالوا: إن المشبه أدنى حالًا من المشبه به.
اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ كما صَلَّيْتَ على آلِ إبراهيمَ وعلى آلِ محمَّدٍ كما صَلَّيْتَ على آلِ إبراهيمَ إنك حَميدٌ مَجيدٌ، وبارِكْ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ كما بارَكْتَ على آلِ ابراهيمَ إنك حَميدٌ مَجيدٌ " ويَستعيذُ من عذابِ جَهنَّمَ وعذابِ القَبْرِ وفِتنةِ الْمَحْيَا والْمَمَاتِ وفِتنةِ المسيحِ الدَّجَّالِ، ويَدعو بما وَرَدَ، ثم يُسَلِّمُ عن يمينِه " السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ " وعن يَسارِه كذلك، وإن كان في ثُلَاثِيَّةٍ أو رُباعيَّةٍ نَهَضَ مُكَبِّرًا بعدَ التشَهُّدِ الأَوَّلِ وصَلَّى ما بَقِيَ كالثانيةِ بـ (الحمدُ) فقط ثم يَجْلِسُ في تَشَهُّدِه الأخيرِ مُتَوَرِّكًا، والمرأةُ مثلُه لكن تَضُمُّ نفسَها وتُسْدِلُ رِجْلَيْهَا في جانِبِ يَمِينِها.
أفضل من إبراهيم عليه الصلاة والسلام وآله، النبي وآله أفضل من إبراهيم وآله.
فقال بعض العلماء: إن قوله: كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، مِن آل إبراهيم محمد عليه الصلاة والسلام، فيكون هذا قد ذكر مرتين، مرة: صلِّ على محمد وآل محمد، ومرة: كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
لكن هذا الجواب فيه نظر؛ لأن الجملة الثانية ما هي دعاء، الثانية خبر. وقال بعضهم: إنه لا يمنع أن يكون المشبه أقوى من المشبه به، وإن كان هذا نادرًا، لكن هذا من النادر.
والقول الراجح في هذه المسألة أن الكاف هنا ليست للتشبيه، وإنما هي للتعليل، فيكون المعني: على محمد وآل محمد؛ لأنك صليت على إبراهيم، فيكون هذا من باب التوسل بفعل الله على نظيره، والتوسل بفعل الله على نظيره مشروع.
فإذا قال قائل: وهل تأتي الكاف للتعليل؟
فالجواب: نعم، واسمع كلام الإمام ابن مالك رحمه الله في الألفية يقول:
شَبِّهْ بِكَافٍ .................
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
من يحفظ البيت؟ شَبِّه بِكافٍ، واحد، اثنان ثلاثة، سبحان الله! ! طالب العلم لا ينبغي أن يدع حفظ الألفية.
شَبِّهْ بِكَافٍ وَبِهَا التَّعْلِيلُ قَدْ
يُعْنَى وَزَائِدًا لِتَوْكِيدٍ وَرَدْ
احفظ البيت أعيده:
شَبِّهْ بِكَافٍ وَبِهَا التَّعْلِيلُ قَدْ
يُعْنَى وَزَائِدًا لِتَوْكِيدٍ وَرَدْ
الشاهد قوله:
.... وَبِهَا التَّعْلِيلُ قَدْ
يُعْنَى ..........................
فنقول: الكاف هنا للتعليل وليست للتشبيه، وإذا قلنا للتعليل بطل الإشكال من أصله، وانتهى الإشكال من أصله، وانتهى الدرس في نهاية وقته (
…
).
***
طالب: وبارك على محمد.
الشيخ: أنا عندي (كما صليت على آل إبراهيم) عندكم هكذا؟
طالب: على آله.
الشيخ: على آل إبراهيم.
طالب: وعلى محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، ويستعيذ من عذاب جهنم وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال، ويدعو بما ورد، ثم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
ذكر المؤلف بقية التشهد عند قوله: (اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم) وذكرنا الإشكال الذى أورده بعض العلماء على قوله: (كما صليت على إبراهيم).
وذكرنا فيه جوابين أصحهما أن الكاف؟
طلبة: للتعليل.
الشيخ: للتعليل، وإذا كانت للتعليل كانت من باب التوسل إلى الله تعالى بأفعاله السابقة إلى أفعاله اللاحقة المطلوبة؛ يعني كأنه يقول: إنه يا ربنا، أنت صاحب الكرم والجود، تكرمت على إبراهيم وآله، وصليت عليهم، وباركت عليهم، فصلِّ وبارك على محمدٍ وآله، وإبراهيم هو الخليل؛ خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام، تنازع فيه اليهود والنصارى والمسلمون، فلمن حكم الله؟
طلبة: للمسلمين.
الشيخ: حكم الله للمسلمين، فقال جل وعلا:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: 67].
(إنك حميد مجيد)(حميد) فعيل بمعنى (فاعل)، وبمعنى (مفعول)، بمعنى (فاعل)؛ لأنه عز وجل يحمد من يستحق الحمد من المؤمنين المتقين، وبمعنى (محمود)؛ لأنه سبحانه وتعالى محمود على إنعامه على كمال صفاته.
وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا أتاه ما يسره قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ» ، وإذا أتاه خلاف ذلك قال:«الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» (1).
والعبارة المشهورة عند بعض الناس الحمد لله الذى لا يحمد على مكروه سواه، هذه مُنكَرة؛ لأن قائلها يُنبئ تمامًا على عدم رضاه بقضاء الله، وأنه كاره له، ولكن الله يحمده عليه، وخير الهدي هدي مَنْ؟
طلبة: محمد صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: هدْي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد كان يقول: إذا أتاه ما يسوؤه «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» ، إذن حميد بمعنى حامد، وبمعنى محمود.
يقول حسان بن ثابت في مدح النبى صلى الله عليه وسلم:
وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ
فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ
أما مجيد فهي بمعنى اسم الفاعل؛ أى: ذو مجدٍ عظيم، والمجد صفات العظمة، اقرأ:{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1] تجد أن في آياتها ذكر المجد والعظمة لله عز وجل لإذلال من يكونون كالذين عذبوا أصحاب الأخدود.
(وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد)؛ يعني أنزل البركة فيهم، والبركة كثرة في الخيرات، وساعته وثباته ودوامه؛ لأنها مشتقة من (البِرْكة)، وهي حوض كبير يجتمع فيه الماء، فالمراد بالبركات كثرة الخيرات وثبوتها ودوامها.
(على محمد وعلى آل محمد) وسبق تفسيرها.
(كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)، وهذا التشهد ورد على روايات؛ منها ما ذكر المؤلف:«كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ» «كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ» (2).
رواية أخرى: «كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ» و «كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ» (3).
الرواية الثالثة: الجمع بينهما: «كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ» ، «كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ» (4).
فهل نقول: إن هذا من باب زيادة الثقة أو نقول: من باب تنوع العبادات؟
يُنظر إلى مخرج الحديث؛ إذا كان مخرج الحديث واحدًا، فهذا من باب زيادة الثقة، أما إذا كان متعددًا فإن كل طريق يُعتبر نوعًا آخر.
وقد ذكر بعض الفضلاء أنه لم يصح الجمع بينهما، لكنه ثابت في صحيح البخارى (
…
) الإجماع.
(ويستعيذ بالله من عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال) هذه أربع، أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يستعيذ الإنسان منها في التشهد الأخير، كما جاء ذلك مصرحًا به في مسلم:«إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمُ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ» (5). فيه إشارة إلى أن التشهد الأول ليس محلًّا للدعاء، فلا ينبغي تطويله، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخففه حتى كأنما هو على الرضف (6) وهي الحجارة الحامية.
(أعوذ بالله من عذاب جهنم) جهنم: اسم من أسماء النار، والاستعاذة معروفة لكم ما هي؟
طلبة: الاعتصام بالله.
الشيخ: الاعتصام، واللجوء إلى الله عز وجل (من عذاب جهنم)، وكان من دعاء عباد الرحمن:{رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65].
(ومن عذاب القبر) عذاب القبر: ما يكون قبل يوم القيامة، والمراد بالقبر هنا ما هو أعم من الحفرة التى يُدفن فيها الإنسان؛ إذ إن المراد به البرزخ الذي بين موت الإنسان وقيام الساعة، كما قال عز وجل:{وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100].
وإذا قلنا بهذا فلا فرق بين أن يُدفن الإنسان في البر، أو يغوص في البحر، أو تأكله السباع، أو تذروه الرياح، فكل هذا يسمى قبرًا، ويُعذَّب فيه الإنسان.
عذاب القبر ثابت بالقرآن والسنة؛ أما القرآن، فقال الله تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} يعني سكراته {وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} [الأنعام: 93] الله أكبر! إنهم لشاححون بها، لا يريدون أن تظهر؛ لأنهم بُشِّروا قبلها بالغضب، والعياذ بالله؛ غضب الله عليهم، فلا يريدون أن تخرج؛ ولهذا باسطو أيديهم هكذا {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} ، وفي هذا دليل على أن الملائكة لهم أيدي كما لهم أجنحة. {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} ، اليوم (أل) هنا للعهد؟
طلبة: الحضوري.
الشيخ: الحضوري {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} ، وهذا صريح، ومن ذلك قوله تعالى في آل فرعون:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} أعوذ بالله! {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] إذن يُعرضون عليها غدوًا وعشيًّا متى؟ قبل الساعة ولَّا بعدها؟
الطلبة: قبل الساعة.
الشيخ: قبل الساعة، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} .
وقال الله تعالى في قوم نوح: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} [نوح: 25]، والفاء تدل على الترتيب والتعقيب قد {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} .
أما السنة فإنها متواترة بذلك، لو لم يكن منها إلا هذا الحديث الذي يقرؤه المسلمون، كلهم في كل صلاة، يقرؤونه، يقولون: نعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» (7)، فأمر أن نتعوذ بالله من عذاب القبر في كل وقت، ويتأكد ذلك في الصلاة.
(ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال)(فتنة) اختبار، (المحيا) الحياة، (الممات) الموت، وهل للمحيا فتنة؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، له فتنة، فتنة المحيا ترجع إلى شيئين: شُبهه وشهوة؛ شُبهة يضل بها الإنسان، ولا يعرف الحق فيضيع، شهوة يعرف الحق، لكن لا يريده، وأيهما أشد؟
طلبة: الثانية.
الشيخ: الثانية أشد؛ لأن الأول الذي لا يعرف الحق ربما إذا عرفه استقام، فتعود فتنة المحيا إلى هذين الأمرين: الشبهات -نعوذ بالله- أو الشهوات.
(الممات) هل المراد الفتنة بعد الموت أو الفتنة عند الموت أو كلاهما؟
طلبة: كلاهما.
الشيخ: الصحيح أنه كلاهما، الفتنة بعد الموت؛ يفتن الإنسان في قبره، يُسأل عن ربه ودينه ونبيه، الفتنة عند الموت؛ أشد ما يكون، وأحرص ما يكون الشيطان على بني آدم عند موته؛ لأنها الساعة الحاسمة؛ إما إلى الجنة وإما إلى النار، أحسن الله لي ولكم الخاتمة.
فإذا قال قائل: الفتنة في هذا الوقت داخلة في فتنة المحيا.
فيقال: نص عليها؛ لأنها أخطر ما يكون، وقد ذُكر أن الإمام أحمد رحمه الله في سياق الموت تأتيه إغفاءة فيسمعونه يقول: بعد بعد، فإذا أفاق قالوا: يا أبا عبد الله، ما بعد بعد؟
قال: إن الشيطان يعض أنامله أمامي، يقول: فتني يا أحمد، فأقول: بعد بعد؛ لأن الإنسان ما دام لم تخرج روحه من بدنه فهو على خطرٍ عظيم.
إذن نص على فتنة الممات -أي: التي عند الموت- ليش؟ لخطرها وعظمها، كما نص على فتنة الدجال.
(فتنة المسيح الدجال) المسيح ولا المسيخ؟
طلبة: المسيح.
الشيخ: المسيح، خلافًا لمن قال: عيسى مسيح، والدجال مسيخ، نقول: الله أكبر، أنت أعلم من الرسول عليه الصلاة والسلام؟ ! الرسول قال: مسيح، سُمِّيَ مسيحًا؛ لأنه يمسح الأرض ويجوبها يمينًا وشمالًا وبسرعة، أما المسيح عيسى ابن مريم فلأنه لا يمسح ذا عاهة؟
طلبة: إلا برأ.
الشيخ: إلا برأ، المسيح الدجال فتنته عظيمة حتى إن جميع الأنبياء أنذروا به قومهم لأهميته وخطره، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما من فتنة منذ خُلق آدم إلى قيام الساعة أشد من فتنة الدجال (8)، ووالله إنها لعظيمة، يأتي ويأمر وينهى، فمن أطاعه أصبح مبسوطًا في الدنيا، ومن عصاه أصبح خاسرًا في الدنيا، حتى يأتي القبيلة يدعوهم وهم مُمحلون ما فيه مطر، ما فيه نبات، فيدعوهم فيجيبونه ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتُنبت، ما هذه الفتنة يا جماعة؟ فتنة عظيمة، ويأتي الآخرون على العكس من ذلك إذا لم يجيبوه أصبحوا ممحلين؛ فتنة عظيمة.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ» -اللهم اجزهِ عنا خيرًا- «وَإِلَّا فَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» (9) ونعم الخليفة، فأمره عظيم. والدجال: كثير الدجل، وهو الكذب والتمويه.
وقوله: (ويدعو بما ورد) ليته عبر بما عبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، بماذا عبر؟
طلبة: بما أحب.
الشيخ: «بِمَا أَحَبَّ» (10). أما أن نقيد ونقول: بما ورد، غير صحيح؛ لأن الدليل يدل على أننا ندعو بما ورد بما أحببنا، صحيح أن الأدعية الواردة أفضل من غيرها وأبرك وأجمع، لكن قد يكون الإنسان له إرادات، أرأيت لو أن الإنسان في زمن الاختبار، ولما انتهى من التشهد قال: اللهم نجِّحني، واجعل درجاتي خمسة وتسعين في المئة، أما تكفيه؟ ما تكفي، تسعين في المئة، أستغفر الله! واجعل درجاتي مئة في المئة، يجوز هذا ولَّا لا؟
الطلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز.
الطلبة: نعم، يجوز.
الشيخ: يجوز، يدعو بما أحب، لو قال مثلًا: اللهم ارزقني بيتًا واسعًا، يجوز؟
الطلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز، لو دعا في شيء من أمور الدنيا كاللهم اجعل مالي كمال فلان أنفقه في سبيلك، يجوز ولَّا لا؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: أتمتع به فيما أبحت لي.
الطلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز، إذن نقول: الصواب أن يقال: يدعو بما أحب، هذا الصواب من خير الدنيا والآخرة، وأما قول بعض العلماء رحمهم الله: إذا دعا بشيء من أمور الدنيا بطلت صلاته، فلا وجه له، الإنسان يدعو ربه، وجاء في الحديث:«لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَتَّى شِرَاك نَعْلِهِ» (11)، يعني حتى الشيء الزهيد، اسأل الله.
(ويدعو بما ورد)، والصواب: ويدعو بما أحب.
(ثم يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك)
(يسلم عن يمينه) يعني: كل السلام من حين ما يقول: السلام ينصرف يعني يصرف وجهه.
أما بعض الناس يقول: السلام عليكم ورحمة الله، يخلي السلام كله على القبلة، والانحراف على في (عليكم) فقط من أين هذا؟ لا وجه له، من حين ما تبدأ بالسلام التفت حتى تكون (عليكم) عند الالتفات الكامل للمأمومين، وفي اليسار؟
طلبة: كذلك.
الشيخ: كذلك في اليسار، وعلى هذا لا وقوف بين السلامين، السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، ويكون الانصراف عن يساره أكثر قليلًا، هذا هو المشروع.
هذا السلام فيه الخروج من الصلاة، وهو على القول الصحيح: ركن فيها، لا تصح الصلاة بدونها بدون السلام، وأما من قال: إنه إطلاق من محذور؛ لأنه خطاب آدمي، فكأنه تكلم لتبطل صلاته -فسبحان الله- قول ضعيف هذا؛ لأننا لو قلنا: إنه إطلاق من محذور، لكان الإنسان إذا فعل أي مبطل للصلاة خرج منها.
ولذلك يُذكر أن بعض العلماء كان يشير على أحد الخلفاء أن يدع مذهبًا معينًا، لكن الخليفة متمسك به، فقال: يا أمير المؤمنين، أتريد أن أصلي لك صلاة هذا المذهب؟ قال: نعم، صلِّ. قال: الله أجل، بدل الله أكبر؛ لأن المقصود التعظيم، الله أجل {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64]، وركع، بلا تكبير ولا تسبيح، ويرفع كذلك، ولا طمأنينة، فلما انتهى عند آخر الصلاة فسا، ليش؟ لأنه فاعل محظور، وانتهت الصلاة، قال: هذا؟ قال: نعم، هذا تجزئ الصلاة عندهم، فعدل عنه، وهذا من ذكاء بعض العلماء.
ألم يمر علينا أن بعض الخلفاء كان يرى مذهب ابن عباس في جواز الاستثناء، ولو طال الفصل، وهذا لا شك أنه قول ضعيف، وإن كان ينجو به الإنسان من الإثم، لكنه قول ضعيف، فحمل هذا الخليفة على أحد العلماء الذي قال: إنه لا يجوز، قال: كيف تخالف ابن عباس؟ قال: يا أمير المؤمنين، لو أنا أخذنا بقول ابن عباس لكان الرجل يبايعك ويحلف لك، فإذا خرج قال: إن شاء الله انحلَّت البيعة، قال: هكذا؟ قال: الصواب ما قلت.
فالمهم أن هذه من ذكاء بعض العلماء أن يُلزم الخلفاء بما فيه المنفعة، والله الموفق، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي محمد، وإلى (
…
).
***
طالب: ثم يجلس في تشهده الأخير متوركًا والمرأة مثله، لكن تضم نفسها، وتسدل رجليها في جانب يمينها.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، بقية صفة الصلاة.
تقدم لنا ما ساقه المؤلف رحمه الله إلى قوله: (ويدعو بما ورد) وقلنا: إن هذه عبارة فيها؟
طالب: قصور.
الشيخ: قصور، وفيها تحديد، وفيها تضييق لما وسع الله، والصواب: يدعو بما أحب من أمور الدين وأمور الدنيا؛ لأنه هكذا جاءت السنة.
(ثم يُسلِّم) أي المصلي (عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك)، وتكلمنا على هذا.
والسلام سيأتينا -إن شاء الله- في الأركان أنه ركن من أركان الصلاة، وهل يجب أن ينوي به الخروج من الصلاة أو لا؟ والمسألة لا تخلو من ثلاث حالات؛ إما أن ينوي به الخروج من الصلاة، وهذا أحسن شيء، وإما أن ينوي به السلام على من يمينه أو يساره، وفي إجزاء ذلك وجهان للعلماء، أو قولان للعلماء، منهم من قال: إنه إذا نوى السلام على يمينه، وعلى يساره بطلت صلاته.
ومنهم من قال: لا تبطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ مِنْ عَلَى يَمِينِهِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ مِنْ عَلَى يَسَارِهِ» (12).
الحالة الثالثة: ألا ينوي شيئًا، سلَّم على أن هذا شيء مشروع في الصلاة واجب، أو ركن ولم ينوِ شيئًا، هذا يجزئه لا شك، وهذا في الغالب هو الذي عليه أيش؟ أكثر الناس، ما يشعر ذاك الساعة أنه يريد الخروج من الصلاة، ولا أنه يسلم على من يمينه وعن يساره.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا يزيد: (وبركاته)، بل يقول: السلام عليكم ورحمة الله في اليمين والشمال، وهذا الذى عليه جمهور العلماء.
وقيل: إنه يزيد: (وبركاته) في السلام الثاني، أو في السلام الأول، أو فيهما، وهذا مبني على صحة الحديث؛ فإن صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعلى العين والرأس، ولكن نقول: ذلك أحيانًا لا داعي له، وإن لم يصح فقد كُفينا همه، وقد أشرنا إلى هذه القاعدة في باب المناظرة، وأن الإنسان إذا استدل عليك بحديث أو بقول مأثور عن الصحابة فطالبه أولًا؟
طلبة: بصحة النقل.
الشيخ: إي، بصحة النقل، فإذا لم يصح كُفيت همَّه، وإن صح فحينئذٍ يُنظر في أمره.
(وإن كان في ثلاثية كالمغرب، أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء نهض مكبرًا بعد التشهد الأول)(نهض) أي: قام، وظاهر كلامه أنه لا يقوم معتمدًا على يديه؛ لأن كلمة (نهض) تعطي أنه ينهض بسرعة وبقوة ونشاط.
فينهض (مكبرًا) في حال النهوض؛ لأن جميع التكبيرات والتسمية والتحميد يكون في حال الانتقال إلا قول المنفرد والإمام: (ربنا ولك الحمد)، فيكون بعد تمام القيام.
يقول: (نهض مكبرًا) بدون أن يعتمد على الأرض، إلا أن يكون محتاجًا؛ لذلك كالكبير والمريض وما أشبه ذلك.
وقد أنكر النووي رحمه الله حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم ضامًّا كفيه كالعاجِن قال: هذا لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وبعض العلماء قال: إنه صحيح، ولكن سواء قام عاجنًا أو قام باسطًا يديه على الأرض، الأمر في هذا واسع، إنما المهم ألا يفعل إلا عند الحاجة.
وقال: (بعد التشهد الأول)، التشهد الأول الذي أنهاه المؤلف رحمه الله عند قوله:(أن محمدًا عبده ورسوله) قال: (هذا التشهد الأول) وعلى هذا فإذا قال: (أن محمدًا عبده ورسوله) ينهض، ولا يزيد على هذا، إلا إذا كان مأمومًا واستمر الإمام فإنه لا يسكت، يكمل حتى لو كمل التشهد كله؛ لأنه تابع لإمامه، والصلاة ليس فيها سكوت.
وقال بعض أهل العلم: حتى المأموم لا يزيد، وإذا كان الإمام أطال الجلوس فإنه يكرر التشهد؛ لأن ذلك -أي: الزيادة- لم ترد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكن الأقرب عندي أنه لا يكرر، بل يستمر.
قال: (وصلِّ ما بقي كالثانية)(صلِّ ما بقي) ويش اللي يبقى؟
طالب: إن كانت ثلاثية فركعة؟
الشيخ: إن كانت ثلاثية فركعة، إن كانت رباعية فركعتان.
(كالثانية) أي: بدون استفتاح ولا تعوذ، ولكنه استثنى، قال:(بالحمد فقط)؛ يعني بالفاتحة فقط، ولا يزيد، وهذا القول هو الراجح؛ أنه لا زيادة في الركعتين على الفاتحة؛ لأن حديث أبي قتادة رضي الله عنه صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الأخريين بالفاتحة فقط (13)، وهو أولى من حديث أبي سعيد.
من وجهين؛ الوجه الأول: أولًا: حديث أبي سعيد، فإن فيه ما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ بالأخريين بزيادة على الفاتحة، لكن الأخذ بحديث أبي قتادة أولى لوجهين؛ الأول: أنه صريح في التحديد قال: يقرأ بالأوليين بالفاتحة وسورة، وبالأخريين بالفاتحة فقط.
ثانياً: أن حديث أبي سعيد يقول: إنهم كانوا يحزرون الصلاة؛ يعني يخرصونها (14) فليس صريحًا في التحديد، والإنسان قد يحزر الشيء بناءً على ظنه، ويكون خلاف ما ظن.
(ثم يجلس في تشهده الأخير متوركًا)، ثم يجلس في التشهد الأخير في الثالثة أو الرابعة؟ في الثلاثية في الثالثة، في الرباعية في الرابعة.
(متوركًا) التورك له ثلاث صفات:
الصفة الأولى: أن ينصب الرجل اليمنى، ويخرج اليسرى من تحت ساقيه، فتكون الرجلان كلتاهما عن يمينه ومقعدته على الأرض.
الصفة الثانية: أن يخرج الرجلين كلتيهما من اليمين مفروشتين ومقعدته على الأرض.
الصفة الثالثة: اختلفت فيها الروايتان: ففي صحيح مسلم (15) أنه يفرش اليمنى، ويخرج اليسرى من بين الساق والفخذ، تصورتموها؟
طلبة: نعم.
الشيخ: وفي رواية أبي داود (16) يُخرج الرجل اليسرى من تحت الساق.
على رواية أبي داود تكون هي الصفة الثانية في التورك، وعلى ما رواه مسلم تكون الصفة الثالثة، ولا شك أن الأخذ برواية مسلم أولى؛ لأن مسلم بالاتفاق أصح من أبي داود رحمه الله.
فعلى كل حال الصفات ثلاث، وقد ذكرها كلها ابن القيم في زاد المعاد. يقول:(والمرأة مثله، لكن تضم نفسها وتسدل رجليها في جانب يمينها) المرأة مثل من؟ (مثله) أي: مثل الرجل في الصلاة قولًا وفعلًا حتى في رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول، فإنها مثل الرجل ترفع يديها، لكن في الجلوس تختلف عن الرجل، تضم نفسها، ولا تتجافى أيضًا في السجود، ولا في الركوع تضم نفسها؛ لأن المطلوب منها الستر.
(وتسدل رجليها بجانب يمينها)، ولا تفترش بين السجدتين، ولا في التشهد الأول، ولا تتورك في الأخير، فتفارق الرجل الآن أن جميع ما تُشرع فيه المجافاة غير مشروع للمرأة.
والثاني في صفة الجلوس، لا تجلس مفترشة، ولا متورِّكة، وإنما تجلس سادلة رجليها إلى جانب يمينها، وهذا الاستثناء فيه نظر، بل نقول: ما ثبت في حق الرجل ثبت في حق المرأة إلا بدليل، فالدليل لا منازع معه، فإذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بذلك، فعلى العين والرأس، وإذا لم يثبت فالأصل، أتموا؟
الأصل تساوي الرجال والنساء في أحكام الله عز وجل؛ لأنهم كلهم مكلفون، نعم لو فُرض أن المرأة تصلي وحولها رجال، فهنا نقول: الأفضل أيش أن تضم نفسها لا شك، أفضل بكثير، وهذا لسبب عارض ليس دائمًا، لكن تصلي في بيتها أو ليس عندها إلا محارمها، أو نساء مثلها فإنها تكون كالرجل تمامًا، أفهمتم؟
يستثنى من ذلك مسألة الشَّعْر، إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى الرجل معقوص الشعر (17)، يعني: مربوط. وقال: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ وَلَا أَكُفُّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا» (18). المرأة لا بد أن تكف الشعر، السبب؛ لأنها سوف تغطي جميع رأسها، فلا بد أن تكفه، فهذا مما يُستثنى، فالمرأة لا نقول: دعي الشعر يسجد في الأرض لا، نقول: استُريه، أما الرجل فنعم، انتهى صفة الصلاة (
…
).
لأنها خارجة عن صفة الصلاة، لكن ينبغي أن يقال: لأنه من تكميل الصلاة.
فمثلًا مما يسن بعد الصلاة أن يستغفر الإنسان ثلاثًا، يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، وهذا الاستغفار ليس استغفارًا عامًّا عن جميع الذنوب، استغفار عمَّا يمكن أنه وقع في هذه الصلاة، فهو تابع لها، ولهذا قال الله عز وجل في الحج:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ} [البقرة: 199].
فهذا بختام هذا العمل الجليل؛ لأنه ما منا إلا وعنده تقصير في الصلاة، ثم بعد ذلك يقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام؛ أنت السلام يعني السالم من كل نقصٍ وعيب، ومنك السلام: التسليم من كل آفه.
تباركت يا ذا الجلال والإكرام: تباركت يعني أن البركة تحل بكل ما يتعلق بالله عز وجل، إن عبد الإنسان ربه حصل له البركة، إن سمَّع حصل له البركة، إن ذكر الله حصل له البركة، كل شيء.
يا ذا الجلال والإكرام؛ أي: يا صاحب الجلال؛ أي: العظمة.
والإكرام، أي: أنك أهل للإكرام، يكرمك العباد، وأنت أهل للإكرام، تُكرم المؤمنين، فالإكرام هنا يصلح لهذا وهذا.
ثم يذكر الله يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ثلاث مرات في كل صلاة، وفي المغرب والعشاء والفجر يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات.
ويقول: لا إله إلا الله، ولا أعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، هذه معروفة، أكثركم لا تخفى عليه والحمد لله.
ثم يسبح، التسبيح له أربع صفات: الصفة الأولى: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر؛ ثلاثًا وثلاثين، ويختم المئة بقوله: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
الصفة الثانية: سبحان الله ثلاثًا وثلاثين مرة، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين مرة، والله أكبر أربعًا وثلاثين مرة، كم الجميع؟
الطلبة: مئة.
الشيخ: مئة، ولا يزيد. الصفة الثالثة: أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمسًا وعشرين مرة، فالجميع مئة.
الصفة الرابعة: أن يقول: سبحان الله عشر مرات، والحمد لله عشر مرات، والله أكبر عشر مرات، ولا يزيد.
الصفة الخامسة: ذكرها بعضهم أن يقول: سبحان الله إحدى عشرة مرة، والحمد لله إحدى عشرة مرة، والله أكبر إحدى عشرة مرة، لكن الصحيح أن هذه لم ترد، لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هي تفسير لبعض الرواة وليس مصيبة. فالوجوه كم؟
طلبة: أربعة.
الشيخ: أربعة، ينبغي للإنسان أن يحافظ عليها تارة هذه، وتارة هذه وألا يهملها.
لو أنا أجرينا مسابقة في الأشياء الواردة على وجوه متنوعة من أول الصلاة إلى آخرها قولًا وفعلًا، هل منكم من ينزل في الميدان؟
واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، زين، والبقية أكثر من النصف الآن، ما ورد على وجوه متنوعة من أول تكبيرة الإحرام إلى آخر الذكر. طيب ممكن نوزع، ممكن ..
(فصلٌ)
ويُكْرَهُ في الصلاةِ التفاتُه ورَفْعُ بَصَرِه إلى السماءِ وتَغميضُ عَيْنَيْهِ وإقعاؤُه وافتراشُ ذِرَاعَيْهِ ساجدًا
وعَبَثُه وتَخَصُّرُه وتَرَوُّحُه وفَرقَعَةُ أصابِعِه وتَشبيكُها، وأن يكونَ حاقِنًا أو بِحَضْرَةِ طَعامٍ يَشتهيهِ، وتَكرارُ الفاتحةِ لا جَمْعُ سُوَرٍ في فرْضٍ كنَفْلٍ، وله رَدُّ المارِّ بينَ يَدَيْهِ وعَدُّ الآيِ والْفَتْحُ على إمامِه، ولُبْسُ الثوبِ ولَفُّ الْعِمامةِ وقَتْلُ حَيَّةٍ وعَقْرَبٍ وقُمَّلٍ،
فإن أطالَ الفعْلَ عُرْفًا من غيرِ ضرورةٍ ولا تَفريقٍ بَطَلَتْ ولو سَهْوًا ويُبَاحُ قراءةُ أواخِرِ السُّوَرِ وأَوساطُها، وإذا نابَه شيءٌ سَبَّحَ رَجُلٌ وصَفَّقَت امرأَةٌ ببَطْنِ كَفِّها على ظَهْرِ الأُخْرَى، ويَبْصُقُ في الصلاةِ عن يَسارِه وفي المسجِدِ في ثَوْبِه، وتُسَنُّ صلاتُه إلى سُترةٍ قائمةٍ كمُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ، فإن لم يَجِدْ شَاخِصًا فإلى خَطٍّ، وتَبْطُلُ بمرورِ كلبٍ أسودَ بَهيمٍ فقطْ،
الصفة الرابعة: أن يقول: سبحان الله عشر مرات، والحمد لله عشر مرات، والله أكبر عشر مرات، ولا يزيد.