الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نبدأ الآن بالمقرر فنقول: كتاب النفقات؛ تعريف النفقة: النفقة هي كفاية من يَمُونه طعامًا وكسوةً وسكنى؛ فالطعام يدخل فيه الأكل والشرب، والشرب يسمى طعامًا؛ لقوله تعالى:{فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249]؛ ولأن المشروب له طعمٌ فهو طعام.
إذن كفاية من يمون أيش؟ طعامًا وكسوة وسكنى، هذه هي النفقة.
[باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم]
وهي واجبة على من تجب عليه المؤونة بالشروط التي ستُعرض؛ واجبة لأن الله تبارك وتعالى أمر بها؛ بقوله: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7]؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (1). هذا دليلٌ من القرآن ودليل من السنة؛ ولأن المعنى يقتضي ذلك؛ فإن دفع الحاجات والضروريات واجب، وما لا يكمُل الواجب إلا به فهو واجبٌ.
إذن فالنفقة إذا تمت شروطها فهي واجبة بدلالة الكتاب والسنة، والقياس الصحيح على وجوبها، ولكنها لها أسباب؛ أسباب وجوب النفقة ثلاثة: الزوجية، والقرابة، والملك.
هذه هي أسباب وجوب النفقة: الزوجية، والقرابة، والملك.
أما الزوجية فقد دلَّ عليها القرآن والسنة كما أشرنا إليه قبل قليل؛ حيث قال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7]، وهذا السياق في الأزواج، وفي الحديث الصحيح الذي أشرنا إليه:«وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» ، وأما القرابة فلقوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]، فقال:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} ، ويش عليه؟ {رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} مقابل إرضاع ولده، وقال:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} ، وقال في سورة الطلاق:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6]، إذن فالدليل أن القرابة من أسباب هو هذا القرآن؛ ما دلَّ عليه القرآن.
كذلك أيضًا النبي عليه الصلاة والسلام سُئل: مَنْ أحق بالصلة؟ فقال: «أُمُّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتُكَ وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ فَأَدْنَاكَ» (2).
وأما الملك فدليل كونه سببًا لوجوب النفقة قوله صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» (3). وقال صلى الله عليه وسلم: «دَخَلَتِ النَّارَ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ لَهَا حَبَسَتْهَا؛ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ» (4).
إذن الملك سببٌ من أسباب وجوب النفقة، سواءٌ كان المملوك آدميًّا أم بهيمةً. صواب العبارة ولَّا لا؟
طالب: نعم.
الشيخ: سواءٌ كان المملوك آدميًّا أم بهيمة، صحيح؟ المملوك قد يكون آدميًّا؛ مثل؟
طالب: عبد.
الشيخ: الرقيق، وقد يكون بهيمة كالبعير مثلًا.
طالب: غير البعير.
الشيخ: نعم؟
الطالب: الرجل يملك البعير.
الشيخ: إي، ويملك الرقيق أيضًا؛ إذن الملك يشمل ملك البهائم وملك الآدميين، فإن الملك إذن من أسباب وجوب النفقة؛ ولهذا يجب على المالك المملوك أن يطعمه وأن يكسوه وأن يُسْكِنه، يجب عليه ذلك لقوله:«كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» (3).
إذن النفقة واجبة، وأسباب وجوبها كم؟ ثلاثة؛ وهي الزوجية، والقرابة، والملك، طبعًا وأوكدها الزوجية؛ لأن الزوجة من ضروريات الحياة، وإذا لم تنفق عليها تقول لك: أنفق أو طلِّق، إذا لم تنفق عليها قالت لك: أنفق أو طلِّق، ولها الحقُّ في ذلك، فإذا لم يقم الزوج بواجب النفقة، فإن لها أن تفسخ النكاح إذا لم يطلقها الزوج.
بماذا تجب النفقة للزوجة، وبماذا تسقُط؟
أولًا؛ فَهِمْنا من هذا التعبير أن النفقة للزوجة واجبة، منين فهمناه؟ من قوله:(بماذا تجب النفقة للزوجة؟ ) والإنفاق على الزوجة واجب، وقد ذكرنا دليله من القرآن والسنة والاعتبار أيضًا؛ الاعتبار اللي هو القياس الصحيح؛ لأنه لا تندفع حاجة المرأة أو ضرورتها إلا بالإنفاق، وما لا يكمُل الواجب إلا به فهو واجبٌ.
إذن فالإنفاق على الزوجة واجب بالقرآن والسنة والاعتبار، وهي أيضًا من ضروريَّات المرأة، فلا بد أن ينفق عليها ليحفظ ضرورة نفسه، لكنها تجب؛ يقول العلماء: إنها تجب النفقة على الزوجة إذا تسلَّمها الزوج أو بَذَلَت نفسها وإن لم يتسلمها.
أما تسلُّمه إياها فواضح بأن يدخل عليها أو تُزَفَّ إليه، بأن يدخل إليها كما هي عادتنا نحن؛ أن الزوجة تبوء إلى الزوج عند أهلها، أو تُزف إليه كما هي عادة السابقين وعادة بعض المسلمين اليوم؛ أن الزوج يبقى في بيته وليؤتى بالمرأة إليه؛ ولهذا قال بعض العلماء: إن الإنسان الذي ينتظر أن تُزَفَّ إليه زوجته يُعذَر بترك صلاة الجماعة؛ لأنه ينتظر زوجته، فيخشى إذا خرج إلى المسجد وجاؤوا إلى البيت لم يجدوا أحدًا، فيقولون: هذا الرجل استخار يمكن.
طالب: (
…
)
الشيخ: المهم، سبحان الله، هكذا قالوا.
إذا تسلَّمها، أو بذلت نفسها وإن لم يتسلمها، افرض أن المرأة قال له أهلها: نحن مستعدون أي ليلة تبغي تدخل مستعدين، لكنه هو يماطل لعذر أو لغير عذر، فهنا تجب النفقة ما دام التأخير منه، فإنه واجب عليه أن ينفق؛ وذلك لأنها زوجة، والاستمتاع بها ممكِن، والتأخير من الزوج، فإذن هي معذورة؛ لأنها بذلت الواجب، ومستعدة لتمكينه من الاستمتاع، والنفقة في مقابلة الاستمتاع؛ لقوله:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، فإذا كان كذلك وكان التأخير منه، فإنه لا يُعذَر بأي شيء؟ بسقوط النفقة، فيجب عليه أن يُنْفِق، وعلى هذا لو أنه تزوَّج امرأة وعقد عليها، وقالوا له: تفضل، ادخل الليلة القابلة، ولكنه أبى، وصار يماطل فيهم، فإنه يجب عليه الإنفاق؛ لأن عقد النكاح قد تَمَّ، وهي محبوسة لأجله، وتأخير التسليم أو التسلم من الزوج، فيجب عليه أن ينفق، لكنه لو طلب الإمهال لمدةٍ جرت بها العادة؛ مثل: قال: انتظروا هذا الأسبوع حتى أرتِّب منزلي، وما أشبه ذلك، ففي هذه الحال هو معذور، فلا نفقة عليه حينئذٍ؛ لأنه فات تسلمها لعذر، وأما إذا كان يماطل بهم فليس له الحق في إسقاط النفقة.
طالب: فيه ناس يا شيخ تقول: في عرف الناس أن بين العقد وبين الدخول مدة طويلة عرفًا (
…
).
الشيخ: لا، ما يكون بينهم مدة طويلة الآن، كان بالأول يمكن يصير، لا الآن أبدًا؟
طالب: أحوال نادرة.
الشيخ: اللي أعرف الآن غالب الزواجات أنهم يعقدون إما ليلة الزواج وإلا قبله بيومين ثلاثة، هذا الغالب، يمكن بعض الأحيان يخاف أن المرأة تفوت، يعقد له عليها ويتأخر مثلًا لمدة سنة، أو ستة أشهر، أو سنتين أيضًا، هذه المسألة الآن يمكن نبحثها؛ إذا كان تأخير الدخول باتفاقٍ بين الطرفين؛ مثلًا البنت صغيرة، أو مثلًا أهلها لهم عذر؛ يريدون أن تبقى عندهم لمدةٍ معينة، فهل تسقط النفقة حينئذٍ أو لا تسقط؛ لأنه باتفاقهم؟ الظاهر أنها لا تسقط هنا، لا تسقط النفقة، وأنه يجب عليه الإنفاق لأنه لو شاء، ويش لو شاء؟ لطلب المبادرة في الدخول، فينظر عاد إذا طلب المبادرة في الدخول وأَبَوا حينئذٍ يكون ليس لها نفقة، لكن ما دامت المسألة باتفاقهم، فإنها محبوسةٌ له، وتأخيرها برضا منه، فيجب عليه الإنفاق، وطبعًا هذا عند التنازع، أما عند التسامح مثلًا عندنا ما دامت المرأة لم يتسلمها الزوج فالمعروف عندنا أنه لا يُنْفِق عليها، فمع التسامح لا بأس به، لكن عندما يأتي محاقة؛ كل واحد منهم يريد الحق، فإنه على هذا التفصيل الذي سمعتم.
بماذا تسقط النفقة؟
طالب: (
…
).
الشيخ: بماذا؟ التسليم أو البذل.
الطالب: (
…
) العقد.
الشيخ: لا؛ لأنها قد تمتنع هي، ما تسلم نفسها، يقولون: نبغي ننتظر، كل ما آجي أقول: يلَّا خلونا ندخل. قالوا: انتظر، وهذا يسقط النفقة.
طالب: (
…
) ما امتنعت؟
الشيخ: إذا امتنعت؛ ولهذا قلنا: إذا بذلت نفسها، وكان التأخير من الزوج وجب عليه الإنفاق.
الطالب: حتى ولو بذلت بعد العقد الظاهر.
الشيخ: إي نعم، إلا أني قلت لكم: إذا طلب المهلة لإصلاح حاله لمدةٍ معينة فلا حرج.
النفقة تسقط .. أولًا: لا بد أن نعرف أن النفقة في مقابلة الاستمتاع، فما دام الاستمتاع ممكنًا فالنفقة جارية، وإذا تعذَّر الاستمتاع فإن النفقة تسقط، لكن إن كان تعذر الاستمتاع بسبب من الزوجة فالنفقة ساقطة مع الإثم، وإن كان بغير سبب منها فالنفقة ساقطة ولا إثم عليه، وإن كان بسبب من الزوج فالنفقة باقية، فحينئذٍ نقول: الأصل، ونحن نريد أن نرسم خطوطًا عريضة في هذا الباب؛ فنقول: النفقة الأصل فيها أنها الوجوب في مقابلة الاستمتاع، فإذا تعذَّر الاستمتاع فإن كان بسبب من المرأة بدون عذر، فالنفقة ساقطة ويش بعد؟ مع الإثم؛ لأنه لا يجوز لها كما مر علينا في باب النساء؛ لا يجوز لها أن تمنع زوجها من الاستمتاع بها بالمعروف، وإذا كان بسبب من المرأة يكون مع العذر، فإنها ساقطة بدون إثم، وإذا كان بسبب من الزوج فإنها باقية جارية ما تسقط، هذه هي الخطوط العريضة في هذا الموضع، ونحن نذكر لذلك أمثلة:
مثلًا امرأة صامت نفلًا، صيام النفل يمنع من كمال الاستمتاع ولَّا لا؟ لأنه الزوج الآن لو أراد أن يستمتع منها بجماع في أثناء النهار، وإن كان يجوز له أن يفعل، ولكنه يجد نفسه في حرج، يجد نفسه في حرج أن يُفسِد عليها صومها، إذن فهنا منعته من كمال الاستمتاع، مع أنه لا يجوز لها أن تصوم وهو حاضر إلا بإذنه، حينئذٍ نقول في هذه الحال: النفقة ساقطة في النهار؛ يعشيها ولا يغديها، ولَّا لا؟ السحور يجب عليه ولا ما يجب؟
الطلبة: ما يجب.
الشيخ: ما يجب؛ لأنه هو الغداء.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا؛ تستمع به بالنهار، في العشاء أفطرت الآن تمكَّن من الاستمتاع، فتسقط نفقتها، مع أن الفقهاء يقولون: إنها تسقط نفقتها مطلقًا، حتى في الليل؛ لأنها منعته كمال الاستمتاع.
لو سافرت المرأة لعذر؛ كمرض، سافرت بعذرٍ كمرض، تسقط نفقتها ولَّا لا؟ تسقط لكن بلا إثم؛ لأن هذا الأمر لعذر، وكذلك لو مرضت فلم يتمكن من الاستمتاع بها فإنها تسقط ولكن بلا إثم؛ لأنها معذورةٌ في ذلك.
لو سافرت لحاجة الزوج، هو الذي أمرها، تسقط ولَّا لا؟
طالب: لا تسقط.
الشيخ: لماذا؟ لأن تعذر الاستمتاع من جهته هو، تعذُّر الاستمتاع من جهته؛ هو الذي أمرها أن تسافر، وهذا القول هو الراجح، والمذهب يقولون: إذا سافرت ولو بإذنه، إذا كان لحاجتها فإنها تسقط النفقة، ولكن الصحيح أنه إذا أذن فإن امتناع الاستمتاع هنا بإذنه، فهو الذي أسقط حقه، لو شاء لقال لها: لا تسافري.
طالب: (
…
) لو سافرت المرأة مثلًا النفقة (
…
) المعروف.
الشيخ: لا ما يجب عليه.
الطالب: في العرف الآن (
…
).
الشيخ: بس الناس يتسامحون الآن، لكن لو تصل للمحاقة عند القاضي ما مكَّنها من ذلك، ما يمكنها من ذلك.
طالب: (
…
).
الشيخ: إي، إذن ما تأثم، لكن ويش ذنب الزوج إنه يخليه ينفق سنة أو سنتين على زوجته وهي تعالج.
الطالب: (
…
).
الشيخ: إي، في ذمته ولم ينتفع بها.
الطالب: ما تجب عليه النفقة؛ لأنها زوجته.
الشيخ: هي زوجة لكن النفقة في مقابل الاستمتاع، فإذا كان ما حصل له الاستمتاع فإنها تسقط، كيف إني أنا أعطيها مثلًا ما تستمتع به من المال والإنفاق وهي لم تعطني ما أستمتع به؟
الطالب: هي لو كانت صحيحة ما منعت.
الشيخ: معلوم؛ ولهذا قلنا: إنها لا تأثم، هي الآن للزوج عليها حق الاستمتاع، فإذا امتنعت منه بدون عذر فهي آثمة بدون نفقة، ولعذر فلا نفقة ولا إثم، لكن يبقى علينا أن نناقش الموضوع بالنسبة للعرف، هل نقول مثلًا: إن العرف إذا جرى بأنه إذا تعذر الاستمتاع لعذر فالنفقة جارية، وأننا نتبع في ذلك العرف؛ لأن الله تعالى يقول:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وليس من العشرة بالمعروف أن يدع النفقة؛ لأن العرف جارٍ بها، هذا في الحقيقة عندي محل نظر؛ وذلك لأن قوله:{عَاشِرُوهُنَّ} ؛ (عاشر) تقتضي المعاشرة من الجانبين؛ لأن (فاعَل) فعلٌ يقتضي المشاركة، فإذا كان كذلك فمعنى ذلك أن العشرة متبادلة، وهي في الحقيقة هنا لم تبادلني العشرة؛ لأنها تعذر الاستمتاع بها، وكأني أنا لا زوجة عندي، بل هذا هو الواقع ما عندي زوجة، فإذن كيف أنفق على شيء أنا لا أنتفع به؟ فلذلك ممكن أن نقول: إن قول الله سبحانه وتعالى: {عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] يقتضي العشرة من الجانبين، فهنا لا عشرة من الجانبين؛ لأن جانب الزوجة سقط، فإذا سقط فإنه يسقط جانب الزوج أيضًا.
في مسألة: إذا صامت عن فرضٍ متعيِّن في وقته، تسقط نفقتها ولَّا لا؟
طالب: لا تسقط.
الشيخ: ما تسقط، إذا صامت عن فرضٍ متعين في وقته؛ مثل صامت رمضان، وهو أي: الزوج مثلًا مريض ما يصوم؛ ممنوع من الصوم في رمضان، فهل نقول في هذه الحال لما امتنع منها كمال الاستمتاع: سقطت نفقتها، أو نقول: إن هذا واجبٌ شرعي فهو مستثنى؟ نقول: هذا واجب شرعي فهو مستثنى.
ينبني على هذه المسألة مسألة فيها خلاف؛ لو وجب عليها الحج وسافرت للحج، هل يجب عليه الإنفاق؛ أي: إنفاق مقدار نفقة الحضر؟ أو ما يجب عليه؟
انظر المسألة الآن؛ امرأة وجب عليها الحج، وقد مر عليكم في الحج أنه إذا تمت شروط وجوب الحج فإنه لا يجوز للزوج أن يمنع زوجته منه، المرأة الآن عندها مال، وأخوها يريد أن يحج بها، الزوج في هذه الحال لا يمكن أن يمانع، لماذا؟ لأن الحج فريضة. حجت المرأة، هل يجب عليه مدة الحج أن ينفق أو لا يجب؟
طلبة: لا يجب.
الشيخ: نشوف؛ إن قلتم: يجب. قلنا: قياسًا على وجوبها في صيام الفرض، وإن قلتم: لا يجب. قلنا: قد يكون بينهما فرق؛ قد يكون بينهما فرقٌ من جهة أن الصيام نصف الوقت يستمتع بها وهو الليل، ثم في النهار أيضًا له أن يستمتع منها بالتقبيل، والضم، وما أشبه ذلك، لكن إذا سافرت انقطع الاستمتاع بها ليلًا ونهارًا، كاملًا وناقصًا؛ فعلى هذا لا يمكن القياس. ومن ثَمَّ قال الفقهاء: إنها إذا سافرت إلى الحج فإنه ليس لها نفقة، إلا أنهم قالوا: إذا كان الفرض بسببها كالنذر. وأما إذا كان الفرض بأصل الشرع فإنه يجب عليه الإنفاق؛ لأن هذا مستثنى شرعًا مثلما قالوا في صيام الفرض.
الخلاصة أننا ينبغي لطالب العلم -ولا سيما بالنسبة لكم أنتم- أن يعرف الخطوط العريضة في هذا الباب، ثم تأتي هذه المسائل الجزئية، تجد أنها فيها خلاف، والخلاف هذا مبني على تحقيق المناط بهذه المسألة، هل إنه يتحقق فيه مسقط النفقة أو لا يتحقق؟
ما هي الخطوط العريضة اللي قلنا؟ قلنا: إن النفقة الأصل فيها أنها في مقابل الاستمتاع، فإذا تعذر الاستمتاع فإن كان من جهة الزوج فالنفقة واجبة تجري عليه، إذا كان من جهة الزوجة بعذر سقطت بدون إثم، وإذا كان منها لغير عذرٍ سقطت مع الإثم، هذا هو الضابط، والمسائل الفرضية كثيرة، لكن هذا هو مدار هذه المسألة.
إذن تسقط النفقة بكل ما يفوِّت الاستمتاع من قِبل مَن؟ من قبل الزوجة، لكن إن كان لعذر فهي غير آثمة، وإن كان لغير عذر فهي آثمة، فالضابط إذن لما يسقط النفقة. ما هو الضابط؟ الضابط لما يسقط النفقة كل ما يمنع الاستمتاع من قبل الزوجة، وأما إذا كان من قبل الزوج؛ مثل افرض إن الزوج مُرِض مرضًا لا يستطيع معه أن يستمتع بزوجته، تسقط النفقة ولَّا لا؟
طلبة: لا تسقط.
الشيخ: لماذا؟ لأن التعذر هنا من جهة الزوج، أو مثلًا زوج يحب الصيام؛ يصوم دائمًا ويقوم الليل، فهل تسقط النفقة؟ ما تسقط، بل في هذه الحال للزوجة أن تطالبه، ولهذا منع النبي عليه الصلاة والسلام عبد الله بن عمرو بن العاص أن يصوم النهار ويقوم الليل، وقال:«إِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» (5).
كيف تقدر النفقة؟
نقول: رسَم الله تبارك وتعالى لنا كيف نقدرها؛ فقال: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7] فذو السعة وهو الغني ينفق بحسب غناه، والإنسان الذي قُدِّر عليه رزقه -يعني: ضُيِّق- ينفق مما آتاه الله، وإلى أي شيء نرجع؟ إلى المعروف؛ لقوله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، وقوله صلى الله عليه وسلم:«وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (6).
إذن الآن المرجع العُرف، وكيف تُقدَّر؟ نقول: على الموسع قَدَره وعلى المقتر قدره، {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} .
هنا اختلف العلماء بعد اتفاقهم أن النفقة حقٌّ للزوجة وعلى الزوج، اختلفوا هل المعتبَر حال الزوج أو حال الزوجة أو حالهما جميعًا؟ انتبهوا يا جماعة؛ هل المعتبر في السعة والضيق حال الزوج أو حال الزوجة أو حالهما جميعًا؟
طالب: حال الزوج.
الشيخ: يرى بعض العلماء أن المعتبر حال الزوج، ويرى آخرون أن المعتبر حال الزوجة، ويرى آخرون أن المعتبر حالهما جميعًا، ويظهر ذلك بالأمثلة:
موسر تحته موسرة ويش الواجب عليه؟ نفقة الموسر؛ يعني: أعلى النفقات إذا كان الزوج موسرًا والزوجة موسرة يجب هنا أن تكون النفقة من أعلى النفقات؛ نفقة موسر.
مُعسِر وزوجته معسرة؛ الزوجة من بيت فقراء وهو أيضًا فقير، ويش الواجب عليه؟ نفقة معسر، وفي هذين النوعين لا تختلف الأقوال، الأقوال ما تختلف ولَّا لا؟ لأن إذا صار موسر وتحته موسرة، أو معسر وتحته معسرة، إن قلت: الاعتبار بحال الزوجة؛ فهي معسرة في المثال الثاني وموسرة في المثال الأول، إن قلت: المعتبر حال الزوج؛ فهو موسر في المثال الأول ومعسر في الثاني، إن قلت: المعتبر حالهما؛ فكلاهما موسر في الأول وكلاهما معسر في الثاني.
قسم ثالث: متوسط تحته متوسطة، ويش نفقة؟
الطلبة: متوسط.
الشيخ: متوسط على الأقوال كلها، أليس كذلك؟
موسر تحته معسرة؟
طالب: متوسط.
الشيخ: متوسط؛ لأن المعتبر حالهما على القول بأن المعتبر حالهما يكون نفقة متوسط؛ لأن موسر مع معسر واحد إلا ربع، ولَّا لا؟
موسر نصف ومعسر ربع، ولو كان هذا موسرًا صار كاملًا؛ فيكون بينهما، تكون النفقة نفقة متوسط، ما يجب على الزوج إلا نفقة متوسط، واضح؟
معسر وزوجته موسرة؟
طالب: معسر.
الشيخ: لا، متوسط؛ لأنا نبغي نمشي على القول بأن المعتبر حالهما، يكون نفقة متوسط، يُلزَم الزوج الفقير بأن يأتي لزوجته بنفقة متوسط.
طالب: منين؟
الشيخ: يدبر روحه وإلا تفسخ النكاح، يدبر نفسه وإلا تفسخ النكاح، خليكم معنا، هذا على القول بأن المعتبر حالهما. نرجع مرة ثانية على القول بأن المعتبر حال الزوج؛ فإذا كان موسرًا وامرأته معسرة، فما الواجب؟
الطلبة: موسر.
الشيخ: نفقة موسر، يجب أن يُعطِي هذه الزوجة الفقيرة من أرفع نفقات البلد؛ كسوةً وطعامًا وسكنى، فمثلًا لو فرضنا أنها امرأة أهلها فقراء يعيشون في بيوت الصوف وما أشبه ذلك، نعم، وهو إنسان غني جدًّا من أغنى أهل البلد، وراح (
…
) خيمة صوف بظاهر البلد، وقال: ما (
…
) يجوز ولَّا لا؟
الطلبة: ما يجوز.
الشيخ: ما يجوز، يجب عليه أن ينفق نفقة موسر على هذا الرأي.
معسر وعنده امرأة موسرة؟
الطلبة: معسر.
الشيخ: نفقته معسر؛ فيقول الزوج للزوجة: ما عندي إلا هذا، جبن وخبز في فطور، ورز ونحط معاهم شيئًا بسيط من الطعم للغداء و (
…
) للعشاء، هي امرأة موسرة تطالب بنفقة موسرين، تقول: أنا عند أهلي أفطر بكذا وكذا وكذا، وأتغدى كذا وكذا، وأتعشى كذا وكذا، لازم تعطيني زي اللي عند أهلي، يلزمه ولا ما يلزمه؟
الطلبة: ما يلزمه.
الشيخ: نعم ما يلزمه؛ لأن المعتبر حال الزوج.
نأتي إلى القول الثالث الذين يقولون باعتبار حال الزوجة؛ فقيرٌ عنده موسرة ويش يُلزَم؟ بنفقة موسر، يلزم بنفقة موسر، إذا قال: ما عندي شيء، يقول: ويش اللي جابك إلى الموسرين (
…
) ما أخذت إلى امرأة فقيرة، نعم، ليش (
…
)، فيلزَم بنفقة موسر.
موسر تحته فقيرة، عنده فقيرة، ويش الواجب عليه؟
الطلبة: معسر.
الشيخ: نفقة فقير؛ يعني: معناه إذا صار عنده زوجتان؛ واحدة من ناس موسرين، وواحدة من ناس معسرين، يحط هذه في فيلا فيها كنبات ويحملها في السيارة المكندشة وكل شيء، وهذه يحطها في خيمة صوف، ويحملها بالعربية ولَّا على الحمار، وليس لها إلا هذا، نعم، ليش؟ لأنه لا يجب عليه لهذه إلا نفقة معسر حيث إن المعتبر أيش؟ حال الزوجة.
طالب: ما يعدل بينهن.
الشيخ: ما يعدل، العدل بينهن أن يعطي كل واحدة ما يجب لها، الآن لو بيعطي الفقيرة أكثر مما يجب لها صار مائلًا جائرًا، ولو ينقص الموسرة يخليها مثل الفقيرة صار جائرًا.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، هادول يرون أن الحكم يتعلق بالمرأة، أنا قلت: على الرأي هذا.
المذهب عند الحنابلة أن المعتبَر حالهما؛ ففي فقيرةٍ تحت موسر أو موسرةٍ تحت معسر؟
الطلبة: متوسط.
الشيخ: يجب متوسط، وعند الشافعية المعتبر حال الزوج؛ ففي فقيرةٍ تحت موسر نفقة موسر، وفي غنيةٍ تحت معسر نفقة معسر، وعند أبي حنيفة المعتبر حال الزوجة؛ ففي موسرةٍ تحت فقير نفقة موسر، وفي فقيرةٍ تحت غني نفقة معسر فقير، ولكن أصحَّ هذه الأقوال الذي يشهد له القرآن والسنة أيضًا أن المعتبر من؟ حال الزوج؛ لقوله تعالى وهو نصٌّ صريح:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7]، ولم يذكر المنفَق عليه، سكت الله عن المنفق عليه، إذن ليس له اعتبار المنفق عليه، {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7]، والتعبير بقوله:{مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} إشارة إلى أنه معذور، هذا الذي أعطي؛ ولهذا قال بعدها:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7].
إذن فالصواب في هذه المسألة أن المعتبر حال الزوج، وأنه ليس للزوجة الحق في أن تطالبه أكثر مما لا يستطيع، حتى لو كانت ابنة ملوك، فإنها ليس لها إلا ما يستطيع زوجها، والآية في ذلك صريحة.
فإذا قالت: أنا آكل عند أهلي هذا النوع من الأكل، وألبس هذا النوع من اللباس، وأسكن في هذا النوع من المسكن، قلنا لها: ولماذا أجبتِ أو رضيتِ بهذا الزوج؟ ! لماذا رضيتِ به؟ ! فليس لكِ الحق إلا فيما يقدر عليه.
طالب: (
…
).
الشيخ: إي؛ لأنه غني، والدليل على هذا أنه قال:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ» (7)، لو كان ما عنده شيء (
…
) الرجل غني، لكنه كما قالت: إنه رجلٌ شحيح، لا يعطيها ما يكفيها وولدها بالمعروف.
طالب: في هذه الحال يجوز لها (
…
).
الشيخ: أيهم؟
الطالب: إذا كانت غنية تحت فقير.
الشيخ: إذا كانت غنية تحت فقير ما تطالب، على القول الراجح ما تطالب، القول الصحيح أن الغنية تحت الفقير ما لها إلا نفقة فقير.
طالب: واجب عليها ترضى بذلك؟
الشيخ: نعم، معلوم ما لها إلا هذا؛ لأن الله يقول:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7]، ولكننا مع ذلك نقول لها: انتظري الفرج؛ فإن الله يقول: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7]؛ والسين في قوله: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ} ، تفيد معنيين، ما هما؟ التحقق وقرب الوقوع.
إذن نقول: انتظروا الفرج، الفرج القريب؛ لأن الله تعالى وعد بذلك؛ {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7]، ثم {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7]، لا تظنوا أن المراد سيكون الغنى بعد الفقر، نعم كون الغنى بعد الفقر هذا من اليسر، لكن قد تكون القناعة أيضًا، قد يجعل الله تعالى الإنسان قنوعًا راضيًا بما قدر الله له، فيكون هذا العسير عليه يسيرًا، حتى لا تقولون: إن الآية تخلَّف وعدها، لو فرضنا زوجًا وامرأته كانا فقيرين ينتظران الغنى؛ لأن الله يقول:{سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7]، ولكنه ما حصل الغنى، ويش نقول؟ نحن نقول: إن الآية ما حددت اليسر بعد العسر؛ ما قال الله: سيجعل الله مالًا بعد الفقر؛ {بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} ، ومن اليسر -بل قد يكون أعظم من يسر كثرة المال- القناعة والرضا بما قدر الله عز وجل.
***
(
…
) يساره، هذه الفقرة تضمنت أمرين: الأمر الأول إذا تعذَّرت النفقة عليها لغيبة الزوج؛ الزوج غاب ولم يدع عندها نفقة، أو غاب وترك عندها نفقة يسيرة لا تكفيها مدة غيبته، ففي هذه الحال لا شك أن الرجل ترك الإنفاق الواجب، وتعذُّر الاستمتاع هنا من قبله ولَّا من قبلها؟
الطلبة: من قبله.
الشيخ: من قبله هو، إلا إذا كان دعاها إلى السفر معه فأبت وهي لم تشترط عدم السفر، فإذا كان دعاها إلى السفر معه وأبت أن تسافر وهي لم تشترط أنها لا تسافر عند العقد، ففي هذه الحال تسقط النفقة؛ لأن المانع من قِبلها هي، فتسقط نفقتها، ولكن إذا كانت المسألة من قِبَله هو، هي قد تقول له: اذهب بي معك، ولكنه يأبي، فهنا إذا تعذرت النفقة عليها لغيبة الزوج، فإنه لها الحق في أن تفسخ العقد، تطالب بفسخ العقد؛ بمعنى أن تذهب للمحكمة، وتقول: هذا الرجل ترك الإنفاق، ولكن بعد مراحل نذكرها -إن شاء الله- في الدرس القادم.
***
بسم الله الرحمن الرحيم، إذا تعذرت النفقة عليها بغيبة زوجها، ففي هذه الحال إذا غاب الزوج ولم يترك لها نفقة، فإنها تأخذها من ماله إن تمكنت منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة، وقد اشتكت إليه زوجها، قال لها عليه الصلاة والسلام:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» ؛ فإذا كان له مال فلها أن تأخذ منه ما يكفيها بالمعروف؛ يعني: غير مقتِّرة ولا مبذرة، فإن لم يكن له مال، فإن أمكن أن تستدين عليه لتنفق على نفسها فعلت؛ يعني: مثل أن تذهب إلى رجل وتقول: إني أريد أن آخذ منك نفقة، وتأخذ حسابها من زوجي، إذا أمكن هذا فعلت، إذا لم يمكن ذلك فإن لها الفسخ بطلبها بإذن الحاكم، إذا لم يمكن فإن لها الفسخ بطلبه من الحاكم؛ يعني: القاضي تذهب إليه وتقول: إن زوجي غاب، وإنه لم يدع لي نفقة وأنا أطلب الفسخ، وفي هذه الحال الحاكم يجب عليه أن يحتاط؛ بمعنى أن يراسل الزوج، فإن أمكن أن يرسل نفقة فإنه لا عذر للزوجة حينئذ، وإذا لم يمكن فإن لها أن تفسخ، اللهم إلا في الحال التي لا يكون زوجها بعيدًا أو مجهولًا، وتتضرر بالانتظار، فحينئذ للحاكم أن يفسخ النكاح، هذا هو تفصيل تعذُّر النفقة عليها لغيبة الزوج.
أما إذا كان لإعساره؛ إذا كان لإعسار الزوج؛ يعني بأن كان الزوج معسرًا لا يستطيع الإنفاق فهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم؛ منهم من يقول: إن لها الفسخ؛ لأن إن كان الحياة مع هذا الزوج متعذرة؛ حيث إنها تحتاج إلى النفقة وليس عندها نفقة، فلها أن تفسخ، ولأنه يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة يُعسِر زوجها بنفقتها هل تفارقه أو لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لَهَا الْفِراقُ» (8).
وقال بعض أهل العلم: إنه إذا أعسر فإنها تسقط النفقة عنه، وليس لها حق الفسخ؛ لأن التعذر هنا ليس بيده وليس من قبله، والحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ابن القيم: إنه غير صحيح، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولأن الله تعالى يقول:{وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7].
وقد اتفق العلماء على مقتضى هذه الآية بأنه ليس بآثم إذا ترك الإنفاق لإعسار، ليس بآثم؛ لأن الله يقول:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7]، ولكن هل هذا يوجب سقوط حق المرأة من الفسخ أو لا؟ هذا محل الخلاف؛ فمنهم من يقول: إن لها الفسخ، ومنهم من يقول: إنه ليس لها الفسخ، ومنهم من يقول: بل عليها إذا كانت غنية أن تنفق على زوجها؛ لأن الله يقول: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]، وهي وارثةٌ لزوجها، فعليها أن تنفق عليه إذا كان معسرًا، وهذا رأي ابن حزم يجب عليها أن تنفق عليه إذا كان معسرًا وهي غنية، ولكن جمهور أهل العلم على خلاف ذلك، وقال: إن قوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] ظاهره بأن المراد هنا الأقارب؛ لأنه قال: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، الكلام الآن في الإنفاق على الزوجة، ثم قال:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] يعني: معناه ينفق على الزوجة لإرضاعها الولد إذا لم يكن له أب، ولكن المسألة في الحقيقة يتعادل فيها النظران؛ إذا نظرنا إلى حال الزوج وجدنا أن الزوجة معذورة، وقد سقط عنه الإثم ولم يفرط الرجل، وإذا نظرنا إلى الزوجة وإذا هي أيضًا في حاجةٍ إلى النفقة، بل في ضرورة، فمن ينفق عليها؟
يبقى النظر لنا أن نسلك مسلكًا وسطًا، ونقول: في هذه الحال يجب عليه إذا كانت الزوجة ذات مهنة أن يأذن لها في طلب الرزق بمهنتها وحينئذٍ ليس لها حق الفسخ، إذا كان الزوج قد أذن لها أن تفوِّت الاستمتاع منها لأجل الحصول المعاش لها فإنها حينئذٍ ليس لها حق الفسخ؛ لأنه في الحقيقة كأنه أنفق عليها، وأما إذا كان لا يمكن هذا فإن الذي يظهر أن لها حق الفسخ إذا طالبت به.
ولا يَرِد على ذلك أن كثيرًا من الصحابة رضي الله عنهم كانوا معسرين، ولم تفسخ زوجاتهم منهم؛ لأن الجواب على هذا من أحد وجهين؛ أولًا: من يقول: إنهن طالبن؟ فلعلهن رَضِين بذلك، ثانيًا: نقول: إنها إذا تزوجت عالمةً بعسرته فليس لها حق الفسخ بلا شك؛ إذا تزوجته عالمةً بعسرته فقد دخلت على بصيرة فليس لها حق الفسخ، وحينئذٍ يكون القول الصحيح في هذه المسألة الراجح عندنا أنها إذا أمكنها أن تعيش بعملها وأذن لها في ذلك فليس لها حق الفسخ، وهو في هذه الحال كأنه المنفق؛ لأنه بإذنه لها فوَّت على نفسه الاستمتاع بها.
ثانيًا: إذا كانت قد تزوجته عالمةً بعُسرته فليس لها حق الفسخ؛ وذلك لأنها قد دخلت على بصيرة، وهذا واضح أيضًا، أما إذا كانت المرأة ليس بيدها مهنة يمكنها أن تعيش فيها، والزوج ليس يمكن أن ينفق عليها، فإنها في حاجةٍ إلى النفقة، فلها الحق أن تطالب بالفسخ لتتزوج من يمكنه أن ينفق عليها.
الإنفاق على المفارقة بموتٍ أو حياة؛ أولًا: المفارقة بموت ليس لها نفقةٌ على زوجها؛ وذلك لأن المال انتقل منه إلى الورثة، فليس المال ماله الآن، بل المال مال غيره، فليس للمرأة حقٌّ فيه، وعلى هذا فالمفارقة بموت ليس لها نفقةٌ مطلقًا، حتى ولو كانت حاملًا؟ نعم، حتى ولو كانت حاملًا، فإذا قال قائل: إذا كانت حاملًا فإن الله يقول: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6]، قلنا: لكن المخاطب في ذلك ميت، ما توجه إليه الخطاب، إلا أنه يقال: إذا كانت المفارقة بموتٍ حاملًا فإن لها النفقة في حصة الحمل، كيف في حصة الحمل؟
يعني: في نصيب الحمل؛ لأن المعروف المذهب أن الحامل نفقتها للحمل، لا لها، من أجله، فإذا كانت النفقة للحمل فإن الحمل محتاجٌ إليها، فيكون من ماله، من نصيبه، فإذا قُدِّر أنه لا نصيب، وأن ما هناك مالٌ مخلَّف فإن الإنفاق يكون عليها على أقارب هذا الحمل كما سيأتي إن شاء الله في نفقة الأقارب.
المهم أن المفارَقة بموت ليس لها نفقة على مَن؟ على زوجها؛ وذلك لأن زوجها بمجرد موته انتقل المال منه إلى ورثته.
المفارَقة بالحياة تنقسم إلى قسمين: الأولى رجعية، والثانية مبانة؛ بينونة كبرى أو صغرى؛ فالرجعية لها النفقة بكل حال، لماذا؟ لأنها زوجة، كما قال الله تعالى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228]؛ وعلى هذا فهي زوجة لها ما للزوجات، وعليها ما على الزوجات، ما عدا ما يتعلق بالاستمتاع.
أما إذا كانت بائنة؛ فإن كانت حاملًا فلها النفقة، وإن لم تكن حاملًا فليس لها نفقة؛ الدليل قوله تعالى:{وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6]؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في فاطمة بنت قيس وكان زوجها قد طلقها آخر ثلاث تطليقات، أنه لا نفقة لها؛ لأنها ليست حاملًا.
فبهذه الآية وبالحديث يتبين أنها إن كانت حاملًا فلها النفقة بمقتضى الآية، وإن كانت غير حامل فليس لها النفقة لحديث فاطمة بنت قيس -وهو في الصحيحين- أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لها:«لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ عَلَى زَوْجِكِ» (9). كما أن مفهوم الآية الكريمة أيضًا في قوله: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: 6] مفهومها أن غير أولات الحمل ليس لهن نفقة، فيكون الاستدلال أو الدليل على أن ما غير الحامل لا نفقة لها بمنطوق الحديث وبمفهوم الآية.
وبهذا انتهى الكلام على السبب الأول من أسباب وجوب النفقة وهو الزوجية.
***
طالب: (
…
) نفقة (
…
) هل يمكن (
…
)؟
الشيخ: ما هو بواضح؛ لأن آخر الأمر خُيِّرْن؛ {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب: 28] فاخترن الله ورسوله، وعلى هذا فلا دليل فيه للفسخ. دليل (
…
) لكن الفسخ لا.
طالب: (
…
).
الشيخ: قصدي يعني: عدم الفسخ؛ يعني: كون الله خيرهن يدل على أنه يثبت الفسخ لهن.
طالب: (
…
).
الشيخ: من نصيبه؟
الطالب: من الميراث.
الشيخ: من نصيبه من الميراث، إي نعم.
طالب: (
…
) النفقة (
…
).
الشيخ: لا يطالبنه بالنفقة.
الطالب: (
…
).
الشيخ: لا، كُن يطالبن بالنفقة، وآلى منهن شهرًا ثم نزلت الآية في التخيير.
***
السبب الثاني لوجوب النفقة القرابة، وشروط وجوب نفقة الأقارب أربعة:
أولًا: قدرة المنفق، في الزوجية ما اشترطنا قدرة المنفق، لماذا؟ لأنه إذا لم يجد فلها الفسخ، فالنفقة للزوجة واجبة في كل حال حتى عند العجز؛ ولهذا قلنا: لها النفقة، إلا أنه عند العجز لا يأثم، وعند القدرة إذا امتنع يأثم، أما هذه فلا، هذه ما يجب عليه ولا يُطالب به، إلا إذا كان قادرًا على الإنفاق، وكيف يكون قادرًا على الإنفاق؟ بمعنى أن عنده مالًا يستطيع أن ينفق به على نفسه وعلى زوجته وهي مُقَدَّمة على أقاربه، الزوجة مقدمة حتى على الأم والأب وعلى الأولاد أيضًا؛ وذلك لأن الإنفاق على الزوجة في الحقيقة هو إنفاقٌ على النفس؛ إذ إنها إذا لم تجد النفقة تطالب بالفسخ، وهو محتاجٌ إليها، فيكون تقديم الزوجة على الأم والأب بالنفقة؛ لأن الإنفاق عليها في الحقيقة هو إنفاقٌ على النفس، وقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم وأحمد من تقديم الأهل على قرابته؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام:«أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ، ثُمَّ عَلَى قَرَابَتِكَ، ثُمَّ هَاهُنَا وَهَاهُنَا» (10)؛ يعني: تصدق به.
فالحاصل أن القدرة على الإنفاق شرطٌ في النفقة على الأقارب، ومعنى القدرة أن يكون لديه فاضلٌ عن كفايته، ويش بعد؟ وكفاية أهله؛ يعني: زوجته، أو زوجاته إن تعددن، ثم بعد ذلك تأتي نفقة الأقارب.
وهل تقدَّم الأصول على الفروع أو الفروع على الأصول؟
فيه خلاف، ولكن الصحيح أن الفروع مقدمة على الأصول؛ لأن الفرع أصلٌ؛ ولأن الأب ينفرد بالإنفاق على ولده دون غيره، فيكون الإنفاق على الولد مُقدَّمًا على الإنفاق على الأصول. في الأصول مثلًا إذا قدر على نفقة أمه أو أبيه، على واحدٍ منهما أيهما يُقَدِّم؟
الطلبة: الأم.
الشيخ: الأم؛ لأنها أحق بحسن الصحبة.
الشرط الثاني حاجة المنفق عليه، أما إذا كان غنيًّا فلا يجب أن ينفق، لا يجب أن ينفق غني على غني؛ لأنه يستطيع أن يقول له: أنت لست بحاجة إليَّ فلا يجب عليَّ الإنفاق عليك، فلا بد أن يكون محتاجًا إلى النفقة.
وهل المحتاج معناه مَن لا قوت عنده؟ لا؛ مَن لا قوت عنده ولا عمل يَكْتَسب به، فإذا قُدِّر أن هذا القريب ما عنده فلوس، لكن في يده صنعة يتمكن أن يعيش بها قلنا: يجب عليك أنت أيها المتعلم الصنعة أن تكتفي بصنعتك عن قريبك، ولا يجب على القريب أن ينفق عليه في هذه الحال. فإن تعطل العمل لمرضٍ أو غيره واحتاج؛ وجب على القريب الغني أن ينفق.
الشرط الثالث اتفاقُهما في الدِّين، مَنْ؟ المنفِق والمنفَق عليه؛ فإن كان الغني مسلمًا والفقير كافرًا، لم تجب النفقة؛ وذلك لأن الله تبارك وتعالى قيَّد وجوب النفقة بالإرث؛ فقال:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} ، فلما علَّق الحكم بوصفٍ وهو الإرث وجب أن يكون ذلك الوصف علة الحكم؛ يثبت الحكم بثبوته وينتفي بانتفائه، ولأن اختلاف الدين موجِبٌ للانقطاع التام بين المسلم والكافر؛ لقوله تعالى لنوح عليه الصلاة والسلام في ابنه:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46]، فإذا كان لا صلة بينهما ولا نَسَبَ بينهما شرعًا، وإن كان حسًّا فيهما نسب، فإنه لا يجب الإنفاق، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:«لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» (11)، لو كان الأمر بالعكس؛ كافر غني وقريبه مسلم، يجب عليه الإنفاق ولا ما يجب؟ لا يجب، لا يجب بمعنى أنه لا يُلْزَم به؛ لأنه كافر والكافر غير ملتزم بأحكام المسلمين، أما بالنسبة أنه يُعاقَب عليه في الآخرة فإن الله تعالى يعاقب الكفار على كل شيء يعاقب به المسلمين؛ الأصول والفروع.
وقيل: إن ذلك ليس بشرط؛ قال بعض العلماء: إنه لا يشترط اتفاق الدين في الإنفاق على القرابة، لماذا؟ قال: لأن الإنفاق من الصلة، وصلة الرحم واجبة حتى بين المسلم والكافر؛ ولهذا سألت إحدى أمهات المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظنها أم حبيبة، قالت: إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبة -يعني: راغبةٌ في الصلة، وإن كانت كافرة- أفأَصِلُها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ» (12). قالوا: فإذا كانت الصلة واجبة، فإن من أعظم الصلات أن تنقذ هذا من الموت إذا كان جائعًا؛ وذلك بالإنفاق عليه، تنقذه من الموت من البرد؛ وذلك بكسوته، تنقذه من الموت بعدم الاستظلال من الشمس، أو الاستنكاء من الحر؛ فعلى هذا تجب النفقة، ولكن القول الأول أصح؛ لأن الحكم بوجوب النفقة عُلِّق بوصف الإرث؛ {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]، ولكن مع هذا إذا قلنا بعدم وجوب النفقة، فإن الصلة واجبة، ولكن الصلة ليست هي النفقة؛ يعني: يمكن الإنسان أنه يصل أقاربه بدون أن ينفق، فالصلة شيء والإنفاق شيء آخر، نعم إذا وصلت المسألة إلى حدِّ الموت فهذا شيء تجب الصلة حينئذٍ، وأما مع عدم الخوف من الموت فإنها لا تجب.
فالصواب إذن القول بعدم وجوب النفقة عند اختلاف الدين؛ لأن النفقة مبنية على الإرث، ولا توارث بينهما لاختلاف الدين.
ولهذا قلنا: الشرط الرابع أن يكون المنفِق وارثًا للمنفَق عليه، فإن كان غير وارث؛ قريبٌ ولكن ليس بوارث، فلا تجب النفقة؛ ففي رجلٍ وابنه فقيرين، وللرجل أخٌ غني، تجب النفقة على الغني ولَّا لا؟ أخٌ غني ولأخيه ابن، وهما فقيران، هل تجب النفقة على الغني؟ رجلان أخوان أحدهما غني والآخر فقير، والفقير منهما له ابنٌ فقير، هل يجب الإنفاق على الأخ ولَّا ما يجب؟
الطلبة: ما يجب.
الشيخ: ما يجب؟ لا لأخيه ولا لابن أخيه؟
ما يجب لهما، لا تجب النفقة لهما، لماذا؟ لأنه لا يرثهما؛ فأخوه لو مات يحجبه الابن، كذا ولَّا لا؟ وابن أخيه لو مات يحجبه أبوه.
إذن ليس عليه نفقةٌ لهما.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، الكلام شوف أن يكون المنفق وارثًا للمنفَق عليه.
لو فرضنا الأخ الذي له ابن غني، وله أخٌ فقير وابن فقير، الأخ غني وله أخٌ فقير وابنٌ فقير، يجب على الأخ الغني أن ينفق على أخيه؟ يجب على الأخ الغني أن ينفق على أخيه؛ لأنه يرثه.
الآن نقول: في المسألة الأولى فاهمينه الحكم. المسألة الثانية: زيد وعمرو أخوان، زيدٌ غني وله ابن، هل يجب على زيد أن ينفق على عمرو؟
طلبة: يجب.
الشيخ: يجب؛ لأنه لو مات عمرو لورثه زيد.
زيدٌ فقير، وأخوه عمرو فقير، وابن زيد غني، من ينفق عليه ابن زيد؟
طالب: أبوه.
الشيخ: على زيدٍ أبيه؛ لأنه يرثه، ولا ينفق على عمه؛ لأنه لا يرثه؛ لأنه لو مات عمه حجبه أبوه.
إذن القاعدة الآن؛ أنه يُشْترط أن يكون المنفق وارثًا للمنفق عليه، والدليل قوله تعالى:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]؛ على الوارث، فقيَّد الحكم بوصف الإرث، فتكون هذه هي العلة، وهي الإرث.
طالب: (
…
)
الشيخ: ويش المعطوف عليه؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: على قوله: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]؛ يعني: كما أن على الأب رزقهن وكسوتهن؛ وهو المولود له، فعلى الوارث أيضًا مثل ذلك.
لو نظرنا إلى حال الناس اليوم هل يعملون بهذا؟ أبدًا ما يعملون، مع الأسف أنهم ما يعملون، تجد أخاه ميتًا من الجوع، وهو يرث أخاه لو مات، ومع ذلك لا إنفاق، ولكن مع عدم تحقق هذا الشرط وهو أن يكون المنفق وارثًا، هل تسقط الصلة ولَّا لا؟ ما تسقط الصلة؛ يعني: الصلة بين الأقارب وارثين أو غير وارثين واجبة، حتى لو هم غير وارثين، لكن الصلة شيء والإنفاق شيء آخر.
يقول عندي: (إلا في الأصول والفروع)، هذا استثناء منين؟
طالب: من وارث.
الشيخ: من كونه وارثًا؛ يعني: إلا في الأصول والفروع فلا يُشترط الإرث؛ وعلى هذا فابن البنت يجب عليه الإنفاق على جده أو لا؟ مع أن ابن البنت لا يرث، من ذوي الأرحام، ولكنه يجب عليه أن ينفق على جده.
لماذا؟ قال: لعموم قوله: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233]، ثم قال:{وَعَلَى الْوَارِثِ} [البقرة: 233]؛ فدلَّ هذا على أن المولود له يجب عليه الإنفاق سواء كان وارثًا أو غير وارث ولَّا لا؟ هذا بالنسبة لإنفاق الأصول على الفروع واضح من الآية.
لكن بالنسبة لإنفاق الفروع على الأصول، هل في الآية ما يدل عليه؟ ليس في الآية ما يدل عليه؛ ولذلك فالمسألة فيها نزاع بين أهل العلم، وقال بعض العلماء: إننا نؤيد رأينا هذا بقوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] ومن أعظم المصاحبة في الدنيا معروفًا أن ينفق عليهما.
عندنا أن يكون المنفق وارثًا للمنفق عليه، الفقهاء يزيدون شرطًا وقيدًا في هذه المسألة ويقولون: وارثًا للمنفق عليه بفرضٍ أو تعصيب، وأما إذا كان وارثًا بالرحم فلا يجب الإنفاق عليه؛ يعني: بعض العلماء وهم فقهاء الحنابلة يقولون: لا بد أن يكون وارثًا بفرضٍ أو تعصيب، فعلى هذا الوارث بالرحم لا يجب عليه النفقة؛ كالخال مثلًا لا يجب عليه الإنفاق على ابن أخته؛ لأنه يرث بالرحم، لا بالفرض والتعصيب، ولكن ظاهر الآية يخالف ما ذهبوا إليه؛ لأن قوله:{وَعَلَى الْوَارِثِ} [البقرة: 233] يشمل مَن؟ الوارث بفرضٍ أو تعصيب أو رحم، فما دام هذا الإنسان الغني وارثًا لهذا الإنسان الفقير، فإن ظاهر الآية الكريمة يدل على وجوب الإنفاق عليه.
ويقولون: إلا في الأصول والفروع، ففي الأصول لا يُشترط أن يكون وارثًا؛ يعني أنه يجب على الأصل أن ينفق على فرعه وإن لم يكن وارثًا منه؛ الدليل من القرآن قال الله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233]، ثم قال:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]؛ فدل هذا على أن المولود له لا يُشترَط أن يكون وارثًا، وأنه بمجرد أن يكون أصلًا يجب عليه أن ينفق على فرعه، فإن العطف يقتضي المغايرة، لكن بقينا فيما إذا كان فرعًا يريد أن ينفق على أصله؛ مثل ابن البنت له جدٌّ فقير، الجد هذا أصل، أليس هكذا؟ هل يجب على ابن البنت أن ينفق عليه؟
نقول: نعم، يجب، بناء على هذه القاعدة، يجب وإن لم يكن وارثًا له؛ لأن الأصول والفروع لا يُشترط فيهم الإرث. ذكرنا الدليل للأصول، لكن ما هو الدليل للفروع؟
الدليل للفروع يمكن أن يُستدل له بقوله: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» (13)؛ فإذا كان الإنسان وماله لأبيه فلا يمكن أن يتبسط الإنسان بالمال وجده أو أبوه فقير، ولكنه في الحقيقة هذا الدليل لا ينطبق على الجد فمن فوقه، ولا ينطبق أيضًا على أبي الأم؛ لأن الجد لا يتملك من مال ابن ابنه، ولا من مال ابن ابنته، وإنما يمكن أن يقال بالتعليل؛ لأن الأصول لهما من الحق ما ليس للحواشي، فالأصول مثلًا أنا ابن ولي أبٌ أو جدٌّ فقير له من الحق أكثر مما لأخي، ولعمِّي، ولخالي، وما أشبه ذلك، هذا الشرط الرابع.
وإذا قلنا: إن المسألة مبنية على الإرث فتكون النفقة على الوارثين بقدر إرثهم إلا مع الأب فينفرد بها؛ تكون النفقة على الوارثين بقدر إرثهم؛ فمثلًا إذا كان رجل له أخوان، رجلٌ فقير له أخوان غنيان، فهما يرثانه، ولَّا لا؟ أنصافًا، تكون النفقة عليهما أنصافًا.
إذا كان له أخٌ من أم وأخٌ شقيق، كلاهما غني وهو فقير، كيف توزع النفقة؟ على الأخ من الأم السدس، وعلى الأخ الشقيق الباقي؛ لأنهما يرثانه كذلك.
فإذا قال قائل: ما هو الدليل؟
قلنا: الدليل على ذلك أن الله تعالى رتَّب الإنفاق على الإرث، فيقوى الإنفاق ويضعف بحسب قوة هذا الوصف وضعفه، ما دام الحكم معلَّقًا بوصف فإنه يقوى الحكم بقوة ذلك الوصف ويضعف بضعف ذلك الوصف.
فنقول: أنت الآن وارث للسدس، أنت الأخ من الأم عليك السدس، وأنت أيها الأخ الشقيق وارث للباقي، فعليك الباقي.
وفي أمٍّ وأخوين: على الأم السدس، وعلى الأخوين الباقي، كم عليهما؟ خمسة أسداس؛ لأنه لو مات لورثوه كذلك، لو مات عن أمه وأخويه لكان لأمه السدس ولأخويه الباقي.
وفي أمٍّ وأخ غني وأخ فقير؟ كيف تكون؟
على الأم السدس، وعلى الأخ الثاني النصف بعد السدس؛ لأنه ما يرث منه إلا النصف بعد السدس، ويكون الباقي من النفقة ليس على أحد؛ لأننا إذا قدَّرنا النفقة بالإرث؛ فإنه إذا مات عن أمه وأخوين يكون للأم السدس وللأخوين لكل واحدٍ منهما نصف ما بقي، فنقول: على الأم سدس النفقة، وعلى الأخ الشقيق نصف الباقي، وأما النصف الآخر فلا يجب عليه؛ لأنه يقول: إنما يجب الإنفاق عليك بسبب الإرث، وأنا لا أرث منك إلا هذا.
في أخٍ شقيقٍ له ابنٌ فقير، وله أخٌ غني، الأخ الشقيق فقير وابنه فقير وله أخٌ غني، كيف يكون؟ أخوان؛ زيدٌ وعمرو، زيدٌ فقير وله ابنٌ فقير، وعمرو غني، كيف تكون النفقة؟
الطلبة: ما عليه نفقة.
الشيخ: ليش؟
الطلبة: لا يجب.
الشيخ: ما تجب على الأخ؛ لأنه لا يرث، ولا تجب على الابن لأنه فقير، كذا؟
في الأصول والفروع المسألة ليست مبنية على الإرث؛ ولهذا رجلٌ له أم فقيرة، وله جدة موسرة؛ الجدة لا ترث ولَّا لا؟ ومع ذلك تجب عليها النفقة، والسبب لأنها من الأصول، والأصول النفقة فيها ليست مبنية على الإرث، بل مبنية على الكفاية، فيجب الإنفاق على الأصول والفروع مطلقًا إنفاقًا واجبًا ليس مبنيًّا على الإرث، وعلى هذا فالمثال الذي ذكرنا قبل قليل؛ في أم وأخٍ شقيق وأخ فقير شقيق أيضًا، التتمة في هذه الحال على مَن؟ على الأم، الأم عليها السدس أصلًا، وهذا عليه النصف، ونرجع إلى الأم ونقول: عليك التتمة؛ لأن الإنفاق منك ليس مبنيًّا على الإرث.
إذا كان عندنا ابنٌ فقير، وابن ابن غني، وجد، تجب على ابن الابن؟ تصوروا؛ عندنا ثلاثة: زيد وعمرو وبكر، زيدٌ جد، وعمرو أب، وبكر ابن، بكر غني، وزيدٌ وعمرو فقيران، تجب النفقة على بكر ولا ما تجب؟
طالب: تجب.
الشيخ: تجب عليه لأبيه ولجدِّه أيضًا، تجب عليه لأبيه ولجده؛ لماذا؟ لأن الأصول والفروع ليست النفقة فيهما مبنية على الإرث، بل هي على الكفاية.
طالب: خلافًا للقول الأول.
الشيخ: لا، ما هو بالقول الأول، خلافًا للنوع الأول اللي هو الحواشي، لا بد من الإرث، وأما الأصول والفروع فلا يُشترط الإرث.
طالب: (
…
)
الشيخ: لا، الأب يحجب الجد، والابن يحجب ابنه، ولكننا مع ذلك نقول: من الأصول والفروع. ما يشترط فيهم الإرث.
طالب: (
…
)
الشيخ: إذا كان كافرًا لا تجب نفقته، ولكنه ..
الطالب: (
…
)
الشيخ: لا تجب نفقته، ولكنه يجب وصله فقط.
الطالب: (
…
).
الشيخ: نعم (
…
).
والأب فإنها توزع، فإذا حصل نقص رجعنا إلى الأصول والفروع يكملوه.
عندنا يقول: (تكون النفقة على الوارثين بقدر إرثهم إلا مع الأب فينفرد بها) الأب ينفرد بالإنفاق على أولاده، حتى لو مع وجود وارث؛ ولهذا الزوج ينفق على زوجته وعلى مَن؟ وعلى أولاده، وهي لا تنفق على أولادها منه، أليس كذلك؟ ولو قلنا: إن المسألة مع الأب مبنية على الإرث لكان يجب على الأم السدس مثلًا، ويكون على الأب الباقي.
أعود مرة ثانية للتوضيح: هذا ابن فقير، له أم موسرة وأب موسر، مَن النفقة عليه؟ على الأب، ينفرد بها، ولو قلنا: إنها مبنية على الإرث لكان على الأم السدس، وعلى الأب الباقي.
أم وجد؛ أم موسرة، وجد موسر، كيف توزع؟
بقدر الإرث، يكون على الأم السدس وعلى الجد الباقي، لماذا؟
لأن الذي ينفرد بالنفقة إذا كان معه غيره مَنْ هو؟ الأب فقط، وأما بقية الوارثين فعلى حسب الإرث، لكن إن كانوا حواشي، فإنه لا يجب عليهم إلا بقدر إرثهم، سواء أتموا النفقة أم لا.
ففي ثلاثة إخوة؛ اثنان فقيران وواحد غني، لا يجب على الغني إلا نصف النفقة لكل منهما، لا يجب على الغني إلا نصف النفقة؛ لأنه لو مات أحدهما ما أخذ إلا النصف، لكن في الأصول والفروع تُبنى النفقة على الميراث بقدر الإرث فيما عدا الأب، ولكن إذا لم تكف ويش يجب؟ يجب الإتمام، إذا لم تكف وجب الإتمام (
…
).
أرجو أن نكون فهمنا الآن.
توزع النفقة على الوارثين بأيش؟ بقدر الإرث، إلا مع الأب فإنه ينفرد بها؛ والدليل على ذلك حديث هند بنت عتبة لما جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، قال:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَبَنِيكِ بِالْمَعْرُوفِ» (7)، ولم يجعل عليها شيئًا من نفقة أولادها، فدلَّ هذا على أن الأب ينفرد بنفقة أولاده.
إذا طبقنا الواقع على هذا الحكم الشرعي نجد الناس قائمين بالواجب؟
طالب: لا.
هنا توقف الشيخ رحمه الله عن شرح متن الزاد إلى الشرح من مذكرة أخرى.
آخر الواجب عليه الإنفاق بغير إذنه ورضاه، له الحق أن يأخذ بغير إذنه ورضاه؛ يعني: إذا انفرد بشيء من ماله أخذه لنفقته؛ لأننا لو تركنا الناس وإهمالهم ما قامت الأمور، ولكن الآن الحمد لله في الوقت الحاضر يكاد الناس يكونون على كفاية، لو أردت تجد فقير ما تجد، اللهم إلا إن كان تكلف نفسه ديونًا ولَّا غيرها، غير محتاجٍ إليها؛ ولهذا سداد الديون ما يجب على الإنسان لو كان منفقًا، فلا يجب على الأب مثلًا أن يقضي دين ابنه، ليس بواجب، إنما النفقة التي لحفظ النفس هذه واجبة بالشروط المرعية التي ذكرناها.
طالب: بالنسبة للنفقة تكون على (
…
)، قلنا: الدليل على ذلك قول الله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233]، ثم قال:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]، فكيف يكون الاستدلال؟
الشيخ: الاستدلال أنه جعل المولود له عليه النفقة مطلقًا؛ لأنه مولودٌ له.
الطالب: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233].
الشيخ: رزق المرأة التي ترضع؛ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233].
الطالب: (
…
) الولد.
الشيخ: أصل هي ترضع ولدها؛ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} ، {يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} ، هل أولاد لهن؟ هم مولودين لي، فعليَّ أنا أيها المولود لي رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
الطالب: من أجل إرضاع الولد؟
الشيخ: إرضاع الولد.
يقول: (تجب النفقة للمملوك من آدمي أو بهائم بقدر الحاجة)؛ الدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا يُطِيقُ» (1)، والحديث في مسلم، و (اللام) في قوله:(للمملوك) للاستحقاق وليست للملك؛ لأن المملوك لا يملك؛ يعني: يستحق على سيده المالك أن يطعمه وأن يكسوه، وألا يكلفه من العمل إلا ما يطيق.
هذا بالنسبة للمملوك الآدمي، بالنسبة للمملوك غير الآدمي قول النبي صلى الله عليه وسلم:«كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» (2)، وقوله صلى الله عليه وسلم في المرأة التي حبست الهرة:«دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هَرَّةٍ لَهَا حَبَسَتْهَا؛ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ» (3)؛ فدل هذا على وجوب الإنفاق على المملوك من البهائم، ثم إن الإنسان مأمورٌ برحمة هذه البهائم، وهو المسؤول عنها، فوجب عليه أن ينفق عليها.
وقوله: (بقدر الحاجة)؛ هذا ليس كنفقة الزوجة، أشبه ما له نفقة القريب؛ لأن نفقة القريب بقدر الحاجة، ونفقة الزوجة بقدر حال الزوج؛ إذا كان موسرًا يعطيها نفقة موسر ولو كانت فوق حاجتها، لكن لغيرها تكون بقدر الحاجة، فإذا قدَّرْنا أن هذا الرجل يأكل أطيب الطعام، ويلبس أحسن الثياب، ويسكن أحسن القصور، لكنه قد جعل مملوكه في بيتٍ عاديٍّ، وألبسه لباسًا عاديًّا، وأطعمه طعامًا عاديًّا، يبرأ بذلك ولَّا لا؟ يبرأ، ولكن الأفضل كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام؛ أن يطعمه مما يطعم، وأن يكسوه مما يلبس (4)، هذا هو الأفضل، ولكن الواجب بقدر الحاجة، فإن عجز المالك عنها؛ أُجبر على إخراجه من ملكه على من ينفق عليه أو تأتيه بنفقته؛ إن عجز المالك عن النفقة يُجبر، شوف عاجز تراه غير امتنع، إذا امتنع من النفقة ماذا نعمل؟
نجبره على النفقة، لكن إذا عجز عن النفقة، يقول: أَخْرِج هذا من ملك لمن ينفق عليه، أيضًا لا تخرجه لإنسان فقير، لا بد أن تخرجه لمن ينفق عليه، غني معروف بعدم الشح، أو تأجيره بنفقته؛ يؤجره بنفقته؛ إذا كان حيوانًا مأكولًا نزيد أمرًا ثالثًا؛ وهو ذبحه، يذبحه ويبيع لحمه أو يأكله، وأما أن يبقيه هكذا فلا.
إذا كان حيوانًا غير مأكول، ولا يمكن الانتفاع به، ولا يمكن بيعه، مثل أيش؟
طالب: الكلب.
الشيخ: لا، الكلب ما يملك.
الطالب: الحمار.
الشيخ: الحمار لكن (
…
)، ما يملك لا؛ الحمار يقولون: إنه إذا انكسر ما يَجبُر كسره، أبدًا؛ فمعنى هذا أنه إذا انكسر سيبقى شوكةً في حلق صاحبه، ما يقدر يبيعه ما أحد يأخذه، ولا يمكن أيضًا يؤجره؛ لأنه ما ينفع، فماذا يصنع؟ ولا يمكن يذبحه؛ لأنه ما يؤكل.
طالب: (
…
).
الشيخ: يسيبه يعني؟ يطلع به للبر ويسيبه بكيفه؟
طالب: (
…
).
الشيخ: فيه حلَّان؛ الحل الأول هذا الذي ذكرتم؛ ويمكن أن يستدل له بقول جابر: إنه كان على جملٍ فأعيا فأراد أن يُسَيِّبَه (
…
) مع أنه جمل يمكن يؤكل.
والطريق الثاني أنه يقتله؛ لأن بقاءه كذا فيه إضاعة مال عظيمة، إذا كان مثلًا يأكل باليوم نقول: عشرة ريالات، في اليوم عشرة اضربها في ثلاث مئة وستين أيام السنة.
ثلاثة آلاف وست مئة ريال، كل سنة، ثلاثة آلاف وست مئة ريال، مع ما في ذلك من مؤونة تنظيف محله، وتعبه، ويمكن إذا (
…
) مثلًا (
…
) المكان يكون له رائحة كريهة مؤذية، هذا ما (
…
) به الشريعة؛ ولهذا نقول الآن: المقصد من هذا إما أن تخرج به إلى البر وتخليه والله سبحانه وتعالى يقضي عليه ما يريد، وإما أن تقتله وتخرج به، أما أن يبقى هكذا تضيع مالك بشيء لا فائدة منه فهذا لا يجوز.
طالب: قولنا: أو يجبر على إخراجه من ملك من ينفق عليه، ما قلنا: بيعه أو هبته.
الشيخ: ما هو بلازم، المهم إذا أخذه عن ملك؛ سواء ببيع أو بهبة كله واحد، أو بصدقة مثلًا.
الطالب: فرضنا (
…
) ينفق عليه (
…
).
الشيخ: يبقيه معلوم، ما يمكن أني أعطيه لإنسان أعرف إنه ما يقدر ينفق عليه، ويش الفائدة؟ يكون هذا كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ أنا مثلًا بأعطي هذا الحيوان اللي أنا عاجز عنه لإنسان أعرف أنه فقير ما هو (
…
) عليه، ويش الفائدة؟ وإحنا لما أمرناه بإخراجه أو أجبرناه على إخراجه من ملكه، ويش الغرض من هذا؟ لأجل ينفق عليه، فأنا أخرجه إلى شخصٍ لا ينفق ما (
…
).
طالب: (
…
)؟
الشيخ: نفقة الحيوان؛ يعني: يؤجره (
…
).
ثم قال: (
…
) نعم؟
طالب: (
…
).
الشيخ: (
…
) وصل إلى الثاني بطريقٍ محرم، فبطريقٍ مباح فلا حرج فيه؛ والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود فيأكل من طعامهم ويشتري منهم مع أنهم يأكلون الربا والسحت، وكذلك أيضًا تُصدق على بريرة بلحم وهو حرامٌ عليه، فقال:«هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» (5)، فدل هذا أن الكلام على وصول المال إلى الشخص، ما هو إلى الشخص الآخر المنتقل منه، فلا يعتبر حال الأول، لكننا نقول: إذا كان الإنسان ليس بحاجة إلى الأكل من هذا المال المحرم، فلا ينبغي أن يأكل منه، أما إذا كان بحاجة فلا حرج عليه.
طالب: الأبناء ما لهم سن محدد؟
الشيخ: لا، ما له سن محدد، ما دام محتاجًا فهو تجب النفقة عليه؛ لأن العلة الحاجة، قد يقول مثلًا: الابن هنا غير محتاج، افرض أنه مثلًا دخل في مدرسة تحفيظ القرآن، واضطر يأخذ راتبًا، هذا الراتب يكفيه، ما يجب على الأب أنه ينفق عليه.
طالب: (
…
) هل يجوز (
…
)؟
الشيخ: ما يجوز، مثل هذا (
…
) يستطيع أن يشتري له الأشياء الحاجيات اللي محتاجها، ولا يعطيه دراهم، ولَّا الدراهم في الحقيقة، حتى نرى الآن أنه ما ينبغي أنه يعطى للشاب دراهم، مهما كان، لو قال مثلًا: (
…
) جميع الفوائد اللي في .. ، ما رأيكم مثلًا في الإنفاق هل يجب التعديل بين الأولاد فيه ولا ما يجب؟ وهذه المسألة تقدم (
…
). يجب التعديل؟
طلبة: ما يجب، بقدر حاجته.
الشيخ: العدل هو أن تعطي كل إنسان ما يستحق، هذا العدل؛ أن تعطي كل إنسان ما يستحق، ولَّا يجب التسوية؟
الطلبة: العدل.
الشيخ: يجب العدل، دون التسوية؛ لأنك لو قلنا: يجب التسوية كان إذا كان واحد طويل وواحد قصير، واشتريت للطويل ثوبًا، تشري للقصير ثوبًا، وفوقه زيادة ..
طالب: الفرق.
الشيخ: ولَّا لا؟ الفرق، تعطيه الفرق، وهذا ليس بلازم، واحد مثلًا يأكل أكلًا كثيرًا؛ واحد (
…
) خبز كثير وواحد خبزة، تعطي اللي (
…
) خبزة قيمة الخبزة الثانية! لا، نقول: يجب العدل؛ ولهذا ربما واحد يحتاج إلى مثلًا كتب دينية يقرأ بها والآخر ما يحتاج، ما تعطي الآخر، تشتري لهذا كتبًا ولا تشتري للثاني. المرأة مثلًا البنت تحتاج إلى حلي، تشتري لها مثلًا قرطة في أذنيها تساوي كم؟ ست مئة ريال، والولد يحتاج إلى طاقية، كم؟ خمسة ريالات، الحاصل أن هذا يرجع إلى الحاجة.
ما رأيكم في السيارة؟ أحد الأولاد صغير والثاني كبير يبغي سيارة، هل يجوز أني أشتري لهذا سيارة ولا أشتري للثاني؟ لا ما يجوز، يجوز أني أدفع حاجته؛ أشتري له سيارة يستعملها وهي باسمي.
طالب: باسم من؟
الشيخ: باسمي أنا الأب، أدفع حاجته؛ لأنه هو مو محتاج إلى عين السيارة؛ شو محتاج له؟
إلى استعمالها في حاجاته، استعمالها في حاجاته يجوز إذا اشتريتها عنه باسمي وأعطيتها إياه يستعملها، ولهذا ما يجوز أني أكتبها باسمه دون الآخرين؛ لأنه لا يحتاج إلى عين السيارة.
لو أمنته سائق يروح ويجيبه (
…
) بدون سيارة أشتريها يكفي ولَّا ما يكفي؟ يكفي، فإذن هذه النقطة مهمة؛ لأن بعض الناس يخفى عليهم، يقول: هذا الولد الكبير محتاج إلى سيارة أشتري له ويكتبها باسمه، وهذا خطأ، يجب أن يكتبها الوالد باسمه هو، ويخلي الولد الكبير حين يكون محتاجًا لها يستعملها؛ لأجل إذا مات تكون هذه السيارة في الميراث من التركة كل يدلي بها.
طالب: ما يغير (
…
) السيارة ترجع للمالك (
…
).
الشيخ: إذا كتبها باسمه وحصل مثلًا اختلاف فيما بعد، من تكون له؟ المكتوبة باسمه، حتى نظامًا عند الدولة، وحتى شرعًا عند المحكمة.
طالب: (
…
).
الشيخ: (
…
) أكتبها باسمي أنا (
…
).
طالب: (
…
) الزواج.