المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الشيخ: يعني إذا كان نهر بينهما؛ يعني شق نهرًا من - الشرح الصوتي لزاد المستقنع - ابن عثيمين - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌(باب صفة الصلاة)

- ‌[مكروهات الصلاة]

- ‌[أركان الصلاة وواجباتها]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌(كتابُ الْمَنَاسِكِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط وجوب الحج والعمرة]

- ‌[باب المواقيت]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌(بابُ مَحظوراتِ الإحرامِ)

- ‌(بابُ الفِديةِ)

- ‌(باب جزاء الصيد)

- ‌[باب صيد الحرم]

- ‌[باب ذكر دخول مكة]

- ‌[باب صفة الحج والعمرة]

- ‌[باب الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي والأضحية]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب البيع

- ‌[باب شروط البيع]

- ‌[باب الشروط في البيع]

- ‌[باب الخيار]

- ‌[باب الربا والصرف]

- ‌[باب بيع الأصول والثمار]

- ‌[باب السلم]

- ‌[باب القرض]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[باب الضمان]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[باب الصلح]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[باب الوكالة]

- ‌(باب الشركة)

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[باب المزارعة]

- ‌[باب الإجارة]

- ‌[باب السبق]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[باب الشفعة]

- ‌[باب الوديعة]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب الجعالة]

- ‌[باب اللقطة]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌(كتابُ الوَقْفِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الهبة والعطية]

- ‌[فصل في تصرفات المريض]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب الوصايا

- ‌[باب الموصى له]

- ‌[باب الموصى به]

- ‌[باب الوصية بالأنصباء والأجزاء]

- ‌[باب الموصى إليه]

- ‌(كتابُ النِّكاحِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[أركان النكاح]

- ‌[شروط النكاح]

- ‌[باب المحرمات في النكاح]

- ‌[باب الشروط والعيوب في النكاح]

- ‌[باب نكاح الكفار]

- ‌[باب الصداق]

- ‌[باب وليمة العرس]

- ‌[باب عشرة النساء]

- ‌[باب الخلع]

- ‌(كتاب الطلاق)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب ما يختلف به عدد الطلاق]

- ‌[باب الطلاق في الماضي والمستقبل]

- ‌[باب تعليق الطلاق بالشروط]

- ‌[باب التأويل في الحلف]

- ‌[باب الشك في الطلاق]

- ‌[باب الرجعة]

- ‌(كتابُ الإيلاءِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[من يصح منه الإيلاء]

- ‌[مدة الإيلاء وما تحصل به الفيئة أو فسخ النكاح]

- ‌(كتابُ الظِّهارِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[كفارة الظهار]

- ‌(كتابُ اللِّعانِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط صحة اللعان]

- ‌[ما يلحق من النسب]

- ‌(كتابُ العِدَدِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الاستبراء]

- ‌(كتابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط الرضاع المحرِّم]

- ‌[من يُحَرَّم بالرضاع]

- ‌[مدخل]

- ‌[باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم]

- ‌[باب الحضانة]

- ‌[باب شروط القصاص]

- ‌[باب استيفاء القصاص]

- ‌[باب العفو عن القصاص]

- ‌[باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس]

- ‌(كتاب الديات)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب مقادير ديات النفس]

- ‌[باب ديات الأعضاء ومنافعها]

- ‌[باب الشجاج وكسر العظام]

- ‌[باب العاقلة وما تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب القطع في السرقة]

- ‌[باب حد قطاع الطريق]

- ‌[باب حد المسكر]

- ‌[باب قتال أهل البغي]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب حكم المرتد]

- ‌(كتاب الأطعمة)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الذكاة]

- ‌[باب الصيد]

- ‌(كتاب الأيمان)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌(كتاب القضاء)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب آداب القاضي]

- ‌[باب طريق الحكم وصفته]

- ‌[مدخل]

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌[باب موانع الشهادة وعدد الشهود]

الفصل: الشيخ: يعني إذا كان نهر بينهما؛ يعني شق نهرًا من

الشيخ: يعني إذا كان نهر بينهما؛ يعني شق نهرًا من النهر الكبير، وفسد هذا النهر فاحتاج إلى إصلاح فإن الثاني يجبر، أما إذا احتاج أحدهما إلى توسعة فإن الآخر لا يُجبر على ذلك.

طيب، ما الفرْق بين النهر والقناة؟

طالب: القناة هي الماسورة.

الشيخ: نعم، القناة هي الماسورة تُسحب من النهر، وأما النهر فهو يجري على الأرض.

***

[باب الحجر]

ثم قال المؤلف: (باب الْحَجْر) الحجر في اللغة: المنْع والتضييق، ومنه سُمِّي العقل حِجْرًا، {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حْجِرٍ} [الفجر: 5]، أي: لذي عقل، وسُمِّي العقل حِجْرًا؛ لأنه يمنع صاحبه من فِعْل ما لا يليق شرعًا أو عرفًا.

أما في الاصطلاح: فهو منْع الإنسان من التصرف في ماله، إما لمصلحته أو لمصلحة غيره؛ يعني أن الحجر قد يكون لمصلحة المحجور عليه، وقد يكون لمصلحة غيره.

فمثلًا: إذا قلنا للموصِي: لا تُوصِ بأكثر من الثلث؛ يعني: حجرنا عليه فيما زاد على الثلث. فهذا لمصلحة مَنْ؟ لمصلحة الغير. وإذا حجرنا على السفيه ألا يتصرف في ماله؛ فهذا لمصلحة نفسه.

فالمهم أن الحجر تارة يكون لمصلحة الغير، وتارة يكون لمصلحة نفس المحجور عليه. وله أسباب تتبين -إن شاء الله- في الشرح.

قال: (ومن لم يقدر على وفاء شيء من دَيْنه؛ لم يُطالَب به وحرم حبسه، ومن ماله قدْر دَينه لم يُحْجَر عليه وأُمر بوفائه، ومن ماله لا يفي بما عليه حالًّا؛ وجب الحجر عليه).

قسم المؤلف رحمه الله هنا المدِين إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: (من لم يقدر على وفاء شيء من دَيْنه)، يعني ليس عنده شيء يوفي به، كرجل عليه مئة درهم، لكن ليس عنده شيء، هذا لم يقدر على وفاء شيء من دينه، فما الحكم؟ كيف نعامل هذا؟

يقول المؤلف: (لم يُطالَب به وحرُم حبسه).

ص: 1542

(لم يُطالَب به) يعني لا يحل لغريمه أن يُطالِبه، بل ولا أن يطلبه؛ دليل ذلك قوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]. وقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} ، لما قال:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} ، قال:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7].

إذن هذا لا يُتعرض له، ويُترك حتى يرزقه الله ويوفي دينه، هذا مَنْ؟ الذي لا يستطيع وفاء شيء من دَيْنه، ما عنده شيء أبدًا.

وبهذا نعرف أن أولئك الظلمة، الذين يُطالِبون الغرماء الذين ليس عندهم شيء، لا يخافون الله، ولا يرحمون عباد الله، لا يخافون الله؛ لأنهم عصوا الله، فالله يقول:{فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} ، وهؤلاء لم يُنظِروه، ولم يرحموا عباد الله؛ لأنهم يُكلِّفون العبد ما لا يطيق، وربما أدى ذلك إلى حبسه؛ لأن بعض القضاة قد لا يتصرف تصرفًا حسنًا، فيحبس هذا الغريم مع أنه لا يستطيع الوفاء، وما أحسن أن نقرأ -إن شاء الله- في حاشية العنقري كلامًا لابن هبيرة.

يقول: (لم يُطالَب به، وحرُم حبسُه).

حرُم على مَنْ؟ على ولي الأمر أن يحبسه، سواء حبسه في السجن العام، أو حبسه في بيته؛ لأن الحبس لا يعني أن يكون في السجن العام، بل حتى يُحبس الإنسان في بيته ويُرسَّم عليه، ويُقال: لا تخرج من البيت، لماذا؟ لما سبق من الآيات التي ذكرناها.

قال: (ومن ماله قدْر دينه لم يُحجَر عليه).

قوله: (ومن ماله قدْر دينه) لا يعني بذلك أن يكون المال قدر الدين سواء بسواء، بل المراد: من ماله قدر دينه أو أكثر، فإنه لا يُحْجر عليه، كرجل عليه مئة درهم وبيده مئة درهم، هذا مالُه قدْر دينه، هذا لا يحجر عليه؛ لأنه لا حاجة للحجر.

رجل عليه مئة درهم وبيده مئتا درهم، يحجر عليه؟ لا يحجر عليه.

ص: 1543

إذن مراد المؤلف بقوله: (من ماله قدر دينه) هذا الحد الأدنى، يعني قدْر الدين أو أعلى فإنه لا يُحجر عليه، ولا يُمنع من التصرف في ماله، ولكن ماذا نفعل؟

يقول: (وأُمِرَ بوفائه).

(أُمِرَ) مبني لما لم يُسمَّ فاعله، فمن الفاعل الآمِر؟ ولي الأمر من قاضٍ، أو أمير، أو غيرهما، (أمر بوفائه).

(فإن أبى حُبِس بطلب ربه) أي رب الدَّيْن، أي صاحب الدَّيْن.

(حُبِس) يحبسه ولي الأمر إما في السجن العام، وإما في بيته، وإما في بيتٍ آخر، المهم أنه يُمنع من التصرُّف، ومن التجوُّل.

وقوله: (بطلب ربه)، رب مَنْ؟ رب الدَّيْن، والربُّ هنا بمعنى الصاحب، فهو يُطلَق على عدة معانٍ منها الصاحب، يعني إذا طلب صاحب الدَّيْن أن يُحبس حُبِس؛ فإن لم يطلب وقال للقاضي مثلًا لما رأى أنه مُتوجِّه إلى حبسه قال: لا تحبسه، إذا آل الأمر للحبس فأنا أصبر، فهنا لا يُحبس. لماذا؟ لأن الحق لصاحب الدَّيْن، ولو شاء أن يُبرئه لأبرأه، فإذا كان الحق حقه، ولو شاء أن يُبرئه لأبرأه فهنا يبرئه من الحبس، يقول: لا يُحبس، اتركوه، متى أراد أوفى.

(فإن أصرَّ) حبس ولكن أصر، وهذه الصورة قد تكون نادرة، لكن ربما تقع من بعض السفهاء أو بعض من يريد الإضرار بالدائن. المهم حُبِس يومين ثلاثة أكثر أبد.

يقول: (فإن أصرَّ ولم يَبِعْ ماله باعه الحاكم)، ولم يذكر المؤلف الضرب، يعني أنه يحبس ولا يضرب، إذا أبى فإن الحاكم يتولى بيع ماله، ويقول: متى شئت اخرج من الحبس، يتولَّى بيع ماله، وظاهر كلام المؤلف أنه لا يُضرب.

وقال بعض أهل العلم: بل يُضرب، يُعزَّر كل يوم، لكن لا يُزاد على عدد الجلدات التعزيرية، وهي على المشهور عشر جلدات. كل يوم، كل صباح نجلده عشر جلدات، يحبس ليلًا ونهارًا، ويجلد صباحًا، ويقال: أوفِ ما عليك وعنده قدْر دينِه ويَعْلم.

ص: 1544

طيب، إذا لم ينفع فيه لا حبْس ولا ضرْب حينئذٍ يبيع الحاكم ماله، ويقضي دينَه، لكن المؤلف رحمه الله مشى على أنه لا ضرب؛ لأنه لا فائدة، رجل صبر على الحبس ولم يوفِ، ما الفائدة من ضربه؟ لكن لو رأى ولي الأمر من قاضٍ أو أمير أن ضربه قد يفيد فله أن يضربه ضربًا غير مُبرِّح، وعلى هذا فنجعل الضرب ليس لازمًا، بل هو راجع إلى المصلحة، راجع إلى رأي الإمام.

وظاهر كلام المؤلف أن الحاكم لا يبيع ماله فورًا، يعني بمعنى أنه إذا قيل له: أوفِ الدَّيْن، قال: لا، قلنا: نحبسك. قال: احبسوني.

فظاهر كلام المؤلف أنه لا يباع، وإنما يستعمل معه الحبس. طيب، وإلى متى؟ يومين، ثلاثة، أربعة، ما حددها، إلى أن يوفي وإلا فيبقى في الحبس دائمًا، ولا شك أن هذا فيه إضرار بلا مصلحة. إضرار بمن؟ إضرار بصاحب الدَّيْن من وجه، وإضرار بالغريم المدِين؛ إذ لا فائدة.

ولهذا لو قيل: إن كان أحد من العلماء يقول: بأنه لا يُحبس ولا يُضرَب، وإنما يتولَّى الحاكم الوفاء مباشرةً مما عنده، لو قيل بهذا لكان له وجه؛ لأن في ذلك مصلحة للطرفين، أما صاحب الحق فمصلحته ظاهرة أنه يُسلَّم إليه الحق، وأما المدِين -وهو الغريم- فالمصلحة في حقه انتفاء الضرر عليه بالسجن أو الضرب.

وحينئذٍ نقول: إذا استوفى صاحب الحق حقه، فلا حرج على القاضي أو ولي الأمر أن يؤدِّب هذا المماطل بحبس أو ضرب، فيكون هنا التأديب فيه مصلحة، ألَّا يعود مثل هذا إلى المماطلة، وأما المبادرة بتولي قضاء الدَّيْن ففيه مصلحة لصاحب الدين.

يقول: (فإن أصر ولم يبِع ماله باعه الحاكم وقضاه).

(باعه) الهاء تعود على المال. (الحاكم) القاضي. وكلما مر عليكم كلمة (الحاكم) فالمراد به القاضي، لكن لو أنه جُعِل هيئة مُكوَّنة من السلطان للنظر في الديون، صارت هذه الهيئة تتولى شؤون الديون، ولا يتولاها الحاكم.

ص: 1545

طيب، قوله:(باعه الحاكم) هذا مقيد بما إذا لم يكن المال الذي عنده من جنس الدَّيْن، فإن كان من جنس الدَّيْن فلا حاجة لبيعه، مثاله: رجل يُطلب مئة صاع بُرٍّ، وعنده مئة صاع بُرِّ، إذن ماله الآن قدْر دينه؛ فلا يُحجَر عليه، ومن جنس دينه فلا يُباع. اللهم إلا أن يكون ما في ذمته موصوفًا بصفات لا توجد في هذا البر الذي عنده، فحينئذٍ لا بد من بيعه، سواء كان الذي عنده أطيب أو أردأ؛ إن كان أردأ فإن صاحب الحق لا يرضى، وإن رضي فلا حرج، وإن كان أطيب فإن المدِين لا يرضى وإن رضي فلا حرج.

انتهينا الآن من كم قسم؟ انتهينا من قسمين: من ليس عنده شيء، والثاني: من ماله قدْر دينه أو أكثر.

قال: (وقضاه، ولا يُطالب)، عندكم (يطالَب) ولَّا (يطلب)؟

طالب: (يطالب).

الشيخ: (ولا يطالب بمؤجل) نعم هو كلها، نعم.

(لا يُطلب بمؤجل)، يعني أن المدِين لا يُطلَب، ولا يُطالَب أيضًا بمؤجَّل حتى يحل أجله. دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:«الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (3)، وصاحب الدَّيْن قد رضي بتأجيله، فيجب عليه الانتظار حتى يحل الأجل، فإذا حل الأجل عملنا ما سبق، يعني صار كالحال.

***

القسم الثالث: (من ماله لا يفي بما عليه حالًّا)، فهذا يجب الحجر عليه بسؤال الغرماء أو بعضهم، مثاله: رجل عليه ألف ريال وهو مطلوب بألفين، المال هنا اللي عنده لا يفي بما عليه حالًّا، فماذا نصنع؟

يقول المؤلف: (وجب الحجْر عليه)، وجب على مَنْ؟ الحاكم الذي يتولى هذه الأمور، (الحجْر عليه)، أي على من ماله لا يفي بما عليه.

(بسؤال غرمائه أو بعضهم) يعني إذا سأل الغرماء الحجر عليه، أو سأل بعضهم الحجر عليه وجَبَت إجابته، دليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ، وباع ماله في دَيْن عليه (4)، هذا من جهة الأثر، وإن كان فيه مقال.

ص: 1546

من جهة النظر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مطل الغني ظُلْمًا (5)، وهذا وإن لم يكن غنيًّا الغناء التام الذي يوفي، فعنده بعض الشيء، فيكون ظالِمًا بمنع الحقوق، والظلم يجب رفعه، ولا سبيل لنا إلى رفعه في هذه الحال إلا بأيش؟ إلا بالحجْر عليه؛ لأنه لو قال قائل: احبسوه كما في القسم الثاني، قلنا: لو حبسناه ما فيه فائدة؛ لأن المال الذي عنده لا يفي، بخلاف الأول؛ القسم الثاني المال يفي، لكن أما هنا فلا حاجة، والظلم تجب إزالته، فلهذا وجب الحجر.

الحجر، معنى الحجر أن نمنعه من التصرف في ماله، لا ببيع، ولا شراء، ولا هِبة، ولا غير ذلك، نمنعه من التصرف. إذا كان صاحب متجر قفَّلنا المتجر بحيث لا يتصرف فيه بشيء، صاحب زراعة، منعناه من التصرف في زراعته، المهم أن نمنعه من التصرف في أعيان ماله حفظًا لذمته ولحقِّ الغرماء.

قال المؤلف: (ويُستحب إظهاره)، إظهار أيش؟ إظهار الحَجْر، بوسائل الإعلام: فلان محجور عليه؛ لئلا يغتر الناس فيعاملوه بعد الحجْر. ومعلوم أن معاملته بعد الحجر باطلة، يعني لو أن أحدًا اشترى منه شيئًا بعد الحجر، فإن الشراء لا يصح ولا ينفذ، فيُعلم الناس حتى لا يغتروا بمعاملته؛ لأنه إذا لم يُعلم فإنه ربما يغتر الناس ويعاملونه، (يستحب إظهاره).

ثم قال: (ولا ينفذ تصرفه في ماله بعد الحجر ولا إقراره عليه)، يعني بعد أن نحجر عليه لا ينفذ تصرفه في ماله، لا ببيع ولا شراء، ولا تأجير، ولا هبة، ولا رهن، ولا وقف، أي تصرف في المال لا ينفذ؛ لأن هذا فائدة الحجر، فائدة الحجر أن نمنعه من التصرف في ماله، لحق مَنْ؟ لحق الغرماء، فهذا محجور عليه لحق غيره.

مثال ذلك: رجل حجرنا عليه وعنده سيارة في المعرض، قد وضعها في المعرض قبل الحجر عليه، هل يمكن أن يبيعها؟ لا يمكن أن يبيعها؛ لأنه إذا حُجِر عليه لا يمكن يتصرف.

ص: 1547

طيب، وظاهر كلام المؤلف أنه يصح تصرفه في ذمته، بأن يشتري شيئًا بثمن مؤجل، وهو كذلك، لو اشترى المحجور عليه بذمته ما نمنعه، ولكن البائع لا يدخل مع الغرماء فيما حُجِر عليه فيه.

طيب، هذا رجل حجرنا عليه، قلنا: لا تتصرف في مالك الآن، لكنه اشترى من شخص سيارة. نقول: الشراء الآن صحيح، لكن لا ينقد ثمنها من المال الذي عنده، وتكون السيارة له، أي للمحجور عليه.

وصاحب السيارة هل يدخل مع الغرماء في ماله السابق؟ لا يدخل مع الغرماء في ماله السابق؛ وذلك لأنه حُجِر عليه قبل هذا التصرف.

طيب، لو كان عنده هو سيارة بعد الحجر عليه وباعها، فإن البيع لا يصح.

وظاهر كلام المؤلف: أن تصرفه قبل الحجر صحيح، ولو أضر بالغرماء، فلو كان عليه دَيْن وماله أقل من دَيْنه، وتصرَّف فيه بالهبة، صار من وجد من الناس تبرع، أهدى عليه، فظاهر كلام المؤلف أن ذلك صحيح، مع أنه سوف يضر بغرمائه، إنسان عليه عشرة آلاف ولا عنده إلا ثمانية آلاف، فذهب يتبرع للناس، كل من وجد تبرع له، نقول: هذا لا يصح التبرع، مع أنه بالغ عاقل رشيد؛ لأن المال الآن تعلَّق به حق مَنْ؟ حق الغرماء، فلا يصح.

نحن ذكرنا الآن العكس، هذا قبل الحجْر: فظاهر كلام المؤلف أن تصرفه صحيح ولو أضر بالغرماء، والصواب أنه ليس بصحيح، وأنه حرام وباطل، ولهذا سئل الإمام أحمد رحمه الله عن المدِين هل يتصدق أو لا؟ قال: بالشيء اليسير كالخبز وشبهها، وأما ما يُضر بالغرماء فلا يجوز.

ص: 1548

على أننا نرى أنه لا يجوز أن يتصدق ولو بالقليل، ما دام عليه دَيْن أكثر مما عنده من المال فإنه لا يجوز أن يتصدق ولو بالقليل؛ لأن القليل مع القليل كثير، إذا قلنا: تصدَّقْ مثلًا بدرهم على هذا الفقير، جاء فقير آخر تصدَّق بدرهم، وهلُمَّ جرًّا، صار القليل كثيرًا، فالمنع أولى؛ ولأننا إذا منعناه من الصدقة وقلنا: لا يمكن أن تتصدق، صار ذلك أشحذ لهمته في وفاء دينه؛ لأن الإنسان قد لا يتحمل أو قد لا يحتمل أن يبقى لا يتصدق.

طيب، لو قال: إنه يريد أن يعتمر، وعليه دَيْن أكثر من ماله، هو معه مال الآن يستطيع أن يعتمر به، وعليه دَيْن أكثر من ماله. نقول: لا تعتمِر، هذا حرام عليك، قال: ما أفرضت، ما أدَّيت الفريضة، قلنا: لا فريضة عليك؛ لأن من شرط وجوب الحج ألا يكون على الإنسان دين، فليس عليك فريضة الآن، قال: زملائي يحجون، قلنا: ولو كان، ما يمكن حتى توفي الدَّيْن، ولو كان فريضة؟ ليست فريضة، أصلًا نقول: هذا غير فريضة، أنت الآن ليس عليك حج، إذا كان الفقير ليس عليه زكاة أنت ليس عليك حج، فلا تحج.

إذا قال: يريدون أن أذهب معهم مجانًا، نمنعه؟

فيه تفصيل: إن كان يمنعه من عمل يكسب به فلا يجوز، وإن كان لا يمنعه وهو إنسان عاطل ما عنده شغل، أو جاءت الإجازة مثلًا فلا حرج؛ لأنه هنا لا يضر بالغريم شيئًا.

ص: 1549

والعجب أن بعض الناس -نسأل الله لنا ولهم الهداية- تكون عليهم الديون، ويفعلون بإكرام الناس ودعوتهم فعل الغني، يتعرض للناس، كل ما جاء إنسان: تفضَّل، حيَّاك الله، ومع ذلك يذبح له خروفًا، كل يوم يذبح خروفًا للناس وهو ما عنده شيء! هذا غلط، وهو آثِم بذلك؛ لأن قضاء الدَّيْن واجب، ومثل هذه الأمور مستحبَّة ليست بواجبة، لكن أكثر الناس لا يعقلون هذا الأمر، ويستهينون بأمور الدَّيْن، مع أن أمر الدَّيْن عظيم جدًّا، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يفتح الله عليه كان إذا قُدِّمت إليه الجنازة، وعليها دَيْن يمتنع من الصلاة عليه، يقول: ما أصلي عليه (6)، وهذا أمر عظيم، الرسول عليه الصلاة والسلام ما يشفع له؟ الجواب: نعم، ما يشفع له.

كذلك أيضًا الرجل يُقتل في سبيل الله، تُكفِّر الشهادة كل شيء إلا الدَّيْن، ولهذا لما سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن الشهادة قال:«إِنَّهَا تُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ» ، فانصرف الرجل فناداه فقال:«إِلَّا الدَّيْنَ أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ جِبْرِيلُ آنِفًا» (7). فالتهاون بالدَّيْن ليس من العقل ولا من الشرع أيضًا. أوفِ دَيْنَك ثُمَّ نَمْ، ولهذا قال في المثل العامي: مَنْ قضى دَيْنَه نامت عينُه. المثل هذا صحيح، الإنسان الحي العاقل لا شك أنه لا يطمئن في النوم وعليه دَيْن.

الخلاصة الآن: متى يكون الحجر على المدِين؟ إذا كان ماله أقل من دينه، فإنه يُحجَر عليه، لكن بشرط: سؤال الغرماء أو بعضهم، فإن لم يسألوا فلا حرج.

ص: 1550

طيب، إذا لم يحجر عليه، لكن ماله أقل من دَيْنه، فالصحيح أنه محجُور عليه شرعًا، لا حكمًا، إذا حُجر عليه حكمًا ما فيه منة، لكن إذا لم يُحجَر عليه حُكمًا من قِبل القاضي فهو محجور عليه شرعًا، الدليل:«مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» (5). والتبرع بماله يؤدي إلى عدم الوفاء، إلى المطل، فيكون ذلك ظُلمًا، لكن يفترق عن المحجور عليه حُكمًا بأن هذا يصح أن يتصرف في ماله بغير تبرع، يعني يجوز أن يتصرف، لكن لا يتبرع، يعني يجوز يبيع ويشتري مثلًا ولا حرج، فهذا هو الفرق.

فالمحجور عليه شرْعًا هو الممنوع من التبرع، أما التصرف فلا بأس، ولهذا نقول للمدِين الذي ماله أقل من دينه ولم يُحجَر عليه، نقول: بِعْ واشترِ ما فيه مانع، لكن لا تتصدق ولا تتبرع. طيب، إذا جاءه صاحب له وأراد أن يبيع عليه ما يساوي عشرة بثمانية، يجوز أو لا؟ على قولنا: لا يجوز؛ لأن هذا تبرع في الواقع.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ولا إقراره عليه) أيش معناها؟ يعني لا يصح بعد الحجر أن يُقِرَّ على شيء من ماله الذي بيده.

ويصح إقراره في ذمته؟ نعم. مثال ذلك: الإقرار عليه لَمَّا حجرنا عليه، قال: يا جماعة، اصبروا، ترى هذه السيارة لفلان. يُقبل إقراره؟ لا يُقبل إقراره على المال، لكن يُقبل في ذمته. كيف ذلك؟ نقول: أما السيارة الآن فإنها تُباع ويُوفَى منها الدَّيْن، وأما الذي أقر له بالسيارة فيُطالبُه بعد فك الحجْر عنه، ويقول: أعطني قيمة السيارة، إقراره على عيْن ماله لا يُقبل، وفي ذمته يُقبل.

والحكمة من أنه لا يُقبل: لئلا يتواطأ الغريم وآخر على الإقرار بأن هذا الشيء للآخر من أجل ألا يباع في دَيْنه. واضح، هذا قريب.

ص: 1551

مثلًا: إنسان حجرنا عليه وعنده سيارة تساوي خمسين ألفًا، فجاءه صاحب له، قال له: يا فلان، أقر بأن السيارة لي؛ من أجل أن آخذها، وهي ليست له. هذا وارد ولَّا غير وارد؟ وارد لا شك، ولهذا يُسدُّ الباب، يقال: الآن إذا أقررت بأن السيارة لفلان، إقرارك بالذمة لازم، وأما السيارة فإنها داخلة في المال فتُباع ويُقضى منها الدَّيْن.

كذلك لو قال لشخص: إن له عليَّ ألف درهم بعد أن حجرنا عليه. هنا لم يُقر بعين، إنما أقر بدَيْن، بعد ما حجرنا عليه قال: في ذمتي لفلان ألف درهم. يقول: لا يُقبل. لا يُقبل بمعنى لا يدخل مع الغرماء، ولكن يُطالِب متى؟ بعد فك الحجر عنه؛ لأن التهمة حاصلة، قد يأتي إنسان صاحب له ويقول: تعالَ، أنت الآن عليك دراهم للناس، أقرَّ لي بشيء حتى أشاركهم، وإذا أخذته أعطيتك إياه. هذا وارد، فنقول: لا يُقبل إقراره بالنسبة لمشاركة الغرماء، أما بالنسبة لبقاء الدَّيْن في ذمته فهو باقٍ؛ ولهذا قال:(ولا إقراره عليه) أي على ماله، يعني على أعيان ماله لا يُقبل.

قال: (ومَنْ باعه أو أقرضه شيئًا بعده) أي: بعد الحجْر، (رجع فيه) أي: فيما باعه أو أقرضه، (إن جهل حجْره وإلا فلا).

يعني: إنسان باع على المحجور عليه شيئًا وهو لا يعلم، ثم علم أنه محجور عليه، ماذا يصنع الآن؟ مشكلة! لأن التصرف معه بعد الحجر غير نافذ. نقول: ارجع بمالك ولا ضرر؛ حتى لو فُرض أن هذا المحجور عليه استعمله يومين أو ثلاثة أو أكثر، فيكفيك أن ترجع إليك عين مالك.

مثال هذا: رجل باع على هذا المحجور عليه سيارة بخمسين ألفًا، وهو لا يدري أنه محجور عليه، فعلِم، فماذا يصنع؟ سيارته الآن سقطت في الهوة، فماذا يصنع؟ نقول: خذ السيارة، ما دمت لم تعلم فخُذ السيارة، فإن كان عالِمًا، فإنه لا يرجع وتُدْخل السيارة في دَيْنه، تُباع وتُوزَّع على الغرماء.

طالب: إذا هلك المبيع قبل أن يعلم (

الشيخ: يبقى في ذمته.

الطالب: لا يدخل مع الشركاء؟

ص: 1552

الشيخ: لا، ما يدخل مع الشركاء.

هذا يسأل يقول: إذا قدَّرْنا أن هذا الشيء الذي اشتراه هلك، فهل يدخل مع الغرماء؟ نقول: لا، يبقى في ذمته.

طالب: إذا هذا الرجل المحجور عليه له بيت (

)، وله سيارة للعائلة، له.

الشيخ: بيجينا إن شاء الله.

طالب: قلنا: إنه لا يجوز من كان عليه دَيْن أن يتصدق، حتى إذا لم يكن مطالبًا (

الشيخ: أما لو قال له صاحب الدَّيْن: كلما تصدقت به فأنا مُسقِطه عنك، فلا بأس؛ لأنه ما يضره الآن.

الطالب: لازم الشرط.

الشيخ: أما إذا لم يقل هذا فقد يكون سكوته حياءً أو خجلًا أو ما أشبه ذلك.

طالب: (

).

الشيخ: لا، ما يُخالف، هذا صحيح. مرادهم فيما سبق أن الدَّيْن الحال لا يمكن تأجيله، لكن هذا مُؤجَّل من الأصل.

طالب: المؤلف رحمه الله يقول: (من لم يقدر على وفاء شيء من دَيْنه لم يطالب به وحرم حبسه)، فإن كان يعلم أن صاحب (

).

الشيخ: سمعتم كلامه؟ يقول: لو فرضنا أنه إذا حُبس عطف عليه أقاربه وأصحابه وأوفوا عنه، هل نحبسه؟

طالب: لا.

الشيخ: إن رضي فلا بأس، إذا رضي هذا المدِين وقال: احبسوني لعل الله يسهل أحدًا يعطف عليَّ! إي نعم، هذا شيء واقع وكثير، فلا بأس يُحبس؛ لأن حبسه الآن من مصلحة الغرماء.

طالب: برضاهم.

الشيخ: برضاهم إي نعم.

الطالب: بإلزام (

).

الشيخ: لا، ما فيه إلزام، لكن لا شك أني إذا رأيت هذا الرجل محبوسًا عن أهله وعائلته سوف أرق له أكثر مما إذا كان يمشي في السوق.

طالب: شخص لا يقدر على الوفاء، هل هناك فرق بين أن يكون ضامنًا أو يكون هو صاحب (

الشيخ: إي نعم، لا فرْق بين أن يكون فرعًا أو أصلًا؛ يعني كالضامن والكفيل إذا لم يحضر البدن سواء.

الطالب: يا شيخ، ما (

) كفالة غرامية ويوقِّع عليها، فهل يطالَب؟

الشيخ: إي، يطالب، ويش الفائدة من هذا؟

الطالب: يقول: ما عندي شيء.

الشيخ: مَنْ؟

الطالب: هو (

).

الشيخ: نقول: إذا ما عندك شيء ادخل بالحبس، وسهَّل الله أمرك.

ص: 1553

الطالب: يقول يا شيخ: أعرف أنه ما يجوز.

الشيخ: لا، أقول: إذا كان ما عنده شيء عرفت أنه ما يطالَب ولا يحبس، لكن إذا صار عنده شيء وقال: يا جماعة، أنا ما موف، يقول: روحوا للأول، للمضمون. نقول: ويش الفائدة من الضمان؟ إذا كنت تحيلني على المضمون الفائدة من الضمان فُقِدت الآن، نحبسه ونقول: أنج نفسك. أما إذا كان ما عنده شيء معلوم لا يُطالب، لا الأصيل ولا الضمين.

الطالب: إن كان قد وقع (

).

الشيخ: إي، ما عنده شيء، لو كان أصيلًا هل يُحبس ويطالَب؟

الطالب: لا.

الشيخ: طيب.

طالب: يا شيخ، لو وكَّل يا شيخ، المدِين، وكَّل شخصًا ليبيع السيارة، ثم حُجِر عليه وباع الوكيل بعد الحجر؟

الشيخ: هذا ينبني على انعزال الوكيل قبل العلم، إن قلنا بأنه ينعزل قبل العلم لم يصح البيع، وإن قلنا: لا ينعزل إلا بعلمه؛ صح البيع، فالصحيح أن فيه التفصيل: إن طالت المدة بين عزله وتصرفه لم نقبل منه أنه لم يعلم، وإن قصرت أو كان متباعدًا يعني في المكان ولا فيها هاتف يتصل به فيصح.

طالب: ما حجة المذهب في قول أن الدَّيْن الحال لا يُؤجَّل؟

الشيخ: نعم، حُجَّتهم أن التأجيل وصْف زائد على الأصل، والأوصاف الزائدة على الأصل لا بد أن تكون في نفس العقد.

الطالب: ولو قبِل الدائن؟

الشيخ: ولو قبِل، لكن الصحيح أنه يتأجل، الصحيح أن القرْض يتأجل، والدَّيْن إذا حل وطلب تأجيله بدون زيادة فلا بأس؛ لأن المذهب مشكلة، يعني لو تقرض هذا الرجل مئة ألف ليشتري بيتًا، واشترى بيتًا بمئة ألف، وجئت إليه من الغد وقلت: يلَّا أوفني وإلا الحبس، هذا خلاف المشروع والمعقول.

الطالب: إذا وقعت هذه الحالة، ماذا يقولون؟

الشيخ: من اللي ماذا يقولون؟

الطالب: إذا قال يعني أوفِني، قال: ليس معي الآن شيء، ويؤجَّل.

الشيخ: يُباع، يُحجر عليه إذا كان ما عنده إلا البيت هذا.

طالب: الأصل يا شيخ أن يكون جاهلًا أو عالِمًا؟

الشيخ: ما هو؟

الطالب: الذي باعه، ثم قيل: إنه محجور عليه.

ص: 1554

الشيخ: لا، فيه التفصيل؛ إذا كان عالِمًا بأنه محجور عليه ما له حق يرجع في ماله، وإن كان جاهلًا فله أن يرجع بماله. هذا كلام المؤلف صريح.

الطالب: الأصل يا شيخ أنه عالم وجاهل؛ يعني يُطالَب بإيفاء الدَّيْن على (

).

الشيخ: ويش الأصل العلم ولَّا الجهل؟ أسألك أنت؟

الطالب: الجهل.

الشيخ: أنت؟

طالب: ذكرنا أنه لا يصح إقراره على ماله، فإذا قال لشخص أنا لن ..

الشيخ: لا يصح إقراره على ماله، لكن يكون في ذمته.

الطالب: نعم، يكون في ذمته، لكن قال لشخص: أنا لن أقر لك بدَيْن من مالي، ولكن تعالَ أنت، فقل: إني غريم لم أعلم بأنه قد حُجر عليَّ إلا بعد الحجر لكي يشارك (

).

الشيخ: ما يُقْبل.

الطالب: ما الفرْق بينه وبين الغريم الذي (

الشيخ: هذا في بينة ما هو بإقرار، هذا بإقرار، المحجُور عليه لا يُقبَل إقراره بأي شيء، لا بِدَيْن سابق ولا لاحق، إلا إذا صدَّقه الغرماء.

الطالب: كيف تكون البينة يا شيخ؟

الشيخ: يشهد عليه أنه معاه من قبل الإحجار عليه.

طالب: رجل عليه ديْن لشخصين غني وفقير (

) كل واحد يوفي في نفس الموعد، فهل نقول؟

الشيخ: يعني رجل عليه دَيْن مؤجَّل لغني وفقير والأجل واحد.

الطالب: فهل نقول: ليس للغني (

) كلاهما .. ؟

الشيخ: كُلٌّ له حق، ما دام عنده مال، أما إن كان ما عنده مال أبدًا فهو لا يُطالَب، سواء كان صاحب الطلب غنيًّا أو فقيرًا.

الطالب: لكن من أحق يا شيخ؟

الشيخ: كل واحد، كلهم حق ثابت. ما هو بالغني والفقير، هو الطالب ولَّا المطلوب؟

الطالب: هو الطالب.

الشيخ: إي، لا فرْق.

طالب: إنسان لو باع على أحد سيارة (

)، ثم صار عليه حادث فانعدمت السيارة، فماذا؟

الشيخ: تبقى في ذمة المحجور عليه، إذا كان مفرطًا، وإن كان غير مفرط تجلب على صاحبها، إلا على المشهور من المذهب الذين يقولون: إن العقد الفاسد كالغصب، فيقولون: إن عليه الضمان مطلقًا، على المحجور عليه.

ص: 1555

طالب: إذا كان أحد الغرماء موجودًا في البلد ساعة إشهار الحجر على شخص، وبعدين رجع بعد الإشهار، هل من حقه أنه يرجع على المحجور عليه؟

الشيخ: ظاهر كلام العلماء أنه ما يرجع؛ لأنه مفرط؛ لأن الواجب (

) أو وكَّل إنسانًا، قال: شوف فلان الآن مدِين، وماله أقل من دينه وأخشى أن يكون يحجر عليه فأنت إن حجر عليه فأخبرني. (

)

طالب: إنسان يا شيخ عليه مئة ألف، وله عند رجل ثمانون ألفًا مؤجَّلة (

).

الشيخ: ما هو ماله أقل من دَيْنه؟

الطالب: (

).

الشيخ: ما يخالف، أو يقال: هذا ما دام ما حل الأجل فهو كالمعدم، ما يُحجب عليه حتى يحل ويقبض.

طالب: (

).

الشيخ: كيف حال؟

الطالب: يعني حال، ولكن داعٍ للذي يطلبه المحجور عليه لم (

).

الشيخ: طيب، ولا ينظر؟

الطالب: لا، ما ينظر.

الشيخ: خلاص، هذا كالمعدوم.

طالب: الذي ليس عنده مال يستطيع يمشي به، ولكن (

)، لكن إن علم من حال هذا الرجل أنه يقترض المال ويُوعد بالسداد وهو مستأمن.

الشيخ: هذا عادةً يرجع إلى ولي الأمر، وهو ما يُسمى عند الناس بالمدعي العام، إذا رأى مثل هذا اللي يلعب بالناس أنه يجب تأديبه يؤدبه.

الطالب: لكن تجوز مطالبته على هذه الحال، ولو لم يكن عنده شيء؟

الشيخ: لا، إذا علمت ما عنده شيء، أن الرجل أخرق، استقرض منك مثلًا مئة ريال، ولكن أخرق، إذا لقي أناسًا بالسوق نازلين توًّا مسافرين وجايين، قال: تفضلوا الله يحييكم. فهذا ما ..

الطالب: لكن حاله يا شيخ، إذا (

) جميع الناس (

).

الشيخ: ما يخالف، بس نعلم ما عنده شيء، لكن إذا رأى ولي الأمر، ولهذا يُذكر (

) ولو تأكد، الحق للغرماء.

***

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 1556

قال المصنف رحمه الله تعالى في باب الحجر: وإن تصرَّف في ذمته أو أقرَّ بديْن أو جناية توجب قودًا أو مالًا صحَّ، ويطالب به بعد فكِّ الحجْر عنه، ويبيع الحاكم ماله. ويقسم ثمنه بقدْر ديون غرمائه، ولا يحلُّ مؤجَّل بفلس ولا بموت إن وثق الورثة برهن أو كفيل مليء، وإن ظهر غريم بعد القسمة رجع على الغرماء بقسطه، ولا يفك حجره إلا حاكم.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

سبق لنا الكلام على أول باب الحجر، وبيَّنا أن الحجر هو منْع الإنسان من التصرف في ماله، ويكون لحظ نفسه، ويكون لحظ غيره، فالحجْر على السفيه والصغير والمجنون لحظِّ نفسه، أي لحظ المحجور عليه، والحجْر على الْمُفَلَّس الذي عليه ديْن لا يستطيع وفاءه حجْر لحق الغير. ونحن الآن في هذا القسم من الحجْر.

قال المؤلف فيما يترتب على هذا الحجْر: (ولا ينفذ تصرُّفه في ماله بعد الحجْر ولا إقراره عليه).

طالب: (وإن تصرَّف في ذمته).

الشيخ: نعم، قال:(وإن تصرَّف في ذمته) المحجور عليه لا يصح تصرفه في عين ماله، فإذا حجرنا على الرجل لوجود ديْن عليه أكثر مما معه، فإنه لا يُمكن أن يبيع شيئًا من ماله ولو قلَّ، لا يمكن أن يبيع قلمًا ولا ساعة ولا غيرهما؛ لأن أعيان ماله تعلق بها حق الغرماء، لكن إن تصرف في ذمته فلا بأس.

ومعنى (تصرَّف في ذمته) يعني استقرض من شخص شيئًا، فلا حرج، فهذا الرجل الذي حجرنا عليه لو احتاج إلى شيء، مال، واستقرض من غيره فلا حرج.

لعل الصورة واضحة لكم إن شاء الله، أو ما هي واضحة؟

طيب، هذا رجل عليه ديَنْ يبلغ عشرة آلاف، والمال الذي عنده يساوي ثمانية آلاف، الآن نحجر عليه أو لا؟ نحجر عليه؛ حجرنا عليه وقلنا: الآن لا تتصرف في مالك، الرجل استقرض من شخص مالًا، فالقرض هنا صحيح؛ لأنه لم يتصرف في المال الذي حجرنا عليه فيه، وإنما تصرف في ذمته.

ص: 1557

كذلك أيضًا لو اشترى شيئًا، لكن لم يشترِ بعين ماله، اشترى من شخص بيتًا أو سيارة فلا بأس؛ لأن الحجر عليه إنما هو في أعيان المال فقط، أما الذمة فليس عليها حجر.

ولهذا قال: (إن تصرَّف في ذمَّته أو أقرَّ بدين) حال الحجر أقرَّ بدَيْن؛ يعني أن هذا الرجل الذي كان الدَّيْن الذي عليه عشرة آلاف، والذي عنده ثمانية، حجرنا عليه، بعد الحجر قال: في ذمتي لفلان أربعة آلاف ريال، فإننا لا نقبله على المال الموجود، لكن نقبله في ذمته، نقول: الآن ثبت في ذمتك للذي أقررت له كم؟ أربعة آلاف، لكن لا تؤخذ الأربعة من المال؛ لأن هذا التصرف بعد الحجر.

وإن تَصَرَّفَ في ذِمَّتِه أو أَقَرَّ بدَيْنٍ أو جِنايةٍ تُوجِبُ قَوَدًا أو مالًا صَحَّ ويُطالَبُ به بعدَ فكِّ الْحَجْرِ عنه، ويَبيعُ الحاكمُ مالَه ويَقْسِمُ ثَمَنَه بقَدْرِ دُيونِ غُرمائِه، ولا يَحِلُّ مُؤَجَّلٌ بفَلَسٍ ولا بموتٍ إن وَثِقَ وَرَثَتُه برَهْنٍ أو كَفيلٍ مَلِيءٍ، وإن ظَهَرَ غَريمٌ بعدَ القِسمةِ رَجَعَ على الغُرماءِ بقِسطِه، ولا يَفُكُّ حَجْرَه إلا حاكمٌ.

(فصلٌ)

ص: 1558

ويُحْجَرُ على السفيهِ والصغيرِ والمجنونِ لِحَظِّهم، ومَن أعطاهم مالَه بَيْعًا أو قَرْضًا رَجَعَ بعينِه وإن أَتْلَفُوه لم يَضْمَنُوا، ويَلْزَمُهم أَرْشُ الجِنايةِ وضَمانُ مالِ مَن لم يَدْفَعْهُ إليهم، وإن تَمَّ لصغيرٍ خمسَ عشرةَ سنةً أو نَبَتَ حولَ قُبُلِه شَعْرٌ خَشِنٌ أو أَنْزَلَ، أو عَقَلَ مجنونٌ ورَشَدَا، أو رَشَدَ سفيهٌ، زالَ حَجْرُهم بلا قَضاءٍ، وتَزيدُ الجاريةُ في البلوغَ بالحيضِ، وإن حَمَلَتْ حُكِمَ ببُلُوغِها، ولا يَنْفَكُّ الحجْرُ قبلَ شُروطِه، والرُّشْدُ الصلاحُ في المالِ بأن يَتَصَرَّفَ مِرارًا فَلا يُغْبَنُ غالبًا ، ولا يَبْذُلُ مالَه في حرامٍ أو في غيرِ فائدةٍ، ولا يُدْفَعُ إليه حتى يُختَبَرَ قبلَ بُلوغِه بما يَليقُ به، ووَلِيُّهُم حالَ الْحَجْرِ الأبُ ثم وَصِيُّه ثم الحاكمُ، ولا يَتَصَرَّفُ لأحدِهم وَلِيُّه إلا بالأَحَظِ ،

هذا رجل عليه دين يبلغ عشرة آلاف، والمال الذي عنده يساوي ثمانية آلاف، الآن نحجر عليه أو لا؟ نحجر عليه، حجرنا عليه وقلنا: الآن لا تتصرف في مالك.

لرجل استقرض من شخص مالًا، فالقرض هنا صحيح؛ لأنه لم يتصرف في المال الذي حجرنا عليه فيه، وإنما تصرف في ذمته.

كذلك أيضًا لو اشترى شيئًا لكن لم يشترِ بعين ماله، اشترى من شخص بيتًا أو سيارةً فلا بأس؛ لأن الحجر عليه إنما هو في أيش؟ في أعيان المال فقط، أما الذمة فليس عليها حجر، ولهذا قال:(إن تصرف في ذمته).

(أو أقر بدين) حال الحَجْر أقر بدَين؛ يعني أن هذا الرجل الذي كان الدين الذي عليه عشرة آلاف، والذي عنده ثمانية، حجرنا عليه، بعد الحجر قال: في ذمتي لفلان أربعة آلاف ريال، فإننا لا نقبله على المال الموجود، لكن نقبله في ذمته، نقول: الآن ثبت في ذمتك للذي أقررت له كم؟ أربعة آلاف، لكن لا تؤخذ الأربعة من المال؛ لأن هذا التصرف بعد الحجر، فيبقى في ذمته.

ص: 1559

(أو أقر بدين أو جناية توجب قودًا أو مالًا؛ صَحَّ) أقر بجناية توجب قودًا، فقال: إنه قطع يد إنسان، أو إن عبده قطع يد إنسان، وهذا هو الأقرب؛ لأن كونه يُقِرُّ بجناية عليه توجب قودًا ليس فيها فائدة، إلا إذا قيل: ربما يختار من له القود الدية.

فكلمة (توجب قودًا) نقول: تشمل ما إذا أقر على نفسه بجناية توجب قودًا فإنه يصح، لكن لا يُطَالَب به إلا بعد فك الحجر.

كيف الجناية التي توجب قودًا؟ أقرَّ بأنه قطع يد إنسانٍ عمدًا، هذه جناية توجب القصاص، والقود هو القصاص.

نقول: الإقرار صحيح، لكن المُقَرَّ له لا يطالبه إلا بعد فك الحجر ما لم يُطالِب بالقود، فإن طالب بالقود فلا بأس أن يُقَاد؛ يعني إن قال المقر له: أنا أريد أن يقتص منه وتقطع يده، قلنا: لا بأس؛ لأن هذا لا يتعلق أيش؟ لا يتعلق بماله، لكن لو قال المقَرُّ له: أنا أريد دية اليد التي أقر بقطعها، قلنا: لا يمكن؛ لأن الدية تتعلق بالمال.

وكذلك لو كان له عبد وأقر بأن عبده جنى -والعبد من جملة المال يُبَاع في الدين- فإننا لا نقبله إلا بعد فك الحجر، أما الآن فلا.

يقول: (ويُطَالَب به بعد فك الحجر عنه)(يُطَالَب به) أي: بما أقر به، (بعد فك الحجر) ومتى يُفَك الحجر؟ يُفَك إذا أعطينا الغرماء ما وجدوه من ماله، انتهى الحجر، فإذا قُسِمَ ما وجدنا من ماله على الغرماء فقد انتهى الحجر، فيطالب بما أَقَرَّ به، ويُطَالَب بما ثبت في ذمته، فإن حجرنا عليه مرة ثانية شارك من أقر لهم غرماءه الأولين.

طيب، كم حكمًا ترتب على الحجر؟

الحكم الأول: لا ينفذ تصرفه في ماله.

الحكم الثاني: أن إقراره حال الحجر لا يصح على ماله، ولكن يصح في ذمته ويُطَالَب به بعد فك الحجر.

ص: 1560

الثالث قال: (ويبيع الحاكمُ مالَه)(الحاكم) أي: القاضي، (ماله) وهل المراد أن الحاكم نفسه يتولى بيعه فيقف في السوق ويقول: من يشتري هذا، أو يأمر من يبيع؟ الثاني؛ لأن الحاكم عادة -الذي هو القاضي- لا يقف في الأسواق يقول: من يشتري هذا المال؟ لكن يأمر من يبيع ماله؛ أي: مال المحجور عليه.

(ويقسم ثمنه بقدر ديون غرمائه) ثمن المبيع يُقْسَم بقدر أيش؟ ديون الغرماء، بالتساوي أو بقدر الدين؟ الثاني؛ يعني: بقدر الدين، وكُلُّ إنسان يُعْطَى بقسطه.

وكيفية ذلك أن تَنْسِبَ الموجود للدين، فما حصل من النسبة فهو لكُلِّ واحدٍ من دينه.

مثال ذلك: قلنا: إن دَيْنه عشرة آلاف ريال، والموجود ثمانية، انْسُب الثمانية إلى العشرة تكن أربعة أخماس، فلكُلِّ واحد من الغرماء أربعةُ أخماس ماله، مَنْ له ألف كم نعطيه؟ ثمان مئة، ومن له مئة؟ ثمانين، وهلم جرًّا.

فالمهم أن كيفية التقدير أن تنسب الموجود للدين، فتعطي كُلَّ مدين بمثل تلك النسبة، فإذا كان الموجود أربعة أخماس أعطِ كُلَّ واحد أربعة أخماس من نصيبه.

إذا كان دين أحدهم خمسة ريالات، كم نعطيه؟ أربعة ريالات.

شوف واحد منهم أعطيناه ثمان مئة وهذا أعطيناه أربعة ريالات؛ لأن النسبة هكذا تكون.

***

قال: (ولا يحل مؤجل بِفَلَسٍ) يعني: إذا كان على الإنسان دين وحُجِرَ عليه، فهل يحل الدين أو يبقى على أجله؟ يقول المؤلف: إنه لا يحل، فيبقى على أجله ويُطَالَب إذا حلَّ الأجل.

مثال هذا: إنسان استدان من شخص دينًا لمدة سنة، في أثناء السنة حُجِرَ على المدين، فجاء صاحب الدين ليطالب مع الغرماء، فنقول: لا حق لك، ليش؟ لأنه لم يحل دينه؛ مؤجل.

إذا قال صاحب الدين المؤجل: أنتم لما حجرتم عليه سوف تبيعون ماله ولا يبقى لي شيء، نقول: لأنه لا حق لك، فإذا حل دينك شاركت الغرماء إن وُجِدَ له مال، وإلا فلا يحل.

ص: 1561

كذلك لا يحل المؤجل بموت؛ موت المدين إلا أن المؤلف استثنى فقال: (إن وَثَّق ورثته برهن أو كفيل ملي) فإن لم يوثقوا حلَّ.

مثال هذا: رجل عليه عشرة آلاف ريال تحل بعد سنة، ثم مات الرجل، فهل يحل الدين؟

الجواب: لا يحل؛ لأن المال انتقل إلى الورثة بأعيانه وأوصافه، ومن أوصافه أنه مؤجل، فالحق للورثة الآن، إذا قالوا: لن نوفيك؛ لأن دينك لم يحل، فالقول قولهم.

ولكن اشترط المؤلف: (إن وَثَّق ورثته برهن أو كفيل ملي) يعني مثلًا إذا قالوا: حقك الآن لم يحل ولا تطالبنا بشيء، فإذا قال: أخشى أن تقتسموا المال ويضيع حقي، قالوا: لك هذا البيت رهنًا، البيت يساوي عشرين ألفًا، والدين كم؟ عشرة آلاف، الآن هذا الرهن يكفي للدين، إذا لم يرهنوه شيئًا، وقال: قدموا لي كفيلًا، قالوا: هذا فلان يكفل دينك، نظرنا: إذا كان مليئًا لم يحل الدين، وإن كان غير ملي حلَّ الدين.

فمن هو الملي؟ الملي هو القادر على الوفاء؛ بماله وقوله وبدنه، هذا هو الملي: القادر على الوفاء بماله، والثاني: قوله، والثالث: بدنه. فالملي بماله: أن يكون عنده أموال تكفي لهذا الدين، والقادر ببدنه: أن يكون ممن يمكن إحضاره لمجلس الحكم عند التحاكم، والقادر بقوله: ألَّا يكون مماطلًا، فيقول: غدًا ائت، بعد غد، ويماطل، فإذا أتوا بكفيل غني وَفيٍّ لو أبى أن يُوفِي حُوكِمَ، فالدين لا يحل.

وعلم من قوله: (أو كفيل ملي) أنهم لو جاؤوا بكفيل غير ملي فإن الدين يحل؛ لئلا يضيع حق الدائن، جاؤوا إليه بكفيل، الكفيل لا يملك إلا ألف ريال، والدين كم قلنا في المثال؟ عشرة، هل يكفي؟ لا؛ لأنه ليس مليًّا بماله.

ص: 1562

أتوا بكفيل عنده أموال كثيرة، لكنه مماطل لا يكاد يخرج الحق منه؛ كل من جاء وقال: أبغي حقي، قال: طيب بكره إن شاء الله، ائت وعلى العين والرأس، فإذا جاء من بكرة قال: واللهِ ما تيسر اليوم، ائتني بعد أسبوع، أجَّل أمس بيوم واليوم بأسبوع، جاء بعد أسبوع قال: واللهِ أموالي تعرف أنها متبددة في البلاد رايحه يمينًا ويسارًا ولا أظني أقدر على هذا إلا بعد شهر، هل يكفي في إحرازه أو لا يكفي؟ لا يكفي، معلوم أنه مماطل.

أتوا بإنسان غني عنده مال وليس معروفًا بالمماطلة، لكن لو ماطل لم نتمكن من إحضاره إلى القضاء؛ إما لأنه ذو سلطان لا يمكن أن يُؤْتَى به إلى القضاء، وإما لأنه قريب من الإنسان يخجل أن يجر قريبه إلى القضاء؛ كأبيه مثلًا، فهنا نقول: هذا الكفيل لا يكفي، فيحل الدين أو لا يحل؟ يحل الدين؛ لئلا يضيع حق الدائن.

وعلى هذا: فإذا توفي رجل وعليه دين لآخر يحل بعد سنة، وجاء صاحب الدين يُطَالَب الورثة فلهم أن يدفعوه، كذا، أو فيه التفصيل؟ ففيه تفصيل: إن أعطوه رهنًا فلهم الدفع، لكن رهنًا يكفي، إن أقاموا كفيلًا مليئًا فلهم أن يدفعوه، وإلا فإن الدين يحل ويطالب صاحبُ الدين الورثةَ بدينه.

بقي أن يقال: إذا كان هذا الدين ثمن مبيع، فالغالب أن الدين إذا كان ثمن مبيع سوف يزيد عن الثمن الحاضر، إذا كنت أبيع هذه السيارة بعشرة آلاف اليوم سأبيعها إذا كان مؤجل الثمن بكم؟ باثني عشر ألفًا مثلًا.

هذا الرجل استدان من الدائن ومات في أسبوعه مثلًا، رجل اشترى سيارة من شخص باثني عشر إلى سنة، ثم مات اليوم؛ يوم شرائه، ولم يكن عند الورثة رهن يحرز ولم يأتوا بكفيل حلَّ الدين. هل للدائن أن يأخذ جميع الدين، أو لا يأخذ إلا ثمنه الحاضر؟

طالب: ثمنه الحاضر.

طالب آخر: الثاني.

ص: 1563

الشيخ: انتبهوا، الحق واجب الآن اثنا عشر ألفًا، المذهب أنه يحل بقدره ولا ينزل منه شيء؛ لأنه ثبت في ذمة الميت كم؟ اثنا عشر ألفًا، والميت لو كان حيًّا لم يوف إلا بعد سنة.

لكن لو قيل: بأنه إذا مات في مثل هذه السرعة في يومه، فينبغي أن يثبت له قيمة السيارة في اليوم الحاضر؛ لأن السعر لم يتغير، أو يقال له: خذ سيارتك ما (

) شيء، لكن المذهب يقولون: إنه إذا حل المؤجل فإنه يحل بكامله ولا يُنْقَص منه شيء.

الخلاصة الآن: إذا أفلس الرجل المدين هل يحل دينه؟ يعني: الدين اللي عليه هل يحل أو لا؟

طالب: إذا لم يكن هناك رهن.

الشيخ: لا ما فيه رهن، الرجل ما مات حُجِرَ عليه، هل يحل الدين المؤجل أو لا يحل؟

طالب: لا يحل.

الشيخ: لا يحل، يبقى مؤجلًا، طيب.

إذا مات المدين هل يحل الدين المؤجل الذي عليه؟

طالب: فيه تفصيل يا شيخ.

الشيخ: فيه تفصيل، ما هو؟

الطالب: هو إذا كان عندهم رهن الورثة محرز أو عندهم كفيل ملي فحينئذٍ لا يحل الدين، وإذا لم يكن لهم رهن محرز أو لم يكن لهم كفيل ملي فحينئذٍ يحل الدين.

الشيخ: تمام، إذن إذا مات المدين هو الذي فيه التفصيل الذي أردت، إذا مات المدين؛ فإن وثَّق الورثة من له الدين برهنٍ يكفي أو أتوا بكفيل ملي فالدين باقٍ لا يحل؛ لأنه لا ضرر على صاحب الدين، وأما إذا لم يأتوا برهن أو لم يأتوا بكفيل ملي فإنه يحل الدين؛ لئلا يضيع حقه.

بقي علينا الإشكال الذي أوردناه: هل يحل الدين بكامله أو يُخْصَم منه ما كان زائدًا على الثمن الحاضر؟

قلنا: المذهب أنه يحل الدين بكامله؛ لأنه دينٌ ثبت في ذمة الميت فيبقى على ما هو عليه، والذي ينبغي أن يقال: إنه لا يحل الدين بكامله؛ لئلا نظلم الورثة.

ص: 1564

ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وإن ظهر غريم بعد القسمة رجع على الغرماء بقسطه)(إن ظهر غريم بعد القسمة) أي: بعد قسمة ماله؛ يعني: حجرنا على الرجل وقسمنا ماله، لم يبق عنده شيء، ظهر بعد ذلك غريم لم يعلموا به من قبل، يقول:(رجع على الغرماء بقسطه).

وكيف قسطه؟ ننظر نسبة دينه إلى ما أخذه الغرماء، فإذا نظرنا إليه ووجدناه نصف ما أخذه الغرماء؛ يرجع على كل واحد بنصف ما أخذ، ربعه؛ يرجع على كُلِّ واحد بربع ما أخذ.

مثال ذلك -المثال الأول-: الدين عشرة آلاف، والموجود ثمانية آلاف، قسمنا الثمانية بين الغرماء، ظهر غريم دينُه أربعة آلاف، أربعة آلاف نسبةً إلى الثمانية النصف، يرجع على كل واحد بنصف نصيبه.

إذا رجع بنصف نصيبه كم يكون له من الموجود؟

طالب: أربعة.

الشيخ: أربعة، لا.

طالب: الثلث.

الشيخ: الثلث، يرجع على كل واحد بثلث نصيبه؛ لأنك تضيف نصيبه إلى الموجود -وهي ثمانية- يبلغ اثني عشر، ونسبة الثمانية إلى اثني عشر كم؟ الثلثان، فيرجع على كل واحد بثلث نصيبه.

ثم قال المؤلف: (ولا يفك حجره إلا حاكم)(لا يفك حجره) أي: حجر المحجور عليه لفلس لا يفكه إلا حاكم، التعليل: لأنه ثبت بحكم الحاكم، وما ثبت بحكم الحاكم لا يرتفع إلا بحكمه؛ يعني لا نقول: إننا إذا قسمنا ماله بين غرمائه انفك الحجر، لا، لا بد من أن يفكه الحاكم، وعلى الحاكم أن يبادر بفك الحجر عنه، لا يماطل.

مثلًا نحن قسمنا ماله الموجود بين الغرماء اليوم؛ السبت، لا يجوز للقاضي أن يؤخر فك الحجر إلى يوم الجمعة مثلًا؛ لأن في ذلك ضررًا عليه، بل نقول: يجب أن يفكه فور قسمته.

***

ثم قال المؤلف رحمه الله: (فصلٌ ويُحْجَر على السفيه والصغير والمجنون لحظهم).

ص: 1565

هؤلاء ثلاثة؛ السفيه وهو الذي لا يحسن التصرف في المال، هو بالغ عاقل لكن لا يحسن التصرف في المال؛ يذهب يشتري به حلويات ومفرقعات وما أشبه ذلك، هذا أيش يكون؟ سفيهًا. الصغير: هو الذي لم يبلغ. المجنون: فاقد العقل.

هؤلاء الثلاثة يُحْجَر عليهم، فلا يُمَكَّنون من التصرف في مالهم، لكن (لحظهم) لا لحظ غيرهم، فإذا كان السفيه مراهقًا حجرنا عليه من وجهين؛ هما: السفه، والصغر. ولكن لا بأس أن نعطيه ما يتصرف به مما جرت به العادة لنختبره؛ لأن الله تعالى قال:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]، هذا مَنْ؟ السفيه الذي لم يبلغ؛ يعني بمعنى أننا لا نحجر عليه حجرًا تامًّا، بل نعطيه ما يتصرف به بقدره حتى نعرف أنه يحسن التصرف، فإذا بلغ أعطيناه ماله.

ويش قلنا في السفيه؟ قلنا: السفيه يُحْجَر عليه إذا كان مراهقًا، فهل نمنعه من التصرف في ماله مطلقًا أم ماذا؟

طالب: يُعْطَى بعض شيء (

).

الشيخ: نعم، يُعْطَى الشيء اليسير حتى يُعْرَف حسنُ تصرفه، فإذا بلغ أعطيناه ماله كُلَّه.

المجنون هل نعطيه شيئًا للاختبار؟

طلبة: لا.

الشيخ: لماذا؟

طلبة: لأنه لا يحسن التصرف.

الشيخ: لأنه لا يمكن، المجنون مجنون، لو أعطيناه أيَّ شيء سوف يخربه.

السفيه البالغ كالمراهق؛ بمعنى أننا لا نمكنه من التصرف في ماله كما يريد، ولكن نعطيه شيئًا مما جرت به العادة؛ يعني نعطيه -مثلًا- البيض يبيعه، دجاجة، وما أشبه ذلك من الأشياء اليسيرة.

ثم قال المؤلف: (ومن أعطاهم ماله بيعًا أو قرضًا رجع بعينه، وإن أتلفوه لم يضمنوا).

قوله: (من أعطاهم)(من) هذه اسم شرط، واسم الشرط يدل على العموم؛ يعني: أيُّ إنسان أعطاهم ماله بيعًا أو قرضًا رجع بعينه، وإن أتلفوه لم يضمنوا.

ص: 1566

مثال ذلك: رجل باع على السفيه ساعة، ثم إن السفيه أتلفها، فهل يصح البيع؟ وهل يضمن السفيه؟

الجواب: البيع لا يصح، فإن كان أخذ ثمنها من السفيه وجب عليه رده، وهل يضمنها هذا السفيه؟ أجيبوا.

طلبة: لا.

الشيخ: لا يضمنها؛ لأن الرجل هو الذي سلطه على ماله فلا يضمن، لا يضمن السفيه الذي أتلف هذه الساعة.

كذلك (قرضًا) هذا إنسان سفيه جاء لشخص قال: أقرضني -جزاك الله خيرًا- مئة ريال، وهو يعرفه من بني فلان، من أهل الشرف والسؤدد، فقال: أبرك ساعة، هذه مئة ريال. فهل لو أتلفها هذا السفيه -أتلف المئة- هل يضمنها؟ لا، لكن إن بقيت المئة في يده فلمن أقرضه إياها أن يأخذها منه؛ لأن هذا التصرف غير صحيح.

إذا قُدِّر أن هذا السفيه اشترى بها حاجة، هل يرجع عليه بها؟

الجواب: نعم يرجع؛ لأن البدل له حكم المبدَل، فإذا جاء هذا السفيه إلى شخص وقال: أقرضني مئة ريال، قال: طيب، اتفضل، فذهب واشترى بها ساعة، فهل يرجع الذي أعطاه مئة ريال بالساعة أو لا؟ يرجع؛ لأنها بدل ماله، وهو لو وجد ماله عند السفيه لأخذه، فكذلك إذا وجد بدله.

أما لو اشترى هذا السفيه بالمئة ريال؛ اشترى بها حلويات وأكلها، بطيخًا وأكله، صلح بها وليمة وعزم عليها أصحابه وأكلها، هل يضمن؟ لا يضمن، ليش؟ لأنه هو الذي سلطه على ماله، وهذا سفيه، كيف تعطي مالك للسفهاء؟ !

ومثل ذلك الصغير؛ لو جاء الصغير وقال لشخص صاحب لأبيه يعرفه، قال: سلفني عشرة ريالات، اللي يقوله مَنْ؟ الصغير، والرجل صاحب لأبيه يعرفه، قال: خذ، فأخذها الصغير واشترى بها أشياء وأتلفها، هل يضمن الصغير؟ لا، لكن لو وجد عشرة بيده أخذها منه؛ لأنها عينُ ماله.

لو جاء الصغير وقال: إن أبي يقول: من فضلك سلفني مئة ريال، لا يريدها لنفسه، لكن ادعى أن أباه أوصاه، قال للصبي: روح إلى فلان وقل له: يقول أبي أقرضني مئة ريال، فأقرضه، ثم إن الصبي أتلفها، هل يضمن؟

طلبة: لا يضمن.

طلبة آخرون: يضمن.

ص: 1567

الشيخ: لا، فيه تفصيل؛ إن صَدَّق الوالد ابنه يضمن؛ يضمن الأب؛ لأن الولد قبضها وكيلًا عن أبيه، فإذا تلفت بيد الولد كأنما تلفت بيد أبيه، وإن قال: لم أرسله ولا علمت بذلك فلا ضمان عليه، لا ضمان على مَنْ؟ على الصبي. طيب، لماذا؟ نقول: لأن هذا الرجل هو الذي سلَّط الصغير على ماله.

لكن هذه المسألة فيها إشكال في الواقع، يعني الذي قررنا الآن هو مقتضى كلام الفقهاء رحمهم الله، لكن فيه إشكال؛ لأنها جرت العادة في مثل هذا أن الإنسان يقول لابنه الذي لم يبلغ، مثلًا مراهق أو له اثنا عشرة سنة أو ما أشبه ذلك: يا بني روح لجارنا -مثلًا- قل له: يقول الوالد: سلفني مئة ريال مثلًا، جرت به العادة، أليس كذلك؟ فهنا لا شك أن الرجل لم يعطه مئة ريال إلا وهو واثقٌ من أن أباه قد أوصاه، وإلا لم يعطه.

فهذه المسألة عندي فيها توقف، وهو أنه إذا كان جرت العادة بأن صاحبه يرسل إليه ولده ليستقرض منه، فينبغي أن يقال: إنه يضمن، لكن في هذه الحال مَنِ الذي يضمن؟ الذي يضمن الوالد؛ لأن الرجل إنما أقرضه بناءً على أن أباه أرسله.

هذا إذا كانت العادة بينهما جارية مطردة، أما إذا لم تكن العادة جارية مطردة فإن هذا الصغير لا يضمن، ووالده أيضًا لا يضمن إذا كذَّبه.

ص: 1568

كلمة (من أعطاهم) ذكرنا أنها عامة، فإذا كان الذي أعطاهم مثلهم، انتبهوا يا جماعة: إذا كان الذي أعطاهم مثلهم؛ يعني صغيرًا أعطى صغيرًا، وتلف المال عند الصغير، فهل يضمن أو لا؟ انتبهوا الآن، إحنا قلنا بالأول: إذا أعطاهم الكبير ماله فلا ضمان؛ لأنه هو الذي سلَّطهم، لكن هذا الذي أعطاهم المال صغير، وتصرف الصغير غير صحيح، فهل نقول: عليهم الضمان؛ لأن عطية الصغير هنا غير معتبرة، فكأن الصغير الذي أُعْطِيَ المال كأنه أتلفه بدون إعطاء؛ لأن هذا الإعطاء غير معتبر لكونه ممن لا يصح تصرفه؟ أو نقول: إن هذا الصغير لما سلَّط الصغير على المال فإنه لا ضمان؟ نقول: الأقرب الضمان؛ لأن حق الآدمي مضمونٌ بكل حال، وإعطاء الصغار لمثلهم لا عبرة به. أنت فاهم زين؟ قل لي.

طالب: إذا أقرض الصغير صغيرًا مالًا (

).

الشيخ: فأتلفه الصغير المعطى، هل يضمنه أو لا؟

الطالب: لا يضمنه؛ لأن الصغير كأنه أتلف مالًا لم يعطه.

الشيخ: هذا الذي قلنا: إنه أقرب؟

طالب: أن الأقرب أنه يضمنه.

الشيخ: أنه يضمنه؛ لأن إعطاء الصغير غير معتبر، فكأن الصغير الذي أتلفه كأنه هو الذي جنى على المال فأتلفه.

طيب، إذا أعطاه كبيرٌ؛ أعطى الكبير صغيرًا مالًا فأتلفه، هل يضمن؟

طالب: المذهب على أنه إن صدَّقه؛ الوالد إن صدَّقه.

الشيخ: لا، شوف السؤال: رجل كبير أعطى هذا الصغير مالًا فأتلفه.

الطالب: لا يضمن؛ لأن الصغير .. ، دون أن يرسله والده؟

الشيخ: إي، دون أن يرسله.

الطالب: لا يضمن الصغير.

الشيخ: ليش؟

الطالب: لأن الصغير لا تصرف له.

الشيخ: قال: هذا مالي أتلفه، لازم يضمنه.

الطالب: لكنه صغير.

الشيخ: هو الصغير ما يضمن؟ أرأيت لو أن الصغير –مثلًا- دخل على بيت إنسان وأكل الخبز والفطور، يضمن أو لا يضمن؟

طالب: لا يضمن؛ لأنه هو الذي سلَّطه على ماله.

ص: 1569

الشيخ: صحيح لا يضمن؛ لأنه هو الذي سلَّط الصغير على ماله، وقال: أنت الذي فرطت، ليش تبيع على هذا الصغير؟ ليش تقرض هذا الصغير؟

طالب: شيخ -بارك الله فيكم- قد قررنا أن المذهب أن الدين لا يتأجل؟

الشيخ: لا، الدين الحال لا يتأجل.

الطالب: لا، الدين أصلًا لا يتأجل، دين حال.

الشيخ: الدين الحال لا يتأجل، أما الدين المؤجل من أصل العقد فلا مانع منه.

الطالب: شيخ، نحن كنا قد قررنا أن الدين أصلًا لا يتأجل على مذهب الحنابلة.

الشيخ: لا ما قررنا هذا، قررنا أن الدين الحال لا يتأجل.

الطالب: إذا أجله صاحبه بالاتفاق؟

الشيخ: من حين العقد ولَّا بعد العقد؟

الطالب: سواء.

الشيخ: لا، ليس سواء، إذا بعت عليك هذه السيارة بعشرة آلاف إلى سنة، هذا يصح، وهذا دينٌ مؤجل بأصل العقد، وإذا بعت عليك هذه السيارة بعشرة آلاف نقدًا لم نذكر الأجل، ثم أجلناه، لا يتأجل.

الطالب: شيخ، لو أنا اقترضت من رجل عشرة آلاف على ألَّا يسددها بعد ستة أشهر، يقولون في المذهب: لي الحق أن أطالبه من الغد.

الشيخ: إي نعم، ليش؟ لأن القرض لا يصح إلا حالًّا، القرض عندهم لا يثبت في الذمة إلا حالًّا.

الطالب: طيب، والدين أليس هو قرضًا؟

الشيخ: بلى، لكن ما يصلح أن نقول: كُلُّ دينٍ لا يتأجل، ما يصح هذا.

الطالب: إنما الدين الذي أصله في ..

الشيخ: الدين الحال أو الذي لا يمكن فيه التأجيل لا يمكن تأجيله، والصواب أنه جائز، هذا وهذا.

الطالب: هذا الصواب الذي ..

الشيخ: نعم.

طالب: شيخ -بارك الله فيك- الصغير والسفيه والمجنون هل لا بد من حجر أم أنهم يعني مجرد .. ؟

الشيخ: لا، ما يحتاج إلى الحجر، ما يحتاج إلى الحجر إلا من سفِه بعد رشد فلا بد من حجره.

الطالب: طيب يا شيخ، على هذا كُلُّ واحد يتصرف مع الصغير أو السفيه حتى لو ما علم إن ..

ص: 1570

الشيخ: فهو على خطر في الواقع، إلا إذا كان مما جرت به العادة -كما أشرنا إليه- في الأشياء اليسيرة، هذا جرت به العادة؛ ولهذا ذكر العلماء في البيع، ولا بد أنه مر عليك.

الطالب: شيخ، لكن السفيه فيه إشكال، قد يكون رجلًا كبيرًا لكن ما يعرف أنه محجور عليه، يتكلم كلامًا طيبًا -مثلًا- ويتصرف معه ثم لا يعلم أنه محجور عليه؟

الشيخ: ولو لم يعلم.

الطالب: أقول: لا بد أن يسأل ويتحرى؟

الشيخ: إي يتحرى، نعم.

طالب: أثابك الله يا شيخ، رجل عنده دكان فجاءه مجموعة من الصبيان واشترى كل منهم لعبة، فأخذ الصبيان الألعاب وأتلفوها، لا يكون يعني البائع .. ، هل لهم أن يردوا هذه المتلفات على صاحب الدكان أم لا؟

الشيخ: هذه المتلفات تالفات، لكن هل تؤخذ قيمتها من صاحب الدكان أو لا؟ وإلا التالفات تالفات؛ يعني هل تؤخذ قيمتها من صاحب الدكان إذا كانوا قد سلموا القيمة أو لا؟ هذا السؤال؟

الطالب: نعم يا شيخ.

الشيخ: نقول: أما ما جرت به العادة فإن تصرفهم صحيح، وهذا جرت به العادة الآن؛ يعني اللعب الصغيرة بنصف ريال بريال هذه جرت به العادة، لكن لو يأخذ لعبة بخمسين ريالًا -مثلًا-ما جرت به العادة.

الطالب: يا شيخ، تكون مصيبة على صاحب الدكان لا سيما في أيام العيد، لو كل واحد قال: أنا لا أريد لعبتي وأريد مالي؛ يعني خلاص يغلق دكانه؟

الشيخ: إحنا ما قلنا: اليسير لا بأس به؟

الطالب: لا، لعبة كبيرة يا شيخ.

الشيخ: (

) إذا قال: أبغي اللعبة الكبيرة بخمسين ريالًا، أقول: (

) اذهب إلى أبيك وائت به.

طالب: (

) لأنه أكثر ما يأتيه أطفال.

الشيخ: لكن ما هي بخمسين، ما فيه لعبة بخمسين ريالًا.

طالب: فيه بخمس مئة وبألف!

الشيخ: اللهم اهدنا فيمن هديت! أنا ما أظن الألعاب هذه السيارات الصغيرة هذه أنها بخمسين ريالًا.

طالب: بخمسة وعشرين ريالًا.

الشيخ: الصغيرة يا ناس اللي كفرها زي الزرار، هذه بخمسين ريالًا؟ !

طالب: يمكن بريالين.

ص: 1571

طالب آخر: الآن العرف الصغير عشر سنوات يتصرف بمئتين وثلاث مئة.

الشيخ: خلاص، إذن إذا جرى العرف، أنا قلت لكم من قبل: ما جرى به العرف فهو تصرف صحيح؛ بمعنى أنها لو تلفت هذه بأيديهم ما نرجع على صاحب الدكان الذي أخذ قيمتها؛ لأن هذا مما جرى به العرف.

طالب: إقرار المدين بدين وظهور غريم ..

الشيخ: إقرار المفلس.

الطالب: إقرار المفلس بدين وظهور غريم آخر، هذا الآخر من مال الغرماء؟

الشيخ: إقرار المفلس بدين

الطالب: نعم.

الشيخ: بعد الحجر ولَّا قبل؟

الطالب: بعد الحجر.

الشيخ: بعد الحجر، لا يُقْبَل إقراره على ما في يده من المال.

الطالب: وظهور غريم جديد.

الشيخ: وظهور غريم جديد قبل القسمة يشارك.

الطالب: (

) بعد القسمة (

الشيخ: يرجع على الغرماء بقسطه.

الطالب: مفيش تشابه بين الحالتين يعني؟

الشيخ: لا، بينهما فرق عظيم.

***

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المصنف رحمه الله تعالى في باب الحَجْر:

ويلزمهم أرش الجناية، وضمان مال من لم يدفعه إليهم، وإن تم لصغيرٍ خمس عشرة سنة، أو نبت حولَ قُبُله شعرٌ خشنٌ أو أنزل، أو عَقَلَ مجنونٌ ورشدا، أو رَشَدَ سفيهٌ زال حجرهم بلا قضاء.

وتزيد الجاريةُ في البلوغ بالحيض، وإن حملت حُكِمَ ببلوغها.

ولا ينفك الحجرُ قبل شروطه.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

سبق أن الحجر قسمان: حجر لحظ الغير، وحجر لحظ النفس. فمتى يكون الحجر لحظ الغير؟

طالب: يكون الحجر لحظ الغير إذا كان الرجل مفلسًا -مثلًا- وعليه ديون للناس.

الشيخ: ومتى يثبت؟

الطالب: ويثبت إذا قال به الحاكم ..

الشيخ: لا، يعني ما سببه؟

الطالب: سببه عدم (

).

الشيخ: إذا كانت الديون أكثر من ماله.

ص: 1572

هل من الحجر لحظ الغير أن يُحْجَر على المريض مرض الموت فيما زاد على الثلث؟

طالب: نعم، من الحجر لحظ الغير، والحظ هنا للورثة.

الشيخ: نعم، المريض مرض الموت لا يتبرع بأكثر من الثلث، لكن لحظ الورثة.

مَنِ الذي يُحْجَر عليه لحظ نفسه؟ كم؟

طالب: السفيه.

الشيخ: السفيه.

الطالب: والمجنون.

الشيخ: والمجنون.

الطالب: والصغير.

الشيخ: والصغير.

الشيخ: ما الفرق بين الثلاثة؟

الطالب: المجنون هو الذي زال عقله.

الشيخ: الذي زال عقله أو من لا عقل له؟

الطالب: لا عقل له.

الشيخ: أو الذي زال عقله؟

الطالب: الذي زال عقله.

الشيخ: أو الذي لا عقل له؟

الطالب: كله واحد.

الشيخ: لا، ما هو كله واحد.

الطالب: زال عقله، كان عنده عقل في الأول.

طالب آخر: إذا زال عقله من لا عقل له.

الشيخ: لا، فرق بين هو من زال عقله، أو من لا عقل له.

الطالب: الذي لا عقل له هو الذي (

) وهو لا عقل له.

الشيخ: إي، طيب، أحسنت.

الطالب: ولكن من زال عقله (

) إذا زال عقله خلاص، انتهى الحال.

الشيخ: إذن نقول: العبارة المحررة: هو من لا عقل له؛ لأنه لو قلنا: من زال عقله معناه أنه كان عاقلًا ثم زال، أليس كذلك يا جماعة؟

طلبة: بلى.

الشيخ: أما إذا قلنا: من لا عقل له، شمل من كان له عقل فزال ومن لم يكن له عقل من الأصل.

من السفيه هنا؟

طالب: السفيه هو غير كامل الأهلية.

الشيخ: ما تبين؟

الطالب: لا يحسن التصرف في أمواله.

الشيخ: لا يحسن التصرف في ماله، أحسنت، بارك الله فيك.

رجلٌ بالِغٌ عاقل أعطى ماله صغيرًا فأتلفه الصغير؟

طالب: لا ضمان على الصغير.

الشيخ: لا ضمان، أليس هو المتلِف؟

الطالب: بلى، لكن الصغير لا عقل له، (

) لم يُكَلَّف، فلا يُطَالب ..

الشيخ: أليس الصغير إذا أتلف شيئًا يضمنه؟

الطالب: لكن هذا الرجل هو الذي سلط الصغير على ماله.

ص: 1573

الشيخ: أحسنت، نقول: لا يضمن؛ لأن هذا البالغ الرجل هو اللي سلط ماله عليه؛ ولهذا لو أن الصغير -وإن لم يميز- دَبَّ إلى مال شخص وأتلفه لضمنه، تمام.

جنى صغير على إنسان، ما تقول؛ هل يضمن أو لا؟

طالب: يضمن.

الشيخ: وأيش معنى جنى عليه؟

الطالب: جنى عليه؛ يعني: اعتدى عليه.

الشيخ: يعني؟

الطالب: أضره في نفسه أو ماله.

الشيخ: إي، يضمن؟

الطالب: نعم.

الشيخ: طيب؛ لأن حق الآدمي لا فرق فيه بين المكلف وغير المكلف.

***

قال المؤلف رحمه الله: (ويلزمهم) أي: هؤلاء الثلاثة، (أرش الجناية) يعني: إذا جنوا فإن أرش الجناية -أي: ما تُقَدَّر به الجناية- لازمٌ لهم، سواءٌ كانت الجناية على النفس أو على المال، فلو أن هؤلاء الثلاثة اعتدوا على شاة إنسان وكسروها يلزمهم أرش الجناية، ولو اعتدوا عليه نفسه وكسروا يده لزمهم أرش الجناية؛ لأن حق الآدمي لا يُفَرَّق فيه بين المكلف وغير المكلف؛ إذ إنه مبني على المُشاحة، ولا يمكن أن يضيع حق مكلف بعمل مكلف أو غير مكلف أيضًا، لا بد أن يُضْمَن.

ويلزمهم أيضًا (ضمان مال من لم يدفعه إليهم) حتى وإن كان ليس لهم تمييز؟ نعم؛ فلو أن المجنون اعتدى على مال إنسان وأحرقه فإنه يضمنه.

فإذا قال قائل: أليس قد رفع القلم عن ثلاثة؟

قلنا: نعم، رفع القلم عن ثلاثة باعتبار حق الله؛ ولهذا لا يأثم هذا المجنون، ولا يأثم هذا السفيه، ولا يأثم هذا الصغير. لا، السفيه يأثم إذا كان بالغًا، لكن الصغير لا يأثم، والمجنون لا يأثم، ولكن الضمان لازمٌ لهم؛ لأن هذا حق للآدمي.

ص: 1574

ثم قال: (وإن تَمَّ لصغيرٍ خمسَ عشرة سنةً) قارؤنا تلكَّأ بعض الشيء في (خَمْس) وأراد أن يقول: (خمسُ عشرة)؛ لأنها فاعل، ثم عدل وقال:(خمسَ عشرة)، فهل الصواب بالضم أو بالفتح؟ الصواب بالفتح؛ لأنها مبنية على الفتح، وكُلُّ الأعداد المركبة ما عدا اثني عشر كلها مبنية على الفتح، كُلُّ الأعداد المركبة: ثلاثَ عشرةَ، أربعَ عشرةَ، خمسَ عشرةَ، ستَّ عشرةَ، سبعَ عشرةَ، ثمانيَ عشرةَ، تسعَ عشرةَ، وأحدَ عشرَ أيضًا، أو إحدى عشرةَ، أما اثنا عشر فإنها بحسب العوامل؛ فتقول: جاءني اثنا عشر رجلًا، وأكرمت اثني عشر رجلًا، حسب العوامل.

(إن تمَّ لصغيرٍ خَمْسَ عَشْرةَ سنةً، أو نبت حَولَ قُبُلِهِ شعرٌ خشنٌ، أو أنزل).

هذه ثلاثة أشياء بها يحصل البلوغ، فيحصل البلوغ بواحد من الأشياء الثلاثة: إذا تم له خمسَ عشرة سنة فقد بلغ، والدليل على ذلك حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: عُرِضْت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد وأنا ابن ثلاثَ عشرةَ سنة فلم يجزني (1)، أخرجه البخاري. وفي رواية للدارقطني والحاكم صحيحة: ولم يرنِي بلغت (2).

طالب: أربعَ عشرة سنة.

الشيخ: وأنا ابن؟

الطالب: أربع عشرة.

الشيخ: إي، ثلاث عشرة.

الطالب: أربع عشرة.

الشيخ: لا، ثلاث عشرة، راجعها.

طالب: (

) أربع عشرة.

الشيخ: أربع عشرة؟ لا، ثلاث عشرة.

ولم يرنِي بلغت، وعُرِضْت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسَ عشرةَ سنة فأجازني ورآني بلغت (1)، الشاهد قوله: ورآني بلغتُ؛ لأننا لو اقتصرنا على الرواية الأولى -رواية البخاري- لو اقتصرنا عليها لنازع منازع وقال: إنه أجازه ولم يجزه لا لأنه لم يبلغ أو قد بلغ، ولكن لأنه ليس أهلًا للقتال؛ إما لضعف جسمه، أو لغير ذلك من الأسباب، لكن رواية الحاكم والدارقطني تدل على أنه لعدم البلوغ لم يجزه، وللبلوغ أجازه.

ص: 1575

قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فحدثته بهذا الحديث، فقال: هذا هو حد البلوغ، وكتب إلى عماله بذلك.

وعلى هذا فنقول: إذا تم للإنسان خمسَ عشرةَ سنة فهو بالغ، وإن كان صغيرًا في جسمه، وإن كان لم يحتلم، وإن كان لم تنبت عانته، حدٌّ فاصل، فيمكن أن يكون الإنسان في أول النهار غير مكلف وفي آخر النهار مكلفًا، إذا وُلِدَ عند أذان الظهر؛ عند زوال الشمس، وتم له خمس عشرة سنة عند زوال الشمس، ماذا يقال؟ بلغ.

فإذا قال قائل: كيف يمكن البلوغ بين دقيقة ودقيقة؟

قلنا: لا بد من حدٍّ، إذا اعتبرنا البلوغ بالسنين فلا بد من حد، حتى لو جعلناها ثماني عشرة سنة سوف يبلغ في آخر النهار وفي أول النهار ليس ببالغ، حتى -مثلًا- في الإنزال إذا احتلم في نصف النهار صار أول النهار غير بالغ وآخره بالغًا، لا بد من حد، هذه (خمسَ عشرةَ سنةً).

الثاني: (أو نبت حَوْلَ قُبُلِهِ شعرٌ خشنٌ)(نبت حول قُبُله) سواءٌ كان ذكرًا أم أنثى، (شعرٌ خشنٌ) أي: قويٌّ صلب، احترازًا من الشعر الخفيف، فهذا يحصل حتى لابن عشر أو أقل، لكن الشعر الخشن القوي الصلب هذا علامة البلوغ.

وقوله: (نبت) ظاهره أنه نبت بدون علاج، أما لو كان هناك علاج بأن ادَّهن هذا الصبي بدهنٍ ينبت به الشعر فإنه لا يحصل البلوغ بذلك؛ لأن هذه معالجة، لكن إذا نبت بالطبيعة فهذا يحصل به البلوغ.

الثالث: (أو أنزل) أي: أنزل منيًّا سواءٌ في اليقظة أو في المنام فإنه يحكم ببلوغه. فهذه علامات البلوغ.

دليل المسألة الثانية والثالثة حديث عطية القرظي: أنهم عُرِضُوا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة؛ فكان من أنبت أو احتلم قُتِلَ، ومن لا فلا (3)، وهذا يكون قرينة على أن هذا هو البلوغ.

ولقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59].

ص: 1576

(أو عَقَلَ مجنونٌ) مجنون بالغ أو غير بالغ؟ مجنون بالغ؛ لأن البلوغ الذي سبق يكون للعاقل والمجنون، لكن لو عَقَلَ مجنونٌ كان بالغًا وهو على جنونه أو حدث له جنون بعد ذلك.

(ورَشُدَا) الفاعل يعود على الصغير والمجنون، فعلى هذا يكون قوله:(ورَشُدَا) شاملًا للصغير والمجنون، (إن تمَّ لصغيرٍ .. أو عَقَلَ مجنونٌ ورَشُدَا) معطوف على ما سبق.

ومعنى الرشد في كُلِّ موضع بحسبه، وهنا الرشد هو الصلاح في المال وإحسان التصرف فيه، بينما نجعل الرشد -مثلًا- في باب النكاح في ولاية النكاح هو الذي يعرف الكفء ومصالح النكاح، فالرشد في كُلِّ موضع بحسبه.

(أو رَشَدَ سفيهٌ) بالغ ولَّا غير بالغ؟ بالغ، عاقل ولَّا غير عاقل؟ عاقل، وإنما قلنا ذلك؛ لأن الأصل في العطف المغايَرة، فيكون السفيه هنا من كان عاقلًا بالغًا، لكنه لا يُحسن التصرف في ماله، ثم رشد.

(زال حجرهم بلا قضاء) أي: بلا قضاء حاكم، بمجرد ما يحصل البلوغ مع الرشد أو العقل مع الرشد أو الرشد بعد السفه ينفك الحجر عنه، ولا حاجة نروح للقاضي.

فلو أن يتيمًا بلغ بالسن مع رشده في نصف النهار فله أن يطالب وليَّهُ بماله الذي عند وليِّهِ في آخر النهار، فلو قال الولي: لا أعطيك حتى نذهب إلى القاضي ويحكم بأن الحجر زال فإنه لا يطاع؛ لأن الحجر يزول بزوال سببه، ودائمًا يمر علينا الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.

فإن قال قائل: ما الفرق بين هذا وبين من حُجِرَ عليه لفلس؛ لأنه هناك قال: لا بد من قضاء (لا يفك حجره إلا حاكم)؟

قلنا: لأن ذاك حجر لحظ الغير، فلا يمكن أن نطلق سراحه ونقول: تصرف في مالك كما شئت إلا بحكم الحاكم.

ص: 1577

وإن كان بعض العلماء يقول هناك: إنه إذا وُزع ماله وقُسِم انفك الحجر. لكن المذهب أقرب إلى الصواب؛ أنه من حُجِرَ عليه لحظِّ الغير فلا بد من حاكمٍ ينقض الحجر، أما من حُجِرَ عليه لحظِّ نفسه -وهم هؤلاء الثلاثة: الصغير والمجنون والسفيه- فإنه بمجرد زوال العلة التي أوجبت الحجر ينفك الحجر.

قال: (وتزيد الجارية في البلوغ بالحيض)(الجارية) يعني: الأنثى، تزيد في البلوغ بالحيض، فيكون علامات البلوغ عندها أربعة: تمام خمس عشرة سنة، إنبات الشعر الخشن حول القُبُل، الإنزال، الحيض.

دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ» (4)، والمراد بالحائض التي أصابها الحيض أو التي قد حاضت؟ التي أصابها الحيض؛ لأن الحائض التي هي حائض بالفعل لا يمكن أن تصلي، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول:«لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ» .

(وإن حملت حُكِمَ ببلوغها) إن حملت الجارية حُكِمَ ببلوغها، كيف تحمل الجارية قبل أن يتم لها خمس عشرة سنة؟ يمكن؟ نعم يمكن، قال أهل العلم: يمكن لبنت تسع سنين أن تحمل، ويمكن لابن عشر أن يُولَد له، فهذه -مثلًا- جارية لها اثنتا عشرة سنة تزوجت وليس لها عانة، ثم ولدت، فهل حصل البلوغ بالحمل أو حُكِمَ ببلوغها بالحمل؟

قال العلماء: يُحْكَم ببلوغها بالحمل عن طريق اللزوم؛ لأنه لا حمل بلا إنزال، وإذا أنزلت بلغت بإنزالها؛ ولهذا قال المؤلف:(حُكِمَ ببلوغها) ولم يقل: وإن حملت بلغت، قال:(حُكِمَ ببلوغها).

والحكم بالبلوغ هل هو بالحمل أو بالإنزال السابق له؟

الجواب: الثاني؛ بالإنزال السابق له، وعلى هذا فإذا ولدت امرأة ولها اثنتا عشرة سنة، ولم ترَ الحيض ولم ترَ الإنبات، وهي لم يتم لها خمس عشرة سنة، نقول: إنها الآن بالغة، بماذا؟ بالإنزال السابق للحمل.

ص: 1578

قال: (ولا ينفك قبل شروطه) يعني: لا ينفك الحجر على هؤلاء الثلاثة قبل شروطه، فما شرطه في الصغير؟ البلوغ والرشد، في المجنون: العقل والرشد، في السفيه: الرشد، فلا بد إذن من تمام الشروط، فإذا تمت الشروط انفك ولا حاجة للحاكم.

***

ثم قال: (والرشد: الصلاح في المال بأن يتصرف مرارًا فلا يُغْبَن غالبًا ولا يبذل ماله في حرامٍ أو في غير فائدةٍ) هذا الرشد؛ والرشد في كُلِّ موضعٍ بحسبه.

(الصلاح في المال) يقول: (بأن يتصرف مرارًا فلا يُغْبَن)، فإن كان كُلَّما باع أو اشترى غُبن؛ يشتري ما يساوي عشرة بعشرين، ويبيع ما يساوي عشرين بعشرة، فهل هذا رشيد؟

الطلبة: لا.

الشيخ: ويعطي بلا شيء تبرعًا؛ إذا صادفه أحد قال: يا فلان والله هذه طيبة أعطني إياها، قال: تفضل، هذا سفيه.

وكذلك أيضًا لو كان يبذل ماله في غير فائدة فإنه لا يجوز؛ كإنسان معه أوراق من الدراهم، فوضع ورقة بيده وطار بها الهواء فأعجبه هذا، وجعل يخرج من الكيس وينصبها في الهواء وتطير، هذا سفيه ولَّا رشيد؟ سفيه لا شك؛ لأنه بذل ماله في غير فائدة.

إذا بذل ماله في حرام، صار إنسانًا -والعياذ بالله- ينفق ماله بالسكر فإنه سفيه، لكن هل يُحْجَر عليه؟ ظاهر كلام المؤلف أنه يُحْجَر عليه؛ لأنه يبذل أمواله فيما يضره، وفي هذا نظر؛ وذلك لأن الناس يعتبرون هذا رشيدًا في ماله، ولو كان يشتري به الدخان ويشرب، يشتري به الخمر ويشرب، يشتري به المخدرات ويأكلها، يرون أنه رشيد، لكن لنا أن نحجر عليه بطريقٍ آخر؛ يعني بأن نحبسه ونجلده، وإذا كان يشرب الخمر جلدناه ثلاث مرات، ففي الرابعة نقتله؛ يعني: إذا لم ينته بغير ذلك، وكذلك في المخدرات نجري عليه العقوبة.

أما أن نقول: إنه محجور عليه، ويأتي هذا الرجل الجيد في البيع والشراء، لكنه يشرب الدخان، نقول: هذا لا يصح أن يبيع بيته! لا يصح أن يبيع سيارته! لا يصح أن يشتري خبزة لأولاده! لا أحد يقول بهذا.

ص: 1579

ولذلك نجد الناس كثيرًا منهم الآن يشرب الدخان، فيصرف ماله في حرام، ومع ذلك لم يقل أحدٌ من القضاة: إن بيعه لبيته أو سيارته أو ما أشبه ذلك إنه بيعٌ باطل؛ لأن هذا في الواقع يحسن التصرف في المال، لكنه ضلَّ في دينه وصار لا يبالي أن يبذله فيما حرم الله عليه.

إذن الأوْلى أن نقول: السفيه هو الذي لا يحسن التصرف في ماله؛ بأن يُغْبَن ويُغَر ويُخْدَع، أو يبذله في غير شيء ينتفع به، كما ذكرنا في مسألة الذي يُطَيِّرُ أوراق النقود ويتفرج عليها.

مثل ذلك لو فرضنا أنه رجل له عشرون سنة، وابْتُلِي بشراء المفرقعات، صار يشتري مفرقعات ويفرقعها، هذا سفيه أو غير سفيه؟ هذا سفيه لا شك؛ يُحْجَر عليه.

قال: (ولا يُدْفَع إليه حتى يُخْتَبر قبل بلوغه بما يليق به) إذا كان ولدَ تاجرٍ، فالذي يليق به ما هو؟ البيع والشراء، إذا كان ولدَ فلاحٍ فالذي يليق به إحسان التصرف في الزرع، إذا كانت امرأة فالذي يليق بها أن تحسن ما يتعلق بشؤون البيت، المهم أنه يُخْتَبر كُلُّ إنسان بما يليق به.

وينبغي أن يُقَال: إنه لا يتعين هذا الذي قاله المؤلف؛ لأنه ربما تكون المرأة جيدة في شؤون البيت، لكنها خرقاء في مسألة المال، فهل نقول: هذه رشيدة؟ لا.

ولو قيل: (حتى يُخْتَبر بما يدل على رشده في ماله) لكان أحسن؛ لأننا الآن نتكلم عن أيش؟ عن المال، ما هو عن الأعمال، فيكون الصواب أن يُقَال: ولا يُدْفَع إليه حتى يُخْتَبر قبل بلوغه فيما يتعلق بتصرف المال، هل يكون رشيدًا فيه أو لا؟ أو فيما يُعْلَم به رشده في التصرف بماله.

ثم قال: (ووليهم حال الحجر الأبُ، ثم وصيُّه، ثم الحاكم) تنحصر ولاية هؤلاء في ثلاثة؛ الأب، والمراد به الأب الأدنى الذين خرجوا من صلبه، ثم وصي الأب؛ وهو من أوصى إليه بعد الموت في النظر على هؤلاء الأولاد الصغار، ثم الحاكم؛ أي: القاضي.

ص: 1580

وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا ولاية للجد ولو مع فَقْدِ الأب، فأبناء الابن يتولى مالَهم والنظرَ فيه إذا لم يكن لأبيهم وصي يتولاه الحاكمُ، مع وجود الجد، حتى لو كان الجد حانيًا عليهم قد ضمَّهم إلى عياله، وهو من أنصح الناس لهم، وأحسن الناس تصرفًا في مالهم، فالمؤلف يقول: إن الجد ليس وليًّا.

والأخ الكبير ليس وليًّا، والعم ليس وليًّا، والأم ليست وليًّا، تنتقل الولاية من الأب مباشرة إذا لم يكن له وصي إلى الحاكم، وهذا لا شك أن فيه نظرًا؛ لأن أوْلى الناس بهم جدُّهم، أخوهم الكبير، عمهم، وهو أرفق الناس بهم، كيف نجعل الولاية لإنسانٍ بعيد؟ !

ولكن طريق هذا على المذهب أن يذهب الجد إلى الحاكم ويطلب أن يكون وليًّا عليهم، والحاكم إذا رأى أن هذا أهلٌ للولاية ولَّاه، حتى الحاكم يتمنى أن يأتي أحد يكفيه مؤونتهم.

قال: (أو وصيه) مَن وصيه؟ وصي مَنْ؟ الأب، وهو الذي أحال النظر إليه بعد موته؛ بأن أوصى قال: أوصي إلى فلانٍ بالنظر في مال أولادي الصغار. طيب، لهم جد أيهما أوْلى الوصي أو الجد؟ الوصي. لهم أخ شقيق كبير، الوصي، وهذا قد يكون مُسلَّمًا؛ لأن الأب يبعد جدًّا أن يوصي إلى أحدٍ أجنبيٍّ من أولاده مع وجود أهلٍ من أقاربه، هذا بعيد جدًّا؛ فلذلك نرى أن كلام المؤلف هذا صواب، حتى لو قال الجد للوصي: أنا جدهم وهو أبناء ابني، يقول الوصي: أنا وصي أبيهم.

طيب، وكيل الأب؟ وكيل الأب من باب أوْلى؛ لأن الوكالة أمرٌ بالتصرف في الحياة، والوصية أمرٌ بالتصرف بعد الموت، وإذا كان حيًّا ينظر ما يصنع الوكيل فهو من باب أوْلى أن تُسْتَفاد بالوكالة.

قال: (ولا يتصرف لأحدهم وليُّه إلا بالأحظ) لقول الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أْحْسَنُ} [الأنعام: 152].

وقوله: (بالأحظ) يُخْرِج ما لا حظَّ فيه إطلاقًا وما فيه حظٌّ لكن غيره أحظ.

فالأقسام إذن ثلاثة:

الأول: أن يكون فيه حظ، لكن غيره أحظ.

ص: 1581

والثاني: ألَّا يكون فيه حظ إطلاقًا.

والثالث: أن يكون التصرف هو الأحظ.

والذي يجب اتباعه هو الأحظ؛ لما ذكرناه من الآية الكريمة: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152].

ولنضرب لكُلِّ واحد منهم مثالًا:

ما لا حظ فيه؛ اشترى لهم أرضًا يعلم أنها لن تزيد قيمتها، وليس في شرائه فائدة، لكن عُرِضَت عليه واستحيا من الذي عرضها أن يرده، واشتراها لليتيم من مال اليتيم، هذا فيه حظ أو لا؟ ما فيه حظ، وربما يكون فيه خسران.

ثانيًا: الحظ دون الأحظ؛ عُرِضَ عليه سلعتان، إحداهما يُؤمِّل أن تربح عشرين في المئة، والثانية يُؤمِّل أن تربح أربعين في المئة، هل له أن يشتري السلعة التي تربح عشرين في المئة؟

طالب: ليس له.

الشيخ: لماذا؟ لأنها ليست أحظ، فيشتري السلعة التي يُؤمِّل أن تربح أربعين في المئة.

كذلك أيضًا لو دار الأمر بين أن يتَّجِرَ بمالٍ آفاتُهُ كثيرةٌ ومالٍ قليل الآفات، فالواجب أن يتَّجر بالمال القليل الآفات.

هل له أن يتبرع من ماله؟ لا.

هل له أن يتصدق؟ لا؛ لأن هذا ليس من حظ الصغير.

هل له أن يكسوه ثوبًا جديدًا في العيد أو نقول: يُغْسَل ثوبه القديم؟ أيهما أحظ؟

الطلبة: الأول.

الشيخ: الأول أحظ؟

الطلبة: نعم.

الشيخ: يشتري ثوبًا بمئتي ريال وهو يمكن أن يغسل القديم بعشرين ريالًا، نقول: نعم، الأول أحظ؛ لأنه من مصلحة الصبي أن يفرح مع الناس ويكون عليه ثوب جديد.

جاء عيد الأضحى، هل يشتري من ماله أضحية له أو لا؟

أما في عُرفنا: لا؛ لأن اليتيم لا يهمه سواء ضُحِيَ له أم لا، لكن شيخ الإسلام رحمه الله ذكر أنه يُضَحَّى لليتيم من ماله؛ لأن هذا هو الذي جرت به العادة، وهذا عندهم فيما سبق أن اليتيم يفتخر إذا ضحى، فيكون هذا من باب الإنفاق عليه بالمعروف، أما في عهدنا الآن فنرى أن اليتيم لا يهمه أن يُضَحَّى له أو لا.

ص: 1582

طالب: شيخ -بارك الله فيك- بالنسبة لاختبار (

) السفيه أو المجنون أو الصبي بمجرد أن يبلغ أو يرشد أو يعقل يُدْفَع إليهم مالهم ويزول الحجر؟

الشيخ: نعم، بشرط الرشد.

الطالب: نعم، لكن كيف نعلم الرشد؟

الشيخ: الرشيد مثلما قال الله عز وجل: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6].

الطالب: شيخ، هؤلاء اليتامى، فما حال السفيه؛ كيف نعرف رشده؟ (

) يدعي أنه راشد؟

الشيخ: لا ما نقبل، نعطيه شيئًا يسيرًا وننظر، مثلًا نعطيه شيئًا -مثلًا- عشرة ريالات على أن يشتري -مثلًا- شيئًا يفيد، فذهب واشترى شيئًا لا يفيد، أعرف أنه ما رشد.

الطالب: مَنِ الذي يعطيه يا شيخ؟

الشيخ: وليه، إذا كان الأب موجودًا فهو الولي، إذا لم يكن موجودًا فوصيه، إذا لم يكن وصيٌّ فالحاكم.

طالب: شيخ -أحسن الله إليك- ما فهمت مسألة تَحْمِلُ المرأة قبل البلوغ، كيف هذا؟

الشيخ: لا، ما تحمل قبل البلوغ، لكن حملها دليلٌ على بلوغها.

الطالب: بدون حيض ولا .. ؟

الشيخ: بدون حيض نعم، يمكن تحمل قبل أن تحيض، لكن هل نقول: إذا حملت بلغت بالحيض أو بالإنزال؟

الطالب: بالإنزال.

الشيخ: بالإنزال، نعم.

طالب: أحسن الله إليك، بالنسبة للبلوغ بخمسة عشر عامًا، لكن هنالك من يبلغ الرشد أكثر مما .. يعني في سن العشرين ولم يبلغ، فهل هذا يعني .. ؟

الشيخ: إي، هو إذا بلغ خمس عشرة سنة سواء بلغ أو لم يبلغ بالإنبات أو بالإنزال ما علينا منه، يُحْكَم عليه بالبلوغ بواحدٍ من هذه الثلاثة.

الطالب: أنا سؤالي: من له -مثلًا- عشر سنين أو نحوه ..

الشيخ: أيش؟

الطالب: إنسان أقل من خمسة عشر عامًا مع أنه رشيد، فهل هذا إذا فعل ذنبًا أو هكذا يعني ..

الشيخ: إذا فعل أيش؟

الطالب: إذا فعل شيئًا يوجب الحكم أو أي ذنب آخر، يعني هل يعاقبه الله أو يُكْتَب عليه .. ؟

الشيخ: هل أنبت أو لم ينبت؟

ص: 1583

الطالب: لم ينبت ولم ..

الشيخ: ولم يحتلم.

الطالب: ولم يحتلم ولم يظهر فيه من علامات البلوغ أي شيء.

الشيخ: زين طيب.

الطالب: لكنه رشيد ويعلم المنكرات فهل يكتب عليه؟

الشيخ: لا يأثم، لا يُكْتَب عليه، لكن يجب على وليه أن يمنعه من المعاصي.

طالب: إذا أنبت صبي وهو ابن سبع سنين (

) هل يعتبر هذا بلوغًا؟

الشيخ: لا، يعني الإنبات لا بد أن يكون بمقتضى الطبيعة، لا بسبب.

طالب: قلنا: إذا البنت حملت وهي .. ، حُكِمَ ببلوغها، طيب إذا كانت على القول الراجح -مثلًا- لا تميز، التمييز ليس له حد، حملت وهي لا تميز؟

الشيخ: ما يصير، يعني حملت ولها خمس سنين؟ !

الطالب: بتحصل.

الشيخ: تحمل وهي لها خمس سنين؟

الطالب: حصلت.

الشيخ: ما تحمل إلا الزلع كأن تشيلها على رأسها.

الطالب: حصلت يا شيخ.

الشيخ: لا، ما تحصل.

الطالب: سجلت في الوقائع.

الشيخ: عجيب! سمعتم بهذا؟

الطالب: قرأتها يا شيخ.

الشيخ: أخبار الصحف ما هي مضبوطة.

طالب: توسعات علمية.

الشيخ: لا، أبدًا.

طالب: (

).

الشيخ: إي نعم، لا ما يمكن يا رجال، ما يمكن أبدًا، إذا حصل جاب الله حكمها.

طالب: إذا تصرف بغير حظ هل نقول: لا ينفذ تصرفه أو ينفذ مع الإثم؟

الشيخ: ينفذ مع الإثم والضمان.

طالب: عفا الله عنك يا شيخ، بعض الناس (

) والأعمام وبعض الإخوة منزوعين البركة ومنزوعين الرحمة من قلوبهم، هل يمكن للقاضي (

) وولاهم، لكن ما شاف لهم (

) بعض الناس غير الأعمام والجد (

الشيخ: ما فيها شك؛ ولهذا العلماء رحمهم الله قالوا: إن وصي الأب مقدم على القاضي؛ لأن الأب لا يمكن أن يوصي على أولاده إلا من يرى أنه خير، والقاضي إذا لم يكن وصيًّا قلنا في الشرح: ينبغي للقاضي أن يولي من فيه الكفاية من الأقارب؛ لأن القريب لا شك أنه أشد عطفًا على قريبه من الأجنبي.

طالب: عفا الله عنك، الرجل الذي اشترى شيئًا بغير فائدة هل يُحْجَر عليه من أول مرة أو لا بد من تكرار ذلك؟

ص: 1584

الشيخ: الظاهر أنه لا بد من التكرار، كما أننا لا نحكم برشده إلا إذا تكرر التصرف ولم يُغْبَن.

طالب: شيخ -بارك الله فيك- الأم هل تكون وصية لهؤلاء؟

الشيخ: إي نعم، نعم الأم تكون وصية بوصاية الزوج.

الطالب: لا يا شيخ، قصدي ولية.

الشيخ: لا، ما تكون ولية.

الطالب: لماذا؟

الشيخ: (

)، لكن فيه قولٌ ثانٍ أن جميع العصبات لهم ولاية، أما الأم فليس لها ولاية، لكن كما قلنا قبل قليل: المسألة حلها ما فيه إشكال؛ تذهب إلى القاضي وتثبت أنها جديرة بالتصرف بمالهم وتأخذ الأولاد.

طالب: شيخ -بارك الله فيكم- إذا كان الإنسان يحسن التعامل مع الغير كالبيع وغيره، ولكن مع نفسه لا يحسن التصرف في ماله؛ بحيث يصرفه فيما لا فائدة فيه، هل يعتبر هذا ..

الشيخ: يحسن التصرف مع الغير؟

الطالب: نعم.

الشيخ: في أيش؟

الطالب: في البيع.

الشيخ: في البيع والشراء، إي.

الطالب: أما مع نفسه فلا يحسن.

الشيخ: هذا لا يكون رشيدًا، إلا كما قلت لكم في مسألة الذين يبذلون أموالهم في محرم يرون أنهم ينتفعون به؛ بالنشوة والسَّكَر، وكما يزعمون في الدخان أنه يوجب إزالة الهم والغم وهم كاذبون في ذلك.

طالب: يا شيخ، أثبت الطب الحديث الآن أنه لا علاقة بإنزال المرأة في الحمل؛ يعني ما يختلف طبيبان الآن في هذه المسألة، كيف -يا شيخ- نعلق المسألة بهذا .. ؟

ص: 1585

الشيخ: هذا كلام الفقهاء كما علمت، وهو مقتضى من فسَّر قول الله تعالى:{يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7] أي: صلب الرجل وترائب المرأة؛ لأنه قال: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 6، 7]، فإذا فُسِّرت الآية بأن المراد بالماء ماء الرجل والمرأة فهذا هو المني، ولا بد أن يُنْظَر هل هذا الذي قرر الأطباء هل هو حقيقة أو لا؟ قد يكون أن المرأة تُنْزِل ويختلط ماؤها بماء الرجل كما جاء في الحديث، وكما في حديث أم سليم قال:«نَعَمْ، إِذَا هِيَ رَأَتِ الْمَاءَ» (5)، فينظر في كلام الأطباء، ويمكن أن يجمع بينه وبين الأدلة بوجه غير مستقر.

الطالب: ما يحمل على الغالب يا شيخ؟

الشيخ: لا، على كل حال يُنْظَر فيه.

طالب: لو قال ولي الصغير: أنا أتصدق بماله لما يلحق -مثلًا- هذا الصغير أو اليتيم من الأجر، وما في الآخرة خير مما في الدنيا، فهل يضمن؟

الشيخ: يضمن نعم، ليس له الحق أن يتصدق به؛ لأنه إلى الآن لم يتم عقله، صغير، أو لم يتم التصرف إذا كان بالغًا لكنه سفيه، فيُحْفَظ له ماله.

الطالب: شيخ، هذا تأويله يعني ..

الشيخ: أبدًا، إلا في الواجب، في الواجب نعم، لو لزمه كفارة؛ مثل لو قتل خطأً وقلنا بوجوب الكفارة عليه، فحينئذٍ يشتري رقبة من ماله.

طالب: في مسألة الراشد؛ أعطيناه مالًا لنختبره، فوجدناه يحسن التصرف في البيع والشراء، لكنه يستحيي أن يطالب بحقه؟

الشيخ: لكن هل إذا استحيا أن يطالب بحقه هل يأتي لوليه ويقول: إن فلانًا في ذمته لي كذا وكذا؟

الطالب: لا، ما يقول يا شيخ، يسكت.

الشيخ: ما يحسن التصرف، هذا لا يحسن التصرف، ما طالب بحقه.

ص: 1586

الطالب: وقع عندي إشكال -يا شيخ- في الحديث في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ برجل وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«دَعْهُ؛ فَإِنَّ الْحَيَاءَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ» (6)، فلو كان يقرض الناس ويستحيي أن يطلب ماله، فكيف الجواب على هذا الإشكال؟

الشيخ: ما أدري، يعظ أخاه في الحياء ما بُيِّن، إلا إذا كانت فيه روايات أخرى تبينه.

الطالب: في الشروح يا شيخ.

الشيخ: رواية أخرى تبين أنه يبيع على الناس ولا يأخذ منهم، لازم نشوفه.

***

في الدرس الماضي ذكرنا أن حديث ابن عمر عُرِضَ على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، ولكن تبين أن الصواب أربع عشرة سنة (1)، وفيه إشكال.

وكذلك أيضًا: ولم يرني بلغت، وفي الثاني يقول: ورأني بلغت، ذكرنا أنه أخرجه الدارقطني والحاكم، والصواب أن الذي أخرجه البيهقي وابن حبان بإسنادٍ صحيح (2)، فتُعَدَّل هذه في الأوراق وكذلك في أشرطة التسجيل، لا بد من هذا.

الإشكال في حديث ابن عمر يقول: إنه عُرِضَ على النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد وهو ابن أربع عشرة سنة، وعُرِضَ عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة، فالفرق سنة، ومن المعلوم أنَّ أُحُدًا في السنة الثالثة والخندق في السنة الخامسة، فكيف يُخرَّج هذا الحديث؟

يمكن أن يخرَّج على وجهين:

الوجه الأول: أنه كان في أحد في أول السنة الرابعة عشرة، وفي الخندق في آخرها؛ يعني في أول هذا وآخر هذا.

أو يقال: إن ابن خمس عشرة سنة؛ يعني: قد بلغها ولا يمنع أن يكون قد تجاوزها، كما تقول للرجل الذي له ست عشرة سنة: هذا له خمس عشرة سنة؛ يعني: فأكثر.

فالجواب من أحد الوحهين: إما أن يكون في أول الرابعة عشرة يوم أحد، وفي آخر الخامسة عشرة في غزوة الخندق، وهذا يمكن أن يكون بينهما سنتان، قد تكون هذه في أول شوال وهذه في آخر شوال، وإلا فالغزوتان كلتاهما في شوال.

ص: 1587

والثاني أن يقال: ابن خمس عشرة سنة؛ يعني: أنه قد بلغها، ولا يلزم أن يكون لم يتجاوزها بشيء يسير.

طالب: على اعتبار الثاني فيه دليل على تحديد .. ؟

الشيخ: إي نعم، يكون فيه دليل؛ لأن اعتبار الخمسة عشرة يدل على أنه دليل ولو زاد بعض الشيء.

***

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسَلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب الحَجْر: ولا يتصرف لأحدهم وليُّه إلا بالأحوط، ويَتَّجِر له مجانًا، وله دفع ماله مُضاربةً بجُزءٍ من الربح، ويأكل الوليُّ الفقيرُ من مال مَوْلِيِّه الأقل من كفايته أو أجرته مجانًا، ويُقْبَل قولُ الوليِّ والحاكمِ بعد فكِّ الحجر في النفقة والضرورة والغبطة والتلف ودفع المال.

وما استدان العبدُ لزمَ سيِّدَه إن أذن له، وإلا ففي رقبته كاستيداعه وأَرْش جنايتِه وقيمة متلفه.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسَلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

نسأل: بماذا يحصل البلوغ؟

طالب: إذا بلغ خمس عشرة سنة، والثاني: إذا أنبت.

الشيخ: تمام خمس عشرة سنة، والثاني؟

الطالب: إذا أنبت شعر العانة وكان خشنًا.

الشيخ: إذا أنبت شعر العانة؛ وهو الشعر الخشن اللي يكون حول القبل.

الطالب: والشرط الثالث: الإنزال.

الشيخ: لا، ما هو شرط ثالث، الأمر الثالث.

الطالب: الأمر الثالث: الإنزال؛ أن ينزل، والمرأة يُشْتَرط شرط رابع.

الشيخ: ما هو شرط يا أخي!

الطالب: عفوًا، أمر رابع وهو الحيض.

الشيخ: طيب، صحيح.

هل يحصل البلوغ بنبات اللحية؟

طالب: نعم يا شيخ، إذا كان الشعر خشنًا.

الشيخ: اللحية؟

الطالب: إلا إذا كان نباته معالجًا.

الشيخ: لا، نبات طبيعي.

ص: 1588

ويَتَّجِرُ له مَجَّانًا، وله دَفْعُ مالِه مُضارَبَةً بجُزْءٍ من الربْحِ، ويَأكلُ الوَلِيُّ الفقيرُ من مالِ مُوَلِّيهِ الأقلَّ من كِفايتِه أو أُجْرَتِه مَجَّانًا ، ويُقبلُ قولُ الوليِّ والحاكمِ بعدَ فكِّ الحَجْرِ في النفَقَةِ والضرورةِ والغِبطةِ والتلَفِ ودَفعِ المالِ، وما استدانَ العبدُ لَزِمَ سَيِّدَه إن أَذِنَ له، وإلا ففي رَقبتِه كاستيداعِه وأَرْشِ جِنايتِه وقِيمةِ مُتْلَفِه.

(باب الوكالة):

تَصِحُّ بكلِّ قولٍ يَدُلُّ على الإِذْنِ، ويَصِحُّ القَبولُ على الفَوْرِ والتراخِي بكلِّ قولٍ أو فِعْلٍ دال عليه، ومَن له التَّصَرُّفُ في شيءٍ فله التَّوكيلُ والتوكُّلُ فيه، ويَصِحُّ التوكيلُ في كلِّ حقِّ آدَمِيٍّ من العُقودِ والفُسوخِ، والعِتْقِ والطلاقِ، والرَّجعةِ وتَمَلُّكِ الْمُباحاتِ من الصيدِ والحشيشِ ونحوِه، لا الظِّهارِ واللعانِ والأَيْمَانِ

نسأل: بماذا يحصل البلوغ؟

طالب: إذا بلغ خمس عشرة سنة، والثاني: إذا أنبت.

الشيخ: تمام خمس عشرة سنة، والثاني؟

الطالب: إذا أنبت شعر العانة وكان خشنًا.

الشيخ: إذا أنبت شعر العانة، وهو الشعر الخشن اللي يكون حول القُبُل.

الطالب: الشرط الثالث: الإنزال.

الشيخ: لا، ما هو شرط ثالث، الأمر الثالث.

الطالب: الأمر الثالث: الإنزال، أن يُنزل، وفي المرأة يُشترط شرط رابع.

الشيخ: ما هو شرط يا أخي!

الطالب: أمر رابع، وهو الحيض.

الشيخ: طيب، صحيح؟ هل يحصل البلوغ بنبات اللحية؟

طالب: نعم يا شيخ، إذا كان الشعر خشنًا.

الشيخ: اللحية؟

الطالب: إلا إذا كان يعني نباته معالجًا.

الشيخ: لا، نبات طبيعي، إنسان نبتت لحيته ولم يحصل به علامة من العلامات الثلاثة.

الطالب: لا، إذا ما حصل العلامة ما يحصل البلوغ.

الشيخ: يعني ولو كان له لحية؟

الطالب: إي نعم.

طالب آخر: شيخ، هذا من باب أوْلى؛ لأنه لا يمكن أن تنبت اللحية حتى يبلغ.

الشيخ: الآن اختلف الشيخان!

ص: 1589

طالب: شيخ، إذا كان حمل، المرأة إذا حملت (

).

الشيخ: لا، ما يلزم، يعني لا يلزم من نبات اللحية نبات العانة مثلًا.

طالب: لا يحصل البلوغ بنبات اللحية.

الشيخ: إي، الصحيح نعم، لا يحصل؛ لأن العلماء لم يقولوا إلا هذا: ثلاث علامات فقط، حتى لو نبت له لحية وشارب فإنه لا يكون بالغًا، لا يبلغ إلا بإنبات العانة فقط.

طيب، مَنْ وَلِيُّ هؤلاء حال الحجر؟

طالب: الأب.

الشيخ: الأب؛ هذا واحد.

الطالب: ثم وصي الأب.

الشيخ: ثم وصي الأب.

الطالب: ثم الحاكم.

الشيخ: ثم الحاكم.

طيب، هل هناك أولياء سواهم؛ سوى هؤلاء الثلاثة: الأب، ثم وصيه، ثم الحاكم؟

طالب: لو كان (

).

الشيخ: يعني ما الذي تفهمه من كلام المؤلف أن هناك أولياء سواهم أو لا؟

طالب: لا.

الشيخ: لا، كذا؟

طالب: وكيله.

الشيخ: الوكيل يُعتبر من الأب؛ لأنه وكيل في حال حياته، فهو داخل في قوله: الأب. على كل حال المذهب: ليس هناك إلا هؤلاء الثلاثة.

والقول الثاني: أن أولياءه هم أقاربه؛ العصَبة: كالجد، والأخ الشقيق، والعم وما أشبه ذلك، وهذا هو الأقرب.

طيب، تصرُّف الولي في مال موليه له ثلاث حالات؟

طالب: له أن يكون الأحظ له.

الشيخ: أن يكون بالأحظ، والثاني؟

الطالب: وعدم الأحظ (

).

الشيخ: لا، قبل علشان نخليه.

الطالب: أحظ آخر يعني.

الشيخ: الأضر.

الطالب: نعم.

الشيخ: بالأضر، والثالث؟ ألا يكون أحظ ولا أضر.

الطالب: نعم.

الشيخ: طيب، ما هو الواجب؟

طالب: الواجب أن يقدم الأحظ.

الشيخ: الواجب أن يتصرف بالأحظ، ما الدليل؟

الطالب: قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152].

الشيخ: طيب، إذا قدرنا أنه يتصرف يظن أنه أحظ وأحسن، ثم أخلفت الأمور؟

طالب: يظن أنه هو الأحظ، فالواجب أن (

)، وإذا استقبل أمرًا خلاف ما توقع فلا يمنع هذا.

ص: 1590

الشيخ: هل يضمن أو لا؟ يعني رجل اشترى مثلًا أراضي بمئة ألف ظنًّا منه أنها سوف تزداد القيمة، ولكن صار الأمر بالعكس؟

الطالب: إذا كان يظن أنه يعرف أحوال السوق وكذا أنه هو الأحظ له، ثم تبين خلافه؛ هذا لا يضمن.

الشيخ: كذا؟ ما تقولون؟

طلبة: نعم، لا يضمن.

الشيخ: صحيح، هذا ربما نأخذه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» (1)، هذا مثل الحاكم مُتصرِّف في غيره بما يرى أنه أنفع، لكن حصل شيء بغير اختياره.

طيب، لو تصرف في شيء يظنه الأحظ، وتبين أنه ليس الأحظ، وهذا غير المسألة التي ذكرناها أولًا، إحنا ذكرنا: تصرَّف يظنه الأحظ، وهو الأحظ، لكن نزلت القِيم، لكن تصرف يظن أنه الأحظ، وتبين أنه ليس الأحظ؟

طالب: إن كان مُفرِّطًا ضمن، ومع عدم التفريط لا يضمن.

الشيخ: سمعتم؟ يقول: إن كان مُفرطًا في عدم البحث والتحري والنظر فهذا يضمن؛ لأن الواجب ألا يقدم على شيء حتى يتحرى وينظر، وإن لم يكن مُفرِّطًا فهو أمين ولا شيء عليه.

قال المؤلف رحمه الله: (ويتَّجِر له مجانًا) يعني أن ولي الصغير والمجنون والسفيه (يتجر له)، أي: لمولِيِّه، (مجانًا)؛ يعني لا يأخذ شيئًا، فيبيع ويشتري بماله، ولكن لا يأخذ شيئًا؛ لأنه أمين يتصرف لحظ هذا الذي ولَّاه الله عليه، ولكن إذا قال: أنا لن أشغل نفسي بالاتِّجار له، إلا أن يُجعل لي سهم من الربح كالمضارب؟

فيقال: نعم؛ إذا كان يصده عن أشغاله لو اتجر له ويقول: أنا لن أشتغل به عن أشغالي الخاصة إلا إذا كان لي سهم من الربح، فحينئذٍ نقول: لا بد أن نرجع إلى المحكمة، إلى القاضي، وهو الذي يفرض له ما يراه مناسبًا.

ص: 1591

وعلى هذا فقول المؤلف: (يتجر له مجانًا)، ظاهره مطلق سواء شغله عن أشغاله الخاصة أو لا، ولكن ينبغي أن يُقيَّد؛ ما يشغله عن أشغاله الخاصة، ويأبى أن يتجر إلا بسهم، فحينئذٍ نقول: لا بأس، لكن تُرفع المسألة إلى القاضي ليقرر ما يراه مناسبًا.

(وله دفع ماله مضاربة بجزء من الربح)(له) أي: لولي المحجور عليه.

(دفع ماله) أي: مال المحجور.

(مضاربة بجزء من الربح)، (مضاربة) مأخوذة من الضرب؛ لقول الله تعالى:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20]؛ لأن الغالب أن التجار يسافرون إلى البلاد ويأتون بالأموال ويبيعونها، ويسافرون إلى البلدان بأموالهم ليبيعوها هناك.

ومعنى المضارَبة: أن يدفع مالًا إلى شخص عامل معروف بالحذق والجودة، ويقول: هذه عشرة آلاف اتَّجر به، ولك نصف الربح مثلًا. نقول: هذه مضارَبة اشتملت على عقْد بين شخصين من أحدهما مال ومن أحدهما عمل.

وهذه من سعة الشريعة الإسلامية؛ لأنه يوجد من الناس من عنده مال، لكنه لا يُحسِن التصرف، ومن الناس من هو قادر على التصرف، لكن ليس عنده مال، فيُكمَّل هذا بهذا بأن يعطي صاحب المال من يحسن التصرف المال مضارَبًا.

(بجزء من الربح) وهنا يجب على الولي أن يختار أقل العروض في الربح، إذا تساووا في الحذق والأمانة.

يعني مثلًا: عرض عشرة آلاف، قال: هذه عشرة آلاف أريد أن أجعلها مضاربة، تقدم إليه رجلان؛ أحدهما قال: يكفيني السدس من الربح، والثاني قال: لا يكفيني إلا الربع، من يعطي؟ الذي طلب السدس، لكن بشرط أن يتساوى الشخصان في الأمانة والحذق، فإن كان من طلب الربع أقوى أمانة وأشد حذقًا، فإنه يُقدَّم؛ لأن هذا أقرب إلى أن يحصل على ربح كثير، وإن كان الله تعالى قد يسوق الربح لرجل أبله ما يعرف، لكن الإنسان ليس له إلا الظاهر.

هل له أن يأخذ هو بنفسه المال مضاربة؟ يعني يعمل بمال المحجور عليه مضاربة؛ يعني يفرض لنفسه سهمًا ويتجر؟

ص: 1592

الجواب: لا؛ لأنه قال: (يتجر له مجانًا، ويدفعه لغيره مضاربة)، أما هو بنفسه لو قال: أنا أريد أن أتجر بمال المحجور عليه ولي نصف الربح، ربع الربح، حسب ما يرى في السوق، فإنه ليس له ذلك؛ لأنه متهم، فلا يجوز أن يفعل.

لكن -كما قلت لكم قبل قليل- إذا كان يقول: أنا لن أتجر؛ لأنه يصدني عن اتجاري بمالي إلا بسهم، نقول: حينئذٍ تُحوَّل المسألة إلى مَنْ؟ إلى القاضي ليفرض له من السهم ما يرى أنه مناسب.

(بجزء من الربح)، جزء مُشاع ولَّا مُعين؟

طلبة: مشاع.

الشيخ: مشاع ولَّا معين؟

طالب: لا، معين.

طالب آخر: مضاربة.

طالب آخر: مشاع.

الشيخ: مضاربة بجزء من الربح.

طالب: مشاع يا شيخ.

الشيخ: مُعيَّن ولا مشاع؟

طلبة: مشاع.

الشيخ: مشاع.

طالب: معين.

طالب آخر: مضاربة.

الشيخ: لا تصح المضاربة مع سهم معين أبدًا، لا بد أن يكون مشاعًا.

ويكون معلومًا ولَّا يقول: بجزء من الربح؟

طلبة: لا، معلوم.

الشيخ: لا بد أن يكون معلومًا، فقول المؤلف:(بجزء من الربح) يعني معناه أنه يُعطيه مضاربة بجزء، لكن نرجع إلى شروط المضارَبة وهو لا بد أن يكون الجزء معلومًا، مشاعًا معلومًا.

طيب، إنسان أعطى ماله مضاربة لشخص، وقال: لك ربح شهر محرم ولي ربح شهر صفر، يجوز أو لا يجوز؟

طلبة: لا يجوز.

الشيخ: هذا مُعيَّن، ما يجوز. لو قال: لك ربح المال الفلاني كالسكر مثلًا، ولي ربح المال الفلاني كالأرز، يجوز أو لا يجوز؟ لا يجوز؛ لأن هذا معين. لو قال: لك من الربح مئة ريال والباقي لي؛ لا يجوز أيضًا؛ لأنه معين، لا بد أن يكون مشاعًا، النصف، الربع، الثلث، السدس.

لو قال: خذ هذا المال مضاربة بسهم، يجوز؟ لا يجوز؛ لأنه غير معلوم، فلا بد أن يكون معلومًا.

قال: (ويأكل الولي الفقير من مال موليه الأقل من كفايته أو أجرته مجانًا).

ص: 1593

لما ذكر أن الولي يتجر مجانًا، وأن له أن يُعطي غيره المال مضاربة، ذكر مسألة أخرى: هل يجوز للوكيل أن يفرض لنفسه أجرة على النظر في مال المحجور عليه؟

الجواب: لا.

هل له أن يأكل؟ فيه تفصيل، قال:(يأكل الولي الفقير) وهو الذي ليس عنده ما يكفيه من كسب يده، أو غلَّة، أو راتب، أو مكافأة، إنسان فقير ما عنده شيء، ليس عنده إلا مال هذا اليتيم يتَّجر به.

يقول: (يأكل الولي الفقير من مال موليه الأقل من كفايته أو أجرته مجانًا).

إذا قدرنا أن أجرته -يعني أُجرة مثله- ألف ريال في الشهر، وأن كفايته خمس مئة ريال، يكفيه خمس مئة ريال، ما نعطيه؟ خمس مئة ريال؛ لأننا إذا أعطيناه خمس مئة ريال صار غنيًّا؛ إذ إنها هي كفايته، وإذا كان غنيًّا فقد قال الله تعالى:{وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: 6].

طيب، إذا كانت كفايته ألفًا وأجرته خمس مئة، ما الذي نعطيه؟

طالب: نعطيه خمس مئة.

طالب آخر: الألف يا شيخ ما يكفيه.

طالب: خمس مئة وزيادة.

الشيخ: اسمع، يقول:(الأقل من كفايته أو أجرته مجانًا).

طلبة: خمس مئة يا شيخ.

الشيخ: الأقل منه، نعطيه خمس مئة.

المثال مرة ثانية: كفايته ألف وأُجرته خمس مئة، ماذا نعطيه؟ خمس مئة؛ لأنها الأقل. قال: يا ناس، ما تكفيني، أنا إلى الآن فقير، نقول: ليس لك إلا الأجرة فقط.

بالعكس: أجرته ألف ريال وكفايته خمس مئة، كم نعطيه؟ خمس مئة، وهذه ما فيها إشكال، الإشكال في المسألة الأولى: إذا كانت الأجرة أقل من الكفاية، فإنه سوف يبقى فقيرًا، وظاهر الآية الكريمة أنه يأكل بالمعروف، وأنه إذا كانت الأجرة أقل تُكمَّل له الكفاية.

وعلى هذا فنقول: يأكل كفايته سواء صار بقدْر الأجرة أو أقل أو أكثر؛ لأن هذا هو ظاهِر القرآن: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6].

ص: 1594

إذا قال هذا الولي: أنا إذا أكلت من مال اليتيم أو المحجور عليه، هل يعتبر أكل أغنياء الناس أو أكل فقراء الناس أو أكل متوسطي الناس؟

طالب: فقراء الناس.

الشيخ: يقول الله عز وجل: {بِالْمَعْرُوفِ} ، وإذا كان بالمعروف فإننا نعرف أن الفقراء لهم أكل، والأغنياء لهم أكل، والمتوسطون لهم أكل. هذا هو المعروف منذ خلقت الدنيا.

جَارِيَةٌ لَمْ تَأْكُلْ الْمُرَقَّقَا

وَلَمْ تَذُقْ مِنَ الْبُقُولِ الْفُسْتُقَا

لماذا؟ لأنها فقيرة، ما تأكل إلا خبزًا مكسرًا يابسًا، فلكل مقام مقال، فالذي يظهر أنه يُعطى المعروف، وإذا كان هو عديم المال فإنه يُعطَى كفاية مَنْ؟ الفقير.

يقول: (ويُقبَل قول الولي والحاكم بعد فك الحجَر في النفقة والضرورة والغِبطة والتلف ودفع المال).

مسائل هذه.

أولًا: يُقبَل قول الولي، ويُقبل قول الحاكم، لكنهم فرَّقوا في قبول قول الولي وقول الحاكم، بأن الولي يُقبَل بيمين، والحاكم بلا يمين؛ لأن الحاكم يقول بمقتضى السلطة، فقوله كأنه حُكم لا يحتاج إلى يمين، وأما الولي فإنه لا يقول قوله على أنه محل سلطة، ولكن على أنه محل مدعي.

إذن يُقبل قول الولي، قيِّد؟

طلبة: باليمين.

الشيخ: بيمينه، والحاكم؟ بغير يمين، في هذه الأمور الآتية:(بعد فك الحجر)؛ لأنه قبل فك الحجر لن يُخاصمه أحد، لكن بعد فك الحجر سيخاصمه المحجور عليه.

(في النفقة) قدرها أو أصْلها؟

قدرِها وأصلها، فإذا فُكَّ الحجر، وقال المحجور عليه: أنا مالي عشرة آلاف، والآن ما فيه إلا ثمانية آلاف، وين الألفين؟ قال: أنفقتها عليك، وقوله محتمل؛ يعني محتمل أنه أنفق في هذه المدة ألفي ريال، يقبل أو لا يقبل؟ يُقبَل بيمينه.

كذلك إذا قال: إني أنفقتُ، وقال المحجور عليه: لم تُنفق إطلاقًا، أنا تأتيني النفقة من زيد وعبيد، وأنت لم تُنفِق عليَّ، من يقبل قوله؟ الولي.

ص: 1595

إذن يُقبَل قول الولي في أصل النفقة، وفي قدرها؛ في قدر النفقة. الْحُجَّة أنه أمين، والأمين يُقبَل قوله فيما أنفقه على ما اؤتمن فيه.

الثاني: (الضرورة والغبطة) وهذه تتعلق فيما إذا باع عقاره، إذا كان المحجور عليه عقارًا من حيطان أو بيوت، فإنها لا تُباع إلا للضرورة أو الغِبطة.

الضرورة بألا يكون لديه -للمحجور عليه- دراهم إطلاقًا، والمحجور عليه يحتاج إلى أكْل وشُرب، فيبيع البستان مثلًا للضرورة.

الغبطة: أن يُبذل فيه مال كثير أكثر من قيمته المعتادة، فيأتي إنسان يقول: أنا أريد أن أشتري هذا البستان، أو هذا البيت بمئة ألف، وهو لا يساوي في السوق إلا خمسين ألفًا؛ هذه غبطة.

إذن الضرورة أيش معناها؟ أن يضطر المحجور عليه إلى نفقة مِنْ أَكْل وشُرْب وكِساء وما أشبه ذلك، الغبطة: أن يُبذل فيه مال كثير خارج عن العادة.

فإذا قال قائل: كيف يُبذل مالٌ كثير خارج عن العادة؟

نقول: نعم؛ لأنه ربما يكون واحد جار له محتاج إلى هذه الفيلا مثلًا أو هذا البستان، ولضرورته إليه بذل فيه مالًا كثيرًا، فهذا يُقبَل قوله.

فإذا قال المحجور عليه: ليش تبيع عقاري؟ تقول: والله؛ بعتُه لأنك اضطررت للإنفاق، فبعته لأنفق عليك، قال: أبدًا ما عندي ضرورة. مَنْ يُقْبل قوله؟

طالب: الولي بيمينه.

الشيخ: الولي بيمينه.

طيب، الغِبْطة، قال له: ليش تبيع عقاري؟ قال: لأنه أُعطيت فيه غبطة، مال كثير. قال: أبدًا، عقاري في ذلك الوقت يسوى ما بعت به عند عامة الناس. فالقول قول مَنْ؟ قول الولي؛ لأنه مؤتمن.

كذلك (التلف)، لو ادعى الولي أن مال اليتيم تلف، وقال اليتيم، قال المحجور عليه -نقول: المحجور عليه أحسن- قال المحجور عليه: إنه لم يتلف. مَنِ القول قوله؟ القول قول الولي؛ لأنه مؤتمن.

ص: 1596

لكن لو ادعى الولي أنه تلف بأمر ظاهر، ما يخفى على الناس بأن قال: تلف في أمطار أتتنا كثيرة وتلف. يحتاج أولًا إلى إثبات هذا الشيء الظاهر، ثم يُقبل قول الولي بأن المال تلف به.

أيضًا لو قال: المال تلف بالحريق الذي شب في بيته. الحريق ظاهر ولَّا غير ظاهر؟ ظاهر، نقول: أثبِتْ الحريق أولًا، ثم نقبل قولك بأنه تلف به، وهكذا كل أمين إذا ادَّعى التلف، فإنه يُقبَل قوله بيمينه ما لم يدعه بأمر ظاهر، فإذا ادعاه بأمر ظاهر كالحريق والغرق والجنود التي احتلت البلاد، وما أشبه ذلك، فلا بد من أن يقيم البينة على وجود هذا الحادث الظاهر، ثم يُقبل قوله في التلف، وهذه قاعدة أظن ذكرناها في القواعد ..

يقول: (التلف، ودفع المال).

انتبه (دفْع المال) لما بلغ الصبي ورشد قال للولي: أعطني المال، قال: دفعته إليك، قال: ما دفعت. فلدينا الآن دعوى وإنكار؛ من المنكِر؟ المنكر المحجور عليه، والمدَّعِي الرد مَن؟ الولي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (2).

على كلام المؤلف: يُقبَل قوْل الولي في دفع المال، وحينئذٍ يحتاج إلى إخراجه من الحديث:«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، ولهذا قال بعض أهل العلم: إنه لا يُقبل قول الولي في دفع المال إلى المحجور عليه إلا ببيِّنة.

المثال مرة ثانية: قال المحجور عليه بعد أن بلغ ورشد، قال لوليه: أعطني مالي. قال: رددته عليك. يقول المؤلف: إنه يُقبل قول الولي في رَدِّه إليه.

ص: 1597

الدليل أنه أمين وأنه مُحسِن، وقد قال الله تعالى:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91]. ولو قلنا: إن قوله لا يقبل لكان عليه سبيل، نضمنه ما ذمته بريئة منه؛ لأنه الآن يدَّعي أنه رده، وأن ذمته برئت، ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله: يُقبل قوله في الرد ما لم يكن له أُجرة، بأن كان فقيرًا وأعطيناه أجرة أو نفقة فإنه لا يُقبل قوله؛ لأن المال بيده لحظ نفسه، وكل إنسان المال بيده لحظ نفسه فإنه لا يُقبل قوله في الرد.

القول الثاني: أن الولي لا يُقبل قوله في الرد؛ لأنه مُدَّعٍ، والمحجور عليه منكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ؛ هذا دليل.

الدليل الثاني: أن الله تعالى قال: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6]، فأمر بالإشهاد، وأنت إذا لم تُشْهِد فقد خالفت أمر الله، فتكون بين معتدٍ أو مُفرَّط، والمعتدي أو المفرط ليس بأمين، نقول: لماذا لم تُشهِد؟ إن ربك أمرك بأن تُشهِد؛ لماذا لم تُشهِد؟ !

هذه أدلة من يرى أنه لا يُقبَل قوله في الرد، وكما أسلفنا لكم كثيرًا: أن من رجَّح قولًا على قول فلا بد من أمرين، وهما: بيان دليل الرجحان، والإجابة عن أدلة الخصوم. ولا يكفي أن تذكر أدلتك حتى ترد عن أدلة الخصوم.

أجابوا عن قوله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} بأن هذا الرجل لم يُحسِن؛ لأنه فرَّط أو تعدى حيث لم يُشهد. ولماذا لم يُشهِد؟ !

ولو قال قائل: أنا أريد أن أتوسَّط بين القولين؛ فإذا كان الولي معروفًا بالورع والتقوى والصدق فالقول قوله، وإن كان الأمر بالعكس فلا يُقبل قوله، مع أننا لا نقبل قوله إلا بيمين، لا بد من يمين.

ص: 1598

أقول: لو قال قائل بهذا القول الوسط لكان وسطًا، ولأخذ بقول بعض هؤلاء وقول بعض هؤلاء، ودائمًا العلماء يسلكون هذا المسلك: إذا اختلف الناس على قولين جاء إنسان بقول ثالث يأخذ بأحد القولين في حال، وبأحد القولين في حال أخرى.

ومن ذلك تقعيدًا للقاعدة: أن العلماء اختلفوا في وجوب الوِتْر، منهم من قال: إنه واجب، ومنهم من قال: إنه ليس بواجب، ونحن نذكر الخلاف بقطع النظر عن الدليل، وإلا فالدليل يدل على أنه ليس بواجب، لكن مِن العلماء من قال: يجب على مَنْ له وِرْد من الليل دون من ليس له ورد، يعني من كان من عادته أن يقوم يتهجَّد وجب عليه أن يوتر، ومن لا فلا.

هذا القول الآن أخذ بقول البعض في حال والبعض في حال أخرى، ولهذا يقول قائله: وهو بعض قول من يُوجِبه مطلقًا، وهذه العبارة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولا يعد هذا خروجًا عن الإجماع، ما خرج عن الإجماع، ولكنه جعله بدلًا من أن يقول: واجب بكل حال، إنه واجب في حال دون حال.

طالب: شيخ -بارك الله فيكم- إذا كان الولي هو وصي الأب ولي المحجور عليه هو وصي الأب، ثم عُرِف بعد الممارسة والتجارة، وكذا عُرِف في السوق بكذبه مثلًا وقلة يعني بفسقه مثلًا، فهل نقول: كذلك يقبل قوله و .. ؟

الشيخ: لا، إذا عُرف الوصي بأنه فاسِق وجب أن يُضم إليه أمين.

الطالب: معه؟

الشيخ: معه.

الطالب: لكن لا يؤخذ منه الولاية؟

الشيخ: هذا كلام الفقهاء أنه يُضم إليه أمين؛ لأن الأب عيَّنه، ولكن لو قال للحاكم: أنا لا أريد أن يتولَّى إطلاقًا، هذا أوصى إليه الأب؛ لأنه في حياته مستقيم، والآن صار غير مستقيم، فلسان حال الأب: ألا وصية لهذا.

طالب: بارك الله فيك، إذا كان المحجور عليه له قطعة أرض، وانتقلت إلى عمه بعد موت أبيه، ولما بلغ ..

الشيخ: إذا كان المحجور عليه؟

الطالب: له قطعة أرض.

الشيخ: كيف تنتقل إلى عمه بعد موت أبيه؟ أبوه ما له حق فيها.

ص: 1599

الطالب: بالميراث، يعني هو تلقائيًّا انتقلت قطعة الأرض لـ ..

الشيخ: يعني إذا كان للمحجور عليه قطعة أرض ورثها من أبيه؟

الطالب: ورثها من أبيه، وانتقلت إلى العم.

الشيخ: ليش تنتقل إلى العم؟

الطالب: العرف أن الأرض تنتقل إلى العم بعد موت الأب.

الشيخ: تنتقل إلى العم ميراثًا ولا أيش؟

الطالب: هذا العرف يا شيخ.

الشيخ: ويش العرف هذا؟ (

)

الطالب: ورث من أبيه قطعة أرض، وعرف هذه البلد أن المال ينتقل إلى العم دون تدخُّل قضاء؛ يعني هذا الميراث الذي للمحجور عليه ينتقل مع ميراث العم، الذي يقوم عليه هو العم مباشرةً.

الشيخ: يعني معناه أن العم يكون وليًّا عليه؟

الطالب: نعم.

الشيخ: والملك لـ .. ؟

الطالب: والملك للمحجور عليه.

الشيخ: زين.

الطالب: فكانت قيمة الأرض حين تولَّى عليها العم عشرة آلاف ريال، وبعد بُلوغ المحجور عليه كانت قيمتها مثلًا ثلاثين ألفًا، فحينما بلغ طلب الأرض من عمه قال له: أعطِني الفرق بين يوم أن توليت عليها إلى هذا اليوم، هذا يحصل يا شيخ يعني مشهور جدًّا في البلاد عندنا.

الشيخ: أي بلاد؟

الطالب: عندنا في مصر.

الشيخ: سبحان الله!

الطالب: ولا يتدخل القضاء، ولا أحد (

).

الشيخ: يعني معناه ما يعطيه إلا عشرة آلاف فقط؟

الطالب: إما أن يأخذ عشرة آلاف وإما يدفع له عشرين ألفًا، وتظل الأرض تحت يده لا يأخذ منها أي شيء، حتى لو تدخل القضاء؛ القضاء لا يحكم له.

الشيخ: لا، أعوذ بالله، حرام هذا، يجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس أن هذا حرام، ما دامت الأرض لليتيم فله غنمها وغرمها.

طالب: جزاك الله خيرًا، ثم إن العم يستنفع بهذه الأرض يعني فلاحة باستمرار، يعني يكاد اليتيم لا يأخذ منها إلا شيئًا قليلًا.

الشيخ: وهذا أيضًا من البلاء.

الطالب: حتى إن اليتيم هذا يعمل عند العم كالأجير في الأرض، ولا ينفق عليه إلا أقل القليل.

ص: 1600

الشيخ: لا حول ولا قوة إله بالله! وهذا يحتاج أن يصحح، أقول: يجب أن يُصحِّح هذا الوضع، يعني لو يتصل بالعلماء هناك الذين لهم شأن.

طالب: ما عندنا علماء يا شيخ! !

طالب آخر: لا يا شيخ، فيه علماء، بس ما حد يتصل بهم.

الشيخ: نُوكِّلك أنت!

طالب: شيخ، مسألة إذا ادعى الولي رد المال وأنكر المحجور عليه، قلنا: من أدلة من قال: إنه لا يُقبل قوْل الولي لحديث: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، والولي هنا مُدَّعٍ، فلماذا لا نجعل هذه القاعدة مطردة ونقول: إن قول الولي لا يُقبل أيضًا في التلف أو في النفقة؟

الشيخ: لا؛ لأن هذا لمصلحة الْمُولَّى عليه.

الطالب: أيهما؟

الشيخ: الإنفاق، من مصلحته، من ضرورته، لا بد أن يصرف عليه.

الطالب: أليس مدعيًا يا شيخ؟

الشيخ: لا، مدعيًا فيما اؤتمن عليه؛ لأننا لو نقول: لا يُقبل قوله في الإنفاق ما أحد يتولى (

)، الإنفاق هنا لمصلحة المحجور عليه.

***

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: وما استدان العبد لزم سيده إن أذن له، وإلا ففي رقبته كاستيداعه وأرْش جنايته وقيمة متلفه.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

سبق لنا ما ذكره المؤلف رحمه الله من اختلاف الولي ومَوْلِيه في التلف، ورد المال وما أشبه ذلك، فهل يُقبَل قول الولي في التلف إذا ادَّعاه بحادث ظاهر؟

طالب: لا بد أن يُقيم بَيِّنة على هذا الحادث الظاهر، ثم يُقبل قوله بيمينه.

الشيخ: أحسنت، يعني يُقيم بينة على الأمر الظاهر، ثم يُقبل قوله في أن المال تلف بهذا الحادث.

هل يُقبَل قوله في الرد؟

طالب: نعم، يا شيخ، على كلام المؤلف يُقبل قوله.

الشيخ: يُقبل قوله في الرد، لماذا؟

الطالب: لأنه أمين.

ص: 1601

الشيخ: لأنه أمين مُحسِن؟

الطالب: نعم.

الشيخ: وقولك: على رأي المؤلف، كأن هناك قولًا آخر؟

الطالب: نعم، القول الثاني: لا يقبل قوله إلا ببينة .. في مسألة الرد لا يُقبل قوله إلا ببينة في حديث ابن عباس.

الشيخ: وهو؟

الطالب: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» .

الشيخ: لكن هذا ليس على عمومه في أشياء كثيرة.

طالب: يا شيخ، قالوا: إنه لا يُقبل إلا ببينة؛ لأن هذا الولي أصلًا قد خالف النص الشرعي بعدم إشهاده على الرد؛ لقوله: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6]، واليمين هنا واجبة في هذه الحال.

الشيخ: طيب؛ لأنه خالَف قول الله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} .

هل يُقبل قول الولي في الإنفاق إذا قال: أنفقتُ عليك ألفَ ريال، وقال: بل مئة؟

طالب: يقبل قوله.

الشيخ: قول مَنْ؟

الطالب: قول الولي.

الشيخ: قول الولي، مُطلقًا؟

الطالب: إلا إذا ادَّعى نفقة خرجت عن العادة.

الشيخ: يعني ما لم يدَّعِ ما يخالف العُرف، فإن ادعى ما يخالف العرف فإنه لا يُقبل، لو كان العادة أن ينفق في مثل شهر الواحد خمس مئة، وادَّعى ألفًا فإننا لا نقبله إلا إذا أقام بينة على سبب الزيادة.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (وما استدان العبد لزم سيده إن أذِنَ له).

ص: 1602

(ما استدانَ العبد) من قرْض أو ثمن مبيع أو غير ذلك، فإن كان بإذن سيده لزمه، أي: لزم السيد؛ بأن قال له سيده: اذهب إلى فلان، واستَقْرِض منه ألف ريال مثلًا، فذهب واستقرض فهنا يلزم سيده؛ لأنه استدان بإذنه، وسواء استدان بإذنه لمصلحة السيد أو لمصلحة العبد، قد يأتي العبد ويقول مثلًا: أنا أريد أن أتزوج وأحتاج إلى ألف ريال أو أكثر أو أقل، فيقول: اذهب إلى فلان واستدِنْ منه، فيلزم السيد، وقد يكون السيد عليه حاجة، فيقول: اذهب يا فلان إلى الرجل الفلاني واستقرِض منه كذا وكذا. فالمهم أن ما استدانه بإذن سيده فهو على سيده.

(وإلا) يعني وإن لم يأذن له، (ففي رقبته) يتعلَّق برقبته، أي: رقبة العبد.

وإذا تعلق برقبته، فماذا يكون الحكم؟ نقول: يُخيَّر السيد بين أمور ثلاثة:

إما أن يبيع، ويعطي ثمنه من استدان منه العبد، وإما أن يعطيه من استدان منه عِوضًا عن الدَّيْن، وإما أن يفديه السيد بما استدانَ.

مثال ذلك: استدان العبد دَيْنًا بغير إذْن السيد؛ استدان ألف ريال بغير إذْن سيده، أين يتعلق؟ برقبته، نقول للسيد: الآن أنت مُخيَّر؛ إن شئت فأعطِ صاحب الدَّيْن العبد، وقل: لك العبد بالدَّيْن الذي استدان منك؛ هذه واحدة. أو يبيع العبد ويأخذ قيمته ويعطيها صاحب الدَّيْن.

أو يفديه بقدْر دَيْنِه، فيقول: الدَّيْن كذا وكذا، وأنا لا أريد أن أبيع العبد ولا أريد أن أعطيك إياه، ولكن هذا دَيْنك الذي دينتني.

أيهما الذي يختار؟ سوف يختار الأقل بلا شك؛ السيد سيختار الأقل؛ لأنه من مصلحته.

فإذا قال صاحب الدَّيْن: أنت الآن لك الخيار بين أن تعطيني إياه أو تبيعه، أو تفديه، ويكون عندك العبد، لكن ما دُمت الآن قد طابت نفسك بأن يخرج عن ملكك فأنا أريده، فقال سيد العبد: أنا أريد أن أبيعه وأعطيك ثمنه.

ص: 1603