المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

طالب: شيخ، بارك الله فيكم، ذكرتم في بداية الدرس قلتم: - الشرح الصوتي لزاد المستقنع - ابن عثيمين - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌(باب صفة الصلاة)

- ‌[مكروهات الصلاة]

- ‌[أركان الصلاة وواجباتها]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌(كتابُ الْمَنَاسِكِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط وجوب الحج والعمرة]

- ‌[باب المواقيت]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌(بابُ مَحظوراتِ الإحرامِ)

- ‌(بابُ الفِديةِ)

- ‌(باب جزاء الصيد)

- ‌[باب صيد الحرم]

- ‌[باب ذكر دخول مكة]

- ‌[باب صفة الحج والعمرة]

- ‌[باب الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي والأضحية]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب البيع

- ‌[باب شروط البيع]

- ‌[باب الشروط في البيع]

- ‌[باب الخيار]

- ‌[باب الربا والصرف]

- ‌[باب بيع الأصول والثمار]

- ‌[باب السلم]

- ‌[باب القرض]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[باب الضمان]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[باب الصلح]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[باب الوكالة]

- ‌(باب الشركة)

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[باب المزارعة]

- ‌[باب الإجارة]

- ‌[باب السبق]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[باب الشفعة]

- ‌[باب الوديعة]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب الجعالة]

- ‌[باب اللقطة]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌(كتابُ الوَقْفِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الهبة والعطية]

- ‌[فصل في تصرفات المريض]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب الوصايا

- ‌[باب الموصى له]

- ‌[باب الموصى به]

- ‌[باب الوصية بالأنصباء والأجزاء]

- ‌[باب الموصى إليه]

- ‌(كتابُ النِّكاحِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[أركان النكاح]

- ‌[شروط النكاح]

- ‌[باب المحرمات في النكاح]

- ‌[باب الشروط والعيوب في النكاح]

- ‌[باب نكاح الكفار]

- ‌[باب الصداق]

- ‌[باب وليمة العرس]

- ‌[باب عشرة النساء]

- ‌[باب الخلع]

- ‌(كتاب الطلاق)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب ما يختلف به عدد الطلاق]

- ‌[باب الطلاق في الماضي والمستقبل]

- ‌[باب تعليق الطلاق بالشروط]

- ‌[باب التأويل في الحلف]

- ‌[باب الشك في الطلاق]

- ‌[باب الرجعة]

- ‌(كتابُ الإيلاءِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[من يصح منه الإيلاء]

- ‌[مدة الإيلاء وما تحصل به الفيئة أو فسخ النكاح]

- ‌(كتابُ الظِّهارِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[كفارة الظهار]

- ‌(كتابُ اللِّعانِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط صحة اللعان]

- ‌[ما يلحق من النسب]

- ‌(كتابُ العِدَدِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الاستبراء]

- ‌(كتابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط الرضاع المحرِّم]

- ‌[من يُحَرَّم بالرضاع]

- ‌[مدخل]

- ‌[باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم]

- ‌[باب الحضانة]

- ‌[باب شروط القصاص]

- ‌[باب استيفاء القصاص]

- ‌[باب العفو عن القصاص]

- ‌[باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس]

- ‌(كتاب الديات)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب مقادير ديات النفس]

- ‌[باب ديات الأعضاء ومنافعها]

- ‌[باب الشجاج وكسر العظام]

- ‌[باب العاقلة وما تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب القطع في السرقة]

- ‌[باب حد قطاع الطريق]

- ‌[باب حد المسكر]

- ‌[باب قتال أهل البغي]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب حكم المرتد]

- ‌(كتاب الأطعمة)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الذكاة]

- ‌[باب الصيد]

- ‌(كتاب الأيمان)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌(كتاب القضاء)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب آداب القاضي]

- ‌[باب طريق الحكم وصفته]

- ‌[مدخل]

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌[باب موانع الشهادة وعدد الشهود]

الفصل: طالب: شيخ، بارك الله فيكم، ذكرتم في بداية الدرس قلتم:

طالب: شيخ، بارك الله فيكم، ذكرتم في بداية الدرس قلتم: الصواب أنه إذا سافرتْ بإذنه في حاجته أن حقَّها ثابت، ذكرناه في الدرس الماضي على ما أذكر أنه صعب إذا رجعت أن يقسم لها، وإنما ..

الشيخ: لا، بالنفقة.

الطالب: بالنفقة نعم.

الشيخ: إحنا تكلمنا في النفقة، أما القَسْم فلا، لا قَسْم لها.

طالب: أحسن الله اليكم، إذا لم ينفعها الضرب غير المبرِّح ما هو الحل؟

الشيخ: الحل: {إِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] يعني يؤخذ من أهله رجُل ومن أهلها رجُل ينظران في الأمر، ثم يعملانِ ما يريانه المصلحة من جَمْع أو تفريق بعِوَض أو بغير عِوَض.

الطالب: لهما حقُّ التفريق يا شيخ ولَّا لا بد من القاضي؟

الشيخ: بدون قاضٍ، فإن لم يتفقا فالقاضي، ولكن إذا لم يتفقا وذهبا إلى القاضي وصمَّمت المرأة (

).

***

[باب الخلع]

طالب: فإنْ عَضَلها ظُلمًا للافتداء ولم يَكُنْ لِزِناها أو نُشُوزِها أو تَرْكها فَرْضًا ففعلت أو خالعت الصغيرةُ والمجنونةُ والسفيهةُ، أو الأَمَةُ بغير إذْنِ سيِّدها لم يصِحَّ الخلعُ، ووَقَعَ الطلاقُ رجعيًّا إنْ كان بلفظ الطلاق أو نيَّته.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب الْخُلع) ويجوز الْخَلع، فالْخَلع: الفِعْل من الْخُلع، والْخُلع هو نفس الفَسْخ؛ وهو فراق الزوجة على عِوَض بألفاظ الخلع أو الفسخ أو نحوه؛ يعني بغير لفظ الطلاق.

تعريفه مرَّة ثانية: فراق الزوجة بعِوَض بغير لفظ الطلاق، هذا الخلع؛ مثل أن تقول المرأة لزوجها: هذه ألْف ريال وفارِقْني، ففارقَها على الألْف، نسمِّي هذا خلعًا.

فإنْ وقَعَ بلفظ الطلاق بأنْ قالت: هذه ألْف ريال وطلِّقْني، فقال: طلقتكِ على ألف ريال، فهل يكون خلعًا؟

ص: 2961

الفقهاء يقولون: لا يكون خلعًا، بل هو طلاقٌ على عِوَض، واختار شيخ الإسلام رحمه الله اتباعًا لابن عباس رضي الله عنهما أنه خلعٌ ولو وَقَعَ بلفظ الطلاق، واستدلَّ بقوله تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} يعني الطلاق الذي فيه رجعةٌ مرَّتانِ، {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} هذا معنى الرجعة؛ يعني إما يُمْسِكها ويردُّها، وإما أن يسرِّحها بإحسان، {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ، {فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} يعني فيما بَذَلَتْه فِداءً لنفسها حتى يفارقها الزوج، {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 229، 230] قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فهذا يدل على أن ما كان بعِوَضٍ فليس بطلاقٍ على أيِّ لفظٍ كان.

وجه الدلالة أنه لو كان طلاقًا لكان قوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} الطلقة الرابعة؛ {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} ، ثم قال:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ، ثم قال:{فَإِنْ طَلَّقَهَا} ، فيكون الطلاق أربعًا، وهذا غير صحيح بإجماع المسلمين، ما فيه طلاق أربعًا، الطلاقُ ثلاثٌ، ولا شكَّ أن هذا الذي ذكره رحمه الله قويٌّ جدًّا في النظر، وهو ظاهرٌ من سياق الآية الكريمة، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما قاعدةً أو ضابطًا: كلُّ ما جَازَهُ المالُ فليس بطلاقٍ (8). يعني كلُّ فراق على مالٍ فليس بطلاق، أعرفت؟

ص: 2962

لكن ينبغي -بل أقول: لو قيل بالوجوب لكان له وجهٌ- لمن أراد أن يكتب الخلع أن يقول: حضر عندي فلان وفلانة وخَالَعَها على عِوَضٍ قدره كذا وكذا، ولا يقول: طلَّقَها؛ لأنه إذا قال: خَلَعَها؛ صار فسْخًا لا ينقص به عدد الطلاق ولا يُحسَب على الزوج، لكن لو قال: طلَّقها؛ صار فيه الخلاف؛ شيخ الإسلام رحمه الله يقول: إنه فَسْخ ولو كان بلفظ الطلاق، والمذهب يقولون: إذا كان بلفظ الطلاق فهو طلاق.

ذكرنا دليل شيخ الإسلام رحمه الله.

طالب: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان}

{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} .

الشيخ: اختصرت الآية، لكن ها.

الطالب: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} .

الشيخ: هذا الفراق هو الثالث.

الطالب: هذا يا شيخ فَسْخ.

الشيخ: لكن هو فراق ولَّا لا؟

الطالب: نعم.

الشيخ: طيب، هذا الفراق الثالث، ثم قال:{فَإِنْ طَلَّقَهَا} .

الطالب: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} .

الشيخ: هذا الفراق الرابع، لو عددنا الفراق الثالث في الآية لو عددناه طلاقًا لَكان الطلاق هو الرابع، لكن نقول: إنه فِداءٌ أو فَسْخٌ وليس بطلاق.

ص: 2963

المذهب يقولون: إن الطلاق على عِوَضٍ طلاقٌ، يُحسَب من الطلاق، ويستدلُّون لذلك بأن امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنها وعنه أيضًا لما كَرِهتْه قال لها النبي صلى الله عليه وسلم:«أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ» . لأن الحديقة مهرٌ لها، قالت: نعم يا رسول الله أرُدُّ عليه حديقتَه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لزوجها -وهو ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه قال: «اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» (9). وقالوا: وهذا دليلٌ على أن الخلع إذا وقع بلفظ الطلاق فهو طلاق؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «طَلِّقْهَا» ، فدلَّ ذلك على أنه إذا طلَّقَها وَقَع الطلاق. وهذا استدلالٌ قويٌّ من حيث اللفظ، والأول -الاستدلال بالآية- قويٌّ من حيث المعنى، ولذلك المسألةُ متردِّدة بين القول بأنه إذا وقع بلفظ الطلاق كان فَسْخًا أو كان طلاقًا، لكن الخروج من هذا الإشكال بماذا؟ بأنْ يقول: فسَخْتُ زوجتي أو خالعتُها على عِوَضٍ قدره كذا وكذا. ولهذا ينبغي لطالب العلم إذا كتبَ مُخالَعةً بين زوجين ألَّا يقول: طلَّقَها على عِوَض، بل يقول: خالَعَها، فارَقَها، فاداها، وما أشبه ذلك، حتى لا يُوقِع مَن بعده في إشكال.

***

قال المؤلف: (مَنْ صحَّ تَبَرُّعُه من زوجةٍ وأجنبيٍّ صحَّ بَذْلُهُ لعِوَضِهِ).

(مَنْ صحَّ) شَرْط، أين جوابه؟ (صحَّ بَذْلُهُ لعِوَضِهِ) أي: لعِوَض الخلع.

يعني: أيُّ إنسانٍ يصح تبرُّعه (من زوجةٍ وأجنبيٍّ) يعني: من الزوجة، (صحَّ بَذْلُهُ) أي: بَذْل المتبرِّع (لعِوَضه) أي: لعِوَض الخلع. ومَن المبذول له؟

الطلبة: الزوج.

الشيخ: الزوج، طيب.

وقول المؤلف: (مَن صحَّ تبرُّعُه) احتراز ممن لا يصح تبرُّعُه؛ كالصغير ونحوه فإنه لا يصح أن يتبرَّع، أو ولِيِّ اليتيم أو ما أشبه ذلك لا يصح أن يتبرَّع، لكن مَن صحَّ أن يتبرَّع بالمال صحَّ أن يبذل عِوَض الخلع للزوج.

ص: 2964

وقوله: (من زوجةٍ وأجنبيٍّ) لو فرضْنا أن الزوجة محجورٌ عليها، ما هي رشيدة التصرف، ثم طلبت الخلع من الزوج وخالَعها، فالمخالَعة أيش؟ لا تصحُّ؛ لأن المحجور عليها لا يصح أن تتبرَّع.

وقوله: (وأجنبي) يعني: أجنبي من الزوجة؛ فلو أن شخصًا جاء إلى رجُلٍ وقال: يا فلان، زوجتُك متعبة، ما هي مستقيمة معك، ولكن أنا أريد أن أفكَّ المشكلة، هذه عشرة آلاف ريال واخلعْها. والزوجة ما علمت، يجوز أو لا؟

طلبة: يجوز

طلبة آخرون: لا يجوز.

طالب: على قول المؤلف ..

الشيخ: اسمعْ يا أخي: (من زوجة وأجنبي) يصِحُّ، وهذا الرجل سَعْيه مشكور إذا أراد أن يفكَّ المشكل بين الزوج وزوجته، طيب هذه مسألة.

مسألة أخرى: رجل يُبغض الزوجة، ورأى أن الزوجة حياتها سعيدة مع زوجها، وزوجها راضٍ بها وهي راضيةٌ به، وكما يقول العوام (

)، فأراد أن يحسدها لأنه يكرهها، فذهب إلى زوجها وقال: تعال. وزوجها قليل ذات اليد؛ فقير، قال له: تعال، المهر الآن ثلاثون ألفًا، وأنا بأعطيك ستين ألفًا وخالِعْ هذه الزوجة. ماذا تقولون في هذا الفقير؟ يوافق ولَّا ما يوافق؟

الطلبة: يوافق.

الشيخ: يوافق يقول: بأحصِّل بستين ألفًا زوجةً ومالًا أبيع به وأشتري، فيخالع الزوجة، أيصح الخلع أو لا؟

طالب: على قول المؤلف يصح.

الشيخ: على قول المؤلف يصح الخلع، لكن ذلك آثِمٌ، الذي بَذَلَ العِوَض آثِمٌ؛ لأنه فرَّق بين زوجين ليس بينهما شقاق ولا نزاع.

ص: 2965

رجل ثالث أعجبتْه زوجةُ رجلٍ لجمالها وعلمها وحذقها، أعجبتْه، لكن هي الآن معها زوج، فماذا يصنع؟ قال: أذهبُ إلى زوجها وأُغريه بالمال حتى يطلِّقها وأتزوجها أنا، فذهب إلى الزوج وأغراه بالمال قال: يا فلان، المهر الآن ثلاثون ألفًا تُحَصِّل به امرأةً بكرًا من أحسن النساء، أنا بأعطيك ستين ألفًا. قال: لا، شوي. لأنه يحب زوجته، قال: تسعين ألفًا، خذ ثلاث زوجات، قال: زوجتي أحبُّ إليَّ من ثلاثة. قال: كم؟ مئة وعشرين ألفًا عشان تأخذ أربعًا. فكأنَّ الرجل أعجبه هذا العرض فقال: لا بأس. أعطاه المئة وعشرين ألفًا وخالَعَ الزوجة لأجْل أن يتزوَّجها هذا الذي أعطاه المئة وعشرين ألفًا، هل يجوز؟

طالب: لا.

الشيخ: أنكر الإمام أحمد نفسه هذا إنكارًا عظيمًا وقال: نعوذ بالله، أيفعل هذا أحد؟ ! إذا كان الذي يخرب الزوجة على زوجها وردَ فيه الوعيد، كيف عاد هذا الرجل؟ !

والصحيح أنه لا تجوز المخالَعة من الأجنبي إلا للمصلحة، لو أن إنسانًا عرف أن بين الزوجين مشاكل لا تنتهي وأن مِن المصلحة المخالَعة حينئذٍ نقول: هذا الرجل محسنٌ، وجزاه الله خيرًا، وفكَّ مشكلًا، والخلع أيش هو؟ الخلع صحيح.

أمَّا مَن أراد الإضرار بالمرأة وخالَع فهذا حرامٌ، ولا يصح الخلع، وأمَّا مَن خالع من أجْل أن يتزوَّجها فهو أشدُّ، ويجب أن نمنعه منها، نمنعه من تزوُّجه بها معاقبةً له بنقيض قصده؛ لأن مَن تعجَّل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه، وإذا كان ثبت عن بعض السلف أن من خَطَبَ امرأةً في عِدَّتها حرمتْ عليه على التأبيد نكالًا له، فهذا الذي خَطَبَ المرأة على زوجها من باب أَوْلى، ولهذا يجب على القُضاة إذا علموا أن هذا الرجل إنما بَذَل الخلع لزوج المرأة من أجْل أن يتزوجها بعده، يجب أن يمنعوه منها وألَّا يُمَكِّنوه من زواجها.

ص: 2966

يقول رحمه الله .. لما ذَكَرَ الخلعَ وأنَّ مَن صحَّ تبرُّعه صحَّ بَذْله لعوضه بيَّن ما أسباب الخلع؛ قال: (فإذا كرهتْ خُلُقَ زوجِها) بأن كان الزوج سيئًا؛ يدخل مغضَبًا ويخرج مغضَبًا، ويكلِّفها ما لا تطيق، وإذا حصل أدنى خللٍ في الطعام والشراب ذهب يشتم ويسبُّ، خلق طيب؟

طالب: هذا سيِّئ.

الشيخ: أيش هو هذا؟ طيِّب ولَّا غير طيِّب؟

طلبة: سيِّئ.

الشيخ: هذا خُلُق سيئ، إذا كرهتْ خُلُق زوجها لها أن تخالعه.

(أو خَلْقَهُ) يعني خِلْقته، مَثَلًا رأته دميمَ الخِلْقة ما أعجبها شكله، فلها أن تخالع.

طيب، إذا قال قائل: أليستْ قد تزوَّجتْه راضيةً به؟

قلنا: بلى، لكن ربما تكون لم تَرَهُ، وهذا مِن فائدة نظر الخاطب إلى مخطوبته والمخطوبة إلى خاطبها، ربما لم يرها، أو أن النظرة أول مرة لا يحصل بها التروِّي؛ يعني قد ينظر الإنسان إلى آخَر في أول وهلةٍ يظن أنه صاحبُ خُلُق وجميلٌ وما أشبهَ ذلك، ثم به عند التأمل والتروِّي يكون الأمر بالعكس، أو أنه يحدث له .. يعني الرجل زوجها ما فيه إخلال، لكن حدث له ما شوَّه خِلْقته بأن أُصِيبَ بحادثٍ فاختل جمالُ وجهه، أو انكسرت يده واختلَّت، أو ما أشبه ذلك، المهم إذا كرهتْ خِلْقة زوجها فلها الخلع.

(أو نَقْصَ دينِهِ) بأن تزوجتْ رجلًا تحسبه من خيرة الرجال في الدين، ولكن تبيَّن أنه ليس كذلك، أو كان مستقيمًا في أول الأمر ثم انحرف فكرهتْه لذلك، وهذا مع الأسف يقع كثيرًا، كثيرٌ مِن الناس مَن هو كالطاوس يُعجبك بريشه ولكنه لا خير فيه؛ كثيرٌ من الناس يُعجب المرأةَ في دينه وفي خُلُقه، لكن عندما تتزوجه تجده سيِّئَ الخُلُق والدين، أو ربما يسوءُ دينُه وخُلُقه فيما بعد، فإذا رأتْهُ ناقصَ الدين يصلي مع الجماعة أحيانًا ويترك أحيانًا، ويصلي في الوقت أحيانًا ويترك أحيانًا ويبرُّ والديه أحيانًا ويلعن والديه أحيانًا، هذا نقص الدين، لها أن تطلب الخلع أو لا؟

طالب: لها ذلك

الشيخ: لها ذلك، طيب.

ص: 2967

(أو خافتْ إثمًا بتَرْكِ حقِّه) يعني رأتْ من نفسها أنها لا تنقاد له؛ إن دعاها إلى فراشه صارت تمشى وكأنها تقلع رِجْلها من الطين متباطئة متثاقلة، إن أَمَرها بحاجةٍ ما فعلتْها على المطلوب، المهم خافتْ إثمًا بتَرْك حقِّه، قال المؤلف (أُبيحَ الْخُلْعُ) أُبيح لمن؟ للمرأة أن تخالع وتطلب زوجها للمخالَعة ولا تُلام على ذلك.

فإن قالت: أنا لا أعيبه في خُلُقه ولا دينه، لكن أنا لا أريده، أنتم إذا أجبرتمونى عليه سوف أُلقي نفسي في النار. يعني كراهة الإنسان من الله عز وجل لا لسببٍ ظاهرٍ، فهل لها أن تخالع؟

الجواب: نعم، لها أن تخالع؛ لأن امرأة ثابت بن قيس جاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعيبُ عليه في خُلُقٍ ولا دينٍ -رجُلٌ خَلُوقٌ، رجُلٌ جيِّدٌ، ونحن نضيف الآن: من أهل الجنة، ثابت بن قيس شهد له الرسول عليه الصلاة والسلام بالجنة (10) - ولكنِّى أكره الكفر في الإسلام؛ يعني أكره ألَّا أقوم بحقِّه، وهذا الكفر كفر العشير؛ يعني لا أستطيع أن أقوم بحقِّه، والمحبة والكراهة أمْرٌ يجعله الله في قلب العبد، فلم يُنكر عليها الرسول عليه الصلاة والسلام، بل قال لها:«أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ» . قالت: نعم (9). المهم أن المرأة إذا كانت لا تطيق الصبر مع الزوج لأيِّ سبب من الأسباب فلها أن تطلب الخلع.

يقول المؤلف رحمه الله: (وإلَّا) يعني وإلَّا يَكُنْ هناك سبب (كُرِهَ ووَقَعَ) أيش اللي يُكْرَه؟ الخلع، (ووَقَعَ) أي: الخلع.

ص: 2968

واقتصار المؤلف رحمه الله على الكراهة فيه نظر، والصواب أنه لا يحلُّ للمرأة أن تطلب الخلع إلا إذا كان هناك سبب؛ لحديث:«مَنْ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» (11)، وهذا يدلُّ على أن ذلك من كبائر الذنوب، وهو حقيقة؛ لأن طلبها الفراقَ وإنْ كان الفراقُ ليس بيدها بل بيد الزوج، طلبها ذلك يؤدِّى إلى كراهة الزوج لها، وإلى تفكُّكِ الأُسرة إن كان هناك أسرة بينهما، فلذلك صار فيه هذا الوعيد، ويأتي إن شاء الله البقية، وقد انتهى الوقت.

طالب: أحسن الله إليكم، ما فهمت (وإلَّا كُرِهَ ووَقَعَ).

الشيخ: نعم، يعني: وإلَّا يكُنْ بهذه الأسباب.

الطالب: الصحيح يحرم إذا كان بلا سبب.

الشيخ: نعم.

الطالب: ثم قُلنا -أحسن الله إليكم- قَبْلُ: إذا كان له في نفسها كراهةٌ شديدةٌ بلا سبب كما في حديث امرأة ثابت بن قيس فلها ..

الشيخ: هذا من الأسباب لطلب الفراق أن تكرهه كراهةً عظيمةً؛ لأنه كما يقول العوام: كُلْ كرهًا، واشربْ كرهًا، والبس كرهًا، ولا تُجالس كرهًا. فهمت؟ أما فهمتم هذا؟

طلبة: بلى.

الشيخ: ترى هذه حكمة عظيمة من العوام؛ يقولون: كُل الأكل ولو لم تشتهِه، اشرب ولم تشتهِ، البس ولم تشتهِ، لكن لا تجالسْ أيش؟ مَن لا تشتهي مجالسته، والمتنبي يقول:

وَمِنْ نَكَدِ الدُّنْيَا عَلَى الْحُرِّ أَنْ يَرَى

عَدُوًّا لَهُ مَا مِنْ صَدَاقَتِهِ بُدُّ

هذا صحيح.

طالب: شيخنا، بارك الله فيك، أشكل عليَّ القول بجواز -على قول المؤلف- بأنه يجوز لأجنبيٍّ أن يأتي للزوج ويعطيه مالًا على أن يخالع زوجته، نعرف أن الخلع يكون من طرف الزوجة ما هو من طرف الزوج.

الشيخ: أيش؟

الطالب: الخلع يتم من طرف الزوجة، يعني هي اللي تطلب.

الشيخ: لا، لو طلبت الزوجة (

) ما صار شئ والزوج لم يوافق.

الطالب: يعطيه مالًا للقبول.

ص: 2969

الشيخ: إي، يعطيه مالًا للقبول، ولهذا نقول: حرام على الإنسان مع استقامة أحوال الزوجين يذهب ليخالع، حرام عليه، هذا من الإفساد بين الزوجين، وهو من أعظم المحرَّمات.

لكن ذكرنا لكم المسألة ثلاثة أحوال، ولَّا لا؟

طلبة: نعم.

طالب: رجل طلق زوجته (

).

الشيخ: (

).

الطالب: هل تَحْرُم عليه (

) على التأبيد؟

الشيخ: هذا على قول بعض السلف تحرم عليه على التأبيد؛ كل إنسان خطب امرأةً لا تحلُّ له فيُعاقَب بحرمانها لئلَّا يتجاسر الناس، عرفت؟ لكن جمهور العلماء على أنها تحلُّ له إذا انقضت العِدَّة بعقد صحيح.

طالب: يعني يطلبون الطلاق على ما بقي من المهر.

الشيخ: ما فيه بأس.

الطالب: هل هذا خلع؟

الشيخ: هذا خلع.

الطالب: وكيف تكون رجعة الخلع.

الشيخ: ما فيه رجعة، الخلع لاحظوا أنه إذا خالعت المرأة زوجها فلا يمكن أن يرجع عليها، لكن له أن يتزوجها بعقدٍ جديدٍ ولو في العِدَّة. أفهمتم يا جماعة؟ وهذه تُسمَّى البينونة الصغرى إذا طلَّقَها على عِوَض، البينونة الكبرى أن يطلِّقها آخر ثلاث تطليقات، هذه لا تحلُّ له إلا بعد زوج، والأُولى تحلُّ له بعقد.

طالب: بارك الله فيكم يا شيخ، في هذه الأيام حدثت حادثة أنَّ رجلًا تزوج بامرأةٍ وبعد مدة يسيرة طلَّقَها، وبعد ذلك أخذها رجلٌ آخَر وذهب إلى فندق وتزوجها عُرفيًّا، واكتشفوا أنها كانت تحب رجلًا مِن قَبْل

الشيخ: الثاني.

الطالب: نعم، ففي مثل هذه الأمور الحالية يُستحب أن يُفَرَّق بينهما؟

الشيخ: لا، يجب؛ النكاح الثاني غير صحيح؛ أولًا: أنه في العِدَّة، وثانيًا: أنه بلا ولِيٍّ وبلا شهود.

ص: 2970

وحدث هذه الأيام قضية في باكستان صار فيها ضجَّة كبيرة: واحد يحب امرأةً وتزوجها بينه وبينها، قال: أنا أحبكِ، قالت: وأنا أحبكَ، قال: توكلنا على الله، قال: زوِّجيني نفسكِ، قالت: زوَّجتكَ نفسي، قال: قَبِلتُ. وراح العلماء هناك أنكروا هذا وقالوا: هذا لا يصح، وهذا زنى ولا يجوز، فجاء واحد من العلماء الآخرين من المتحذلقين؛ لأن العلماء الأكثر حكموا بوجوب التفريق، قال: هذا ما يجوز أن نفرق بينهما، هذا العقد صحيح؛ لأن فلانًا من العلماء يقول: لا يُشترط الولي، هذه واحدة، وآخَر من العلماء قال: لا يُشترط الإشهاد، وآخَر من العلماء قال: ليس للعقد صيغة؛ فالمسألة خلافية واجتهادية، ولا يجوز أن تفرِّقوا بينهما.

أعوذ بالله، معناه أن كل امرأة تريد أن تزني بشخصٍ تتفق معه هي وإياه، صداقه وتزوِّجه نفسها، هذا لا يقول به أحد من العلماء، حتى لو فرضْنا أن بين العلماء السابقين خلافًا في مثل هذه الأمور ما تقع على هذه الصورة.

طالب: شيخ، لو طلبت الخلع (

الشيخ: هذه مسألة مهمة، يعني لو طلبت الخلع فرفضَ هل يُجبَر؟

نقول: أمَّا بدون عِوَض فلا يُجبَر إلا بعِوَض يرضاه، فإذا قالت: أنا مستعدة أردُّ عليه كل المهر، فهل يجبر؟

فيه خلاف بين العلماء؛ منهم من قال: يُجبر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لثابت بن قيس أيش؟ «اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا» (9).

وجمهور العلماء يرون أنه لا يُجبر، وأن قول الرسول عليه الصلاة والسلام:«اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا» للإرشاد الذي يُقصد به حلُّ المشكلة.

ص: 2971

والصواب أننا إذا علمنا أنها لن تستقيم الحال وأنهما سيكونان من إشكالٍ إلى آخَر فإنه يجب أن يَقْبل، فإن لم يَقْبل طلَّق عليه الحاكم، ولا تستقيم الأمور إلا بهذا؛ لأنه أحيانًا النساء ما تستطيع الصبر على الزوج، خصوصًا إذا كانت ملتزمة وتزوَّجته على أنه ملتزم ثم تبيَّن بعد ذلك أنه ليس بملتزم، هذه لا يمكن أن تصبر عليه، يُجبرها أن تبقى مع شخصٍ ترى أنه لا يليق بها؟ ! ما يمكن هذا.

***

طالب: وإنْ وَقَعَ بلفْظِ الخلعِ أو الفَسْخِ أو الفداءِ ولم يَنْوِهِ طلاقًا كان فَسْخًا لا ينقص عدد الطلاق.

ولا يَقَعُ بمعتدَّةٍ من خُلعٍ طلاقٌ ولو واجهها به، ولا يصح شرط الرجعة فيه، وإنْ خالعها بغير عِوَضٍ أو بمحرَّمٍ لم يصح، ويقع الطلاق رجعيًّا إن كان بلفظ الطلاق أو نيَّته.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

سبق لنا أن الخلع هو الفَسْخ في اللغة، وفي الشرع: فراقُ الزوجة بعِوَضٍ بألفاظٍ مخصوصةٍ هي الفَسْخ والخلع والفداء وما أشبهها.

ما معنى قول المؤلف: (مَن صحَّ تبرُّعُه من زوجةٍ وأجنبيٍّ صحَّ بَذْلُه لعِوَضه)؟

طالب: أن بَذْل العوض في الخلع لا يصح إلا ممن يصح تبرُّعه؛ فمثلًا وليُّ اليتيم لا يصح للخلع لأنه لا يصح تبرُّعه.

الشيخ: طيِّب، كمِّل، معنى قوله:(من زوجةٍ وأجنبيٍّ).

الطالب: والأجنبي، ظاهر كلامه أن الأجنبي يصح (

).

الشيخ: ويكون الخلع من الزوجة بأن تبذل العوض للزوج أو ..

الطالب: من أجنبي عنها.

الشيخ: من أجنبي عنها أحسنت.

هل يجوز للإنسان أن يأتي إلى الشخص ويقول: هذه خمسون ألفًا وخالعْ زوجتك؟

الطالب: ظاهر كلام المؤلف هذا، ولكن الصحيح أنه لا يجوز؛ لأن فيه تفريقًا بينهما.

الشيخ: لا، (

) ليس يصح عند أهل العلم.

طالب: فيه تفصيل.

الشيخ: ما هو التفصيل؟

ص: 2972

الطالب: إن كان اجتهادًا؛ إنْ كان الرجل محسنًا ويريد أن يحلَّ مشكلًا فيُقبل، أمَّا إن كان الرجل له غرض أن يفرِّق بين الرجل وزوجته لشيء في نفسه فلا يصح، وإنْ كان يريد أن يتزوج المرأة فإن ذلك (

).

الشيخ: إحنا ذكرنا أمس في الدرس الماضي أنه ثلاث حالات.

طالب: شيخ، إما للإضرار بالزوجة، أو للتزوج بها، أو لمصلحة، والحالتان الأوليان لا يصح، والثالثة يجوز.

الشيخ: إما أن يكون لمصلحة الزوجة بأنْ يأتي إنسان يعرف حال الزوجة مع زوجها أنها حال سيئة وتعيسة، والزوجة متبرِّمة تريد الفراق، فيأتي إنسان إلى الزوج ويقول: يا فلان، اخلع زوجتك وهذه مثلًا كذا وكذا من الدراهم. لا بأس، هذا مُصلِحٌ ومأجورٌ ومثابٌ على ذلك.

وإما أن يكون للإضرار بالزوجة؛ عرف أنها مع زوجها في حال سعيدة فأراد أن يضُرَّ بها، فذهب إلى الزوج وأعطاه أموالًا لأجل أن يخالع زوجته، هذا أيش هو؟

طالب: محرَّم.

الشيخ: هذا حرام لا شكَّ وعدوان.

الثالث: أن يفعل ذلك لمصلحته هو بنفسه، هو لا يريد الإضرار بالزوجة ولا الإضرار بالزوج، لكن يريد أن يتزوج المرأة، فهذا أيضًا حرام، وقد أنكره الإمام أحمد رحمه الله إنكارًا شديدًا وقال: من يفعل هذا؟ !

طيب، هل يمكن يكون للإضرار بالزوج؟

طالب: (

).

الشيخ: التعليل ما هو صحيح، لكن نعم، ما يمكن يكون الإضرار بالزوج؟

طالب: (

).

الشيخ: كيف؟

الطالب: (

).

الشيخ: لكن الزوج يقول: لا، الزوج إذا كان يرغب زوجته سيقول: لا، لو يعطيه ملء الأرض ذهبًا.

الطالب: (

).

الشيخ: لا، ناقص العقل هذه مشكلة.

طالب: (

).

الشيخ: (

) الزوج.

الطالب: (

).

ص: 2973

الشيخ: لا، هو يمكن أن يكون الإضرار بالزوج بأن يكون الزوج ما هو ناقص عقل كما قال الأخ، الزوج رجل يحب الدنيا مثلًا، وجاءه إنسان وطمَّعه بالمال؛ قال: أنا بأعطيك مثلًا كذا وكذا من المال. هذا طَمِع وقال: غدًا أُخالعها، آخذ ها المال وبعدين (

) مرة ثانية، فهذا لا يجوز، وإن كان لم يُذكر هذا في كتب الفقهاء الإضرار بالزوج، لكن الواقع أنه ممكن، المهم أنه لا يجوز، متى كان الخلع يُقصَد به الإضرار فهذا حرام.

طيب، مسألة ولي اليتيم إذا رأى من مصلحة اليتيم أن يخالع زوجتَه، وأعطى زوجته من مال اليتيم، يجوز أو لا يجوز؟ يجوز؟ ما تقولون؟

الطلبة: نعم.

الشيخ: نعم يجوز إذا كان من مصلحة اليتيم، نعم، هذا إنسان مثلًا زوَّجه أبوه وهو صغير له عشر سنوات بامرأةٍ أعجبت الأبَ، فزوجه إياها برضاه، وبعدين توفي الأب، وكانت هذه الزوجة نكدًا على اليتيم؛ تأخذ ماله يعني مثلًا يعطيه وليه في النفقة وتشتري به أشياء ما لها داعي، وعرف أن هذه ستؤذي اليتيم وتضره، هل له أن يخالع بشيء من ماله هو؛ من مال اليتيم؟

طالب: نعم.

الشيخ: نعم؛ لأن هذا لمصلحة اليتيم.

ذكر المؤلف رحمه الله حالات يجوز فيها الخلع، ما هذه الحالات؟

طالب: (

).

الشيخ: خلق زوجها، هذا واحد.

الطالب: (

)

الشيخ: لا، ما شاء الله، إذا صار ما يعلم مخالف نقل الإجماع.

الطالب: (

).

الشيخ: بعد أن رأيتَه، الله يهديك.

طالب: ذكرنا سوء الْخُلُق، وسوء الخِلْقة، وأن يكون ناقص الدين، وأن تخشى أن تترك حقًّا له إذا بقِيتْ معه.

الشيخ: تمام هذه المسائل الأربع ذكرها المؤلف.

مَن هي الصحابية التي خالعتْ زوجها وأَمَر النبي صلى الله عليه وسلم زوجها أن يوافق؟

طالب: امرأة ثابت بن قيس.

الشيخ: امرأة ثابت بن قيس، ماذا قالت للرسول صلى الله عليه وسلم؟

الطالب: (

)

ص: 2974

الشيخ: «اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» (9). صح، دلَّ هذا على أن المرأة ربما تكره زوجها لا لِخُلُقه ولا لنقص دينه، ولكن لا تريده، ففي هذه الحال نقول للزوج: طلِّقها وخذ الخلع.

إذا أَبَى فهل للقاضي أن يُجبره على ذلك؟

طالب: نعم.

الشيخ: نعم، الدليل؟

الطالب: (

) قال له: «طَلِّقْهَا» (

).

الشيخ: «اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا» . لو قال قائل: هذا للإرشاد؟

الطالب: نقول: إن الأصل لغير الإرشاد.

الشيخ: الأصل في الأمر أنه لغير الإرشاد، وأيضًا هذا لدفع أذيَّة، ودفع الأذيَّة عن المسلم واجب بقدر الإمكان، فالصواب أنَّ أمْر الرسول لثابت أنه أمْرٌ للإلزام، وأن للقاضي أن يُلزم الزوج بأن يخالع ما دام بيُرَدّ عليه ماله وهو قد استمتع من الزوجة بما شاء الله أن يستمتع، وربما كانت بقِيتْ عنده سنة أو سنتين وهو يستمتع بها، وبيجيئه المهر كاملًا.

طيب، إذا منعها حقَّها من أجل أن تملَّ وتبذل الخلع؟ (

)

***

بسم الله الرحمن الرحيم

قال: (فإنْ عَضَلَهَا ظُلْمًا للافتداء). (عَضَلَها) أي: منعها حقَّها. (ظُلمًا) أي: بغير حقٍّ، وعُلِم منه أن منْعها حقها قد يكون لغير ظلم، وذلك فيما إذا نشزت؛ فإن المرأة إذا نشزت فلزوجها أن يمنعها من النفقة ومن القَسْم وغير ذلك من حقوقها، لكن إذا لم يكن ذلك لهذا السبب وإنما منعها ظلمًا (للافتداء) هذه اللام للتعليل؛ أي: عَضَلها للافتداء، ويش معنى الافتداء؟ أنْ تفدي نفسَها بشيء من المال؛ لقوله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229].

ص: 2975

(ولم يكن لزِناها) يعني لم يكن هذا العضْل لأنها زنتْ، والإنسان إذا زنت امرأتُه سقطتْ من عينه نهائيًّا، حتى لو فُرِض أنها تابت وأنابت إلى الله عز وجل واستقامت على الدين فإن ذلك الزنى سوف يخدشها عند الزوج، ولا سيَّما أنه يتعلق بمسألة الفروج ومسألة النسل والأولاد. المهم إذا كان لزِناها منع حقَّها؛ لأنها زنت من أجل أنْ أيش؟ تفتدي وتختلع.

(أو نشوزِها) يعني تَرَفُّعها عن القيام بحقِّ زوجها، وهذا ربما يقال: إنه هو مفهوم قوله: (ظلمًا).

(أو تَرْكِها فرضًا) أي: من الصلوات؛ يعرف أن هذه الزوجة ما تصلي الفجر إلا إذا قامت، متى قامت ولو بعد طلوع الشمس بساعةٍ مثلًا صلَّتْ، هذا لا شكَّ أن الزوج الذي يتقي الله ما يرضى بهذا، فعَضَلَها بعضَ الحقِّ لعلها تصلي، ما صلَّتْ، نقول: لكَ أن تعضلها حتى أيش؟ تفتدي؛ تقول: أعطيك المهر وطلِّقني.

(ففَعَلتْ) يعني: خالعت.

(أو خالعت الصغيرةُ والمجنونةُ والسفيهةُ، أو الأَمَةُ بغير إذْنِ سيِّدها لم يصح) الخلع.

إذا خالعت الصغيرة بشيءٍ من مالها فإن الخلع لا يصح، لماذا؟ لأن الصغيرة لا يصح تبرُّعها، فإن خالع وليُّها عنها من ماله لتضرُّرها بهذا الزوج جاز؛ لأن ذلك لمصلحتها.

(أو المجنونة) خالعت المجنونة؛ إنسان معه امرأة مجنونة -نسأل الله العافية- وكان من الأول يظن أنه سيحملها بجنونها، لكن عجز فصار يؤذيها وقال: تحبِّين تتخلصين مني. قالت: نعم. قال: أعطِني مهري. فأعطتْه مهره وهي مجنونة، فالخلع لا يصح؛ لأنها ليس لها تصرُّف.

(والسفيهة) السفيهة هي التي لا تُحسن التصرف في مالها، بالغة عاقلة لكن لا تُحسن التصرف في المال، فإذا خالعت فإنه لا يصح الخلع، لكن كما قلنا لكم قبل قليل: إذا كان ذلك من وليِّها لمصلحتها فلا بأس.

(أو الأَمَة بغير إذْن سيِّدها) فإنَّ خُلْعها لا يصح؛ لأن الإذن في فَسْخ النكاح للسيد، فإذا خالعت بغير إذن سيدها لم يصح الخلع.

ص: 2976

ثم قال: (ووَقَعَ الطلاقُ رجعيًّا إن كان بلفظ الطلاق أو نيَّته) يعني كلما لم يصح الخلع فهو طلاقٌ إن كان بلفظ الطلاق أو نيَّته، فإذا خالع الصغيرةَ بشيء من مالها؛ يعني لعب على الصغيرة وتزوجها ولها أربع عشرة سنة، ولم تعجبه، فلعب عليها؛ قال: تبغين تفتكِّين من هذا، قالت: نعم، قال: أعطِني مهري، فخالعت على المهر فقال: خلعتُ زوجتي على مهرها، ماذا يكون؟ يقول المؤلف رحمه الله: الخلع لا يصح، لكن يقول: يقع الطلاق رجعيًّا إن كان بلفظ الطلاق أو نيَّته؛ بمعنى أن الخلع الذي صدر من الزوج يكون طلاقًا رجعيًّا، إلا إذا كان هذا آخِر طلقة فيكون بائنًا، بشرط أن يقع بلفظ الطلاق أو نية الطلاق، فإن وقع بغير ذلك فإنه لا يقع لا طلاق ولا خلع، الكلام واضح للجميع؟

طلبة: واضح.

طالب: غير واضح.

الشيخ: الصورة: رجلٌ تزوج امرأةً لها أربع عشرة سنة، صغيرة ولَّا كبيرة؟ صغيرة، فخالعها؛ يعني قال: أعطِني مهري خمسين ألف ريال وأخلعك، قالت: خذ، هذا المهر، فخالعها، الخلع لا يصح لفوات شرطه؛ وهو كون المتبرِّع به جائز التبرع، وهذه المرأة غير جائزة التبرع، فالخلع إذَن لا يصح.

ماذا يكون؟ هل نقول الآن: الزوجة معه، أو طلقت، أو ماذا؟

نقول: الرجل قال: خلعت زوجتي على كذا، لم يقل: طلَّقت، ُ فإن كان أراد الطلاق بكلمة (خلعت زوجتي) وقع الطلاق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (12).

وإن قال: ما نويتُ الطلاق، لكن خالعَ بلفظ الطلاق؛ بدلًا من أن يقول: خالعت زوجتي بهذا القدر، قال: طلَّقتُ زوجتي، فإنه يقع الطلاق، ولهذا قال: (وَقَعَ الطلاقُ

إنْ كان بلفظ الطلاق أو نيَّته).

لكن هل يكون الطلاق رجعيًّا؟

ص: 2977

نقول: ننظر؛ إذا كان هذا آخِر ثلاث تطليقات صارت بائنًا منه؛ لأنه إذا طلَّق الإنسان زوجته آخِر تطليقات بانت منه، وإن كان هذا هو الثاني أو الأول فالطلاق رجعيٌّ، له أن يُراجع، هذا كلام المؤلف رحمه الله.

والصحيح أنه لا يقع طلاقٌ ولا خلعٌ، لماذا؟ لأن هذا الزوج إنما طلَّق أو خالع بناءً على حصول المال، والمال الآن لم يحصل له، فكأن طلاقه معلَّق على شرط، فالصواب أنه لا يقع الطلاق؛ لأن هذا الطلاق إنما كان من أجل العِوَض الذي يأخذه، والآن ليس له أن يأخذ العِوَض فنقول: كأنك لم تفعل شيئًا ولم تطلق عليك الزوجة.

طالب: (

) الطلاق؟

الشيخ: لا، ما هو لازم، هو أصل الخلع ما يكون بلفظ الطلاق، أصل الخلع أن يكون بلفظ الخلع؛ يقول: خالعتُ زوجتي، أو فاديتُ زوجتي، أو فسختُ نكاح زوجتي، لكن أحيانًا يقول: طلقتُ، كما قال الرسول لثابت:«طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» (9).

طالب: شيخ، بارك الله فيك، الفقهاء جميعًا يستدلُّون على مسألة الخلع بحديث ثابت، وهنا يقول يا شيخ: إنه يقع طلاقًا إذا كان بلفظ الطلاق، النبي صلى الله عليه وسلم قال له:«طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» ، يعني بلفظ الطلاق، ومع ذلك كان خلعًا.

الشيخ: إي، كيف يعني يكون (

الطالب: أليس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» ؟

الشيخ: بلى.

الطالب: بمعنى سيقول: هي طالق. وكان خلعًا؟

الشيخ: إذا قال الرسول: «طَلِّقْهَا» وطلَّقَها، ما هو طلاق هذا؟

الطالب: خلع.

الشيخ: لا، العلماء يقولون: إذا كان الفراق على عِوَضٍ نظرنا؛ إن كان بلفظ الفسخ فهو خلع، وإذا كان بلفظ الطلاق فالرسول قال:«طَلِّقْهَا» ، وإذا قال الرسول كلامًا وجب أن ينزل على المعنى الشرعي، وعلى هذا يكون الفراق الذي بعوض تارةً خلعًا لا ينقص به عدد الطلاق وتارةً يكون طلاقًا.

ص: 2978

وكما ذكرنا لكم أن شيخ الإسلام رحمه الله يقول: إن الخلع فسخٌ سواء وقع بلفظ الطلاق أو بغير ذلك، وذكرنا لكم استدلاله بالآية، وأن ابن عباس رضي الله عنه سبقه في ذلك وقال: كلُّ طلاقٍ جازه المالُ فهو خلعٌ (8). وقلتُ لكم: إن هذا هو الأقرب لولا أن رسول الله قال: «طَلِّقْهَا» ، وإذا قال الرسول:«طَلِّقْهَا» وجب أن يُحمَل على الطلاق المعروف.

طالب: (

) امرأة كانت متزوجة أبغضت زوجها (

).

الشيخ: إي نعم، ثم؟

الطالب: (

***

طالب: (

) إنْ كان بلفظ الطلاق أو نيَّته.

وما صحَّ مهرًا صحَّ الخلعُ به، ويُكره بأكثر مما أعطاها، وإنْ خالعتْ حاملٌ بنفقةِ عدَّتِها صحَّ،

ويصحُّ بالمجهول، فإنْ خالعتْهُ على حملِ شجرتها أو أَمَتِها أو ما في يدها أو بيتِها من درهمٍ أو متاعٍ أو على عبدٍ صحَّ، وله مع عدم الحملِ والمتاعِ والعبدِ أقلُّ مُسَمَّاه، ومع عدم الدراهم ثلاثةٌ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

سبق لنا أنَّ الخلع إذا وقع بلفظ الفسخ أو الفداء كان فسخًا، وإنْ وقع بلفظ الطلاق كان طلاقًا،

هذا هو المذهب: أنه إن وقع بلفظ الطلاق فهو طلاقٌ وإن كان فيه عِوَض، واستدلُّوا لذلك بحديث ثابت بن قيس أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له:«اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» (9). فقال: «طَلِّقْهَا» ، وأكَّد ذلك بقوله:«تَطْلِيقَةً» ، والتأكيد يرفع نيَّة المجاز.

ص: 2979

ولكن شيخ الإسلام رحمه الله تَبَعًا لابن عباسٍ ولظاهرِ القرآن يقول: إنَّ كلَّ طلاقٍ على عِوَضٍ فهو خلعٌ لا ينقص عدد الطلاق ولا يُحسَب عليه. وذكرنا دليله وهو قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، يعني: إنْ شاءَ راجَعَ وأَمْسَكَ وإنْ شاءَ سَرَّحَها، ثم قال بعد ذلك:{وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ، وهذا يدل على أنها إذا افتدتْ نفسَها وفارقها الزوجُ فليس بطلاقٍ؛ لأنه قال بعده:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ، ولو كان الفداء طلاقًا لكان الطلاقُ أربعًا.

لكن كيف نواجه ربَّنا عز وجل يوم القيامة وقد قال رسوله صلى الله عليه وسلم: «اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» (9)؟ إذَنْ إذا وقع الخلعُ بلفظ الطلاق صار طلاقًا وإنْ كان على عِوَض، أفهمتم يا جماعه؟

وعلى هذا ينبغي للإنسان إذا أراد أن يكتب المخالَعة ألَّا يقول: طلَّقَ زوجتَه بعِوَضٍ قدره كذا وكذا. وإنما يقول أيش؟

طالب: خالَعَ.

الشيخ: خالَعَ زوجتَه. ويستفيد من هذا فائدتين عظيمتين:

الفائدة الأولى: أن هذا لا يُحسَب عليه طلاقًا.

الفائدة الثانية: أنها تعتدُّ بحيضةٍ واحدةٍ، فالمخالعة لا تعتدُّ بثلاث حِيَض، وإنما تعتدُّ بحيضةٍ واحدةٍ ثم تنتهي عدَّتها وتحلُّ للأزواج؛ وذلك لأن المطلَّقة تعتدُّ بثلاث حِيَضٍ ليطول الوقت حتى يراجع المطلِّق نفسَه فيراجعها، والمختلعة ليس له رجوعٌ إليها، ولهذا ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أن المختلعة تعتدُّ بحيضةٍ واحدةٍ، وهو القول الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. هاتان فائدتان:

ص: 2980

الفائدة الأولى: أنه لا يُحسب عليه من الطلاق.

والثانية: أنها تعتدُّ بحيضةٍ واحدةٍ.

لكن لو كان طلاقًا فإن الطلاق لا بدَّ أن تعتدَّ فيه بثلاثة قروءٍ؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228].

يقول رحمه الله: (وإنْ وقعَ بلفظ الخلعِ). (إنْ وقعَ) الضمير يعود على الخلع، (بلفظ الخلعِ أو الفسخ) بأن قال: فسختُ زوجتي بعِوَضٍ قدره كذا وكذا، (أو الفداء) كأن يقول: فادى الرجلُ زوجتَه بعِوَضٍ قدره كذا وكذا، (ولم ينْوِهِ طلاقًا كان فَسْخًا لا ينقص عددَ الطلاق).

وعُلِم من قوله: (ولم ينْوِهِ طلاقًا) أنه لو نوى الطلاق بكلمة فَسْخٍ أو فداءٍ أو خلعٍ فإنه يكون طلاقًا؛ لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (12). وهذه الألفاظ: الفسخ والفداء والخلع، صالحةٌ لمعنى الطلاق، فإذا نوى بها الطلاق صار طلاقًا.

والخلاصة الآن: يقع الخلعُ طلاقًا:

أولًا: إذا وقع بلفظ الطلاق.

ثانيًا: إذا وقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو الفداء ونواه طلاقًا.

ويقع فسخًا إذا لم يكن بلفظ الطلاق؛ (ولم ينْوِهِ طلاقًا كان فَسْخًا لا ينقص عددَ الطلاق).

والمرأة هذه المخالعة هل تحلُّ للزوج إذا راجعها؟

لا، لا تحلُّ؛ لأن فائدة الفداء ألَّا يملك الرجوع، وهي تريد أن تفدي نفسَها منه، ولو قلنا: له الرجوع، لضاعت الحكمة من الخلع، فنقول: إنه لا يملك الرجوعَ، لكن لو عقد عليها من جديد مَلَكَ ذلك، لو اتفق وإياها على أن يتزوجها من جديد فلا بأس؛ لأنها الآن تملك نفسها، إذا كان عقدًا جديدًا تستطيع أن تقول: لا، أو تقول: نعم.

ص: 2981

وهذه البينونة تُسمَّى عند العلماء: البينونة الصغرى؛ لأنها لا تحلُّ له إلا بعقد، وأضرب لكم مثلًا يتبيَّن به الأمر: طلَّق رجلٌ زوجتَه أول طلقة بلا عِوَض، هذه أيش؟ هذه طلقة رجعيَّة، للزوج أن يراجعها ما دامت في العدَّة سواء رضيتْ أمْ كرهتْ، وبدون عقد، وبدون مهر، وبدون إشهاد، إلَّا أن الأفضل أن يُشهِد. عرفتم هذه متى تكون؟

الطلبة: بالطلاق الرجعي.

الشيخ: بالطلقة الواحدة أو الثنتين بلا عِوَض.

ثانيًا: طلَّقها آخر ثلاث تطليقات؛ بأن يكون طلَّق أولًا ثم راجع، ثم طلَّق ثم راجع، ثم طلَّق الثالثة، ماذا تكون؟

طلبة: هذه بائنة.

الشيخ: هذه بائنةٌ بينونةً كبرى، لا تحلُّ له بالمراجعة ولا تحلُّ له بعقدٍ حتى تنكح زوجًا غيره.

ثالثًا: إذا خالعها أو طلَّقها على عِوَض فهذه ليس له رجعةٌ إليها إلا بعقدٍ جديدٍ سواء كانت في العدَّة أمْ بعد فراغ العدَّة. فهمتم الآن؟ فصار من النساء من تبين من الزوج بمجرد الطلاق بينونةً كبرى، مَن هذه؟

طالب: المطلَّقة ثلاثًا.

الشيخ: المطلَّقة آخر ثلاث تطليقات.

ومِن النساء مَن يحلُّ له أن يراجعها بلا عقد، مَن هي؟

المطلَّقة قبل استكمال العدد بلا عِوَض؛ يعني المطلَّقة واحدة أو ثنتين.

الثالثة: مَن لا تحلُّ له برجعةٍ، ولكن تحلُّ له بعقدٍ، وهي المفسوخة بخلعٍ أو غيره إذا لم يكن بلفظ الطلاق أو نيَّته.

ثم قال: (ولا يقعُ بمعتدَّةٍ من خُلعٍ طلاقٌ ولو واجَهَهَا به).

المعتدَّة من الخلع لا يقع عليها الطلاق؛ لأنها بانت من زوجها، فلو أن الإنسان خالعَ زوجتَه على ألف ريال وتمَّ الخلع، وفي اليوم الثاني قال لها: أنتِ طالق، فالطلاق لا يقع، لماذا؟ لأنها أجنبيةٌ منه، قد بانت، حتى لو واجهها وقال: أنتِ طالق، يخاطبها فإنها لا تطلق؛ العِلَّة أن الطلاق إنما يقع على زوجةٍ، وهذه المرأة الآن ليست زوجةً حتى يقع عليها الطلاق.

ص: 2982

وقوله: (ولو واجَهَهَا به) إشارة الخلاف؛ لأن بعض العلماء يقول: إذا واجهها بالطلاق طلقت، ولكنه قولٌ ضعيفٌ، والصواب ما مشى عليه المؤلف أن المختلعة لا يقع عليها الطلاق.

المطلَّقة الرجعية؛ إنسان طلَّق زوجتَه أول مرةٍ على غير عوض، وفي اليوم الثاني قال لها: أنتِ طالق، يقع الطلاق ولَّا لا؟

طالب: نعم.

الشيخ: يقع الطلاق، المؤلف يقول:(لا يقعُ بمعتدَّةٍ من خُلعٍ طلاقٌ)، الرجعية يقع عليها طلاق.

فهذه المرأة رجعية مثلًا طلَّقها أول مرة على غير عوض في أول يوم من الشهر، في اليوم الثاني كلَّمها وقال: أنتِ طالق، لا يريد خبرًا وإنما يريد إنشاءً: أنتِ طالق، تطلق ولَّا لا؟

طالب: نعم تطلق.

طالب آخر: نعم، ظاهر كلامه تطلق.

الشيخ: تطلق لأنها رجعية، والرجعية زوجة.

والدليل على أن الرجعية زوجة قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] فسَمَّى الله المطلِّقين بُعُولةً.

في اليوم الثالث واجهها وقال: أنتِ طالق، تطلق أو لا؟

الطلبة: تطلق.

الشيخ: تطلق. قلنا: في اليوم الثاني طلَّقها، وقلتم: إنها تطلق. في اليوم الثالث طلَّقها؟

الطلبة: تطلق.

الشيخ: تطلق، طيب، في اليوم الرابع؟

الطلبة: ما تطلق.

الشيخ: ما تطلق، ليش؟ لأنها؟

طالب: أجنبية.

الشيخ: بانت منه، هذا هو تقرير المذهب في هذه المسألة، وهو الذي عليه جمهور العلماء: أن الرجعية يلحقها الطلاق، فإذا طلَّقها أول مرةٍ وفي أثناء العدَّة طلَّقها ثانيةً ثم ثالثةً بانت منه.

ولكن شيخ الإسلام رحمه الله أَبَى ذلك وقال: إنها لا يقع عليها الطلاق، الرجعية لا يقع عليها الطلاق؛ لأنها الآن موصوفة بأنها مطلَّقة، ما هي زوجة، قد انحلَّ قيدُ النكاحِ، لكنه ليس انحلالًا كاملًا. هذا من جهة المعقول.

ص: 2983

من جهة المنقول قال: إن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وطلاق الرجعية ليس طلاقًا للعِدَّة.

وأنا أضرب لكم مثلًا يتبيَّن به الأمر: إنسانٌ طلَّق زوجتَه طلاقًا رجعيًّا، كم عِدَّتها؟

الطلبة: ثلاثة قروء.

الشيخ: ثلاث حِيَض. حاضت الأولى، وحاضت الثانية، وقبل أن تحيض الثالثة قال: أنتِ طالق، فهل تستأنف العِدَّة ونقول: تعتدُّ حيضةً ثم حيضةً ثم حيضةً، أو تبني على الحيضةِ الأولى؟

طالب: تستأنف من جديد.

الشيخ: إي نعم، مقتضى قولنا: إنه يقع عليها الطلاق، أنْ تستأنف من جديد، لكنهم يقولون: لا، ما تستأنف، تبني على ما سبق، وعلى هذا فلا تحيض في الطلاق الثاني في المثال اللي قُلنا؟

طالب: إلا حيضة واحدة.

الشيخ: إلا حيضة واحدة، ولو كان الطلاق هنا طلاقًا للعِدَّة لوجب أن تحيض كم؟

طالب: ثلاثًا.

الشيخ: ثلاث مرات، فلمَّا لم تُوجبوا عليها -نقول للذين قالوا: إن الطلاق يقع على الرجعية- نقول: فلمَّا لم توجبوا عليها إعادةَ الحيض علِمْنا أنها لم تُطلَّق للعِدَّة، والله عز وجل يقول:{طَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، فإذا طلَّق في هذه الحال وقُلتم: إنها لا تستأنف العِدَّة، فقد حكمتم بأنها لم تُطَلَّق أيش؟ للعدة، وحينئذٍ يكون هذا الطلاق ليس عليه أمْر اللهِ ورسولِه، فيدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (13)، وهذه حُجَّةٌ قويةٌ لا محيد عنها.

ولهذا كان الراجح في هذه المسألة قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنَّ الرجعية لا يقع عليها طلاقٌ؛ لأنها توصَف الآن بأنها مُطَلَّقة، كيف يُطلِّقها وهي مُطَلَّقة قد انحلَّ قيد نكاحها.

والدليل من السمع قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} .

ص: 2984

أيضا حديث ابن عباس في صحيح مسلم: كان الطلاقُ الثلاثُ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكرٍ وسنتين من خلافة عمر طلاقُ الثلاثِ واحدة (14)، وهذا يشمل ما إذا قال لها: أنتِ طالقٌ ثلاثًا، أو قال: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق، في عهد الرسول هذه الثلاثُ: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق، واحدةٌ، ولو كان الطلاق يقع على الرجعية لكان؟

طلبة: ثلاثًا.

الشيخ: الأخ.

طالب: ثلاثًا.

الشيخ: ثلاث لأنهم قالوا: ثلاث، ما هو عن عِلْم، الظاهر أن صاحبك أعداك؛ الجارُ أحقُّ بسَقَبِهِ، اللهم اهدِنا، يا إخوان ترى الجلوس عند العلم أو التعلُّم لا بد كل قُوَاك تكون موجودة، وإلا تراك تبغي تسرح، الشيطان يحب أن يُغَفِّل الإنسان عند العلم، يحرص الشيطان على أن ينعس الإنسان أو يغفل في مواطن العلم والصلاة، يحاول بكل ما يستطيع أن يُغَفِّل الإنسان، لكن في الجهاد يجعل قلبه يرجف فلا ينام أبدًا، {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [الأنفال: 11]، على كل حال انتبهوا يا إخوان.

نحن ذكرنا أن شيخ الإسلام رحمه الله يقول: إن الرجعية لا يقع عليها الطلاق، الدليل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، وإذا وقع الطلاق على الرجعية فإنها لا تستأنف العِدَّة، فيكون طلاقها لغير عِدَّة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (13)، هذا دليل من القرآن.

دليل من السُّنة: كان طلاقُ الثلاثِ واحدةً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر (14)، وإذا كان طلاق الثلاث واحدةً لَزِم ألَّا تقع الطلقتان الأُخريان، لماذا؟ لأنهما وقعا على رجعية.

دليله من النظر أن نقول: إن الطلاق المطْلَق هو حلُّ قيد النكاح المطْلَق ..

ص: 2985

بِمُعْتَدَّةٍ من خُلْعٍ طلاقٌ ولو وَاجَهَها به ولا يَصِحُّ شرطُ الرَّجْعَةِ فيه، وإن خالَعَها بغيرِ عِوَضٍ أو بِمُحَرَّمٍ لم يَصِحَّ، ويَقَعُ الطلاقُ رَجْعِيًّا إن كان بلَفْظِ الطلاقِ أو نِيَّتِه، وما صَحَّ مَهْرًا صَحَّ الْخُلْعُ به، ويُكْرَهُ بأكثرَ مما أَعْطَاهَا، وإن خَالَعَتْ حاملٌ بنفقةِ عِدَّتِها صَحَّ ويَصِحُّ بالمجهولِ، فإن خالَعَتْهُ على حَمْلِ شَجرَتِها أو أَمَتِها أو ما في يَدِها أو بيتِها من دِرهمٍ أو مَتاعٍ أو على عبدٍ صَحَّ، وله مع عَدَمِ الحمْلِ والمتاعِ والعبدِ أقلُّ مُسمَّاه، ومع عَدَمِ الدراهمِ ثلاثةٌ.

(فصلٌ)

وإذا قالَ: متى أو إذا أو إن أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فأَنْتِ طالِقٌ طَلُقَتْ بعَطِيَّتِه وإن تَرَاخَى، وإن قالت: اخْلَعْنِي على أَلْفٍ أو بأَلْفٍ أو ولك ألْفٌ ففَعَلَ بانَتْ واسْتَحَقَّها، بانَتْ واسْتَحَقَّها، وطَلِّقْنِي واحدةً بأَلْفٍ فطَلَّقَها ثلاثًا اسْتَحَقَّها، وعَكْسُه بعَكْسِه، إلا في واحدةٍ بَقِيَتْ، وليس للأبِ خُلْعُ زوجةِ ابنِه الصغيرِ ولا طَلاقُها ولا خُلْعُ ابنتِه بشيءٍ من مالِها، ولا يُسْقِطُ الْخُلْعُ غيرَه من الحقوقِ، وإن عَلَّقَ طلاقَها بصفةٍ ثم أَبانَها فوُجِدَتْ ثم نَكَحَها فوُجِدَتْ بعدَه طَلُقَتْ كعِتْقٍ وإلا فلا.

وقع على رجع، على رجعية.

دليله من النظر أن نقول: إن الطلاق المطلق هو حل قيد النكاح المطلق، والرجعية قد انحل بعض قيدها، انحل بعض القيد، فلا يكون الطلاق الواقع عليها طلاقًا، وهذا القول الذي ذكره شيخ الإسلام هو الذي نراه راجحًا، وعلى هذا فإذا قال الرجل لزوجته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، كم يكون؟

طلبة: واحدة.

الشيخ: واحد، قال لها: أنت طالق أول يوم من الشهر. قال: أنت طالق في اليوم العاشر. قال: أنت طالق في اليوم العشرين.

طلبة: واحدة.

الشيخ: واحدة؛ لأن الرجعية لا يقع بها طلاق.

ص: 2986

يقول رحمه الله: ولا (بمعتدة من خلع طلاق ولو واجهها به، ولا يصح شرط الرجعة فيه) أي: في الخلع؛ يعني: لو قال الزوج: خالعتُكِ على ألف ريال، لكن لي الخيار والرجوع لمدة شهر. فإن هذا لا يصح؛ لأنه يخالف مقتضى العقد؛ إذ إن مقتضى عقد الخلع هو البينونة، والمرأة ما بذلت الدراهم إلا لتتخلص، فإذا شرطت الرجعة صار هذا مناقضًا لمقصود الخلع، الخلع يُقْصَد به البينونة، وشرط الرجعة فيه ينافي ذلك، وكل شرط ينافي مقتضى العقد فإنه لاغٍ.

(وإن خالعها بغير عوض أو بمحرم لم يصح، ويقع الطلاق رجعيًّا إن كان بلفظ الطلاق أو نيته) إن خالعها بغير عوض؛ بأن جاء باثنين وقال: اشهدا أني خالعت زوجتي، قالوا: بكم؟ قال: بدون شيء؛ خالعتها. يقول المؤلف: إنه لا يصح، الدليل قوله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وهنا لا فداء.

واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا بأس بذلك؛ لأن غايته أَنّه فسخٌ لا رجعة فيه برضا الطرفين، وللبحث بقية لأنَّه مهم، وكأنه يبدو لي أنه ليس عندكم علم سابق في هذه المسائل.

طالب: البعض والبعض.

الشيخ: البعض هو الأكثر.

طالب: (

) أول مرة.

الشيخ: إي نعم.

طالب: إذا طلق امرأته مرتين طلقتين ثم خالعها ثم عقد عليها بعقد جديد، فهل ترجع له على أنَّها بقي لها طلقة واحدة أو ثلاثة؟

الشيخ: ترجع المرأة المطلقة إلى زوجها على ما بقي من طلاق إلا إذا طلقها ثلاثًا ثم تزوجت آخر ثم عادت إلى الأول، فتعود على طلاق الثلاث، تبتدئ من جديد.

طالب: شيخ -بارك الله فيك- لو التزم الطالب مذهب من قالوا: إنه إذا أوقع عليها الطلقة الثانية في العدة أنها تعتد من جديد.

الشيخ: لا، المذهب لا، تبني على (

).

الطالب: شيخ، لو التزمت بذلك؟

الشيخ: ما التزمت، ما التزمت يا أخي، ما (

) شيئًا عليها، ما التزمت؟

ص: 2987

طالب: شيخ، بعض النساء يصرون إذا طلقتها التطليقة الأولى تقول: لا أرجع إليه، وهذا طلقني بلا سبب، هل نلزمها يعني إذا أراد أن يرجعها أم .. ؟

الشيخ: الحق لمن؟

الطالب: له الحق هو.

الشيخ: طيب.

الطالب: لكنها ..

الشيخ: لكن الله اشترط (

) أن الله اشترط إن أرادوا إصلاحًا {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228] أما إن أراد تطويل المدة عليها كما كانوا يفعلون في الجاهلية، في الجاهلية يطلق الرجل المرأة فإذا شارفت على العدة، أيش؟ راجَعَها، ثم طلقها من أجل أن تطول العدة فإذا شارفت العدة الثانية على الانتهاء راجعها ثم طلقها لتطول العدة، فإذا قاربت الانتهاء راجعها ثم طلقها قبل أن يدخل عليها وقبل كل شيء، فتعتد من جديد فإذا شارفت العدة.

طلبة: راجعها.

الشيخ: راجعها ثم طلقها، وتبقى أبد الآبدين هكذا فحدد الله ذلك بماذا؟

{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229]{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ} [البقرة: 230] بعد المرتين، وهذا رأفة بالزوج والزوجة؛ أمَّا الزوجة فلئلا تتضرر في الدنيا، وأما الزوج فلئلا يتضرر في الآخرة؛ ولهذا قال:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] متى؟ {إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} ، وقال تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231].

طالب: شيخ -بارك الله فيك- ما اتضح لي الجمع بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» (1)، وجعل عدتها الحيضة؛ امرأة ثابت بن قيس.

الشيخ: لا، اتضح لك هذا بأنَّه لم يصح ذاك؛ الصحة أن الرسول أمرها تعتدَّ بحيضة، وإلَّا لو صح هذا لكان فاصلًا؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد بالتطليقة مجرد الفراق؛ ولهذا نطالب منك أي نطلبك ونطالبك أن تأتي لنا بهذا الحديث على أنه صحيح، عرفت؟

طالب: أبحثه وآتيك إن شاء الله.

ص: 2988

الشيخ: إي، إن شاء الله تأتي به متى؟ غدًا ولَّا في درس الليلة؟

الطالب: أو بعد غد.

الشيخ: كيف أو بعد غد؟

الطالب: ليومين.

الشيخ: لك يومان، طيب، اليوم الأحد، يوم الثلاثاء إن شاء الله تأتي به.

طالب: شيخ، عمر بن الخطاب لما جعل (

) طلقات (

) آن واحد، هل نرجع عن حكم عمر إلى ما كان (

) الرسول صلى الله عليه وسلم (

).

الشيخ: إي، هذا -بارك الله فيك- يكون عمر رضي الله عنه، عمر رجل حازم ساسَ الأمَّةَ بالحزم والقوة؛ ولهذا كان يتفقد الصفوف فإذا رأى إنسانًا؛ المتقدم والمتأخر في الصف ضربه؛ لئلا يعود، فكان من حزمه أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثًا قال: تعالَ أنت اللي اخترتَ لنفسك وتعجلتَ البينونة فنجعلها عليك، نحن ما ظلمناك، وفعل هذا رضي الله عنه؛ لأن أصل طلاق الثلاث حرامٌ، محرمٌ، فلما تمادى الناس في هذا المحرم رأى عمر بثاقب عزيمته وسياسته أن يمضيه عليهم؛ ولهذا قال: أرى الناس قد تعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم (2). فأمضاه فيكون مَنعُهُم من الرجوع إلى الزوجة من باب.

طلبة: التعزير.

الشيخ: التعزير والعقوبة، كما أنه منع من بيع أمهات الأولاد؛ يعني المرأة المملوكة إذا جامعها سيدها وأتت بولد سُمِّيَت أم ولد وكانت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام تباع أمهات الأولاد، وكذلك في عهد أبي بكر، في عهد عمر قال: لا تباع (3)؛ لأنه رأى الناس قلَّ فيهم الخوف، وصار الرجل يولد الأمة ثم يبيعها ويخلي ولدها عنده، فيُفَرَّق بين الوالدة وولدها، في عهد الرسول ما كان يُعْرَف هذا؛ لأن عندهم من التقوى ما يمنعهم، لكن في عهد عمر وبعد أن اتسعت الفتوحات ودخل في الإسلام من هو يَهُزُّ هزيزًا وصاروا يفرقون بين الوالدة وولدها رأى عمر رضي الله عنه أن من الحزم أن يمنع من بيع أمهات الأولاد فمنع.

ص: 2989

في شرب الخمر كان في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لا يوجد للجلد عددًا معيَّنًا؛ يُضرَب بالجريد، جاء أمام الناس، هذا يضرب بيده، وهذا بثوبه، وهذا بنعله، وهذا بعصاه، ثم في عهد أبي بكر حدَّد أربعين جلدة، ثم في عهد عمر كثر الشرب والسبب أن الناس انفتحوا ودخل في الإسلام من كان يَهُزُّ هزيزًا، وكثُر شرب الخمر، فرأى عمر رضي الله عنه أن يزاد الحد ضعفًا ورفعه إلى ثمانين (4).

فالطلاق الثلاث لا شك أن السنة أنه واحدة؛ الطلاق الثلاث واحدة، وفعل عمر رضي الله عنه بإمضائه (2)، ومنع المطلق ثلاثًا من المراجعة قلنا: إنه على سبيل التعزير ثم تبعه الناس في ذلك، تبعه الأئمة في ذلك وصار العمل حتى أن بعضهم حكى الإجماع على أن الطلاق الثلاث طلاق بائن، لكن قال شيخ الإسلام رحمه الله، وابن القيم وغيرهما لو قيل: إن الإجماع على أن الطلاق الثلاث واحدة لكان أولى ليش؟ لأنه في عهد الرسول وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر الطلاق الثلاث واحدة، أَيُّ إجماع أقوى من هذا الإجماع؟

لكن فعله عمر تعزيرًا، وبناء على ذلك رأينا أن الإنسان أنا شخصيًّا إذا جاء إنسان وطلق ثلاث في الأول، ثم طلق في الثاني ثلاثًا، ما أرد عليه زوجته؛ لأنه متهاون، فإذا كان لأول مرة أردُّ عليه زوجته اتباعًا لسنة الرسول عليه الصلاة والسلام وسنة أبي بكر، إذا كرر واستهان بحرمات الله أمنعه من الرجوع اتباعًا لمن؟

لسنة عمر فأكون آخذًا بالسنتين بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر حين كان عند الإنسان خوف من الله ولم يكرر، وبسنة عمر حين كان يلزم الناس بذلك لما (

) فيه.

طالب: احتالوا.

طالب: (

) وله مع عدم الحمل والمتاع والعبد أقل مسمّاه ومع عدم الدراهم ثلاثة.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ص: 2990

سبق لنا أن الخلع هو فراق الزوجة بعوض بألفاظ معلومة، وأنه لا ينقص عدد الطلاق أي: لا يحسب منه وأنه فراق بائن بمعنى أن الزوجة لا تحل لزوجها ولو في أثناء العدة إلا بعقد جديد، وهذا هو فائدة الخلع أنها لا تحل له إلا بعقد جديد؛ لأن المرأة حين بذلت العوض افتدت نفسها بذلك، ولو قلنا بأن لزوجها الرجوع لم يكن للخلع فائدة.

إذن الخلع -خلاصة يعني ما سبق- الخلع هو فراق الزوجة بعوض بألفاظ معلومة.

الخلع فراق بائن لا تحلُّ به المرأة ولو في العدة إلا بعقد جديد.

ثالثًا: الخلع لا يحسب من الطلاق؛ فلو طلق الرجل امرأته مرتين ثم خلعها فإنها لا تَبِينُ منه بينونة كبرى؛ لأن الخلع ليس بطلاق.

إذا وقع الخلع بلفظ الطلاق فهو طلاق يُحْسَب منه على رأي جمهور العلماء، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية تبعًا لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه لا يكون طلاقًا (5)، ولو وقع بلفظ الطلاق اعتبارًا بالفدية التي افتدت نفسها بها.

وسبق لنا أنه لو طلقها وهي في عدتها من الخلع فإنه لا يقع الطلاق عليها؛ لأن الخلع أيش؟ فراق بائن، فلو طلق المختلعة في العدة لم تحسب.

وإن طلق المطلقة في العدة فجمهور العلماء على أنه يقع، والصحيح أنه لا يقع الطلاق في أثناء العدة.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (وان خالعها بغير عوض أو بِمُحَرَّم لم يصح) إن خالعها بغير عوض لم يصح؛ مثل أن يقول: أشهدكم أني خالعت زوجتي بدون عوض؛ يعني: لم يعطه أحد عوضًا فإنه لا يصح ولا يكون فراقًا ولا طلاقًا ولا شيئًا؛ لأن الخلع فراق بأيش؟ بعوض، فإذا قال: خالعت زوجتي. ولم يكن هناك عوض فإنه لا يصح.

كذلك أيضًا إذا خالعها بِمُحَرَّم مثل أن خالعها بخمر؛ يعني: أنها بذلت له خمرًا ليخالعها ففعل فإن الخلع لا يصح، ولو خالعته على كراتين من الدخان، الدخان معروف؟

طلبة: نعم.

الشيخ: حرام ولَّا غير حرام؟

طلبة: حرام.

ص: 2991

الشيخ: فإن الخلع لا يصح؛ لأن عوضه محرم، طيب وهل يقع طلاقًا؟ بيَّن المؤلف ذلك؛ قال:(ويقع الطلاق رجعيًّا إن كان بلفظ الطلاق أو نيته) يقع الطلاق رجعيًّا إن كان بلفظ الطلاق أو نيته؛ يعني مثلًا هو بذلت له عوضًا محرمًا، ولكن كان لفظ العقد الذي جرى بينهما: خالعت زوجتي على كرتون من الدخان فالخلع غير صحيح، وهل يكون طلاقًا؟ لا؛ لأنه ليس بلفظ الطلاق، ولا نيته فإن كان بلفظ الطلاق أو نيته يقول المؤلف: وقع رجعيًّا، ومعنى قولهم:(رجعيًّا) أن للزوج أن يراجع زوجته ما دامت في العدة، وهذا ما لم يكن هذا آخر طلقة، فإن كان آخر طلقة وقع طلاقًا بائنًا لاستكمال الثلاثة.

قال: (وما صحَّ مهرًا صحَّ الخلعُ به) كل ما صحَّ مهرًا فإن الخلع يصح به من مال أو منفعة، فإذا خالعته على أن تخدمه لمدة شهر فالخلع صحيح ولَّا غير صحيح؟

طلبة: صحيح.

الشيخ: لأنه يجوز أن تكون الخدمة مهرًا؛ فموسى عليه الصلاة والسلام كان مهر بنت صاحب مدين أن يرعى الغنم.

طلبة: (

).

الشيخ: ثماني حجج؛ يعني ثماني سنين، فإن أتمَّ عشرًا فمن عنده. خالعته بدرهم.

طلبة: يصح.

الشيخ: يصح؛ لأنه يصح أن يكون صداقًا.

المهم ما صح مهرًا صحَّ الخلع به.

قال: (ويُكْرَه بأكثر مما أعطاها) يعني: يُكْرَه أن يأخذ الزوج أكثر مما أعطاها، فإذا كان المهر الذي دفع لها عشرة آلاف وطلبت الخلع، وقال: لا أخالع إلا بأحد عشر ألفًا قلنا: هذا صحيح؛ الخلع، ولكنه مكروه.

انتبه، يعني: يجوز أن يكون مهره أقل من عوض الخلع لكنه يُكْرَه.

ص: 2992

وقال بعض العلماء: إنه لا يصح بأكثر مما أعطاها وإنه يحرم عليه ذلك كقول الله تبارك وتعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] فقوله: {فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} إن نظرنا إلى اللفظ وجدنا أنه عام يشمل القليل والكثير وما كان مثل المهر أو أكثر أو أقل، وإن نظرنا إلى أول الآية {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] قلنا: فيما افتدت به مما أعطاها؛ ولهذا اختلف العلماء في هذه المسألة؛ منهم من قال: إنه يصح بأكثر مما أعطاها لكن مع الكراهة، ومنهم من يقول: إنه لا يحل له أن يأخذ أكثر مما أعطاها؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «لَهَا المَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» (6)، وقد استحلَّ فرجها فاستحقت المهر كاملًا، فإذا تضررت بالبقاء معه ودفعت له عوضًا فلا ينبغي أن يأخذ أكثر مما أعطاها؛ لأنه حينئذ يكون كأنه مُتَّجر بفرج هذه المرأة.

قال: (وإن خالعت حامل بنفقة عدتها صحَّ) معنى ذلك أن الإنسان إذا طلَّق زوجته وهي حامل وجب عليه أيش؟ أن ينفق عليها؛ لقوله تعالى في سورة الطلاق: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] فإذا قالت امرأة لزوجها: خالعني ولا تتحمل نفقة حملي. يقول المؤلف: إن هذا صحيح؛ لأنها خالعته بعوض في الواقع؛ إذ إنه لو لم تخالعه لوجب عليه أن ينفق.

ص: 2993

(ويصح بالمجهول) يعني: يصح الخلع بالعوض المجهول؛ ووجه ذلك أنه ليس المقصود بالعوض عوض الخلع المتاجرة المالية وإنما المقصود الفراق، بخلاف البيع والشراء فإنه يُقْصَد به العوض؛ ولهذا كان لا بد فيه من العلم والتحرير، أما هذا فلا.

مثال المجهول قال: (فإن خالعته على حَمْلِ شجرتها)(حمل شجرتها) يعني: قالت: خالعتك على ما تحمله نخلتي هذا العام. فهنا العوض مجهول لا شك، ما ندري هل تحمل كثيرًا أو قليلًا أو لا تحمل.

(فإذا خالعته على حمل شجرتها) صح؛ قالت: خالعتك على ما تحمله شجرة البرتقال -شجرتها- يصح، أفهمتم يا جماعة؟

طلبة: نعم.

الشيخ: طيب، كذلك لو قالت .. لو خالعته على حمل أَمَتِهَا؛ أمتها يعني مملوكتها، المرأة لها أمة مملوكة وقالت: خالعتك على حمل أمتي، الحمل مجهول ولهذا لا يصح بيعه لكن الخلع به يصح؛ لماذا؟ لأن المقصود من الخلع هو الفراق وليست المعاوضة والمتاجرة؛ ولهذا لا يُشترَط فيه التحرير.

(أو ما في يدها أو بيتها من دراهم أو متاع) أمسكت بدراهم بيدها وقالت: خالعتك على ما في يدي، كم؟

طلبة: غير معلوم.

الشيخ: مجهول، قال: لا بأس.

أخالعك على ما في يدك من الدراهم يصح، فيه معها ربطة دراهم ورق قالت: خالعتك على هذه الربطة من الدراهم وهو لا يدري كم عددها، يصح. العلة أن المقصود بالخلع هو الفراق لا المعاوضة.

كذلك ما في بيتها من دراهم أو متاع، وقوله:(من دراهم) يعود على قوله: (ما في يدها)، (أو متاع) يعود على قوله:(ما في بيتها).

قالت: خالعتُكَ على ما بيتي من المتاع؛ يعني: أواني، قدور، أباريق، فناجيل، فرش، وهو يجهل ذلك. نقول: إن هذا صحيح والعلة ما سمعتم.

(أو على عبد) خالعتْهُ على عبد. طيب أيش العبد؛ كبير، صغير، متعلم، أمي، كاتب، غير كاتب؟

طالب: مجهول.

الشيخ: مجهول، لا بأس، ما فيه مانع، والعلة أيش؟ أن المقصود بالخلع هو الفراق دون الاتجار.

ص: 2994

(وله مع عدم الحمل والمتاع والعبد أقل مسماه ومع عدم الدراهم ثلاث)(له مع عدم الحمل) أيُّ حَمْلٍ؟ يعني ما تحمل شجرتها أو أمتها (أقل مسماه) فمثلًا إذا قيل: هذه الشجرة في العادة تحمل مئة كيلو فأقل ما تحمل عشرة كيلو مثلًا، يقول: يُعْطَى عشرة كيلوات؛ لأن هذا هو المتعين وما زاد فهو مظنون قد تحمله وقد لا تحمله، فيُعْطَى أقلَّ مسمى الحمل.

وكذلك يقال فيما تحمله شاتُها أو أَمَتُها أو ما أشبه ذلك.

(مع عدم الحمل) المتاع، الحمل، (والعبد أقلَّ مسماه) المتاع؛ أقل ما يُسَمَّى متاعَ بيت يعطى إياه مثلًا لو فرضنا أن قالت: خالعتك على ما في بيتي من متاع. دخلنا البيت ما وجدنا فيه شيئًا، وجدنا أنها قد نقلت جميع المتاع. نقول: تُعطَى أقل ما يكون من أمتعة البيت من فُرُش وأوانٍ ونحو ذلك.

(ومع عدم الدراهم ثلاثة) ليش الدراهم قلنا: ثلاثة؛ لأنها أقل جمع، وهي قالت: ما في يدها من دراهم. فنقول: أقل الجمع ثلاثة. لو أنها قالت: هكذا خالعتك على ما في يدي من الدراهم. ثم فتحت اليد ولا ما فيها شيء يلزمها ثلاث دراهم؛ لأن هذه أقل الجمع.

وقيل: لا يلزمها إلا درهم واحد؛ لأن (مِن) هنا لبيان الجنس لا لبيان العدد، (على ما في يدها من الدراهم) ما فيه إلا درهم واحد يمكن؛ يعني: لو لم يوجد في يدها الآن إلا درهم واحد، هل نقول: كملي الثلاثة. أجيبوا يا جماعة.

طلبة: لا.

الشيخ: لا، إذن أقل مُسَمًّى درهم واحد، وهذا القول هو الراجح.

ثم قال: (فصل: وإذا قال: (متى)، أو:(إذا)، أو: إن أعطيتِني ألفًا فأنتِ طالقٌ طَلَقَتْ بِعَطِيَّتِهِ وإن تراخى) إذا قال: متى أعطيتِني ألفًا فأنت طالق، أعطيتِني ولَّا أعطيتيني؟

أعطيتِني، والياء توجد لكن اللغة قليلة، واللغة الفصحى أعطيتِني؛ لأنه يُفَرَّق بين المذكر والمؤنث بكسر التاء أو فتحها؛ بكسر التاء أو فتحها تقول في الرجل: أعطيتَني، في المرأة: أعطيتِني. أما أعطيتيني فهي قليلة جدًّا.

ص: 2995

متى أعطيتِني ألفًا فأنت طالق. ذهبت واستقرضَتْ وأتَتْ بألف بعد يوم أو يومين، يصح؟

طلبة: (

).

الشيخ: لأنه لم يقيد؛ قال: متى أعطيتِني ألفًا فأنت طالق. فأعطته ألفًا.

قال لها: إذا أعطيتني ألفًا فأنت طالق. أعطته ألفًا حالًّا تطلق، بعد يوم، أو يومين، أو شهر، أو شهرين؛ تطلق.

طيب، إن أعطيتِني ألفًا فأنت طالق. الحكم واحد كالأول، لكن هل له أن يرجع أو لا؟ ليس له أن يرجع؛ لأن هذا طلاق معلق، والطلاق ينفذ، فلا رجوع فيه، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء؛ أنه لا يملك الرجوع.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يملك الرجوع ما لم تُعْطِه، فإن أعطته وقع الطلاق ولا يمكن الرجوع.

يقول: (طَلَقَتْ بعطيته وإن تراخى) وقال: (وإن قالت: اخلعني على ألف، أو بألف، أو ولك ألفٌ ففعل بانت واستحقها) إذا قالت: (اخلعني على ألف أو بألف أو ولك ألف ففعل بانت) أيش معنى بانت؟

طلبة: طَلَقَت.

الشيخ: لا.

طلبة: خلعت.

الشيخ: حصل الفراق البائن؛ لأن الخلع ليس طلاقًا، وهي تقول: اخلعني على ألف فإذا بانت استحق الألف؛ لأنه أعطاها ما شرطت.

(وطلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثًا استحقها، وعكسه بعكسه، إلَّا في واحدة بقيت) قالت له: طلقني واحدة بألف. قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، يريد ثلاثًا، يستحق الألف؟

طلبة: نعم.

الشيخ: نعم يقول المؤلف: يستحق الألف؛ لأنه طلقها واحدة وزاد فتبين ويستحقها، تبين منه بينونة كبرى ويستحقها، يستحق أيش؟ الألف؛ لأنه زادها عما طلبت هي، طلبت طلاقًا وهو أعطاها طلاقًا وبينونة فقد وَفَّى لها بما ذكرت (

).

وقيل: إنه إذا طلقها ثلاثًا لا يستحقها؛ لأن طلاق الثلاث تكون به بينونة كبرى، والزوجة قد لا تريد البينونة الكبرى، قد تريد أن تتخلص منه الآن وفيما بعد يقلب الله القلب، فاهم يا عبد الله؟

طالب: نعم.

الشيخ: أيش قلنا؟

الطالب: (

) واحدة ..

الشيخ: واحدة بألف.

الطالب: (

).

الشيخ: ماذا يقول المؤلف؟

ص: 2996

الطالب: (

) تستحق ..

الشيخ: تستحق الألف وتبين. القول الثاني؟

الطالب: أنه لا يستحق الألف.

الشيخ: أنه لا يستحق الألف؛ لأنها هي قالت: طلقني واحدة وهو طلقها.

طلبة: ثلاثًا.

الشيخ: ثلاثًا فلم يأتها على ما طلبت، فإن قيل -كما علل الفقهاء- إن قيل: إنه زادها عما طلبت. قلنا: هذه الزيادة قد تكون ضارة لها؛ لأنه إذا طلقها ثلاثًا بانت منه، وهي تريد واحدة فقط؛ لأنها ربما تريد أن تتخلص منه الآن، وفي المستقبل يقلب الله الأمور، تختلف الأمور، والصحيح أنه لا يستحقها. ولكن هل تبين أو نقول: إن هذا الطلاق معلق على استحقاق الألف، هو الآن لا يستحقها فلا يقع الطلاق؟

طالب: الأول.

الشيخ: يحتمل وجهين يحتمل أن يقال: إنه طلق ثلاثًا فتطلق، ويحتمل أن يقال: إنه طلقها ثلاثًا بناءً على أنه يستحق الألف والآن حرمناه منه، والطلاق المعلق على شيء لا يقع حتى يوجد الشيء.

يقول رحمه الله: (وعكسُه بعكسِه) كيف (عكسه بعكسه) يعني: لو قالت: طلقني ثلاثًا بألف. فطلقها واحدة. فإن الطلاق يقع، لكن لا يستحق الألف، كيف؟ لأنها هي طلبت طلاقًا ثلاثًا، ولكن هل يقع الطلاق؟ نقول: نعم يقع إلا على القول الذي أشرنا إليه آنفًا وهو أنه إنما طلق أيش؟

طلبة: على ألف.

الشيخ: على عوض، فإذا لم يحصل له ذلك فلا طلاق.

قال: (إلا في واحدة بقيت) يعني: إلا إذا كان لم يبق إلا واحدة، وطلق واحدة وهي قد قالت: طلقني ثلاثًا.

مثال ذلك: امرأة كان زوجها قد طلقها مرتين سابقتين، كم بقي عليها؟

طلبة: طلقة واحدة.

الشيخ: قالت له: طلقني ثلاثًا بألف. فطلقها واحدة، يستحق الألف؟

طلبة: يستحق الألف.

الشيخ: إي نعم، يستحق الألف لأنها الآن بانت، حتى لو طلقها ثلاثًا فالطلقتان الأُخْرَيان لغو لا فائدة منها؛ ولهذا قال:(إلا في واحدة بقيت) يعني: فإنه يستحق الألف.

ص: 2997

(وليس للأب خلع زوجة ابنه الصغير ولا طلاقها) يعني: ليس للأب أن يخلع زوجة ابنه الصغير؛ رجل زوَّج ابنَه وله أربع عشرة سنة ثم رأى أن الزوجة ما فيها خير وأنها تتعب الولد وربما تضره، مع التعب تضره، فخالعها على أن تبذل عوضًا وتفارق الزوج. يقول المؤلف: لا يصح، ليش؟ لأن الخلع إنما هو مِن حق مَن؟

طلبة: الزوج.

الشيخ: الزوج، لا من حق أبيه ولا من حق ابنه ولا أخيه ولا غير ذلك من حق الزوج، الزوج صغير ما خالع.

فإذا قال قائل: العوض من الزوجة للولد، قلنا: ولو كان؛ لأن الولد قد يكون له رغبة في هذه الزوجة فلا يمكن أن يخلعها أحد منه، حتى أبوه، ولا طلاقها أيضًا؛ يعني: لو رأى أبو الزوج الصغير أن هذه المرأة أصبحت نكدًا على زوجها وعلى أهله أيضًا أتعبتهم لسوء أخلاقها، فهل له إن يطلقها؟

طلبة: ليس له ..

الشيخ: يقول المؤلف: لا ما له يطلق، فصار الأب وهو أقرب الناس لا يملك أن يطلق زوجة ابنه ولا أن يخالعها؛ لأن الطلاق لمن أخذ بالساق وهو الزوج.

وقال بعض أهل العلم: بل له أن يطلق وله أن يخالع إذا رأى في ذلك دفع الأذى والضرر على الابن، وهذا القول هو الراجح، لكن ينبغي قبل أن يطلق على الابن أن يأمره بالطلاق كما فعل مَن؟

طلبة: عمر.

الشيخ: عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع ابنه عبد الله (7)، فإذا أبى أن يطلق وعرفنا أن هذه الزوجة لا خير فيها تَجُرُّ الويلات على الولد، وتَجُرُّ الويلات على أهله والسمعة السيئة، فحينئذ لا بد أن نقول: إن الأب له أن يطلق زوجة ابنه.

ما الذي قلنا؟ هل يجوز للوالد أن يطلق زوجة ابنه؟

طالب: لا.

الشيخ: لا يجوز، طيب هل يجوز للوالد أن يخالع زوجة ابنه؟

الطالب: يجوز للوالد أيش؟

الشيخ: أن يخالع زوجة ابنه؛ يعني: معناها يفارقها بعوض؟

الطالب: لا.

الشيخ: لا، لماذا التعليق عند الأخ؟

طالب: لأن، بالقول الأول لا يجوز.

الشيخ: لماذا؟

الطالب: لأن هذا حق الزوج.

الشيخ: حق الزوج، ليس لأبيه ولا لأخيه ولا لأحد، تمام.

ص: 2998

الطالب: القول الأول هذا.

الشيخ: هذا القول الأول، القول الثاني اللي وراك؟

طيب، القول الثاني: أنه يجوز للأب أن يخالع زوجة ابنه وأن يطلقها إذا كان يدفع بذلك ضررًا على الابن؛ لأن الابن صغير لم يبلغ والزوجة تلعب عليه، فإذا رأى الأب من المصلحة أن يطلق زوجة ابنه فلا بأس، وهذا القول هو الراجح.

لكن هل إذا طلقها هل يلزمه أن يزوج الابن؟

الطلبة: نعم.

الشيخ: الجواب: نعم يلزمه أن يزوج الابن من مال الابن إن كان له مال أو من مال أبيه إن كان ليس للابن مال.

قال المؤلف: (ولا يُسْقِط الخلع غيرَه من الحقوق) يعني: لو أن المرأة خالعت زوجها بعوض قدره عشرة آلاف ريال، استلم العشرة آلاف وكان له دين عليها؛ أي: على المرأة، أي: زوجته، هل هذا الخلع يسقط الدين الذي عليها؟

طلبة: لا.

الشيخ: يقول المؤلف: إنه لا يسقطه؛ لأن الخلع عقد مستقل لا يسقط شيئًا من الواجبات.

ولو خالعته أي الزوجة على عشرة آلاف ريال وكانت تطلب الزوج عشرة آلاف ريال فهل يسقط دينه؟ لا، لا يسقط دينه ولا يسقط الخلع غيره من الحقوق، فالحقوق الثابتة على الزوج باقية، والثابتة على الزوجة باقية.

(وإن عَلَّقَ طلاقها بصفة ثم أبانها فَوُجِدَتْ، ثم نكحها فوُجِدَتْ بَعْدَهُ طَلَقَتْ كعِتْقٍ، وإلَّا فَلا).

طالب: ما شرحنا: (ولا خلع ابنته بشيء من مالها).

الشيخ: إي نعم، طيب.

ص: 2999

يقول المؤلف: (وليس للأب خلع زوجة ابنه الصغير ولا طلاقها، ولا خلع ابنته بشيء من مالها) يعني: وليس للأب أن يخلع ابنته من زوجها بشيء من مالها؛ لأنه ليس له أن يتبرع بشيء من مالها لكن إذا أراد أن لا يخسر شيئًا نقول: تملك أولًا من مال ابنتك ما شئت ثم خالع به أمَّا أن تخالع بشيء من مالها بدون تملك فلا، فإن قال: أنا خالعتها من زوجها فداء لها؛ لأن زوجها أتعبها، وخلعي إياه من المصلحة قلنا: في هذا الحال لا بأس، إذا رأى الأب أن ابنته لا يمكن أن تبقي مع زوجها ورأى من مصلحتها ودفع الضرر عنها أن يخالعها بشيء من مالها هي فالصواب أن ذلك جائز؛ لأنه لدفع الأذى عن البنت أو للمصلحة.

أما على المذهب فلا يصح، لكن طريق ذلك على المذهب أن أيش؟

طلبة: يتملك.

الشيخ: يتملك من مالها ما يكون به الخلع ثم يخالع عليه، انتبه للمسألة الأخيرة يقول:(وان علَّق طلاقها بصفة ثم أبانها فوُجِدَت ثم نكحها فوُجِدَت بعده طَلَقَتْ كعتق وإلا فلا) رجل قال لزوجته: إن كلمتِ فلانًا فأنت طالق، كلمته قبل أن يطلقها، تطلق؟

طلبة: نعم.

الشيخ: طيب، كلمته بعد الطلاق لكن في حال العدة، تطلق؟

طلبة: لا (

).

الشيخ: كيف؟

طالب: على قول الجمهور.

الشيخ: الرجعية زوجة، هو طلقها وهي الآن في العدة فكلمت الرجل، تطلق؟

كلمت الرجل بعد أن انتهت العدة، تطلق؟

طلبة: (

).

الشيخ: رجل قال لزوجته: إن كلمتِ فلانًا فأنت طالق، كلمته قبل أن يطلقها؟

طالب: تطلق على الراجح.

الشيخ: تطلق ولَّا لا؟

طالب: تطلق.

الشيخ: تطلق على الراجح والمرجوح قبل أن يطلقها.

طيب طلَّقها طلاقًا رجعيًّا ثم كلمته في العدة، تطلق؟

طلبة: نعم.

الشيخ: تطلق.

طيب، طلَّقها واعتدت وانتهت العدة ثم كلمته، (

) ثم كلمته؛ أي: كلمت الرجل بعد العقد عليها، تطلُق أو لا؟

طلبة: تطلق.

الشيخ: تطلق يا إخوان؟

طالب: نعم.

طالب آخر: العقد جديد؟

ص: 3000

الشيخ: هو عقد جديد هذا هو، اسمع المؤلف أيش يقول؟ (إن علَّق طلاقها بصفة) يعني بأي شيء، (ثم أبانها فوُجِدَت) متى وجدت؟

بعد البينونة (فوجدت ثم نكحها) من جديد (فوجدت بعده) أي بعد النكاح الثاني (طَلَقَت) واضح يا جماعة؟

طالب: كيف وُجِدَت؟

الشيخ: يعني: وُجِدَت الصفة، قلناها، قال لها: إن كلمتِ فلانًا فأنت طالق. هذه الصفة، الصفة هي تَكْلِيمُها فلانًا، عرفت؟

بعد أن تزوجها يقول: (وجدت بعده)؛ أي: بعد النكاح الثاني فإنها تطلق، تطلق ليش؟ لأن الواقع أنها وجدت وهي زوجته فتطلق.

وقيل: إنها لا تطلق؛ لأن الطلاق إنما كان في نكاح سابق، والنكاح السابق بانت منه وهذا نكاح جديد فلا تطلق؛ لأن الله تعالى إنما جعل الطلاق بعد النكاح {يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49] فلا طلاق بدون نكاح، وهذا قد عَلَّق الطلاق في نكاح سابق قبل النكاح الثاني، وهذا أصح، هذا القول أرجح؛ أنها لا تعود الصفة في النكاح الثاني؛ لأنه منفصل عن الأول تمامًا.

فصار الآن إذا علَّق الرجل طلاق امرأته على صفة ولتكن مكالمة زيد، فقال: إن كلمت زيدًا فأنت طالق. فكلمته قبل أن يطلقها؟

طلبة: تطلق.

الشيخ: هذه واحدة. كلمته بعد أن طلقها طلاقًا رجعيًّا في أثناء العدة؟

طلبة: تطلق.

الشيخ: تطلق، كلمته بعد انقضاء العدة؟

طلبة: لا تطلق.

الشيخ: لا تطلق، تمام، تزوجها بعد ذلك ثم كلمته؟

طلبة: لا تطلق على الراجح.

الشيخ: على ما ذهب إليه المؤلف؟

طلبة: تطلق.

الشيخ: تطلق، وعلى القول الراجح؟

طلبة: لا تطلق.

الشيخ: لا تطلق. تمام.

كالعتق يقول: (كعتق)، كما أنه لو علق عتق عبده بشيء، قال لعبده: إن فعلتَ كذا فأنت حر، فَعَلَه، يكون حُرًّا؟

طلبة: نعم.

الشيخ: تمام، باعه ثم فعل العبد ما قال سيده الأول وهو عند السيد الثاني، يعتق ولّا لا؟

طلبة: لا.

الشيخ: ليش.

طلبة: انتقل عن ملكه.

ص: 3001

الشيخ: لأنه خرج عن ملكه، اشتراه من المشتري بائعه الأول، اشتراه من المشتري، ثم إن العبد فعل ما قال سيده، يعتق ولا ما يعتق؟

طلبة: يعتق.

الشيخ: يعتق، كالمرأة إذا طلقها ثم تزوجها من جديد، ولهذا قال (كعتق وإلا فلا) فصار الآن العتق والطلاق يستويان في أنه إذا تجدد الملك وعادت الصفة فإنه يقع ما علق على هذه الصفة، واضح؟

طيب مسألة العتق قد يكون ما قاله المؤلف صوابًا؛ لأن العبد فعل هذا في ملكه أي في ملك سيده، وربما لا يكون عند السيد فرق بين أن يفعله في ملكه الأول أو ملكه الجديد بخلاف النكاح.

قال: (وإلَّا فلا) يعني: وإلا توجد الصفة بعد عودها إلى زوجها فإنها لا تطلق، ويشير إلى أنه إذا وجدت الصفة بعد بينونتها من الزوج وقبل أن يتزوجها مرة أخرى فإنها لا تطلق؛ لأنها وجدت الصفة وهي خارجة عن ملكه.

طالب: أحسن الله إليك، إذا خالع على مجهول ثم فسد هذا المجهول، ما الحكم؟

الشيخ: كيف فسد؟

طالب: إذا كانت شجرة لم تثمر، وإذا كان جنينا من أمة ..

الشيخ: هذه ذكرها المؤلف وشرحناها.

طالب: (

) ما الحكم إذا لم يأت به؟

الشيخ: (

) ماذا قال المؤلف؟

الطالب: أقل مسمى.

الشيخ: أقل مسمى، يعطى أقل مسمى، يعطى أقل مسماه.

الطالب: من (

).

الشيخ: إي نعم.

طالب: شيخ -بارك الله فيكم- ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية في تعليقه على صفة العطاء؛ مثلًا إذا أعطيتِني ألفًا، إن أعطته ألفًا وقع قال: إنه إذا لم يحصل هذا فله الرجوع عن ذلك، فله أن يلغي هذا ما دام لم تعطه ذلك، هل هذا قاعدة مطردة في كل تعليق؟

الشيخ: إي نعم، هذا يرى كل تعليق له أن يرجع فيه.

الطالب: طيب ما رجع. ما الذي نرجحه؟

الشيخ: يجوز أن يذكر الرجل القولين، ولا يرجح.

الطالب: نعم يجوز لكن ما الذي ..

الشيخ: انتهى، ما دام يجوز أنا في حِل.

طالب: علَّق الطلاق على شيء (

الشيخ: يقع في الحال، قال لها: إن طرت ..

الطالب: لا أنا أقصد يا شيخنا (

).

ص: 3002

الشيخ: يعني: على شيء لا بد منه، ما هو على شيء مستحيل؟

الطالب: نعم.

الشيخ: إي نعم.

الطالب: (

).

الشيخ: ما يخالف، إذا أكلت.

الطالب: (

).

الشيخ: يتأخر الطلاق يعني مثلًا إذا كان لو هو عارف أنها لا بد أن تأكل إذن لا بد من الطلاق، فبدل من أن يقول: أنت طالق الآن يؤجله حتى تجوع وتأكل.

لكن لو قال: إن طرت فأنت طالق؟

طالب: تطلق.

الشيخ: في الحال؟ لكن يقول: إن طرت؟

طالب: (

).

الشيخ: ما يمكن؟

طالب: نعم.

الشيخ: صحيح، تمام.

لا، شوف إذا عُلِّق الطلاق -أخطأنا- إذا عُلِّق على المستحيل فمعناه أن الطلاق مستحيل، ما عُلِّق على المستحيل فهو مستحيل، إن طرت فأنت طالق، ما يمكن تطلق؛ لأنه علقه على شيء مستحيل.

طالب: شيخ -بارك الله فيكم- (

) الزوجة على عوض (

الشيخ: الفرق بينهما أن الطلاق يحسب من الطلاق، هذا أهم الفروق؛ يعني مثلًا إذا كان طلقها قبل ذلك مرتين ثم خالعها، خالعها بلفظ الطلاق الآن تبين منه، ولا تحل إليه إلا بعد زوج، وإذا قلنا: إنه فسخ، فله أن يراجعها بعقد بدون زوج، هذا أهم الفروق، وإلا هناك فروق أخرى مثل العدة.

طالب: شيخ، المسألة الأخيرة اللي ذكر المؤلف، إن (

) فأنت طالق، على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية يقول طبعًا، يكون طلاقًا؟

الشيخ: أيش.

الطالب: على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية.

الشيخ: شيخ الإسلام رحمه الله يقول: كل شيء فيه عوض فهو خلع سواء بلفظ الطلاق أو بغير لفظ الطلاق وسواء كان مُعَلَّقًا أو مُنَجَّزًا.

الطالب: يصح أن يكون طلاق العوض على كلام الفقهاء؟

الشيخ: على كلام مَنْ؟

الطالب: (

).

الشيخ: إي، ما في (

) يصح.

الطالب: قلنا: إذا علق الطلاق بصفة معينة فوقعت هذه الصفة بعد طلاق (

) عدتها.

الشيخ: نعم.

الطالب: قلنا: يقع وتطلق.

الشيخ: نعم.

الطالب: هل هذا الوقوع مبني على الخلاف في مسألة الطلاق الثلاث؟

الشيخ: على أيش.

ص: 3003

الطالب: هل هذا الوقوع وقوع الطلاق الثاني يعني: إذا حصلت الصفة وهي في عدتها بعد أن طلقها ..

الشيخ: نعم.

الطالب: هل نحن قلنا بأنها تطلق؟ هل هذا مبني على الخلاف في مسألة الطلاق الثلاث؛ لأننا قلنا سابقًا إن الصحيح .. ؟

الشيخ: الصحيح أن الطلاق في أثناء العدة ليس كذلك، هذا يفارق ما سبق، بأن قوله: إن فعلت كذا فأنت طالق؛ لم يتعين أن يكون في العدة، بخلاف ما إذا نجزه فيتعين؛ ولهذه لا يمكن أن نبنيه على ذلك (

) محل تردد.

الطالب: (

) وما صح أن يكون (

) صح الخلع به، هل القرآن يدخل في هذا؟

الشيخ: هل أيش؟

الطالب: القرآن يدخل في هذا؟

الشيخ: ويش لون القرآن؟

الطالب: يا شيخ أن يكون مهرًا.

الشيخ: هو يصح أن يكون مهرًا القرآن.

الطالب: (

) أن الرسول عليه الصلاة والسلام سأل واحدًا من الصحابة «هَلْ تَحْفَظُ شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ» (8) (

).

الشيخ: لكن المؤلف أيش يقول؟ هل قال: إن القرآن يصح أن يكون مهرًا؟

الطالب: هو قال: (ما صح).

الشيخ: ما هو هنا إلا في الصداق؛ لأنه لما قال: (ما صح مهرًا صح الخلع به) يعني: إذن لا بد نرجع للصداق، هل المؤلف يرى أنه يصح أن يكون تعليم القرآن صداقًا؟

الطالب: لا أدرى.

الشيخ: لا تدري، ماذا تقولون؟

طالب: لا.

طالب آخر: يرى ذلك.

الشيخ: يرى أنه لا يصح أن يكون تعليم القرآن صداقًا. هو ما مر علينا؟

طالب: ما هو؟ منفعة القرآن؟

الشيخ: إي هو منفعة، لكن القرآن يقولون: إن تعليم القرآن من القُرَبِ، والقُرَب لا يصح أن تكون عوضًا؛ لأنها لا بد أن تكون خالصة لله. وهذا مر علينا يا إخوان.

طلبة: (

).

الشيخ: إي نعم، وذكرنا الخلاف في هذه المسألة، وأن القول الراجح أنه يصح؛ لأن الرسول قال:«زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ» (9).

ص: 3004

وأيضًا المعلم ليس كالتالي، المعلم يحصل منه جهد وتعب بخلاف الأجرة على قراءة القرآن؛ ولذلك يجب أن تعرفوا الفرق؛ الأجرة على تعليم القرآن لا بأس بها يعني: لو جئت بشخص استأجرته أن يعلم ابني القرآن قلت: يا فلان، أريد أن تعلم ابني القرآن. قال: ما يخالف، أعلمه القرآن بألف ريال. ما فيه مانع، أعطيه ألف ريال.

لو جئت بقارئٍ يقرأ فقط بعوض هذا لا يجوز؛ لأن القراءة نفعها غير متعد نفعها لا يتعدى بخلاف.

طلبة: التعليم.

الشيخ: التعليم، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:«إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» (10)، فالصواب أن تعليم القرآن يصح أن يكون مهرًا ويصح أن يكون عوض خلع؛ يعني: هو منفعة، ويصح الاستئجار عليه؛ لأنه منفعة، بخلاف قراءة القرآن؛ لو أتيت بإنسان وقلت: أريد أن تقرأ القرآن، أنا أطرب لصوتك، اقرأ القرآن. قال: ما أقرأه إلا بألف ريال. هذا لا يصح؛ لأن مجرد القراءة ليس فيها عمل وتعب؛ ولهذا نعرف أن ما يفعله بعض الناس إذا مات الميت أَتَوْا بالقراء يقرؤون في بيت الميت أنهم غالطون؛ لأن هذه القراءة ليس فيها أجر ولا ثواب؛ لماذا؟

طالب: (

) عوض.

الشيخ: لأن القارئ لم يرد بها وجه الله، والقراءة عبادة، فكما أنه لا يصح أن أقول: تعال يا فلان، صلِّ وأعطيك فلوسًا.

قال: ما يخالف، كل ركعة بعشرة ريالات. الركعتين بكم؟

طلبة: بعشرين.

الشيخ: بعشرين ريالًا، يصح هذا ولا ما يصح؟

طلبة: لا يصح.

الشيخ: ما يصح؛ يعني: أنا ما انتفعت بشيء وهو أيضًا إنما عمل عبادة لا يستحق أن يأخذ عنها عوضًا.

طالب: (

).

الشيخ: طيب.

الطالب: (

) قول المؤلف رحمه الله: (وإن علق طلاقًا بصفة ثم أبانها فوُجِدَت ثم نكحها فوُجِدَت) هل لهذا مفهوم أنه إذا أبانها .. ؟

الشيخ: لأن بعض العلماء يقول: إذا وُجِدَت بعد البينونة انحلت، فإذا نكحها من جديد لا تعود الصفة فقوله:(فوُجِدَت) لأجل فرض المسألة مع المخالفين.

ص: 3005

طالب: حديث عدة المختلعة ..

ص: 3006