الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: «إِذَا بِعْتَ لِأَخِيكَ» .
الشيخ: «بِمَ تَأْخُذُ» .
الطالب: «مَالَ أَخِيكَ بَغَيْرِ حَقٍّ؟ » (7).
الشيخ: أعرفت؟
طالب: انتقل الآن يا شيخ.
الشيخ: انتقل وقبضها أيضًا.
الطالب: إذا قبضها وبعد القبض تلفت عنده، كيف الحال؟
الشيخ: تكون على البائع.
الطالب: يعني: ما فهمناه، ما فهمت معناه أنه إذا كانت ..
الشيخ: المثال: بعت عليك ثمرة هذه النخلة بعد بدو صلاحها وقبَّضتها ثم جاءتها آفة من السماء أتلفتها، فالضمان عليَّ أنا، لأنها في ضماني حتى يأتي وقت الجزاز (
…
).
***
[باب السلم]
الطالب:
باب السلم
وهو عقد على موصوفٍ في الذمَّة مؤجلٌ بثمنٍ مقبوضٍ بمجلسِ العقد، ويصح بألفاظِ البيعِ والسَّلَمِ والسَّلَفِ بشروطٍ سبعةٍ؛ أحدها: انضباطُ صفاتِه بمَكيلٍ وموزونٍ ومزروعٍ، وأما المعدودُ المختلفُ كالفواكه، والبُقولِ، والجُلودِ، والرُّؤوسِ، والأواني المختلفةِ الرؤوسِ والأوساطِ كالقَماقمِ، والأَسْطالِ الضيقةِ الرؤوسِ، والجواهرِ، والحاملِ من الحيوانِ، وكل مغشوشٍ، وما يَجمعُ أخلاطًا غير متميزة كالغاليةِ والمعاجينِ، فلا يصح السَّلَمُ فيه، ويصح في الحيوانِ، والثيابِ المنسوجةِ من نوعين، وما خِلْطُه غيرُ مقصودٍ كالجُبْنِ وخَلِّ التمرِ والسَّكنجبين ونحوها.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب السلم) السلم مأخوذ من التسليم والإسلام، ويقال: السلف، فزعم بعض العلماء أن السلف لغةُ الحجاز وأن السلم لغةُ العراق، وقال آخرون: بل هما بمعنًى واحد، ويستعمل هذا هنا وهناك، وهذا هو الصحيح؛ والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم من الحجازيين بُعث في مكة وأتى للمدينة وكلاهما من الحجاز، ومع ذلك يقول:«مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِمْ» ، فالصواب والذي عليه المحققون من أهل اللغة أنه لا فرق بينهما، وأن أسلم وأسلف بمعنًى واحد في لغة الحجاز والعراق.
فهو إذن مأخوذ من التسليم؛ وذلك لأن المسلِم يقدم الثمن إلى المسلَم إليه؛ وصورة ذلك أن تأتي لرجل -لنقول: إنه فلاح- وتقول: يا فلان، خذ هذه عشرة آلاف ريال بمئة كيلو من التمر تحِلُّ بعد سنة. فهذا هو السلم؛ لأن المشتري قدَّم الثمن، والمثمَن مؤخَّر.
والسلم جائز بالكتاب والسنة والإجماع؛ أما الكتاب فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]، وقد استدل ابن عباس رضي الله عنهما بهذه الآية على جوازه؛ لأن قوله:{إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} يعمُّ ما إذا كان الدين هو الثمن أو المثمَن، فإن كان الدين هو المثمن فهذا هو السلم.
أما السنة ففي الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» (9)، أو «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ، كلاهما صحيح.
وأما الإجماع، فقد انعقد الإجماع على ذلك.
وهذا -أعني جواز السلم- هو القياس الصحيح الموافق للأصول، خلافًا لمن قال: إن السلم على خلاف الأصول؛ لأنه بيع موصوف مجهول. فيقال: هذا غلط؛ فإن السلم ينضبط بالصفات، ولهذا لا يصح السلم فيما لا ينضبط بالصفات، فكيف يصح أن يكون مخالفًا للأصول وعلى خلاف القياس، بل هو القياس والأصول؛ وذلك لأن الشريعة الإسلامية واسعة سهلة ميسَّرة، والعقود فيها من هذه الجهة أربعة أنواع، العقود أربعة أنواع: حالٌّ بحالٍّ، ومؤجَّل بمؤجل، ومؤجل ثمنُه معجَّل مُثمنُه، ومعجل مُثمنه مؤجل ثمنُه؛ هذه أربعة أنواع.
أما الحالُّ بالحال كأن تقول: اشتريت منك هذا الكتاب بعشرة ريالات، هذا حالٌّ بحال ولا إشكال فيه.
المؤجل بمؤجل أن تقول: اشتريت منك كتابًا صفته كذا وكذا تُسَلِّمنيهِ بعد سنة بعشرة ريالات مؤجلة إلى ستة أشهر، هذا لا يصح؛ لأنه بيع الكالئ بالكالئ أي المؤخَّر بالمؤخر.
الثالث: أن يُعجَّل الثمن ويؤخر المثمن وهذا هو السلم.
والرابع: أن يُعجَّل المثمن ويؤخر الثمن وهذا كثير في المعاملات.
فإذن ذكرنا الصورة الثانية أن يكون كلٌّ من الثمن والمثمن مؤجلًا وقلنا: هذا لا يصح، وهذا يقع كثيرًا بين الناس اليوم، لكنهم لا يعلمون عن حُكمه، يشتري منه الشيء مؤجَّلًا إلى مثلًا إلى سنة، ثم يعطيه الشيك مؤجَّلًا بستة أشهر، يعني: لا يقبضه إلا بعد ستة أشهر، إذن الثمن مؤجل والمثمن مؤجل، هذا لا يصح؛ لأن كلًّا منهما مؤجل، ولا بد أن يكون أحدهما مقبوضًا أو كلاهما مقبوضًا، أما مع تأجيل أحدهما فلا يصح.
فإن تأخَّر القبض بدون تأجيل، مثل أن يقول: اشتريت منك مئة صاع بُرٍّ بمئة ريال، ولم يسلمه، على أنه سيأتيه بها العصر أو غدًا أو بعد غد لكن الثمن غير مؤجل، هل يصح أو لا؟
المذهب: لا يصح؛ قالوا: لأن هذا بيع دين بدين، إذ إنه ليس واحد منهما معينًا، لا عُيِّن الثمن، وقيل: هذا -يعني- سُلِّم وانتهى، ولا عُيِّن المثمن، ولكن الصحيح أن هذا صحيح، المحذور أن يكون كل منهما مؤجلًا، أما إذا كان ليس فيه تأجيل فإنه لا يُشْرَع فيه القبض، إلا شيئًا واحدًا مر علينا أنه لا بد فيه من القبض؛ وهو بيع الربا وبجنسه، هذا أمر معلوم.
إذن السلم دلَّ عليه الكتاب والسنة والإجماع والنظر الصحيح والقياس الصحيح، وأما القول بأنه على خلاف القياس فلا يصح.
فما هو السلم؟ هل هو بيع مستقل أو نوع من البيع؟ الصحيح أنه نوع من البيع لا يخرج عن كونه بيعًا.
يقول: (هو عَقْد على موصوفٍ في الذمَّة مؤجل بثمنٍ مقبوضٍ بمجلسِ العقد) انتبه إذا قلت التعريف، التعريف لا بد أن يكون جامعًا مانعًا وهو الحد، يعني يقال: تعريف ويقال: حد، فهنا يصح أن نقول: عرِّف السلم، ويصح أن نقول: حُدَّ السلم، ويصح أن نقول: تعريف السلم كذا، وحَد السلم كذا، والتعريف لا بد أن يكون جامعًا مانعًا؛ جامعًا لجميع أفراد المحدود، مانعًا لدخول غيره، فإن لم يكن مانعًا أو لم يكن جامعًا فإنه لا يصح.
فلننظر الآن إلى حدِّ السلم؛ يقول: (عَقْد على موصوفٍ) إذن لا يصح السلم في معين؛ لأنه لا حاجة إلى الإسلام فيه، ما دام حاضرًا يباع بيعًا بدون أن يكون سلمًا؛ مثال ذلك: رجل عنده مئة صاع بر في أكياس، فقال له آخر: أسلمتُ إليك مئة ريال بهذا البر. هذا لا يصح، ليش؟ لأنه ليس على موصوف، هذا على معين لا يصح، حتى وإن كانا قد اتفقا على أن البائع لا يسلِّم هذا البر إلا بعد سنة فإنه لا يصح ولا يكون سلمًا.
الثاني يقول: (في الذمَّة) احترازًا من الموصوف المعين؛ لأن هناك شيئًا موصوفًا معينًا ليس في الذمة، مثل أن يقول: أسلمت إليك أربعين ألفًا بسيارتك التي في الجراج صفتها كذا وكذا. هذا موصوف معين فلا يصح، لا يصح السلم فيه؛ لأن هذا كالمعين الحاضر، فالمؤلف اشترط أن يكون موصوفًا في أيش؟ في الذمة.
أسلمت إليك أربعين ألفًا بسيارة بعد سنة، بسيارة، ما هي بسيارتك التي في الجراج؛ بسيارة بعد سنة؟ يصح، ليش؟ لأنه موصوف في الذمة ما عيَّنها، وليست موصوفةً معينةً في مكان معين.
يقول المؤلف: (مؤجلٌ). أيضًا لا بد فيه من التأجيل، فإن لم يكن مؤجلًا فإنه لا يصح سلمًا، مثال ذلك: أن يقول أسلمت إليك مئة الريال التي بيدي الآن بمئة صاع بُر. حكم هذا العقد؟ لا يصح سلمًا؛ لأن السلم لا بد أن يكون مؤجَّلًا، الدليل قول الرسول عليه الصلاة والسلام:«فَلْيُسْلِفْ فِي شَيْءٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» (9)، فهل قوله:«إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» الشرط في الأمرين جميعًا أن يكون أجلًا وأن يكون معلومًا، أو الشرط عائد إلى المعلوم فقط؟
إن قلنا بالأول صار لا بد أن يكون مؤجَّلًا، إن قلنا بالثاني صار لا يُشترط التأجيل، ولكنه إن أجَّلت فليكن الأجل معلومًا، ومن ثَم اختلف العلماء رحمهم الله فمنهم من قال: لا بد أن يكون له أجل، ومنهم من قال: لا بأس أن يكون بدون أجل.
والذي يظهر لي أنه يصح بدون أجل، ونقول: سمِّه ما شئت سلمًا أو بيعًا؛ لأن هذا ليس فيه غرر وليس فيه ربا وليس فيه ظلم، ومدار المعاملات المحرمة معاملات المعاوضة يدور على هذه الثلاثة: الربا والظلم والغرر، وهذا ليس فيه غرر، وليس فيه ظلم، وليس فيه ربا.
أسلمت إليك مئة ريال بمئة صاع بر بعد سنة يصح ولّا لا؟ يصح؛ لأنه أُجِّل بأجل معلوم، صحيح ما فيه شيء.
أسلمت إليك مئة ريال بمئة صاع بر، ولم يذكر أجلًا؟ المذهب: لا يصح؛ لأنه لا بد أن يكون إلى أجل، وهذا غير مؤجَّل، الدليل قول الرسول عليه الصلاة والسلام:«فَلْيُسْلِفْ فِي شَيْءٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ، فقال:«إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» .
وقيل: يصحُّ ولو كان غير مؤجل، وأن قول الرسول عليه الصلاة والسلام:«إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» يعود إلى علم الأجل، يعني: لا إلى أجل مجهول.
فما هو الراجح؟ الراجح أنه يجوز، يقول: أسلمت إليك مئة ريال بمئة صاع بر، ولا يذكر التأجيل، ونقول لهذا: له أن يقبضه متى شاء، المشتري له أن يقبضه متى شاء، ونقول: سمِّه سلمًا أو سمِّه بيعًا، المهم أن هذه الصورة ليس فيها غرر وليس فيها ربا وليس فيها ظلم، وإذا انتفت الثلاثة ففساد العقد في البيع يدور على هذه الثلاثة.
يقول: (مؤجَّلٌ بثمنٍ مقبوضٍ) يعني: لا بد أن يكون الثمن مقبوضًا، فإن لم يُقبض بطل ولم يصح، وإن أُجِّل فمن باب أولى أنه يبطل.
وقوله: (بمجلسِ العقد) يعني: لا بد أن يقبضه المسلَم إليه؛ أن يقبض الثمن بمجلس العقد، فإن قبضه بعد التفرق لا يصح وإن كان حالًّا، لا بد تقبضه في مجلس العقد.
وهل يُشترط أن يكون في المجلس الذي وقع فيه العقد، أو المراد ألا يتفرقا قبل القبض؟ الثاني، المراد ألا يتفرقا قبل القبض، فلو اتفقا على السلم في السوق، ثم اصطحبا إلى بيت المسلِم، وأعطاه الثمن من بيته وهما لم يتفرقا، فالسلم صحيح؛ لأنه حَصَل القبض قبل التفرق.
فمراد المؤلف (بمجلسِ العقد) أي: ما لم يتفرقا، كما قلنا في خيار المجلس: يمتد إلى متى؟ إلى أن يتفرقا، ولو فارقا مجلس العقد، المهم ألا يتفرقا.
التعريف؛ (عقد على موصوف) احترازًا من أيش؟ من معين، (في الذمة) احترازًا من الموصوف المعين، (مؤجل) احترازًا من الحالِّ، (بثمن مقبوض) احترازًا مما لو لم يقبض الثمن، (بمجلس العقد) احترازًا مما لو قبضه بعد التفرق؛ هذا هو السلم، وكما قلنا لكم قبل قليل: إن جوازه من محاسن الإسلام؛ ويدلك لهذا أن الفلاحين فيما سبق يحتاجون إلى دراهم، فيأتون إلى التجار ويقول: أعطني مثلًا مئة ريال، يقول: ما عندي ما أعطيك، يقول: أعطيك بعد تمام ستة أشهر أو سنة بمئة الريال مائة صاع بر، فينتفع هذا وهذا، المسلَم إليه منتفع بماذا؟ بالثمن الذي قُدم له، المسلَم إليه هو البائع منتفع بالثمن الذي قدم له، المسلِم بماذا انتفع؟ انتفع بأنه سوف يكون الثمن أقل من بيع الحاضر؛ يعني: مثلًا إذا كان مئة صاع البر تساوي خمسين سيسلم إليه أربعين، يعني: لا بد أن ينتفع، لو أراد أن يسلم إليه بالثمن العادي ما أطاعه؛ لأنه لو أسلم إليه بالثمن الحاضر صار كأنه قرض، فيقول: بدل من أعقد السلم وأتعب معك خذ قرضك، فصار كل من المسلِم والمسلَم إليه مستفيدًا منتفعًا، أما المسلم إليه فينتفع بالدراهم التي حصل عليها، وأما المسلِم فينتفع بأيش؟ بنقص الثمن؛ لأنه سيأخذها بثمن أقل، فهو من محاسن الشريعة في الحقيقة.
طالب: (
…
) إذا كان غير مؤجل يكون من السلم؟
الشيخ: نقول: إنه صحيح سواء سُمِّي سلمًا أو لا، المذهب: لا يصح، يقول: لا بد، يُعقد عقد جديد بلفظ البيع.
الطالب: ما يكون سلمًا.
الشيخ: ما يكون سلمًا ولا يصح، ما يصح العقد.
الطالب: لا على (
…
).
الشيخ: إي نعم، يكون سلمًا أو بيعًا كله واحد، نقول: لأن الحديث لا يدل دلالةً واضحة على اشتراط أن يكون مؤجلًا.
قال: (ويصح بألفاظِ البيعِ والسَّلَمِ والسَّلَفِ بشروطٍ) يصح السلم بألفاظ البيع، بأن يقول: اشتريت منك مئة صاع بر بعد سنة بهذه الدراهم، ويقول الثاني المسلم إليه إذا أراد المسلم إليه يقدمه يقول: بعت عليك مئة صاع بر تحل بعد سنة بمئة ريال، فيصح بألفاظ البيع.
إذا قال قائل: كيف يصح بألفاظ البيع؟ نقول: نعم؛ لأنه نوع من البيع، فالبيع أعم منه.
يصح بألفاظ السلم والسلف، مع أن السلف يطلق أحيانًا على القرض، لكن لما كان العقد على هذا الوجه تعين أن يكون أيش؟ أن يكون سلمًا لا قرضًا بشروط سبعة، شروط سبعة؟ ! هذه الشروط زائدة على الشروط التي للبيع، لأنه يُشترط هذه الشروط السبعة مع شروط البيع السابقة، فتكون زائدةً على ذلك.
(أحدها انضباطُ صفاتِه)، والمراد بقوله:(انضباط صفاته) يعني: إمكان انضباط صفاته، يعني: أن يكون انضباط صفاته ممكنًا، وبماذا يحصل الانضباط؟
قال: (بمَكيلٍ وموزونٍ ومذروعٍ)، فقوله:(بمكيل) إما أن نجعل الباء بمعنى الكاف، يعني: كمكيل (وموزون ومذروع)، وإما أن نجعل (بمكيل) أي: بكيل مكيل؛ لأن انضباط صفاته بكيل ما هو بمكيل، المكيل هو الذي وقع عليه العقد، وانضباط الصفات يكون بالكيل والوزن والذرع. والظاهر أن المعنى الأول أحسن، أن الباء بمعنى الكاف؛ لأنه سيأتينا أن الصفات يمكن تنضبط بغير ذلك.
(بمكيل) مثل البر، (موزون) كاللحم والسكر وما أشبه ذلك، (مذروع) كالأقمشة والفُرُش والحبال وما أشبهها.
(وأما المعدودُ) اللي عندي بقي المعدود وهو الرابع، المعدود فيه التفصيل، المكيل عرفنا يمكن الانضباط بالكيل وبالوزن وبالذرع؛ لأن المكيال معروف، والصنجة التي يوزن بها معروفة، والذراع الذي يذرع به معروف.
لكن المعدود، هل يصح في المعدود؟ فيه التفصيل؛ نقول: إن أمكن انضباطه صح، وإن لم يمكن فلا، البرتقال لا يمكن انضباطه، ليش؟ بعضه صغار وبعضه كبار فلا ينضبط. البطيخ لا ينضبط، وهلم جرًّا، المهم المعدود لا بد فيه من تقييم.
قال: (وأما المعدودُ المختلِفُ كالفواكه) فلا يصح السلم فيه؛ لأنه مختلف، يختلف اختلافًا عظيمًا، بعض البرتقال على قَدِّ الأترج وبعضه على قد اليوسفي، فتختلف اختلافًا عظيمًا، فإذا قلت: أسلمت إليك مئة ريال بألف برتقالة، لا يصح، برتقالة كيف نضبطها؟ لذلك لا يصح.
يقول: (كالفواكه والبُقولِ)، أيش البقول؟ البقول هي الزرع الذي يؤكل مثل البصل، الكراث، وما أشبه ذلك، هذه أيضًا لا تصح؛ لأنه لا يمكن انضباطها، تقول: أسلمت إليك مئة ريال بمئة حزمة من البصل، يصح ولَّا ما يصح؟ لا يصح؛ لأنه ما يمكن انضباطه.
قال: (والبُقولِ والجُلودِ) الجلود أيضًا لا يمكن انضباطها، إذا قلت: أسلمت إليك ألف ريال بمئة جلد شاة، يصح؟ لا، ليش؟ تختلف اختلافًا عظيمًا، بالكِبَر والصغر والقوة وحسن السَّلْخ، لأن بعض الذين يسلخون يأتي الجلد وكأنه منخل، لأنه ما يعرف يسلخ، وبعضهم يكون جيدًا، وبعضهم يكون يلحقه لحم الجلد، فالمهم أنه لا يصح بالجلود.
كذلك الرؤوس؛ لو أسلمت إليك مثلًا ألف ريال بمئة رأس شاة بعد سنة، تختلف؟ تختلف، لماذا؟ لأن الشاة الذكية رأسها كبير وغير الذكية رأسها صغير! توافقون على هذا؟ ! لا يصح، لكن لأن الرؤوس تختلف لا شك، حتى لو قلت: مئة رأس شاة رباعية مثلًا لا يصح؛ لأنه يختلف؛ بعض الضأن إذا رأيت رأسه تقول: هذا رأس بقرة تقريبًا، وبعضهم يكون صغيرًا جدًّا.
(الرُّؤوسِ والأواني المختلفةِ الرؤوسِ والأوساطِ) الأواني قسمان: قسم مختلفة الرؤوس والأوساط، وهي التي تكون منتفخة في الوسط ورأسها مضموم؛ هذه لا يصح، ليش؟ لأن الصناعة فيما سبق صناعة باليد، وقَلَّ أن تنضبط الصفة، أما الآن فالصناعة بالآلات، فإذا قلت: أسلمت إليك بأوانٍ من طراز كذا وكذا، يمكن ضبطه ولّا ما يمكن؟ يمكن، الآن يمكن بالضبط، وأشد ضبطًا من المكيل والموزون. أما فيما سبق لما كانت الأواني تُصنع باليد صار ضبطها صعبًا.
وفُهم من قوله رحمه الله: (المختلفة الرؤوس والأوساط) أنه لو كانت رؤوسها وأوساطها سواء لجاز عقد السلم عليها؛ لأنه يمكن ضبطها، كيف تنضبط؟ قدِّر أنها مثل الماسورة يمكن ضبطها بالسَّن، فإذا ضبطنا أعلاها انضبط أسفلها؛ لأنها لا تختلف، أما التي تختلف فلا يجوز السلم فيها لما سبق، هذا فيما كان في زمانهم، وأما في زماننا فإنه يمكن، لكن تحدِّد من أي شيء هي.
يقول: (والأَسْطالِ الضيقةِ الرؤوسِ) الأسطال جمع سَطل وهو معروف، الأسطال بعضها ضيق الرأس، يعني: بمعنى أن أسفلها أوسع، وبعضها بالعكس أعلاها أوسع، وبعضها متساوٍ أعلاها وأسفلها؛ أما التي تساوى أعلاها وأسفلها فالسَّلم فيها جائز وصحيح؛ لأنه يعني: تنضبط بالصفة ولا فيها غرر، وأما ضيقة الرؤوس فلا يصح السلم فيها لعدم انضباطها لأنه قد يكون رأسها ضيقًا، والنسبة بينه وبين أسفلها العُشر مثلًا، وقد يكون الخمس وقد يكون أكثر، فهي مختلفة.
إذا كانت الأسطال متساوية أعلاها وأسفلها فالسلم فيها جائز، وكل هذا -كما قلت لكم- فيما كانت الصناعة فيه باليد، أما إذا كانت الصناعة بالآلات كما هو الموجود الآن فإنه يمكن انضباطها ولو كانت ضيقة الرؤوس، ولهذا الأباريق الآن، الأباريق المعروفة يمكن أن تحكم عليها بالدقة، إذا قلت: من نوع كذا، حجم كذا تنضبط تمامًا.
يقول: (والجواهرِ) الجواهر لا يمكن أن يُسلَّم فيها، لماذا؟
طالب: الجواهر؟
الشيخ: اللي أنا قلت، ويش قلت أنا؟
الطالب: الجواهر كذلك مختلفة؛ لأنه بعض الواحد يشبه ببعض (
…
).
الشيخ: لا، هذا الذهب، جزاك الله خيرًا.
الطالب: يسمون الجوهر الذهب.
الشيخ: عندكم الجوهر هو الذهب؟
الطالب: سواء.
الشيخ: لا، الجواهر غير، الجواهر هو الذي يُلقط من البحر، جوهرة، هذه الجواهر أيضًا لا يمكن انضباطها؛ لأن من الجواهر ما يسوى الآلاف، ومنها ما لا يساوي عشرات، فلا يمكن انضباطها، ولذلك لا تباع بالصفة، لا يمكن أن تباع الجواهر إلا بالمعاينة؛ لأن انضباطها بالصفة غير ممكن.
(والجواهرِ والحاملِ من الحيوانِ) الحامل من الحيوان لا يمكن السلم فيه، لماذا؟ لأنه يندر جدًّا أن تجد حاملًا يمكن ضبط صفاتها مع حملها، هذا نادر، وإن أطلقت قلت: حامل فقط فلا صفة؛ لأن الحامل إن أردت أن تصفها وتصف حملها فهذا متعذر، وإن أطلقت فهذا فيه غرر؛ لأن هناك فرقًا بين الحامل الكبير حملها والحامل الصغير حملها.
وعُلم من قوله: (والحامل من الحيوان) أنه يصح السلم في الحيوان، كذلك؟ نعم، يصح السلم في الحيوان؛ لأنه يمكن انضباط صفاته؛ ولهذا أمَر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو بن العاص أن يأخذ على إبل الصدقة البعير بالبعيرين والبعيرين بالثلاثة (10)، وهذا سلم في الواقع؛ لأنه ما هو سلم، عكس السلم لكن يدل على جواز البيع بالصفة بالنسبة للحيوان.
هل يشمل الحامل من الحيوان الرقيقة إذا كانت حاملًا؟
طالب: نعم.
الشيخ: يشمل؟
طالب: نعم.
طالب آخر: لا يشمل.
طالب: ما يمكن (
…
).
الشيخ: كيف؟ يشمل الحامل من الحيوان الأنثى من بني آدم؟ نعم، يشمل؛ لأن الإنسان يسمى حيوانًا، لكنه حيوان ناطق؛ إذ إن الحيوان ما فيه الروح، لكن لا بد أن تقيده بالنسبة للآدمي بقولك: ناطق؛ ولهذا يُعتبر قول القائل: يا حيوان لواحد من البشر يعتبر سبًّا يُعذَّر عليه؛ لأن الإنسان ما هو حيوانًا مطلقًا.
على كل حال قول المؤلف: (الحامل من الحيوان) يشمل الحامل من بني آدم ومن البهائم، لا يصح السلم فيه.
(وكل مغشوش) كل مغشوش لا يصح السلم فيه، وهذا أيضًا يقال فيه ما سبق؛ فيما سبق كان يوجد فضة مغشوشة، ذهب مغشوش، ولا يُعلم قدر الغش، أما الآن فإن قدر الغش معلوم يُحكم عليه بأدق ما يكون، يقال: هذا الذهب من عيار كذا أو عيار كذا، وهذه الفضة فيها غش ونسبتها كذا، لكن إذا وُجد مغشوشة أخرى لا يمكن انضباطها فلا يصح السلم فيها.
(وما يَجمعُ أخلاطًا غير متميزة كالغاليةِ)(وما يَجمعُ أخلاطًا غير متميزة) مثل الغالية، الغالية أنواع من الطيب تُخلَط وتجمع، وكذلك ما يجمع من الأدوية أخلاط غير متميزة، هذا قالوا: إنه لا يصح السلم فيه؛ لأن الخِلْط غير المتميز مجهول، فإذا كان مجهولًا فإنه لا يصح، وعُلم من كلامه أنه إذا كانت متميزة فلا بأس، مثل أن يقال: هذه الأخلاط عشرة في المئة من كذا، وعشرة في المئة من كذا، وعشرة في المئة من كذا، فهنا تكون متميزة.
وكذلك لو تميزت بالرؤية، ما هو بالنسبة؛ بحيث يكون أخلاط لكن معروف أنها متميزة، تظهر حبات أو قرصان أو ما أشبه ذلك، وكل هذا يعود إلى ما سبق من إمكان انضباط الصفات.
وكذلك (المعاجين) لا يصح السلم فيها، ليش؟ العلة الجهل؛ لأننا لا ندري هذه المعاجين ما قَدْر المخلوط من هذا النوع أو من هذا النوع، فلا يصح السلم فيه؛ لأنه لا يمكن انضباط صفاته.
قال: (ويصح في الحيوانِ والثيابِ المنسوجةِ من نوعين)(يصح في الحيوان) هذا مطلق، أيُّ حيوان من إبل أو بقر أو غنم أو حُمُر أو ظباء أو أرانب، أي حيوان، لكن لا بد من ضبطه، فيقال: ثني، رُباع، جَذَع، سمين، ضعيف، متوسط، لا بد أن يضبط. وهل يستثنى من الحيوان شيء؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما هو؟
الطالب: الحامل.
الشيخ: الحامل، كما سبق، فعليه يصح في الحيوان بشرط ألا يكون حاملًا.
(والثياب المنسوجة من نوعين) الثياب المنسوجة من نوعين يصح السلم فيها، مثل الخز منسوج من الحرير ومن القطن أو من الصوف يصح؛ لأن هذه معلومة وتنضبط بالصفة، فيصح السلم فيها.
يصح أيضًا في (ما خِلْطُه غيرُ مقصودٍ؛ كالجُبْنِ).
الجبن فيه خلط، ويش الخلط؟ الإنفحَّة؛ لأن هذه الإنفحَّة توضع في اللبن فيكون جبنًا، والإنفحة هي التي تكون في معدة الرضيع الذي رَضع أول مرة ثم ذُبح، فهذا الذي في معدته جُبن يُجبِّن الأشياء، لو تضع شيئًا بسيطًا في ماء وجدته يجمد، فهذا الجبن نقول: لا بأس به؛ لأن خلطه -أي ما خُلط فيه من الإنفحة- غير مقصود.
كذلك أيضًا (خل التَّمر) يعني: الماء الذي يوضع فيه التمر ليكون خلًّا يصح، مع أن التمر أيش؟ معلوم ولَّا لا؟ غير معلوم، لكنه غير مقصود، أصلًا الذي اشترى الخل -أي خل التمر- إنما أراد الشراب الخل، ما أراد التمر، لكن قد يكون هناك فرق، بينما إذا كان التمر كثيرًا فيزاد حلاوة أو قليلًا فتنقص حلاوته.
(السكنجبين) هذه الظاهر لغة غير عربية.
طالب: إسكنجبيل.
الشيخ: إي، ويش هو؟
الطالب: السكنجبين يسمونه الإسكنجبيل! !
الشيخ: فما هو؟ أنت تسمونه سكنجبيل؟
الطالب: لا، إسكنجبيل.
الشيخ: إسكنجبيل، إي نعم لكن ما هو؟
الطالب: الإسكنجبيل هو كالعصير.
الشيخ: مين يُعصَر؟ ! خوخ؟ ! رمان؟ !
الطالب: لا، غير هذا، من عروق (
…
).
الشيخ: عروق بعض الشجر.
الطالب: إي نعم.
الشيخ: شجرة معينة.
الطالب: نعم.
الشيخ: على كل حال، الظاهر أنه مثل ما قال؛ أنه نوع من الشراب.
طالب: (
…
) ليس من كلام العرب، وأما السكنجبيل فليس هو من كلام العرب وهو معروف مركب من السكر والخل.
طالب آخر: هذا تقريبًا.
الشيخ: هذا هو؟
الطالب: إي، وهذا كذلك.
الشيخ: ما صار من العروق، من السكر والخل، على كل حال.
طالب: في الشرح، قال: فيه الخل.
الشيخ: كيف؟
الطالب: في الشرح قال: والسكنجبيل فيه الخل.
الشيخ: فيه الخل، إي؛ لأن الخل غير مقصود.
على كل حال، الضابط ما خِلطه غير مقصود؛ كذلك مثلًا الخبز فيه الملح غير مقصود، فالضابط نأخذ بالضابط، وأما الأمثلة فلا عبرة بها.
قال: (ونحوها) يعني: فهذه السلم فيها صحيح؛ لأن خلطها غير مقصود.
***
طالب: بيع الدين بالدين، مو فصلنا وقلنا: بيع الدين بالدين إذا كان على من هو عليه فإنه يصح بشروط؟
الشيخ: إي؛ لأن اللي هو عليه قد قبضه، مقبوض أحد الطرفين.
الطالب: كيف الصورة؟ (
…
).
الشيخ: لا، ما هي بعلامة أنه عليه، عقد جديد.
طالب: قال في الشرح: السلم لغة أهل الحجاز.
الشيخ: نعم.
الطالب: ما يدل على أنها لغة أهل الحجاز؟
الشيخ: إحنا ذكرنا أن الصحيح عند أهل اللغة المحققين أنه لا فرق بين السلم والسلف.
طالب: عندنا في مصر بعض الناس يستطيعون أن يحددوا عمر الحبل بالتقريب، يعني: هذا الحبل له ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر، وعلى أساسه يُحدد ثمن (
…
)، فهل يصح السلم على ضوء ذلك التحديد؟
الشيخ: لا، يعني: بيع الأجنة يعني؟
الطالب: أيش؟
الشيخ: بيع الأجنة؟
الطالب: نعم.
الشيخ: لا يجوز، حتى في الحاضر ما يجوز بيع الجنين.
الطالب: هو يبيع البهيمة نفسها، لكن يُحدد سعرها أو يرتفع أو يقل على ضوء عدد أشهر الحمل.
الشيخ: صحيح هذا واقع، لكن إذا باع الحامل صحَّ، أما إذا باع حملها بدونها فلا يصح.
الطالب: لأنه (
…
).
***
طالب: يا شيخ (ولو آدميًّا)، (لو) هذه خلاف ولَّا (
…
)؟
الشيخ: ما أدري والله.
طالب: لو قال: أسلمتك مئة ريال على أن تعطيني مئة صاع بر مثلًا بسعر يومها، يجوز؟
الشيخ: لا، ما يجوز، لا بد أن يعين؛ لأنه إذا قال: مئة صاع بسعر يومها عند القبض لم يكن للسلم فائدة.
طالب: الدليل على عدم جواز بيع الدين بالدين مع أن العلم والغرر والجهالة والربا منتف؟
الشيخ: لا، الغرر ما هو منتف غاية الانتفاء؛ لأنه ربما لا يقدر أحدهما على التقبيض، ولأنه يؤدي إلى بيع الشيء بالشيء متفاضلًا مع أنه مؤخر؛ ولهذا بعض العلماء يقول: إنه لا يجوز أن يبيع الشيء بالشيء متفاضلًا وإن كان لا يجري فيه الربا إذا تأخر القبض.
طالب: بالنسبة لفائدة المتعاملين بالنسبة للسلم، بالنسبة للي هيأخذ الدراهم هيستفيد ويقدر يصرف ويعمل يعني يشتغل، إنما بالنسبة للي هو أعطى الدراهم السعر ممكن يقل في المستقبل عن السعر اللي هو (
…
).
الشيخ: إي نعم، وكل شيء على خطر هذا، هذه كل إنسان حتى اللي يشتري السلعة الآن بمئة نقدًا ربما بعد عشرة أيام ما تسوى خمسينًا، وهذا هو الفرق بين هذا وبين الربا؛ أن المرابي رابح على كل حال، إذا أعطاك مئة بمئة وعشرين رابح على كل حال، لكن المسلِم يعطيك مئة بما يساوي مئة وعشرين بالوقت الحاضر، لكنه مخاطر ما هو برابح على كل حال.
طالب: (
…
) يمكن تحديد حجمها بأرقام معينة عند أصحابها؛ يعني: ممكن تجار البرتقال يعرفون الأحجام من واحد إلى ثلاثين، فيقول: أسلمتك هذه المئة ريال بأن تعطيني ثمانين حبة من البرتقال مقاس ستة وعشرين، معروف عندهم.
الشيخ: إذا كان معروفًا زال الإشكال؛ يعني: هو اللي يوجد الآن، أهل الصنف يمكن يحددون حجم البرتقالة؟
طالب: (
…
).
الشيخ: فإذا ثبت هذا فلا مانع، المهم أن يمكن انضباطه بالصفات (
…
).
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف رحمه الله تعالى: الثاني: ذِكْرُ الجِنسِ والنَّوعِ، وكل وصفٍ يَختلف به الثمنُ ظاهرًا، وحداثتُه وقِدَمُه.
الشيخ: (وحداثتِه).
طالب: عندنا (أو حداثته).
الشيخ: لا، (وحداثتِه) الصواب بالواو.
الطالب: تصحيح.
الشيخ: إي نعم، صحِّح.
طالب: وحداثتِه وقدمِه، ولا يصح شرطُ الأَرْدأ أو الأجْودِ، بل جيدٌ ورديءٌ، فإن جاء بما شَرَط أو أجودَ منه من نوعه ولو قبلَ محلِّه، ولا ضررَ في قبضه لزمه أخذُه.
الثالث: ذكرُ قدرِه بكيل أو وزن أو ذَرْعٍ يُعلم، وإن أسلم في المكيل وزنًا، أو في الموزون كيلًا لم يصحَّ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
رجل أسلم في عين موصوفة على أن يُسلِّمها بعد سنة؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: ليست موصوفة.
الشيخ: لأنها ليست موصوفة في الذمة، ومن شرط السلم أن تكون موصوفة في الذمة. هل السلم جائز؟
طالب: نعم، بالكتاب والسنة والإجماع.
الشيخ: زدْ.
الطالب: والقياس.
الشيخ: القياس. دليله من الكتاب؟
الطالب: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282].
الشيخ: أحسنت، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} . السنة؟
طالب: السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» (9).
الشيخ: أحسنت. الإجماع؟
طالب: أجمع أهل العلم على جواز السلم.
الشيخ: نعم، أجمعوا عليه لكن اختلفوا في شروطه.
الطالب: نعم.
الشيخ: القياس الصحيح؟
طالب: لأن الناس تحتاج إليه، المسلم والمسلم إليه يرتفق في الثمن، وهذا يرتفق بالمثمن.
الشيخ: حاجة كل من المسلم والمسلم إليه، المسلم إليه ينتفع بأيش؟
الطالب: المسلم إليه بالثمن.
الشيخ: والمسلِم؟
الطالب: ينتفع بالمثمن.
الشيخ: يعني: بزيادة المثمن. قال بعض الناس: إن السلم على خلاف القياس؛ لأنه بيع معدوم، فبماذا نجيبه؟
طالب: نقول: إنه موافق للقياس؛ لأنه لا يخرج عن بيع موصوف وبيع الموصوف جائز.
الشيخ: أيش؟
الطالب: يقال: إن بيع السلم موافق القياس؛ لأنه يشبه بيع الموصوف، وبيع الموصوف جائز حتى وإن لم يكن موجودًا وقت العقد.
الشيخ: ما هو بواضح.
طالب: يصح بيع السلم؛ لأن السلم لا يجوز بما لا ينضبط، لا يجوز.
الشيخ: لا.
طالب: أنه إن (
…
) في الشرع فإنه على وفق القياس، ولأنه يشبه الأجرة وهي بيع معدوم.
الشيخ: يعني: يشبه الإجارة والمنافع معدومة، إن قال أيضًا: الإجارة تخالف القياس؟
الطالب: يحتمل يا شيخ.
الشيخ: لا، هو الواقع أن نقول: ليس بيعًا معدومًا في الحقيقة؛ لأنه بيع موصوف في الذمة، أنا لم أبع عليك شيئًا معدومًا ليس في ملكي حتى يدخل في الجهالة والغرر، هذا موصوف في الذمة، وأيضًا كما قال الأخ؛ قاعدة مفيدة: كل ما ثبت بالشرع فليس مخالفًا للقياس، بل كل قياس يخالف ما جاء به الشرع فهو قياس باطل لا شك، وهذا يغنينا عن كل شيء، نقول: القياس الذي يخالف النص هذا قياس باطل ولا عبرة به.
ثم نقول ثانيًا: إن السلم لم يخالف القياس؛ لأنه ليس بيع شيء معين، ولكنه بيع شيء موصوف في الذمة، إي نعم.
السلم له شروط كم؟
طالب: سبعة شروط.
الشيخ: بالإضافة إلى شروط البيع؟
الطالب: نعم بالإضافة إلى شروط البيع.
الشيخ: إي، صحيح. هل يصح بيع الجواهر؟
طالب: نعم، يا شيخ.
الشيخ: بيع الجواهر؟
الطالب: لا يصح.
الشيخ: لا يصح. هل يصح السلم فيها؟
الطالب: لا يصح.
الشيخ: إذن لا يصح البيع، ولا السلم فيها!
الطالب: يصح البيع دون السلم.
الشيخ: إي، يصح البيع دون السلم؛ لأن غررها يزول بالمشاهدة، وإذا بعتها تُشاهد فيصح فيها البيع ولا يصح فيها السلم؛ لأنها لا يمكن انضباطها.
هل يصح السلم في الحيوان؟
طالب: نعم، يصح.
الشيخ: خطأ.
طالب: يصح إلا في الحامل.
الشيخ: يصح إلا في الحامل، إذن فيه التفصيل؛ الحيوان الحامل لا يصح، وغير الحامل يصح؛ لماذا لا يصح؟
طالب: غالٍ يا شيخ.
الشيخ: غالٍ.
طالب: لأنه لا يمكن ضبطه.
الشيخ: لا يمكن ضبطه، صحيح.
***
يقول المؤلف رحمه الله: (الثاني -أي: من شروط السلم- ذِكْرُ الجِنسِ والنَّوعِ وكل وصفٍ يختلف به الثمنُ ظاهرًا).
(ذكر الجنس والنوع) لا بد أن نعرف الفرق بين هذه الأمور الثلاثة: الجنس، والنوع، والواحد بالعيَّن.
الجنس ما له اسم خاص يشمل أنواعًا، والنوع واحد الجنس، والواحد بالعين واحد النوع.
الحب؟ جنس. البر؟ نوع. هذه الزِّنبيل من البر؟ واحد بالعين.
في السلم لا بد من أن نذكر الجنس والنوع، فإذا أسلمت إليك في بر، وقلت: هذه مئة ريال بمئة صاع بُر توفيني إياه بعد السنة، فإن ذلك لا يكفي؛ لأنك لم تذكر الجنس، بل لا بد أن تقول: أسلمت إليك مئة ريال بمئة صاع حب بُرٍّ. حب هذا بُر: نوع، لا بد أن تقول هكذا، فإن قلت: بمئة صاع بر لا يصح. هذا ما ذهب إليه المؤلف، وهو قول ضعيف.
والصواب أنه لا يشترط ذكر الجنس؛ لأن ذكر النوع كافٍ؛ إذ إن مَن ذكر النوع فقد ذكر الجنس؛ لأن النوع أخص، والأخص يدخل في الأعم.
وعلى هذا فإذا قلت: أسلمتُ إليك مئة ريال بمئة صاع بر فلا بأس، لكن هذا البر يحتاج إلى ذِكر نوع أخص؛ لأن البر في الواقع أنواع، ولّا لا؟ كما أن التمر أنواع، فنذكر النوع فنقول: بُر حنطة، معية، لقيمي، كما هو معروف أنواعه عندنا.
وبناءً على ذلك نقول: هل لا بد من ذكر الجنس الأعلى ثم الأوسط ثم النوع، أو نكتفي بالجنس الأوسط؟
الثاني، وعلى هذا فلا يحتاج أن نقول: حَب؛ لأن هذا هو الجنس الأعلى، نقول: بُر حنطة، وما زلنا على أننا نقول: القول الراجح أنه لا يشترط ذكر الجنس، وعلى هذا فإذا قال: أسلمت إليك مئة ريال بمئة صاع حنطة يكفي أو لا يكفي؟ يكفي.
بهذا نعرف أن الجنس قد يكون نوعًا باعتبار ما فوق، الجنس يكون نوعًا باعتبار ما فوقه، وفي المثال اللي ذكرناه حب هذا جنس أعلى، بر جنس أدنى، حنطة نوع، المقصود ذكر الجنس الأدنى، يعني: أقرب جنس للنوع هو الذي يُذكر، هو الواجب ذكره، وأما الأعلى فلا حاجة لذكره.
أسلمت إليك في بهيمة الأنعام؟ بهيمة الأنعام، كم أنواعها؟ ثلاثة، إبل وبقر وغنم، بهيمة الأنعام جنس، ثم الإبل جنس أدنى، ثم كونها بخاتي أو ذات سنمينِ أو ذات سنام أو ما أشبه ذلك هذا نوع.
الغنم جنس، كونها ضأنًا ومعزًا نوع، ولَّا لا؟ قد يقال بعدُ: ربما ينشأ من هذه الأنواع أنواع أخرى، قد يكون المعز أيضًا أنواعًا، والمهم أنه لا بد أن تَذكر الجنس الأدنى والنوع الذي يليه وهو أخص شيء.
والصواب الذي لا شك فيه أنه يُكتفى بذكر أخص شيء، فمثلًا عندما نريد أن نسلم في تمر، نقول: تمر أيش؟ سكري، على كلام المؤلف: لا بد أن تقول: تمر سكري، أسلمت إليك مئة ريال بمئة صاع تمر سكري، والصحيح أنه يكفي أن تقول: أسلمت إليك مئة ريال بمئة صاع سكري، ولا حاجة؛ لأنك إذا ذكرت النوع لزم فيه ذكر الجنس.
فهمنا الآن المؤلف يُضيِّق في الواقع عندما نطلق البيع لا بد أن نذكر الجنس وأيش؟ والنوع.
وأي الأجناس؟ أعلى جنس يكون أو أدنى جنس؟ أدنى جنس يكون.
كذلك (وكل وصف يختلف به الثمن ظاهرًا)(كل وصف يختلف به الثمن) يعني: مثلًا أبيض إذا كان ذا ألوان تقول: أبيض، أسود، أحمر، إذا كان ذا ألوان، كذلك أيضًا إذا كان النسج في الثياب مختلفًا تذكر الوصف الذي يختلف به الثمن اختلافًا ظاهرًا، أما الاختلاف اليسير فإنه يُعفى عنه؛ لأنه قلَّ أن ينضبط الموصوف على وجه لا اختلاف فيه إطلاقًا؛ ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: كل سلم يختلف، لا بد؛ لأنه مهما كان الإنسان في دِقَّة الوصف لا يمكن أن يدرك كل الأوصاف، مثلًا: نسلم في سيارة، نذكر اللون أو ما يحتاج؟
طالب: يحتاج.
الشيخ: يحتاج؛ لأن الثمن يختلف به. نذكر موديلها، أو ما يحتاج؟
طلبة: يحتاج.
الشيخ: يحتاج؛ لأن الثمن يختلف به.
نذكر مثلًا اللي هي (
…
)؟
طالب: يحتاج.
الشيخ: يحتاج.
ويش فيه بقي مما لا يختلف فيه الثمن؟ مثلًا الراديو، الراديو تختلف السيارات فيه.
طالب: مكيفة أو غير مكيفة؟
الشيخ: لا يختلف مكيفة ولّا غير مكيفة، لكن بعض السيارات يكون الراديو بالوسط، وبعضها يكون إلى جانب السائق، الساعة أيضًا بعض السيارات تكون الساعة مثلًا فوق، بعضها تكون أسفل، بعضها تكون بالوسط، وبعضها تكون مائلة إلى الجانب الأيمن، ومائلة إلى الجانب الأيسر، هل نذكر هذه الأوصاف؟
طلبة: لا نذكرها.
الشيخ: لماذا؟ لأنها ليست ذات أهمية.
وحَدَاثَتُه وقِدَمُه، ولا يَصِحُّ شَرْطُ الْأَرْدَأِ أو الأَجْوَدِ، بل جَيِّدٌ ورَديءٌ ، فإنْ جاءَ بما شَرَطَ أو أَجْوَدَ منه من نوعِه ولو قُبِلَ مَحَلُّه ولا ضَرَرَ في قَبْضِه -لَزِمَه أَخْذُه.
(الثالثُ): ذِكْرُ قَدْرِه بكيلٍ أو وَزنٍ أو ذَرْعٍ يُعْلَمُ، وإن أَسْلَمَ في الْمَكيلِ وَزْنًا أو في الموزونِ كَيْلًا لم يَصِحَّ.
(الرابعُ) ذِكْرُ أَجَلٍ معلومٍ له وَقَعَ في الثَّمَنِ، فلا يَصِحُّ حالًا ولا إلى الْحَصادِ والْجِذاذِ ولا إلى يَوْمٍ، إلا في شيءٍ يَأْخُذُه منه كلَّ يومٍ كخُبْزٍ ولَحْمٍ ونحوِهما.
(الخامسُ): أن يُوجَدَ غالبًا في مَحَلِّه ، ومكانِ الوَفاءِ ، لا وقتَ الْعَقْدِ، فإن تَعَذَّرَ أو بعضُه فله الصبْرُ أو فَسْخُ الكُلِّ أو البعضِ ، ويَأْخُذُ الثمَنَ الْمَوجودَ أو عِوَضَه.
(السادسُ): أن يَقْبِضَ الثمنَ تامًّا ، معلومًا قَدْرُه ووَصْفُه قبلَ التَّفَرُّقِ، وإن قَبَضَ البعضَ ثم افْتَرَقَا بَطَلَ فيما عَداهُ، وإن أَسْلَمَ في جِنْسٍ إلى أَجَلَيْنِ أو عَكْسَه صَحَّ إن بَيَّنَ كلَّ جِنْسٍ وثَمَنَه وقِسْطَ كلِّ أَجَلٍ.
(السابعُ): أن يُسْلَمَ في الذِّمَّةِ فلا يَصِحُّ في عينٍ، ويَجِبُ الوَفاءُ مَوْضِعَ العَقْدِ، ويَصِحُّ شَرْطُه في غيرِه، وإن عُقِدَ بِبَرٍّ أو بَحْرٍ شَرَطَاهُ، ولا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فيه قبلَ قَبْضِه، ولا هِبَتُه، ولا الْحَوَالةُ به، ولا عَلَيْهِ، ولا أَخْذُ عِوَضِه، ولا يَصِحُّ الرَّهْنُ والكَفيلُ به.
الشيخ: ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: كل سلَم يختلف لا بد؛ لأنه مهما كان الإنسان في دقة الوصف لا يمكن أن يدرك كل الأوصاف.
مثلًا: نُسْلِم في سيارة، نذكر اللون، أو ما يحتاج؟
طالب: يحتاج.
الشيخ: يحتاج؛ لأن الثمن يختلف به، نذكر موديلها، أو ما يحتاج؟
طلبة: يحتاج.
الشيخ: يحتاج؛ لأن الثمن يختلف به، نذكر مثلها اللي هي (
…
)؟
طالب: يحتاج.
الشيخ: يحتاج.
ويش بقي مما لا يختلف فيه الثمن؟ مثلًا الراديو، الراديو تختلف السيارات فيه.
طالب: مكيفة أو غير مكيفة.
الشيخ: لا، يختلف مكيفة ولّا غير .. لكن الراديو بعض السيارات يكون الراديو بالوسط، وبعضها يكون إلى جانب السائق، الساعة أيضًا بعض السيارات تكون الساعة مثلًا فوق، بعضها تكون أسفل، بعضها تكون بالوسط، وبعضها تكون مائلة للجنب الأيمن، مائلة للجنب الأيسر، هل نذكر هذه الأوصاف؟
طلبة: لا.
الشيخ: لماذا؟ لأنها ليست ذات أهمية، ولا يرفع الإنسان بها رأسًا، فهذه لا تُذْكَر.
وكذلك بقية الأوصاف التي لا يختلف بها الثمن اختلافًا ظاهرًا فإنه لا يجب ذكرها؛ لأن الإحاطة بها متعسرة.
يقول: (وحداثته وقِدَمِه)، يعني لا بد أن يُذْكَر أنه جديد أو أنه قديم، وهذا حق لا بد منه؛ لأن الثمن يختلف اختلافًا ظاهرًا بين الجديد والقديم، فلا بد أن نقول في التمر: من تمر هذا العام، أو من تمر العام الماضي، لا بد أن نقول هذا؛ لأنه يختلف اختلافًا ظاهرًا، لكن كيف يكون من تمر العام الماضي؟ !
يمكن، يكون عنده مُجَبَّنًا، يعني مثلًا مكنوزًا في التَّنَك، يكون عنده من قديم من العام الماضي، إذن لا بد أن يُذْكَر أنه جديد أو قديم.
جودته ورداءته؟
طالب: نعم.
الشيخ: نعم، لا بد أن تُذْكَر؛ لأن الجودة والرداءة يختلف بها الثمن اختلافًا ظاهرًا، لكن لو قال: أَجْوَد ما يكون، أو أردأ ما يكون، يقولون: إنه لا يصح.
أسلمت إليك مئة ريال بمئة صاع بُرّ، فلنقول: بمئة صاع حنطة أجود ما يكون، هنا يقول المؤلف: لا يصح، السبب؟ لأنه ما من جيد إلا وفيه أجود منه، أجود ما يكون في هذا البلد قد يكون أردأ ما يكون في البلد الآخر، فماذا نعمل وهو يقول: أجود ما يكون؟ ! ثم حتى أجود ما يكون في البلد قد يكون في السوق، قد يكون ما عُرِضَ في السوق جيدًا، وأجود ما يكون في السوق، لكن في البيوت ما هو أجود منه، فالأجود لا يصح.
الأردأ كذلك؛ لأنه ما من رديء إلا وفيه أردأ منه، هذه المسألة اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال:
القول الأول: ما قاله المؤلف؛ لا يصح شرط الأردأ ولا الأجود، والعلة ما سمعتم، الأجود يقال فيه أيش في التعليل؟ ما من جيد هو أجود إلا وفيه أجود منه، الأردأ نفس الشيء، ما من رديء أردأ ما يكون عندنا إلا وفيه أردأ منه.
إذن فهذه الصفة لا يمكن تحقيقها، فلما لم يمكن تحقيقها صار كالذي لا يمكن انضباط صفاته، كالجواهر وغيرها.
القول الثاني: يصح شرط الأردأ، مَن اللي يشترطه؟ الْمُسْلَم إليه ولّا المسلِم؟
طالب: المسلم إليه.
طالب آخر: المسلم.
طالب آخر: يحتمل يا شيخ.
الشيخ: لا إله إلا الله، وإلى الآن على الخلاف، أيهما اللي يبغي الأردأ.
طالب: الْمُسْلِم.
الشيخ: لا، الْمُسْلِم يبغي الأردأ؟ ! الْمُسْلِم اللي أعطى الدراهم، اللي يشترط الأردأ البائع اللي هو المسلَم إليه، فإذا اشترط البائع اللي هو المسلَم إليه إذا اشترط أنه أردأ ما يكون، وقال: ما يخالف، نجري العقد على أردأ ما يكون، يقول المؤلف: إنه لا يصحّ؛ لأنه ما من رديء إلا وفيه أردأ منه، لكن الصحيح أنه يصح، كيف يصح؟ لأنه إذا قال: أردأ، وقال: هذا أردأ ما يكون، وقبِل المسلِم فالحق له؛ إذ إن المسلِم لا يمكن أن يقول للمسلَم إليه: اذهب دوِّر أردأ من هذا وإلا ما أقبل، هل يمكن يقول هكذا؟ لا يمكن، حتى لو أمكن أن يقول هكذا فقد قال العلماء رحمهم الله -نفس الفقهاء- قالوا: لو جاء إليه بأجود من حقه لزمه القبول، ولهذا هذا الوجه الثاني قوي جدًّا؛ أن شرط الأردأ جائز ويصح فيه السلَم؛ لأنه إذا جاء المسلَم إليه بالأردأ فقال له المسلِم: هذا ما هو أردأ ما يكون، روح دوِّر، قال: لا، يلزمك أن تقبل، هل يلزمه أن يقبل؟
طالب: على قول الفقهاء.
الشيخ: إي، حتى على قول الفقهاء يلزمه، وإذا كان كذلك فأي مانع يمنع من صحة هذا الشرط؟ مع أن هذا الشرط -في نظري- حسب الواقع لا يقع؛ لأن حتى المسلَم إليه ليس يذهب يقول: أردأ ما يكون، سيقول: أنت تُسْلِم إليَّ بطعام ليس أجود شيء.
القول الثالث في المسألة: أنه يصح شرط الأردأ أو الأجود، ويُحْمَل على ما يكون في السوق، في سوق البلد، أجود ما يكون في السوق، أردأ ما يكون في السوق، هذا معروف عند أهل العرف، والاختلاف الذي يمكن أن يقع فيه اختلاف لا يضر؛ لأنه ما من سَلَم إلا يختلف كما قال الإمام أحمد رحمه الله.
فالمسألة فيها ثلاثة أقوال أقطعُها للنزاع وأقربها للصواب هو الثاني؛ الذي هو شرط الأردأ دون شرط الأجود؛ لأن شرط الأردأ لو أراد المسلِم أن يُلْزِم المسلَم إليه بطلب ما هو أردأ فإنه لا يلزمه حتى على المذهب، وإذا كان لا يلزمه فما المانع؟ !
يقول رحمه الله: (ولا يصح شرطُ الأردأ أو الأجود، بل جيدٍ ورديءٍ).
ويش معنى (جيد ورديء)؟ يعني يصلح أن يقول: جيد، أو يقول: رديء.
ولو قال قائل: إن كلمة (جيد ورديء) قد تكون أشد جهالة من الأجود والأردأ؛ لأن المسلِم إذا جاء المسلَم إليه بما عُقد عليه البيع قال المسلِم: هذا ما هو جيد، هذا رديء، وذاك يقول: جيد، فيحصل النزاع، لكن مع ذلك قالوا: إن هذا يصح، وإذا اختلفا في كونه جيدًا أو رديئًا يُرْجَع إلى أهل الخبرة في ذلك.
ثم قال: (فإن جاء بما شَرَط)، يعني من جيد أو رديء، (أو بأجود منه من نوعه ولو قبل مَحِلّه ولا ضرر في قبضه لزمه أخذه).
(إن جاء) الفاعل يعود على المسلَم إليه، (بما شَرَط) أي: المسلِم، (لزمه أخذه).
(ولو قبل مَحِلّه) يعني: ولو قبل حلوله، فإذا قدَّرْنَا أنه يحل في رمضان وجاء إليه في رجب لزمه قبوله، لكن اشترط المؤلف شرطًا وهو: ألَّا يكون عليه ضرر في قبضه، مَن الذي عليه الضرر؟ المسلِم، فإن كان عليه ضرر مثل أن يُسْلِم إليه بتمر، أعطاه دراهم على أنه يأتي إليه بتمر في رمضان، وجاء بالتمر في رجب، هنا جاء به قبل مَحِلّه ولّا بعده؟ قبل محله، وقال المسلِم: لا أقبله، فقال المسلَم إليه: تقبله؛ لأن هذا ثبت في ذمتي، والتأجيل إرفاق بي، وأنا مُسْقِط هذا الإرفاق، لازم تأخذه، قال: والله التمر الآن ما له سوق، سوق التمر يكون في رمضان حيث يحتاج الناس إلى التمر في الإفطار، الآن السعر نازل، فعليّ ضرر، في هذه الحال له -أي للمسلم- أن يمتنع عن قبضه؛ لأن عليه ضررًا.
أو حدث خوف في البلد قبل حلول أجله، يعني مثلًا الأجل قلنا: في رمضان، حدث خوف في البلد في رجب، فجاء المسلَم إليه بما أَسْلَم فيه، فقال المسلِم: أنا لا أقبله، البلد الآن مَخُوف ويُخْشَى أن يُسطَى عليه ويؤخَذ، أنا لا أقبله إلا في رمضان، هل يلزم بقبضه؟
طلبة: لا.
الشيخ: ليش؟ لأن عليه ضررًا.
إذن إذا جاء المسلَم إليه بما وقع عليه العقد قبل حلوله لزم، هاتوا المفعول؟ لزم المُسلِمَ قبولُه، إلا أن يكون عليه ضرر في قبضه فلا يلزمه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:«لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (1).
ما هي العلة في وجوب القبول؟
العلة أن التأجيل إرفاق بِمَن؟ بالمسلَم إليه، فإذا أَسْقَط حَقَّه من الإرفاق وقال: أنتم جعلتم الأجل إلى رمضان رفقًا بي، والآن أنا حصلت ما أُسلِم فيه، خُذْه، فهنا يلزم ذاك قبولُه إذا لم يكن هناك ضرر.
هذه المسألة الثانية في كلام المؤلف: إذا جاءه بأجود من نوعه، يعني كان المشروطُ عليه تمرًا وسطًا، فحل الأجل وجاء المسلَم إليه بتمر جيد، فقال المسلِم: لا أقبل الجيد، بيني وبينك تمر ..
طالب: معين.
الشيخ: ما هو معين، وسط، والآن جئتني بجيد، لا أقبل، يلزمه القبول أو لا؟ يقول المؤلف: يلزمه القبول، إذا قال المسلِم: كيف تُلْزِمُونَنِي أن أقبل هبة بدون رضاي؟ قلنا: إن هذا المسلَم إليه لم يأتِ إليك بعين زائدة، يعني ليس الذي عليه مئة صاع وجاء بمئتين، إنما جاء بزيادة وصفية، المشروط عليه وسط فجاء بجيد، ما أتاك بأكثر مما طلبت، مما وجب عليه، وهذا عبارة عن هبة وصف، فيلزمك قبوله كما قلنا بأن الْمُبْرَأ لا يُشْتَرَط رضاه.
إذن يلزمه، لكن قال المؤلف:(بأجودَ منه من نوعه)، فلو كان الإسلام في سُكَّرِي، تعرفون السكري؟ سكري عُنَيْزَة، معروف، وأتى إليه بِبَرْحِي، والبَرْحِي أكثر قيمة من السكري، فهل يلزمه قبوله؟
طلبة: لا يلزمه.
الشيخ: ليش؟
طلبة: ليس من نوعه.
الشيخ: ليس من نوعه، فهنا ليس الاختلاف اختلاف صفة، اختلاف ذات؛ لأنه أتى بنوع آخر، لا يلزمه.
إذا أتى بغير جنسه؟ يعني مثلًا كان الإسلام في بُرٍّ، ثم أتى إليه بتمر، يجوز ولّا ما يجوز؟
الطلبة: ما يجوز.
الشيخ: ما يجوز.
إذن الأقسام ثلاثة: إذا أتى بأجود من نوعه لزمه القبول، إذا أتى بأجود من جنسه لم يلزمه القبول، لكن يجوز له القبول، لو قَبِلَ فلا بأس، إذا أتى بغير جنسه حرُم القبول، انتبهوا للأقسام الثلاثة الآن.
أَسْلَم إليه في سكري، فجاء بسكري أجود؟
الطلبة: يلزمه القبول.
الشيخ: يلزمه القبول، أسلم إليه في سكري فجاء إليه ببرحي؟
الطلبة: لا يلزمه القبول.
الشيخ: لا يلزمه القبول، ولكن يجوز القبول، إذا أسلم إليه في تمر سكري وجاء إليه بِبُرّ؟ لا يجوز القبول، حتى لو رضي، لماذا؟ قالوا: لأنه إذا أتى إليه بغير الجنس فهذا بَيْع، وبيع السلَم -يعني المسلم فيه- لا يصح، وسيأتينا إن شاء الله تعالى دليلهم في هذا، وأنه دليل لا يصح، لكن الكلام على قاعدة المذهب، يقول: لأنه إذا أخذ عنه بدلًا من غير الجنس صار ذلك بيعًا، وبيع المسْلَم فيه لا يصح قبل قبضه.
ونحن نناقش هذه المسألة من وجهين:
الوجه الأول: أننا نرى أنه لا يلزمه قبوله إذا جاء بأجود من نوعه؛ لأن ذلك قد يُفضِي إلى منَّة عليه في المستقبل، فيقول: أنا لا أريد أن أتحمل قبول الطيب عن الرَّديء؛ لأني أعرف هذا الرجل، غدًا يقطع رقبتي في المجالس، يقول: أنا أوفيته أحسن من حقه وهذا جزائي، لو أفعل فيه أدنى شيء قال: هذا جزائي أني أُحْسِن إليه وأعطيه أطيب من حقه ثم هو يسيء إليّ!
وهذا واقع؛ لأن كثيرًا من الناس الآن يُبْطِلُون صدقاتهم بالمن والأذى، فهو يقول: أنا لا أريد، يعطيني حقي ولا أبغي غيره، أو ولا أريد غيره، فنرى أنه لا يلزمه، إلا إذا علم أن هذا الرجل لا يمكن أن يَمُنّ عليه في المستقبل بذلك فهذا ربما نقول: يلزمه؛ لأن هذا من باب التيسير على أخيه؛ لأنه إذا قال: أنا لا أقبل هذا، ماذا سيعمل؟ سيذهب يبيعه في السوق، ثم يشتري له حسب شرطه، وقد يحصل في هذا تعب، وقد يحصل فيه أيضًا أجور تربو على الفرق بين الجيد والوسط.
ونرى أيضًا أنه إذا جاء بشيء من غير جنسه ورضي الآخر فإنه لا بأس به، إذا أحضر شيئًا من غير جنسه، قال: هذه مثلًا مئة صاع بُرّ عن مئة صاع تمر سكري، وقال: لا بأس، نرى أنه لا بأس بهذا؛ لأن البُرّ والتمر ليس بينهما ربا فضل، وهنا إذا حضَّره وسلَّمه إياه انتفى ربا النسيئة، فأي محذور في هذا؟ هذا ليس فيه ربا، وليس فيه ظلم ولا غرر، فأي محظور في هذا؟
فصار الآن نحن نخالف المؤلف في مسألتين:
المسألة الأولى: وجوب قبول الجيد عن الوسط من النوع.
والمسألة الثانية: جواز أخذ غير الجنس إذا أحضره وصار القبض قبل التفرق، وذلك لأنه لا يتضمن ربًا ولا ظلمًا ولا غَرَرًا.
طالب: خالَفَ النصَّ أحسن الله إليكم.
الشيخ: ما هو النص؟
الطالب: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِمْ فِي شَيْءٍ» .. (2)
الشيخ: هذا لا يصح، هذا النص لا يصح، وسيأتي، نحن ذكرنا أنه سيأتي إن شاء الله وهذا لا يصح. (
…
)
***
طالب: وجه تسميتنا للبائع مسلَمًا إليه، والمشتري مسلِمًا، هذا أنا أقول العكس؛ لأن المشتري ..
الشيخ: مَن الذي أسلم الثمن؟
الطالب: لا، السلعة أنا أقول.
الشيخ: لا، السلَم هو تقديم الثمن.
الطالب: هذا البائع.
الشيخ: لا، اللي قدم الثمن المشتري.
الطالب: اللي قدم الثمن المشتري، اللي أخذ البائع.
الشيخ: والمسلَم إليه مَن؟
الطالب: البائع.
الشيخ: هذه هي.
الطالب: أنا كنت أقول ..
الشيخ: والآن؟
الطالب: ظهر.
طالب آخر: أحسن الله إليك، (
…
) المؤلف في ذكر النوع الأعلى لكلامه هذا وجاهة.
الشيخ: الجنس؟
الطالب: شرطه الجنس الأعلى.
الشيخ: لا، الجنس الأعلى ما يرى وجوب ذكره.
الطالب: أحسن الله إليكم، في بعض البلدان يتَّحِد الجنس ويتحد النوع، لا إن يختلف الجنس ويتحد النوع، مثل البرتقال مثلًا يقال في بعض البلدان: هذا سكري وهذا بلدي وهذا كذا، وفي نفس البلد مثلًا يقال: هذا ..
الشيخ: البرتقال على رأي المؤلف ما يصح السلَم فيه.
الطالب: ذكرنا أنه يصح.
الشيخ: لا، هذا رأي المؤلف، وسيأتي إن شاء الله ذكره.
طالب: ذكر جنس الْحَبّ، ربما يأتي سنبلة؟
الشيخ: لا، إذا قيل: حَبّ، يعني مُصَفًّى.
الطالب: إحنا ما ذكرنا الحب.
الشيخ: لا إذا قلنا: الْحَبّ، يعني مُصَفًّى. (
…
)
طالب: ذكرنا أنه لا يجوز السلَم في الحيوان الحامل، لأنه لا ينضبط.
الشيخ: نعم.
الطالب: وجواز السلَم في الحيوان غير الحامل، مع أنه أيضًا لا ينضبط؟
الشيخ: لا، ينضبط بالوصف، لكن قَلَّ أن تجد بهيمة على الوصف الموصوف وحملها على الوصف الموصوف أيضًا؛ لأنه لا بد أن يكون الحمل له أربعة أشهر خمسة أشهر وما أشبه ذلك.
طالب: شيخ، قلنا في باب السلَم: إن المسلَم ينتفع بالزيادة.
الشيخ: نعم.
الطالب: وإذا مثلًا أقبضه المُسَلِّم إليه المُسَلَّم فيه مثلًا أقبضه قبل أن يحل وقت الأجل، وكان مثلًا في تأجيل تلك السلعة منفعة للمسلِم، كأن يزيد مثلًا سعر السلعة؟
الشيخ: هذا يعتبر من حقه؛ لأنه حتى المسلَم إليه إذا حَلّ الأجل وقد باع على المسلِم مئة صاع بُرّ بمئة ريال، ربما يكون عند حلول الأجل مئة الصاع البُرّ تساوي ألفًا، أو لا تساوي إلا خمسين، هذا حظ. (
…
)
ما هو الراجح في المسألة التي تكلم فيها الأصوليون وهي: إذا اختلف أهل العصر في مسألة على قولين، فهل يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث؟ نرجو من فضيلتكم التفصيل؟
الصحيح أنه يجوز؛ لأن الإجماع لم يحصل، وإذا لم يحصل لم يكن حجة.
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى في باب السَّلَم:
الثالث: ذكرُ قَدْرِه بكيلٍ أو وَزْنٍ أو ذَرْعٍ يُعلَم، وإن أَسْلَم في المكيل وزنًا، أو في الموزون كيلًا لم يصحَّ.
الرابع: ذكرُ أجلٍ معلوم له وَقْعٌ في الثَّمَن، فلا يصحُّ حالًّا ولا إلى الحصاد والجذاذ، ولا إلى يوم، إلا في شيء يأخذه منه كلَّ يوم، كخبز ولحم ونحوهما.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى في باب السلم في بقية الشروط، قال:(الثالث: ذِكْرُ قَدْرِه بكيل أو وزن أو ذَرْع يُعْلَم).
يعني لا بد أن يُذكَر قدره بكيلٍ في المكيل، ووزنٍ في الموزون، وذَرْعٍ في المذروع.
وقوله: (يُعْلَم) احترازًا مما لو قُيِّدَ بشيء لا يُعْلَم، مثل أن يقول: ملء هذا الإناء عشر مرات مثلًا؛ لأن هذا الإناء ربما يضيع، وحينئذ لا يبقى لنا شيء نرجع إليه، يعني فلو قال مثلًا المسلِم إلى المسلَم إليه: أَسْلَمت إليك بمئةٍ ملءَ هذا الإناء، فإنه لا يصح، لماذا؟ لأنه ليس معهودًا، وقد يضيع، وحينئذ يحصل النزاع، والشرع جاء لسد كل ما يوجب النزاع.
قال: (وإن أسلَم في المكيل وزنًا، أو في الموزون كيلًا لم يصح)؛ لأنه يجب أن يُقَدَّر بالمعيار الشرعي، فالبُرّ ونحوه يقدَّر بالكيل، والسكر واللحم وما أشبه ذلك يقدَّر بالوزن، فلو أسلَم في المكيل وزنًا، أو في الموزون كيلًا لم يصح، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد.
والصواب أنه يصح أن يُسْلِم في المكيل وزنًا، وفي الموزون كيلًا؛ لأنه معلوم، وإنما وجب في بيع الربوي بجنسه أن يُقَدَّر بالمعيار الشرعي؛ لأنه يُشْتَرَط فيه المساواة، فلهذا لا يصح أن أبيع عليك وزنَ عشرة كيلوات من البُرّ بعشرة كيلوات من البُرّ؛ وذلك لأنه لا بد من التساوي في المعيار الشرعي، والمعيار الشرعي للحبوب ونحوها هو الكيل، أما مسألة السَّلَم فالمقصود انضباط الصفات والقَدْر، وهذا يحصل فيما إذا أَسْلَم في المكيل وزنًا، أو في الموزون كيلًا.
***
يقول رحمه الله: (الرابع: ذِكْرُ أجل معلوم له وَقْعٌ في الثَّمَن).
هذه ثلاثة قيود: (ذِكْرُ أجل)(معلوم)(له وقع في الثمن).
ومعنى (له وقع في الثمن)، أي: له تأثير في الثمن بالزيادة أو النقص، وعلى هذا فإذا أَسْلَم في شيء حالٍّ فإنه لا يصح السَّلَم؛ لأنه لا بد من ذِكْر أجل، لا بد أيضًا أن يكون الأجل معلومًا، بأن يقال: أسلمت إليك مئة ريال بمئة صاع بُرّ تحل في أول يوم من رمضان، لا بد أن يكون هكذا.
(له وقع في الثمن) يعني: له تأثير، فإن لم يكن له تأثير فإنه لا يصح الأجل؛ لأنه لا فائدة منه، وقد صرَّح المؤلف رحمه الله بمفهوم ذلك، فقال:(فلا يصح حالًّا) هذا مفهوم قوله: (إلى أجل).
(ولا إلى الحصاد والجذاذ)، هذا من قوله:(معلوم).
(ولا إلى يوم)؛ لأنه ليس له وَقْع في الثمن.
(إلا في شيء يأخذه منه كلَّ يوم، كخبزٍ ولحمٍ ونحوِهما).
لا بد من أن يكون (أجل)، والثاني:(معلوم)، والثالث:(له وَقْع في الثمن).
مثال ذلك: أَسْلَم إليه مئة ريال بمئة صاع بُرّ تحِل في أول يوم من رمضان، هذا أجل معلوم له وَقْع في الثمن، فيصح.
إذا كان حالًّا فإنه لا يصح السَّلَم في الحالِّ؛ وذلك لأننا نستغني ببيعه عن السَّلَم فيه، ولكن شيخ الإسلام رحمه الله اختار جواز السَّلَم الحالِّ، وهو مذهب الشافعي رحمه الله؛ لأنه إذا لم يصح أن يكون سَلَمًا صار بيعًا، ومتى أمكن تصحيح العقود فإنه يجب.
(إلى الحصاد والجذاذ) لا يصح؛ لأن الحصاد والجذاذ غير معلومين، فالناس منهم مَن يحصد مبكرًا، ومنهم من يتأخر، ومنهم من يجذُّ النخل مبكرًا، ومنهم مَن يتأخر، وحينئذ يبقى الأجل مجهولًا.
ولكن الصحيح أنه يصح إلى الحصاد والجذاذ، والمراد: إلى زمن الحصاد والجذاذ، وليس إلى الجذاذ نفسه أو الحصاد، بل إلى زمنه، فإذا قال المسْلَم إليه: الآن بدأ الناس يحصدون أو يجذُّون، فحينئذ يكون قد حَلّ، وهذا القول هو الصحيح، وكأنك ترى أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهم يُسْلِفُون في الثمار السنة والسنتين كأنك ترى أنهم إنما يُوفُون من النخل في الجذاذ، أو البُرّ في الحصاد (2).
(ولا إلى يوم)، لماذا؟ لأنه ليس له وَقْع في الثمن، إلا ما يؤخَذ شيئًا فشيئًا، كما لو أَسْلَم إليه في خبز أو لحم يعطيه إياه تبدأ من الغد، فهذا لا بأس به؛ لأن غايته ستكون متأخِّرة إلى وقت يكون فيه وَقْع في السَّلَم.
(الخامس: أن يُوجَد غالبًا في مَحِلِّه ومكانِ الوفاء لا وقتَ العقد).
هذا أيضًا لا بد أن يكون المسْلَم فيه (يوجد غالبًا في مَحِلّه)، أي: في وقت حلوله، (ومكان العقد)، فإن جعله إلى وقت لا يوجَد فيه المسْلَم فيه فإنه لا يصح، مثل: أن يُسْلِم إليه في عنب تحل في الشتاء فهذا لا يصح؛ لأن العنب في الشتاء لا يوجَد، لكن في وقتنا الحاضر يمكن أن يوجَد بواسطة الثلاجات، فيكون كلام الفقهاء رحمهم الله مقيَّدًا بهذا، فمتى وُجِدَ في محله ومكان الوفاء فإنه يصح.
يقول: (لا وقتَ العقد)، يعني: لا يُشْتَرَط أن يكون المسْلَم فيه موجودًا وقت العقد؛ وذلك لأنه -أي المسْلَم فيه- متعلق بالذمة لا بشيء معين، فإذا حدده بأجل يوجَد فيه، فإنه لا يُشْتَرَط أن يكون موجودًا وقت العقد.
قال: (فإن تعذر أو بعضه فله الصبرُ، أو فسخُ الكل) إن تعذر كله (أو البعض) إن تعذر بعضه، (ويأخذ الثمن الموجود أو عِوَضَه).
يعني: لو أنه جَعَل السَّلَم ينتهي إلى وقت يوجد فيه المسلَم فيه لكن تعذَّر؛ إما بأن تكون الثمار أصابها جوائح ولم يتمكن من الوفاء، أو عَدَا عليها جُند وأخذوها، ففي هذه الحال نقول للمسلِم: أنت بالخيار؛ إن شئت فسختَ العقد ورجعت بالثمن، وإن شئتَ أبقيت العقد حتى يَقدِر المسلَم إليه على تسليمه إليك، ولهذا يقول رحمه الله:(أو فسخُ الكل أو البعض، ويأخذ الثمن الموجود أو عِوَضَه).
(الثمن الموجود) مثل أن يكون دراهم أَسْلَم فيها إلى المسلَم إليه.
(أو عِوَضَه) إذا كانت الدراهم قد نفدت وتصرَّف فيها المسلَم إليه، فإنه يأخذ العِوَض.
(السادس: أن يقبض الثَّمَنَ تامًّا معلومًا قَدْرُه ووصفُه قبل التفرق).
هذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ» (3)، فإن هذا يقتضي أنه لا بد من أن يقبض الثمن تامًّا.
وقوله: (معلومًا قَدْرُه) هذا في الكمية.
(ووصفه) هذا في الكيفية، يعني لا بد أن يقبض الثمن تامًّا معلومًا قَدْرُه، ومعلومًا وصفُه، وذلك من أجل الرجوع -إذا تعذر الوفاء- إلى هذا الثمن المعلوم قَدْرُه ووصفُه.
(وإن قبض البعض ثم افترقَا بطل فيما عداه).
مثاله: أَسْلَم عشرة آلاف ريال إلى شخص في عشرة آلاف كيلو تمر، ثم إنه لم يُوفِه كلَّه، بل أوفى بعضه، يقول المؤلف:(إذا قبض البعض ثم افترقَا بطل فيما عداه)، لماذا؟ لعدم تحقُّق الشرط، وهو أن يقبضه -أي العوض- في مجلس العقد.
(وإن أَسْلَم في جنس إلى أجلَيْنِ أو عكسه صح إن بَيَّنَا كل جنس وثمنَه وقسطَ كل أجل).
(إذا أسلم في جنس إلى أجلين)، مثل: أسلَم بألف ريال إلى شخص في بُرّ، ولكنه جعل بعضه يحل في رجب، والبعض الثاني يحل في شوال، الآن أسلَم في جنس إلى أجلين.
(أو عكسه): أسلم في جنسين إلى أجل واحد، بأن أَسْلَم في بُرّ وشعير، وإلى أجل واحد، يقول المؤلف:(صح إن بيَّنَا كل جنس وثمنَه وقسطَ كل أجل).
(إن بَيَّنَا كل جنس)، يعني بُرّ وشعير، هذا أسلَم في جنسين إلى أجل.
(وثمنَه)، أي: ما يَخُصّ البُرّ أو الشعير؛ لأنه لا بد من ذلك، حتى إذا تعذر الوفاء نرجع إلى الثمن الذي قُدِّر واستُلِم.
(وقِسْطَ كلِّ أجل)، ويش معناه؟ يعني بأن يقول: أسلمت إليك مئة درهم بمئة صاع بُرّ إلى أجلين، لا بد أن يُبَيِّن قسط كل أجل، الأجل الأول مثلًا يقول: الأجل الأول خمسون، والثاني خمسون، وذلك لأجل أنه إذا حصل اختلاف أو تعذَّر وفاء نرجع إلى ما عُيِّنَ.
(السابع: أن يُسْلِمَ في الذمة فلا يصح في عَيْن).
(أن يُسلِم في الذمة) بأن يقول: أعطيتك مئة درهم بمئة كيلو بُرّ، فإن أَسلَم في عين بأن قال: أسلمتُ إليك مئة درهم بهذه العين، فإنه لا يصح؛ لأن مِن شَرْطِه أن يكون في الذمة، وأن يكون مؤجَّلًا بأجل له وَقْع في الثمن.
ولكن هذا الشرط فيه نظر، بل إنه يصح أن يُسْلِم في عَيْن وتبقى هذه العين عند المسلَم إليه حتى يحل أجلُها؛ لأن عموم قول الله تبارك وتعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]، يشمل هذا، والأصل الصحة حتى يقوم دليل على الفساد.
قال: (ويجب الوفاء موضعَ العقد، ويصح شرطُه في غيره).
يعني: لو أسلم إلى شخص في عنيزة أسلم إليه مئة درهم بمئة صاع بُرّ، ولم يذكر محل الوفاء، فإن الوفاء يكون في مكان العقد، فلو قال المُسلِمُ: أنا أريد أن تعطيني إياه في بُرَيْدَة، لم يلزمه؛ لأن الواجب أن يكون في موضع العقد.
قال: (ويصح شرطه في غيره) في غير موضع العقد، لو عقد السَّلَم في عُنَيْزَة، وقال: أريد أن يكون الوفاء في بُرَيْدَة مثلًا، فإنه يجب الوفاء بالشرط ما لم يتسامَحَا، فإن تسامَحَا فالحق لهما.
(وإن عُقِدَ بِبَرٍّ أو بحر شرَطَاه) أي: شَرَطَا مكان الوفاء، وذلك لأنه لا يمكن أن يُوفِي في البحر أو في البَرّ، فمثلًا: لو أن شخصًا أسلَم إلى آخَرَ مئة درهم بمئة صاع بُرّ في البَرِّ وهو قادم من مكة مثلًا، نقول: لا بد في هذه الحال أن يُذكَر مكان الوفاء، وكذلك لو كانَا في سفينة في البحر وتم العقد بينهما في السفينة فإنه لا بد أن يُذكَر محل الوفاء، وذلك لتعذُّر الوفاء في البَرّ والبحر.
قال: (ولا يصح بيع المُسْلَمِ فيه قبل قبضه، ولا هِبَتُه، ولا الحوالةُ به ولا عليه، ولا أَخْذُ عِوَضِه، ولا يصح الرهن والكفيلُ به).
هذه مسائل:
أولًا: أنه (لا يصح بيع المُسْلَم فيه قبل قبضه)، سواء بِيعَ على الْمُسْلَم إليه أو على رجل أجنبي، لماذا؟ لأنه بَيْعُ دَيْن في ذمة الغير، والمشتري قد يتمكن من القبض وقد لا يتمكن، ولحديث:«مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفُهُ إِلَى غَيْرِهِ» (4)، لكن هذا الحديث ضعيف لا يُحتج به.
فإن قال قائل: إذن هل يجوز بيع الْمُسْلَم فيه قبل قبضه؟
فالجواب: نعم يجوز، لكن إن باعه على الْمُسْلَم إليه فإنه يُشْتَرَط ألَّا يربح، بأن يبيعه بسعر يومه؛ لأنه لو باعه بأكثر من سعر يومه لربح فيما لم يَضمن.
قال: (ولا يصح أيضًا هِبَتُه) سواء وَهَبَهُ للمُسْلَم إليه أو لغيره، ودليل ذلك:«مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفُهُ إِلَى غَيْرِهِ» ، لكن هذا الحديث ضعيف.
وعلى هذا فيجوز أن يَهَبَ المسْلَم فيه إلى المسْلَم إليه وإلى غيره، ولا بأس بذلك؛ لأنه ما فيه جهالة، والهبة ليست عقد معاوضة، بل هي عقد تبرُّع محض، فإذا وهب المسلَم فيه إلى أحد فلا بأس.
(ولا الحوالةُ به ولا عليه).
(الحوالة به) أن يقول الْمُسْلَم إليه للمُسْلِم: أَحَلْتُك بدَيْنِك على فلان؛ لأني أطلبه، هنا هذه حوالة به، يعني لما حل الأجل جاء المسلِم إلى المسلَم إليه وقال: أعطني السَّلَم، قال: إن فلانًا عنده لي مئة صاع بُرّ على قَدْر ما أنت تطلبني، وإني أُحيلك به عليه.
يقول المؤلف: إنه لا يصح؛ لأنه ربما يؤدي إلى أَخْذ شيء من غير جنسه، ومَن أسْلَم في شيء فلا يصرفه إلى غيره.
كذلك الحوالة (عليه)، الحوالة عليه بأن يكون الْمُسْلِم في ذمته دَيْنٌ لشخص، فلما جاء يطلبه قال: أُحِيلُك على فلان؛ لأن في ذمته لي مئة صاع بُرّ سَلَمًا، يقول المؤلف: إن هذا لا يصح؛ لأن هذا يقتضي صرف الْمُسْلَم فيه إلى غيره، وقد ورد النهي عنه.
ولكن الصواب أنه يصح، يصح أن يُحَالَ به وأن يُحَالَ عليه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أُحِيلَ بِدَيْنِهِ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» . (5)
قال: (ولا أَخْذُ عِوَضِه)، لو أنه لما حَلّ الأجل قال للمُسْلَم إليه: في ذمتك لي الآن مئة صاع بُرّ، أريد أن نتفق على أن تعطيني دراهم أو تعطيني شعيرًا أو أرزًا، فإن هذا لا يصح، لماذا؟ لأنه حَوَّلَه إلى غيره وصرفه إلى غيره، والحديث:«مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفُهُ إِلَى غَيْرِهِ» ، لكن كما قلت لكم: إن هذا غير صحيح، وعليه فإذا أخذ عِوَضَه فلا بأس، لكن بشرط ألَّا يأخذه بربح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لعبد الله بن عمر:«لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَتَفَرَّقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» . (6)
قال: (ولا يصح الرهنُ والكفيلُ به) يعني: لو أن المسلِم قال للمسلَم إليه: أنا أريد أن ترهِنني شيئًا أتوثَّق به، فقال: أرهنك نخلي، أو أرهنك سيارتي، أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يصح. لماذا؟ لأنه عند تعذُّر الوفاء يرجع المسلِم إلى هذا الرهن، فيكون قد صرفه إلى غيره، وكذلك الكفيل، لا يصح أخذ الكفيل به؛ لأن الكفيل إذا تعذَّر الوفاء من المكفول أُخِذ منه، وحينئذ يكون المسْلَم فيه قد صُرِف إلى غيره.
وإلى هنا انتهى.
طالب: الراجح؟
الشيخ: الراجح كل هذا صحيح؛ لأنه ليس فيها محظور، ولا ربا، ولا ظلم، ولا غَرَر، ولا جهالة.
طالب: في قوله: (ولا أَخْذُ عِوَضِه)؟
الشيخ: نعم.
الطالب: الصحيح أن يعقد عِوَض البُرّ الدراهم، مثلًا إذا أَسْلَم إليك مئة ريال بمئة صاع بُرّ ثم أخذ مكان البُرّ مئتي ريال.
الشيخ: دراهم.
الطالب: مئتي.
الشيخ: بشرط؟
الطالب: (
…
) الذريعة إلى الربا.
الشيخ: لا لا؛ لأن المحذور الربا هنا بعيد؛ إذ إنه لم يُعَوِّضْه دراهم إلا لتعذُّر الوفاء.
الطالب: (
…
) موجود.
الشيخ: حتى لو كان موجودًا ما فيه بأس.
طالب: عَقَدَا في البَر أو البحر ولم يشترطاه (
…
)؟
الشيخ: فلا يصح، لا يصح العقد؛ لأنه لا بد أن يذكر مكان الوفاء إذا عُقِدَا في بَرّ أو بحر.
طالب: إذا كان ثمن السلَم ربويًّا وأمسى به ربويًّا، يصح؟ يعني أسلم بمئة صاع أرز بتمر، يصح؟
الشيخ: ما يصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» . (7)
طالب: بعض الفقهاء يمنع بعض العقود بحجة أنها مخالفة لمقتضى العقد، مع أنها قد تكون داخلة في عقد آخر جائز، فهل تُعرف قاعدة في هذا الموضوع؟
الشيخ: لا، هو الصحيح أن كل شرط فإنه مخالف لمطلَق العقد؛ لأن العقد المطلَق ما فيه شروط، واللي شُرِطَ فيه شيء تقيَّد بشرطه، لكن يقولون: إن مخالفة مقتضى العقد أن يكون هذا الشرط يعود على العقد بالإبطال، فهذا يكون مخالفًا لمقتضى العقد.
الطالب: إذا كان عقد سَلَم مثلًا يُشْتَرَط أن يكون بجميع ضوابط عقد السَّلَم ما يخرج عليها، أما إذا كان مطلقًا فلا يضر يا شيخ.
الشيخ: نعم؟
الطالب: يعني إذا كان العقد مطلقًا وليس في (
…
) عقد معين، عقد سلم عقد ..
الشيخ: يكون بيعًا، ما داموا لم يُقَيِّدُوه بأنه سَلَم فهو بيع.
طالب: ذكرنا أنه إذا أُصِيب ثمر المسلِم بجائحة قلنا: إنه يخير المسلَم إليه بين الفسخ ..
الشيخ: بين الفسخ وأَخْذ العِوَض أو الصبر حتى يَقْدِر؛ لأن الحق له.
الطالب: كيف الجمع بين هذا وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضع الجوائح؟ (8)
الشيخ: إي نعم، هذا الآن الجوائح هذه ليست ملكًا للمسلِم؛ لأن السلَم في الذمة وليس في عين.
طالب: بارك الله فيك يا شيخ، بالنسبة للمسلِم هل يجب أن يكون ثمنه مالًا؟
الشيخ: أيش؟
الطالب: المسلِم، ثمن مَن يدفع للمسلَم إليه يجب أن يكون مالًا؟ يعني لو قال له: هذه مثلًا مئة صاع بُرّ أو أي ..
الشيخ: إي، لا بد أن يُدْفَع الثمن.
الطالب: لا، يعني قال له: هذا تمر خذه بمئة صاع بُرّ أسلمك إياها ..
الشيخ: هذا لا يجوز؛ لأن بيع التمر بالبُرّ لا بد فيه من التقابض قبل التفرق، وكل شيء يُشْتَرَط فيه القبض فإنه لا يصح فيه السَّلَم.
الطالب: آخر غير التمر، قال: هذه سيارة مثلًا، تُسْلِمني مئة صاع بُرّ بعد سنة؟
الشيخ: إي نعم، وتمت السنة؟
الطالب: وأتاه بالمئة صاع، صحيح؟
الشيخ: إذا تمت السنة يوفيه.
الطالب: يعني لا يجب أن يكون مالًا؟
الشيخ: مالًا؟ ! هو مال، ما دام بُرًّا أو تمرًا فهو مال.
الطالب: السيارة يا شيخ.
طالب آخر: يقول: أسلمه سيارة على أن يعطيه مئة صاع بُرّ.
الشيخ: يعني تقول: إنه لا يُشْتَرَط أن يكون الثمن نقدًا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: إي نعم، وهو كذلك لا يُشْتَرَط.
الطالب: دليل هذا يا شيخنا؟
الشيخ: عموم: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].
طالب: عفا الله عنك، إذا كان يُشْتَرَط لإنسان أربع مئة ريال للمسْلِم بمئة صاع بُرّ إلى رأس السنة، لو كان تعذَّر البُرّ في الوقت المحدد وزاد السعر ولم (
…
) شيئًا؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: وهذا (
…
).
الشيخ: لا بأس، لكن بسعر يومها.
الطالب: إذا كان السعر الذي أخذه (
…
) ولا يأخذ بالسعر (
…
)؟
الشيخ: لا، بسعر يومها، يعني وقت الوفاء؛ لأنه قد يزيد وقد ينقص.
طالب: إذا صرفه إلى غيره، كان يجري بينهما ربا النسيئة، يعني كان أسلم مئة صاع مثلًا.
الشيخ: لا بأس، إذا صرفه إلى غيره مما يجري فيه ربا النسيئة وقبضه في المجلس فلا بأس.
الطالب: ولو لم يقبض؟
الشيخ: لا، لا يجوز لو لم يقبض؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَتَفَرَّقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» . (6)
الطالب: يعني يجوز أن يقال: يصرفه إلى غيره بشرط أنه ..
الشيخ: أصلًا هذا حديث ما هو بصحيح.
الطالب: لا، أيضًا الحديث (
…
) يصح صرفه إلى غيره بشرط يكون بسعر يومه وإلا ..
الشيخ: يصح صرفه إلى غيره بشرطين: أن يتقابضَا قبل التفرق إن كان يجري بينهما ربا النسيئة، وأن يكون بسعر اليوم لئلا يربح فيه ما لم يضمن.
طالب: شيخ، ذكر الشارح قال:(ويصح بيع دين مستقر كقرض أو ثمن مبيع لمن هو عليه بشرط قبض).
الشيخ: صحيح، يعني إذا كان شخص في ذمته لك دراهم ثمن مَبِيع أو غيره، وأردت أن تبيع عليه هذا الثمن وتأخذ عِوَضه فلا بأس، لكن بشرط التقابض قبل التفرق، وأن يكون بسعر اليوم.
الطالب: يعني يا شيخ لو بعت عليه سلعة معينة،
وأخذت عوضها ما ذمتي.
الشيخ: أخذت عوضها؟
الطالب: عِوَض هذه السيارة ما في ذمته لي، لهذا الأصل.
الشيخ: كيف يعني ويش لون؟
الطالب: يعني لو بعت عليه، هو له في ذمتي.
الشيخ: يعني هو مطلوب لك؟
الطالب: نعم.
الشيخ: مطلوب لك، وبعت عليه السيارة ولّا هو باع عليك سيارة؟
الطالب: لا، أنا بعت عليه سيارة.
الشيخ: معناه أنك أضفت دَيْنًا إلى دَيْنه الأول.
الطالب: لكن لو باع علَيّ (
…
).
الشيخ: هه؟
الطالب: إن كان هو البائع علي سلعة.
الشيخ: المطلوب؟
الطالب: نعم.
الشيخ: لو كان المطلوب هو البائع فلا بأس بشرط أن يأخذها بسعر يومها، وألَّا يتفرقَا وبينهما شيء، إذا كان من الأشياء التي يجري فيها ربا النسيئة.
طالب: أحسن الله إليك، إذا تكاملت الشروط في السَّلَم، فمات المسلَم إليه ورفض الورثة إجراء هذا العقد، هل يصح لهم ذلك؟ وهل يجوز لهم ذلك؟
الشيخ: لا، يؤخذ من التركة، إذا مات المسلَم إليه فإنه يؤخَذ من تركته؛ لأن هذا حق واجب عليه فيؤخذ من التركة.
طالب: شيخ، إذا طلب المسلِم من المسلَم إليه أن يقدِّم له المسلِم الدَّيْن قبل حلول وقت الأجل، فوافق المسلَم إليه بشرط أن يسدِّد له دَيْنه، فوافق كذلك قال: زِدْ هذا الدَّيْن.
الشيخ: وافق المسلَم إليه على تقديم هذا بشرط أن يضع عنه؟
الطالب: نعم.
الشيخ: الصحيح أنه جائز لا بأس، يعني إذا كان إنسان عنده دراهم وأردت أن تصالِحَه على بعضها مع التعجيل فإن هذا لا بأس به؛ لأن صاحب الدَّيْن الذي له الطلب يستفيد بتقديم حقه، وذاك يستفيد بالوضع المطلوب؛ لأنه إذا عجَّله فسوف ينزل.
طالب: زيادة توضيح للشرط الرابع في قوله: (إلا في شيء يأخذه منه كلَّ يوم، كخبزٍ)؟
الشيخ: الشيء الذي يأخذه كل يوم هذا ليس له أجل؛ لأنه سوف يأخذه من الغد، لكن لما كان منتهاه إلى أجل له وَقْعٌ في الثمن صَحّ.
الطالب: يعني (
…
).
الشيخ: إنسان مثلًا اتفق مع صاحب البقالة أنه يشتري منه حوائج كل يوم: خبز أو لحم أو شيء.
طالب: بعض الفقهاء اشترط مثلًا للصرف إلى غيره ألَّا يُجْعَل هذا المصروف له رأس ماله سَلَمًا، ما وجه ذلك؟
الشيخ: إي، معلوم؛ لأنه إذا جُعِلَ رأس مال سَلَمًا آخر فسوف يزيد الثمن، وهذا لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى تكاثر الديون على الْمَدِين.
طالب: يقول المؤلف: (ولا يصح الرهنُ والكفيلُ به) هل عدم الصحة من الرهن مع صحة العقد، أو العقد يَفْسُد معه؟
الشيخ: لا، ما يشترط، الذي يفسد الرهن والكفيل فقط.
الطالب: وإذا أبى المسلِم قال: لا أريد إلا مع كفيل.
الشيخ: إلا برهن؟
الطالب: إلا برهن الكفيل؟
الشيخ: إي، يقال: هذا ما يمكن إلا على القول الذي رجَّحناه.
الطالب: على قول المؤلف هذا؟
الشيخ: لا.
طالب: هل له الفسخ؟
الشيخ: مَن؟
الطالب: المسلِم.
الشيخ: المسلِم له الفسخ إذا كان اشترط ذلك وهو لا يعلم أنه شرط فاسد، فإذا تبيَّن له أنه شرط فاسد فله الفسخ. (
…
)
يقول: أقرضت رجلًا مبلغ ألف دولار، على أن يكون السداد إما بالدولار، وإما بما يعادله من الجنيهات، علمًا بأن السعر يتفاوت من وقت الإقراض والسداد بالزيادة؟
يعني: أو بالنقص، هذا لا يجوز؛ لأن القرض يجب أن يُرَدّ مثله، فلو شرطت عليه أن يرد من غير جنسه لم يكن قرضًا، صار معاوَضة، أي بيعًا، ولا يجوز بيع النقود بالنقود إلا يدًا بيدٍ. (
…
)
هذا يقول: درسنا في أصول الفقه أن الأمر يفيد الوجوب ما لم يوجَد صارف يصرفه لغير ذلك، فما الصارف الذي صرف كثيرًا من أوامر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الوجوب، كأمثال:«إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ .. » (9) إلى آخره؟
نحن ذكرنا أن العلماء اختلفوا في هذا على ثلاثة أقوال من المسائل الإجماعية:
بعضهم يقول: إن الأصل في الأوامر الاستحباب؛ لأنه لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الشيء ثبتت مشروعيته، والأصل عدم التأثيم بالترك.
وبعضهم يقول: الأصل الوجوب، ويستدل بآيات وأحاديث.
وبعضهم يقول: إذا كانت الأوامر من العبادات فهي للوجوب، وإذا كانت من الآداب فهي للاستحباب.
وأنت إذا رأيت العلماء جمهورهم على أن هذا الأمر للاستحباب فاعلم أن هناك دليلًا لكن قد يخفى على كثير من الناس، مثلًا قال بعض العلماء: إن قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ» (10)، قال: هذا للوجوب؛ لأن الأصل في الأمر الوجوب، لكن لا يتفطن أن هناك صارفًا وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عَلَّم مالك بن الحويرث ومن معه قال:«إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ» (11)، ولم يقل: ولْيُجِبْهُ الآخر، مع أن المقام مقام تعليم، وربما لا يرجع هذا الوفد مرة أخرى.
فهناك قرائن، ما هو لازم أن يكون الدليل على الاستحباب مقرونًا بنفس الأمر، قد يكون هناك قرائن وأحوال، وهذا الحديث حديث البراء الذي أشرت إليه قد يقال: إن الرسول عَلَّمَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفاطمة أن يُسَبِّحَا ويُكَبِّرَا ويحمدَا ثلاثًا وثلاثين، والتكبير أربعًا وثلاثين عند النوم (12)، ولم يذكر هذا.
وكذلك عائشة تقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم عند النوم ينفث على نفسه بالمعوِّذات و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (13)، ولم تذكر ما علَّمه للبراء. فتكون مثل هذه الأمور من الصوارف. (
…
)
***
طالب: قال المصنف رحمه الله تعالى (
…
)
الشيخ: .. وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أولًا: عرِّف السَّلَم لغةً واصطلاحًا؟
طالب: السَّلَم لغة، يقال: إنه لغة أهل الحجاز.
الشيخ: لا، ما أقصد لغة مَن، ما معناه في اللغة؟
الطالب: هو الشيء الْمُقَدَّم.
الشيخ: إي، يعني المسلَّم؟
الطالب: المسلَّم، فلذلك سُمِّيَ سَلَمًا لتقديمه.
الشيخ: نعم، والسَّلَف؟
الطالب: أيضًا لتقديمه.
الشيخ: مِن السلف وهو التقديم، ومنه السلف الصالح لتقدُّمِهم، أما السَّلَم فهو من التسليم؛ لأن المسلِم يُسَلِّم الثمن للمسلَم إليه.
في الاصطلاح؟
طالب: في الاصطلاح: هو عقد على موصوف في الذمة مؤجَّل بثمن مقبوض بمجلس العقد.
الشيخ: عقد على موصوف في الذمة مؤجَّل بثمن مقبوض بمجلس العقد.
اذكر مُحْتَرَزَات التعريف؟
الطالب: (عقد على موصوف) خرج المعيَّن.
الشيخ: خرج المعيَّن، فلا يصح السَّلَم فيه، الثانية؟
الطالب: (في الذمة) خرج ما ليس بالذمة كالحاضر.
الشيخ: كالحاضر، خرج بقوله:(على موصوف).
طالب: خرج الموصوف المعيَّن.
الشيخ: الموصوف المعيَّن، مثل أن يُسْلِم إليه؟
الطالب: مثل أن يُسْلِم إليه سيارته التي صفتها كذا وكذا.
الشيخ: إي، وهي معيَّنة بالجراج موجودة. (مؤجل)؟
طالب: احترازًا من الحالِّ.
الشيخ: احترازًا من الحالِّ، فلا يصح السَّلَم فيه.
(بثمن مقبوض)؟
طالب: يخرج ما كان ليس بمقبوض (
…
) ذمته.
الشيخ: فلا يصح.
الطالب: فلا يصح السَّلَم.
الشيخ: مقبوض في مجلس العقد فلا يصح السَّلَم.
بدنا نسأل عن دليله هل هو ثابت أو لا؟ هل هناك دليل على ثبوت السَّلَم؟
طالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَسْلَمَ .. » .
الشيخ: نريد من الكتاب والسنة والقياس الصحيح.
الطالب: قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]، فسَّرَه ابن عباس بأنه السَّلَم. (14)
الشيخ: نعم، ومن السنة؟
الطالب: من السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» . (3)
الشيخ: بارك الله فيك.
القياس؟
طالب: القياس على ..
الشيخ: القياس عندهم إذا قال: موافق للقياس أو للنظر الصحيح، يعني أنه موافق للحكمة.
طالب: يقول: هو على القياس للأصول، فإنه نوع من البيع ينضبط بالصفات.
الشيخ: كيف يعني؟ وجه ذلك؟
الطالب: لأن السَّلَم نوع من البيع يمكن ضبطه بالصفات فلا يكون منافيًا لـ ..
طالب آخر: هو عقد ليس فيه ربا، ولا ظلم، ولا غَرَر، وبهذا يصح.
الشيخ: لا، ما يكفي، الموافقة ما يصير فيها نفي، كل اللي جبته نفي.
طالب: لأنه بيع، وتوافرت فيه شروط البيع وانتفت الموانع.
طالب آخر: لأن فيه مصلحة للمُسْلِم والمسلَم إليه.
الشيخ: صحيح، أحسنت، وجه موافقته للقياس اقتضاءُ المصلحة والمنفعة، والأصل في العقود كلها مصالح العباد؛ لأن فيه إرفاقًا بالمسلِم، وفيه إرفاق بالمسلَم إليه، فالمسلَم إليه ينتفع بالدراهم، وهذا ينتفع بزيادة المسلَم فيه.
قال بعض العلماء: إن هذا على خلاف القياس لأنه بيعُ معدومٍ؟
طالب: الجواب عليه من وجهين؛ أولًا: يقال إنه موافق للنصوص فيكون موافقًا للقياس، والوجه الثاني: أنه يقال: إنه ..
الشيخ: كيف كان موافقًا للقياس؟
الطالب: لأن النص ورد به.
الشيخ: إي، كل ما ثبت، أعطيناكم قاعدة: كل ما ثبت بالكتاب والسنة فهو على وفق القياس، وأي قياس يخالف ذلك فهو باطل.
الطالب: الوجه الثاني أن يقال: إنه ليس بيعَ معدومٍ، وإنما هو بيعُ موصوفٍ، وبيع الموصوف يصح.
الشيخ: أيش؟
الطالب: هم قالوا: إنه بيع معدوم، ولكن يقال: إنه بيع موصوف بالذمة، وبيع الموصوف يصح.
الشيخ: أحسنت، يقال: إنه ليس بيعَ معينٍ معدوم، بل هو موصوف في الذمة، ولهذا لو قُدِّرَ أن المسلَم إليه كان نوى أن يُوفِيَ المسلَم فيه من مال معيَّن عنده ثم تلف هذا المال بقي في ذمته.
قال بعض العلماء: إن السَّلَم يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» (15)، أيش نقول؟
طالب: نقول: أولًا: إن هذا ليس من البيع المنهي عنه؛ لأنه (
…
) على أنه يتوقع أنه سيأتي هذا الشيء، فيكون بَنَى على غلبة ظنه، ففي هذه الحال يجوز البيع، وبَيْع ما ليس عندك في البيع الحاضر.
طالب آخر: أن هذا مخصوص في السَّلَم.
طالب آخر: حديث حكيم بن حزام بيع عين غير موجودة، وأما هذا فلا؛ لأنه بيع موصوفة.
الشيخ: أحسنت، الجواب من وجهين؛ أولًا: أن الذي قال: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» هو الذي قال: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِمْ فِي شَيْءٍ مَعْلُومٍ» (3)، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يتناقض كلامه في أحكام الله تعالى؛ لأنها شريعة ثابتة مُثَبَّتَة إلى يوم القيامة، فكيف يتناقض كلامه.
والثاني أن نقول: قوله: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» مراده المعيَّن، مثل أن تبيع ما عند فلان، ثم تذهب وتشتريه منه ثم تعطيه الذي اشتراه منك، هذا هو الذي ينطبق عليه حديث حكيم بن حزام كما هو سؤاله بالذات.
وبالمناسبة يقول أهل التعطيل في إنكارهم الوجه واليد والعين وما أشبه ذلك، يقولون: إن هذا يتناقض مع قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، وأنت إذا أثبت هذه الأمور فقد مَثَّلْتَ، فيقال: إن الذي قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27]، هو الذي قال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، وكلامه لا يتناقض، فيقال: نُثْبِتُ وجهًا لكن بدون مماثلة، وهلم جَرّا.
ما معنى قول المؤلف رحمه الله: (أحدها: انضباطُ صفاتِه)، ثم قال في الشرط الثاني:(ذِكْرُ الجِنسِ والنَّوعِ وكل وصفٍ يختلف به الثمنُ ظاهرًا)، هل هما شرط واحد، أو هما شرطان؟
طالب: لا، شرطان؛ الشرط الأول: انضباط صفاته من نوع مثلًا وغيره، صفاته (
…
)، ولا النوع والجنس، النوع والجنس ..
الشيخ: وكل وصف، قال:(وكل وصف يختلف به الثمن).
الطالب: لا، هذه ..
الشيخ: (كل وصف)، وقال بالأول:(انضباط صفاته).
الطالب: لا، هذا ثانٍ من الأول.
الشيخ: هو معلوم أن المؤلف عَدَّهُ ثانيًا، لكن هل نقول: إن عَدَّ المؤلف إياه شرطًا واحدًا فيه نظر، أو هناك فرق؟
الطالب: لا، فيه نظر؛ لأن هذا الثاني كالأول.
الشيخ: الآن مضى عليه سبع مئة سنة ما رأينا أحدًا قال: فيه نظر! !
الطالب: لأن هذا من أول، (وكل وصف)، وهذا كالأول.
الشيخ: كالأول، إذن ففيه نظر! !
طالب: الأول انضباط الصفات المراد بها الكيل والوزن والذَّرْع بحيث إنه تنضبط هذه الصفات من حيث الكيل نفسه والوزن نفسه، لا من وصفه هو من جودة ورداءة ونوعه، فهما وصفان مختلفان.
طالب آخر: الأول في إمكان الضبط (
…
).
الشيخ: أحسنت، في إمكان الضبط، ثم إذا أمكن ضبطه لا بد أن يضبط، ولهذا قال:(انضباط صفاته)، ولم يقل: ضبط صفاته، شوف، لو كان هناك تكرار لقال: ضبط صفاته، فلما قال:(انضباط) يعني إمكان انضباط صفاته، ثم إذا أمكن لا بد من الضبط؛ لأنه ربما يمكن ضبط صفاته لكن عند العقد لا يذكرون الضبط.
هل يصح السَّلَم في الحيوان؟
طالب: يصح السَّلَم في الحيوان عدا الحامل.
الشيخ: عدا الحامل.
الطالب: لأنه لا يمكن أن ينضبط.
الشيخ: إي، لأنه لا يمكن انضباطه، أحسنت، يعني تعذَّر أن توجد الأوصاف مع أوصاف الحمل في مدته وما أشبه ذلك.
قال: أَسْلَمت إليك، وشَرَطُوا أردأ ما يكون؟
طالب: بشرط الأردأ؟
الشيخ: سؤال خاص.
الطالب: بشرط الأردأ؟
الشيخ: أردأ ما يكون.
الطالب: المذهب لا يصح.
الشيخ: أردأ ما يكون، العلة؟
الطالب: قالوا: لأن كل رديء هناك أردأ منه.
الشيخ: ما من رديء إلا ودونه ما هو أردأ.
لو قال: رديء، من النوع الرديء؟
الطالب: يصح.
الشيخ: يصح، أنت ذكرت أنه على المذهب، هل هناك قول ثانٍ؟
الطالب: وهناك قول ثان أنه يُرْجَع في ذلك للعُرف، يُعْرَف الأردأ ما المقصود منه، وقول ثالث أنه إذا شَرَطَه المسْلَم البائع فإنه يصح.
الشيخ: يعني قولان؛ القول الأول: يقولون: الأردأ والأجود معروف عند العامة أنه الرديء، ولا يريدون أردأ ما يكون بحيث تموج فجاج الأرض تطلب الأردأ ولا يخطر ببالك، الثاني: أن يقول: يصح، وإذا جاء بأجود فأنتم تقولون: إنه إذا جاءه بأجود من نوعه لزمه القبول، إي نعم.
هل يصح السَّلَم في المعدود؟
طالب: في المعدود يصح السَّلَم فيه مع التفصيل.
الشيخ: هه؟
الطالب: فيه تفصيل؛ إذا كان المعدود مما يختلف قلنا: لا يصح السَّلَم.
الشيخ: مما يختلف.
الطالب: إذا كان (
…
) مماثلًا فإنه يصح السَّلَم، كما يُصْنَع الآن مثلًا في الصناعات الحديثة، أوانٍ تُصْنَع في الصناعة الحديثة (
…
).
الشيخ: يعني إذا كان لا يختلف إلا اختلافًا يسيرًا فهذا لا بأس به، وإن كان يختلف؟
الطالب: لا يصح السَّلَم.
الشيخ: أَسْلَم إليك بمئة حبة برتقال؟
الطالب: لا يصح السَّلَم.
الشيخ: كيف لا يصح؟ برتقالة يا شيخ؟
الطالب: منه كبير ومنه صغير لا يمكن وصفه.
الشيخ: ولو قيل: وسط؟
الطالب: لو قيل أيضًا.
الشيخ: لو قيل: وسط؟
الطالب: يختلف أيضًا.
الشيخ: يختلف أيضًا، توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم؛ لأنه يختلف، هناك قول آخر أنه يصح ويُقَدَّر بالوزن، بمعنى أنه يصح أن يُسلِم في المعدود المختلِف وزنًا، وبذلك يزول الاختلاف، لكن بشرط مع ذلك أنه إذا كان فيه صغار جدًّا وكبار جدًّا يُذْكَر الوسط، مثلًا وزن مئة كيلو مثلًا من البرتقال من النوع المتوسط في الكبر والصغر.
طالب: الطعم يا شيخ؟
الشيخ: الطعم كل شيء يختلف، حتى لو يختلف ما يضر، ولا يعتبر العلماء هذا خللًا إلا إذا كان فاسدًا، وإذا كان فاسدًا ينفسخ العقد.
رجل أسلم في ثياب مُعَلَّمة، خط أحمر، وخط أسود، وخط أبيض.
طالب: يصح السَّلَم.
الشيخ: يصح، ما فيه اختلاف؟
الطالب: وإن اختلف.
الشيخ: لكن هل يجب ذكر النوع؟
الطالب: نعم.
الشيخ: يجب، إي نعم، المسلَم إليه أتى بالمسلَم فيه قبل حلوله؟
طالب: المذهب أنه يلزمه قبضه إن لم يكن فيه ضرر على المسلِم.
الشيخ: نعم.
الطالب: والصحيح أنه لا يلزمه القبض؛ لأنه قد يكون في ضرر في المستقبل عليه، فلا يقبله.
الشيخ: بَيِّن لي ما فيه ضرر.
الطالب: المنة يا شيخ، قد يَمُنّ عليه في المجالس، أو يَمُنّ عليه أمام ..
الشيخ: هذه واحدة، وغير، إذا قدَّرْنَا رجلًا طيبًا ولا يمكن يَمُنّ عليه ولا شيء؟
طالب: طلب السوق، ربما سَلَّمَه بضاعته في وقت ليس لها رواج، كأن يكون أسلم إليه في تمر إلى رمضان، ثم يأتيه به قبل رمضان وليس هناك سوق رائجة للتمر.
الشيخ: أحسنت.
الطالب: وربما هناك الضرر (
…
).
الشيخ: مثال ثالث.
طالب: شيخ، مثلًا لو كان في البلاد حين جاء المسلِم إليه خوف، فله أن يَرُدَّه على أنه ليس هناك أمن، فحينئذ له عدم الأخذ إلى أن يحين الأجل الذي اتفقَا عليه.
الشيخ: تمام، أما القول الراجح فإنه لا يلزمه، لكن لا شك أنه يُنْدَب لذلك ويُسْتَحَبّ له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«رَحِمَ اللهُ امْرَءًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا قَضَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى» (16)، والإنسان يحب أن يتعرَّض لرحمة الله عز وجل، فالذي ينبغي أن يقبل منه ذلك.
لو قال المسلَم إليه: أنا أُقَدِّم لك هذا، لكن أشترط عليك أن تُنَزِّل عني، يعني مئة صاع تحلُّ مثلًا في رمضان أنا بأعطيك تسعين صاعًا اليوم في جمادى؟
طالب: يصح.
الشيخ: يلزمه القبول؟ أنت فاهم الصورة الآن؟ يلزم المسلِم القبول؟
الطالب: لا يلزمه.
الشيخ: أين تدخل في كلام المؤلف؟
طالب: ولا ضرر عليه.
الشيخ: (ولا ضررَ في قبضه)، هذا صحيح؛ لأن فيه ضررًا.
لو طلب المسلِم من المسلَم إليه أن يبادر بالقبض قبل حلوله ويُنَزِّل له؟
طالب: من حيث الرضا بين الطرفين هذا يحق له.
الشيخ: لا، الرضا هذا شيء ثانٍ.
الطالب: ما له حق حتى يتم الأجل.
الشيخ: كيف؟
الطالب: حتى يتم الأجل اللي بينهم.
الشيخ: لو قال: أنا بأنزِّل لك، أعطني نصف حقي.
الطالب: إن رضي المسلِم اللي عليه الحق.
الشيخ: لا، ما هو براضٍ.
الطالب: ما له حق في (
…
).
الشيخ: ما يُلْزَم يعني؟
الطالب: ما يلزم.
الشيخ: إي.
طالب: قد تكون من «ضَعْ وَتَعَجَّلْ» .
الشيخ: نعم، نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغرماء جابر: «ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا» (17)، لكن هذا على سبيل المشورة والإرشاد، فيقال: ينبغي لك أن تضع وتتعجل؛ لأن هذا من حسن القضاء بالنسبة لذاك، ومن حسن الاقتضاء بالنسبة للمسلِم، فيؤمَر بهذا ولكنه لا يُلزم.
رجل أسلم لشخص بألف فنجال شاهي، يعني أعطاه مثلًا مئة ريال بألف فنجال شاهي؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لا يصح؟ لماذا؟
الطالب: قال المؤلف: (
…
).
الشيخ: معلوم الفناجيل ما هي بتتكال.
الطالب: قال المؤلف: (بقدره بكيل أو وزن).
الشيخ: هذا قدر.
الطالب: إي، لكن غير معدود.
الشيخ: معدود.
الطالب: إذا فُقد فنجان.
الشيخ: لا، ما هو فنجال معيَّن، فنجال يشتريه لكن فيما بعد.
طالب: الصورة مرة ثانية؟
الشيخ: الصورة: أعطيت هذا الرجل ألف ريال لأربعة آلاف فنجال شاهي تحل في رمضان، ترى ما هو بشاهي يشرب، فنجال خالٍ.
الطالب: إن كان بالتساوي وكانت صفتها منضبطة ..
الشيخ: فنجال شاهي بَيِّنْه، قال من وارد (
…
).
الطالب: منضبط.
الشيخ: ينضبط.
الطالب: إن ضبطت صفاته فتصح.
الشيخ: تصح؟ ويش تقولون؟
طلبة: نعم.
الشيخ: هل هي داخلة في كلام المؤلف؟
طالب: لا، على الأواني (
…
) (والأواني المختلفةِ)، المفهوم أنها لو متساوية.
الشيخ: إي نعم، (
…
).
الأواني المختلفة، في الصناعة الجديدة، قال لك مثلًا: أسلمتُ إليك مثلًا مئة ريال بمئة إبريق من الأنواع المعروفة، عيَّن النوع وعيَّن كل شيء؟
طالب: يصح.
الشيخ: أيهما أوسع، باطن الإبريق ولّا أعلاه؟
الطالب: باطنه أوسع، ولكنه منضبط من الأصل.
الشيخ: أسألك بس قل: أعلاه ولّا .. ، أيهما أوسع؟
الطالب: باطنه.
الشيخ: باطنه أوسع من أعلاه.
طالب: أو وسطه.
الشيخ: وكذلك أيضًا أسفله؟
طالب: أسفله ضيق.
الشيخ: إذن هو ضيق من أعلى ومن أسفل.
(باب القرض)
وهو مَندوبٌ، وما يَصِحُّ بيعُه صَحَّ قَرْضُه إلا بَنِي آدَمَ، ويَمْلِكُ بقَبْضِه فلا يَلْزَمُ ردُّ عينِه ، بل يَثْبُتُ بدَلُه في ذِمَّتِه حالًا، ولو أَجَّلَه، فإن رَدَّه الْمُقْتَرِضُ لَزِمَ قَبولُه وإن كانت مُكَسَّرَةً أو فُلُوسًا فمَنَعَ السلطانُ المعامَلَةَ بها ، فله القِيمةُ وقتَ القَرْضِ، ويُرَدُّ الْمِثْلُ في الْمِثْلِيَّاتِ والْقِيمَةُ في غيرِها، فإن أُعْوِزَ الْمِثْلُ فالقيمةُ إِذَنْ.
و(يَحْرُمُ) كلُّ شَرْطٍ جَرَّ نَفْعًا،
أسلمت إليك مثلًا مئة ريال بمئة إبريق من الأنواع المعروفة، عيَّن النوع وعيَّن كل شيء؟
طالب: يصح.
الشيخ: أيهما أوسع، بطن الإبريق ولَّا أعلاه؟
الطالب: بطنه أوسع، ولكنه منضبط من الأصل.
الشيخ: أسألك، قل: أعلاه ولَّا بطنه، أيهما أوسع؟
الطالب: باطنه أوسع من أعلاه.
الشيخ: باطنه أوسع من أعلاه.
طالب: وسطه.
الشيخ: وكذلك أيضًا أسفله.
طالب: أسفله ضيق.
الشيخ: إذن هو ضيق من أعلى ومن أسفل.
الطالب: ولكنه صفته منضبطة؛ يعني: تأتي على واحد ما هو مختلف.
الشيخ: إي، هل يدخل في كلام المؤلف؟
الطالب: يؤخذ من مفهومه.
الشيخ: كيف؟ هو قال: الأسطال (المختلفةِ الرؤوسِ والأوساطِ).
الطالب: نعم، الآن اتحدت الرؤوس والأسطال.
الشيخ: ما اتحدت؛ الرأس ضيق والأسفل ضيق والبطن وسيع.
الطالب: لكن صفاتها منضبطة يا شيخ.
الشيخ: كيف نجيب عن كلام المؤلف؟ لأن مقتضى كلام المؤلف أن هذا لا يجوز؟
الطالب: فيه في الزمن الماضي تختلف، السلعات لما كانوا يبيعون كانت تختلف (
…
).
الشيخ: لا يمكن انضباطها.
الطالب: نعم.
الشيخ: أما الآن؟
الطالب: سهل انضباطها.
الشيخ: انضباطها نعم ممكن، صحيح، أحسنت.
يقول المؤلف: (ما خِلطُه غير مقصود فإنه لا يضر السلم فيه كالجبن)، ويش اللي في الجبن مخلوط؟
طالب: الحليب وغيره.
الشيخ: وغيره ويش هو؟
الطالب: ما يتكون منه الجبن.
الشيخ: إي؛ لأنه حليب وما يتكون من الجبن! ما يسري هذا مضبوطًا.
الطالب: لا يا شيخ، لأن هذا ما يضر يا شيخ.
الشيخ: إي نعم، ما يضر، لكن ويش اللي في الجبن من الخِلط؟
طالب: (
…
).
طالب: ينفحها، فهي مخلوطة بالجبن ولكنها غير (
…
).
الشيخ: ويش ينفح هذه؟
الطالب: المنفحة هذه (
…
) بطن الرضيع الصغير من الغنم، الجدي، هذه (
…
) حامضة يمكن تدخل في الجبن تحمضه.
الشيخ: لا، ما هو صحيح، ما هي تحمضه.
الطالب: هذه المنفحة أخذت بعد الرضيع إذا رضع أول مرة مباشرة، وجدت معدته يجبن اللبن، هذه لا يضره (
…
).
الشيخ: لأنها يسيرة وغير مقصودة، نعم، يتجبن. (
…
)
يقول المؤلف: (من شروط السلم أن يكون له أجل معلوم له وَقُعٌ في الثمن)، فما هو الدليل على اشتراط الأجل المعلوم؟
طالب: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» (1).
الشيخ: وما هو التعليل؟
الطالب: التعليل حتى لا يقع غرره (
…
) منازعة عند البائع.
الشيخ: لأنه إن لم يذكر أجل صار حالًّا، والحالُّ ليس سلمًا، وإن ذُكِرَ أجل مجهول أدى إلى النزاع والغرر.
(له وقع في الثمن)، ما هو الدليل على هذا الشرط؛ لأن معنى (له وقع في الثمن) يعني: له تأثير، بحيث تكون المدة طويلة يتغير بها السعر غالبًا؟
طالب: لأن الحكمة من السلم أن يرتفق أو يستفيد المسلم برخص الثمن، فلولا أن الأجل يكون له إضافة في الثمن لم يستفد هذه الفائدة.
الشيخ: نعم، لأنه يفوت به مقصود السلم؛ إذ إن المقصود من السلم هو ارتفاق كل من المسلِم والمسلَم إليه، فالمسلِم يرتفق بكثرة المسلَم فيه، وذاك يرتفق بتعجيل الثمن، فإذا لم يكن له وقع في الثمن صار عديم الفائدة.
رجل أسلم في شيء إلى الحصاد؟
طالب: (
…
) إلى وقت الحصاد.
الشيخ: حتى على ما مشى عليه المؤلف؟
الطالب: لا، المؤلف يقول: إنه لا يصح.
الشيخ: لا يصح (
…
) الحصاد والجذاذ. والقول الراجح؟
الطالب: القول الراجح أنه يصح إذا كان يقصد في وقت الحصاد، أي إلى وقت الحصاد.
الشيخ: أليس حصد الناس يختلف، بعضهم يحصد في أول الشهر وبعضهم في آخره؟
الطالب: بلى.
الشيخ: طيب، إذن لم يكن معلومًا.
طالب: إذا حلَّ وقت الحصاد فهو بداية الوقت.
الشيخ: كيف حلَّ؟
الطالب: يعني إذا بدأ.
الشيخ: يعني: نعتبر عامة الناس؟
الطالب: نعم.
الشيخ: نعم، يُعتبر في هذا عامة الناس، لا المبكِّر ولا المتأخر، فإذا قيل: هذا وقت الحصاد حلَّ، واليوم واليومان أمرهما سهل.
يقول المؤلف: (ولا إلى يومٍ إلا في شيءٍ يَأْخُذُهُ منه كلَّ يوم)، أيش معنى العبارة؟
طالب: يعني: لا يصح إذا كانت هناك مدة.
الشيخ: فيه مدة، لا بد من المدة، أجل معلوم له وقع في الثمن.
الطالب: لكن يقول: في من نفس اليوم.
الشيخ: يعني لو قال: أسلمت لك ألف ريال بمئة صاع اليوم السبت تحلُّ يوم الاثنين؟ يصح ولَّا لا يصح؟
الطالب: لا يصح.
الشيخ: إذن ما معنى قوله: (إلا في شيء يأخذه منه كل يوم)؟
الطالب: يعني: في نفس اليوم، إن كان في يوم السبت يأخذه يوم السبت حيث لا يكون هناك أجل.
الشيخ: لا، إذا لم يكن أجل ما صار سلمًا.
الطالب: يعني: لا يُعتبر يا شيخ الأجل، بل العرف.
طالب: مثلًا إذا قال واحد للآخر أسلمت لك مئة ريال إلى يوم يأخذ منك لحمًا كل يوم إلى الشهور إلى انتهاء سلفه، ويأخذ كل يوم كيلو ..
الشيخ: يعني مثلًا أسلمت لك مئة ريال بألف كيلو لحم، كل يوم كيلو، نبدأ من اليوم، يصح ولَّا لا يصح؟
الطالب: يصح.
الشيخ: ويش تقولون يا جماعة؟
طلبة: يصح نعم.
الشيخ: هذا معنى قوله: (إلا في شيء يأخذه كلَّ يوم).
هل يسلم الدراهم القيمة ولَّا لا؟
طالب: لا، يسلم ..
الشيخ: لو اتفق وإياه على أنه يعطيه ألف كيلو لحم بمئة ريال كل يوم يأخذ كيلو، ولكن ما سلمه فلوسًا.
الطالب: لا، لا بد أن يسلم قبل التفرق.
الشيخ: إي، يعني: لا يصح على هذا.
الطالب: نعم.
الشيخ: حتى يسلم؟
الطالب: نعم.
الشيخ: توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، صحَّ؛ لأن السلم لا بد فيه من أن يقبض الثمن تامًّا.
طالب: لكن يجوز في غير السلم؟
الشيخ: لا، ما يجوز؛ وذلك لأنه إذا لم يكن سلمًا صار بيانًا حاضرًا، وإذا كان بيانًا حاضرًا فلا بد من أن تُقَدَّر قيمته في وقت الأخذ، فمثلًا يقول: ما فيه مانع لكني أقيد عليك الكيلو من اللحم كل يوم بيومه، ما أعطيك ألف كيلو بمئة ريال نقدًا يعني قطعًا، لا، كل يوم تأخذ كيلو نقيده، يساوي اليوم الكيلو ريال واليوم الثاني يساوي مثلًا عشرة، ويختلف.
إذا أسلم إليه مئة ريال بمئة صاع بُر إلى خمسة أشهر لكنه لم يُسَلِّمُه عند العقد إلا خمسين ريالًا؟
الطالب: لا يصح.
الشيخ: كل العقد ما يصح؟
الطالب: لا يصح في الخمسين.
الشيخ: نعم، يصح في الخمسين ولا يصح في الباقي. لماذا؟
الطالب: لأنه لا بد أن يكون الثمن مقبوضًا قبل التفرق.
الشيخ: لأنه يُشترط أن يكون عوض السلم مقبوضًا قبل التفرق، فإن قبض البعض دون البعض صح في المقبوض دون ما لم يُقبض، وهذا يُسمَّى عند العلماء تفريق الصفقة، صفقة واحدة قلنا: بعضها يصح وبعضها لا يصح؛ لأن الذي صحَّ وُجد فيه شرط الصحة، والثاني لا.
ما معنى قول المؤلف: (أن يوجد غالبًا في محله)؟
طالب: مثاله يعني
…
الشيخ: ما أريد المثال، ما معناه؟
الطالب: لأن (
…
) نفس الوقت، يعني: نفس الأجل الذي
…
الشيخ: إي نعم، يعني أيش؟ اشرح لي.
الطالب: يعني أسلم في ثلاثة أشهر (
…
) لا يصح.
الشيخ: يعني: لو أسلم إليه في عنب يحلُّ وقت الشتاء فإنه لا يصح، لماذا؟ لأن العنب وقت الشتاء لا يوجد، ونحن نشترط أن يوجد غالبًا في محله ومكان الوفاء.
هل يُشترط أن يوجد في وقت العقد؟
الطالب: لا يُشترط.
الشيخ: ليش؟
الطالب: لأنه قد (
…
).
الشيخ: إذا كان يجب، لماذا لا يُشرَط وقت العقد؟
الطالب: لأن هذا سلم.
الشيخ: إي؛ لأنه لا يجب تسليمه الآن، فالمهم أن يوجد عند تسليمه وذلك عند الوفاء عند حلول الأجل.
ما معنى قول المؤلف: (وإن أسلم في جنس إلى أجلين أو عكسه -يعني: فَعلَ عكسه- صح إن بيَّن كل جنس وثمنه وقسط كل أجل)؟
طالب: يعني أنه أسلم
…
الشيخ: المسألة الأولى، إذا أسلم في جنس إلى أجلين.
الطالب: أسلم في جنس إلى الأجلين، يعني: أسلم ألف ريال إلى المسلَم إليه في بر تحل ..
الشيخ: بمئة صاع بر.
الطالب: بمئة صاع بُر تحل بعد ستة أشهر، ومئة صاع شعير تحل بعد سبعة أشهر.
الشيخ: لا، في جنس.
الطالب: في بُرٍّ إذا كان ..
الشيخ: نحن قلنا: المسألة الأولى في جنس إلى الأجلين.
الطالب: إي نعم. تحل بمئة صاع بر.
الشيخ: أسلم إليه ألف ريال بمئة صاع بر.
الطالب: بمئة صاع بر يحل الأول في رجب والآخر يحل في شعبان.
الشيخ: ويش اللي يحل في رجب؟
الطالب: يعطيه القسط الأول في رجب والثاني في شعبان.
الشيخ: كم؟
الطالب: يعطيه مثلًا خمس مئة في رجب وخمس مئة في شعبان، أو سبع مئة في رجب وثلاث مئة في شعبان.
الشيخ: أو اللي يبغيه؟
الطالب: لا، لا بد يُتفق عليه، لا بد يتفق على أجل الدفع لا بد أن يكون معلومًا.
الشيخ: من أين تأخذ أنه لا بد أن يكون لكل أجل قسط معلوم؟
الطالب: من قوله: (إن أسلم في جنس إلى أجلين)، هذا جنس.
الشيخ: هذه المسألة.
الطالب: أيوه.
الشيخ: لكن اشتراط أنه يبين قسط كل أجل، منين تأخذه؟
الطالب: بشرط أن يبيِّن ..
الشيخ: إي، لكن أنا ما أريد دليلًا، الدليل واضح. لكن من أين نأخذها من كلام المؤلف؟
الطالب: من قوله: (أو عكسه)، من: (إن أسلم في جنسين في
…
).
طالب آخر: من قوله: (صحَّ إن بيَّن كل جنس وثمنه وقسط كل أجل).
الشيخ: نعم، أُلْقِي إلى أحد الطلبة سؤال، فقيل له: ما حكم الالتفات في الصلاة؟ فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف:(فصل، يكره في الصلاة التفاته ورفع بصره إلى السماء وتغميض عينيه وتخصره وإقعاؤه)، وسرد عدة مكروهات، ثم قال للمدرس: خذ ما شئت ودع ما شئت، فهو أنت الآن جئت بكم عبارة.
الطالب: من قوله: (وقسط كل أجل).
الشيخ: نعم، من قوله:(وقسط كل أجل) أحسنت، هذا أسلم في جنس واحد إلى أجلين، نقول: لا مانع، أسلم إليه ألف ريال بمئة صاع بُرٍّ يحل بعضها في شعبان وبعضها في شوال، ما فيه مانع، لكن بيّن البعض، قال: يحل خمسون في شعبان، وخمسون في شوال، الجواب؟
الطالب: يصح.
الشيخ: صحَّ، مأخوذ من قوله:(قسط كل أجل)، ولا بد من التبيين؛ لأنه لو لم يبين صار مجهولًا وأدى إلى النزاع والفوضى.
عكسه ما هو؟
طالب: أن يسلم في جنسين إلى أجل واحد.
الشيخ: نعم، أن يسلم في جنسين إلى أجل واحد. مثاله؟
الطالب: مثاله: أن يسلم في بُرٍّ وتمر إلى مثلًا إلى شعبان.
الشيخ: نعم.
الطالب: ويحدد جنس القدر والصفة، باقي الشروط.
الشيخ: ما يكفي هذا.
الطالب: فيكون بقدر معلوم (
…
).
الشيخ: يعني: أعطاه مثلًا مئة ريال من مئة صاع تمر وبُر تحل في شعبان، هنا المسلَم فيه جنسان، والأجل واحد. ما الواجب هنا؟
الطالب: يبيِّن ثمن كل جنس.
الشيخ: يبيِّن أولًا مقدار كل جنس.
الطالب: نعم، المقدار والثمن.
الشيخ: عندنا مئة صاع، يبين المقدار.
الطالب: هو أسلم بكم؟ مئة ريال، خمسون ريالًا في بر وخمسون ريالًا في التمر.
الشيخ: لا، يبين كل جنس.
الطالب: خمسون صاعًا في التمر ومئة صاع في البر.
الشيخ: خمسون صاعًا من التمر وخمسون صاعًا من البر. الآن بيّن جنس.
الطالب: نعم.
الشيخ: ولا بد يبين ثمنه؟
الطالب: نعم، ثمن (
…
).
الشيخ: فيقول؟
الطالب: يقول مثلًا: خمسة وسبعون للتمر وخمسة وعشرون للبر.
الشيخ: صحيح يا جماعة؟
طلبة: نعم.
الشيخ: صحيح، وإنما احتجنا إلى بيان قِسْط كل جنس من الثمن لئلَّا يتعذر تسليمه فيما بعد فيقع النزاع.
طالب: قِسط كل أجل (
…
).
الشيخ: هذه في الأولى فقط، قسط كل أجل بأن يقول مثلًا: أسلمت إليك ألف ريال بمئة صاع بر يحل بعضها في شعبان وبعضها في شوال. الآن لازم يبين البعض اللي يحل في شعبان والبعض الذي يحل في رمضان، قسط كل أجل، الأجل الأول قسطه خمسون والثاني قسطه خمسون.
طالب: خمسون (
…
) المقدار.
الشيخ: إي، المقدار.
رجلان عقَدا سَلمًا في الطائرة، أين يكون الوفاء؟
طالب: لا بد أن يشترطا موضع الوفاء.
الشيخ: ما هو بالوفاء يقولون: إنه يجب في موضع العقد؟
الطالب: لا، هنا يتعذر التسليم في موضع العقد.
الشيخ: يُتعذر التسليم. إذن لا بد أن يُذكر موضع التسليم، فيقال: تُسلَّم في المكان الفلاني؛ لتعذر التسليم في موضع العقد. إذا كان موضع العقد لا يتعذر فيه التسليم وتنازعا، يعني مثلًا رجلان أحدهما من مكة والثاني من المدينة وعقدا السّلم في الرياض وهما زائران في الرياض، ثم رجع كل منهما إلى بلده فقال المسلِم -وهو من أهل مكة- للمسلَم إليه -وهو من أهل المدينة-: أريد أن تقضيني في مكة. وقال المدني: لا أَقضيك إلا في المدينة؟
الطالب: يكون التسليم في المدينة؛ لأنه عند الإطلاق ننصرف إلى مكان المسلِم.
الشيخ: إي، الآن هما عقدا في الرياض، ليست مدينة المسلِم ولا المسلَم إليه؟
الطالب: القول قول البائع.
الشيخ: اللي هو المسلَم إليه.
الطالب: إي نعم، المسلَم إليه.
الشيخ: يعني معناه نقول للمكي: اذهب إلى المدينة واقبض سلمك؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ما الذي يقتضيه ظاهر الحال، أنت لو وقعت عندك هذه ما الذي يقتضيه ظاهر الحال، أن يُسلَّم في بلد المسلِم أو المسلَم إليه.
الطالب: لا، المسلِم يا شيخ.
الشيخ: المسلِم. إذن يقول المكي للمدني: أحضره إلى مكة.
الطالب: هذا ظاهر الـ
…
الشيخ: صحيح، هذا هو الظاهر إلا إذا شرط، إذا شرط المدني وقال: لا أنقله إليك، فحينئذ يؤخذ به، وإلا فإن الواجب أن البائع يسلِّم المبيع إلى المشتري.
طالب: شيخ، المسألة هذه، المؤلف يقول:(ويجب الوفاء موضع العقد) العقد عُقد في الرياض؟
الشيخ: نعم، لكن من المعلوم للجميع أنهما لا يريدان هذا، جاءا مثلًا لحضور مؤتمر أو ندوة أو محاضرة، كل جهة لا يريد الوفاء.
طالب: نحن ما قلنا (
…
).
الشيخ: طيب، أسلمت إلى زيد ألف ريال بمئة صاع من البر، وحل الأجل، فجاءني عمرو وقال: بع عليَّ ما أسلمتَ فيه على زيد؟
طالب: على كلام المؤلف: لا يجوز، قال:(ولا يجوز بيع المسلَم فيه قبل قبضه)، وعلى الصحيح قلنا: يجوز.
الشيخ: قلنا: يجوز على الإطلاق؟
الطالب: نعم، يجوز بشرط ألا يزيد في البيع.
الشيخ: هه؟
الطالب: ألا يربح عليه بشيء.
الشيخ: هذا إذا باعه على المسلَم إليه، لكن إذا باعه على واحد آخر، ما هو على المسلَم إليه؟
الطالب: على الآخر يجوز.
الشيخ: أسلمت إليك مئة ريال بمئة صاع بر.
الطالب: يجوز.
الشيخ: لما حلَّ الأجل أردت أن أبيعه على سمير؟
الطالب: يجوز.
الشيخ: يجوز؟
الطالب: على الصحيح.
الشيخ: وعلى الفاسد؟
الطالب: على قول المؤلف لا يجوز.
الشيخ: طيب، توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
طالب: إذا رضي المسلَم إليه يجوز.
الشيخ: نعم، المسلَم إليه ما عليه، سواء بعته أو لم تبعه ما يهم، أنا بأسلم على كل حال.
طالب: على قول المصنف: لا يجوز، وعلى الصحيح: يجوز أن يبيع على المسلَم إليه ولا (
…
).
الشيخ: إي نعم، صحيح؛ لأنه غير مقدور على (
…
) وليس هذا شيئًا معينًا. إذن لو باعه على المسلَم إليه بزيادة، يعني: هو اشتراه مئة صاع بألف ريال وباعه على المسلَم إليه بألف ومئة؟
طالب: لا يصح؛ لأنه ربح فيما لم يَضْمن.
الشيخ: صحيح، لا يصح؛ لأنه ربح فيما لم يضمن.
إنسان لمَّا حل الأجل؛ أجل السلم، قال لصاحبه: إني قد اشتريت من فلان مئة صاع بر سلمًا وأنت في حاجة الآن وقد وهبتُك إياها، وهبتك هذه المئة صاع. فماذا تقول؛ أيجوز أو لا؟
طالب: على كلام المؤلف: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، واستدل بأيش؟
الطالب: استدل بأنه لا يجوز بيعه.
الشيخ: لا، هذا حكمه.
الطالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه (2) (
…
) على تسليمه.
الشيخ: لا، حظه الآن، هذا ليس ببيع أيضًا، هذا هبة.
طالب: احتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ» (3).
الشيخ: الدليل ما يُذكر عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ» . هل هناك قول آخر؟
طالب: الهبة تجوز؛ لأنه لا يجب عليه تسليمه.
الشيخ: أيش؟
الطالب: تصح، يعني: الهبة في المسلم.
الشيخ: تصح. طيب، والحديث الذي ذكره زميلك؟
الطالب: هذا إسناده ضعيف.
الشيخ: طيب، إذن لا حجة فيه، وتبقى الهبة على الأصل ويقال: إنه تجوز هبته؛ لأن الموهوب له إما سالم وإما غانم، ما عليه ضرر؛ إن حصل له ذلك فهذا المطلوب وإن لم يحصل فلا ضرر عليه.
ما معنى قوله: (ولا الحوالة به)؟
طالب: يعني: يجوز له ما يجوز (
…
).
الشيخ: لا تجوز الحوالة به.
الطالب: لا تجوز الحوالة بالمسلَم فيه.
الشيخ: مثاله؟
الطالب: مثاله: مثلًا إذا أسلمت إلي مثلًا مئة ريال بمئة صاع، فلا يصح أن ترسل شخصًا تقول: يعني حولت لك بالمئة صاع التي يحتاجها عبد الله عوض.
الشيخ: لا، خطأ. الحوالة به؟
الطالب: مثل ما تقول مثلًا: بأني حولت لك بهذا الصاع.
الشيخ: كيف ما تقول؟ هات المثال مرة ثانية.
الطالب: يعني مثلًا إذا أسلمتني مئة ريال بمئة صاع من البر، فمثلًا يعني ..
الشيخ: حل الأجل الآن.
الطالب: حل الأجل، فأنت مثلًا ما يصح أنك ترسل شخصًا تقول: ..
الشيخ: اقبض من عبد الله.
الطالب: ما تقول مثلًا: يعني أنا حولت لك بهذا التمر الذي مثلًا عند عبد الله.
الشيخ: أحلتك على عبد الله بالتمر اللي عنده، ما يجوز؟
الطالب: إي.
الشيخ: ما هي هذه الصورة. الحوالة به؟
طالب: الحوالة به في هذا المثال أن يكون المسلِم، أن يُحيل المسلِم من يطلبه بدين في هذا المسلَم فيه، أن يُحيل المسلِم المسلَم إليه على غيره، يعني بأن يكون المسلَم إليه له دين عند آخر بنفس القيمة؛ مئة صاع، فيحل الأجل فيقول للمسلِم: خذ المئة صاع من فلان الذي أطلبه بنفس المئة صاع.
الشيخ: يعني الأخ اللي ذهب إلى عبد الله بن عوض الآن كيف يقول؟
الطالب: الأخ عبد الله عوض يحيل المسلِم إلى مثلًا الأخ سعد لأنه يطلبه بمئة صاع يأخذها منه.
الشيخ: المهم أن عبد الله بن عوض أنا أسلمت إليه مثلًا ألف ريال مئة صاع، ولما حلَّ الأجل قال: إن الأخ سعدًا عنده لي مئة صاع بُر وأحلتك إلى المسلَم فيه على الأخ سعد؛ هذا معنى قوله: (ولا الحوالة به).
ما معنى قوله: (ولا الحوالة عليه)؟
طالب: أن يكون المسلِم أخذ مئة صاع.
الشيخ: أسلم إلى زيد ألف ريال بمئة صاع بُر تحل بشعبان.
الطالب: فلما حل الأجل أحال إليه إلى المسلِم أن يأخذه إلى المسلَم إليه أن (
…
).
الشيخ: يعني: المسلِم كان مطلوبًا مئة صاع، فقال للطالب: يا فلان، إنه قد حلَّ أجل السلم الذي على فلان، فأنا أحيلك بدينك الذي عليَّ على المسلَم إليه. هذا أيضًا لا يصح، العلة؟
طالب: الحديث الذي ذكره الأخ قبل قليل: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ» (3).
الشيخ: الحديث المذكور: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ» .
وما هو القول الراجح في هذه المسألة؟
طالب: أنها تصح الحوالة بدين السلم والحوالة على دين السلم.
الشيخ: نعم، الصحيح أن الحوالة به أو عليه صحيحة؛ لأن الحديث غير صحيح ولأنه لا محذور في ذلك، ما فيه محذور لا ظلم ولا ربا، فيبقى على الأصل.
طيب، (لا يصحُّ الرهن به)؟
طالب: لا يصح أن يأخذ المسلِم رهنًا للمسلَم إليه، بأن يقول لا أُسلم إليك إلا أن ترهنه فلانًا.
الشيخ: يعني: مثلًا يقول: أنا ما عندي مانع أني أُسلم إليك دراهم بطعام إلى أجل، لكن أعطني رهنًا. يصح ولَّا ما يصح؟
الطالب: المذهب ما يصح.
الشيخ: على كلام المؤلف: لا يصح. لماذا؟
الطالب: لأنه لو تعذر الوفاء لم تمكن مطالبة الرهن أو (
…
).
الشيخ: يقول: لأنه لو تعذر الوفاء رجع إلى الرهن، وحينئذ يكون صرفه إلى غيره. وبناء على أن الحديث ضعيف؟
الطالب: فإنه يصح.
الشيخ: يصح الرهن.
(ولا الكفيل به) ما معناه؟
طالب: (ولا الكفيل به)؟
الشيخ: نعم، لا يصح أن يكون فيه الكفيل؛ في السلم.
الطالب: (
…
).
الشيخ: لا، ما فيه رهن، كفيل.
الطالب: (
…
) في هذا السلم مثلًا.
الشيخ: لا، ما فيه رهن، كفيل.
طالب: كأن يقول المسلِم للمسلَم إليه: مَن كفيلك؟ فيقول: كفيلي فلان إن عجزت، فيقول المؤلف: لا يصح؛ والعلة لأنه إن عجز تحوَّل المسلَم فيه إلى غيره وهو الكفيل؛ هذا المذهب.
الشيخ: الكفيل معناه جاءني رجل قال: أن أريد أن تُسْلِم إلي دراهم لأني في حاجة. كم تريد؟ قال: أريد ألف ريال بمئة صاع إلى شعبان. فقلت له: أنا لا أعرفك، هات كفيلًا يكفلك. فجاء إليَّ بكفيل، فالمؤلف يقول: إنه لا يصح؛ لأن صاحب الحق إذا لم يوفي المسلَم إليه استوفى من الكفيل فصرفه إلى غيره، وهذا لا يصح. والصواب: أنه يصح بناء على أن الحديث ضعيف، وأن دين السلم لا يختلف عن غيره في كل شيء، لا يختلف، يجوز أخذ عوضه ويجوز بيعه على مَنْ هو عليه بشرط ألا يربح وبشرط التقابض فيما يشترط فيه التقابض، المهم أن دين السلم كغيره لأنه داخل في عموم الأدلة؛ الديون:{إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]؛ ولهذا في حديث ابن عباس: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ» (3) إلى آخره، ما فيه شروط ولا فيه قيود، والتضييق على الناس في السلم -مع أن السلم إنما شرع للإرفاق والتوسعة- يجعل هذا السلم الذي شُرِع للإرفاق والتوسعة ضيقًا، وهذا لا ينبغي.
طالب: شيخ، بارك الله فيكم، في المسألة التي قرأتموها بالنسبة للرجل الذي أسلم، يعني المسلِم والمسلَم إليه كلاهما كل (
…
)، أسلما في غير بلديهما، يعني: العقد في غير بلديهما، قلتم: قد يكون ليس مراد المكان كأن يأتيا مثلًا للبر أو شيء. فيا شيخ ما تبين لي، المؤلف يقول:(يُسْلِم في موقع العقد)، فإذا كان تعذر فلا بد أن يشترطاه، يعني: إذا كان مثلًا هذا الموضع -موضع العقد- متعذرًا، كأن يكون في طائرة أو في سفينة.
الشيخ: لا، ما هو متعذر، في طائرة أو في سفينة صحيح.
الطالب: الرياض يُلحق بالمتعذر مع أنه
…
الشيخ: لا، غير متعذر.
الطالب: إذن ما دام غير متعذر إذن (
…
).