الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: من الذي جعلك تحنث؟ من ألجأك إلى اليمين؟ قال: والله أنا جيت جائع، قلت: ما يسد نهمتي إلا هذا الخبز كله، فحلفت: والله لآكله، وأكل بعضه وخلاص ما يقدر يأكل. عليه يمين؟ عليه حنث ولَّا لا؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: عليه حنث. فإذا حلف على الشيء فإنه لا يبر حتى يفعل جميعه.
[باب التأويل في الحلف]
ثم قال المؤلف: (باب التأويل في الحلف). (ومعناه أن يُريدَ بلفظٍ ما يخالفُ ظاهرَه).
التأويل في الحلف هو التحريف في النصوص؛ لأن الذين يحرفون النصوص يؤولونها إلى ما يخالف الظاهر.
التأويل في الحلف: أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره؛ هذا التأويل، مثاله:(إذا حَلَفَ وتأوَّلَ يمينَه نفعَه، إلا أن يكونَ ظالمًا).
هنا نسأل، يعني نبحث في الموضوع: التأويل هل هو جائز أو مُحرَّم؟
في هذا تفصيل؛ إن كان الإنسان مظلومًا فالتأويل جائز، وقد يكون واجبًا. وإن كان ظالمًا فالتأويل حرام، وقد يكون من الكبائر، وإن لم يكن ظالمًا ولا مظلومًا، فلا شك أن تركه أولى، ولكن هل يجوز أو لا يجوز؟ فيه خلاف.
فالأقسام إذن؟ كم من الأقسام في التأويل؟
طالب: ثلاثة.
الشيخ: ثلاثة، ما هي؟
الطالب: سهيت.
الشيخ: سهيت ولَّا سهوت، ولَّا لهيت ولَّا لهوت، اللهم اهدنا فيمن هديت.
طالب: (
…
).
الشيخ: ما أسأل عن الحكم، أعطنا الأقسام.
الطالب: ظالمًا أو مظلومًا أو ..
الشيخ: إما أن يكون ظالمًا، أو مظلومًا، أو لا ظالمًا ولا مظلومًا. كم الأقسام؟ ثلاثة.
إن كان ظالمًا فالتأويل حرام، وقد يكون من الكبائر، وإن كان مظلومًا فالتأويل جائز، وقد يكون مستحبًّا، وقد يكون واجبًا. وإن لم يكن هذا ولا هذا، لا ظالمًا ولا مظلومًا، فقد اختلف العلماء رحمهم الله بعد اتفاقهم أن الأولى تركه: هل يجوز أو لا يجوز؟ اختار شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا يجوز، والمشهور أنه جائز على المذهب؛ ولهذا قال:(نفعه إلا أن يكون ظالمًا)، ويأتي إن شاء الله بقية الحديث عنه.
طالب: بناءً على ما اخترناه من أن طلاق الحائض لا يقع، فإذا علَّق الطلاق على شرط، وحصل الشرط والمرأة حائض، هل يقع الطلاق؟
الشيخ: لا يقع. يقول: إذا قلنا بالقول الراجح أن الطلاق في الحيض غير واضح، فصادف أن الشرط وقع في الحيض، هل يقع الطلاق؟ الجواب: لا يقع.
طالب: شيخنا، عندنا بعض العامة يكثرون من الحلف بالطلاق، كل منهم يقول: عليَّ الطلاق، العشاء عندي، أو كذا أو الغداء، ويتنازل عن رأيه بأبسط ما يكون، يعني وينسبون الفتوى إليكم يا شيخ أن (
…
)، فأيش الحكم هذا يا شيخ؟
الشيخ: الحكم هذا -بارك الله فيك- إذا علَّق الإنسان الطلاق بشرط، فإما أن يقصد اليمين أو يقصد الطلاق، إن قصد الطلاق وقع الطلاق؛ حيث لا مانع، وإن قصد اليمين لم يقع الطلاق وأجزأته كفارة يمين.
هذا هو التفصيل الصحيح، وأكثر العلماء من الأئمة وأتباعهم على أنه يقع الطلاق بكل حال. مثال ذلك: إذا قال لزوجته: إن خرجتِ إلى السوق فأنتِ طالق، ثم خرجت. فعلى رأي جمهور الأمة وأئمتها يقع الطلاق، وعلى ما اخترناه وهو قول شيخ الإسلام: أن نسأله: هل أنت تريد بهذا الكلام أن الزوجة إذا خرجت لم يبقَ لك فيها نظر؟ فأنت أردتَ الطلاق الآن، فيقع الطلاق، أو تريد أن تحبسها وتمنعها وتُشدِّد عليها حتى لا تخرج، ولو خرجت فليست رخيصة عندك. فهذا حُكمه حكم الحلف.
لكن لعلنا يومًا من الدهر إذا رأينا تكالب الناس على هذا الشيء وتتابعهم فيه أن نفتيهم بوقوع الطلاق على كل حال، اتباعًا للجمهور وأخذًا بسياسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ ولهذا أنا أقول لكم وأنتم طلبة: لا تهونوا هذا الأمر مع العامة، شدِّدوا، أنا الآن أفتي بأنه على حسب التفصيل الذي سمعت، لكن مع ذلك إذا جاء عرض هذه المسألة في محاضرة أو غيرها، أُشدِّد فيها جدًّا وأقول: يا جماعة، اتقوا الله؛ فإنكم على رأي أكثر الأمة الإسلامية أئمة والتابعين يقع الطلاق عليكم.
ولهذا مشكل الآن لما أفتى الناس بأن الثلاث واحدة تساهل الناس جدًّا، وصار الإنسان بأدنى شيء يطلق زوجته، واحد قال لي: إني طلقت زوجتي تسعًا وتسعين مرة، أنت طالق تسعًا وتسعين، قلت: كمِّل المئة جزاك الله خيرًا! ! فالناس مشكل إذا رأوا التساهل تساهلوا.
طالب: أحسن الله إليكم يا شيخ، هل فيه فرق بين قوله: والله لا ألبس ثوبًا من غزلها، وبين قوله: لا ألبس من غزلها؟ يعني إذا قال: لا ألبس من غزلها ولبس ثوبًا ..
الشيخ: هل يمكن أن يلبس الغزل بدون نسج؟
الطالب: لا يمكن.
الشيخ: هذا، ما يمكن.
طالب: شيخ، أحسن الله إليكم، الأثر الوارد أن:«ثَلَاثَةٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ» (1)، هل صحيح يا شيخ؟
الشيخ: أكثر العلماء على تصحيحه، أكثر العلماء على أنه صحيح، وينبغي أن نقول به، لماذا؟ لأننا لو قلنا: إن طلاق الهازل لا يقع، صار كل إنسان يقول: إنه هازل، أنا أمزح على امرأتي، وينسد باب الطلاق، فهو وإن كان فيه مقال والعلماء اختلفوا في تصحيحه، وفي حكمه، لكن ينبغي القول بأنه ماضٍ.
هذه ورقة يقول: إذا أراد أن يتزوج امرأة، وشرط عليه أهل المرأة إذا طلق ألا يقع طلاقه، فوافق على هذا الشرط؟
هنا العقد صحيح والشرط باطل، وإذا طلق فإنه يقع.
هذا يقول: إذا أُقيمت في المسجد تعزية؟ كيف أُقيمت تعزية؟ ويشلون؟
طالب: (
…
) في المساجد تقام التعزية في المساجد .. كل مسجد يعني فيه تعزية (
…
).
الشيخ: لكن هل المساجد بُنيت للتعازي؟
الطالب: هذه بلوى يا شيخ.
الشيخ: لا، البلوى عليكم أنتم يا طلبة العلم أن تنكرونها، وتذهبون للمسئولين، المساجد ما بنيت للتعزية والبكاء والأحزان. لا والله، هذه وصيتي لكم أنتم يا طلبة العلم أن تتصلوا بالمسئولين لمنعه.
الطالب: كلمناهم.
الشيخ: طيب، وإذا اجتمع مثلًا عشر جنائز، كيف يُعزى لها؟
الطالب: يعزى في المساء، كل واحد (
…
).
الشيخ: إذا كان الحي هذا فيه عشرة ماتوا، وصار كل ربعة فيها واحد، هذا تلاعُب، ثم الاجتماع للعزاء أصله بدعة، أصل الاجتماع للعزاء بدعة، ما ورد عن الرسول ولا عن الصحابة.
الطالب: (
…
) يا شيخ، في مكان التعزية غير المسجد، هل يجوز هذا؟
الشيخ: هذا أهون من المسجد، ما دام أنهم ابتلوا بالاجتماع، فهذا أهون، لكن مع ذلك لا نؤيد أن يبنى مكان للتعزية.
قال واحد من السفهاء عندنا في الجرائد قبل كم سنة، قال: ينبغي أن نوجد قصورًا للأحزان كما أوجدنا قصورًا للأفراح! ! شوف الجنون! جنون، فرق بين هذا وهذا.
إلا إن قلنا له: إن قصور الأحزان يعني قصور الطلاق؛ لأن قصور الأفراح لأي شيء؟ للزواج، حط للطلاق بعد قصورًا، ومن أراد أن يطلق أو من طلقت، وحزنت تجيء هنا تقيم احتفالًا، اللهم عافنا.
***
طالب: قال المصنف رحمه الله تعالى: باب التأويل في الحلف، ومعناه أن يُريدَ بلفظٍ ما يخالفُ ظاهرَه. فإذا حَلَفَ وتأوَّلَ يمينَه نفعَه، إلا أن يكونَ ظالمًا، فإن حلَّفَهُ ظالمٌ: ما لزيدٍ عندَك شيءٌ، وله عنده وديعةٌ بمكانٍ فَنَوى غيرَه، أو بـ (ما) الذي، أو حَلَفُ: ما زيدٌ هاهنا، ونَوَى غيرَ مكانِه، أو حَلَف على امرأتِه: لا سَرقت مني شيئًا فخانتْه في وديعتِه ولم ينوِها لم يحنَثْ في الكلِّ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
رجل قال: والله لا ألبس هذا الثوب، ثم وجده مُعلَّقًا فلبسه ولم يعلم أنه هو، فماذا تقول؟
طالب: لا شيء عليه.
الشيخ: لا شيء عليه؛ لأنه؟
الطالب: جاهل.
الشيخ: جاهل. طيب، لو علم بعد أن لبسه؟
الطالب: عليه أن يخلع في الحال.
الشيخ: عليه أن يخلع في الحال، تمام. لو قال لزوجته: إن كلمتِ فلانًا فأنتِ طالق، فكلمته وهي لا تدري أنه هو؟
طالب: لا شيء عليه؛ لأنها جاهلة.
الشيخ: لأنها جاهلة، إلا على كلام المؤلف؛ كلام المؤلف يقول: يحنث، والصحيح أنه لا يحنث.
طيب، قال: والله لآكلن هذه الخبزة، فأكل نصفها، هل يبر أو لا؟
طالب: لا يبر حتى يأكلها كلها.
الشيخ: حتى يأكلها كلها. طيب، قال: والله لا أشرب ماء هذا البحر، فشرب منه إناء؟
طالب: يقع.
الشيخ: يحنث؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ليش؟
الطالب: لأنه ما راح يشرب البحر كله، فإذا شرب منه خلاص ..
الشيخ: يعني إذا أضافه إلى شيء لا يمكن نكتفي ببعضه؟
الطالب: نعم.
الشيخ: طيب، قال المؤلف:(باب التأويل في الحلف)، ما معنى التأويل في الحلف؟
طالب: هو أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره.
الشيخ: أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره، وهل التأويل جائز؟
الطالب: لا، فيه تفصيل.
الشيخ: فيه تفصيل، ما هو؟
الطالب: قلنا: إن كان من مظلوم فإنه جائز أو واجب، أما إن كان من ظالم فإنه يحرم، وقد يكون من الكبائر، وإلا فهو جائز.
الشيخ: وإلا فهو جائز، تمام. إذا كان مظلومًا جاز التأويل، بل قد يجب كما لو أراد بتأويله أن يدافع عن عرض امرأته مثلًا، وإذا كان ظالمًا فهو حرام، بل قد يكون من الكبائر، وإذا لم يكن ظالمًا ولا مظلومًا فهو جائز، لكن بلا شك أن تركه أولى، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه حرام.
ولننظر، يقول:(فإذا حَلَفَ وتأوَّلَ يمينَه نفعَه، إلا أن يكونَ ظالمًا، فإذا حلَّفَهُ ظالمٌ: ما لزيدٍ عندَك شيءٌ، وله وديعةٌ عنده بمكانٍ فَنَوى غيرَه، أو) نوى (بـ (ما) الذي).
إذا كان هناك ظالم يريد أن يأخذ مال زيد، فقيل له: إن مال زيد قد أودعه فلانًا، أيش معنى أودعه؟ جعله عنده وديعة يحفظه، فأتى إلى فلان، وقال: أين مال زيد؟ إن أخبره فسوف يأخذه، وإن نفاه كذب، فما هو الطريق إلى التخلص من ظلمه بدون كذب؟ أن يؤول ولا حرج عليه، فيقول: والله ما لفلان عندي شيء، وينوي مكانًا غير مكانه. إذا قدرنا أنه في الحجرة ينوي ليس في السطح، وإن كان في السطح نوى ليس في الحجرة.
(أو) ينوي (بـ (ما) الذي)، يعني يجعل (ما) معناها (الذي) فيقول: ما له عندي شيء، بمعنى: الذي له عندي شيء، هل يكون صادقًا بهذه النية أو لا يكون؟ صادقًا بهذه النية، سواء نوى مكانًا آخر أو نوى بـ (ما الذي) فهو صادق.
في هذه الحال، هل يجب أن يتأول أو لا؟ يجب أن يتأول؛ لأن تأوله من باب قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، وهذا من حِفظ الأمانة، فنقول: التأويل هنا جائز، بل واجب.
هذا الظالم إذا قال: والله ما له عندي شيء، ونوى مكانًا غير مكانه، أو نوى بـ (ما الذي)، يقتنع أو لا يقتنع؟ يقتنع؛ لأن ظاهر اللفظ أنه نفى أن يكون عنده شيء، فيقتنع وينصرف.
إذا كان ظالمًا كرجل سرق مال زيد، فادعى زيد أن فلانًا سرقه، وتحاكما إلى القاضي، وقال: له عندي سرقة، فقال هذا السارق: والله ما له عندي سرقة، ونوى: الذي له عندي سرقة، ينفعه ظاهرًا أو لا ينفعه؟ ظاهرًا ينفعه، وسيحكم القاضي ببراءته، لكن باطنًا لا ينفعه، لماذا؟ لأنه كان ظالمًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ» (2)، ما هو على نيتك أنت، على ما يصدقك به، فلا ينفعه التأويل.
إذن ضربنا مثلين الآن للمظلوم وللظالم. بقي عندنا ما ليس ظالمًا ولا مظلومًا، وهذا يقع كثيرًا، مثال ذلك: رجل يتحدث إلى قوم حديث مجالس فيقول: والله ما طعمتُ البارحة شيئًا، ما طعمتُ شيئًا، هل عندك من فطور، (
…
) البارحة؟ قال: والله ما تعشيت، ويريد ما تعشى قبل البارحة مثلًا أو ما تعشيتُ لليلة المقبلة. هذا جائز، لكن لا شك أن تركه أولى، بل إنه لو قيل بالتحريم كما قال شيخ الإسلام لكان له وجه؛ لأن صاحبك إذا عثر بعد ذلك على خلاف ما قلت صار لا يصدقك، وصار يعتقد أن كل شيء تتكلم به فهو مؤول، وهذا وصمة عار على الإنسان.
إذا كان هذا في الحرب، وتأول في الحرب خداعًا للعدو، يجوز أو لا يجوز؟ يجوز، وهذا هو الكذب الذي جاء في الحديث أنه يجوز في الحرب.
طيب، لو كان للإصلاح بين اثنين، جاءك رجل يقول: ما تقول في فلان، هذا الذي يسبني عند الناس ويغتابني؟ فتحب أن تصلح بينهما، فتقول: والله ما قال فيك شيئًا، يعني الذي قال فيك شيء، أو تقول: والله ما قال فيك شيء، يعني الساعة الثانية عشرة ليلًا، يجوز ولَّا ما يجوز؟ يجوز، هذا للإصلاح بين الناس.
فإن طلب منك قال: قل والله ما قال فيَّ شرًّا، ما هو شيء، والله ما قال فيَّ شرًّا. قال: طيب، والله ما قال: فيك شر، وينوي (الذي) يعني: الذي قال فيك شر. صادق ولَّا غير صادق؟ صادق، لكن هو يريد أن يُصلح بين الناس. هذا طيب، ويُحمد عليه الإنسان.
إنسان مثلًا يتحدث مع زوجته، والذي ينبغي بين الزوجين أن يفعل كل منهما ما يجلب مودة الآخر، لتبقى العشرة طيبة. فأتى هذا الرجل بحلي لزوجته اشتراه بعشرة ريالات، فأعجبها فقالت: بكم اشتريت هذا؟ قال: اشتريته بأربعين، وهو قد اشتراه بعشرة. ويش الأربعين هذه؟ أربعين ربعًا، إي نعم، هو ينوي أربعين ربع ريال؛ لأن عشرة في أربعة بأربعين، هو ينوي أربعين ربعًا، وهي تعتقد أنه أربعون ريالًا. هي على كل حال إذا قال بأربعين وهو قيمته عندها من العشرين إلى (
…
) سوف تنتفخ وتقول: هذا الرجل الغالي الذي يشتري لي بأغلى الأثمان. هذا مطلوب ولَّا غير مطلوب، ولهذا جاء فيه إباحة الكذب في تحديث الرجل امرأته وتحديثها إياه.
هذا واضح، لكن لاحظ أننا نقول فيما يجوز من التأويل بشرط أن نأمن من العثور على الواقع؛ لأننا إذا لم نأمن العثور على الواقع، ثم وقع الأمر على خلاف ما فهمنا من تأويله، صار هذا يدعو إلى الشك في كل ما تحدث به. يكون الناس كلما تحدث قالوا: هذا الرجل تأول.
أحيانًا إذا ظن صاحبك أنك متأول، قال: اقسم لي أنك ما تأولت! إي نعم، هذا واقع: اقسم لي أنك ما تأولت؟ أقدر أقول له إني ما تأوَّلت وأقسم، وأتأول في هذا! ! نعم، أليس كذلك؟
طالب: (
…
).
الشيخ: إي، والله ما تأولت وأقصد: ما تأولت سوى ما في ضميري، وينتهي الموضوع.
فالمهم على كل حال، الإنسان يستطيع أن يتأول، لكن التأويل فيه أقسام. ذُكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: إن في التأويل لمندوحة عن الكذب (3).
وقد جاء رجل إلى الإمام أحمد رحمه الله يسأل عن بعض الطلبة -أظنه المروذي- وكان الإمام أحمد لا يحب أن يفارق مجلسه، قال: ليس المروذي هاهنا، وما يصنع المروذي هاهنا؟ وراح الرجل والمروذي موجود، لكنه يقول: هاهنا، يقول: كذا بيده، يعني: ليس في اليد. وهذا صحيح.
وإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام تأول، قال للملك الظالم: هذه أختي، وهي زوجته، لكن أختي أراد أختي في الدين (4). طيب، نرجع إلى كلام المؤلف.
قال: (فإن حلَّفَهُ ظالمٌ: ما لزيدٍ عندَك شيءٌ، وله عنده وديعةٌ بمكانٍ، فَنَوى غيرَه)، كيف (بمكان، فنوى غيره)؟ تكون الوديعة في الحجرة ونوى هو السطح.
(أو بـ (ما) الذي)، يعني جعل (ما) النافية في قلبه بمعنى (الذي).
(أو حَلَف: ما زيدٌ هاهنا، ونَوَى غيرَ مكانِه)، حلف ما زيد هاهنا وينوي مكانًا آخر وهو موجود عنده، يجوز أو لا؟ يجوز. غاية ما في ذلك أنه استعمل الإشارة للقريب مكان البعيد.
(أو حَلَف على امرأتِه: لا سَرقتِ مني شيئًا فخانتْه في وديعتِه)، قال لها: والله لا تسرقي مني شيئًا. هي لم تسرق، لكن خانته في الوديعة، و (لا سرقْتِ) ليس معناها الماضي؛ معناها المستقبل، معنى (لا سرقت) لن تسرقي، فاستودعها يومًا من الأيام وديعة فأنكرت الوديعة، هل تُعد سارقة؟ لا، السارق هو الذي يأخذ الشيء بخُفية.
ولهذا قال: (ولم ينوِها) يعني لم ينوِ بالسرقة كل شيء تأخذه من ماله بغير حق.