المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الشيخ: إي نعم، شيخ الإسلام يقول: إذا كان إن الواحد - الشرح الصوتي لزاد المستقنع - ابن عثيمين - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌(باب صفة الصلاة)

- ‌[مكروهات الصلاة]

- ‌[أركان الصلاة وواجباتها]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌(كتابُ الْمَنَاسِكِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط وجوب الحج والعمرة]

- ‌[باب المواقيت]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌(بابُ مَحظوراتِ الإحرامِ)

- ‌(بابُ الفِديةِ)

- ‌(باب جزاء الصيد)

- ‌[باب صيد الحرم]

- ‌[باب ذكر دخول مكة]

- ‌[باب صفة الحج والعمرة]

- ‌[باب الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي والأضحية]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب البيع

- ‌[باب شروط البيع]

- ‌[باب الشروط في البيع]

- ‌[باب الخيار]

- ‌[باب الربا والصرف]

- ‌[باب بيع الأصول والثمار]

- ‌[باب السلم]

- ‌[باب القرض]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[باب الضمان]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[باب الصلح]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[باب الوكالة]

- ‌(باب الشركة)

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[باب المزارعة]

- ‌[باب الإجارة]

- ‌[باب السبق]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[باب الشفعة]

- ‌[باب الوديعة]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب الجعالة]

- ‌[باب اللقطة]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌(كتابُ الوَقْفِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الهبة والعطية]

- ‌[فصل في تصرفات المريض]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب الوصايا

- ‌[باب الموصى له]

- ‌[باب الموصى به]

- ‌[باب الوصية بالأنصباء والأجزاء]

- ‌[باب الموصى إليه]

- ‌(كتابُ النِّكاحِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[أركان النكاح]

- ‌[شروط النكاح]

- ‌[باب المحرمات في النكاح]

- ‌[باب الشروط والعيوب في النكاح]

- ‌[باب نكاح الكفار]

- ‌[باب الصداق]

- ‌[باب وليمة العرس]

- ‌[باب عشرة النساء]

- ‌[باب الخلع]

- ‌(كتاب الطلاق)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب ما يختلف به عدد الطلاق]

- ‌[باب الطلاق في الماضي والمستقبل]

- ‌[باب تعليق الطلاق بالشروط]

- ‌[باب التأويل في الحلف]

- ‌[باب الشك في الطلاق]

- ‌[باب الرجعة]

- ‌(كتابُ الإيلاءِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[من يصح منه الإيلاء]

- ‌[مدة الإيلاء وما تحصل به الفيئة أو فسخ النكاح]

- ‌(كتابُ الظِّهارِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[كفارة الظهار]

- ‌(كتابُ اللِّعانِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط صحة اللعان]

- ‌[ما يلحق من النسب]

- ‌(كتابُ العِدَدِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الاستبراء]

- ‌(كتابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط الرضاع المحرِّم]

- ‌[من يُحَرَّم بالرضاع]

- ‌[مدخل]

- ‌[باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم]

- ‌[باب الحضانة]

- ‌[باب شروط القصاص]

- ‌[باب استيفاء القصاص]

- ‌[باب العفو عن القصاص]

- ‌[باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس]

- ‌(كتاب الديات)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب مقادير ديات النفس]

- ‌[باب ديات الأعضاء ومنافعها]

- ‌[باب الشجاج وكسر العظام]

- ‌[باب العاقلة وما تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب القطع في السرقة]

- ‌[باب حد قطاع الطريق]

- ‌[باب حد المسكر]

- ‌[باب قتال أهل البغي]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب حكم المرتد]

- ‌(كتاب الأطعمة)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الذكاة]

- ‌[باب الصيد]

- ‌(كتاب الأيمان)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌(كتاب القضاء)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب آداب القاضي]

- ‌[باب طريق الحكم وصفته]

- ‌[مدخل]

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌[باب موانع الشهادة وعدد الشهود]

الفصل: الشيخ: إي نعم، شيخ الإسلام يقول: إذا كان إن الواحد

الشيخ: إي نعم، شيخ الإسلام يقول: إذا كان إن الواحد إذا شبع يضيق نفسه حرم عليه الشبع، بعض الناس يشرب الحين ويقول: (

) كلام (

) والنفَس حرق (

)، ويملأ بطنه من ها الطعام (

) ما يقدر يتحرك، هذا عند شيخ الإسلام حرام.

فالمهم أن هذه المسائل هذه العامة تكون حلالًا على سبيل العموم، وتكون حرامًا على من يتضرر بها؛ ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم رخص لصاحبه أن يأكل الخضروات والبقول، ولكنه هو امتنع منها وقال:«إِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي» فالأسباب والعلل والأوصاف لازم يكون الحكم لكل إنسان بحسبه.

[باب النذر]

النذر تعريفه وحكمه؛ أولًا تعريفه: هو إلزام.

النذر في اللغة: الوعد والعهد كل منها يُسمى نذرًا، وفي الشرع إلزام المكلَّف نفسه لله تعالى طاعة غير واجبة.

هذا التعريف عند الفقهاء؛ أن يلزم الإنسان نفسه طاعة غير واجبة، هكذا قالوا، مع أنه في التقسيم يكون هذا التعريف قاصرًا؛ لأنه لا يجمع جميع أنواعه؛ إذ من أنواع النذر ما ليس بطاعة إطلاقًا، كما لو نذر أن يلبس ثوبه، أو أن يكلم فلانًا، أو أن يأكل الطعام الفلاني؛ فهذا ليس بطاعة، ولكنه مع ذلك (

) النذر؛ ولهذا لو قيل في تعريفه إن النذر إلزام المكلف نفسه لله تعالى شيئًا، وأطلقناه لكان هذا أولى؛ يعني حتى قولنا: طاعة غير واجبة، الصحيح أن الطاعة الواجبة إذا نذرها الإنسان تكون واجبة من وجهين: من جهة أمر الشرع بها، ومن جهة النذر من جهة هذا وهذا.

حُكم النذر:

اختلف العلماء في حكمه والجمهور على أنه مكروه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، وقال بعض علماء الحديث، ومال إليه شيخ الإسلام: إنه حرام ..

هنا توقف الشيخ رحمه الله عن شرح متن الزاد إلى الشرح من مذكرة أخرى.

ص: 3852

أن فيه إلزامًا، إلزامُ المكلَّف نفسَه بما لم يُلْزِمْه الله عز وجل، فيقع في حرج، أحيانًا يقع في حرج، ومما (

) التحريم أيضًا أن بعض الناس يستعمله كشرط لله تعالى على جَلْب نعمة أو دفع نقمة، كأن الله تعالى لا يرحمك في ذلك إلَّا؟

طالب: بالنذر.

الشيخ: بالنذر بشرط، فإن بعض الناس يوجد عنده مريض مثلًا يقول: إن شفى الله مريضي لأفعلن كذا وكذا، هل معنى ذلك أن الله ما يشفي مريضك ولا يَمُنّ عليك بهذا إلا بشرط؟ ! هذا بالحقيقة فيه نوع من سوء الأدب مع الله عز وجل.

يوجد بعض الناس مثلًا يفشل بالامتحان ويقول: لله علَيَّ نذر إن نجحت لأفعلن كذا وكذا، هذا أيضًا معناه أن الله ما يَمُنّ عليك بالنجاح إلا إذا أعطيت بالشرط، فلذلك أنا أميل إلى القول بتحريمه، وأنه يحرُم أن يفعله.

فإذا قال قائل: كيف تحرِّمُونه وأنتم توجِبُون الوفاء به، هذا تناقض، شيء يجب الوفاء به وأنتم تحرِّمونه؟

نقول: نحن لا نحرِّم الوفاء به، إنما نحرِّم؟

طلبة: فِعْلَه.

الشيخ: فِعْلَه، كما أن الظِّهَار يحرُم وتجب كفارته، فلا مانع من أن يكون الشيءُ ابتداءً محرَّمًا، وما يترتب عليه من اللوازم يكون واجبًا، ثم إننا نرى ما أكثر الذين يندمون على النذور، يندمون ويحبون أن يتخلصوا بما يستطيعون، واحد مثلًا نذر أنه إن حصل كذا ليَصُومَنَّ كل اثنين وخميس، هذا لا شك أنه في يوم من الأيام سوف يجد ذلك ثقيلًا عليه وصعبًا عليه، فمن ثَمَّ القول بالتحريم أقوى من القول بالكراهة فقط.

وليت أن طلبة العلم يبثُّون هذا الوعي بين الناس حتى لا يحرج الناس أنفسهم بهذه النذور.

طالب: إذن الله كيف مدح الْمُوفِينَ بالنذر؟

ص: 3853

الشيخ: مدح الْمُوفِين بالنذر، ما هو النذر؟ هل هو النذر هذا أو النذر كل طاعة واجبة؟ لأن الله ذكر في الحج قال:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29]، مع أن الحجاج ما نذروا النذر المعروف هذا، ثم كما قلت لك: يمدح الوافين بالنذر بأنه يجب الوفاء به، ولا يلزم من وجوب الوفاء به أن؟

طالب: (

).

الشيخ: يكون ابتداؤه ممدوحًا، ولهذا قال:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7]، ولم يقل ينذرون، وفرق بين هذا وهذا.

النذر ينقسم إلى قسمين: نذر غير صحيح، ونذر صحيح؛ فالنذر غير الصحيح كنذر الصغير مثلًا، فإن الصغير لو نذر فإنه ليس بصحيح نذرُه؛ لأن من شرط النذر أن يكون الناذر مكلَّفًا بالغًا عاقلًا؛ لأنه التزام، والصبي لا يصح منه الالتزام.

الصحيح منه خمسة أقسام:

أولًا: مطلق، فتجب فيه الكفارة، ويش معنى مطلق؟ يعني: أن يقول الإنسان: لله عليّ نذرٌ، بس ولا يتكلم بأكثر من هذا، هذا يسميه العلماء نذرًا مطلقًا؛ لأنه غير مقيَّد بشيء معين، ففيه الكفارة؛ أي: كفارة اليمين.

الدليل ما رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم وسنده حسن أنه قال: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . (1) كفارته إذا لم يُسَمَّ يعني: ما عُيِّنَ، فإنه يكون كفارته كفارة يمين.

الأول: مطلق تجب فيه كفارة يمين للدليل الذي أشرنا إليه.

ثانيًا: نَذْر اللِّجَاج والغضب، فيخيَّر بين فعل المنذور وكفارةِ اليمين، اللِّجَاج من الْمُلَاجَّة وهي المخاصمة، والغضب اللي يكون سببه هو غضب الإنسان.

وتعريف نذر اللِّجَاج والغضب يكون هو الذي يقصد بنذره التصديق، أو التكذيب، أو الحث، أو المنع.

ويش مثاله الذي يقصد التصديق؟ مثل أن يقول ..

طالب: (

).

الشيخ: أن أذبح ناقة، هذا قصده التصديق، يعني أن يحمل الناس على ..

طلبة: تصديقه.

الشيخ: تصديقه، أو يقول مثلًا لإنسان آخر: إن كان ما ذكرتَه صحيحًا ولّا كذبًا؟

طلبة: صحيحًا.

ص: 3854

طلبة آخرون: كذبًا.

الشيخ: أو كذبًا، هو يريد أن يصدقه ولّا يكذبه؟

طالب: يكذِّبه.

الشيخ: ما يخالف، نشوف المثال، إن كان ما تقوله صدقًا فعليّ نذر أن أذبح ناقة.

طالب: هذا أراد أن يُكَذِّبَه.

الشيخ: هذا أراد التكذيب، ولّا لا؟ والتصديق: إن لم يكن كذبًا فكذا، فهذا تصديق.

إذا قصد الحث مثل أن يقول: إن لم أفعل كذا فلِلَّه عليَّ نذر أن أذبح بعيرًا، إن لم أكلِّم فلانًا فلِلَّه علَيَّ نذر أن أذبح بعيرًا.

فهذا حكمه يُخَيَّر بين فعله -فعل المنذور- وبين كفارة اليمين، قال: إن لم أكلِّم زيدًا فلِلَّه علَيَّ نذر أن أذبح بعيرًا، نقول: أنت بالخيار الآن، بين أن تكلم زيدًا أو ..

طالب: تذبح البعير.

الشيخ: تذبح البعير، وكذلك إذا قصد المنع، مثل: إن كَلَّمت زيدًا فلله علَيَّ نذر أن أذبح بعيرًا، فهذا يقصد منع نفسه، ولا يقصد أن يتقرب إلى الله بذبح بعير، فيخيَّر بين الأمرين (

) الذين ينذرون، مَدَح ..

طلبة: الذين يوفون.

الشيخ: الذين يوفون بالنذر، ولا شك أن الوفاء بالنذر بعد التزامه أنه محبوب، ما هي عقوبة، ما ذكره الله في قوله:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [التوبة: 76: 65]، العقوبة:{فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77]، واضح؟

طلبة: نعم.

الشيخ: هنا العقاب لا شك أنه بسبب أنه {تَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [التوبة: 76] بعد أن التزموا بذلك، ولهذا قال:{بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77].

أقسام النذر الصحيح؟

طلبة: نذر مطلق، ونذر (

).

ص: 3855

الشيخ: أنه يقبل التصديق، أو التكذيب، أو الحث، أو المنع؛ فالتصديق أو التكذيب في الخبر، والحث أو المنع في العمل، ويش مثال ما قصد به المنع؟

طالب: (

) كذا وكذا.

الشيخ: أو يقول: لله عَلَيَّ نذرٌ ألَّا أفعل كذا، أو أن أفعل كذا، فهذا القَسَم له صورتان يا جماعة؛ صورة أن يقول: لله علَيَّ نذرٌ أن أفعل كذا، وغرضه في ذلك؟

طالب: الحث.

الشيخ: الحث، أو يقول: إن فعلت كذا فللَّهِ علَيَّ نذرٌ أن أفعل كذا، قصده أيضًا؟

طلبة: المنع.

الشيخ: المنع، ففي الصورتين يكون أيضًا حكمه حكم؟

طالب: اليمين.

الشيخ: اليمين، أي أنه يُخَيَّر بين فعل المنذور وبين كفارة اليمين.

طالب: دليل هذا؟

الشيخ: دليل القسم الثاني أنه ما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا؛ لأنه واضح، فيه آثار عن عمر رضي الله عنه وعن غيره بأن الإنسان يُكَفِّر كفارة يمين، ولا يفعل المنذور، ومعلوم أنه إذا فعل المنذور فهو الأصل، فلهذا قال العلماء: إنه يُخَيَّر بين فعله وكفارة اليمين.

هذه من جهة الدليل الأثري، أما النظري فلأن المقصود بهذا النذر مقصود اليمين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إَنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . (2)

أما القسم الثالث فهو نذرٌ مباح، وحكمه كالثاني.

(نذر مباح) يعني أن ينذر فِعْلَ شيءٍ مباح، أو تَرْك شيء مباح، مثاله؛ أن ينوي فعل شيء مباح؟

طالب: (

).

ص: 3856

الشيخ: هذا ما هو مباح، هذا طاعة، أن ألبس هذا الثوب، أو أن أشتري هذه السيارة، أو أن أسكن هذا البيت، أو ما أشبه ذلك، قال أهل العلم: فحكمه حكم اليمين، بمعنى أنه يُخَيَّر بين فعله، أي: فَعْل المنذور أو تَرْكه، ويكَفِّر كفارة يمين، وهذا أخذوه من القياس على الأول، ومن التعليل؛ وهو أن مقصود هذا مقصود اليمين، فإذا كان مقصوده مقصود اليمين فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إَنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (2)، وليس هذا طاعة حتى نقول: يجب الوفاء به، بل هو شيء مباح إن فعله أو تركه لم يتعلق به ذم ولا مدح، وهذا كثيرًا ما ينذر به، يقول: لله عَلَيَّ نَذْرٌ.

فإن أقسم إقسامًا قال: والله لأفعلن كذا، فهل يكون نذرًا أو يمينًا؟

طلبة: يمينًا.

الشيخ: يكون يمينًا.

رابعًا: نَذْر المعصية، فيحرُم الوفاء به، ويُكَفِّر كفارة يمين، نذر المعصية مثل أن يقول: للهِ علَيَّ نذرٌ ألَّا أكلِّم فلانًا، وفلان مسلم لا يجوز هجره، فهذا نذر معصية، أو يقول: لله علَيَّ نذرٌ لأتَعَدَّيَنَّ على فلان، فهو أيضًا نذرُ معصيةٍ فلا يجوز الوفاء به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلَا يَعْصِهِ» (3)، ولأننا لو جَوَّزْنَا الوفاء بنذر المعصية لانقلب المحرَّم مباحًا بتصرف العبد، والمحرَّم ما ينقلب مباحًا بتصرُّف العبد، وإنما يكون الإباحة والتحريم إلى مَن؟ إلى الله ورسوله.

وعلى هذا فيقال: نذر المعصية لا (

) الله به.

ص: 3857

الدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلَا يَعْصِهِ» (3)، والتعليل: لو كان يجوز له فعل المعصية بنذرها لكان بإمكان المرء أن يقلب الشيء المحرَّم إلى مباح، وهذا أمر لا يمكن؛ لأن التحليل والتحريم إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن يقول:(ويُكَفِّر كفارة يمين) وهذا الحكم مختلَف فيه؛ منهم مَن يقول: إن النذر لا يُوفَى -نذر المعصية- وليس عليه كفارة، فإن قوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلَا يَعْصِهِ» ، وهو في الصحيحين (4)، ليس فيه دليل على وجوب الكفارة.

ومن العلماء من قال: تجب الكفارة؛ لورود ذلك في حديث في السنن، لكن الآن ما يحضرني تخريجه، فأرى أن نؤجله إلى ما بعد.

إنما فيه أحاديث في السنن تدل على وجوب كفارة اليمين، ولأن الرجل لو أقسم على أن يفعل هذا المحرَّم لم يفعله وتلزمه أيش؟

طالب: الكفارة.

الشيخ: الكفارة؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنِّي لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» . (5)

الخامس: نذر الطاعة، فيجب الوفاء به مطلقًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ» (3)، ولأن الله تعالى عاقب الذين لم يوفوا بنذورهم بماذا؟

طالب: بالنفاق.

الشيخ: بالنفاق، {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ} [التوبة: 75، 76].

نذر الطاعة هل هو مشروع ولَّا له الحكم السابق؟ يعني لو قال: لله عَلَيَّ نذرٌ أن أصلي ركعتين، مشروع.

طلبة: لا.

ص: 3858

الشيخ: لا، إما مكروه أو محرَّم على (

) السابق، ولهذا قال الله تعالى:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ} [النور: 53]، وهذا طاعة أقسموا أنهم يفعلونها، فقال الله تعالى:{قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} [النور: 53] الإنسان (

) أن يطيع الله إلا إذا نذر ما صار مطيعًا لله، فالحاصل أن نقول: نَذْر الطاعة يجب الوفاء به مطلقًا بأي حال من الأحوال.

وهو ينقسم إلى اثنين: قسم مطلق وقسم مقيد؛ فالمطلق أن يقول: لله علَيَّ نذر أن أصوم ثلاثة أيام، مثلًا، ما يقيده بشيء، والمقيَّد أن يُعَلِّقه على شرط.

النَّذْر المعلَّق مثل أن يعلِّقه بشفاء المريض، يقول: إن شفى الله مريضي فلِلَّهِ علَيَّ نَذْر كذا وكذا، إن نجحت فلله علَيَّ نذر كذا وكذا، وما أكثر الذين ينذرون على النجاح، لا سيما في النساء، يظنون أنهم لا ينجحون إلا إذا نذروا، أو مثل أن يكون مريض تأخَّر برؤه، فيظنون أنه لا يشفى إلا إذا نذر، وهذا خطأ؛ لأن الله سبحانه وتعالى يُعْطِي فضله من يشاء، ولم يجعل الله النذر سببًا لحصول الفضل، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ» (6)، فليس هو سببًا لإتيان الخير.

ولهذا نقول: إنه مُحَرَّم، ولا ينبغي، بل إنما تسأل الله من فضله أن يهيئ لك النجاح، وتسأل الله من فضله أن يزيل عنك الألم وما أشبهه.

إنما على كل حال هو ينقسم إلى قسمين: نذر الطاعة؛ إما مطلق، مثل أن يقول، كَمِّلُوا.

طلبة: لله علَيَّ نذر.

الشيخ: لله علَيَّ نذر أن أصوم شهرًا، أن أصلي ركعتين، وإما مقيَّد معلَّق بشرط، مثل: إن شفى الله مريضي فلله عليّ أن أصوم شهرًا، مثلًا.

لو نذر أن يصوم السنة أو الدهر، لو نذر أن يصوم الدهر هل يفي بنذره؟

طلبة: يفي بنذره.

ص: 3859

الشيخ: لا، ما يفي؛ لأن صوم الدهر ليس بطاعة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنه، وقال:«أَنَا أَصُومُ وَأُفْطِرُ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» . (7)

لو نذر أن يصلي ركعتين في الشمس حاسر الرأس في الهاجرة وقت الصيف يجب عليه الوفاء ولّا ما يجب؟

طلبة: ما يجب.

الشيخ: لا، يجب عليه الوفاء، يصلي ركعتين لكن في الظل، وهل يجب عليه أن يُكَفِّر كفارة يمين؛ لأنه خالف النذر في صفته، أو لا يُكَفِّر لأن ذاك نذر ليس مستقلًّا، بل هو صفة في عبادة، وهو صفة غير مشروعة فيلغى وتبقى العبادة المشروعة؟

فيه اختلاف بين العلماء، والمذهب أنه يُكَفِّر كفارة يمين؛ لأنه خالف النذر في صفته، فلما ألغيت الصفة بإلغاء الشرع لها وجب أن يُكَفِّر كفارة يمين.

على أننا نقول: كل هذه الأشياء إنما تقع في الغالب من إنسان سفيه، أو من إنسان مثلًا أحمق ما يفهم في الفقه، وإلا كيف بينذر أن يصلي في الهاجرة حاسر الرأس في الرمضاء، هذا ما أحد يفعله إلا إنسان سفيه، إنما لو فرض أنه وقع هذا نقول: ما يمكن أن تعذِّب نفسك؛ لأن الله يقول: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء: 147]، ولكن عليك أن تصلي ركعتين؛ لأنها طاعة، لكن على وجه مباح، وتُكَفِّر كفارة يمين؛ لاختلاف الصفة.

ص: 3860

عندنا يقول: إلا إذا نذر الصدقة بما يزيد على ثلث ماله فإنه يجزئه ثلثه، يجزئه الثلث إذا نذر الصدقة بما يزيد على ثلث المال، مثل أن يقول: لله عليَّ نذرٌ أن أتصدق بنصف مالي، أو بمالي كله، فإنه يجزئه الثلث؛ لأن ذلك جاءت به السنة، فإن أبا لبابة بن المنذر نَذَرَ حين تاب الله عليه أن ينخلع من ماله صدقةً إلى الله ورسوله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«يَجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ» (8)، فرَخَّصَ له النبي عليه الصلاة والسلام أن يتصدق بثلثه، ولم يلزمه بكفارة اليمين، والفرق بينه وبين ما ذكرناه آنفًا في مسألة الصلاة في الرمضاء وشبهها أن هذا القدر يجزئ عن الكل إجزاءً مطلقًا بنص الحديث، فلما كان يجزئ عنه حل محله، فكأنه وفى بنذره، كما نقول في الرجل الْمُحْرِم إذا لم يجد إزارًا فإنه يلبس سراويل وعليه كفارة، ولّا لا؟

طلبة: لا.

الشيخ: ما عليه فدية؛ لأن السراويل قامت مقام الإزار، بخلاف مَن احتاج إلى تغطية رأسه فإنه يغطي رأسه، ولكن ..

طالب: عليه الفدية.

الشيخ: عليه الفدية، أو إن احتاج إلى حَلْق رأسه فإنه يحلقه وعليه الفدية.

هذه هي أقسام النذر العامة، وفي النذر تفاصيل أيضًا ينبغي أن تراجعوها في الكتب المطوَّلة؛ لأنه مهم، ويقع كثيرًا من الإنسان.

طالب: أليس يدل (

).

الشيخ: إي نعم.

طالب: (

).

الشيخ: إي، لكن الرسول قال: يجزئه، إحنا ما نقول: حرام عليك، إنك توفي بما نذرت لكنه يجزئك هذا، فهذا من باب التخفيف عن العبد أنه يلزمهم بالثلث.

ص: 3861