الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: هذا قلة أدب، هذا لأبيه أن يُعزِّره على هذا الفعل، لكن لا يزيد على عشر جلدات؛ لأنه ما خالف حدًّا من حدود الله، خالف في أمر عرفي ومروءة، وليس في حد من حدود الله. كذلك الزوجة تطالب الزوج مثلًا بأمر من الأمور في غير حدود الله، فله أن يؤدبها، لكن لا يزيد على عشر جلدات.
طالب: هذه يرجع إلى اجتهاد القاضي الشرعي ويكون بتحديد (
…
)؟
الشيخ: لا، هذا يرجع إلى اجتهاد الحاكم الشرعي، هذا الأصل، لكن لو قُدِّر أنه السلطان، أنه وضع شيئًا معينًا وهو يجب اتباعه، وإذا كان هذا الشيء المعين لا يصلح الخلق فإنه يكتب إليه مثلًا، ويبين يعني حقيقة الأمر أن الإنسان بشر قد يرى الحاكم، أو السلطان إن هذا مصلح، ويرى الحاكم المباشر للقضية أن هذا ما يكفي للإصلاح، وحينئذٍ لا حرج أنه يستأذن من أن يزيد في هذا الشيء (
…
)
طالب: لو قيل يا شيخ: إن إحراق الرحل إضاعة للمال والرسول نهى عن إضاعة المال (13).
الشيخ: إي نعم.
الطالب: كيف؟
الشيخ: أجبنا عنه قبل قليل ولَّا لا؟
الطالب: قلت: إنه عقوبة.
طالب: الرسول فعله.
الشيخ: إي، قلنا: إن الرسول فعله، وأيضًا فيه مصلحة؛ لأن إتلاف المال معناه أنه بيُتلف بدون مصلحة، أما إذا كان فيه مصلحة شرعية، هذا مصلحة شرعية؛ لأن كونه يؤتى به في السوق، إذا جيء به في السوق، وأوقد بالنار يكون له شهرة وردع أكبر، أما لو ضم إلى بيت المال فقد لا يعلم به أحد، وربما يقول: يجي هو يأخذ ماله (
…
)
***
[باب حكم المرتد]
(المرتد) اسم فاعل من ارتد، بمعنى رجع، وتعريفه اصطلاحًا: هو الذي يكفر بعد إسلامه، هذا المرتد الذي يكفر بعد إسلامه، فالمرتد لغة هو الراجع.
واصطلاحًا هو الذي يكفر بعد إسلامه، والردة -والعياذ بالله- أعظم من الكفر الأصلي؛ لأن من ارتد بعد أن علم ودخل دين الإسلام فإنه لا يقبل منه صرف ولا عدل، ولا بد أن يقتل بكل حال إلا أن يعود إلى ما خرج منه بخلاف الكافر الأصلي فإنه قد يُقر على دينه، ولا يقاتل إلا إذا قاتل، وقام أمام الدعوة الإسلامية، فأما إذا بذل الجزية والتزم أحكام الإسلام فإنه لا يقاتل سواء كان يهوديًّا أم نصرانيًّا أم مجوسيًّا أم وثنيًّا، كما مر عليكم في الجهاد، لكن هذا لا يقبل منه إلا الإسلام وإلا قتل على كل حال.
أما حكم المرتد؛ فله حكم دنيوي، وحكم أُخروي؛ حكمه الدنيوي أن يعرض عليه الرجوع للإسلام رأفة به، فإن رجع إلى الإسلام قبل منه، وانتفى عنه القتل والحكم بالكفر، وإن لم يرجع قتل كافرًا، هذا حكمه في الدنيا، وقولنا: إنه يعرض عليه الرجوع إلى الإسلام رأفة به ورحمة، اختلف العلماء هل يستثنى من ذلك شيء؟ يعني أحد من المرتدين يستثنى من هذا الحكم، أو أنه عام في جميع المرتدين؟ وهل انتظاره على سبيل الوجوب، أو على سبيل مراعاة المصلحة؟ هذان أمران:
الأمر الأول: انتظار هل هو واجب، أو على سبيل المصلحة؟
الأمر الثاني: هل كل مرتد ينتظر أو لا؟ فأما الأمر الأول؛ فقيل: إنه ينظر ثلاثًا ثلاثة أيام إذا ارتد عن الإسلام، أنظر ثلاثة أيام فإن تاب ورجع إلى الإسلام فإنه يُقبل منه ولا يُعزَّر على كفره، ولا يوبخ؛ لأنه رجع إلى الإسلام، وتأليفًا له وتحبيبًا للإسلام إليه؛ فإنه لا يُعزَّر ولا يُعاقب.
والقول الثاني في المسألة أنه لا ينظر؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب قتله، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» (14).
وما وردت به الآثار من إنظاره، فإنما ذلك مراعاة للمصلحة إذا رأى الإمام أن من المصلحة تأخيره وتأجيله، فإنه يؤجله، وإذا رأى من المصلحة قتله، فإنه يقتله، لكن لو بادر بالتوبة، وتاب إما قبل مضي الأيام الثلاثة أو مطلقًا على القول الثاني؛ بمعنى أنه يبادر بالتوبة مما ينسب، فهل تقبل توبته بدون تفصيل أو من الناس من تقبل، ومن الناس من لا يقبل؟
فيه خلاف بين أهل العلم؛ فبعض العلماء يرى أن مِن المرتدين مَن لا يُقبل رجوعه، ويقتل بكل حال، وبدون إنظار، وحتى لو تاب فإنها لا تُقبل توبته، ومثَّلوا لذلك بما يأتي:
أولًا: من سب الله، أو سب رسوله، أو سب الإسلام فإنه لا يُقبل منه حتى لو تاب، وصار يثني على الله، وعلى رسوله، وعلى دين الإسلام؛ فإنه يقتل.
ويقتل كافرًا ولَّا مسلما؟ يقتل كافرًا ولو تاب، لماذا؟ قالوا: لأن هذا ردته عظيمة لا تحتمل التوبة، فلا يُقبل منه.
ثانيًا: من تكررت ردته؛ فإنه لا يقبل؛ لأنه إذا ارتد، ثم تاب، ثم ارتد، ثم تاب، ثم ارتد، ما ندري لعله إذا تاب في المرة الثالثة يكون مستهزئًا بنا فيرتد مرة أخرى.
ولقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} [النساء: 137].
فهذا لا تُقبل توبته؛ لأنه يخشى أن تكون توبته الثالثة كتوبته الأولى والثانية.
والقول الثاني في هذه المسألة أن كل كافر مهما كان كفره، ومهما عظم فإن توبته مقبولة إذا تبين أمره، وأنه صادق في توبته.
وفيه أيضًا مثال ثالث نسيته وهو؛ المنافق، المنافق ما تُقبل توبته ولو تاب وأناب إلى الله، وعللوا ذلك بقولهم: إن المنافق (
…
) الإسلام من الأصل فهو لم (
…
) من إسلامه إلا ما يقوله بلسانه، وهذا حاصل حتى لو قبضنا عليه، وقلنا: أنت الآن منافق مرتد عن الإسلام، وقال: إنه مسلم، فهذا الذي يقوله الآن هو الذي يقوله بالأمس؛ فلا فائدة.
فالقول الثاني أن كل كافر ومنافق مهما عظم كفره فإن توبته مقبولة؛ لأن الأدلة الدالة على ذلك عامة، مثل قوله تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53]. فالذنوب عامة، وصيغة العموم فيها خبرنا عن صيغ العموم في الذنوب (
…
) في عموم قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] سؤالنا الآن: صيغة العموم في قوله الذنوب؟
طالب: قول الله: {جَمِيعًا} .
الشيخ: لا، دعنا الذنوب فقط كلمة الذنوب.
طالب: كلمة الذنوب عامة (
…
).
الشيخ: ويش، وما هي صيغة العموم فيها (
…
)، ما هي بعامة؟
طالب: (
…
).
الشيخ: داخلة على الجمع المعرف بـ (أل) إذا لم تكن للعهد فهي للعموم، وأيضًا أُكد هذا العموم بقوله:{جَمِيعًا} ، وهذا دليل، الدليل الثاني أن الله تبارك وتعالى يقول في المنافقين:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 145، 146].
وهذا نص واضح في المنافقين إلا أن الله سبحانه وتعالى أدخل على ذلك قيودًا أصلحوا، اعتصموا بالله، أخلصوا دينهم لله؛ فهذا أيضًا دليل على أن المنافق توبته مقبولة.
وأما ما استدل به أولئك القوم من قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [النساء: 137] الآية فيها {ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} فكانت المرحلة النهائية لهم أنهم ازدادوا كفرا، فكانوا مذبذبين بالأول يكفرون ويؤمنون، ثم بعد ذلك استقروا -والعياذ بالله- على الكفر، هؤلاء لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقًا.
وأما قولهم: إن سب الله ورسوله من أغلظ أنواع الكفر، فيقال: نعم، هو من أغلظ أنواع الكفر، إن لم يكن أغلظ أنواع الكفر، لكن هذا لا يمنع من قبول التوبة، يقول الله تعالى:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].
ولا شك أن الكفار الذين يدعون مع الله آلها آخر شركهم يتضمن سب الله سبحانه وتعالى، فالصواب في هذا أنه تُقبل توبة كل مرتد بأي نوع كانت ردته، لكن من خفنا منه أن يكون متلاعبًا فإننا نتريث وننظر في صلاحه إلا أن الصحيح من أقوال أهل العلم أن من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه مع قبول توبته يجب قتله، لو تاب يجب قتله بخلاف من سب الله، فإنه إذا تاب لا يُقتل، والفرق بينهما أن حق الرسول صلى الله عليه وسلم حق لآدمي لم نعلم أنه سمح به، أما حق الله فهو حق الرب سبحانه وتعالى الذي نعلم أنه يسمح به عندما يتوب المرء إليه.
وقد صنف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابًا سماه الصارم المسلول في تحتم قتل شاتم الرسول، مجلدًا كبيرًا، وبين الأدلة على ذلك، وأن الصحابة اتفقوا على قتله ولا ريب أنه إذا سب الرسول عليه الصلاة والسلام سبًّا شخصيًّا يتعلق بشخصه، لا ريب أنه يكفر، وأنه إذا تاب قتل حدًّا؛ لأن السب هنا مُنصب على الرسول شخصيًّا كما لو سب هو (
…
) بالفسوق والفاحشة، وما أشبه ذلك، أما إذا سبه بما يتعلق بالرسالة والديانة فإنه قد يقال: إنه تقبل توبته؛ لأنه هنا مغلب جانب حق الله؛ لأنه سبه من أجل أنه رسوله، أما لو قال: إنه شاعر، كلمة شاعر هذه سب ولَّا غير سب؟
طلبة: سب.
الشيخ: بالنسبة للرسول وللرسالة سب، لكن بالنسبة للمعنى العام ليست بسب فإن الشعراء منهم المؤمنون الذين يفعلون ما يقولون.
فالمهم أنه لو قيل بأن يفرق بين مَنْ سب الرسول عليه الصلاة والسلام في أمر يتعلق بالرسالة فإن هذا تُقبل توبته؛ لأن هذا السب يَنصبُّ على الدين الذي هو دين الله عز وجل، وليس دين محمد صلى الله عليه وسلم، وبين أن يسبه لشخصه، ففي الثانية يقتل ولو تاب، وفي الأول إذا تاب لا يقتل كما لو قال: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم ليس برسول، ولكنه شاعر، شاعر سحر الناس ببيانه، ثم رجع، وقال: أشهد أنه رسول الله حقًّا، وأن ما جاء به فهو وحي، فهنا شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام لم تتأثر به؛ لأنه ما وصفه بأمر يعود إلى شخصه لو قيل بهذا لكان فيه جمع بين القولين، قول من يقول: إنه إذا تاب من سب الرسول صلى الله عليه وسلم، وقبلنا توبته فإنه لا يقتل، وقول من يقول: إنه يقتل، ولو قبلنا توبته، فإذا قلتم: ما هي فائدة القول بقبول توبته مع وجوب قتله؟
قلنا: الفائدة الإصلاح، ولأنا إذا قلنا بقبول توبته قتلناه مسلمًا، قتلناه وهو مسلم يُغسل ويُكفن، ويُصلَّى عليه، ويُدفن مع المسلمين، ويُورث بخلاف ما إذا قلنا بعدم قبول توبته.
الحاصل الآن، نقول: المرتد له حكمان؛ حكم في الدنيا، وتعلق به مبحثان؛ المبحث الأول: فيما هل تقبل توبته من كل (
…
) أو لا تقبل؟
والمبحث الثاني: هو هل ينظر حتى يتوب أو لا يتوب أو لا ينظر؟
ومن المعلوم أن هذا الأخير خاص فيمن تُقبل توبته أو لا؟ أما من لا تقبل توبته فإنه لا فائدة من إنظاره إذا قلنا بأن من المرتدين من لا تقبل توبته، أما حكمه في الآخرة المرتد، فإن المرتد في الآخرة يكون خالدًا في النار والعياذ بالله مخلدًا فيها، وإذا كان من المنافقين صار في الدرك الأسفل من النار أعظم من أكبر الكافرين الجاحدين.
وأما عن ما يترتب عليه من الحقوق فإنكم قد سبق لنا عدة مرات أنه يترتب عليه إذا كان معه زوجه أن النكاح ينفسخ، وأن ذبيحته لا تحل، وأنه لا يرث ولا يورَث من المسلمين إلى آخر ما قدم لنا البحث.
طالب: يعني ما تختلف (
…
) ساب الرسول صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: بلى، تختلف إي نعم، تختلف.
الطالب: (
…
) أقل (
…
).
الشيخ: أقل مما يعد بالأخلاق.
طالب: لو مثلًا (
…
).
الشيخ: إي، ليس كالأول ما فيه شك أنه أهون إلا أنه يدل على تنقصه لهم.
طالب: الحكم مُطبق عليه.
الشيخ: إي نعم، الردة تطبق عليه.
طالب: (
…
).
الشيخ: ما نحكم بردته، وهو ما يصلي في المسجد، قد يصلي في بيته.
طالب: لكن ويش يعرفنا؟
الشيخ: آه، ويش يعرفنا يعرفنا هذا إن (
…
) عنه.
طالب: (
…
).
الشيخ: هذا شيء بينها وبين الله يجب مثلًا على زوجته، إذا رأت أن الرجل ما يصلي لا في البيت ولا في المسجد، وربما (
…
) -والعياذ بالله- بهذا (
…
) أسأل الله يهديه، هذا واضح، والشيء اللي ما ندركه ليس علينا أن نحكم به ما نحكم إلا بما يظهر.
طالب: أما إذا كان (
…
).
الشيخ: ويش (
…
) نبحث عنه؟
الطالب: نبحث عن (
…
).
الشيخ: هذا ينبني على التهمة إذا قال: فيه تهمة قوية فلا حرج أنه يتحقق، أما مجرد أنه من كل ما فيه فلا يجوز أن نبحث تجسس هذا يا أخي.
الطالب: عدم صلاته في المسجد ما هي تهمة.
الشيخ: عدم صلاته، ما هي بتهمة، دي هذه ظاهرة يقال: ليش ما تصلي؟ ثم إذا أبدى عذرًا وإلا فإنه يعزر حتى يصلي.
طالب: (
…
).
الشيخ: إي نعم، الذي يظهر لي أنه لا يحكم بكفره إلا إذا كان يعتقد عدم الوجوب، إذا أنكر الوجوب حكم عليه من جهة الجحود، أما إذا كان تهاون هو ما تركها بالكلية، وظاهر الحديث، فمن تركها ظاهره أنه يتركها نهائيًّا مع أن بعض العلماء يرى أن يكفر بترك صلاة واحدة.
بماذا تحصل الردة وبماذا يحصل الرجوع منها؟
هذه مسألة في الحقيقة من أشكل ما يكون في أبواب الفقه، الذي تحصل به الردة من المعلوم أن الكفر نوعان كل أنواع الكفر تعود إلى شيئين؛ إما جحود أو استكبار.
إما جحود، ويدخل فيه جميع أنواع التكذيب، ومنها الشرك فإنه نوع من الجحود؛ لأنه جحد وحدانية الله (
…
) معه غيره، وإما استكبار عن الحق، فمثلًا من أنكر وجود الله فهذا كافر كفر جحود، ومن ادعى أن معه غيره في الخلق والتدبير فهو أيضًا كافر كفر جحود؛ لأنه جحد وحدانية الله سبحانه وتعالى.
ومن أنكر ما سمى به نفسه فهو كافر أيضًا، لو قال: ليس الله بسميع، وليس بعزيز، وليس بحكيم، وما أشبه ذلك؛ فإنه كافر؛ لأنه جحد ما سمى به نفسه، ومن جحد صفاته أيضًا فإنه كافر بأن قال: ليس لله سمع، ولا بصر، ولا قدرة، ولا قوة، ولا حكمة؛ فهو كافر أيضًا، وكذلك لو جحد صفة من الصفات الفعلية بأن قال: إن الله لم يستوِ على العرش، وإن الله سبحانه وتعالى لا يأتي للفصل بين عباده، وما أشبه ذلك من الصفات الفعلية والإنكار غير التأويل.
أما من تأول صفة من صفات الله بأن قال مثلًا: الله له يدانِ، والله مُستوٍ على العرش، ولكن يداه بمعنى كذا وكذا، واستواؤه، بمعنى كذا وكذا؛ فهذا لا يكفر، ولكن ينظر فإن كان للتأويل مساغ في اللغة العربية التي نزل بها القرآن صار بذلك فاسقًا لا كافرًا، ولماذا نُفسِّقه؟ لخروجه عما كان عليه السلف، ولكننا لا نُكفِّره لاحتمال ما تأول به لغة، والقرآن نزل باللغة العربية، أما إذا لم يكن له مساغ في اللغة أوَّله إلى معنى لا يمكن أن يصح بأي حال من الأحوال في اللغة العربية فإنه يكون كافرًا؛ لأن تأويله لهذه الصفة على هذا الوجه، ويش معناه؟ معناه الجحود مثل رجل معه كيس من القطن، فقال: ليس الذي معي خبز، وإنما هو دراهم، أنا أؤول الخبز إلى دراهم يصلح؟
طالب: لا.
الشيخ: ويش معنى هذا؟ معناه جحد الخبز، قال: هذا دراهم، وليس خبزًا. إذن هذا جحود، هذا في الحقيقة تكذيب، فإذا قال مثلًا: المراد باليد، المراد بها؛ السمع يُراد بيد الله، سمع الله ويش يصير هذا؟ هذا جحود كفر؛ لأنه ما يمكن تطلق اليد في اللغة العربية بأي حال من الأحوال على معنى السمع، فهذا كأنه يقول: ليس لله يد.
والحاصل الآن أن من أنكر صفة من صفات الله فإنه كافر، وكفره كفر جحود، ومن أول الصفة فإنه ينظر في تأويله إن كان لها مساغ في اللغة العربية فليس بالكافر، ولكنه فاسِق بخروجه عما كان عليه السلف الصالح. ومن أولها على وجه لا مساغ له فإنه يكفر؛ لأن ذلك معناه الجحود.
بقينا مثلًا في مسألة الفاسق أنتم تقولون: إذا قلنا بأنه فاسق فإنه يشكل علينا مسائل، وهو أن بعض العلماء المعروفين بالنصح للإسلام وللمسلمين قد سلكوا هذا المسلك، فهل تحكمون عليهم بالفسق أو لا؟
نقول: لا نحكم عليهم بالفسق بناءً على ما ظهر لنا من حالهم إلا أننا نقول: إن هذا التأويل فِسْق، وهناك فرق بين تكفير الشخص، وتكفير الجنس؛ فالشخص ما يجوز أنك تطلق عليه الكفر حتى تعلم أنه كافر، وقد شهدت النصوص بهذا بالاعتبار؛ فإنه يجوز أن تقول: لعنة الله على الكاذبين وعلى الكافرين، وما أشبه ذلك، لكن ما يجوز أن تلعن شخصًا معينًا كذلك أيضًا، تقول مثلًا: من أول صفة من صفات الله بخلاف ما أولها عليه السلف فإنه فاسق، لكن ما تقول مثلًا: إن فلانًا فاسق، وفلانًا فاسق لاحتمال أن يكون معذورًا عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن المجتهد إذا أخطأ لم يكن فاسقًا، ولكنه يكون مأجورًا بأجر واحد، ويدل لذلك من السنة أيضًا، بل ومن القرآن لو شئنا وتوسعنا في الاستدلال.
من السنة قصة الرجل الذي أضاع ناقته، ثم اضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت، فإذا بخطام ناقته متعلقًا بالشجرة فأخذ به وقال: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح (15). لو نظرنا إلى هذه الكلمة من حيث هي كلمة لحكمنا بأنها كفر ولَّا لا؟
الطلبة: كفر.
الشيخ: كفر، لكن باعتبار القائل: ليس هو بكافر؛ لأن حاله أوجبت ألا يكون كافرًا بهذه الكلمة، كذلك في الرجل الذي كان مسرفًا على نفسه، فقال لأهله: إذا مت فأحرقوني واذروني في اليم. خائفًا من الله عز وجل وظانًّا أنه بهذا العمل يسلم من العقاب، ولكن الله تعالى أمره فأقامه، وسأله فقال: إني خفت من عذابك. فقال الله تعالى: أنقذك خوفي، أو كما قال سبحانه وتعالى: من عقابي (16).
فهذا الرجل يعتبر بفعله هذا شاكًّا في قدرة الله سبحانه وتعالى، والشك في قدرة الله كُفْر، لكن هذا الرجل نفسه ليس بالكافر، كذلك أيضًا هذا من السنة.
من القرآن لو أردنا أن نتوسع من أكره على الكفر، فقال الكفر، قال كلمة الكفر، لكنه مكره، فهل يحكم بكفره؟
لا، إذن هناك فرق، وهو مهم جدًّا بين القول والقائل، والفعل والفاعل، الفعل قد تحكم بأنه كفر أو فسق، وكذلك القول، لكن لا تحكم بأن كل من اتصف به فهو كافر أو فاسق، إذن (
…
) أن نعود نقول مثلًا المنكر لصفة من صفات الله الثابتة، ما حكمه؟
كافر والمؤول لها إن كان على وجه لا يسوغ لغة فهو كافر؛ لأن تأويلها إذن بمنزلة إنكارها، وإن كان على وجه يسوغ لغة فهو فاسق، وليس بكافر، وإنما حكمنا بفسقه لخروجه عما كان عليه السلف الصالح، ولم نحكم بكفره؛ لأن ما قاله محتمل، والقرآن نزل باللغة العربية وإن كانت الاحتمالات يا جماعة بعد هذا.
نقول: الاحتمالات ليست سواء بالقرب والبعد، منها الاحتمال الضعيف، ومنها الاحتمال القوي، ومعلوم أنه كلما قوي احتمال تأويله خف الحكم بفسقه، وكل ما ضعف احتمال تأويله فإنه يقوى الحكم بفسقه حتى ربما يصل إلى الكفر.
الاستكبار يدخل فيه أيضًا:
أولًا: الحكم بغير ما أنزل الله معتقدًا أن هذا هو الأصلح للخلق، وأن حكم الله لا يصلح الخلق، هذا يعتبر كفرًا مخرجًا عن الملة، وهو من كفر الاستكبار، مستكبر ما جحد، يقول: هذا حكم الله، لكن يرى أن الحكم الثاني أوْلى، هذا مستكبر.
كذلك أيضًا من حكم الاستكبار ترك الصلاة، من حكم الاستكبار؛ لأنه في الحقيقة استكبر عن عبادة أمره الله بها، بل فرضها على رسوله مباشرة بدون واسطة، وفي الملأ الأعلى، ومع ذلك وردت النصوص بالعقوبة على تاركها، وبأن تركها كفر؛ فالذي يتركها في هذه الحال معناه أنه مستكبر عن عبادة الله سبحانه وتعالى فيكون كفرًا.
ولكن الاستكبار في الحقيقة ليس كل ..
هنا توقف الشيخ رحمه الله عن شرح متن الزاد إلى الشرح من مذكرة أخرى.
لو أن الإنسان عقد بيساره مستكبرًا على العقد باليمين، يكون كفرًا ولَّا لا؟
طلبة: لا.
الشيخ: ليس بكافر، وليس بفاسق إذا قلنا بأن العقد باليمين على سبيل الاستحباب، فالصحيح أنه على سبيل الوجوب، فيكون من أصر عليه فاسقًا. إذن كفر الاستكبار لا نأخذه على إطلاقه؛ بمعنى أن كل مستكبر يكون كافرًا، بل لا بد من الرجوع في ذلك إلى ما دلت عليه النصوص.
بخلاف كفر الجحود؛ لأن الجحود نفسه تكذيب، وأنت لو كذبت الله في أي خبر يكون المكذب كافرًا، لو كذب الله فيما قص علينا من قصص الأنبياء إذا كان كافرًا.
فإذن نقول: تحصل الرِّدة، الحقيقة أن أنواعها أو أفرادها يصعب حصره، لكنها تدور كلها على نوعين هما: الجحود، والاستكبار.
ما رأيكم فيمن سب الصحابة رضي الله عنهم؟ من سب الصحابة يكون كافرًا؟ إي نعم، يكون كافرًا، اللي يسب الصحابة على الإطلاق، ما هو باللي يسب شخص معين يسبه على الإطلاق، يسبه. يكون كافرًا، لماذا؟ لأنه يتضمن تكذيب الشريعة كلها؛ إذ إن الشريعة إنما جاءتنا بواسطة مَنْ؟
طلبة: الصحابة.
الشيخ: الصحابة، فإذا قُدِّر أنهم كلهم كفار، أو كلهم فُسَّاق، أو كلهم كذبة، أو ما أشبه ذلك، فأين الدين؟ من أين نعرف ديننا إلا من طريقهم؟
فإذا قمت لتحكم بأنهم كلهم كفار أو فُسَّاق، فمعنى ذلك أننا لا نقبل شيئًا من الشريعة؛ لأنها جاءت من طريق أناس لا يُوثق بهم. فهذه المسألة هذا الذي قلنا فيه هو الصحيح؛ وإن كان بعض العلماء يقول: إن سب الصحابة ليس بكفر، ولكن الصواب أنه كفر.
وأما من سب واحدًا منهم؟ فهذا محل نظر، باعتبار نوع السب، وباعتبار نوع الشخص الذي سبه؛ فقد يسب مثلًا الإنسان شخصًا معينًا حصل منه خطيئة معينة يسبه بها، فهذا لا يؤدي إلى الكفر، وقد يسب شخصًا مبرأ من هذا الأمر، وليس من أهله فيكون بذلك كافرًا.
على كل حال مسألة سب المعيَّن -الشخص المعين- يحتاج إلى تفصيل، ولا يمكن الحكم عليه بحكم واحد بالنسبة لجميع الصحابة، ولا بالنسبة لنوع الصفة التي سبَّه بها.
يقول العلماء من جملة الردة: إذا جحد تحليل ما أجمع الناس على تحريمه، مما عرف بالضرورة من دين الإسلام، مثل؟
طالب: الزنى.
الشيخ: تحريم الزنى، مثل لو قال: الزنى ليس بمحرم، فهذا كافر، لو قال: الميتة ليست حرامًا؟
طالب: كذلك.
الشيخ: فهو كافر، لو قال .. لا، الغناء محل اجتهاد.
طالب: الربا.
الشيخ: نعم، الربا، لو قال: الخبز ليس بحلال، الخبز حرام، يصير كافرًا؟
طالب: ينظر (
…
).
الشيخ: الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87]، ثم قال:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89].
وقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] ثم قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2].
كيف نقول: إنه إذا حرم الحلال يصير كافر؟
طالب: (
…
).
الشيخ: إي نعم، التحريم في الحقيقة له متعلقات: تارةً يقصد بالتحريم المنع، يعني أنه يمتنع منه، فهذا حُكمه حكم اليمين؛ وتارةً يقول: إنه حرام تكذيبًا لقول الله، ويعتقد أنه حرام؛ فهذا هو الذي يكون كفرًا، وتارة يقصد بالتحريم أن الله حرمه، ما هو أنا اللي حرمته ورددت حكم الله؛ إن الله هو الذي حرمه، فهذا نقول له: كذبت، نقول: هذا كاذب.
فصار شوف الآن التحريم له متعلقات: إذا قصد أنه هو نفسه شرع تحريمه مضادًا لله فهذا كفر، وإذا قصد أن الله هو الذي حرمه؛ فهذا كاذب، إذا قصد أنه يمنعه عن نفسه؛ فهذا يمين؛ ولهذا روي عن ابن عباس فيمن حرم زوجته روي عنه روايتان:
رواية يقول: «لَيْسَ بِشَيْءٍ» (1)، ورواية يقول:«هِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا» (2). اللي يقول: ليس بشيء، يريد بذلك أنه إذا قال: إن الله حرمها فإننا نقول له: إن الله ما حرمها، كلامك هذا كلام كذب، وليس له حكم (
…
)، فالمسائل في الحقيقة باعتبار النيات في مثل هذه الأمور (
…
).
يحصل الرجوع من الردة بحسب ما حصل به الردة، يعني أن الرجوع عن الردة يحصل بتصحيح ما حصلت به الردة؛ فمثلًا إذا كانت رددته بتكذيب فإن الرجوع منها يكون بالتصديق، مثل لو كان لا يؤمن باليوم الآخر هذا كفر يحصل الرجوع عنه بأي شيء؟ بالإقرار به.
لو كان كفره بترك الصلاة وهو من قسم الاستكبار؛ فإن رجوعه يكون بأي شيء؟ بفعل الصلاة. لو كان ردته بجحد تحريم الزنى؛ فإن رجوعه يحصل بالإقرار به.
والمهم أن الرجوع في الحقيقة يتبع الردة، فكل ما حصلت به الردة، فإن الرجوع عنها هو بزوال ذلك الموجب للردة، أو أن يقول: عبارة عامة، أنا ملتزم بالإسلام وبريء من كل ما يخالفه. فإذا قال هذه العبارة العامة، فإنه يعتبر راجعًا عن الردة ومسلمًا.
ومع ذلك نقول -فيما إذا قال: أنا ملتزم بالإسلام وبريء من كل ما يخالفه- نقول: إنه ينبغي أن ينص على النوع الذي ارتد به، ويبين أنه راجع عنه؛ لأنه يخشى أن يقول: أنا ملتزم بالإسلام وبريء من كل ما خالفه، وينوي بقلبه إلا ما جحده مثلًا، فهنا ينبغي؛ لو قبلنا منه ذلك أن نقول له وكذا وكذا، ويذكره مع العموم يخصه مع العموم لأجل أن يزول الإشكال.
***