المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الشك في الطلاق] - الشرح الصوتي لزاد المستقنع - ابن عثيمين - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌(باب صفة الصلاة)

- ‌[مكروهات الصلاة]

- ‌[أركان الصلاة وواجباتها]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌(كتابُ الْمَنَاسِكِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط وجوب الحج والعمرة]

- ‌[باب المواقيت]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌(بابُ مَحظوراتِ الإحرامِ)

- ‌(بابُ الفِديةِ)

- ‌(باب جزاء الصيد)

- ‌[باب صيد الحرم]

- ‌[باب ذكر دخول مكة]

- ‌[باب صفة الحج والعمرة]

- ‌[باب الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي والأضحية]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب البيع

- ‌[باب شروط البيع]

- ‌[باب الشروط في البيع]

- ‌[باب الخيار]

- ‌[باب الربا والصرف]

- ‌[باب بيع الأصول والثمار]

- ‌[باب السلم]

- ‌[باب القرض]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[باب الضمان]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[باب الصلح]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[باب الوكالة]

- ‌(باب الشركة)

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[باب المزارعة]

- ‌[باب الإجارة]

- ‌[باب السبق]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[باب الشفعة]

- ‌[باب الوديعة]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب الجعالة]

- ‌[باب اللقطة]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌(كتابُ الوَقْفِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الهبة والعطية]

- ‌[فصل في تصرفات المريض]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب الوصايا

- ‌[باب الموصى له]

- ‌[باب الموصى به]

- ‌[باب الوصية بالأنصباء والأجزاء]

- ‌[باب الموصى إليه]

- ‌(كتابُ النِّكاحِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[أركان النكاح]

- ‌[شروط النكاح]

- ‌[باب المحرمات في النكاح]

- ‌[باب الشروط والعيوب في النكاح]

- ‌[باب نكاح الكفار]

- ‌[باب الصداق]

- ‌[باب وليمة العرس]

- ‌[باب عشرة النساء]

- ‌[باب الخلع]

- ‌(كتاب الطلاق)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب ما يختلف به عدد الطلاق]

- ‌[باب الطلاق في الماضي والمستقبل]

- ‌[باب تعليق الطلاق بالشروط]

- ‌[باب التأويل في الحلف]

- ‌[باب الشك في الطلاق]

- ‌[باب الرجعة]

- ‌(كتابُ الإيلاءِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[من يصح منه الإيلاء]

- ‌[مدة الإيلاء وما تحصل به الفيئة أو فسخ النكاح]

- ‌(كتابُ الظِّهارِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[كفارة الظهار]

- ‌(كتابُ اللِّعانِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط صحة اللعان]

- ‌[ما يلحق من النسب]

- ‌(كتابُ العِدَدِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الاستبراء]

- ‌(كتابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط الرضاع المحرِّم]

- ‌[من يُحَرَّم بالرضاع]

- ‌[مدخل]

- ‌[باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم]

- ‌[باب الحضانة]

- ‌[باب شروط القصاص]

- ‌[باب استيفاء القصاص]

- ‌[باب العفو عن القصاص]

- ‌[باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس]

- ‌(كتاب الديات)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب مقادير ديات النفس]

- ‌[باب ديات الأعضاء ومنافعها]

- ‌[باب الشجاج وكسر العظام]

- ‌[باب العاقلة وما تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب القطع في السرقة]

- ‌[باب حد قطاع الطريق]

- ‌[باب حد المسكر]

- ‌[باب قتال أهل البغي]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب حكم المرتد]

- ‌(كتاب الأطعمة)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الذكاة]

- ‌[باب الصيد]

- ‌(كتاب الأيمان)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌(كتاب القضاء)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب آداب القاضي]

- ‌[باب طريق الحكم وصفته]

- ‌[مدخل]

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌[باب موانع الشهادة وعدد الشهود]

الفصل: ‌[باب الشك في الطلاق]

(لم يحنَثْ في الكلِّ)، بناءً على أنه أراد بلفظه ما يخالف ظاهره.

إذن التأويل فيه مندوحة عن الكذب، لكن هل يجوز أو لا يجوز؟ عرفتم التفصيل.

***

[باب الشك في الطلاق]

ثم قال: (بابُ الشَّكِّ في الطلاق).

الشك: التردد فيه، وأسباب الشك كثيرة، فقد يتردد في وجود سببه، وقد يتردد في وقوعه. واعلم أن الشك في الطلاق لا يعتبر إذا كان من موسوس، ولهذا صرح كثير من العلماء بأن الموسوس لا طلاق عليه؛ لأنه موسوس. والموسوس -نسأل الله لنا ولكم السلامة- يشك في كل شيء، ينتهي من الوضوء، يشك هل نوى؟ يُصلي ويشك هل نوى؟ وأشياء كثيرة.

فيه الشك في الطلاق، يشك هل طلَّق أو لا؟ هل علقه على شيء أو لا؟ هل هذا الشيء الذي علقه عليه وُجِد أو لا؟

المهم أن الشك كثير، فنقول أو (

): من كثرت شكوكه في ذلك فلا عبرة به، أي بشكه؛ لأنه وسواس، والوسواس لا يقع به الطلاق.

ومن كان شكُّه معتدلًا وحقيقيًّا، فهنا قال بعض العلماء: إن الورع التزام الطلاق مع الشك، وقال آخرون: الورع عدم التزام الطلاق مع الشك. أيهما أصوب؟ الأول ولَّا الثاني؟

طالب: الثاني يا شيخ.

الشيخ: بعضهم قال: الورع التزام الطلاق، وقال بعضهم: الورع عدم التزام الطلاق؟

طالب: الثاني.

طالب آخر: الأول.

الشيخ: الأول.

طالب: الثاني.

الشيخ: الثاني. اختلفتم كما اختلف العلماء من قبلكم؛ بعضهم يقول: الورع التزام الطلاق، وبعضهم قال: الورع عدم التزام الطلاق، وهذا هو الصواب: أن الورع عدم التزام الطلاق؛ لأن الأصل بقاء النكاح، فالورع التزام النكاح، ولأننا إذا قلنا: إن الورع التزام الطلاق وفرَّقنا بينهم، ارتكبنا محظورين: الأول: التفريق بين الزوجين، والثاني -وهو أشد-: إحلال هذه المرأة لغيره؛ لغير الزوج، وقد تكون إلى الآن في عصمته.

فإن قال: أنا ما لي وللشك، أبتها الآن. نعم، هذا يوجد يا إخوان، يوجد، فمن شدة الضغط النفسي عليه بالشك قال: خلاص أستريح، هي طالق، ثم يطلق. هل يقع الطلاق؟

ص: 3170

طالب: لا يقع.

طالب آخر: يقع.

الشيخ: لا يقع الطلاق.

الطالب: (

).

الشيخ: ما يقع الطلاق. وأنت ليس لك زوجة، وإلا قلت لا يقع الطلاق! ! هو على كل حال لا يقع الطلاق، لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» (5)، وهذا مغلق عليه المسكين لشدة ما وقع في نفسه من الشك والضغط النفسي طلَّق. نقول: لا طلاق عليه.

نظيره من بعض الوجوه، واحد يستفتي، يقول: والله أنا شكيت هل أحدثت ولَّا لا؟ شك هل أحدث ولَّا لا؟ قال: إذن أروح الحمام علشان أنقض وضوئي يقينًا! هل هذا طريق مشروع؟ لا، الطريق المشروع ألا تلتفت إلى هذا الشك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» (6)، وهذا هو الحل الصحيح؛ لأنك لو ذهبت وتوضأت، ثم عدت، سوف يعود عليك الشك، تروح تتوضأ على قاعدتك، لكن على القاعدة النبوية لا تلتفت، الأصل بقاء الطهارة، وهذا أصل أسسه النبي صلوات الله وسلامه عليه؛ ليعم كل شيء موجود الأصل بقاء وجوده، ولا تلتفت للشك، فتستريح. ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على الشك في الطلاق.

طالب: شيخ، بارك الله فيك، أحيانًا إذا أراد شخص أن يصلح، ولكن لا (

) عليه التأويل، فهل يأثم؟

الشيخ: لكن يكذب؟

الطالب: إي نعم.

الشيخ: معلوم.

الطالب: بنية الإصلاح.

ص: 3171

الشيخ: ما يجوز، ولهذا الكذب في الإصلاح بين الناس، الظاهر أن مراد الرسول عليه الصلاة والسلام هو التأويل، ولهذا قال: إن إبراهيم كذب في ثلاث (4)، وإبراهيم ما كذب، ولكنه تأوَّل؛ لأن الكذب من خصال المنافقين، ولا يمكن أن يُباح، لكن هذه الصورة التي ذكرت ترد فيما لو أُكرِه على الطلاق، أُكرِه أن يطلق، فإن استحضر التأويل سهل عليه الأمر، فيقول: هي طالق؛ يعني من قيد، يعني غير موثَّقة، وهذا لا شك أنه ينفعه؛ لأنه مظلوم، لكن لو قال: هي طالق بناءً على الإكراه، فهذا فيه خلاف بين العلماء، والصواب أنها لا تطلق، ما دام فِعْله إياه لداعي الإكراه فلا تطلق، لكن لو نوى الطلاق؛ لأنه أُكرِه لا دفعًا للإكراه، فقيل: يقع، وقيل: لا يقع، والصواب أنه لا يقع. ففهمتم الآن أن المسألة لها ثلاث حالات، فهمتوها الثلاث حالات؟

طالب: حالتان.

الشيخ: لا، ثلاثة؛ الحال الأولى: أن يتأول؛ هذه واضحة ولَّا لا؟ ويش ينوي بطالق؟ طالق من وثاق.

الحال الثانية: أن ينوي دفع الإكراه، ما نوى الطلاق، لكن يقول: أنا بفتك منهم، فهذه لا تطلق.

الحال الثالثة: أن ينوي الطلاق، لكن لأنه أُكره عليه، فالصواب أنها لا تطلق أيضًا؛ لأنه في الواقع مُكره على الطلاق.

طالب: شيخ، بالنسبة لو اتصل واحد يتكلم في التلفون وقال: فلان موجود، وأشرت إلى الزاوية وقلت: ما هو موجود هنا. بعض العلماء في سِيرهم يقول: ليس موجودًا هنا، فهل هذا من الكذب أو من التأويل؟

الشيخ: من التأويل.

الطالب: وجائز؟

الشيخ: إي، جائز ما فيه شك، إن كان لمصلحة فهو مطلوب، وإن كان لدفع ضرر على الرجل فهو واجب.

الطالب: عن نفسه يا شيخ، يسأل عني؟

الشيخ: يسأل عنك؟

الطالب: إي نعم.

الشيخ: كيف يسأل عنك وأنت تجاوبه؟ أو ما يعرف صوتك؟

الطالب: ما يعرف صوتي، وقلت: ما هو في الزاوية هذه مثلًا.

الشيخ: يعني مثلًا أنت اسمك محمد؟

الطالب: أنا اسمي فيصل.

الشيخ: يلَّا يا فيصل، (

) عليك: وين فيصل؟

ص: 3172

الطالب: ما هو موجود هنا.

الشيخ: إي، لا بأس، ما فيه مانع.

طالب: في عصرنا هذا يا شيخ كثرت التورية، فهل يصح أن تكون تربية إسلامية أن نقول: إنه حرام يا شيخ؟

الشيخ: والله المسألة -كما قلت لك- كلام شيخ الإسلام رحمه الله جيد؛ لأن الإنسان إذا اطلع على أنه كلما تكلم، وإذا هو متأول أو مُوَرٍّ، لا يثق الناس به.

طالب: (

).

الشيخ: ولا هو بالناس رايحين كلما تكلم قالوا له: احلف، وإذا حلف كما قلت لكم: يتأول في حلفه. انتهى الجواب ولَّا لا؟

الطالب: (

الشيخ: ويش اللي فيه؟

الطالب: هل هو حرام ولَّا لا يجب؟ قل لي يا شيخ؟

الشيخ: إي نعم، نوع التربية هذه، نقول: إن كلام شيخ جيد، إنه حرام (

)

***

طالب: رحمه الله تعالى: بابُ الشَّكِّ في الطلاق، من شكَّ في طلاقٍ أو شَرْطِهِ لم يَلْزَمْه، وإن شكَّ في عَددِه فطلْقةٌ، وتباحُ له، فإذا قال لامرأتَيْهِ: إحداكُما طالقٌ، طلُقتِ المَنْويةُ وإلا من قُرِعَتْ، كمن طلَّقَ إحداهُما بائنًا ونسيها، وإن تبيَّنَ أن المطلَّقةَ غيرُ التي قُرعتْ رُدَّتْ إليه ما لم تتزوجْ أو تكن القُرْعةُ بحاكمٍ.

وإن قال: إن كان هذا الطائرُ غُرابًا ففلانة طالقٌ، وإن كان حمامًا ففلانة، وجهل لم تطلُقا، وإن قال لزوجتِه وأجنبيَّةٍ اسمُهما هندٌ إحداكُما أو هندٌ طالقٌ طلُقَتْ امرأتُه، وإن قال: أردتُ الأجنبيةَ لم يُقبلْ حُكمًا إلا بقرينةٍ، وإن قال لمن ظنَّها زوجتَه: أنتِ طالقٌ طَلُقتِ الزوجةُ، وكذا عكسُها.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: (والشَّك في الطَّلاق) وقبل أن نبدأ بالشك في الطلاق نسأل: التأويل هو أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره، وهل هو جائز؟

طالب: فيه تفصيل.

الشيخ: فيه تفصيل.

الطالب: أن يكون ظلمًا.

الشيخ: إن كان ظالمًا لم ينفعه ولَّا نَفَعه؟

الطالب: نعم، لا يجوز.

الشيخ: أقول: هل ينفعه التأويل أو لا؟

الطالب: لا ينفعه.

ص: 3173

الشيخ: لا ينفعه إذا كان ظالمًا. هذا واحد، هات التفصيل؟

الطالب: الثانية: جائز إذا ..

الشيخ: إذا كان مظلومًا، فهو؟

الطالب: جائز.

الشيخ: فهو جائز، وقد يكون واجبًا. الثالث؟

الطالب: ما أعرف.

الشيخ: ما تعرف؟ وليد يعرف؟

طالب: نعم يا شيخ، غير المظلوم والذي ..

الشيخ: الذي ليس بمظلوم ولا ظالم؟

الطالب: هو جائز يا شيخ، لكن الأفضل تركه.

الشيخ: فإن كان لمصلحة أو حاجة فهو جائز، وإلا ففيه قولان للعلماء؛ أحدهما: أنه حرام، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، والثاني: أنه جائز.

انتبهوا لهذا، هذه قواعد وأصول، ما هي مسائل فردية، لازم تمكث في أذهانكم وإلا خسارة.

طيب، المهم التأويل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أن يكون من ظالم فحرام، أن يكون من مظلوم فجائز وقد يكون واجبًا، أن يكون من لا ظالم ولا مظلوم؛ فهذا إن كان لمصلحة أو حاجة فهو جائز، وإلا فإن من العلماء من حرمه؛ لأنه إذا اطُّلع عليه صار كاذبًا عند الناس.

ثم قال: (باب الشك في الطلاق) الشك في الطلاق هو التردد بين قوله أو عدم القول، يعني هل طلق أم لا، أو الشك فيمن وقع عليه الطلاق من النساء، هل هي هند أو عائشة، فالشك إذن يكون في صيغة الطلاق، هل تلفَّظ بها أو لا، وفيمن وقع عليه الطلاق هل هي هند أو دعد؟

واعلم أن الشك لا عبرة به إذا وقع من شخص كثير الشك؛ لأنه حينئذٍ يكون موسوسًا، وطلاق الموسوس لا يقع، حتى لو صرَّح به، فإن بعض الناس -نسأل الله العافية- يقع في قلبه شك، هل طلق أم لا؟ حتى تصل به الحال إلى أن يقول: ما لي ولهذا القلق؟ امرأتي طالق! فهل يقع الطلاق في هذه الحال؟ لا يقع؛ لأن هذا عن غير إرادة، كالمكره عليه.

ص: 3174

واستطردنا بذكر ما يفعله بعض الناس إذا شك هل أحدث أو لا، ذهب يُحدِث ليقطع عنه الشك، وهذا غلط؛ الذي يقطع الشك هو الأخذ بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» (6). إذن الشك في الطلاق إذا وقع من موسوس كثير الشكوك لا عبرة به.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله الحكم، فقال:(من شكَّ في طلاقٍ أو شَرْطِهِ) وينبغي أن يزيد: أو عين المطلقة، لكن هذا لما كان فيه التفصيل أهمله المؤلف في هذا الكلام، قال:(من شكَّ في طلاقٍ أو شَرْطِهِ لم يَلْزَمْه).

(شك في طلاق) يعني هل طلَّق أو لا؟ فلا يلزمه الطلاق؛ لأن الأصل بقاء النكاح، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في المتطهِّر يشك هل أحدث:«لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» (6).

(أو شك في شرطه) يعني علق الطلاق على شرط، وشك هل وقع هذا الشرط أو لا؟ فإن الطلاق لا يقع؛ لأنه شك في سببه، والأصل عدم الطلاق، مثل أن تخرج امرأته للسوق فيشك هل قال: إن خرجتِ إلى السوق فأنتِ طالق أو لا؟ فإن الزوجة لا تطلق؛ لأن الشك في شرطه كالشك في أصله.

(وإن شكَّ في عَددِه فطلْقةٌ، وتباحُ له).

الشك في عدد الطلاق الأصل، البناء على الأقل، ولهذا قال:(فطلقة)، هذا إذا شك هل طلق ثلاثًا أم واحدة؟ أما إذا شك هل طلق ثنتين أم ثلاثًا فكم يلزمه؟ يلزمه اثنتان.

والخلاصة أن الشك مرفوض مطروح، إن شك في ثلاث أو واحدة فهي واحدة، في ثلاث أو ثنتين فهما اثنتان.

قال: (وتباح له) أي تباح له الزوجة التي شك في عدد طلاقها، أو شك في طلاقها.

(فإذا قال لزوجتيه: إحداكُما طالقٌ، طلُقتِ المَنْويةُ وإلا من قُرِعَتْ).

ص: 3175

إذا قال: إحداكما طالق، قلنا: من تريد؟ قال: أريد الصغيرة، تطلق الصغيرة. قال: أريد الكبيرة، تطلق الكبيرة. حسب نيته، فإن لم ينوِ شيئًا أقرع بينهما، فمن غُلبت فهي المطلقة، والثانية تحل له أو لا تحل؟ تحل، مع احتمال أن تكون هي المطلقة، لكن قال الله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، و {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. وليس لنا طريق إلا القرعة؛ لأننا لو قلنا: تطلق المرأتان، كان ذلك إلزامًا له بما لم يلتزمه، ليش؟ لأنه قال:(إحداكما)، واحدة، فإذا قلنا: تطلق المرأتان، فهو ظلم له، وليس ظلمًا له وحده، بل ظلم للزوجة. ثم ليس ظلمًا للزوجة وحدها، بل ظلم لمن يتزوجها بعد؛ لأن من سيتزوجها سيكون في شك.

إذا قلنا: تطلق واحدة، فمن الواحدة؟ مَنْ؟ مجهولة، هو لم ينوِ شيئًا بقلبه، إذن مَنْ؟ نقول: ما فيه إلا القرعة، فلو قال هو: أنا لم أنوِ شيئًا عند الطلاق، لكني الآن أختار أن تكون فلانة، فهل تتعين؟ نقول: ظاهر كلام المؤلف أنه لا بد من القرعة، والذي يظهر أنه لا بأس أن يعينها، ما دام أبهم وهو المسئول ثم عين، فإننا نرجع إلى تعيينه ونقول: تطلق التي عينها، لكن المؤلف يرى أنه لا بد من القرعة.

(كمن طلَّقَ إحداهُما بائنًا ونسيها) أو (وأُنْسِيَهَا) عندي.

ص: 3176

يعني (كمن طلَّقَ إحداهُما) أي إحدى الزوجتين (طلاقًا بائنًا وأنسيها)، فماذا يصنع؟ هو عيَّن، قال: فلانة طالق ثلاثًا، أو كانت هذه الطلقة بالنسبة لها آخر طلقة، لكن نسي من طلق؟ نقول: استعمل القرعة، مع أنها الآن إذا وقعت عمن لا تبين بهذه الطلقة، فما أسهل أن يُراجعها، يراجعها وينتهي الموضوع إذا كان يريدها، لكن إذا وقع على مَنْ تبينها الطلقة فهو مُشكِل، ونقول: الحمد لله، لا إشكال، ما دام الرجل نسيَ ونقول: تذكر، يقول: ما أتذكر، نمهله يومًا أو يومين، ونقول: تذكَّر، فإذا لم يتذكر فليس فيه إلا القرعة حتى تبقى الثانية حلالًا له.

هل لنا أن نأمره أن يصلي ليتذكر؟

طالب: (

).

الشيخ: تقوله؟

الطالب: نعم.

الشيخ: ويش دليلك؟

الطالب: الشيطان سوف يأتيه ويوسوس له في صلاته (

).

الشيخ: أخشى أن الشيطان يوسوس له بكل شيء إلا ها المسألة.

الطالب: يمكن.

الشيخ: يمكن، لكن يُذكر عن أبي حنيفة رحمه الله أن رجلًا استفتاه في مسألة نسيها، وكانت مسألة كبيرة، فقال له: اذهب وتوضأ وصَلِّ. فذهب الرجل وصلى، وإذا بالشيطان يلقيها في قلبه. فرجع إليه فقال: نعم، إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن «الإِنْسَان إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ أَتَاهُ الشَّيْطَانُ وَقَالَ لَهُ: أَتَذْكُرُ كَذَا؟ أَتَذْكُرُ كَذَا؟ أَتَذْكُرُ كَذَا؟ » (7) إي نعم.

قال: (وإن تبيَّنَ أن المطلَّقةَ غير التي قُرعتْ رُدَّتْ إليه ما لم تتزوجْ أو تكن القُرْعةُ بحاكمٍ) يعني بعد أن أقرع بينهما تبين أن المطلقة غير التي قُرعت، مثاله: طلق إحدى زوجاته، وضرب قرعة، ثم بعد ضرب القرعة تبين أن التي قرعت ليست المطلقة؛ يعني ذَكَر أو ذُكِّر فنقول: ترد إليه، من الذي يرد إليه؟ التي قُرعت، وتطلق الأخرى؛ لأنه أمكننا الآن أن يصل إلى اليقين بدون قرعة.

ص: 3177

ولهذا قال: (ردت إليه ما لم تتزوج أو تكن القرعة بحاكم)، فإن تزوجت فإنه لا يمكن أن ترجع إليه؛ لأنها تعلق بها حق الزوج الثاني، وإن كانت القرعة بحاكم فلا يمكن أن ترد إليه؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، كيف بحاكم؟ يعني أن يكون هذا الرجل تحاكم مع الزوجة عند القاضي وأمر بالقرعة، فإنها لا ترد إليه، وعللوا ذلك بأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، ويقطع النزاع.

(وإن قال: إن كان هذا الطائرُ غُرابًا ففلانة طالقٌ، وإن كان حمامًا ففلانة، وجهل لم تطلُقا)، لا هذه ولا هذه.

هذا رجل مر به طائر، فقال: إن كان هذا الطائر حمامة فهند طالق، وإن كان غرابًا فدعد طالق. الطائر راح، ذهب، ولا ندري ما هو، من يطلق منهما؟ لا طلاق؛ لأنه يحتمل أنه ليس غرابًا ولا حمامة، وحينئذٍ نكون قد شككنا فيمن وقع عليها الطلاق، فلا يقع، بل لا نقول شككنا فيمن وقع عليها الطلاق، بل شككنا في وقوع الطلاق على واحدة منهما؛ لأننا لا ندري إن كان غرابًا أو كان حمامًا أو كان غيرهما.

فإن قال: إن كان هذا الطائر غرابًا فهند طالق، وإن كان غير غراب فدعد طالق، ماذا يكون؟ لا بد أن إحداهما طلقت؛ لأن هذا الطائر إما غراب أو غير غراب؛ إحداهما طلقت، كيف نعرفها؟ بالقرعة، نعم، نعرفها بالقرعة.

(وإن قال لزوجتِه وأجنبيَّةٍ اسمُهما هندٌ: إحداكُما، أو قال: هندٌ طالقٌ طلُقَت امرأتُه) رجل وجد امرأته ومعها امرأة أخرى، فقال: إحداكما طالق. من المعلوم أنه لا يمكن أن يقع الطلاق على المرأة التي ليست زوجته، من يطلق إذن؟ الزوجة.

أو (اسمُهما هندٌ) الزوجة اسمها هند، والأخرى اسمها هند، فقال: هند طالق، من يطلق؟

طالب: زوجته.

ص: 3178

الشيخ: والأخرى؟ هو ما عين، قال: هند، وكل منهما تسمى هندًا؟ يقع الطلاق على زوجته؛ لأنه لا يملك طلاق هند التي ليست زوجة له، فإن كان قد وكل في طلاقها وقال: هند طالق، وكلتاهما اسمها هند، من يطلُق؟ تطلق إحداهما بقرعة، ولكن في هذا المثال يغلب على الظن، تسعين في المئة أو أكثر أنه أراد الزوجة التي وُكِّل في طلاقها؛ لأنه ليس بينه وبين زوجته مشكل، فيُحمل على التي وُكِّل في طلاقها، إلا أن يكون له نية، فعلى ما نوى.

(وإن قال: أردتُ الأجنبيةَ لم يُقبلْ حُكمًا إلا بقرينةٍ).

(إن قال: أردت الأجنبية) في أي مسألة؟

في قوله: (إحداكما طالق)، أو قوله:(هند طالق) وكلتاهما اسمها هند.

(إذا قال: أردت الأجنبية) يعني من ليست زوجة لي، فإنه (لم يُقبل حُكمًا) أي فيما لو ترافع هو وامرأته إلى القاضي، فالقاضي لا يقبل قوله؛ لأنه خلاف الظاهر؛ إذ إن الإنسان لا يطلق إلا من يملك طلاقها.

فإن قال قائل: هل يُفهم من كلام المؤلف أن الزوجة لو سكتت فهي باقية في عصمته؟

الجواب: نعم، يُفهم ذلك. وهكذا كلما سمعتم من قول العلماء: لم يقبل حكمًا؛ أي: ويقبل فيما بينه وبين الله.

فإذا قال قائل: في المسائل التي لا يُقبل فيها حكمًا، هل الأولى أن تُرافِع الزوجة زوجها حتى يحكم القاضي، أو الأولى ألا ترافعه؟

في ذلك تفصيل؛ إن علمت أن زوجها رجل ورع يخاف الله، فلا تُرافعه؛ لأن القاضي سوف يحكم بخلاف ما قال الزوج، وإذا كان الزوج متلاعبًا، وتعرف أن الرجل لا ورع عنده، وأنه إنما يريد زوجته لئلا تفوته، فهنا يجب عليها وجوبًا أن ترافعه إلى الحاكم لئلا يستبيح منها ما كان حرامًا.

(وإن قال لمن ظنَّها زوجتَه: أنت طالقٌ؛ طَلُقتِ الزوجةُ).

ص: 3179