المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الموصى إليه] - الشرح الصوتي لزاد المستقنع - ابن عثيمين - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌(باب صفة الصلاة)

- ‌[مكروهات الصلاة]

- ‌[أركان الصلاة وواجباتها]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌(كتابُ الْمَنَاسِكِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط وجوب الحج والعمرة]

- ‌[باب المواقيت]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌(بابُ مَحظوراتِ الإحرامِ)

- ‌(بابُ الفِديةِ)

- ‌(باب جزاء الصيد)

- ‌[باب صيد الحرم]

- ‌[باب ذكر دخول مكة]

- ‌[باب صفة الحج والعمرة]

- ‌[باب الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي والأضحية]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب البيع

- ‌[باب شروط البيع]

- ‌[باب الشروط في البيع]

- ‌[باب الخيار]

- ‌[باب الربا والصرف]

- ‌[باب بيع الأصول والثمار]

- ‌[باب السلم]

- ‌[باب القرض]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[باب الضمان]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[باب الصلح]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[باب الوكالة]

- ‌(باب الشركة)

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[باب المزارعة]

- ‌[باب الإجارة]

- ‌[باب السبق]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[باب الشفعة]

- ‌[باب الوديعة]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب الجعالة]

- ‌[باب اللقطة]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌(كتابُ الوَقْفِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الهبة والعطية]

- ‌[فصل في تصرفات المريض]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب الوصايا

- ‌[باب الموصى له]

- ‌[باب الموصى به]

- ‌[باب الوصية بالأنصباء والأجزاء]

- ‌[باب الموصى إليه]

- ‌(كتابُ النِّكاحِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[أركان النكاح]

- ‌[شروط النكاح]

- ‌[باب المحرمات في النكاح]

- ‌[باب الشروط والعيوب في النكاح]

- ‌[باب نكاح الكفار]

- ‌[باب الصداق]

- ‌[باب وليمة العرس]

- ‌[باب عشرة النساء]

- ‌[باب الخلع]

- ‌(كتاب الطلاق)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب ما يختلف به عدد الطلاق]

- ‌[باب الطلاق في الماضي والمستقبل]

- ‌[باب تعليق الطلاق بالشروط]

- ‌[باب التأويل في الحلف]

- ‌[باب الشك في الطلاق]

- ‌[باب الرجعة]

- ‌(كتابُ الإيلاءِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[من يصح منه الإيلاء]

- ‌[مدة الإيلاء وما تحصل به الفيئة أو فسخ النكاح]

- ‌(كتابُ الظِّهارِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[كفارة الظهار]

- ‌(كتابُ اللِّعانِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط صحة اللعان]

- ‌[ما يلحق من النسب]

- ‌(كتابُ العِدَدِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الاستبراء]

- ‌(كتابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط الرضاع المحرِّم]

- ‌[من يُحَرَّم بالرضاع]

- ‌[مدخل]

- ‌[باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم]

- ‌[باب الحضانة]

- ‌[باب شروط القصاص]

- ‌[باب استيفاء القصاص]

- ‌[باب العفو عن القصاص]

- ‌[باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس]

- ‌(كتاب الديات)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب مقادير ديات النفس]

- ‌[باب ديات الأعضاء ومنافعها]

- ‌[باب الشجاج وكسر العظام]

- ‌[باب العاقلة وما تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب القطع في السرقة]

- ‌[باب حد قطاع الطريق]

- ‌[باب حد المسكر]

- ‌[باب قتال أهل البغي]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب حكم المرتد]

- ‌(كتاب الأطعمة)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الذكاة]

- ‌[باب الصيد]

- ‌(كتاب الأيمان)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌(كتاب القضاء)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب آداب القاضي]

- ‌[باب طريق الحكم وصفته]

- ‌[مدخل]

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌[باب موانع الشهادة وعدد الشهود]

الفصل: ‌[باب الموصى إليه]

ولكن ينبغي أن يقال: ما لم يخالف ذلك العرف، فإن خالف العرف رجعنا إلى ما تقتضيه الوصية، ومن المعلوم أن من عنده عشرة ملايين، وأوصى لشخص بشيء أنه لا يريد ريالًا من عشرة ملايين، هذا بعيد جدًّا؛ لأن الموصِي قصده نفع الموصَى له وإعطاؤه من هذا المال، ومثل هذا لا يرضى أن يُعطَى إياه، فيُرجع في ذلك -على القول الراجح- إلى ما يقتضيه العُرف، ولا يعطيه الوارث ما شاء بل ما يقتضيه العرف.

وكذلك أيضًا إذا قال: بجزء من ماله، وعنده عشرة ملايين، أعطاه الوارث هلَلة جزءًا من المال ولَّا لا؟ جزءًا من مال، هل يمكن أن يُقال: إن هذه الهللة أراد الموصِي أن يُعطى إياها الموصَى له وعنده عشرة ملايين؟ لا يمكن.

أعطاه الورثة غُترة النوم، أوصى له بشيء من ماله، فقال أهله: مرحبًا، عنده عشرة ملايين، فأخذوا غُتْرة النوم التي يتغلل بها إذا نام، وقالوا: تفضل، يجزئ أو لا؟ على كلام المؤلف يجزئ؛ لأن هذه مال تُورَث وتُباع في التركة فيُجزئ لكن هذا -كما ترون- لا يمكن أن يُقال به، حتى عامة الناس يرون أن هذا منتَقد، وأن الموصِي لم يُرِد ذلك.

(أو حظ)، حظ قال: أو أوصي لفلان بحظ من مالي، وأعطاه هللة، وعنده ملايين، يسعى على كلام المؤلف، هل يعقل يقال: حظ من مالي؟ كل يفهم أن المراد حظ مهم.

فعلى كل حال مثل هذه المسائل يُرجع فيها إلى العُرف لا إلى مطلق المعنى؛ لأن الناس لهم أعراف ولهم إرادات تخصص العام، أو تُعمِّم الخاص، أو تُطلق المقيَّد، أو ما أشبه ذلك.

[باب الموصى إليه]

ثم قال: (باب الموصى إليه) الموصى إليه ليس ركنًا من أركان الوصية؛ لأن أركان الوصية كم؟ مُوصٍ وموصًى له، ومُوصًى به، والصيغة قد نقول: هي من أركانه، ولكن الموصى إليه ما هو شرط، الموصَى إليه هو الذي أُمر بالتصرف بعد الموت، هذا الموصَى إليه، وهو بمنزلة الوكيل للأحياء، وله شروط.

ص: 2560

فقال: (تصح وصية المسلم إلى كل مسلم)، انظر الآن الموصِي مُسلم، وإذا كان مسلمًا فلا بد أن يكون الموصَى إليه مُسلمًا مُكلفًا؛ يعني بالغًا عاقلًا، عدلًا يعني مستقيم الدين والخلق، رشيدًا، يعني حسن التصرف فيما أُوصِي إليه به.

وصية الكافر تصح للكافر؟ وصية الكافر إلى الكافر؟ تصح، فلو أوصى يهودي إلى يهودي لينفذ بعد موته ما وصاه به، فلا بأس، إنما الشروط هذه الموصَى إليه، إذا كان الموصِي مُسلمًا.

قوله: (إلى كل مسلم) يخرج به الكافر، فلا تصح وصية المسلم إلى الكافر ولو كان الكافر أمينًا، ولو كان الكافر عاقلًا، ولو كان صديقًا للموصِي؛ لأن هؤلاء قد خانوا الله من قبل، وإذا كانوا خانوا الله فإنهم يخونون عباد الله من باب أولى.

ولهذا لما كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أن يولي نصرانيًّا في حساب بيت المال أَبَى عليه عمر، قال: لا يمكن نأتمن نصرانيًّا على حساب بيت المال، وكيف نأمنهم وقد خوَّنهم الله؟ ! فكتب إليه أبو موسى: أن الرجل حاذق وجيد. كتب إليه: مات النصراني، والسلام (1).

هذه لها مغزى عظيم ما هو؟ يعني هل يتعطل بيت المال إذا مات هذا النصراني، قدِّر أنه مات، فبيت المال لا يتعطل.

إذن لا يصح أن يُوصِي إلى الكافر ولو كان من آمَن الكفار، ولو كان من أقواهم؛ لأنه غير مأمون مهما كان الأمر. هذا مسلم.

(مُكلَّف) يعني بالغًا عاقلًا، والبلوغ تعرفون بماذا يحصل؟ والعاقل هو أن يكون لدى الإنسان ما يحجزه عن السَّفَه والتصرفات الطائشة، ضده البالغ؟

طالب: الصغير.

الشيخ: الصغير ضد العاقل المجنون.

وهل يصح وصية الرجل إلى المرأة؟ لأن ظاهر كلامه مُكلَّف، امرأة بالغة عاقلة، أوصى إليها بثلث ماله تصرفه في الفقراء، أو في أي مشروع خيري، يجوز أو لا يجوز؟

طلبة: يجوز.

الشيخ: يجوز؛ لأنه يصح تصرفها في مال نفسها فيصح تصرفها في مال غيرها.

ص: 2561

(رشيد) إي نعم. (عدل) العدل ضد الفاسق، وهو -أي العدل- من استقام في دينه ومروءته. في دينه بألا يفعل كبيرة إلا أن يتوب منها، وألا يصر على صغيرة، وأن يكون مؤديًا للفرائض؛ وذلك لأن من فرَّط في دينه فإنه لا يُؤمَن أن يُفرِّط في عمله.

فإن أوصى إلى فاسق، فالمذهب لا تصح الوصية إليه؛ لأنه غير مأمون، وقد قال الله تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]، فالفاسق لا يُقبل خبره، ولا يُرضى تصرُّفه.

ولكن ينبغي أن يقال: إن هذا مبني على الشهادة، فإذا قبِلنا شهادة الفاسق المرضي في شهادته قبلنا الوصية إليه؛ لأنه قد يُوجد فاسق لكنه أمين من جهة المال.

ولنفرض أنه يشرب الدخان، شُرب الدخان إصرار على أيش؟

طلبة: على صغيرة.

الشيخ: على صغيرة، إذن هو فاسق، إذا كان هذا الشارب للدخان رجلًا عاقلًا حصيفًا أمينًا رشيدًا، نقول: لا تصح الوصية إليه؟ في هذا نظر لا شك؛ ولهذا نقول: إن اشتراط العدالة فيه تفصيل، فإن كانت العدالة تخدش في تصرفه فهي شرط، وإن كانت لا تخدش في تصرفه وأنه يتصرف تصرفًا تامًّا ليس به أي إشكال فإنها ليست بشرط. هذا الصحيح في مفهوم قوله:(عدل).

(رشيد)، الرشيد: هو الذي يُحسن التصرف فيما وُكِّل إليه؛ لقول الله تعالى في اليتامى: {إِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]، فالرشد لا بد فيه، ولكن الرشد في كل موضع بحسبه؛ الرشيد في المال هو الذي يحسن البيع والشراء والاستئجار والتأجير بدون أن يُغبَن غبنًا أكثر مما جرت به العادة، هذا الرشيد.

ص: 2562

لكن الرشيد في أمر آخر كولاية النكاح على القول بصحة الوصية فيها ليس الذي يحسن البيع والشراء هو الذي يعرف الكفء ومصالح النكاح، فكل رُشْد بحسبه، الرشيد في المال ليس الرشيد في ولاية النكاح، والرشيد في ولاية النكاح ليس الرشيد في المال، قد يكون الرجل رشيدًا في ولاية النكاح؛ لأنه رجل يعرف الناس ويعرف الكفء، ويخشى الله ويتقي الله، ولكنه في المال أخرق لا يعرف، يأتيه الصبي معه الدجاجة تساوي ريالين فيقول: يا عم، اشترِ الدجاجة. قال: بكم؟ قال: بعشرة ريالات. قال: هات. هذا رشيد في تصرف المال؟

طلبة: (

).

الشيخ: ليش؟ غُبِن؛ يعني خمسة أضعاف، لكنه من الناحية الأخرى جيد.

فنقول: إذن الرشيد في كل موضع بحسبه.

قال المؤلف: (ولو عبدًا ويقبل بإذن سيده). (ولو عبدًا)(لو) هذه إشارة خلاف؛ يعني أنها تصح الوصية إلى العبد لكن يُقبل بإذن سيده، وحينئذٍ يعني إذا قلنا بهذا القول يجب أن نقول: من شرط السيد أن يكون عدلًا رشيدًا بالغًا عاقلًا مُسلمًا.

إذن تصح الوصية إلى العبد، ويقبل بإذن سيده، ويشترط في سيده أن يكون ممن تصح الوصية إليه، يشترط في السيد أن يكون ممن تصح الوصية إليه.

وهذا الخلاف الذي أشار إليه المؤلف مقابِله مقابل ما أثبته رحمه الله من يقول: لا تصح الوصية إلى العبد مطلقًا؛ لأن العبد يحتاج إلى من يقوم عليه، فكيف يكون قيمًا على غيره؟ فالوصية للعبد لا تصح.

القول الثاني: التفصيل؛ الوصية إلى عبد نفسه جائزة، والوصية إلى عبد غيره غير جائزة؛ لأن وصيته إلى عبد نفسه تكون نتيجة لعلمه بأن هذا العبد أمين رشيد يُحسِن التصرف تمامًا، وأنه سوف يحرص على وصية سيده كما يحرص على ماله أو أكثر.

وهذا القول وسط بين القول بالمنع مطلقًا والقول بالجواز مطلقًا، ومع ذلك لا بد من إذْن السيد؛ لأنه إذا قبِل الوصية فسوف ينشغل وقتًا غير قصير بتصريف هذه الوصية فيقتطع جزءًا من وقته يفوته على مَنْ؟ على سيده، فلا بد من إذن السيد.

ص: 2563

قال: (ويقبل بإذن سيده)، قوله:(بإذن سيده)، يجوز أن يقول: بإذن سيده؛ يعني سيد، أليس السيد الله؟ ! كيف؟

طلبة: بلى.

الشيخ: هذا مقيد، الممنوع السيادة المطلقة؛ فإنها لا تكون إلا لله وحده عز وجل، أما السيد المقيد فلا بأس، فيقال: سيد هؤلاء القوم، سيد بني فلان، هذا لا بأس به.

قال: (وإذا أوصى إلى زيد وبعده إلى عمرو، ولم يعزل زيدًا اشتركا، ولا ينفرد أحدهما بتصرف لم يجعله له)، (إذا أوصى إلى زيد وبعده إلى عمرو) سبحان الله، هذان الرجلان محل التمثيل عند العلماء الفقهاء والنحويين وغيرهم أيضًا، فلماذا؟

طلبة: (

).

الشيخ: لخفتهم؛ لأن كل ثلاثة أحرف وسطها ساكن، وهي خفيفة على اللسان.

أوصى إلى زيد، ثم أوصى إلى عمرو، فقال: أوصيت إلى زيد أن يصرف خمُس مالي في أعمال البر، ثم بعده قال: أوصيتُ إلى عمرو أن يصرف خُمس مالي في أعمال البر. الآن أوصى إلى شخصين، فنقول: إن قال: عزلت زيدًا فالوصية لعمرو، وإن لم يقل فهي بينهما، هكذا قال الفقهاء رحمهم الله.

وإذا كانت بينهما اشتركا في التصرف، ولا يمكن أن ينفرد أحدهما بتصرف إلا بمراجعة الآخر. وعلى هذا فإذا مات الموصي أعطينا الرجلين جميعًا كم؟ كم نعطيهم؟

طلبة: الخمس.

الشيخ: الخُمس، قلنا: أوصى بالخمس، وقلنا: تصرف فيما أوصى به فيه، ولا ينفرد أحدكما على الآخر بشيء؛ لأنه جعله لهما.

وهذه المسألة لها صور:

الصورة الأولى: أن يوصي إلى زيد، ثم يوصي إلى عمرو ويقول: قد عزلت زيدًا، فمن يكون الموصَى إليه؟

طلبة: عمرو.

الشيخ: عمرو، واضح.

الصورة الثانية: أن يقول: أوصيتُ إلى زيد وعمرو، فمن تكون الوصية إليه؟ إلى الاثنين.

الصورة الثالثة: أن يقول: أوصيتُ إلى زيد، ثم يقول بعد ذلك: أوصيت إلى عمرو، فمن الوصي إليه؟ المذهب أنهما يشتركان.

وقيل: إن الوصية للثاني؛ للأخير، كما لو ورد نصان لا ينفرد أحدهما؛ يعني لا يمكن الجمع بينهما، فالثاني ناسخ للأول، هذه واحدة.

ص: 2564

ثانيًا: قالوا: إن مقتضى الوصية إلى عمرو عزل زيد ورضاه به.

فإن قال قائل: قد يكون نسي أنه أوصى إلى زيد بأن تكون المدة طويلة؟

نقول: نعم، لنفرض أنه نسي، لكن الإيصاء إلى عمرو يقتضي أنه رضي بعمرو، وإذا اقتضى ذلك فإنه إن قلنا: إنه عزل لزيد فهو عزل، وإن لم يقُل فهو ابتداء وصية فيكون الثاني هو الوصي وحده.

وهذا القول هو الراجح، كما مر علينا في الموصَى له، أنهما يشتركان، وأن القول الراجح أنه للثاني.

ولكن قلت لكم، وأقول الآن تأكيدًا: ينبغي للإنسان إذا كتب وصية إنسان أن يقول: وهذه الوصية ناسخة لما قبلها، كل إنسان يطلب منك أن تكتب وصيته، اكتب لكن قل: هذه الوصية ناسخة لما سبقها حتى تُريح الذين يأتون بعدك، ولا يحصل التباس.

وقوله: (لا ينفرد أحدهما بتصرف لم يجعله له)، عُلِم منه أنه إذا انفرد أحدهما بتصرف جعله له فلا بأس؛ ينفرد كما لو قال: أوصيتُ بخُمسي إلى زيد وعمرو في أعمال الخير، يتولَّى صرفه في طلبة العلم زيد، من الذي يتولى هذا؟ زيد؛ لأنه خصه، يتولى عمرو صرفه فيمن احتاج إلى النكاح، من يتولى هذا؟ عمرو؛ لأنا نمشي في الوصية على ما يقتضيه كلام الموصِي.

قال: (ولا تصح وصية إلا في تصرف معلوم يملكه الموصي كقضاء دَيْنه، وتَفْرِقَة ثُلُثِه، والنظر لصغاره)، يعني الوصية لا تصح بالنسبة للمُوصَى إليه إلا في تصرف معلوم يبينه الموصِي، ويكون الموصِي يملك ذلك، فإن كان في تصرف مجهول فإنه لا يصح.

وهل مثله إذا أطلق ولم يذكر تصرفًا؟ يحتمل هذا وهذا مثل أن يقول: أوصيتُ بخمسي إلى فلان. فقط ولا يذكر شيئًا، هذا لم يذكر شيئًا، فظاهر كلام المؤلف أنه لا تصح الوصية؛ لأن الموصَى إليه الآن ماذا يصنع؟

لكن القول الراجح أنه تصح الوصية ويقال للموصى إليه: افعل ما يقتضيه العُرْف، أو افعل ما ترى أنه أحسن شيء في أمور الخير حتى وإن اقتضى ضرورة خلاف.

ص: 2565

عُرْفنا الآن الذي جرى عليه أكثر الناس يقول: أوصيتُ بخمس مالي، أو ثلثه يُجعل في أضحية، وعشاء في رمضان، وما أشبه ذلك من المصروفات التي يعرفها الناس من قبل، لكن لو رأى الوصِي -يعني الموصى إليه، الوصي يعني هو الموصى إليه- لو رأى أن يصرف هذا في عمارة المساجد، وطبْع الكتب للمحتاج إليها، وتزويج المحتاجين، وإعانة طلبة العلم فهذا أفضل من أضحية تُذبح ويتنازع عليها الورثة.

وكان الناس فيما سبق لما كانت الأمور قليلة يتنازعون في الأضحية نزاعًا شديدًا حتى لو أخذ أحدهم أكثر من الآخر برطل، تنازع وياه، فنقول: إذا أوصى بالشيء وأطلق فالصحيح أنه جائز ويُصرف إما فيما اعتاده أهل البلد أو على الأصح فيما يرى أنه أفضل.

قال: (يملكه الموصِي كقضاء دينه)، قضاء دينه، يعني أوصى هذا الرجل إلى فلان يقضي دينه، التصرف معلوم ولَّا غير معلوم؟ معلوم حتى لو كان الدَّيْن مجهولًا ما يظهر، لكن التصرف معلوم، يقضي دينه.

الثانية: (وتفرقة ثلثه)، يعني أوصى بثلثه وقال: الوصي فلان، يُفرِّقه في كذا وكذا، هذا التصرف معلوم، وليت المؤلف لم يقل: تفرقة ثلثه، ليته قال: تفرقة خمسه؛ لأنه في أول الوصايا يقول: تسن بالخمس، وإذا كان هذا هو الأفضل فينبغي أن يكون هو مورد التمثيل؛ لأن الثلث مباح، والخمس أفضل، وإذا كان كذلك فينبغي أن نذكر الأفضل حتى يعتاد الناس عليه.

ولهذا الآن أكثر الناس يقول: لفلان ماله الثلث؟ ولو راعينا الأفضل لقلنا: ماله الخمس؟ فليت المؤلف رحمه الله قال: وتفرقة خُمُسِه، أو على الأقل: وتفرقة ما أوصى به؛ لأنه لو قال: الثلث لاعتاد الناس على الثلث.

(والنظر لصغاره)، النظر للصغار أيضًا هذا من التصرف المعلوم، يقول: الوصي على أولادي الصغار من بنين وبنات فلان، يجوز، فيكون هذا الوصي هو الناظِر على الأولاد، يقوم بمصالحهم من نفقة، كِسوة، سَكَن، تربية.

وهل يملك أن يُوصِي بتزويج بناته؟

ص: 2566

المذهب يملك، فيقول: الوصي في تزويج بناتي فلان، حتى وإن كان لهن إخوة أشقاء، فإنهم لا يُزوِّجونهن؛ لأن ولاية النكاح تُستفاد بالوصية.

لكن هذا القول ضعيف جدًّا؛ لأن ولاية النكاح ولاية مستقلة هي للإنسان ما دام حيًّا، فإذا مات انتقلت إلى من هو أولى شرعًا، فلا تُستفاد، على القول الراجح: لا تُستفاد ولاية النكاح بالوصية.

وقوله: لا تُستفاد بالوصية، يُفهم منه أنها تُستفاد بالقرابة، فلو أوصى أن يُزوِّج بناته أخوهن الأكبر الشقيق يصح أو لا يصح؟ يصح؛ لأنه هو وليهن بعده إلا من تزوجت وأتت بأبناء فأبناؤها أولياؤها.

القول الراجح إذن في مسألة الوصية بالتزويج أنها لا تُمْلَك؛ يعني لا يَملك الموصَى إليه -وهو الوصي- أن يزوج بهذه الوصية على القول الراجح.

لكن إذا أردنا أن نعمل بالقول الراجح وبالمذهب، فكيف نصنع؟ هنا الآن مشكل، أخوهن في بيته، والوصي الآن حضر عند المأذون، فإذا زوَّج الوصي وهو بعيد منهن، فعلى المذهب النكاح صحيح، وعلى ما اخترناه النكاح غير صحيح؛ لأن ولاية النكاح لا تستفاد بالوصية، ماذا نصنع؟

طلبة: (

).

الشيخ: لو قلنا لأخيهن: تعالَ، زَوِّج، الوصي ما له ولاية، نقع في مشكلة؛ أنه لو زوج أخوهن في هذه الحال فالنكاح غير صحيح، إن زوَّج الأخ النكاح صحيح على المذهب، وإن زوج الوَصِي فالنكاح غير صحيح على القول المختار، فماذا نصنع؟

إما أن يُوكِّل أحدهما الآخر، فيقال للأخ: وَكِّل الوصي، أو يقال للوصي: وَكِّل الأخ، وإذا وَكَّل أحدهما الآخر انحلت المشكلة، وإلا يحضران جميعًا عند المأذون ويُزَوِّجان، فيقول الولي: زوَّجتك أختي فلانة، ويقول الوصي: زوجتك بنت فلان بالوصية، إذا أوجبا هذان الاثنان يقول الزوج: قبِلت النكاح. وعلى هذا يكون الإيجاب صادرًا من اثنين والقبول من واحد.

ص: 2567

يقول رحمه الله: (ولا تصح بما لا يملكه الموصي كوصية المرأة بالنظر في حق أولادها الأصاغر ونحو ذلك)، (لا تصح الوصية فيما لا يملكه) ويش عندكم؟ (الموصي) معلوم (كوصية المرأة بالنظر في حق أولادها الصغار) امرأة أيِّم قد مات زوجها، ولها أولاد صغار، هي وليتهن، فلما أحست بالموت أو خافت أوْصَت شخصًا ينظر في أولادها الصغار، يقول المؤلف: الوصية لا تصح؛ لأن النظر في الأولاد لمن؟ للأب للذكور، وفي المسألة إن شاء الله قول آخر يُذكر فيما بعد.

طالب: المسألة التي ذكرنا أن أوصى لعمرو، ثم بعد مدة أوصى لعمرو فنسي بخُمس ماله.

الشيخ: إلى، أوصى إلى عمرو.

الطالب: أوصى إلى عمرو.

الشيخ: لأن أوصى لعمرو غير أوصى إلى عمرو.

الطالب: أوصى إلى عمرو بخمس ماله، وأوصى بعدين لزيد بخمس ماله، فالحين عندنا خمسان يا شيخ هل نقول يعني؟

الشيخ: لا، خمس واحد.

الطالب: لكن هذا إشكال، هل يمكن أن نقول: يتفرقون إلى الثلث؛ لأنهما مشتركان فيه؟

الشيخ: لا، ما يصح؛ لأن هذا ما هو مُوصًى له، هذا مُوصًى إليه، أفهمت؟

الطالب: فهمت يا شيخ، لكن ..

الشيخ: طيب، الحمد لله.

الطالب: يعني ممكن قصده ..

الشيخ: يعني ما يمكن أن نقول: لهذا خمس، ولهذا خمس، لا يمكن، لهذا خمس ولهذا خمس أكثر من الثلث، أليس كذلك؟

طلبة: بلى يا شيخ.

طالب: أحسن الله إليك، إذا أوصى الولاية إلى ابنه الصغير مع أن له ابنًا كبيرًا أكبر منه، يصح؟

الشيخ: الصغير بالغ ولَّا غير بالغ؟

الطالب: بالغ، وكان فيه أكبر منه.

الشيخ: لا بأس؛ لأن هذا قد يقع، يكون الأكبر غير مهتم، ولا يبالي بإخوانه، والصغير الذي دونه أحسن حالًا منه، فيجوز.

الطالب: الأكبر يجد في نفسه يا شيخ.

ص: 2568

الشيخ: ولو وجد في نفسه؛ لأنه يجب أن ننظر إلى حال الأولاد، نعم إذا كان الفرق ليس كبيرًا وخاف من فتنة فحينئذٍ يوصِي للأكبر حتى لا يكون فتنة، أما إذا كان هناك فرق بَيِّن، الأكبر مشغول بتجارته وأولاده، وقليل الدين، وقليل الأمانة، وهذا متبرع، بينهما فرق.

طالب: ذكرت اسم السيد، ما حكمه؟

الشيخ: أما السيد في درسنا الموجود الآن، فهم لا يقصدون المعنى إطلاقًا، إنما هو علم محض مثل: صالح ما قصده إلا العلم فقط، ما قصده أنه يريده صلاحًا، ومثل خالد ما قصده الخلود، إنما هي مجرد علم، ومع ذلك الأحسن ألا يسمى به؛ لأنه السيد قد يفهم من لا يعرف اصطلاح هؤلاء القوم أن لها معنى، فهمت وإلا أظن موجودة في بعض البلاد كثيرة السيد، كذا؟ موجودة كثير؟

طالب: (

).

الشيخ: من؟

الطالب: (

).

الشيخ: السائل، ولهذا سأل.

طالب: أحسن الله إليك، عند إطلاق اسم السيد عند بعضهم اصطلاح خاص هو التأسي بالسيد البدوي بالاسم؟

الشيخ: أوه، هذه مشكلة، صار له معنى عندهم، إذا قالوا: السيد يعني أنه منتسب إلى السيد البدوي.

الطالب: (

).

الشيخ: هل يرضى أحد ينتسب إلى بدوي؟ ! لو يُقال له: يا بدوي؛ انتفخ أمامهم، فكيف ينتسب إلى بدوي؟ !

طالب: لا، يا شيخ، يغضبون إذا قيل: يا بدوي، يعني مجرد ولاء، (

).

الشيخ: يعني ينكرون هذا؟

الطالب: لا، يحبونه حبًّا عظيمًا.

الشيخ: أعوذ بالله، والله على كل حال بعد على العموم، لو حققنا في مسألة البدوي؛ لأنه يقولون: الرجل كان غريبًا، وأنه راكب على حمار، ويدور بالأسواق، ولما مات عبدوه، عبدوه على أيش؟ على أنه يركب الحمار.

طالب: (

)، ما له من فضائل إلا أنه دخل المسجد في يوم الجمعة، فبال في المسجد، ما صلى، فخرج.

الشيخ: إي نعم، خرج ولو لم يكن له من الفضائل إلا هذا لكفى، قبَّحهم الله.

طالب: ماذا لو تنازع الموصَى إليه والولي؟

الشيخ: في عقد النكاح؟

الطالب: نعم.

ص: 2569

الشيخ: أما على القول الراجح ما يحتاج، الموصَى إليه بطلت وصيته، ما له أصلًا وصية، وعلى المذهب القريب ليس له ولاية مع وجود الموصَى إليه.

(

) ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ما هو الفرق بين الموصَى له والموصَى إليه؟

طالب: الموصى له هو الموصى له بالعمل.

الشيخ: طيب.

الطالب: الموصى به هي العين.

الشيخ: لا، الموصى إليه؟

الطالب: الموصى إليه هو الذي أمر بالتصرف.

الشيخ: نعم، طيب، ما الفرق بين الموصَى له وبه؟

طالب: الموصى له هو المتبرع عليه.

الشيخ: نعم، المتبرَّع عليه.

الطالب: والموصَى به هو العين التي وقعت عليه الوصية.

الشيخ: هو المتبرَّع به، طيب أوصى رجل لبعير فلان؟

طالب: لا يصح.

الشيخ: لا تصح الوصية.

الطالب: نعم.

الشيخ: لماذا؟

الطالب: لأنها لغيره، ليست له، ليست ملكًا له.

الشيخ: لا، ما هي ملك له، طيب أوصى لبعيره؟

الطالب: أوصى لبعيره؟

الشيخ: إيه.

الطالب: على المذهب أنه لا يصح؛ لأنه لا يجوز.

الشيخ: أوصى لبعير فلان.

الطالب: يصح.

الشيخ: تصح الوصية، طيب، ويُحمل الموصَى به إلى البعير فيوضع أمامه، فيقال: هذا ما أوصى به فلان لكِ.

الطالب: لا، كونه يصرف (

).

الشيخ: كيف؟

الطالب: يكون في أكله (

).

الشيخ: ما تأكدت يا رجَّال!

طالب: لا تصح الوصية.

الشيخ: لا تصح الوصية لبعير فلان، لماذا؟

الطالب: لأنه لا يملك.

الشيخ: صحيح؛ لأن البعير لا يملك، وهي لا تصح إلا لمن يصح تملكه.

طالب: قد يقال يا شيخ: إن فيه التفصيل، فإذا كان بعيره من دواب الجهاد التي تحمل معه المجاهدين، هذه فتصح الوصية إليه، وإذا كان من التي تحمل مثلًا طعام الفقراء وغذاءهم؛ فلا تصح الوصية له.

الشيخ: نعم، قد يُفصَّل بين الإبل التي تُستعمل في مصالح عامة، فإن الظاهر من وصية الموصِي أنه يريد منفعة هذه الجهات. أوصى رجل بماله لابنيه وأجنبي؟

طالب: تصح.

الشيخ: تصح، وكيف يقسم؟

الطالب: كل واحد الثلث.

ص: 2570

الشيخ: الثلث، هذا إن أجازا الوصية، ما فيه إلا ابنان، ليس له وارث إلا ابناه، فأجازا الوصية يكون له؟

الطالب: إن أجازا الوصية فله الثلث.

الشيخ: له الثلث، ولهما؟

الطالب: الثلثان.

الشيخ: وإن ردا؟

الطالب: التسع.

الشيخ: ليش التسع؟ !

الطالب: ثُلث الثلث.

الشيخ: التسع ثلث الثلث، لكن ليش صار ثلث الثلث؟

الطالب: لأنهما ردا الثلثين بالوصية (

).

الشيخ: لأنهما إذا ردا لم تثبت الوصية إلا ..

الطالب: بالثلث.

الشيخ: طيب، والرجل هذا واحد من ثلاثة فيكون له ثلث الثلث، وهو التسع. طيب أوصى لشخص بطير في هواء؟

طالب: تصح.

الشيخ: تصح الوصية؟ طير في الهواء ويش يجيبه؟

الطالب: نعم، إن حصل فمغنم، وإن طار فلا مغنم.

الشيخ: يعني تصح؟

طالب: نعم.

الشيخ: إن حصل الموصَى به فذاك، وإلا فليس على الموصَى له ضرر، طيب هل تصح الوصية بكلب الصيد؟ أنت حافظ المتن، ندور عليه. أوصى بكلب؟

طالب: فإن كان كلب صيد صحت الوصية.

الشيخ: ما هنا عبارة أعم من كلب صيد؟

الطالب: بلى.

الشيخ: ما هي؟

طالب: إن كان كلبًا ممن يحل اقتناؤه جازت الوصية وإلا فلا.

الشيخ: طيب، فما الذي يستحقه من هذا الكلب؟

طالب: يأخذه كله.

الشيخ: كله، أبى الورثة؟

الطالب: فيه تفصيل؛ إذا كان له مال أكثر من هذا الكلب ليس موجودًا.

الشيخ: له ملايين الدراهم.

الطالب: على القول الراجح أنه يأخذه كله، والمذهب ينفد من الكلب الثلث فقط.

الشيخ: مطلقًا؟

الطالب: نعم.

طالب آخر: إن أجاز الورثة.

الشيخ: إن أجاز الورثة، المذهب إن أجاز الورثة أخذ الكلب.

طالب: إن أجاز الورثة أخذ الكلب.

الشيخ: أخذ الكلب كله، وإن لم يجيزوا؟

الطالب: ثلثه.

الشيخ: ثلثه فقط، والقول الراجح أنه يأخذه كله إذا كان خرج عن ثلث التركة. أوصى بمثل نصيب ابنه وله خمسة أبناء وبنت، أوصى بمثل نصيب ابنه، والأولاد كم؟

طالب: خمسة.

الشيخ: والبنت واحدة، ماذا يعطى؟

الطالب: هذه الأصل أحد عشر، يضاف إليه اثنان فيكون ثلاثة عشر.

ص: 2571

الشيخ: ثلاثة عشر.

الطالب: إي نعم.

الشيخ: فيعطى ثلاثة عشر؟

الطالب: لا، يُعطى اثنين.

الشيخ: اثنان من إيه؟

الطالب: من أحد عشر.

الشيخ: اثنان من أحد عشر؟

الطالب: من ثلاثة عشر.

الشيخ: من ثلاثة عشر، توافقون على هذا؟

طلبة: نعم.

الشيخ: إذن الضابط أن له مثل نصيبه مضمومًا إلى المسألة، طيب أوصى بمثل نصيب وارث ولم يُبيِّن؟

طالب: مثل ما لأقلهم.

الشيخ: مثل ما لأقلهم نصيبًا، فإذا كان له أربعة أبناء وبنت، وأوصى لشخص بمثل نصيب وارثٍ منهم كم يُعطَى؟

طالب: (

).

الشيخ: كم؟

طالب: (

).

الشيخ: واحد من أيش؟

الطالب: (

).

الشيخ: من تسعة، يتكلم يا جماعة.

الطالب: (

).

الشيخ: أربعة أبناء وبنت وقال: له مثل أحد الورثة، كيف؟

الطالب: (

) لأن أصل المسألة يكون من تسعة، وأن أربعة أبناء كل منهم له سهمان، فيكون ثمانية، والبنت سهم فيكون تسعة.

الشيخ: والبنت لها واحد من تسعة، فيُعطى؟

الطالب: واحدًا من عشرة مضافًا إلى نصيبهم.

الشيخ: واحد من عشرة؛ لأنه سيضاف إلى نصيبهم مثل نصيب البنت واحد تبلغ عشرة، فله واحد من عشرة، بارك الله فيك.

الموصَى إليه ما هو معكم؟ في المستقبل إن شاء الله.

***

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ومن وُصِّي في شيء لم يَصِرْ وَصيًّا في غيره) يعني من وُصِّي إليه في شيء لم يكن وَصِيًّا في غيره، فإذا أوصى إلى شخص يكون ناظرًا على أولاده فإنه لا يملك النظر في أموالهم؛ لأن النظر على الأولاد ليس هو النظر في المال، وإذا أوصى إلى شخص يُنمِّي مال أولاده الصغار لم يكن له حضانتهم؛ لأن الوصية بمنزلة الوكالة فتختص بما أُوصِي إليه فيه، وهكذا جميع من عمل نائبًا لغيره فإنه لا يتجاوز ما حُدِّد له.

ص: 2572

ومن ذلك القضاة مثلًا، القاضي إذا جعلت وزارة العدل رجلًا قاضيًا في الأنكحة لم ينظر في المواريث، وإذا جعلته قاضيًا في المواريث لم ينظر في البيوع، وإذا جعلته قاضيًا في البيوع لم ينظر في قسمة المواريث وهلم جرًّا.

فالوكالة والوصاية تتقيد بما عُيِّن له فلا يزيد، فعلى هذا نقول: من وُصِّيَ إليه بشيء لم يكن وصيًّا في غيره؛ بناءً؛ يعني التعليل لأن هذا الوصي يتصرف بالإذن فوجب أن يقتصر على ما أُذِن له فيه ولا يتعداه، هذا هو التعليل، وهو تعليل ظاهر ليس فيه شبهة.

(لم يَصِر وصيًّا في غيره، وإن ظهر على الميت دَيْن يستغرق بعد تفرقة الوصي لم يضمن) وهذه مسألة مهمة، لو ظهر على الميت دين بعد أن تصرف الوصِي، وصرف الموصَى به إلى جهته، ثم ظهر دين على الميت؛ فإنه لا ضمان على الوصي؛ لأنه تصرف تصرفًا مأذونًا فيه؛ فليس عليه ضمان.

مثال ذلك: أوصى إلى زيد أن يبذل عشرة آلاف ريال في بناء مسجد، فصرفه، ثم ظهر على الميت دَيْن يستغرق العشرة، فليس عليه ضمان، لماذا؟ لأنه تصرف تصرفًا مأذونًا فيه فوقع موقعه وهو مجتهد وليس عالِمًا بالغيب.

فإذا قال قائل: أين يكون حق صاحب الطلب صاحب الدَّيْن؟

نقول: صاحب الدَّيْن ليس له شيء بخلاف ما إذا أخذ الورثة المال، ثم تبين بعد ذلك أن عليه دينًا -أي على الميت- فإنه يؤخذ من الورثة، يؤخذ من كل إنسان ما أخذ، والفرق ظاهر؛ لأن مسألة الوصي تَصرَّف لغيره، والورثة تصرَّفوا لأنفسهم فتلف المال تحت أيديهم؛ فلزمهم ضمانه. وهذه مسألة قد يظن الظان أنه لا فرق بينهما، والفرق بينهما واضح.

فإن قال قائل: إذا كان يمكن استرجاع الوصية فهل يُلزم الوصي بها؟ كما لو أوصى لزيد بعشرة آلاف ريال وقال الوصي: في ذلك فلان، فصرفها الوصي إلى هذا المعين، فإنه إذا تبين على الميت دين لم يضمن الوصي؛ لأنه تصرف تصرفًا مأذونًا فيه فوقع موقعه.

ص: 2573

فإن قال قائل: لو علم الموصَى له أن على الميت دينًا، ولكنه أخذ الموصَى به وتصرف فيه؟

فهنا نقول: إنه يضمن، من الذي يضمن الوصِي أو الموصَى له؟ الموصَى له؛ لأن الموصَى له حين تصرف يعلم أنه لا يستحق؛ إذ إن الدين مقدم على الوصية فيكون الموصى له الآن بمنزلة الوارث الذي يضمن.

يقول رحمه الله: (وإن قال: ضع ثلثي حيث شئت؛ لم يحل له ولا لولده). إنسان أوصى إلى شخص، وقال: ضع ثلثي حيث شئت، أو: ضع ثلثي في قضاء الديون، فمات الرجل، فهل يجوز للوصي أن يأخذ شيئًا من هذا الثلث؟ لا، وهل يجوز لولده أن يأخذ شيئًا من هذا الثلث؟ لا؛ لأنه متهم في هذا، فربما يحابِي نفسه ويحابي ولده، ويصرف المال في مَنْ غيرهم أحق به منهم؛ فلذلك قال العلماء رحمهم الله: إنه لا يجوز للوكيل ولا للوصي أن يتصرف لنفسه، أو لأحد من أولاده، وعمَّم بعضهم ذلك وقال: أو ممن لا تُقبل شهادته له، فوسَّعوا الأمر.

ولكن لو قال قائل: في مسألة الوكالة إذا كان الوكيل يريد هذا الشيء، وأخرجه أمام الناس يتزايدون فيه حتى كان آخر سَوْم على هذا الوكيل هل له أن يأخذه؟

كلام الفقهاء لا، والصحيح أنه إذا زالت التهمة فهو كغيره، هذا من حيث النظر، أما من حيث العمل -ولا سيما في زمننا هذا- فينبغي أن يُمنع الوكيل أو الوصِي مطلقًا من أن يصرف الشيء إلى نفسه أو إلى أحد من ذريته؛ من ذكور أو إناث، والعلة هي التهمة، ألَّا يحرص على أن يضع الشيء موضعه.

ذكرنا أنه إذا زالت التهمة بأن أخرج الوكيل الشيء في المزاد العلني ووقف عليه، فالمذهب لا يصح حتى في هذه الحال التي هي بعيدة من التهمة، يقولون: لا يصح سدًّا للباب، وهذا القول من الناحية التربوية أحسن من القول بأنه يجوز أن يأخذه؛ لأننا إذا قدرنا بأن واحدًا من مئة زال الوصف بحقه وهو التهمة فغيره لا يزول.

ص: 2574

قال: (ومن مات بمكان لا حاكم فيه ولا وصي حاز بعض من حضره من المسلمين تركته، وعمل الأصلح حينئذٍ فيها من بيع وغيره) وهذا يقع كثيرًا، مثال ذلك: رُفقة مات أحدهم في السفر، وليس هناك قاضٍ يُرْجع إليه، ولا وصي خاص يُرجع إليه، يقول:(حاز بعض من حضره من المسلمين تركته). وقوله: (حاز) خبر بمعنى الأمر؛ يعني يجب أن يحوز بعض من حضر تركته؛ لئلا تضيع أو تُسرق أو ما أشبه ذلك.

وعمل الأصلح حينئذٍ فيها من بيع وغيره فيحوز التركة التي معه، ثم إن كان الأحسن أن يبيعها باعها، وإن كان الأحسن أن يبقيها أبقاها، وهذا يختلف باختلاف الأموال واختلاف الأحوال، فمثلًا إذا كان في التركة ما يُسرع فساده كالبطيخ، فما هو الأفضل؟ البيع لا شك، وإذا كان في التركة ما الأحسن إبقاؤه؛ وجب إبقاؤه، وإذا دار الأمر بين هذا وهذا فإنه يبقى على حاله؛ لأن الأصل ألا يتصرف فيه، يبقى على حاله، ثم إن تغيرت الحال فيما بعد عمل ما تقتضيه الحال من بيع أو غيره.

ثم قال المؤلف: (كتاب الفرائض) وقد قرأناه من قبل، أليس كذلك؟

طلبة: بلى.

الشيخ: فهل ترون أن نقرأه؟

ص: 2575