المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الطالب: ممكن يضاف على ذلك كل البيوع التي فيها غرر - الشرح الصوتي لزاد المستقنع - ابن عثيمين - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌(باب صفة الصلاة)

- ‌[مكروهات الصلاة]

- ‌[أركان الصلاة وواجباتها]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌(كتابُ الْمَنَاسِكِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط وجوب الحج والعمرة]

- ‌[باب المواقيت]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌(بابُ مَحظوراتِ الإحرامِ)

- ‌(بابُ الفِديةِ)

- ‌(باب جزاء الصيد)

- ‌[باب صيد الحرم]

- ‌[باب ذكر دخول مكة]

- ‌[باب صفة الحج والعمرة]

- ‌[باب الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي والأضحية]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب البيع

- ‌[باب شروط البيع]

- ‌[باب الشروط في البيع]

- ‌[باب الخيار]

- ‌[باب الربا والصرف]

- ‌[باب بيع الأصول والثمار]

- ‌[باب السلم]

- ‌[باب القرض]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[باب الضمان]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[باب الصلح]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[باب الوكالة]

- ‌(باب الشركة)

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[باب المزارعة]

- ‌[باب الإجارة]

- ‌[باب السبق]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[باب الشفعة]

- ‌[باب الوديعة]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب الجعالة]

- ‌[باب اللقطة]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌(كتابُ الوَقْفِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الهبة والعطية]

- ‌[فصل في تصرفات المريض]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب الوصايا

- ‌[باب الموصى له]

- ‌[باب الموصى به]

- ‌[باب الوصية بالأنصباء والأجزاء]

- ‌[باب الموصى إليه]

- ‌(كتابُ النِّكاحِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[أركان النكاح]

- ‌[شروط النكاح]

- ‌[باب المحرمات في النكاح]

- ‌[باب الشروط والعيوب في النكاح]

- ‌[باب نكاح الكفار]

- ‌[باب الصداق]

- ‌[باب وليمة العرس]

- ‌[باب عشرة النساء]

- ‌[باب الخلع]

- ‌(كتاب الطلاق)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب ما يختلف به عدد الطلاق]

- ‌[باب الطلاق في الماضي والمستقبل]

- ‌[باب تعليق الطلاق بالشروط]

- ‌[باب التأويل في الحلف]

- ‌[باب الشك في الطلاق]

- ‌[باب الرجعة]

- ‌(كتابُ الإيلاءِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[من يصح منه الإيلاء]

- ‌[مدة الإيلاء وما تحصل به الفيئة أو فسخ النكاح]

- ‌(كتابُ الظِّهارِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[كفارة الظهار]

- ‌(كتابُ اللِّعانِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط صحة اللعان]

- ‌[ما يلحق من النسب]

- ‌(كتابُ العِدَدِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الاستبراء]

- ‌(كتابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط الرضاع المحرِّم]

- ‌[من يُحَرَّم بالرضاع]

- ‌[مدخل]

- ‌[باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم]

- ‌[باب الحضانة]

- ‌[باب شروط القصاص]

- ‌[باب استيفاء القصاص]

- ‌[باب العفو عن القصاص]

- ‌[باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس]

- ‌(كتاب الديات)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب مقادير ديات النفس]

- ‌[باب ديات الأعضاء ومنافعها]

- ‌[باب الشجاج وكسر العظام]

- ‌[باب العاقلة وما تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب القطع في السرقة]

- ‌[باب حد قطاع الطريق]

- ‌[باب حد المسكر]

- ‌[باب قتال أهل البغي]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب حكم المرتد]

- ‌(كتاب الأطعمة)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الذكاة]

- ‌[باب الصيد]

- ‌(كتاب الأيمان)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌(كتاب القضاء)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب آداب القاضي]

- ‌[باب طريق الحكم وصفته]

- ‌[مدخل]

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌[باب موانع الشهادة وعدد الشهود]

الفصل: الطالب: ممكن يضاف على ذلك كل البيوع التي فيها غرر

الطالب: ممكن يضاف على ذلك كل البيوع التي فيها غرر كبيع السمك في الماء مثلًا؟

الشيخ: لا، هذا ما هو في ذات المبيع، هذا في وصف المبيع.

رجل باع شخصًا أرضًا على أنها ألف متر، فتبينت خمس مئة، فما حكم البيع؟

طالب: يصح البيع، إذا كان باعه عموم الأرض؟

الشيخ: إي، قال: هذه الأرض بعتك على أنها ألف متر، تبين أنها خمس مئة.

الطالب: للمشتري أن يأخذ النقص، الخيار للمشتري أن يأخذ النقص.

الشيخ: الآن البيع صحيح ولَّا غير صحيح؟

الطالب: صحيح.

الشيخ: يصح البيع، طيب هل له الخيار؟

الطالب: نعم.

الشيخ: للمشتري؟ مطلقًا؟

الطالب: لا، إذا كان ما يفوته غرضُه فليس له الخيار.

الشيخ: كيف يفوته غرضه؟

الطالب: مثلًا إذا كانت هذه الأرض تكفي للبيت الذي يريد أن يبنيه أو الشيء الذي يريده؛ فإن للبائع أن يعطيه النقص.

الشيخ: ما يقدر البائع، محدود بأراضي.

الطالب: البائع يعطيه من الثمن.

الشيخ: يعني يَسقط من الثمن، إذا قال: أنا قدَّرْت على أنها ألف لأبني عليها بناءً معينًا، والآن هي خمس مئة، لا أريدها إطلاقًا.

الطالب: له الخيار.

الشيخ: له الخيار، ماذا تقولون؟

طلبة: صحيح.

الشيخ: صحيح، نعم.

إذا كان عالِمًا، قال: بعتك هذه الأرض على أنها ألف متر، وهو يعلم -أي المشتري- أنها خمس مئة متر.

طالب: نعم.

الشيخ: هل له الخيار؟

طالب: ليس له الخيار.

الشيخ: لماذا؟

الطالب: دخل على بصيرة.

الشيخ: لأنه دخل على بصيرة، ويؤخذ من قول المؤلف.

الطالب: (ولمن جهِل).

الشيخ: (ولمن جهِله وفات غرضُه الخيار).

***

[باب الخيار]

بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله:

(باب الخيار)

الخيار: اسم مصدر، وفعله: اختار، ولا نقول: إنه مصدر؛ لأن مصدر اختار: اختيارٌ، وكل كلمة تدل على معنى المصدر ولكنها لا تتضمن حروف الفعل فإنها تسمى؟

طالب: اسم مصدر.

ص: 894

الشيخ: اسم مصدر، مثل:(كلام) اسم مصدر للتكليم، (سلام) اسم مصدر للتسليم، (سبحان) اسم مصدر للتسبيح، وهَلُمَّ جَرًّا.

فما هو الخيار؟

الخيار هو: الأخذ بخير الأمرين، يقال: اختار، أي: أخذ بخير الأمرين فيما يرى.

والخيار -هنا-: الأخذ بخير الأمرين من الإمضاء أو الفسخ، سواء كان للبائع أو للمشتري.

قال: (وهو أقسام): أقسام ثمانية، وحُصِرَتِ الأقسام بثمانية بناءً على التتبع والاستقراء، أي: أن أهل العلم تتبعوا النصوص الواردة في الخيار، فوجدوا أنها لا تخرج عن ثمانية، أو أنهم حصروها في هذا الباب بثمانية وإن كان هناك أشياء فيها الخيار لم تُذكَر في هذا الباب، ومنها آخر مسألة في الفصل الذي قبل هذا، فإنها لم تُذكَر في باب الخيار.

يقول: (الأول: خيار المجلس) المجلس: موضع الجلوس، والمراد به -هنا-: مكان التبايع، حتى لو وقع العقد وهما قائمان، أو وقع العقد وهما مضطجعان، فإن الخيار يكون لهما، ويسمى: خيار مجلس؛ لأن المراد بالمجلس أيش؟

طلبة: مكان التبايع.

الشيخ: مكان التبايع، لا خصوص الجلوس.

قال: (يثبت في البيع)، لمن؟ للبائع والمشتري، ودليل ذلك قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» (8)، وقوله:«إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» (9)، هذا واحد.

قال المؤلف: (والصلح بمعناه) يعني: يثبت الخيار في الصلح الذي بمعنى البيع، فالضمير في قوله:(بمعناه) يعود على البيع، يعني الصلح الذي بمعنى البيع.

وذلك أن الصلح قسمان -كما سيأتي في بابه- أحد القسمين: ما كان بمعنى البيع، مثل: أن يُقِرَّ الإنسان لشخص بمئة صاع من البُر، ثم يصالحه -أي الْمُقَرُّ له- على هذه الأصواع بمئة درهم. هذه مصالحة بمعنى البيع؛ لأنها معاوضة واضحة، فالصلح بمعنى البيع يثبت به الخيار قياسًا على أيش؟ قياسًا على البيع.

ص: 895

كذلك يثبت في الإجارة، (وإجارة)؛ لأن الإجارة بيع منافع.

وهو أَقسامٌ:

الأَوَّلُ: (خِيارُ الْمَجْلِسِ) يَثْبُتُ في البيعِ، والصلْحِ بمعناه، وإجارةٍ، والصرْفِ والسَّلَمِ دونَ سائرِ العقودِ، ولكلٍّ من الْمُتبايعينِ الخيارُ ما لم يَتَفَرَّقَا عُرْفًا بأَبْدَانِهما ، وإن نَفَيَاهُ أو أَسقطاهُ سَقَطَ، وإن أَسْقَطَه أحدُهما بَقِيَ خيارُ الآخَرِ، وإذا مَضَتْ مُدَّتُه لَزِمَ الْبَيْعُ.

الثاني: أن يَشترطاهُ في الْعَقْدِ مُدَّةً مَعلومةً ، ولو طويلةً وابتداؤُها من العَقْدِ، وإذا مَضَتْ مُدَّتُه أو قَطَعَاهُ بَطَلَ ويَثْبُتُ في البيعِ، والصلْحُ بمعناه، والإجارةُ في الذِّمَّةِ أو على مُدَّةٍ لا تَلِي الْعَقْدَ، وإن شَرَطَاهُ لأَحَدِهما دونَ صاحبِه صَحَّ، وإلى الغَدِ أو الليلِ يَسْقُطُ بأَوَّلِه، ولِمَنْ له الْخِيارُ الْفَسْخُ ولو مع غَيْبَةِ الآخَرِ وسَخَطِه، والْمِلْكُ مُدَّةُ الخيارَيْنِ للمُشْتَرِي،

بسم الله الرحمن الرحيم

قال المؤلف رحمه الله: (باب الخيار).

(الخيار) اسم مصدر، وفعله (اختار)، ولا نقول: إنه مصدر؛ لأن مصدر (اختار): اختيار، وكل كلمة تدل على معنى المصدر ولكنها لا تتضمن حروف الفعل فإنها تُسَمَّى اسم مصدر، مثل:(كلام) اسم مصدر لتكليم، (سلام) اسم مصدر لتسليم، (سبحان) اسم مصدر لتسبيح، وهلم جرًّا.

فما هو الخيار؟ الخيار هو الأخذ بخير الأمرين، يقال: اختار، أي: أخذ بخير الأمرين فيما يرى.

والخيار هنا: الأخذ بخير الأمرين من الإمضاء أو الفسخ، سواء كان للبائع أو للمشتري.

ص: 896

قال: (وهو أقسام) أقسام ثمانية، وحُصِرَت الأقسام بثمانية بناءً على التتبع والاستقراء، أي أن أهل العلم تتبعوا النصوص الواردة في الخيار، فوجدوا أنها لا تخرج عن ثمانية، أو أنهم حصروها في هذا الباب بثمانية، وإن كان هناك أشياء فيها الخيار لم تُذكَر في هذا الباب، ومنها آخر مسألة في الفصل الذي قبل هذا، فإنها لم تُذكر في باب الخيار.

يقول: (الأول: خيار المجلس)(المجلس) موضع الجلوس، والمراد به هنا: مكان التبايع، حتى لو وقع العقد وهما قائمان، أو وقع العقد وهما مضطجعان، فإن الخيار يكون لهما ويسمى خيار مجلس؛ لأن المراد بالمجلس أيش؟ مكان التبايع، لا خصوص الجلوس.

قال: (يثبُت في البيع) لمن؟ للبائع والمشتري.

ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» (1)، وقوله:«إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» (2). هذا واحد.

قال المؤلف: (والصلح بمعناه)، يعني: يثبت الخيار في الصلح الذي بمعنى البيع، فالضمير في قوله:(بمعناه) يعود على البيع، يعني: الصلح الذي بمعنى البيع. وذلك أن الصلح قسمان كما سيأتي في بابه، أحد القسمين: ما كان بمعنى البيع، مثل: أن يُقِرَّ الإنسان لشخص بمئة صاع من البُر، ثم يصالحه -أي المقَرُّ له- على هذه الأصواع بمئة درهم، هذه مصالحة بمعنى البيع؛ لأنها معاوضة واضحة، فالصلح بمعنى البيع يثبت به الخيار قياسًا على أيش؟ قياسًا على البيع.

وكذلك يثبت في الإجارة (وإجارةٍ)؛ لأن الإجارة بيع منافع، فالرجل إذا آجَرَ آخَرَ بيتًا سنة بمئة فقد باع عليه منافع هذا البيت.

يثبت أيضًا في الصرف؛ لأن الصرف بيع، لكنه بيع خاص بالنقود؛ يعني: بيع ذهب بفضة هذا صرف، بيع ذهب بحديد ليس بصرف.

ص: 897

والعلماء رحمهم الله خصوا الصرف بباب وبأحكام؛ لأنه يختلف عن غيره من أنواع المبيعات، فلذلك نصوا عليه بخصوصه، وإلا فهو من البيع.

السلَم يثبُت به خيار المجلس. فما هو السلم؟

السلم أن يُسلِم الإنسان إلى البائع دراهم مع تأجيل السلعة، مثل أن يقول الرجل للفلَّاح: أريد أن أشتري منك ثمرًا بعد سنة أو سنتين بألف درهم، وهذه الألف درهم. هذا يُسمى سلمًا، ويسمى سلفًا، وكلاهما صحيح. أما تسميته سلمًا؛ فلأن المشتري أسلم الثمن، وأما تسميته سلفًا؛ فلأنه قدَّم، والسلف بمعنى المقدَّم، ومنه قولنا: السلف الصالح؛ لأنهم متقدِّمون.

قال المؤلف: (دون سائر العقود)، مثل: الرهن، الوقف، الهبة، المساقاة، الحوالة، العتق، وما أشبه ذلك، هذه ليس فيها خيار؛ وذلك لأن هذه العقود لا تخلو من حالين:

إما أن تكون من العقود الجائزة، فهذه جوازها يغني عن قولنا: إن فيها الخيار؛ لأن العقد الجائز يجوز فسخه حتى بعد التفرق.

هذه العقود اللي ما فيها خيار لا تخلو من حالين: إما أنها من العقود الجائزة، والعقود الجائزة لا تحتاج إلى خيار؛ لأن العقد الجائز متى شاء العاقدُ فَسَخَه، سواء في مجلس العقد أو بعده.

وإما أن تكون من العقود النافذة التي لقوة نفوذها لا يمكن أن يكون فيها خيار، مثل العتق والوقف.

طيب، نأخذ أمثلة هذا:

المساقاة: قيل: إنها عقد جائز، وعلى هذا لا خيار فيها؛ لأن المساقِي والمساقَى كلٌّ منهما له أن يفسخ.

أتعرفون المساقاة؟ المساقاة: أن يدفع الإنسان بستانه لشخص فلَّاح عامل، يقول: خذ هذا اعمل عليه ولك نصف ثمره. هذه يقول العلماء على المشهور من المذهب: إنها عقد جائز، فللعامل أن يفسخ، ولصاحب البستان أن يفسخ. إذن لا حاجة أن نقول: له خيار مجلس؛ لأن الخيار ثابت، سواء كانوا في مجلس العقد أو بعده.

الرهن: عقدٌ لازم من أحد الطرفين، وجائز من أحد الطرفين، فمَنْ له الحق فهو في حقه جائز، ومن عليه الحق فهو في حقه لازم.

ص: 898

مثاله: استقرضتُ من شخص مالًا، فطلب مني رهنًا، فأعطيته كتابًا. هذا الرهن من قِبَلي أنا لازم، ومن قِبَل صاحب الحق جائز؛ لأن له أن يفسخ الرهن، ويقول: خذ كتابك، ويبقى الدين في ذمتي دينًا مرسلًا.

العتق: لو أعتق الإنسان عبده، ثم في مجلس العتق هَوَّن، فسخ، ما تقولون؟ لا يصح؛ لقوة نفوذه. ومثله الوقف؛ لأن الوقف أخرجه الإنسان لله فلا خيار فيه، ومنه الهبة إذا قُبضت لا خيار فيها؛ لأنها ليست عقد معاوضة.

إذن يثبت خيار المجلس لكلٍّ من البائع والمشتري.

يقول المؤلف رحمه الله: (ولكل من المتبايعين الخيار ما لم يتفرقا عُرْفًا بأبدانهما).

لكل منهما الخيار ما لم يتفرَّقا، والدليل حديث ابن عمر:«إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» (2)، فإن تفرَّقا فلا خيار، ولكن بماذا يكون التفرق؟ هل هو محدود شرعًا؟

يقول العلماء: إنه محدود عُرفًا؛ لأن الشرع لم يحدِّدْه، وكل شيء يأتي به الشرع من غير تحديد فإنه يُرجع فيه إلى العرف، كما قال الناظم:

وَكُلُّ مَا أَتَى وَلَمْ يُحَدَّدِ

بِالشَّرْعِ كَالْحِرْزِ فَبِالْعُرْفِ احْدُدِ

ولهذا قال المؤلف: (ما لم يتفرقا عرفًا بأبدانهما).

ص: 899

وإنما قال رحمه الله: (بأبدانهما) دفعًا لقول من قال: إن المراد بالتفرق التفرق بأقوالهما، وأن معنى الحديث: لكل واحد من المتبايعين الخيار ما لم يقع القبول من المشتري، فإن وقع القبول من المشتري فقد تفرقا بأقوالهما ولا خيار. لكن هذا القول ضعيف؛ لأنه لا يمكن يتم البيع إلا بالتفرق بالأقوال، فالبيع لا ينعقد إلا بالإيجاب والقبول، ومتى تم القبول قلنا: الآن وقع العقد، والحديث يقول:«إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ» ، ولا حقيقة لتبايعهما حتى يحصل أيش؟ الإيجاب والقبول. فهذا القول ضعيف، لكننا أشرنا إليه؛ لأن المؤلف نص عليه، نص على قوله:(بأبدانهما) احترازًا من القول بأن المراد بالتفرق التفرق بالأقوال، وهذا ضعيف.

كيف التفرق عرفًا؟ ننظر، إذا كانا يمشيان من الجامع إلى المعهد العلمي، فباعه عند الجامع، وجعلا يمشيان إلى المعهد العلمي، وهذا المشي يستغرق كم؟

طالب: نصف ساعة.

الشيخ: لا، ما يستغرق نصف ساعة.

طالب: ثلث ساعة.

الشيخ: ثلث ساعة يمكن، على الأكثر، والناس يختلفون في المشي. هذان الرجلان إذا كانا يمشيان ويتحدثان، إي نعم، يمكن يكون نصف ساعة، وإن كانا يسرعان فأقل. فهل لهما الخيار حتى يتفرقا عند المعهد؟

طلبة: نعم.

الشيخ: نعم، لهما ذلك، ما داما يمشيان جميعًا مصطحبين فلهما الخيار. فإذا دخلا أحدهما المعهد والآخر راح في شغله حصل التفرق.

إذا كانا في حجرة تبايعا، ثم خرج أحدهما من الحجرة إلى الحمام لقضاء الحاجة، فهل تفرقا؟

طالب: لا.

طالب آخر: نعم.

طالب آخر: ينظر.

الشيخ: تفرقا، كيف ما تفرقا؟ تفرقا.

طالب: (

).

الشيخ: لو رجع، إذا رجع المجلس الأول انتهى، فهذان قد تفرقا.

ص: 900

إذا كانا في الطيارة متجهَينِ إلى محل بعيد مقداره ثلاث عشرة ساعة، في الطائرة، وتبايعا عند إقلاعها، ولا تهبط إلا بعد ثلاث عشرة ساعة. كم تكون مدة الخيار؟ ثلاث عشرة ساعة، له الخيار، ما داما لم يتفرقا. لكن حل هذه المشكلة: أن يتبايعا على أن لا خيار، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث:«فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» (2)، ومعنى ذلك أن يُسْقِطَا الخيار، يتبايعان على أن لا خيار. شوف، والله الآن المدة ستطول، وأنت إلى جنبي في الكرسي، ولكن ترى لا خيار بيننا؟ قال: لا بأس. إذن بمجرد الإيجاب والقبول أيش؟ يلزم البيع ولا خيار.

فإن لم يَنفياه في العقد، بعد مُضي عشر دقائق، قال: يا فلان، خلينا نقطع الخيار؛ لأنه خاف أن صاحبه يفسخ، قال: لعلنا نقطع الخيار، فقطعاه، يصح؟ يصح؛ لأن الحق لهما وقد أسقطاه، فإن أبى أحدهما لم يصح، لكن هل يسقط خيار الآخر الذي قال: سنسقط الخيار؟

الحديث: «أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ» ، فإن خيَّر أحدهما الآخر، يعني: جعل الخيار له وحده، سقط خيار الذي أسقط خياره. والظاهر أن طلب إسقاط الخيار ليس إسقاطًا للخيار. أليس كذلك؟ هذا هو الظاهر.

وهنا مسألة: لو أنه خاف أن يفسخ البيع، فهل يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله؟

طالب: نعم، يجوز.

طالب آخر: لا.

الشيخ: اختلفتما على قولين، في مفارقته المكان إسقاط لحق أخيه الذي جعله الشرع له، فيكون هذا كالتحيُّل على إسقاط الشفعة بوقف الشقص المبيع أو ما أشبه ذلك. على كل حال هو تحيُّل على إسقاط حق أخيه.

ص: 901

فإن قال قائل: الحديث عام «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» ولا فيه التفصيل، قلنا: المراد التفرق الذي لم يقصد به إسقاط حق الآخر، فإن قصد به إسقاط حق الآخر فالأعمال بالنيات، ولهذا جاء في الحديث:«وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» (3). وتعليلها واضح، ففيها دليل وفيها تعليل.

قال المؤلف: (وإن نفياه)، كيف قال:(نفياه) من حيث التصريف، ولم يقل: نَفَواهُ؟

طالب: يائي.

الشيخ: يائي؟ أليس يقال: نفَوْا، كذا؟

طالب: واوي.

طالب آخر: نَفَوْا، واو الجماعة.

طالب: يائي، يا شيخ.

الشيخ: طيب، الآن السؤال عام: أليس يقال: (نَفَوْا كذا) بالواو؟

طالب: بلى.

الشيخ: كيف تقول: يائي؟

الطالب: ويقال: (يَنْفي).

الشيخ: ويقال: (يَنْفِي)، ويقال:(نَفَوْا).

الطالب: أصله (نَفَى).

الشيخ: أصله (نَفَى)، و (نَفَوا)؟

الطالب: (نَفَوا) اتصاله بواو الجماعة.

الشيخ: أحسنت، الواو هنا ليست واو الفعل، ولكنها واو الجماعة، ضمير.

على كل حال (إن نفياه) التعبير صحيح.

(إن نفياه) أي: نفيا الخيار.

وكيفية النفي أن يتبايعا على أن لا خيار بينهما، قال: شوف أنا بأبيع عليك لكن ترى ما بيننا خيار، قال: لا بأس، أقبل. فالخيار يسقط ويقع العقد لازمًا بمجرد الإيجاب والقبول، أي: بمجرد أن يقول: بعتك. فيقول: قبلت، ما فيه الخيار.

(أو أسقطاه سقط) أسقطاه متى؟ بعد العقد، يعني بعد أن تم العقد ومضى دقيقة أو دقيقتان أو عشر دقائق اتفقا على إسقاط الخيار، فإنه يسقط؛ التعليل؟ لأن الحق لهما، فإذا رضيا بإسقاطه سقط.

فإن قال قائل: إن هذا الشرط يُحرِّم ما أحلَّ الله؛ لأن الله أحلَّ لكل منهما الفسخ، فإذا شرطا أن لا خيار أو أسقطاه فهذا تحريم ما أحل الله.

قلنا: هذا التحريم ليس لحق الله، بل لحق الآدمي. وحق الآدمي الأمرُ فيه إليه، فإذا أسقطاه أو نفياه مع العقد، إن أسقطاه بعد العقد أو نفياه مع العقد فلا بأس.

ص: 902

طالب: بعض المحلات يكتب ورقة أن البضاعة المباعة لا تُرد، فإذا كان المشتري لا يعرف أن يقرأ، أو يعرف ولكنه غفل عنها واشترى، فهل يثبت له الخيار؟

الشيخ: هو -بارك الله فيك- لا يرد؛ هم يقولون: لا يرد بعد استلامه.

الطالب: نعم.

الشيخ: ما هو وأنت بالمكان.

الطالب: نعم، يعني هو اشتراها وخرج من المحل.

الشيخ: إي نعم، هذه تنبني على مسألة سبقت، وهي؟

طالب: (

).

الشيخ: شرط البراءة من العيب.

طالب: إن كان عالمًا.

الشيخ: هذه إذا وجد فيها العيب على المذهب ما له رد، على المذهب ليس له رد، والصحيح أنه إذا كان البائع عالمًا فله الرد.

طالب: وإن كانت سليمة من العيوب؟

الشيخ: إن كانت سليمة ما له يرد. هو بعد التفرق ليس له أن يردها سواء شرط أو لم يُشرط.

طالب: كان فيه صورة لا يوجد فيها مجلس عقد؛ البيع بالكمبيوتر، وهو أن يكون يعني مثلًا يعطيه السهم ببيعه بالكمبيوتر، فيتم الشراء عبر جهاز الكمبيوتر لشخص آخر لا يعرفه يكون حدد نفس السعر فيتفقا، خصوصًا أن هذا السعر مع هذا السعر مضروب مع السعر المعروف لبيع هذا السهم ويتم هذا بدون أي علم.

الشيخ: ويش هو يتم؟

الطالب: بدون أن يعلم.

الشيخ: بدون علم؟

الطالب: نعم.

الشيخ: كيف؟ ويش لونه؟

الطالب: يعني: ما فيه مجلس عقد لهذه الصورة، يعني مثلًا يكون فيه سهم يباع في الكمبيوتر.

الشيخ: سهم يعني؟

الطالب: سهم من الأسهم.

الشيخ: طيب، زين.

الطالب: فهذا السهم يدخل إلى الكمبيوتر على أساس أنه يرغب البائع ببيعه مثلًا بمئة ريال.

الشيخ: وليكن أنت.

الطالب: طيب، وليكن أنا وشخص آخر يكون موجود في ..

الشيخ: أنا بأشتريه منك.

الطالب: نعم، تكون موجودًا مثلًا في القصيم وأنا موجود في الرياض.

الشيخ: زين.

الطالب: فأُدخِل اسمك في الكمبيوتر أنك تريد يعني نفس هذا السهم بمئة ريال.

الشيخ: بدون علمي؟

الطالب: لا، أنت تعرف (

).

الشيخ: يعني مثلًا قلت لصاحب الكمبيوتر: ضع اسمي بدل يوسف؟

ص: 903

الطالب: لا، أنت تقول: أريد أن أشتري سهمًا من الشركة الفلانية بملغ مئة ريال، وأنا صدفة أكون قلت: إني أريد أن أبيعه بمئة ريال، فتلتقيا هاتان الرغبتان في الكمبيوتر وتتم فورًا.

الشيخ: والكمبيوتر يدلي عن رغبتنا؟ ! !

الطالب: يعني: يسمون البيع، يعني: فيه ناس سياسيين على الشاشات.

الشيخ: إي، أحسنت، يعني فيه مدبرين له، إي.

الطالب: لكن هنا ما فيه مجلس عقد يا شيخ.

الشيخ: إي، ويش تقولون في هذا؟

طالب: صحيح.

الشيخ: هذه ذكرها العلماء، قالوا: إذا تَوَلَّى طرفَي العقد فمتى يكون الخيار؟ يقولون: ليس فيه خيار إذا تَوَلَّى طرفي العقد؛ لأنا لو قلنا: إنه له الخيار بقي البيع جائزًا؛ لأنه هو ما يمكن يفارق نفسه.

مثال تولي طرفي العقد: وكلتك أن تشتري لي الروض المربع ووكلك آخرُ أن تبيعه له، فقلت: اشتريت الروض المربع من فلان لفلان. فهنا تولَّى طرفي العقد، ولهذا عندنا في الشرح المفيد قال:(يستثنى من البيع الكتابة وتولي طرفي العقد). ولكن يظهر أنه لا يُسْتَثنى، وأن طرفي العقد فيه الخيار، ويكون المدار على مفارقة هذا الرجل للمكان الذي أمضى فيه البيع، يعني: مثلًا هو بنفسه –الوكيل- قال: اشتريت هذا الكتاب لفلان من فلان، ثم قام مشى راح، الآن لزم البيع، فالكمبيوتر مثله، الكمبيوتر يجعل مثل ذلك.

طالب: إذا فارق الكمبيوتر؟

الشيخ: إي نعم.

الطالب: يعني الكمبيوتر هو (

).

الشيخ: لا، إذا فارق اللي أمضى، اللي يدبر الكمبيوتر هذا واللي أمضى العقد.

طالب: فارق من؟

الشيخ: إذا فارق المكان.

الطالب: من الذي فارق؟

الشيخ: هذا الوكيل؛ لأن القائم على الكمبيوتر وكيل للبائع وللمشتري.

الطالب: إذا فارق مكانه.

الشيخ: مكانه (

).

***

الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 904

قال رحمه الله تعالى: وإن نَفَياه أو أَسْقطاه سَقَط، وإن أسقطَهُ أحدُهما بقي خيارُ الآخر، وإذا مضتْ مدتُه لَزم البيعُ.

الثاني: أن يشترطاه في العَقْد مُدةً معلومةً ولو طويلةً، وابتداؤُها من العقد، وإذا مضت مدتُه، أو قَطَعاه بَطَلَ، ويَثبتُ في البيع -والصلحُ بمعناه- والإجارةُ في الذمة، أو على مدةٍ لا تلي العَقْدَ، وإن شَرَطاه لأحدِهما دون صاحِبه صحَّ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

سبق لنا ثبوت خيار المجلس للمتبايعين ودليله وبيان الحكمة منه، فما هو دليله؟

طالب: دليله حديث ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ تَفَرَّقَا فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» (4).

الشيخ: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ» ؟

طالب: «فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ» .

الشيخ: احفظ المتن.

طالب: حديث ابن عمر رضي الله عنه: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا» .

الشيخ: نعم، «أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ» ؟

الطالب: نعم، «فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» .

الشيخ: «فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» .

الطالب: «فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» .

الشيخ: «وَإِنْ تَفَرَّقَا» .

الطالب: باقٍ؟

الشيخ: أو إلى آخره، ما فيه مانع.

طالب: «وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» .

الشيخ: ما الحكمة من خيار المجلس؟

طالب: إعطاء كل واحد من البائع والمشتري فرصة للتفكير ليَنظر هل الأصلح له الإقدام على ..

الشيخ: الإمضاء أو الفسخ.

الطالب: الإمضاء أو الفسخ.

ص: 905

الشيخ: نعم؛ لأن الإنسان قد يُقدم على السلعة شفقة أول ما يقدم، ثم بعد أن تباع تزول رغبته عنها، وهذا شيء مجرب؛ أن الشيء الذي ليس بيد الإنسان يجد الإنسان عليه شفقة وحبًّا له، فإذا أدركه وتمكن منه ربما تزول الرغبة.

***

قوله: (وإن نَفياه أو أَسْقطاه سَقَط، وإن أسقطَهُ أحدُهما بقي خيارُ الآخر) يعني: إذا تم العقد وقال أحدهما: أسقطتُ خياري، أو طلب منه الآخر أن يسقط خياره فأسقطه بقي خيار صاحبه. ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمر:«فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» (4)، فدل ذلك على أنه يصح أن يسقط أحدهما الخيار عنه لصاحبه.

(وإذا مضت مدته لزم البيع) لو قال المؤلف رحمه الله: (وإذا تفرَّقا لزم البيع) لكان أولى؛ لموافقة الحديث لقوله: «وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» ، فالأولى في التعبير أن يقول: وإذا تفرقا لزم البيع.

وقوله: (لزم البيع)، أي: وقع لازمًا، ليس لأحدهما فسخه إلا بسبب. وهذه المسألة مجمع عليها، ومستند الإجماع قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» ، واللزوم هنا من الطرفين؛ يعني: يلزم من جهة المشتري ومن جهة البائع، وبهذا عرفنا أن البيع من العقود اللازمة؛ لأن العقود ثلاثة أقسام: لازمة من الطرفين، وجائزة منهما، ولازمة من أحدهما دون الآخر.

فاللازمة من الطرفين مثل البيع والإجارة، والجائزة من الطرفين كالوكالة، والجائزة من طرف واحد كالرهن، هو جائز من قبل المرتهِن لازم من قبل الراهن؛ لأن الراهن لا يمكنه أن يفسخ الرهن، أما المرتهن فله أن يفسخه.

ثم قال: (الثاني) أي: من أقسام الخيار (أن يشترطاه)، وليعرب لنا العقيلي هذه الجملة (الثاني أن يشترطاه)؟

طالب: (الثاني) مبتدأ (

) صفة لموصوف محذوف.

ص: 906

الشيخ: ويش التقدير؟

الطالب: اسم الفاعل.

الشيخ: لا يحتاج أن نقول: صفة لموصوف محذوف؛ لأنه يحذف الموصوف وتقوم الصفة مقامه، فنقول كما قلت أولًا:(الثاني) مبتدأ ..

الطالب: جملة (أن يشترطاه) في محل خبر.

الشيخ: في محل خبر.

الطالب: خبر لأنها (

).

الشيخ: جملة (أن يشترطاه) في محل أيش؟

الطالب: (

).

الشيخ: إذن (أن يشترطاه)(أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ، فنفهم من هذا، من قول المؤلف:(والثاني أن يشترطاه) أن هذا القسم خيار شرط، أي: الأصل عدمه إلا إذا اشتُرط؛ لأن إضافته إلى الشرط من باب إضافة الشيء إلى سببه، فهذا خيار الشرط.

(أن يشترطاه) الفاعل (المتبايعان)، والمفعول به الهاء، يعني: تعود على الخيار.

(أن يشترطاه في العَقْد مُدةً معلومةً) وقوله: (في العقد) في للظرفية، فيقتضي أن يكون هذا الشرط في نفس العقد، أي: في صلب العقد، وليس قبله وليس بعده. لكن تقييد ذلك في صلب العقد فيه نظر، وهو قول من الأقوال.

والقول الثاني: أنه يصح في صلب العقد وفي زمن الخيارين. والثالث: أنه يصح قبل العقد وفي صلب العقد وفي زمن الخيارين؛ لأن الحق لمن؟ لهما، فإذا اشترطاه ورضي كل واحد منهما بذلك فلا بأس، لو قال: أنا أشتري منك البيت لكن اجعل لي الخيار مدة شهر، فقال: لا بأس، ما فيه مانع، ثم قال: بعتك البيت بمئة ألف، فقال: قبلت. فهنا يصح الشرط؛ لأنه حقٌّ لهما وقد اتفقا عليه. وهذا مثل ما سبق لنا في الشروط في البيع.

إذن قول المؤلف: (في العقد)، يقتضي أنه لا يصح شرطه قبل العقد ولا بعد العقد، وظاهره ولو في زمن خيار المجلس أو الشرط.

ص: 907

ولكن الصحيح ما سمعتم؛ أنه يصح قبل العقد ومع العقد وبعد العقد، لكن في زمن الخيار، إما خيار الشرط وإما خيار المجلس. لكن كيف خيار الشرط؟ خيار الشرط يُدخِل شرطًا على آخر، مثل أن يقول: اشتريت منك هذا البيت ولي الخيار ثلاثة أيام، قال: نعم، فلما صار اليوم الثالث قال: أريد أن أمدِّد الخيار إلى ستة أيام، فقال: لا بأس، له ذلك؛ لأن العقد لم يلزم الآن، لأنه لا يلزم إلا بعد انتهاء مدة الخيار.

قال: (مدة معلومة ولو طويلة) قوله: (مدة معلومة)، علم من هذا أنه لا بد أن تكون المدة معلومة، بأن يقول: إلى دخول شهر رجب، هذه معلومة إلى وقت الحصاد، إذا كان حصاد معلومَ المدة يصح على القول الراجح، والمذهب أنه لا يصح؛ لأن الحصاد يختلف، من الناس من يحصد مبكرًا، ومنهم من يحصد متأخرًا، والصواب أنه يصح، إلى قدوم زيد؟

طلبة: لا يصح.

الشيخ: لا يصح، لماذا؟

الطلبة: مجهول.

الشيخ: لأنه مجهول، فإن كان زيد قد قرر القدوم في يوم الجمعة التالي، فإنه لا يصح؛ وذلك لأنه قد يعتريه مانع ولا يقدم في هذا اليوم.

وقوله: (مدة معلومة ولو طويلة)، يعني: لو فرض أنه جعل خيار الشرط لمدة شهر أو سنة أو سنتين فلا بأس.

وظاهر كلام المؤلف: حتى فيما يفسد قبل تمام المدة، مثل أن يشتري منه بطيخًا وقال: لي الخيار لمدة أسبوع، كيف هذا؟

طالب: ما يصح.

الشيخ: يبقى البطيخ؟

طالب: (

).

الشيخ: يصح، فإذا خيف فساده بيع، ثم إن أُمْضِي البيع فالقيمة للمشتري، وإن فسخ البيع فالقيمة للبائع ويرجع المشتري بثمنه. هكذا قالوا.

ولكن لو قيل: إنه إذا شُرط الخيار في شيء يفسد قبل تمام المدة، لو قيل: إنه لا يصح لكان له وجه، لماذا؟ لأنه إذا بيع فإن كانت القيمة أكثر فسوف يختار؟

طلبة: (

).

الشيخ: فسوف يختار المشتري الإمضاء، وإن كانت أقل فسوف يختار الفسخ، وحينئذ يكون ضررًا على أحد الطرفين.

ص: 908

ثم قال المؤلف: (وابتداؤها من العقد)(ابتداؤها) يعني: ابتداء مدة الخيار (من العقد)؛ لأنها شُرِطت في العقد فيكون ابتداؤها من العقد، فإذا عُقد في تمام الساعة الثانية عشرة عند زوال الشمس، وجُعل الخيار يومًا، انتهاؤه متى؟ إذا جاءت الساعة الثانية عشرة من اليوم التالي.

ألا يقال: ابتداؤها من التفرق؛ لأن ما قبل التفرق ثابت بالشرع لا بالشرط؟ الخيار الذي قبل التفرق ثابت بالشرع لا بالشرط؟

فيقال: بل من العقد؛ لأنه لا يمنع أن يتوارد سببان على شيء واحد، فيكون هذا -أي ما بين العقد والتفرق يكون- ثابتًا بالشرع وأيش؟ والشرط، ولا مانع. نعم إن قال: لي الخيار ثلاثة أيام بعد التفرق فحينئذٍ يكون ابتداؤه من التفرق.

على أنه لو قال قائل: إنه إذا قال لي ثلاثة أيام من التفرق لم يصح، لو قال قائل: إنه لا يصح؛ لأن التفرق أمده مجهول، فيكون الأمد الذي قُيِّد ابتداؤه به مجهولًا، لكن مثل هذا يُتسامح فيه؛ لأن الغالب أن التفرق يكون قريبًا.

يقول: (ابتداؤها من العقد).

أرأيتم لو شُرِطَ الخيار بعد العقد بساعة وهما في مكان البيع، فهل تبتدئ المدة من العقد أو من حين اشتُرط؟

نقول: من حين اشتُرط، لكن المؤلف قال:(من العقد)؛ لأنه يرى أن خيار الشرط إنما يكون في صلب العقد، ولهذا قال:(ابتداؤها من العقد).

(وابتداؤها من العقد، وَإِذَا مَضَتْ مُدَّتُهُ) أي: مدة الخيار خيار الشرط، (أو قطعاه بطل).

قوله: (إذا مضت مدته .. بطل)؛ لأن (بطل) هذه جواب الشرط للمسألتين كلتيهما؛ يعني: المسألة الأولى (إذا تمت مدته)، والثانية (إذا قطعاه)، ولا يصح أن نقول فيما إذا مضت مدته: إنه بطل؛ لأنه تمت المدة ومضت على أنها صحيحة، ولو قال: إذا مضت مدته لزم البيع وإن قطعاه بطل، لكان أحسن؛ لأن بطلانه بعد تمامه لا وجه له، لكن قد يُعتذر عن المؤلف رحمه الله بأنه أراد بذلك الاختصار.

ص: 909

كذلك أيضًا لو قطعاه؛ يعني: في أثناء المدة اتفقا على إلغاء الشرط، يعني إلغاء الخيار، فإن ذلك صحيح؛ لأن الحق لهما، مثل أن يقول: اشتريت منك هذا الشيء ولي الخيار لمدة شهر، وفي أثناء الشهر قالا: نريد إلغاء هذا الشرط، حتى يكون لنا التصرف تصرفًا كاملًا فلا بأس.

والمثال واضح، يعني: بعت هذا البيت على رجل بمئة ألف والخيار لمدة شهر، بعد مضي نصف الشهر جاء إليَّ المشتري، وقال: نريد أن نقطع الخيار حتى أتصرف، -يقول المشتري: بما شئت- وأنت أيضًا تتصرف بالثمن، فوافق البائع؛ فإنه يلغو ويبطل، ووجه ذلك أن الحق لهما، فإذا أسقطاه سقط ولا محذور في إسقاطه.

قال: (ويثبت في البيع) وسبق أن خيار المجلس يثبت أيضًا في البيع، ويثبت أيضًا في (الصلح بمعناه). وقد سبق أيضًا معنى (الصلح بمعناه)، وهو الصلح على إقرار، مثل أن يُقِر له بعين أو بدَين، ثم يصالحه على بعضه أو على عين أخرى، أو ما أشبه ذلك؛ فهذا صلح بمعنى البيع.

قال: (والإجارة في الذمة أو على مدة لا تلي العقد).

(الإجارة في الذمة) بأن يؤجره على خياطة ثوب، يقول: خُطْ لي هذا الثوب بعشرة ريالات. هذه إجارة في الذمة، على عمل في الذمة. فقال: نعم، لكن لي الخيار لمدة يومين. فالشرط صحيح؛ لأنه لا محظور فيه؛ إذ إن هذا إجارة على أيش؟ على عمل، والعمل يثبت في الذمة.

أما إذا كان (على مدة) بأن قال: أجَّرتك هذا البيت بمئة ريال سنةً من الآن. فها المدة نقول: فيها تفصيل؛ إن كانت تلي العقد فإن خيار الشرط فيها لا يصح، وإن كانت لا تلي العقد فإنه يصح.

إذا كانت الإجارة على عمل جاز فيها خيار الشرط؛ مثاله: استأجره على أن يخيط له ثوبًا، استأجره على أن يحمل له متاعًا إلى مكان معين، له الخيار، يجوز أن يشترط فيه الخيار-يعني خيار شرط- لمدة يوم أو يومين ولا ضرر في ذلك.

ص: 910

إذا كان على مدة ففيه تفصيل؛ إن كانت المدة تلي العقد لم يصح فيها خيار الشرط، وإن كانت لا تلي العقد صح فيها خيار الشرط. مفهوم؟

ما هو مفهوم، الإجارة على عمل فهمتموها ولَّا ما فهمتموها؟ قال: أريد أن تبني لي هذا البيت، أريد أن تحمل لي هذا المتاع، أريد أن تخيط لي هذا الثوب، أريد أن تغسل لي هذا الثوب، مثلًا.

طالب: (

) يا شيخ.

الشيخ: هذا جائز، يقول: اتفقنا على هذا على أنه لي الخيار لمدة يوم أو يومين. ما فيه مانع؛ لأنه ليس فيها ضرر ولا تفوت المنفعة ولا فيها محذور إطلاقًا.

إذا كان على مدة نظرنا؛ إن كانت المدة تلي العقد؛ يعني: من العقد، فخيار الشرط فيها لا يصح، وإن كانت لا تلي العقد جاز خيار الشرط بشرط أن ينتهي أمده قبل ابتداء المدة.

قال: أجَّرتك هذا البيت مدة سنة بمئة ريال. ابتداء المدة من العقد، ما دامت لم تُحَدَّد فابتداء المدة من العقد. قال: لا بأس لكن لي الخيار لمدة عشرة أيام. ما تقولون في هذا؟

طلبة: لا يصح الشرط.

الشيخ: هذا لا يصح فيه الشرط، لا يصح الشرط، وسيأتي التعليل، بس المهم نفهم الحكم أولًا.

مثال آخر: قال: أجَّرتك بيتي هذا لمدة سنة بمئة ريال، على أن تبتدئ المدة في أول يوم من رجب، والخيار بيننا إلى خمسٍ وعشرين من شهر جمادى الثانية، ونحن الآن الليلة الثانية عشرة، يجوز أو لا يجوز؟

طلبة: يجوز.

الشيخ: لماذا؟ لأن ابتداء مدة الإجارة بعد انتهاء مدة الخيار، بعد انتهاء مدة خيار الشرط، وليس فيها ضرر.

عندنا الآن ثلاثة أمثلة: المثال الأول على عمل، والمثال الثاني على مدة من العقد، والمثال الثالث على مدة لا تلي العقد.

المثال الأول على عمل، مثاله؟

طالب: مثل أن يقول له: أجَّرتك، أو بيني وبينك إجارة بأن تحمل لي حطبًا.

الشيخ: تحمل لي الحطب إلى بيتي، أجَّرتك أن تحمل لي الحطب إلى بيتي، قال: لا بأس، وتم العقد على أن له الخيار لمدة يوم أو يومين، يصح ولّا ما يصح؟

الطالب: يصح.

ص: 911

الشيخ: يصح، توافقون على هذا؟

طلبة: نعم.

الشيخ: نعم يصح؛ لأن هذا على عمل.

على مدة تلي العقد؛ يعني: ابتداؤها من العقد؟

إن كان قال له: أجَّرتك بيتي بمئة ريال من اليوم، وقال: ولي الخيار لمدة عشرة أيام. هذا لا يجوز.

لا يجوز. تمام. إذن لأن المدة -مدة الإجارة- من العقد.

المثال الثالث على مدة لا تلي العقد؟

طالب: أجَّرتك هذا البيت (

).

الشيخ: أجَّرتك هذا البيت سنة.

الطالب: من مبتدأ الشهر وأن يكون (

).

الشيخ: يصح؟ سمعتم كلامه؟ يقول: أجَّرتك هذا البيت سنة تبتدئ بعد شهر، على أن لي الخيار لمدة عشرة أيام. يجوز أو لا يجوز؟

طلبة: يجوز.

الشيخ: يجوز؛ لأن المدة ما تبدأ إلا بعد انتهاء مدة الخيار.

إن قال: أجَّرتك سنة تبتدئ بعد عشرة أيام ولي الخيار لمدة خمسة عشر يومًا، يصح أو لا؟

الطلبة: لا يصح.

الشيخ: لا يصح، صح؛ لأن خيار الشرط لا ينتهي إلا بعد ابتداء المدة، فماذا نصنع إذا دخل وقت الإجارة أو مدة الإجارة وهو في الخيار.

إذا قال قائل: ما هو السبب؟ لماذا لا يصح خيار الشرط في إجارة تبتدئ من العقد؟

قلنا: لأن هذا المستأجَر إما أن ينتفع به المستأجِر، وإذا انتفع به فما فائدة خيار الشرط؟ وإما ألَّا ينتفع فيبقى معطلًا، فيكون في هذا إضاعة مال، لا ينتفع به المستأجِر ولا المُؤْجِر، هذا هو التعليل؛ ولهذا لما كان هذا التعليل عليلًا، صار الصحيح أنه يجوز اشتراط الخيار، ولو على مدة تلي العقد، أو ولو في خيار لا ينتهي إلا بعد بدء المدة التي لا تلي العقد -اللهم افتح- معلوم ولَّا غير معلوم؟

الطلبة: نعم.

ص: 912

الشيخ: أجَّرتك مدة سنة بمئة ريال، ابتداؤها من اليوم، قال: نعم، لكن لي الخيار لمدة شهر. على كلام المؤلف لا يصح؛ لأنه مدة تلي العقد، لكن على القول الراجح يصح. المستأجر يسكن، يقول: اسكن، توكل على الله، العقد تم، اسكن. سكن، بعد مضي عشرين يومًا فَسَخَ الإجارة، نقول: لا بأس، افسخ الإجارة. طيب المدة عشرون يومًا؟ نقول: عليك أجرة المثل.

طيب، الآن لم يفت شيء لا على المستأجر ولا على المؤجر، وهذه قد تدعو الحاجة إليها، قد تدعو الحاجة إلى أن يستأجر هذا البيت لمدة سنة بكذا وكذا ويقول لي: أخرها لمدة شهر، يعني فيه احتمال البيت الآن يُعمر، ربما (

) قبل الشهر، فما المانع؟

فالصواب أنه يصح خيار الشرط ولو على مدة تلي العقد أو على مدة تبتدئ قبل انتهاء وقت خيار الشرط، وإذا فسخ مَنْ له الخيار فإن المدة التي سكنها تقدَّر عليه بأجرة المثل.

إذن هل يثبت خيار الشرط في الإجارة؟ نقول: هذه لها أقسام أو أصناف:

الأول: أن تكون الإجارة على عمل، فماذا تقول؟

طالب: يجوز.

الشيخ: يجوز.

الثاني: أن تكون على مدة تلي العقد، يعني: ابتداؤها من العقد، يجوز؟

طالب: ابتداء العقد لا يجوز.

طالب آخر: على المذهب لا يجوز، والقول الراجح أنه يجوز.

الشيخ: خلونا نجيب على المذهب قبله علشان نعرف اللي مشى عليه المؤلف ثم ننظر.

على مدة لا تلي العقد وتنتهي مدة الخيار قبل ابتداء مدة الإجارة؟

طالب: جائز.

الشيخ: جائز، توافقون على هذا؟

طلبة: نعم.

الشيخ: على مدة لا تلي العقد، لكن فيها خيار شرط لا ينتهي إلَّا بعد دخول مدة الإجارة؟

طالب: لا ينتهي إلى بعد دخول مدة الإجارة؟

الشيخ: إي نعم.

الطالب: هذا على المذهب لا يجوز.

الشيخ: لا يصح، تمام.

ص: 913

طيب، إذن الآن نرجع إلى القول الراجح: القول الراجح أنه يجوز شرط الخيار في الإجارة على عمل أو على مدة تلي العقد أو على مدة لا تلي العقد، فإن كان على عمل فالأمر واضح، إذا كان على مدة لا تلي العقد وأمد الخيار ينتهي قبل دخول مدة الإجارة فالأمر أيضًا واضح ولا فيه إشكال، إذا كان على مدة تلي العقد أو على مدة تبتدئ قبل انتهاء مدة الخيار فهنا على المذهب لا يصح، والصحيح أنه يصح، ونقول: إن استمرا في العقد بدون فسخ ثبت في ذمته ما تم العقد عليه من الأجرة، وإن فسخ في مدة الخيار أُلْزِم بأجرة المثل في المدة التي سكن.

يقول رحمه الله: (أو على مدة لا تلي العقد).

سكت المؤلف عن أشياء مرت في خيار المجلس ولم يذكرها، مثل؟

طالب: (

).

الشيخ: لا.

طالب: الصرف.

الشيخ: الصرف، ذكر أنها تثبت في البيع ولم يذكر أنها تثبت في الصرف هنا. لماذا؟ قالوا: لأنه يُشترط في الصرف التقابض قبل التفرق، فشرط الخيار ينافي ذلك، ولكن الصحيح ثبوته في الصرف، ونقول: اقبضا قبل التفرق ويبقى بأيديكما على حسب ما اشترطتما، فإما أن تُمضيا البيع وإما أن تفسخاه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:«الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (5)، وقوله:«كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ» (6).

***

طالب: عندي إشكال في مسألة العربون؟

الشيخ: العربون راح وخليناه من زمان.

الطالب: بارك الله فيك، قلنا يا شيخ بأنه (

) ثم قال: إنما أعطيته لما رجع في البيع أو في الشراء إنما أعطيته العربون هذا لربط كلام فقط.

الشيخ: ويش ربط كلام؟

الطالب: يعني: تكلمت معه حتى يمسك علي البضاعة هذه أو السيارة هذه لا يبيعها لغيري، ثم السيارة (

).

الشيخ: ماذا تقولون في هذا؟

طالب: ما سمعنا يا شيخ.

ص: 914

الشيخ: يقول: هو أشكل عليه مسألة العربون، يقول: اشتريت سيارة وأعطيت إنسانًا عربون ألف ريال، ثم إن السيارة ما جادت لي فرددتها عليه، أقول: أعطني ألف الريال اللي أعطيتك، ليش يبقى له؟

ونحن نقول: إن هذا صحيح، وعندنا في ذلك أثر ونظر، لكن أخونا لعله فاته الأثر وفاته النظر. ما هو الأثر؟

طالب: (

).

الشيخ: نعم، الأثر عن عمر (7)، أنه فعل ذلك أو أجازه. النظر؟

طالب: وكذلك برضاه يا شيخ.

الشيخ: هه؟

الطالب: الرضا (

).

الشيخ: لا يكفي الرضا بارك الله فيك؛ لأن الرضا حتى الربا يتراضون.

طالب: (

).

الشيخ: إي نعم.

طالب: (

) تأخير بيع السلعة؛ لأنه قد يدخل في تأخير بيعها؛ يعني: رفض المشتري لاشترائها (

).

الشيخ: نعم، أن هذا من مصلحة الطرفين، هو من مصلحة الطرفين؛ أولًا: المشتري إذا تيسر له أن يفسخ البيع، هو لو كان إمضاء البيع خيرًا له لأمضاه، لكن يرى أن فسخ البيع خير له، فهو يرى أنه خير له، وكذلك البائع خير له أن يأخذ العربون لأن السلعة سوف تنقص، إذا تحدث الناس قالوا: والله هذا فلان اشتراها وردها، وردها مع أنه أعطى فيها عربونًا كثيرًا. قالوا: إذن معناه أنها غير صالحة إطلاقًا، ففيه أثر ونظر.

طالب: شيخ، نحن عرفنا فيما مضى أنهما إذا تبايعا مثلًا في الأرض وكانا في المجلس وقام أحدهما إلى دورة المياه فإن الخيار يعتبر خيار مجلس، انقطع، وأنهما إذا كانا في طائرة وطالت المدة فإنه لا ينقطع الخيار؛ خيار المجلس، لكن يقال: في الطائرة مثلًا دورة مياه، فلو دخل أحدهما إلى دورة المياه الموجودة في الطائرة ألا يكون هذا قطعًا للـ .. ؟

الشيخ: بلى، مثل دورة المياه في البيت.

طالب: صورة خيار الشرط في الصلح.

الشيخ: الصلح بمعنى البيع.

الطالب: نعم، لكن كيف مثاله؟ مثال ذلك يا شيخ؟

الشيخ: يقول مثلًا: صالحتك على ما في ذمتك من المال بكذا وكذا ولي الخيار لمدة يومين ثلاثة.

الطالب: الخيار على ماذا؟

ص: 915

الشيخ: على أني أمضي الصلح أو أُبقي حقي على ما هو عليه.

الطالب: أو قال بالسابق.

الشيخ: إي نعم، أقول: حقي السابق على ما هو عليه.

طالب: لماذا نقول هنا (

الشيخ: لأنه لما فسخ العقد ارتفع العقد من أصله، فلما ارتفع يعود إلى (

).

الطالب: والتقسيط ما (

).

الشيخ: (

)؛ لأنه لو قسطت معناه أني ألزمته بالعقد.

طالب: يا شيخ –بارك الله فيك- إذا علق -فيما قلتم- إذا علقها على الصوامع مثلما يفعلون الآن، أكثر المتبايعين يعلقه يقول: إذا صرفت الصوامع أعطيك. البيع جائز أو لا؟

الشيخ: ويش تقولون في هذا؟

طالب: ما فيه صوامع اليوم.

الشيخ: يقول: إذا أجل الثمن، ما هو خيار الشرط، هو يتكلم عن تأجيل الثمن، إذا أجَّله إلى أن يقبض من الصوامع.

طالب: مجهول.

طالب آخر: القبض معلوم ولّا؟

طالب آخر: مجهول، يا شيخ.

طالب آخر: صحيح.

الشيخ: هذا مجهول.

طالب: مجهول؟

الشيخ: أقول: هذا مجهول، فهمت؟

طالب: إي نعم.

الشيخ: لكن إذا كان فقيرًا ليس عنده ما يوفي به وأجَّله إلى الصوامع فهذا صحيح؛ وذلك لأن الفقير لا يمكن مطالبته حتى يجد؛ {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]، فإذا كان البائع يعلم أن هذا الرجل فقير وأنه أجَّل إلى أن يستلم من الصوامع لفقره وعدم قدرته على الوفاء، صار ذلك جائزًا على القول الراجح الذي بيناه لكم فيما سبق.

طالب: ما تكون المسألة هذه يا شيخ مثل مسألة تأجيل السلم أو ضرب وقت السلم بحصاده أو الجذاذ؟

الشيخ: أيهما؟ مسألة القبض؟

الطالب: إي.

الشيخ: لا، الحصاد والجذاذ معلوم، بمعنى أنه يعرفون مثلًا في الشهر الفلاني يكون، لكن القبض من الحكومة يمكن يبقى سنتين ثلاثة أربعة.

(

)

طالب: يا شيخ –بارك الله فيك- مسألة البيع من الصوامع أشكلت علينا؛ لأنه يا شيخ المزارع الآن معه سند بالقيمة وصرفِها من قبل الحكومة، فهو يؤجل إلى حين الصرف، مع أن الصرف شبه مؤكد.

الشيخ: شبه مؤكد؟

ص: 916

الطالب: نعم يا شيخ؛ لأنه معه يا شيخ ورقة مصروفة وموقعة من المالية، فما الذي يعني

؟

الشيخ: يا أخي فيه ناس الآن لهم سنتان ثلاثة ما صرف لهم.

الطالب: لكن يا شيخ المال له إلى الآن؟

الشيخ: لا، ما يصح، إلا مثل ما قلت: إذا كان فقيرًا فهو على أساس أنه معسر ويجب إنظاره.

طالب: لو أنيطت مدة الإجارة نهايتُها بحصاد زرع معلوم (

) فتعطل هذا الحصاد لسبب أو لآخر، فما نهاية هذا الأجر، المدة

؟

الشيخ: هو أصله لو تعطل هذا الحصاد عند هذا الرجل ما تعطل عند غيره، ثم الحصاد ليس يُقيَّد بحصاد فلان؛ وقت الحصاد.

طالب: لو استأجره على أن يخيط له ثوبه وله الخيار لمدة يومين، الخياطة تكون خلال يومين أو بعد نهاية اليومين؟

الشيخ: لا، بعده، أصلًا ما يمكن يخيط حتى تتم المدة أو يفسخ.

طالب: ندفع ريالات في البنك ثم نأخذ شيكًا ونصرفه دولارات.

الشيخ: ما يصلح.

طالب: أموال كثيرة مثلًا، (

).

الشيخ: ما يخالف، يُحَوَّل على أنه دراهم سعودية.

الطالب: يمنع.

الشيخ: يمنع! إذا كان ممنوعًا، فحينئذ ربما يتسامح فيه لأن الناس ما يمكنهم.

طالب: ما وضحت الصورة، أيش لون يا شيخ ما يجوز؟ ما وضحت هذه؟

الشيخ: ما هو بواضح الجواب؟

طالب: (

).

طالب: يا شيخ، نحن قلنا على أساس أنه يعني جواز البيع فيما ينقطع به السعر ماذا لو قال شخص: بعت عليك شيئًا ثانيًا إذا وصل سعره إلى كذا، وهذا السعر يمكن ما يصل إلا بعد ستة أشهر ولّا كذا أو ربما ما يصل (

) مزايدة؟

الشيخ: لا، ما يصلح، البيع يصلح في الحاضر الآن، أما لو قال: بما ينقطع به السعر بعد ستة أشهر، ما هو معلوم.

الطالب: أو ستة أيام.

الشيخ: المهم إذا كان بعد مدة يمكن أن يتغير بها السعر تغيرًا ظاهرًا ما يصح.

***

جزاه الله خيرًا، هذا جاء بالحديث.

طالب: لكن الحديث مش من الجريدة، الحديث مأخوذ، مصور تصويرًا.

الشيخ: كيف؟

الطالب: الحديث مش من الجريدة.

ص: 917

الشيخ: هذا يقول: ابن الحباب الجمحي والغلابي والمازني والزريقي قالوا: حدثنا القعني عن شعبة عن منصور عن ربعي عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» (8). قيل: به معنيان.

المعنى الأول: إذا لم تفعل شيئًا يُستحيى منه فاصنع ما شئت، وأما ما يُستحيى منه فلا تصنعه.

والقول الثاني: إذا كنتَ منزوعَ الحياء فاصنع ما شئت. والمعنى أن الذي يصنع ما شاء بدون أن يرجع إلى عقل أو شرع؛ هذا ليس عنده حياء.

طالب: (

) الأمرين؟

الشيخ: كلاهما صحيح، ألَّا تفعل شيئًا يُستحيى منه، والإنسان الذي كل ما شاء ليس عنده حياء.

***

الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

باب الخيار

ويَثبتُ في البيع -والصلحُ بمعناه- والإجارةُ في الذمة، أو على مدةٍ لا تلي العَقْدَ، وإن شَرَطاه لأحدِهما دون صاحِبه صحَّ، وإلى الغدِ أو الليلِ يَسقطُ بأَوَّلِهِ، ولمن له الخيارُ الفسخُ، ولو مع غَيْبةِ الآخَر وسخطِه، والْمُلْك مدَّةَ الخيارَيْنِ للمشتري، وله نماؤُه المنفصلُ وكَسْبُه، ويَحْرُم ولا يصحُّ تصرفُ أحدِهما في المبيع وعوضِه المعيَّن فيها بغير إذْنِ الآخَرِ بغير تَجْرِبة المبيع، إلا عَتْق المشتري.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

هل خيار الشرط صحيح أو لا؟

طالب: نعم.

الشيخ: الدليل؟

الطالب: الدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ» (4) نص الحديث، حديث ابن عمر.

الشيخ: طيب، هذا خيار المجلس.

الطالب: إي نعم، «أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ» .

الشيخ: كيف وجه الدلالة من هذا؟

ص: 918

الطالب: قوله صلى الله عليه وسلم: «أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ» دليل على جواز اشتراط الخيار، وعندها يكون هو ثابت بالنص (

).

الشيخ: لما قال: «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ» دلَّ على أنه إذا خَيَّر أحدهما الآخر بعد التفرق يصح، وهذا هو خيار الشرط.

دليل آخر؟

طالب: قوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ» (6).

الشيخ: وجه الدلالة؟

الطالب: وجه الدلالة أن هذا الشرط لا يعارض (

).

الشيخ: ما الدليل أنه لا يعارض؟

الطالب: حديث عمرو بن عوف المزني: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» (5).

الشيخ: هل في القرآن ما يدل على ذلك؟

طالب: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].

الشيخ: نعم، والأمر بالوفاء بالعقود يشمل الوفاء بأصلها وبوصفها وهو ما شُرط فيها.

هل يجوز شرط الخيار إلى مدة طويلة؟

طالب: نعم، إذا جددا العقد قبل انتهاء (

).

الشيخ: كيف جددا العقد؟ اشترطا الخيار إلى مدة طويلة.

الطالب: إي نعم، يعني قبل الانتهاء إذا قال يعني: خيرتك ثلاثة أيام، قبل انتهاء الثلاثة أيام

الشيخ: مدة طويلة، ثلاثة أشهر.

الطالب: نعم، قبل انتهاء مدة التخيير أو الخيار ممكن يجددون.

الشيخ: أجب، قل: نعم أو لا، بس.

الطالب: نعم يا شيخ.

الشيخ: يصح إلى مدة طويلة. إذا كان الشيء لا يبقى هذه المدة كالبطيخ.

الطالب: ما يصح، يفسد.

طالب: يصح يا شيخ، لكن ينباع ويدفع القيمة.

الشيخ: صحيح، يباع وتحفظ القيمة ثم إن اختار فسخ البيع رجع بما دفع من الثمن، وإن اختار الإبقاء أخذ القيمة.

ما معنى قوله: (أو على مدة لا تلي العقد)؛ أنه يثبت في الإجارة على مدة لا تلي العقد؟

طالب: أي أنه إذا جعل الخيار في المدة

ص: 919

الشيخ: ويش معناها؟ (أو على مدة لا تلي العقد).

الطالب: إذا جعل الخيار.

الشيخ: لا.

الطالب: مثلًا إذا باع سلعة.

الشيخ: ما هي بيع، إجارة.

الطالب: نعم، إذا أجَّر مثلًا بيتًا واشترط أن له الخيار مثلًا مدة معينة، فيقول: تصح إذا كانت المدة التي تنفد فيها الإجارة لا في العقد.

الشيخ: طيب، مثاله؟

الطالب: مثاله إذا قال مثلًا له: أجَّرتك بيتي ولي الخيار ثلاثة أشهر على أن تنفد مدة الإجارة.

الشيخ: أجَّرتك بيتي سنة، ابتداؤها من دخول رمضان عام خمسة عشر وأربع مئة وألف، على أن لي الخيار إلى شعبان. يجوز؟

الطالب: إذا كانت قبل (

).

الشيخ: أجَّرتك بيتي سنة ابتداء من أول يوم من رمضان على أن لي الخيار إلى أول يوم من شعبان. أيش تقول؟

الطالب: نعم، صحيح.

الشيخ: هذه المسألة تصح؟

الطالب: إي نعم يا شيخ، مدة لا تلي العقد.

الشيخ: لأنه على مدة لا تلي العقد. توافقون على هذا؟

طلبة: نعم.

الشيخ: طيب، إذا كان على مدة تلي العقد؟

طالب: على المذهب لا يجوز، والقول الراجح

الشيخ: مثاله؟

الطالب: قال مثلًا: أجَّرتك بيتي لمدة سنة كاملة بمئة ريال ..

الشيخ: ابتداؤها من الآن.

الطالب: ابتداؤها من الآن، ولكن لي الخيار (

)، فعلى المذهب لا يجوز، والصحيح أنه جائز.

الشيخ: طيب، ما العلة أنه لا يجوز؟

الطالب: أنها تلي العقد.

الشيخ: إي، هذا الحكم. العلة؟ ليش ما تصح؟

طالب: (

).

الشيخ: تفويت المنفعة في هذه المدة.

الطالب: نعم، تعطيل المنفعة.

الشيخ: أو تعطيلها؛ لأنه إما أن تُعطل حيث إن الإجارة لم تتم وفيها الخيار، وإما أن يستوفيها قبل تمام الإجارة ولزومها.

كأن أخانا الذي أجاب أولًا يشير إلى خلاف في المسألة؟

طالب: (

).

الشيخ: إي، هو قال على المذهب، وعلى القول الراجح يقول: إنه يجوز.

الطالب: أي مثال؟ أنا ما فهمت بعد، المثال الذي هو قال، أي مثال؟ ما هي المسألة؟

ص: 920

الشيخ: الإجارة على مدة تلي العقد قال: إن الصحيح أنه يجوز فيها خلاف الشرط.

الطالب: إي نعم، هذا اللي رجحناه.

الشيخ: أنا ما أسأل مَن رجح.

الطالب: نعم فيه (

).

الشيخ: على هذا التقدير إذا اختار فسخ الإجارة وقد مضى مدة الشهر مثلًا.

الطالب: عليه أجرة المثل.

الشيخ: ينفسخ العقد؟

الطالب: ينفسخ العقد، وعليه أجرة المثل.

الشيخ: ألا يمكن أن نقول: عليه من الأجرة في قسط الشهر؟

الطالب: على حسب يا شيخ العقد.

الشيخ: العقد قلنا: متى أجره ستة أشهر كل شهر بمئة، وله الخيار لمدة شهر.

الطالب: على حسب ما (

).

الشيخ: طيب، لما مضى النصف شهر قال: هونت، فهل يُعطى عن نصف الشهر أجرة المثل أو يعطى نسبته من الأجرة؟ يعني: جزء من اثني عشر جزءًا.

الطالب: يعطى حصته.

الشيخ: يعطى حصته؟

الطالب: إي نعم.

طالب: يا شيخ، في هذه المسألة نقول: إنه إذا (

).

الشيخ: هذا رأيك الذي أنت قلته البارحة، الدرس الأول.

الطالب: أنه إذا قلنا: إنه يُقَسط عليه العوض ففي هذه الحال نحن اعتبرنا العقد وأنفذناه، إذا قَسَّطنا عليه العوض من قيمة الإجارة.

الشيخ: يعني يكون فسخ العقد من حين اختيار الفسخ؟

الطالب: نعم.

الشيخ: وإذا قلنا: إن الفسخ يرفع العقد من أصله؟

الطالب: فلا يُقسَّط العوض.

الشيخ: فلا يقسط وله أجرة المثل. والمسألة خلافية.

هل يصح خيار الشرط فيما يُشترط فيه التقابض قبل التفرق؟

طالب: (

).

طالب: الصحيح أنه يصح ويتقابضا، ثم بعد ذلك (

) يتقابضا قبل التفرق.

الشيخ: الصحيح والصحة، بل اختار شيخ الإسلام رحمه الله أن الخيار جارٍ في جميع العقود حتى النكاح، يرى أنه يجوز فيه الخيار.

***

قال: (وإن شرطاه لأحدهما دون صاحبه صحَّ).

(إن شرطاه) أي: المتبايعان (لأحدهما) أي: للبائع أو المشتري، (دون صاحبه صح)، وسقط خيار الآخر.

ص: 921

ويدل لذلك ما سبق من أدلة جواز خيار الشرط مثل قوله: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (5)، ويدل عليه أيضًا حديث ابن عمر:«أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ» (2)، فما دام الحق لهما، وشرطاه لأحدهما دون الآخر فهو صحيح، وإن لم يشترطاه لأحدهما، ولا لهما، فما الحكم؟ ينفذ البيع، فلا خيار.

ثم قال: (وإلى الغد أو الليل يسقُط بأوله) يعني قال: لي الخيار إلى الغد، لي الخيار إلى الليل، (يسقط بأوله)؛ لماذا؟ لأن الغاية ابتداؤها داخل وانتهاؤها غير داخل، فإذا قال:(إلى الغد) لم يدخل الغد، ينتهي الخيار بطلوع الفجر.

(إلى الليل) لا يدخل الليل، ينتهي الخيار بغروب الشمس؛ لقوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187].

وقال بعض العلماء: يُرجع في ذلك إلى العرف، فإذا قال: إلى الغد، فيمكن أن يحمل على ابتداء السوق، وابتداء الأسواق في الغالب لا يكون من أذان الفجر؛ يكون من ارتفاع الشمس وخروج الناس إلى الأسواق.

وهذا هو الصحيح، الصحيح أنه يُرجع إلى العرف، فإذا كان عُرف التجار أنهم إذا قالوا:(إلى الغد)، يعني: إلى افتتاح السوق، فالأمد إلى افتتاح السوق، نعم إذا لم يكن هناك عرف أو كان العرف غير مطَّرد نرجع إلى اللغة، واللغة: الغد يبتدئ مِن؟

طالب: من أول الليل؟

الشيخ: من طلوع الفجر، ما هو من أول الليل، من طلوع الفجر.

(إلى الليل) إلى غروب الشمس، فإن قُدِّر أن هناك عرفًا يجتمع التجار فيه بعد العشاء، ويرون أن الآجال المؤجلة بالليل، يعني: جلسة ما بعد العشاء فإنه يتقيَّد به، وهذه قاعدة ينبغي أن نعرفها: أن المرجع فيما يتداوله الناس من الكلام والأفعال إلى العُرف، فإن لم يكن عُرفٌ أو كان العرف مضطربًا، رجعنا إلى اللغة، ما لم يكن للشيء حقيقة شرعية، فإن كان للشيء حقيقة شرعية، فهي مقدمة على كل الحقائق.

(ولمن له الخيار الفسخ ولو مع غيبة الآخر وسخطه).

ص: 922

يعني: الذي له الخيار سواء كان البائع أو المشتري أو هما، له الفسخ، سواء كان بحضور الآخر أو غيبته أو رضاه أو كراهته؛ لأن الحق له، فإذا تبايعا هذه الدار وجعلا الخيار لهما لمدة عشرة أيام، ثم إن أحدهما فسَخ، قال الآخر: أنا ما أرضى، أنا لي الخيار أيضًا، قال: وأنا لي الخيار، وفسخت. قال الثاني: أنا لم أفسخ ولا أرضى بذلك. فما الحكم؟ ينفسخ، ولو لم يرض الثاني.

هل يشترط علم الآخر بالفسخ؟ لا؛ لأن القاعدة الفقهية: أن مَن لا يُشترط رضاه لا يشترط علمه، وهذه قاعدة: كل من لا يشترط رضاه لا يشترط علمه. ولهذا يجوز للرجل أن يطلق زوجته وإن لم تعلم؛ لأنه لا يُشترَط رضاها، وإذا لم يشترط رضاها، فلا فائدة من اشتراط العلم.

يقول رحمه الله: (ولو مع غيبة الآخر وسخطه).

التعليل؟ تعليلان؛ لأن الحق له، والتعليل الثاني: لأنه لا يشترط علم صاحبه فلا يشترط رضاه. ولهذا يجوز أن يفسخ ولو مع غيبة صاحبه.

لكن هنا ينبغي أن يقال: يُشهِد على الفسخ، لئلا يقع النزاع بينهما، بين البائع والمشتري، فيحصل في ذلك فتنة وعداوة وبغضاء.

ثم قال رحمه الله: (والملك مدة الخيارين للمشتري).

(الملك)، ملك أيش؟ ملك المبيع، و (مدة الخيارين)، (الخيارين) يعني بهما: خيار المجلس، وخيار الشرط، (للمشتري)، وإن لم تتم مدة الخيار، هو للمشتري، له غنمه وعليه غرمه؛ ولهذا لو تلف ولو بدون تعدٍّ أو تفريط، فالضمان عليه، على من؟ على المشتري؛ لأنه ملكه، والدليل على هذا أمران: أثري ونظري.

ص: 923

أما الأثري: فقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» (9)، فقوله:«مَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ» ، يعني: من حين العقد؛ لأن البيع يتم بمجرد الإيجاب والقبول، «إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» فيكون لمن؟ للمبتاع الذي هو المشتري؛ لأن أصله، أي: أصل هذا المال -وهو العبد- ملك للمشتري بمجرد العقد. هذا هو الدليل، وعرفتم أن الدلالة فيه خفية جدًّا، ولهذا اختلف العلماء في هذه المسألة: هل الملك مدة الخيارين للبائع أو للمشتري أو في ذلك تفصيل؟

فقيل: إنه للبائع؛ لأن البيع لم يلزم بعد؛ إذ إنه لا يلزم حتى أيش؟ تتم المدة قبل الفسخ، وعلى هذا فيكون الملك للبائع.

وقيل: إنه منتظَر، فإن تبين الإمضاء فهو للمشتري، وإن فُسخ فهو للبائع. وهذا القول من حيث النظر قويٌّ، لكن قد يقال: إن الحديث مقدَّم على النظر، وهو أن الملك يثبت بمجرد البيع والشراء؛ يعني: بمجرد الإيجاب والقبول، فهذا هو الدليل الأثري.

أما الدليل النظري: فلأن هذا المبيع لو تلف لكان مِن ضمان من؟ من ضمان المشتري، وإذا كان من ضمانه فكيف نجعل عليه الغرم، ولا نجعل له الغنم؟ ! فالصحيح ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أن الملك من حين تمام القبول بعد الإيجاب يكون للمشتري.

بقي علينا أن نقول: لمن النماء؟ النماء ينقسم إلى قسمين: متصل ومنفصل؛ فالنماء المنفصل للمشتري، والنماء المتصل للبائع؛ مثال ذلك: اشترى شاة بمئة درهم.

وله نَماؤُه الْمُنْفَصِلُ وكَسْبُه، ويَحْرُمُ ولا يَصِحُّ تَصَرُّفُ أحَدِهما في الْمَبيعِ وعِوَضِه الْمُعَيَّنِ فيها بغيرِ إذْنِ الآخَرِ بغيرِ تَجرِبَةِ الْمَبيعِ إلا عِتْقُ الْمُشْتَرِي، وتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فَسْخٌ لخِيارِه، ومَن ماتَ منهما بَطَلَ خِيارُه.

الثالثُ: إذا غُبِنَ في الْمَبيعِ غَبْنًا يَخْرُجُ عن العادةِ،

ص: 924

الملك من حين تمام القبول بعد الإيجاب يكون للمشتري.

بقي علينا أن نقول: لمن النماء؟

النماء ينقسم إلى قسمين: متصل، ومنفصل، فالنماء المنفصل للمشتري، والنماء المتصل للبائع.

مثال ذلك: اشترى شاةً بمئة درهم، واشترط الخيار لمدة شهر، هذه الشاة فيها لبن، يأخذ منها كل ليلة ما شاء الله من اللبن، فلمن اللبن؛ أللبائع أم للمشتري؟ اللبن للمشتري؛ لأنه نماء منفصل.

هذه الشاة سمنت وصار فيها لحم وشحم، فلمن هذا الشحم واللحم؟ للبائع؛ لأنه نماء متصل لا يمكن تخليصه من الأصل، فيكون تبعًا له، ويثبت في التابع ما لا يثبت في المستقل.

وقوله: (المنفصل وكسبه)(كسبه) كيف كسبه؟ إذا قُدِّر أن المبيع عَبْدٌ واشترط المشتري الخيار لمدة أسبوع، وفي هذا الأسبوع كسب العبدُ؛ صار حركيًّا يبيع ويشتري ويعمل، يكدح فكسب، كسب في مدة الأسبوع -مثلًا- ألف درهم، فلمن الألف؟ للمشتري؛ لأن الكسب نماء منفصل.

هذا العبد اشتراه وهو هزيل؛ لأنه يأكل وجبةً ويُحْرَم من وجبة عند بائعه، فلم يكن عليه لحم ولا وجه منير، جاء عند المشتري ووجد الرغد؛ ثريدًا وفاكهة وما شاء الله من الأكل وراحة بال، فانتفخ في خلال أسبوع، لمن هذا النماء؟

طلبة: للبائع.

الشيخ: يا إخواني، منين جاء يا جماعة؟

طالب: للمشتري.

الشيخ: من كد المشتري -بارك الله فيكم- هذا يقول: للمشتري، أنت فاهم؟ لمن؟

طالب: للبائع.

الشيخ: للبائع؛ لأنه تابع ولا يمكن فصله عن الأصل، هذا ما ذهب إليه المؤلف.

وعن الإمام أحمد رواية أن النماء المتصل لمن حصل في ملكه، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: هذا حصل من عمل المشتري الذي هو في ملكه، والخراج بالضمان؛ يعني: مَن عليه ضمان شيء فله خراجه، والنماء المتصل قد يكون أهم من المنفصل، فيكون للمشتري.

وإذا كان للمشتري فكيف العمل إذا فسخ البيع؟

طلبة: يُقَوَّم.

ص: 925

الشيخ: يُقوَّم حين العقد وهو هزيل مصفر الوجه، يمشي خطوة ويقف خطوة، وحين فُسخ البيع وهو نشيط أحمر أزهر سمين، الفرق نصف القيمة، تكون نصف القيمة لمن؟ للمشتري، لكن مشكلتنا إذا قال البائع: أنا لا أقبل أن تحملني شيئًا، خذ نماءك، نفعل كما فعل سليمان نقول: هات السكين، ولَّا ماذا نعمل؟ نقول: لا بد، يلزمه، إي نعم.

طالب: أحسن الله إليكم، في مسألة: من باع عبدًا له مال، قلنا بأن المال نماء منفصل، فيكون للمشتري، لكن قول النبي عليه الصلاة والسلام:«مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» (1)، والبيع لم يتم حتى الآن، فما كسبه العبد قبل انتهاء مدة الخيار وفسخ البيع فهو للذي باعه دون المشتري؟

الشيخ: هذا ما فيه الخيار، هذا ليس فيه الخيار، الحديث ليس في الذي فيه خيار، وهذا المال قد كسبه العبد قبل أن يبيعه البائع.

الطالب: صحيح -يا شيخ- أحسن الله إليك، لكن ما يمكن الصورة الثانية تدخل؟

الشيخ: لا.

الطالب: ما ينفع.

الشيخ: لأن هذا الكسب كسبه بعد عقد البيع.

طالب: إذا علل الشرط -يا شيخ- مثلًا قال: أبيعك هذه السلعة، ولي الخيار عشرة أيام؛ لأني قد أحتاجها، ثم ما احتاج السلعة، ولكن ارتفع سعرها؛ يعني بدلًا من مئة صارت ألفًا، هل يجوز له الرجوع؟

الشيخ: إي نعم، ما لم يعلم أن البائع وافقه على ذلك من أجل الحاجة، فهنا يحتاج إلى إذنه.

طالب: شيخ -بارك الله فيك- قلنا: إن الإجارة التي تلي العقد أنها تجوز، وإذا اختار الفسخ فإنه (

الشيخ: لا، عليه أجرة المثل.

الطالب: عليه أجرة المثل.

الشيخ: نعم.

الطالب: طيب يا شيخ، لو كان هذا القول مصلحة (

) فلو جلس -مثلًا- شهرًا في مدة الخيار (

).

الشيخ: طيب، إذا قلنا بأجرة المثل، أجرتها في هذا الموسم ممكن تقابل أجرتها كل السنة.

الطالب: نعم يا شيخ، لكن -مثلًا- ما ..

الشيخ: أنت فهمت الحين كلامي؟

الطالب: نعم.

ص: 926

الشيخ: يعني -مثلًا- قدرنا أنها بيت في مكة، وأنا لا أرى جواز الإيجار في مكة، لكن على رأي من يرى جوازها أجَّره سنة على أن له الخيار لمدة شهرين، ثم إنه عند دخول شهر المحرم اختار الفسخ، نقول له: اجعل عليه أجرة المثل، أجرة المثل للشهرين هذه تقابل أجرة السنة كلها، كما هو معروف في مكة.

طالب: عفا الله عنك، في مسألة العبد اللي مرت علينا (

الشيخ: أيش؟

الطالب: الثمن الذي (

الشيخ: إي نعم، يجي في الإبل وفي البقر وفي الغنم.

الطالب: ولكن يا شيخ (

) اللي فاسخ المشتري يقول: هذا ما ارتضاه (

) عند المشتري واللي فسخ العقد البائع؟

الشيخ: كله واحد، سواء هذا أو هذا.

الطالب: (

الشيخ: اللي تعب المشتري.

الطالب: المشتري.

الشيخ: طيب؛ ولهذا نقول: النماء له، يثمنه على البايع.

الطالب: ولكن (

).

الشيخ: لا، نقول: يسامحه، ما يمكن.

طالب: (

) إذا علل بأنه محتاج (

) للحاجة.

الشيخ: أخاف أن أحتاجه.

الطالب: نعم، ولكن الحاجة منتفية، انتفت الحاجة مدة الخيار، ولكنه فسخ لغلاء السعر أو لعلة غير العلة .. ؟

الشيخ: لا، هو الغالب أن المشتري يفسخ إذا رخص السعر.

الطالب: أو رخص السعر، لكن لعلة غير العلة اللي ذكرت.

الشيخ: طيب.

الطالب: قلنا: إنه يصح ..

الشيخ: ما لم نعلم أن البائع إنما وافقه لأجل سد حاجته.

الطالب: وإذا وافقه لأجل سد حاجته؟

الشيخ: ما يفسخ إلا لها.

الطالب: إلا؟

الشيخ: إلا لها، نقول: إذا انتفت الحاجة فلا خيار لك.

ياسر المولد: لم يتضح لي وجه دلالة حديث ابن عمر: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ» (2) على ما قاله المؤلف: إن الملك مدة الخيار للمشتري، ما ظهر له، من الذي ظهر له؟

طالب: (

).

الشيخ: ما نقول: خفية ولَّا بينة، بس من الذي ظهر له؟

طالب: أن الملك يتم بمجرد العقد.

الشيخ: إي، لكن ما وجه دلالته من الحديث؟

الطالب: (

).

ص: 927

طالب آخر: لأنه دخل ماله في ملكه بالشرط (

)، وبهذا تبين أن العقد داخل بملكه المجرد.

الشيخ: تمام، واضح؟

طالب: ما سمعنا يا شيخ.

الشيخ: يقول: إن الرسول قال: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» (2)، كونه ما يدخل المال للمشتري إلا بشرطه يدل على أن العبد قد دخل ملكه بدون شرط بمجرد العقد.

***

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى: وله نماؤُه المنفصلُ وكَسْبُه، ويَحْرُم ولا يصحُّ تصرفِ أحدِهما.

الشيخ: (تصرفُ).

الطالب: (تصرفُ أحدِهما).

الشيخ: لماذا قلنا (تصرفُ)؟

الطالب: فاعل.

الشيخ: فاعل، والفاعل يكون مرفوعًا.

طالب: تصرفُ أحدِهما في المبيع وعوضِه المعيَّن فيها بغير إذْن.

الشيخ: حَرِّك النون، بارك الله فيك.

الطالب: وعوضِه المعيَّنِ فيها بغير إذْنِ الآخَرِ بغير تجربة المبيع، إلا عَتْقَ المشتري.

وتصرفُ المشتري فسخٌ لخيارِه. ومن مات منهما بَطَلَ خيارُه.

الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

إذا جُعِلَت مدة الخيار إلى الغد فمتى تنتهي؟

طالب: عند طلوع الفجر.

الشيخ: بدون استثناء؟

الطالب: بدون استثناء، على كلام المؤلف: إذا طلع الفجر تنتهي المدة، ولكن قلنا: القول الراجح أنه يرجع إلى عرف الناس.

الشيخ: نعم، فإذا كان عرف الناس أن الغد معناه فتح السوق والبيع والشراء جُعل إلى ذلك، تمام.

رجل له الخيار ففسخ بغير رضا صاحبه؟

طالب: يصح.

الشيخ: يفسخ بغير رضا صاحبه؟

الطالب: نعم.

الشيخ: بيِّن التعليل في هذا والقياس؟

الطالب: التعليل: لأنه ما لا يُشْتَرط رضاه لا يشترط علمه.

الشيخ: والحق؟

الطالب: والحق له.

الشيخ: والقياس؟

طالب: القياس هو ما لا يُشْتَرط علمه لا يُشْتَرط ..

الشيخ: لا.

ص: 928

الطالب: أما من حيث التعليل فهو أن الحق له.

طالب آخر: قياسًا على الطلاق.

الشيخ: قياسًا على الطلاق؛ فطلاق المرأة بيد الزوج، فإذا طلقها وقالت: أنا ما أرضى، تطلق رضيت أم لم ترضَ.

يقول العلماء: من لا يُشْتَرط رضاه لا يُشْتَرط علمه، ويش معنى هذه؟

طالب: أي أن من لا يشترط رضاه لا يشترط علمه، واضح.

الشيخ: عجيب!

طالب: الطرف الآخر إذا كان لا يُشْتَرط رضاه فلا يُشْتَرط علمه بالطرف الأول.

الشيخ: إي نعم، كل إنسان لا يُشْتَرط رضاه لا يشترط علمه؛ يعني: إذ إن علمه وعدمه سواء.

طالب: لأنه لا يُشْتَرط رضاه.

الشيخ: لأنه لا يُشْتَرط رضاه، سواء علم أم لم يعلم، حتى لو علم ماذا نستفيد؟ ما نستفيد شيئًا؛ لأنه سوف ينفَّذ العقد أو الفسخ رضي أم لم يرض.

ما الفرق بين النماء المتصل والمنفصل؟

طالب: النماء المتصل (

) للبائع.

الشيخ: لا، ما الفرق بينهما؟ وأيش النماء المتصل وأيش النماء المنفصل؟

الطالب: النماء المتصل هو ما ينفصل عن ..

الشيخ: النماء المتصل هو ما ينفصل! ما يستقيم.

طالب: النماء المتصل هو ما (

) المبيع، والنماء المنفصل هو ما ينفصل عن المبيع.

الشيخ: إذن المتصل ما لا يمكن انفصاله؟

الطالب: نعم.

الشيخ: والمنفصل؟

الطالب: والمنفصل ممكن انفصاله مثل اللبن، والثاني مثل الشحم واللحم.

الشيخ: طيب، صحيح كلامه؟

طالب: نعم، صحيح.

الشيخ: لمن النماء المنفصل في زمن الخيارين؟

طالب: للمشتري.

الشيخ: طيب. لو اشترى شاة حاملًا وفي أثناء الخيار وضعت؟

الطالب: (

) النماء المنفصل.

الشيخ: منفصل؟ معناه أنه يكون له؛ يكون للمشتري؟

الطالب: ألَّا أن يشترطه المبتاع.

الشيخ: بدون شرط.

الطالب: إي نعم، يكون له.

الشيخ: طيب.

طالب: نعم -يا شيخ- يكون للمشتري لكن فيه .. ، وهذا -يا شيخ- تمثيل: إن كان الولد كبر حتى يبعد عن أمه فيكون هذا نماء منفصل؛ لأنه وإن كان ما زال صغيرًا لا يستطيع (

) فهذا يُعْتَبر ركنًا منفصلًا.

ص: 929

الشيخ: طيب أسألكم: هل وقع العقد عليه؟

طالب: لا.

الشيخ: كيف؟ هي حامل، حين باعها حامل؟

طالب: نعم، وقع ..

الشيخ: وقع العقد عليه. إذن هل كان على ملك البايع ولَّا على ملك المشتري؟

طالب: المشتري.

الشيخ: لا، على ملك البائع؛ ولهذا لو ردها يرد الولد معها؛ لأن الولد قد وقع عليه العقد، وعلى هذا فيكون الحمل إن نشأ في زمن الخيار فهو نماء منفصل للمشتري، وأما إذا كان قد وقع عليه العقد فهو أحد المبيعين؛ ولهذا سيأتينا -إن شاء الله- في المصراة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوجب رد عوض اللبن الموجود حين البيع صاعًا من تمر (3)، وسيأتينا إن شاء الله.

اشترى رجل عبدًا فكسب في أثناء مدة الخيار فلمن الكسب؟

طالب: في أثناء مدة الخيار؟

الشيخ: إي نعم، هو اشترى العبد وجعل الخيار له مدة أسبوع، في هذه المدة كسب العبد؟

الطالب: نعم، للمشتري.

الشيخ: للمشتري؛ لأنه نماءُ؟

الطالب: لأنه نماء ملكه.

الشيخ: نماءُ ملكه، طيب.

***

بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى:(ويحرم ولا يصح تصرف أحدهما في البيع وعوض .. في المبيع) عندكم (في البيع) ولَّا (في المبيع)؟

طلبة: (في المبيع).

الشيخ: الصواب (في المبيع)، أنا عندي (في البيع)، والصواب (في المبيع). (في المبيع وعوضه المعين فيها بغير إذن الآخر).

قال: (ويحرم ولا يصح) فرتب على التصرف حكمين: التحريم والفساد؛ الأول يسمى عند الأصوليين حكمًا تكليفيًّا، والثاني يسمى حكمًا وضعيًّا؛ لأن عندهم ما ترتب عليه الثواب والعقاب أو انتفى عنه الثواب والعقاب فهو تكليفي، وما كان صحةً أو فسادًا أو شرطًا أو مانعًا فهو وضعي.

فقوله: (ويحرم ولا يصح تصرف) هل يعني ذلك أنه ربما يحرم الشيء ويصح؟

طالب: نعم.

الشيخ: مثل؟

طالب: تلقي الركبان يا شيخ.

ص: 930

الشيخ: نعم، تلقي الركبان والشراء منهم حرام، لكن البيع صحيح، فإذا أتى سيده السوق -أي البائع- فهو بالخيار؛ وذلك لأنه إنما حُرِّم من أجل مصلحة القادم؛ الراكب، فإذا كان بالخيار زال المحظور الذي يُخْشَى وهو غبنه.

قوله: (ويحرم ولا يصح تصرف أحدهما) إلى آخره، فيه تنازع بين (يحرم) و (يصح) فأيهما يعمل؟ هنا يجوز هذا وهذا؛ لأن الضمير مهما كان ليس ضميرًا ظاهرًا وإنما هو مستتر.

وقوله: (تصرف أحدهما) يعني: البائع والمشتري، (في المبيع) المنتقل من .. أتم.

طالب: البائعين إلى المشترين.

الشيخ: من البائع إلى المشتري، (وعوضِه المعيَّن) المنتقل من؟ من المشتري إلى البائع.

المؤلف قيد العوض -الذي هو الثمن- بكونه معينًا؛ لأن الثمن الذي في الذمة يتصرف فيه المشتري كما شاء، فلو قال مثلًا: اشتريت منك هذه الساعة بعشرة ريالات، فالمبيع هنا معين ولَّا غير معين؟

طالب: معين.

طالب آخر: غير معين.

الشيخ: المبيع معين ولَّا لا؟

طلبة: معين.

طلبة آخرون: غير معين.

طالب: في الذمة يا شيخ.

الشيخ: بعت عليك هذه الساعة بعشرة ريالات؟

طلبة: معين.

طالب: في الذمة.

الشيخ: معين. طيب الثمن؟

طلبة: معين.

الشيخ: لا.

طالب: في الذمة.

الشيخ: الثمن مُقَدَّر لكن غير معين، ما قلت لك: بهذه العشرة، قلت: بعشرة ريالات، فأين تثبت العشرة الآن؟ تثبت في ذمة المشتري؛ لأنها غير معينة، أليس كذلك؟ فلو كان المشتري في جيبه عشرة ريالات وكان من نيته أن يدفع هذه العشرة قيمةً للساعة، ثم إن العشرة سُرقت، هل ينفسخ البيع؟ لا؛ لأن الثمن ليس العشرة اللي في الجيب، بل هي في الذمة.

مثال المعين مثل أن يقول: اشتريت منك هذه الساعة بهذه العشرة، فوقع العقد الآن على عين العشرة كما وقع على عين الساعة، وعلى هذا فيكون الثمن إما في الذمة وإما معينًا.

الذي يحرم هو أيش؟ الثمن المعين، أما الذي في الذمة فإن المشتري حرٌّ حتى يسلمه للبايع.

ص: 931

في المثال اللي ذكرت؛ اشتريت منك هذه الساعة بعشرة ريالات، وهو ينوي أن ينقد العشرة التي في جيبه ثمنًا للساعة، هل يمكن أن يتصرف في هذه العشرة؟ نعم، لكن لو قال: بهذه العشرة، ثم وضعها في جيبه فإنه لا يمكن أن يتصرف؛ لأنه لما وقع العقد على عين الثمن صار ملكًا لمن؟ للبائع بمجرد العقد كما يكون المبيع الذي وقع العقد على عينه ملكًا للمشتري بمجرد العقد.

هل يمكن أن يكون المبيع في الذمة؟ نعم يمكن، السَّلم كان الصحابة رضي الله عنهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين (4)، والثمار معلوم أنها في الذمة، إذن كلٌّ من الثمن والمثمَن يمكن أن يكون في الذمة، فما كان في الذمة فإن صاحبه يتصرف فيه كما شاء، وما كان معينًا فإنه لا يتصرف فيه من انتقل ملكه عنه، فالمشتري لا يتصرف في الثمن، والبائع لا يتصرف في المبيع.

(وعوضِه المعيَّنِ فيها بغير إذْنِ الآخَرِ) فإن أذن الآخر فلا بأس، لو أذن أحدهما أن يتصرف الآخر في هذا بإجارة أو بإعارة أو بمنفعة فلا حرج، لكن بغير إذن لا، وسيأتي الاستثناء.

قال المؤلف: (بغير تجربة المبيع) إذا كان تصرف المشتري لتجربة المبيع، كيف تجربة المبيع؟ يجرِّب؛ إذا كان فرسًا يجرب عَدْوه وامتثاله للأمر، إذا كان سيارة يجرب ماكينتها -مثلًا- هل تطقطق ولَّا ما تطقطق ولَّا تمشي زين، المهم يجربها.

تصرف المشتري في المبيع من أجل التجربة ويش الحكم؟ جائز، يجوز.

هل من التجربة أن يحلب الشاة أو البقرة؟ نعم؛ لأن بعض البقر إذا أردت أن تحلبها فإنها تضربك؛ تنفحك برِجلها، ما تتمكن، وكذلك بعض الغنم، وكذلك بعض الإبل، فإذا حلبها يجرب فلا بأس.

وهل يبطل خياره إذا كان بالتجربة؟ لا؛ لأن هذا قد يكون من أسباب اشتراط الخيار هو أن يجرِّب المبيع.

قال: (إلا عَتْق المشتري)(عَتْق المشتري) يعني: إذا اشترى عبدًا واشترط البائع الخيار أو المشتري فإنه يجوز للمشتري أن يعتق العبد. وهل يحرم أو لا؟

طالب: نعم.

ص: 932

الشيخ: ظاهر قول المؤلف: (ويحرم ولا يصح) أنه لا يحرم وأنه يصح، وقيل: إنه يحرم ويصح، وهذا المذهب، وقيل: يحرم ولا يصح، والكلام الآن في أيش؟ في عتق المشتري للعبد الذي اشتراه واشترط فيه الخيار، فكلام المؤلف يدل على أنه يجوز أن تعتق العبد الذي فيه الخيار وينفذ العتق.

ما هو التعليل أو الدليل؟

أما الدليل فليس فيه دليل، وأما التعليل فيقولون: إن للعتق نفوذًا قويًّا، ينفذ؛ ولذلك لو أن الرجل أعتق نصيبه من عبد؛ يعني الصورة: عبدٌ بين اثنين، فأعتق أحدهما نصيبه من العبد، فإن العبد يعتق كله، ويُلزم هذا المعتِق بدفع قيمة نصيب صاحبه إليه، لماذا؟ لقوة نفوذ العتق، ولأن الشارع يتشوف إلى العتق تشوفًا كبيرًا.

ولكن الصحيح أنه يحرم ولا يصح؛ أما كونه يحرم فلأنه اعتداء على حق صاحبه، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» (5)، وهذا من الاعتداء على أيش؟ على الأموال.

وأما كونه لا يصح فلقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (6)، وليس أمر الله ورسوله على العدوان على الناس، بل العكس، وعلى هذا فلا يصح.

وهناك أيضًا تعليل يقال: إن العتق يقع قربة إلى الله عز وجل، وهل يمكن أن يتقرب إلى الله بمعصيته؟ لا يمكن، هذا تضاد ونوعٌ من الاستهزاء بشريعة الله.

وعلى هذا فالقول الراجح أنه يحرم ولا يصح، وأنه لا يُسْتَثْنى العتق، العتق في كغيره من التصرفات.

ثم قال: (وتصرفُ المشتري فسخٌ لخيارِه)(تصرفُ المشتري) يعني: إذا تصرَّف المشتري في المبيع الذي اشْتُرِط فيه الخيار له وحده، فإن تصرُّفه فسخٌ لخياره.

مثال ذلك: اشترى الرجل بيتًا من شخص، واشترط الخيار لمدة شهر، وفي أثناء الشهر أجَّره مَن يسكنه، فهل يبطل خياره؟

طلبة: نعم.

ص: 933

الشيخ: قال: أنا ما أبطلت الخيار، نقول: تصرفك دليل على رضاك به وأنك أسقطت الخيار.

وكذلك لو باعه؛ لو أنه اشترط الخيار لنفسه في هذا البيت لمدة شهر وقد اشتراه بمئة ألف، ثم جاءه إنسان وقال: بعنيه بمئة وعشرة، فباعه بمئة وعشرة، فهل يبطل خياره؟

طلبة: نعم.

الشيخ: يبطل؟

الطلبة: يبطل.

الشيخ: لماذا؟ لتصرفه فيه، وتصرفُه فيه دليل على رضاه به وأنه لا يريد ردَّه.

يستثنى من هذا ما سبق من تجربة المبيع؛ فإن تصرف المشتري بتجربة المبيع لا يَفسخ خياره ولو كان الخيار له وحده، السبب: لأن هذا هو المقصود من الشرط؛ أن ينظر هل يصلح له أو لا.

وقول المؤلف: (تصرفُ المشتري فسخٌ لخيارِه) ظاهر كلامه أن تصرف البائع ليس فسخًا للخيار؛ أي: ليس فسخًا لخيار المشتري، لماذا؟ لأن المشتري حقه، أما لو كان الخيار له وحده -أي: للبائع وحده- وتصرف، فالصحيح أنه فسخ لخياره.

مثال ذلك: باع هذا البيتَ زيدٌ على عمرٍو بمئة ألف، وقال البائع زيدٌ: لي الخيار لمدة شهر، ثم إن زيدًا باعه على رجل آخر، فهل هذا فسخٌ لخياره؟ نعم، فسخ لخياره؛ لأن بيعه إياه يدل على أنه أَلغى البيع الأول. وهذا الفسخ دلالته فعلية لا قولية.

أما لو قال البائع: اشهدوا أني فسخت، فهذا دلالته قولية ولا إشكال فيها، لكن إذا كان فسخُ خياره من أجل تصرفه فهو فسخٌ فعلي.

ثم قال: (ومن مات منهما بطل خيارُه)(من مات منهما) ممن؟ من البائع أو المشتري، (بطل خياره) سواء شُرِطَ الخيار له وحده أو له ولصاحبه فإنه يبطل الخيار.

مثاله: اشترى رجل من آخر بيتًا بمئة ألف لمدة شهر، وجعل الخيار إلى مدة شهر، ثم مات، فإن الخيار يبطل، وعلى هذا فلا خيار للورثة في هذا المبيع.

فإذا قال الورثة: لماذا لم يكن لنا خيار؟ أليس قد انتقل إلينا من مورثنا بحقوقه ومنها الخيار؟

ص: 934

نقول: لا -على كلام المؤلف- لأن اختيار الإمضاء أو الفسخ لا يكون إلا مِن قبَل مَن؟ مِن قبَل المشتري اللي مات، فلا ندري الآن هل يريد الإمضاء أو يريد الفسخ، فيبطل، فإن علمنا أنه يريد الفسخ؛ بحيث يكون قد طالب به؛ يعني قد قال: إني أريد الفسخ فإنه يُورَث مِن بعده؛ لأن مطالبته به دليل على أنه اختار الفسخ، أما إذا لم يطالب فإننا لا ندري. هذا هو التعليل عند الأصحاب رحمهم الله الذي مشى المؤلف على قاعدتهم، مفهوم الكلام ولَّا لا؟ واضح؟

طالب: لا، غير واضح.

الشيخ: طيب، إذا باع بيتًا وشرط الخيار لمدة شهر، ثم مات البائع، يقول المؤلف: إن خياره يبطل؛ لأن الاختيار يرجع إليه نفسِه وهو قد مات ولا ندري هل يختار الفسخ أو يختار الإمضاء، والأصل بقاء العقد وأنه ليس فيه الخيار، هذا هو الأصل. هذا واضح ولَّا غير واضح؟

طلبة: واضح.

الشيخ: طيب، إلا إذا علمنا -نمشي على ما مشى عليه المؤلف- إلا إذا علمنا أن الرجل قد اختار الفسخ؛ بحيث يكون قد طالب به قبل موته وقال للمشتري: أنا قد فسخت البيع؛ لأن الخيار لي، ولكن المشتري تلكأ، ثم مات الرجل البايع قبل أن يوافق المشتري، فهنا يُورَث أو لا يُورَث؟ يُورَث؛ لأننا علمنا أن الرجل اختار الفسخ.

القول الثاني: إنه يُورَث سواء طالب به أم لم يطالب، وعللوا ذلك بأن المُلك ينتقل إلى الورثة بحقوقه، وهذا الذي اشْتُرِي بشرط الخيار انتقل إلى الورثة بأيش؟ بحقوقه، فيثبت لهم ذلك، وإذا كان الخيار للبائع فكذلك أيضًا انتقل من البائع وثبت له الحق بالخيار، فيُورَث عنه.

ص: 935

وهذا القول هو الراجح، هذا القول هو الصحيح؛ لقول الله تعالى في المواريث:{لَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]، {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12]، وكلمة {تَرَكَ} تشمل كل متروكاته؛ من أعيان أو منافع أو حقوق. هذا هو الصحيح؛ أنه ينتقل الحق إلى الورثة، ولهم الخيار بين الإمضاء أو الفسخ؛ لأنهم ورِثوه من مُورِّثهم على هذا الوجه.

وأما قولهم: لا بد أن يطالِب، فيقال: إذا طالب لا حاجة أن نقول: إن خيار الشرط باقٍ؛ لأنه إذا طَالَب به فقد انتهى الخيار، اختار أن يفسخ، ما فيه خيار شرط الآن، طالَب وأثبت الحق. فالصواب إذن أن من مات منهما فخياره باقٍ ويأخذ به مَن؟ الورثة.

طيب، الورثة إذا اختلفوا، مشكلة، هاتجينا مشكلة ثانية إذا اختلف الورثة؛ بعضهم قال: أريد الإمضاء، وبعضهم قال: أريد الفسخ؟

نقول: من أراد الفسخ يُعْطَى نصيبه من الدراهم التي قبضها البايع، ومن أراد الإبقاء بقي، ما يُمنع.

فإن كان الوارثُ واحدًا لم يتصور الاختلاف؛ إما أن يترك أو يُمضي.

أقول: إذا اختلف الورثة؛ مثل أن يكون الرجل مات عن ابنين وقد اشترى شيئًا بشرط الخيار، فقال أحد الابنين: أنا أريد إمضاء البيع، وقال الآخر: أنا لا أريد، فماذا نعمل؟ نُقَسِّط، قال: أنت الذي أراد الفسخ ينفسخ بنصيبه ويرجع على البائع بنصف الثمن إن كان قد استلم الثمن، ومن اختار الإمضاء يبقى مالكًا لهذا الشيء.

لو مات أحدُهما في خيار المجلس، هل يبطل الخيار أو لا؟

طالب: ما يبطل.

طالب آخر: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ .. » (7).

طلبة: يبطل.

الشيخ: هل يبطل الخيار أو لا؟

طالب: نعم، يبطل.

طالب آخر: إلا لو تفرقا، ما تفرقا، لزم البيع.

الشيخ: إي نعم، يبطل الخيار، وهذا لا إشكال فيه؛ لأن من أعظم التفرقِ التفرقُ بالموت.

ص: 936

لو نام أحدهما في خيار المجلس؛ كان تعبان جدًّا وفيه نوم، فقال البائع: بعتك هذا الشيء، قال: قبِلت وإذا رأسه على صدره؛ ينعس، نام، يبطل ولَّا ما يبطل؟

طالب: ما يبطل.

الشيخ: لا يبطل، هذا لا يبطل.

طالب: مطلقًا يا شيخ؟

الشيخ: إي، مطلقًا.

الطالب: لو طال نومه؟

الشيخ: نعم ولو طال، ما دام هو في المجلس ولو طال نومه؛ لأنه لم يفارق الحياة، بخلاف من مات، يقول:(ومن مات منهما بطل خيارُه).

***

ثم قال: (الثالث: إذا غُبِنَ في المبيع غَبْنًا يَخْرُج عن العادةِ بزيادة النجش والمسترسل)(الثالث) يعني: من أقسام الخيار خيار الغبن، وأشار إليه بقوله:(إذا غُبِنَ في المبيع)، وكذلك إذا غُبن في الثمن؛ لو كان الثمن غير نقود أو كان نقودًا مغشوشة أو ما أشبه ذلك، المهم الغبن.

(إذا غُبِنَ في المبيع غَبْنًا يَخْرُج عن العادةِ) والغبن معناه: الغلبة؛ يعني: إذا غُلِبَ غلبةً تخرج عن العادة فله الخيار.

لكن هل كل من غُبِنَ له الخيار؟

المذهب يُحصر هذا في ثلاث صور فقط، ليس كل من غبن فله الخيار، لكن المؤلف قيد الغبن بأن يخرج عن العادة، فمثلًا: إذا غُبِنَ بريال واحد من مليون؛ اشترى أرضًا بمليون وهي تسوى مليونًا إلا ريال؟

طالب: ليس غبن.

الشيخ: واحد من مليون، هذا مما يتغابن به الناس.

طيب، واحد من ألف؟

طلبة: كذلك.

الشيخ: كذلك؛ لأنك تأتي السوق تجد هذا بكذا وهذا ..

طيب، واحد من مئة؟

طلبة: كذلك.

الشيخ: كذلك، يعني لا يخرج عن العادة؟

طالب: يخرج يا شيخ.

طلبة: لا، ما يخرج.

الشيخ: واللهِ الظاهر أنه لا يخرج.

واحد من عشرة؟

طالب: نعم، ممكن.

طالب آخر: يخرج.

الشيخ: نعم، واحد من عشرة، هو العشر، يمثل العشر؟

طالب: لا يخرج.

الشيخ: لا يخرج عن العادة؟

طالب: يخرج، يعني بعشرة آلاف أو بتسعة آلاف.

طالب آخر: يخرج.

طالب آخر: فيه تفصيل.

ص: 937

الشيخ: الواقع أنه ما نقدر نقول: فيه تفصيل، أنت بتقول مثلًا: عشرة آلاف من مئة ألف، هذا غبن، لكن انظر للنسبة، حتى الذي يساوي عشرة ريالات إذا غُبن بريال منه غُبن بالعُشر، فهل العُشر يعتبر غبنًا أو لا؟

طالب: لا يعتبر.

طالب آخر: نعم.

الشيخ: واللهِ أنا أظن .. ، الظاهر لي أنه يعتبر غبنًا، ولا سيما إذا كانت السيولة بأيدي الناس عزيزة؛ لأن واحدًا من عشرة ربما يكون صعبًا على كثير من الناس إذا كانت السيولة قليلة، أما مع وفرة المال فقد يقال: إن واحدًا من عشرة ليس بشيء.

ولهذا بعض العلماء يقول: إن الغبن الذي يخرج عن العادة هو واحد من خمسة، كم نسبة واحد من خمسة إلى المئة؟ عشرون في المئة.

ولكن هذا في القلب منه شيء، بل يقال: إنه إذا جعلنا الأمر مرتبطًا بالعادة فهو أحسن، فإن اختلفنا نرجع إلى مَن؟ إلى أهل الخبرة؛ إلى الدَّلالين المعتبَرين في البلد، وقال: ما تقولون إذا غبن واحد من عشرة؟

وقد يقال أيضًا: إنه يختلف حتى باختلاف الأموال؛ بعضها الواحد من عشرة غبن، وبعضها غير غبن.

طالب: إذا مات أحد المتعاقدين في المجلس وكانت ورثته .. ؟

الشيخ: وكان الورثة.

الطالب: حاضرين في المجلس، فلماذا لا ينتقل الحق إليهم؟

الشيخ: ما ينتقل؛ لأن العقد مع الميت.

الطالب: نعم، كما قلنا: إنه ..

الشيخ: الآن لو أن هذا البايع خرج، وحينما خرج مات، هل يثبت لورثته الذين في المجلس؟

الطالب: لا.

الشيخ: ما يثبت.

الطالب: لأن حق الميت سقط أصلًا.

الشيخ: كيف؟

الطالب: حق الميت سقط بالخروج.

الشيخ: بالخروج، هذا أيضًا الموت أشد من الخروج، أشد المفارقة.

طالب: لو أن البائع بعدما نام المشتري خرج وفارقه، هل .. ؟

الشيخ: ينقطع الخيار.

الطالب: ينقطع؟

الشيخ: إي نعم.

الطالب: بغير (

) النائم.

الشيخ: ينقطع، أصله حتى لو كان يقظًا ما يقدر يمنعه.

طالب: يا شيخ، قلنا: إن –مثلًا- المشتري لو كان عنده خيار شرط في بيت مثلًا، وقلنا: إنه إذا استأجرها ..

ص: 938

الشيخ: أجَّرها.

الطالب: استأجر، المشتري استأجر.

الشيخ: كيف استأجر؟ هو مشترٍ كيف يستأجر؟

الطالب: يعني: اشتراها من صاحبها، ثم بعد ذلك له خيار شرط شهر، ثم بعد ذلك أجرها، قلنا: فعله هذا يبطل ..

الشيخ: الخيار.

الطالب: لكن لو حدث عندما أجرتها -مثلًا- ليعرف (

الشيخ: لا، ما هو تجربة، هذا عقد بارك الله فيك، عقد لازم ما يمكن ينفسخ.

طالب: لو اشترط البائع الخيار له، ثم (

)، قلنا: يكون للمشتري (

الشيخ: لا، صحيح، وقع العقد على غير الملك، لكن كونه باع يدل على أنه فَسْخ.

الطالب: ما هو بشرط؟

الشيخ: فهي دلالة فعلية.

الطالب: يفسخ ثم يبيع؟

الشيخ: ما هو لازم، وإلا صحيح ربما نقول: القواعد أنه يفسخ ثم يبيع، نقول: ما هو بلازم.

طالب: عفا الله عنك، قياسًا على منع البائع عند التصرف في مدة الخيار، مثلًا لو أن إنسانًا أعطاني مالًا (

الشيخ: أبدًا، إذا كان عند الإنسان مال لغيره فإنه لا يتصرف فيه أبدًا إلا بإذن صاحبه.

الطالب: يعني بعينه (

).

الشيخ: أبدًا، لو (

) أحسن منه.

طالب: شيخ، إذا قلنا: إن الورثة يرثون الخيار؛ خيار الشرط، واختلفوا؛ بعضهم أمضى وبعضهم فسخ، ولكن إذا كان المبيع لا يتبعض؛ كأن يكون شاة، فبعضهم أمضى وبعضهم فسخ؟

الشيخ: يكون هذا إذا صار الورثة اثنين، نقول: نصف الشاة يكون للوارث والنصف الثاني للبائع.

الطالب: كيف (

الشيخ: مشاركة.

الطالب: يكونون شركاء؟

الشيخ: إي نعم، مشاركة في الشاة.

طالب: شيخ -بارك الله فيك- إذا استأجر رجل بيتًا مثلًا ..

الشيخ: أيش؟

الطالب: (

) استأجر رجل بيتًا من رجل آخر، استأجره ووضع قال: الخيار شهرًا، وقبل أن يتم الشهر قال: افسخ العقد بيني وبينك وقد استعمله هذا الرجل (

) أيلزم بدفع الأجرة؟

الشيخ: هل قلنا بهذا؟

الطالب: قلنا يا شيخ.

الشيخ: هل قلنا بهذا يا جماعة؟ ما قلنا: إذا استأجر، قلنا: إذا باع.

طالب: لا، غير البيع -يا شيخ- استأجر.

ص: 939

الشيخ: كيف إذا استأجر؟ ما قلنا.

الطالب: لا، ما يلزم بأجرة له؟

طالب آخر: إذا أجره، إذا تصرف فيه؛ أجره يعني.

طالب: استأجر بيتًا، ثم هذا الرجل أتى استعمل بيتًا -بيته ضيق- فاستأجر هذا البيت الواسع من أجل أن هناك ضيوف سوف يأتون، وأتوا الضيوف وذهبوا وانتهت مصلحته، ثم قال: ما أريد هذا البيت.

الشيخ: يعني استأجر البيت؟

الطالب: إي، استأجره، ولكن مضى على الخيار شهر، وبعد أن تنتهي مدة الشهر قال: بأفسخ.

الشيخ: ما سبق لنا أنه إذا شرط الخيار في إجارة تلي العقد أنه ما يصح، ما سبق لنا هذا؟

الطالب: سبق يا شيخ، لكن (

) البيع.

الشيخ: البيع (

)، البيع إذا اشتراها واشترط الخيار لمدة شهر ثم أجرها ينفسخ خياره.

طالب: في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» (2)، قول النبي صلى الله عليه وسلم:«فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ» ، ألا يثبت أن الأصل (

) للبائع الشرط وأن .. ؟

الشيخ: ماله منفصل عنه، مال العبد منفصل عنه، فقوله:«مَالُهُ» معناه أنه هو نفسه لمن؟

الطالب: للمشتري.

الشيخ: للمشتري، إي نعم.

طالب: عفا الله عنك، قلنا: إنه إذا تصرف المشتري يؤدي إلى فسخ الخيار.

الشيخ: طيب.

الطالب: يشكل -يا شيخ- ذكرتم في درس سابق أنه إذا كان –مثلًا- عين المبيع ثمرًا.

الشيخ: ثمر؟

الطالب: إي نعم، وهذه الثمار تفسد (

) الخيار.

الشيخ: تُبَاع، لا بد من بيعها.

الطالب: لكن إذا باعها وتصرف (

الشيخ: ما يسقط، له الخيار ويأخذ القيمة إن أمضى، أو يأخذ ثمنها إذا لم يمض.

الطالب: (

).

الشيخ: ذكرنا هذا.

طالب: شيخ -بارك الله فيكم- في الشرح ذكرنا أن المذهب في مسألة الغبن فيه ثلاث صور.

الشيخ: ما وصلنا.

طالب: (

الشيخ: منفك عن الجهة.

الطالب: (

).

الشيخ: لا، ما تبطل؛ لأن العتق هذا نفس العتق حرام، فلا يكون طاعة.

ص: 940

طالب: الشاة الحامل إذا وضعت في وقت الخيار (

)، ولكن فصلنا في آخر الجواب قلنا: إن نشأ في زمن الخيار فهو للمشتري؟

الشيخ: إذا وضعته.

الطالب: إذا وضعته في زمن الخيار لمن؟

الشيخ: للمشتري؛ لأنه نشأ على ملكه.

الطالب: إذا بدأ الحمل في زمن الخيار ووضعت ..

الشيخ: بعد البيع حملت.

الطالب: نعم.

الشيخ: ووضعته.

الطالب: وإذا وضعته بعد الخيار؟

الشيخ: هذا يكون من النماء المنفصل أو المتصل، إن قلنا: الحمل منفصل فهو له، وإذا قلنا: الحمل متصل -وهو الصحيح- فهو للبائع.

الطالب: إن وضعت بعد .. ؟

الشيخ: ولكن لاحظ أنا صححنا أن النماء حتى المتصل للمشتري.

الطالب: يعني على هذا إذا حملت في زمن الخيار، ثم وضعت في زمن الخيار فهو للمشتري؟

الشيخ: فهو للمشتري، هذا لا إشكال فيه؛ لأنه منفصل.

الطالب: نعم.

الشيخ: فإن لم تضع؟

الطالب: إن لم تضع إلا بعد انتهاء مدة الخيار.

الشيخ: فإن لم تضع إلا بعد أن فُسِخ.

الطالب: بعدما فسخ.

الشيخ: طيب، فهي للبائع على القول بأن النماء المتصل يتبع، وعلى القول الراجح يكون للمشتري.

طالب: ذكرنا في الدرس اللي فات نماء المنفصل للمشتري، ومثلنا باللبن، فذكرنا في الدرس هذا (

) فلا يجوز واللبن ما يجمع في الكأس (

).

الشيخ: ما فيه شك.

الطالب: (

) مثلنا باللبن.

الشيخ: هذا أبلغ من تجربة المبيع، ما هو بالتجربة جائزة ولا تبطل الخيار.

الطالب: إذا كان (

).

الشيخ: هذا للأكل، لو يبقى في ضرع البهيمة كلفها؛ شق عليها.

الطالب: يعني: جميع المنفعات المنفصلة (

).

الشيخ: ما يخالف، لا بأس.

قال المؤلف: (وتصرفُ المشتري فسخٌ لخيارِه) فلو أن مدة الخيار كانت شهرًا لمن اشترى بيتًا، ثم أجَّره لغيره نصف شهر، فهل له الفسخ قبل الشهر بيوم؟

الجواب: ليس له أن يتصرف، إذا أجره فقد انفسخ خياره.

***

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 941

قال المؤلف رحمه الله تعالى: الثالث: إذا غُبِنَ في البيع غَبْنًا يَخْرُج عن العادةِ ..

الشيخ: (في المبيع)، عندي أنا:(في المبيع).

الطالب: إذا غُبِنَ في المبيع غَبْنًا يَخْرُج عن العادةِ بزيادة الناجِشِ والمُسْترِسل.

الرابع: خيارُ التَّدْليس؛ كتَسْويد شعرِ الجاريةِ وتَجْعيدهٍ وجَمْعِ ماء الرَّحَى وإرسالِه عند عَرْضِها.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

سبق لنا خياران من خيار البيع؛ أحدهما ثابت بالشرع، والثاني ثابت بالشرط، فما هو الثابت بالشرع؟

طالب: الخيار الثابت بالشرع هو خيار المجلس.

الشيخ: أحسنت. والثابت بالشرط؟

طالب: خيار الشرط.

الشيخ: خيار الشرط. هل خيار الشرط جائز؟

طالب: نعم.

الشيخ: ما الدليل عليه؟

الطالب: جائز إذا كان جائزًا ..

الشيخ: جائز إذا كان جائزًا؟ !

كَأَنَّنَا وَالْمَاءُ مِنْ حَوْلِنَا

قَوْمٌ جُلُوسٌ حَوْلَهُمْ مَاءُ

الطالب: نعم يا شيخ، هناك دليل على صحة (

) حديث: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (8)، وعموم قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].

الشيخ: لكن ما فيه نص في الموضوع؟

الطالب: فيه.

الشيخ: خيار الشرط.

الطالب: خيار الشرط.

الشيخ: نعم.

الطالب: حديث عبد الله بن عمر.

الشيخ: نعم، اقرأه.

الطالب: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعَ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعَ» (9).

الشيخ: وأيش وجهه؟

الطالب: وجهه أنهما إذا اشترطا شرطًا (

).

ص: 942

الشيخ: يدخل في قوله: «أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ» ؟

الطالب: نعم.

الشيخ: طيب.

خيار الشرط هل له مدة معينة لا يُزَاد عليها أو لا؟

طالب: ليس له مدة معينة.

الشيخ: ليس له مدة؛ يعني: لو جعله شهرًا أو سنة فلا بأس؟

الطالب: ما لم (

).

الشيخ: شرط؟ أيش تقول؟ توافقه على هذا الاستثناء؟

طالب: ظاهر المذهب (

).

الشيخ: طيب، وإذا كان مما يُخْشَى فساده قبل تمام المدة؟

الطالب: يصح أيضًا.

الشيخ: يصح، ويُبَاع ويُجعل الثمن وينتقل الخيار إلى الثمن. تمام، صح. أفهمت؟

طالب: بلى.

الشيخ: بلى! كيف (بلى)؟

الطالب: لغة يا شيخ.

الشيخ: لغة من؟

الطالب: تصح، يجوز (بلى) (

).

الشيخ: إي، الجواب الصواب: نعم؛ إن كنت فهمت، أو: لا؛ إن كنت لم تفهم.

قال: الخيار بيني وبينك إلى الغد، متى ينتهي؟

طالب: إلى طلوع الفجر.

الشيخ: إلى طلوع الفجر، ولَّا فيه قول ثانٍ؟

الطالب: فيه أقوال، لكن هذا هو (

).

الشيخ: معناه أن القول الثاني يرجع في ذلك إلى العرف.

الطالب: إي نعم.

الشيخ: فإذا كان معنى قوله: إلى الغد؛ أي: إلى أن يفتح الناس الأسواق فهو إليه. وهذا هو الصحيح.

ما هو الدليل على أن ملك مدة الخيارين للمشتري؟

طالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» (1).

الشيخ: وما وجه الدلالة؟

الطالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المال للمبتاع بشرط، أما العبد فلم يشترط (

) بمجرد البيع.

الشيخ: فدل ذلك على أن العبد ملك للمشتري بمجرد البيع ولا يحتاج إلى شرط، أحسنت.

اشترى شيئًا بشرط الخيار وأجَّره والخيار له؛ للمشتري وحده؟

طالب: (

).

الشيخ: وأيش اللي يبقى؟

الطالب: (

).

الشيخ: سمعتم كلامه، يقول: إذا اشترط الخيار مدة معينة، ثم أجر المبيع -أعني المشتري- فإن ذلك فسخ لخياره.

إذا مات من له الشرط؟

طالب: بطل خياره.

الشيخ: بطل خياره؟

ص: 943

الطالب: إي نعم.

الشيخ: مطلقًا؟

الطالب: إي، على المذهب.

الشيخ: مطلقًا؟

الطالب: على المذهب.

الشيخ: إلَّا على المذهب، مطلقًا؟

الطالب: مطلقًا على المذهب.

الشيخ: مطلقًا، أحسنت. توافقون على هذا؟

طالب: إن علم منه أنه أراد أن يفسخ أو صرح بالفسخ فإن ..

الشيخ: يعني: إن طالب به.

الطالب: إن طالب به قبل موته.

الشيخ: فإنه لا يسقط.

الطالب: (

).

الشيخ: نعم. هل هناك قول ثانٍ؟

طالب: نعم، القول الثاني في المسألة (

).

الشيخ: يعني لا يبطل؟

الطالب: لا يبطل.

الشيخ: لا يبطل بموته.

الطالب: لا يبطل بموته، والدليل قوله تعالى:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12].

الشيخ: يعني: ومما تركه الميت الأعيان والمنافع والحقوق.

***

قال: (الثالث: إذا غُبِنَ في المبيع غَبْنًا يَخْرُج عن العادة) وقد شرحنا هذه الجملة، وقلنا: إن قوله: (يخرج عن العادة) يعني: أنه أحالنا إلى العرف، فما عدَّه الناس غبنًا فهو غبن، وما لم يعدوه غبنًا فليس بغبن، وإن بعض العلماء قدَّره بالثلث، بعضهم بالربع، بعضهم بالخمس، ولكن ما ذهب إليه المؤلف أولى؛ أن يُرْجَع في ذلك إلى العادة.

فإذا قيل: من المحكَّم في العادة؟ هل كل أحد أو أصحاب الخبرة؟ أصحاب الخبرة هم المحكمون في العادة، إذا قالوا: واللهِ هذا غُبن غبنًا يخرج على العادة، قلنا: يثبت الخيار.

ولكن هل الخيار -أعني: خيار الغبن- مقيد بشيء معين أو متى حصل الغبن حصل الخيار؟

هذه المسألة فيها خلاف؛ أما المذهب فإن خيار الغبن مخصص بثلاث صور:

ص: 944

الصورة الأولى: تلقي الركبان؛ يعني: أن يخرج عن البلد ليتلقى الجالبين إليه فيشتري منهم. ومن المعلوم أن هذا المتلقي سوف يشتري بأقل من الثمن، أليس كذلك؟ هذا هو، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«لَا تَلَقُّوُا الَجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّى فَاشْتَرَى مِنْهُ» أي: من الجلب، «فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ» وهو البائع، «فَهُوَ بِالْخِياَرِ» (10)، هذا خيار غبن.

وقوله: «فَهُوَ بِالْخِيَارِ» إذا قال قائل: الحديث مطلق «فَهُوَ بِالْخِيَارِ» ، ولم يقل: إذا غُبِن؟

فالجواب: أنه يحمل على الغالب المعتاد؛ لأن الجالب إذا قَدِم للسوق ولم يجد أنه غُبِن فإنه لن يختار الفسخ؛ إذ لا فائدة من الفسخ ثم البيع مرة أخرى، فيُحْمل على أن قوله:«إِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِياَرِ» يعني: إذا غُبن، وإن كان ظاهر الحديث الخيارَ مطلقًا.

الصورة الثانية قال: (بزيادة الناجش) شوف هذا المتن قال: (بزيادة الناجش)(الناجش) اسم فاعل من: نَجَش يَنْجُش، وأصل النَّجْش: الإثارة؛ إثارة الشيء، هذا نجشه.

والناجِش: هو أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها، وإنما يريد الإضرار بالمشتري، أو نفع البائع، أو الأمرين جميعًا.

مثال ذلك: يُسَام على هذه السلعة، فصار الناس يتزايدون فيها، وكان أحد هؤلاء يزيد في الثمن وهو لا يريد الشراء، ولكن من أجل منفعة البائع؛ لأنه صاحبه، وإلا هو لا يريد السلعة، أو أنه يريد إضرار المشتري؛ لأنه أيش؟ عدوه، أو يريد الأمرين جميعًا؛ نفع البائع لأنه صاحبه، وإضرار المشتري لأنه عدوه، أو لا يريد شيئًا، وإنما يريد أن يقول الناس: فلان -ما شاء الله- يزيد في هذه السلعة الكبيرة معناه أنه عنده فلوس وتاجر. ممكن ولَّا غير ممكن؟

طلبة: ممكن.

ص: 945

الشيخ: ممكن، المهم الضابط هو أن هذا الناجش يزيد وهو لا يريد الشراء، إنما يريد غرضًا آخر، فإذا غُبِنَ المشتري بسبب هذه الزيادة فإن له الخيار. لكن غُبن أيش؟ غبنًا يخرج عن العادة؛ يعني: أن المشتري بعد أن بيعت عليه السلعة فكَّر وإذا ثمنها زائد بسبب النجش، فهنا له الخيار.

والنَّجْش محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنه قال: «لَا تَنَاجَشُوا» (11)، ولأنه يورث العداوة والبغضاء بين المسلمين؛ لأنه إذا عُلم أن هذا يَنجُش من أجل الإضرار بالمشترين كرهوه وأبغضوه.

ثم عند الفسخ في الغبن ربما لا يرضى البائع بالفسخ، فيحصل بينه وبين المشتري عداوة أيضًا؛ فلهذا نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن النجش.

والحاصل: أن النجش حرام، وأن المنجوش إذا غبن غبنًا يخرج عن العادة فله الخيار.

الصورة الثالثة قال: (والمسترسل) المسترسل هو: المنقاد مع غيره المطمئِن إلى قوله، هذا في اللغة. المسترسل في اللغة: استرسل مع فلان؛ يعني: انقاد معه ووثق به واطمئن إلى قوله، ولكنه في الاصطلاح: مَن جهل القيمة ولم يحسن المماكسة.

(من جهل القيمة) موجودة في الشرح: من جهل القيمة ولم يحسن المماكسة. والمماكسة هي: المُحاطَّة في الثمن، وهي التي تُعرف عندنا بالمكاسرة، كاسر لأجل ينِّزل.

فهذا الرجل مسترسل، أتى إلى صاحب الدكان وقال: بكم هذه الحاجة؟ قال: هذه الحاجة بعشرة ريالات، وهو رجل يجهل القيمة ولا يحسن أن يماكس، فأخذها بعشرة، فلما عرضها على الناس قال: اشتريتها بعشرة، قالوا: هذه بخمسة ريالات، قال: ما علمتُ. نسمي هذا مسترسلًا، له الخيار أو لا؟ له الخيار؛ لأنه إذا كانت قيمته خمسة واشتراها بعشرة هذا غَبن يخرج عن العادة، فله الخيار.

ص: 946

فإن كان يعلم القيمة ويدري أن قيمتها خمسة، لكنه أخذها بعشرة تطييبًا لقلب البائع، كما يوجد بعض الناس -مثلًا- إذا رأى هذا الرجل الفقير عنده بسطة يسيرة صغيرة، قال: كم (

) يا فلان؟ قال: بعشرة، وهو يعرف أنها بخمسة، فأخذها بعشرة، فهل يكون مسترسلًا؟

طلبة: لا.

الشيخ: ليش؟ لأنه يعلم القيمة.

وكذلك لو رأى مع صبي رأى معه دجاجة تساوي عشرة، قال: كم يا بني هذه؟ قال: هذه يا عم بعشرين، وهو يدري أنها تساوي عشرة، لكن جبرًا لقلب هذا الصبي وإدخالًا للسرور عليه قال: خذ، هذه عشرين، ثم بعدئذٍ ندم، قال: كيف أبذل عشرين بما يساوي عشرة؟ فرجع إلى الصبي وقال: يا بني غبنتني، هل له الخيار؟

طلبة: لا.

الشيخ: ليش؟ لأنه يعلم القيمة ودخل على بصيرة، فلا خيار له.

وقوله: (ولم يحسن المماكسة) ظاهره أنه إذا كان يحسن المماكسة فإنه لا خيار له ولو غُبِنَ؛ يعني: رجل يجهل قيمة الأشياء لكنه جيد في المماكسة، فأتى إلى صاحب الدكان، وقال له: كم قيمة هذا المسجِّل؟ قال: قيمته مئتا ريال، وصاحب الدكان وضع ورقة عليه صغيرة: القيمة مئتا ريال. الرجل هذا جيد في المماكسة، لكن ظن أن هذه قيمته في الأسواق، فأخذ المسجِّل، ثم لما عرضه على إخوانه قالوا: هذا يُبَاع في السوق بثمانين ريالًا. كم غُبن؟ مئة وعشرين، فرجع إلى الرجل وقال له: هذا بثمانين ريالًا. هل له الخيار أو لا؟

طالب: المذهب: لا.

الشيخ: على كلام المؤلف لا خيار له، لماذا؟ لأنه يحسن المماكسة، يقدر يُحاطه في الثمن حتى يصل إلى الثمانين.

ولكن الصحيح أن له الخيار، لماذا؟ لجهله بالقيمة ولتغرير البائع له، فلا ينبغي إلا أن نعامل البائع بنقيض قصده، لمَّا غرَّه نعامله بنقيض قصده ونقول: له الخيار.

إذا قال: هذا الرجل يعرف البيع والشراء، ليش ما ماكسني؟

نقول: لا، هذا -جزاه الله خيرًا- وثق بك ولست أهلًا للثقة، والآن له الخيار.

ص: 947

ومِن المناجشة -وهي أيضًا نوع من الاسترسال- أن يقول البائع للمشتري: أُعْطِيت في السلعة كذا -وهو يكذب- قال: أعطيت فيها مئتان وهو كذاب، المشتري سوف يقول: إذا كانت سِيمَت بمئتين أنا أطلع السوم وأقول مئتان وعشرة، وفعلًا اشتراها بمئتين وعشرة، وتبين أن قيمتها مئة وخمسون. له الخيار؟ نعم، له الخيار؛ وذلك لأنه غُبن على وجه يشبه النجْش.

ومن ذلك أيضًا إذا قال: اشتريتها بمئة وهو كاذب، اشتراها بخمسين، لكنه قال: اشتريتها بمئة، فأخذها المشتري بمئة وخمسة؛ ليربح ذاك خمسة ريالات، وتبين أنه اشتراها بخمسين. له الخيار؟ نعم، له الخيار؛ لأن هذا من النجش؛ فإنه استثار المشتري حتى اشتراها بأكثر من ثمنها.

فإن قيل: ما حكم النجْش؟ وما حكم أن يفعل ما يسترسل معه المشتري؟

فالجواب: كله حرام؛ لأنه خلاف ما يجب أن يكون عليه المؤمن لأخيه؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (12).

فإن قيل: يوجد بعض الباعة إذا سُئِلَ عن قيمة السلعة، قال: قيمتها مئة، وهو يبيعها بثمانين، لكنه يخشى أن يكون المشتري ممن يماكسون، فقال: إنها بمئة على تقدير أنه سيماكِس حتى تنزل إلى ثمانين، فهل يجوز له ذلك؟

الجواب: فيه تفصيل؛ إن كان حين يطمئن المشتري ويأخذها بما قدَّره فهذا حرام؛ لأنه من الغِش، وإن كان إذا رأى المشتري عازمًا على الأخذ قال له: اصبر يا أخي، أنا قلتُ لك: بمئة؛ لأن بعض الناس يماكسني ويضطرني إلى أن أنزِّل، ولكن قيمتها الحقيقية ثمانون، فهذا أيش؟ هذا جائز، وإن كان فيه شيء بالنسبة للبائع، لكن هو الذي جنى على نفسه؛ لأنه إذا قال: يا أخي اصبر، القيمة ثمانون، لكني قلت لك: بمئة خوفًا من المماكسة، فإن المشتري سوف لا يطمئن أيضًا إلى أن القيمة ثمانون.

ص: 948

لكن نقول: أنت الذي جنيت على نفسك، ولهذا تجد بعض المشترين إذا قال له البائع هذا الكلام يأنف ويستنكف ويذهب إلى غيره، لكن نقول: أنت الذي فعلت، قل: الثمن ثمانون ولا مماكسة؛ مثلما يقول: كلام واحد ما فيه؛ إن أخذ فهذا المطلوب، وإن لم يأخذ فالسلعة باقية.

يوجد بعض الناس إذا جاءه الرجل المحنَّك الجيد في المماكسة على طول أعلمه بالثمن، وإذا جاءه الرجل الذي يكون سليم الصدر ولا يعرف أو امرأة أو فتًى شابٌّ لا يعرف الأمور زاد عليه في الثمن، ما الحكم؟ يجوز ولَّا لا؟

طلبة: ما يجوز.

الشيخ: إي، هذا حرام لا يجوز؛ أن يأخذ الناسَ بالغِرَّات، الإنسان الغَرير له ثمن، والإنسان الذكي الجيد له ثمن، هذا حرام، الواجب أن يكون مخلصًا ناصحًا للعباد؛ لأن هذا من الدِّين.

فتبين الآن أن الغبن له تعريف، وله محل، وله حكم. تعريفه: أن يُغبَن المشتري غبنًا يخرج عن العادة. حكمه حرام. محله: ثلاثة، وإن شئتم قولوا: صوره ثلاث؛ الأول: تلقي الركبان، والثاني: النجش، والثالث: الاسترسال.

فإن قال قائل: هل الغبن يكون للبائع أيضًا؟ بمعنى أن البائع يكون هو المغبون؟

طلبة: نعم.

الشيخ: لا تستعجلوا.

طالب: نعم.

طالب آخر: نعم يكون.

الشيخ: كيف يكون؟

طالب: يكون بأن يأتي -مثلًا- رجل يشتري سلعة وهو يعرضها للبيع فيقول: هذه في السوق لا تباع إلا بثمانين، وهي تباع في الحقيقة بمئة وخمسين، فيقول البائع: بعتك إياها بثمانين، ظنًّا منه أن هذا هو الحق، فهذا المغبون عندما يرى أنا السلعة تباع ..

الشيخ: طيب.

طالب: كذلك في الثمن أن يُعْطَى دراهم مغشوشة.

الشيخ: لا، هذا عيب، وسيأتي.

طالب: تلقي الركبان أليس من هذه الصور؟

الشيخ: ويش؟

الطالب: الراكب يأتي ومعه بضاعة ليبيعها في السوق بثمن على أساس أنها بهذا الثمن، فإذا ..

الشيخ: الغبن لمن؟

الطالب: للبائع هذا.

الشيخ: طيب.

طالب: الصحيح أنه لا يغبن، والصورة التي ذكرها الأخ تفريط من البائع؛ لأنه هو ما يعرف السوق.

ص: 949

طالب آخر: كأن يرتفع ثمن السلعة ولا يعلم البائع بذلك.

الشيخ: إي، هذه هي نفس اللي قاله الإخوان، فيأتي إنسان جيد ويشتريها، وهذه تقع كثيرًا، لا سيما فيما سبق من الزمان، مثلًا يأتي التاجر المعروف يأتيه خبر بأن السُّكَّر ارتفعت قيمته، فيذهب إلى من عندهم السكر ويشتري كل ما عندهم بالقيمة الحاضرة، وهم لا يعلمون أن قيمته ارتفعت، فيكون غبنًا أو لا؟ غبن لا شك، هذا غبن وهم لم يفرطوا في الواقع، البائع في الواقع لم يفرط في مثل الصورة التي ذكرت الآن؛ لأنه باع على أن هذه هي القيمة وأن الأسعار مستقرة.

والحاصل أنه كما أن للمشتري الحق إذا غُبِن في فسخ البيع فللبائع الحق إذا غُبِن في فسخ البيع ولا فرق.

طالب: البائع له بضائع مختلفة يبيع بعضها بالجملة؛ يعني بسعر خاص (

) أرخص من السعر (

)، وإذا جاء الشارين، يعني إذا أتوا إليه مثلًا

الشيخ: الشارين أو المشترون؟

الطالب: المشترون.

الشيخ: نعم؛ لأن الشاري هو البائع.

الطالب: صحيح، يبيعه بسعر آخر أغلى من الإجمالي، هل هذا يمكن فيه (

الشيخ: هل هذا يخرج عن العادة؟ هذه عادة الناس؛ يفرقون بين الجملة وبين؟

طالب: المفرَّق.

الشيخ: الإفراد.

طالب: إذا اشترى السلعة (

) بمئة وخمسة، قال: أنا أشتريها منك بمئة وخمسة، فإذا وجدتها في السوق بمئة أرد لك السلعة.

الشيخ: إذا وافق لا بأس، وهذا من باب تعليق الفسخ، لكن كما قلنا سابقًا: ينبغي أن يحدد، يقول: أنا بأدور في السوق إن وجدتها بأرخص في خلال يوم أو يومين؛ لأجل ألَّا يقع نزاع.

طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، كيف يضر الناجش البائع؟

الشيخ: إي نعم، ما يتصور أن الناجش يضر البائع، المقصود: الناجش ينفع البائع، أو يضر المشتري، أو يريد نفع البائع وضرر المشتري جميعًا.

ص: 950

طالب: بالنسبة -يا شيخ- عندما قلنا: إنه يبيع بمئة ويخلي فرقًا عشرين ريالًا علشان المماكسة، لو قلنا: إن السلعة أصلًا هي بثمانين -مثلًا- ولكنه من جاء يماكسه نزَّل له -مثلًا- خمسة أو عشرة، سبعين يعني، والذي لا يماكسه باعه بثمانين، فهل هذه تدخل في الصورة هذه؟

الشيخ: لا، إذا كان هذا هو الثمن المعتاد يعني؟

الطالب: المعتاد الثمن.

الشيخ: إذا كان هذا هو الثمن المعتاد بين الناس، لكن هذا الرجل إنسان صلب مماكس ونزَّل له لمماكسته دفعًا لأذاه، أو كان صديقًا له -مثلًا- وباع عليه بأنزل، هذا لا بأس به.

طالب: بعض التجار ينقلون بضاعة من منطقة إلى منطقة بعيدة، وإذا وصل المنطقة البعيدة يرفع السعر، ربما (

) يعني: الضعف، ويقول: هذه من أجل المسافة، هل هذا غبن؟

الشيخ: لكن هل قيمتها في البلد الثاني هي القيمة التي حددها أو أقل؟

الطالب: ربما لا توجد هذه في ..

الشيخ: يعني يكون محتكرًا؟

الطالب: نعم.

الشيخ: إذن ما يجوز.

الطالب: وإذا وقع هذا العقد؟

الشيخ: إذا وقع فله الخيار.

الطالب: لمن؟

الشيخ: للمشتري.

الطالب: المشتري لا يعرف ..

الشيخ: إذا علم.

الطالب: وإذا لم يعلم هل .. ؟

الشيخ: إذا لم يعلم فهذا آثم.

الطالب: هل يذهب إليه ويرجع عليه بالثمن؟

الشيخ: إذا علم.

الطالب: من؟

الشيخ: إذا علم المشتري بالغبن له الخيار.

الطالب: وإذا لم يعلم -يا شيخ- قال: هذا ..

الشيخ: (

) كيف يرده؟

الطالب: لا، بعض البائعين يتوب إلى الله عز وجل يقول: (

) أرد ..

الشيخ: طيب، إذا كان يريد أن يتوب يذهب إلى المشتري ويقول: يا أخي ترى أنا في الواقع احتكرت السلعة ورفعت قيمتها بأكثر مما تسوى؛ لأن هذا يحسب أجرة النقل ويحسب أجرة الكسب، لا بد له من شيئين.

ص: 951

لكن فيه مسألة ثانية قالها لي بعض الباعة غريبة، يقول: أنا أشتري ثيابًا، وليكن من جدة بعشرين ريالًا الثوب، ثم آتي به مثلًا إلى هنا في القصيم وأقول: بثمانين؛ لأني إذا قلت للمرأة: القيمة عشرين، قالت: هذا ما نبغي شيئًا؛ لأن المرأة عاقلة بعيونها، إذا قال لها: بعشرين، وهو قيمته عشرون حقيقةً، قالت: لا، هذا ما هو بزين، وإذا قال لها: بمئتين، قالت: هذا الثوب الطيب، يلَّا خذ. هل يجوز أن يفعل هذا أو لا؟

طالب: لا، ما يجوز.

الشيخ: يقول: ما يشترون مني.

طالب: ولو ما اشتروا.

طالب آخر: لا عبرة.

الشيخ: أيش تقول؟

طالب: أقول: لا يجوز.

الشيخ: لكن إذا قال: ما يُشترى مني، وأيش يسوي؟

طالب: يُشْتَرى بالحلال، لا يسوي الحرام.

الشيخ: طيب، ما نقول: قل لها: إنه عليَّ بعشرين، ولا أبيعه إلا بثمانين؟

طالب: ما أحد يشتري.

طالب آخر: نفس المسألة.

الشيخ: ما أحد يشتري.

طالب: يجيبه زين -يا شيخ- ويبيعه بثمانين.

الشيخ: لا هو (

) هو يدور المكسب، هو يمكن يكون ما عنده دراهم تتحمل الشيء الزين.

طالب: ما لا يدرك كله لا يترك كله.

الشيخ: ما هو على كل حال. المهم أن هذه يستعملونها بعض الناس، ولو قلنا لهم: هذا ما يجوز، قالوا: ما يُشْتَرى منا، وأيش نسوي؟ الأخ اقترح أنه يشتريه طيبًا بقيمة -مثلًا- مئتين ثلاث مئة، ثم يبيعه بالقيمة المرتفعة.

طالب: الواقع -يا شيخ- أن الباعة اللي يجلبون البضائع من جدة ويبيعونها هنا بسعر رخيص أن الناس يزدحمون عليهم حتى إلى الثانية ليلًا، أحيانًا بعد منتصف الليل وهم يفرغون من هذه البضايع ..

الشيخ: هذا هو المتوقع، لكن السؤال يرد عليَّ كثيرًا، يقولون: إذا فعلنا هذا، قالوا: هذا ما هو بزين ما نبغي.

الطالب: لا يبيعه، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]، فالرزق معلق بالتقوى.

الشيخ: على كل حال نقول: ما يجوز، نفتيهم بأنه ما يجوز.

ص: 952

وبزيادةِ الناجِشِ، والمستَرْسِلِ.

الرابعُ: (خيارُ التدليسِ) كتَسويدِ شَعْرِ الجاريةِ وتَجعيدِه، وَجَمْعِ ماءِ الرَّحَى وإرسالِه عندَ عَرْضِها.

الخامسُ: (خِيارُ الْعَيْبِ) وهو ما يَنْقُصُ قِيمةَ الْمَبيعِ كمَرَضِه وفَقْدِ عُضْوٍ أو سِنٍّ أو زِيادتِهما، وزِنَا الرقيقِ، وسَرِقَتِه وإباقِه وبَوْلِه في الفِراشِ، فإذا عَلِمَ الْمُشْتَرِي العَيْبَ بعدُ

بالخمس، ولكن ما ذهب إليه المؤلف أولى، أن يرجع في ذلك إلى العادة، فإذا قيل: من المُحَكَّم في العادة؟ هل كل أحد أو أصحاب الخبرة؟

طلبة: أصحاب الخبرة.

الشيخ: أصحاب الخبرة هم المحكمون في العادة، إذا قالوا: والله هذا غبن يخرج عن العادة، قلنا: يثبت الخيار، ولكن هل الخيار؛ أعني خيار الغبن، مقيد بشيء معين، أو متى حصل الغبن حصل الخيار؟

هذه المسألة فيها خلاف، أما المذهب فإن خيار الغبن مقيد أو مخصص بثلاث صور:

الصورة الأولى: تلقي الركبان؛ يعني: أن يخرج عن البلد ليتلقى الجالبين إليه فيشتري منهم، ومن المعلوم أن هذا المتلقي سوف يشتري بأقل من الثمن، أليس كذلك؟

طالب: بلى.

الشيخ: هذا هو، قال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم:«لَا تَلَقَّوُا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّى فَاشْتَرَى مِنْهُ -أي: من الجلب- فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ -وهو البائع- فَهُوَ بِالْخِيَارِ» (1)، هذا خيار غبن.

وقوله: «فَهُوَ بِالْخِيَارِ» إذا قال قائل: الحديث مطلق «فَهُوَ بِالْخِيَارِ» ، ولم يقل: إذا غُبِن؟

فالجواب: أنه يحمل على الغالب المعتاد؛ لأن الجالب إذا قَدِم للسوق، ولم يجد أنه غُبِن فإنه لن يختار الفسخ، إذ لا فائدة من الفسخ ثم البيع مرة أخرى، فيحمل أن قوله:«إِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ» يعني: إذا غُبِن، وإن كان ظاهر الحديث الخيار مطلقًا.

ص: 953

الصورة الثانية، قال:(بزيادة الناجش)، في هذا المتن قالوا:(بزيادة الناجش)، (الناجش) اسم فاعل من نَجَش يَنْجُش، وأصل النَّجْش الإثارة، إثارة الشيء؛ هذا نجشه، والناجِش: هو أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها، وإنما يريد الإضرار بالمشتري، أو نفع البائع، أو الأمرين جميعًا، تصورتم هذا؟

طلبة: نعم.

الشيخ: مثال ذلك: يُسام على هذه السلعة، فصار الناس يتزايدون فيها، وكان أحد هؤلاء يزيد في الثمن وهو لا يريد الشراء، ولكن من أجل منفعة البائع؛ لأنه صاحبه، وإلا هو لا يريد السلعة، أو أنه يريد إضرار المشتري؛ لأنه أيش؟ عدوه، أو يريد الأمرين جميعًا: نفع البائع؛ لأنه صاحبه والإضرار بالمشتري؛ لأنه عدوه، أو لا يريد شيئًا، وإنما يريد أن يقول الناس: فلان -ما شاء الله- يزيد في هذه السلعة الكبيرة؛ معناه أنه عنده فلوس وتاجر، ممكن ولّا غير ممكن؟

طلبة: ممكن.

الشيخ: ممكن، المهم، الضابط هو أن هذا الناجش يزيد وهو لا يريد الشراء، إنما يريد غرضًا آخر، فإذا غُبِن المشتري بسبب هذه الزيادة فإن له الخيار، لكن غُبِن غبنًا يخرج عن العادة، ويعني أن المشتري بعد أن بيعت عليه السلعة فكَّر، وإذا ثمنها زائد بسبب النجش، فهنا له الخيار.

والنَّجْش مُحَرَّم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم نهى عنه، قال:«لَا تَنَاجَشُوا» (2)؛ ولأنه يورث العداوة والبغضاء بين المسلمين؛ لأنه إذا عُلم أن هذا يَنجُش من أجل الإضرار بالمشترين كرهوه وأبغضوه، ثم عند الفسخ في الغبن ربما لا يرضى البائع بالفسخ، فيحصل بينه وبين المشتري عداوة، فلهذا نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن النجش، والحاصل: أن النجش حرام، وأن المنجوش إذا غُبِن غبنًا يخرج عن العادة فله الخيار.

الصورة الثالثة، قال:(والمسترسل)، المسترسل: هو المنقاد مع غيره، المطمئِن إلى قوله، هذا في اللغة.

ص: 954

المسترسل في اللغة: مسترسل مع فلان؛ يعني: انقاد معه، ووثق به، واطمئن إلى قوله، ولكنه في الاصطلاح: من جهل القيمة، ولم يُحْسِن المماكَسة، موجودة في الشرح:(من جهل القيمة، ولم يُحْسِن المماكَسة).

والمماكَسة: هي المحاطَّة في الثمن، وهي التي تُعرف عندنا بالمكاسرة (

)، فهذا الرجل مُسْتَرسل، أتى إلى صاحب الدكان قال: بكم هذه الحاجة؟ قال: هذه الحاجة بعشرة ريالات، وهو رجل يجهل القيمة، ولا يحسن أن يماكِس، فأخذها بعشرة، فلما عرضها على الناس، قال: اشتريتها بعشرة، قالوا: هذه بخمسة ريالات، قال: ما علمت، نسمي هذا مسترسلًا، له الخيار أو لا؟ له الخيار؛ لأنه إذا كانت قيمته خمسة واشتراها بعشرة، هذا غَبن يخرج عن العادة، فله الخيار.

فإن كان يعلم القيمة ويدري أن قيمتها خمسة، لكنه أخذها بعشرة تطييبًا لقلب البائع، كما يوجد بعض الناس مثلًا إذا رأى هذا الرجل الفقير عنده بسطة يسيرة صغيرة، قال: كم (

)؟ قال: بعشرة، ويعرف أنها بخمسة، فأخذها بعشرة، فهل يكون مسترسلًا.

طلبة: لا.

الشيخ: ليش؟

طالب: لأنه فقد شرطًا.

طالب آخر: عَلِمَ.

الشيخ: لأنه يعلم القيمة، وكذلك لو رأى مع صبي، رأى معه دجاجة تساوي عشرة، قال: كم يا بني هذه؟ قال: هذه يا عم بعشرين، وإنها تساوي عشرة، لكن جبرًا لقلب هذا الصبي وإدخالًا للسرور عليه قال: خذ، هذه عشرين، ثم بعدئذٍ ندم، قال: كيف آخذ بعشرين ما يساوي عشرة؟ فرجع إلى الصبي، وقال: يا بني غبنتني، هل له الخيار؟

طلبة: لا، ما له الخيار.

الشيخ: ليش؟

الطلبة: لأنه عالم بالقيمة.

الشيخ: لأنه يعلم القيمة، ودخل على بصيرة، فلا خيار له.

ص: 955

وقوله: (ولم يحسن المماكسة) ظاهره أنه إذا كان يحسن المماكسة فإنه لا خيار له ولو غُبِن؛ يعني: رجل يجهل قيمة الأشياء لكنه جيد في المماكسة، فأتى إلى صاحب الدكان، وقال له: كم قيمة هذا المسجِّل؟ قال: قيمته مئتا ريال، وصاحب الدكان وضع ورقة عليه صغيرة: القيمة مئتا ريال، الرجل هذا جيد في المماكسة، لكن ظن أن هذه قيمته في الأسواق، فأخذ المسجِّل ثم لما عرضه على إخوانه، قالوا: هذا يباع في السوق بثمانين ريالًا، كم غُبِن؟ مئة وعشرين، فرجع إلى الرجل، وقال له: هذا بثمانين ريالًا، هل له الخيار أو لا؟

طالب: المذهب لا.

الشيخ: على كلام المؤلف لا خيار له، لماذا؟

لأنه يحسن المماكسة، يقدر يحاطّه في الثمن حتى يصل إلى ثمانين، ولكن الصحيح أن له الخيار، لماذا؟

لجهله بالقيمة ولتغرير البائع له، فلا ينبغي إلا أن نعامل البائع بنقيض قصده، لمَّا غرَّه نعامله بنقيض قصده، ونقول: له الخيار.

إذا كان هذا الرجل يعرف البيع والشراء، ليش ما ماكسني؟

نقول: لا، هذا -جزاه الله خيرًا- وثِق بك، ولستَ أهلًا للثقة، والآن له الخيار.

ومن المناجشة -وهي أيضًا نوع من الاسترسال- أن يقول البائع للمشتري: أُعطيت في السلعة كذا -وهو يكذب- قال: أعطيت فيها مئتان، وهو كذاب، المشتري سوف يقول: إذا كانت سِيمَت بمئتين أنا أطلَّع السوق وأقول: مئتان وعشرة، وفعلًا اشتراها بمئتين وعشرة، وتبين أن قيمتها مئة وخمسون، له الخيار؟

طلبة: نعم.

الشيخ: نعم له الخيار؛ وذلك لأنه غُبن على وجه يشبه النجش.

ومن ذلك أيضًا إذا قال: اشتريتها بمئة، وهو كاذب، اشتراها بخمسين، لكنه قال: اشتريتها بمئة فأخذها المشتري بمئة وخمسة ليربح بذاك الخمسة ريالات، وتبين أنه اشتراها بخمسين، له الخيار؟

طالب: له الخيار.

الشيخ: نعم، له الخيار؛ لأن هذا من النجش؛ فإنه استثار المشتري حتى اشتراها بأكثر من ثمنها.

فإن قيل: ما حكم النجْش، وما حكم أن يفعل ما يَسترسل معه المشتري؟

ص: 956

الجواب: كله حرام؛ لأنه خلاف ما يجب أن يكون عليه المؤمن لأخيه، فقد قال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم:«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (3).

فإن قيل: يوجد بعض الباعة إذا سُئل عن قيمة السلعة، قال: قيمتها مئة، وهو يبيعها بثمانين، لكنه يخشى أن يكون المشتري ممن يماكسون، فقال: إنها بمئة، على تقدير أنه سيماكس حتى تنزل إلى ثمانين، فهل يجوز له ذلك؟

الجواب: فيه تفصيل؛ إن كان حين يطمئن المشتري ويأخذها بما قدَّره فهذا حرام؛ لأنه من الغِش. وإن كان إذا رأى المشتري عازمًا على الأخذ، قال له: اصبر يا أخي، أنا قلتُ لك: بمئة؛ لأن بعض الناس يماكسني ويضطرني إلى أن أنزِّل، ولكن قيمتَها الحقيقية ثمانون؛ فهذا جائز، وإن كان فيه شيء بالنسبة للبائع، لكن هو الذي جنى على نفسه؛ لأنه إذا قال: يا أخي القيمة ثمانون، لكني أنا قلت لك: بمئة خوفًا من المماكسة، فإن المشتري سوف لا يطمئن أيضًا إلى أن القيمة ثمانون، لكن نقول: أنت الذي جنيت على نفسك.

ولهذا تجد بعض المشترين إذا قال له البائع هذا الكلام يأنف ويستنكف ويذهب إلى غيره، لكن نقول: أنت الذي فعلت، قل: الثمن ثمانون ولا مماكسة، مثل ما يقول: كلام واحد، كلام واحد ما فيه؛ إن أخذ فهذا المطلوب، وإن لم يأخذ فالسلعة باقية.

يوجد بعض الناس إذا جاءه الرجل المحنك الجيد في المماكسة، على طول (

) بالثمن، وإذا جاءه الرجل الذي يكون سليم الصدر ولا يعرف، أو امرأة، أو فتًى شابّ لا يعرف الأمور زاد عليه في الثمن، ما الحكم؟ يجوز ولّا لا؟

طلبة: ما يجوز.

الشيخ: هذا حرام، لا يجوز أن يأخذ الناسَ بالغِرَّات، الإنسان الغَرير له ثمن، والإنسان الذكي الجيد له ثمن، هذا حرام، الواجب أن يكون مخلصًا ناصحًا للعباد؛ لأن هذا من الدِّين.

فتبين الآن أن الغبن له تعريف، وله محل، وله حكم.

تعريفه أيش؟ أن يُغبَن المشتري غبنًا يخرج عن العادة.

حكمه: حرام.

ص: 957

محله: ثلاثة، وإن شئتم صوره ثلاثة.

الأول: تلقي الركبان، والثاني: النجش، والثالث: الاسترسال.

فإن قال قائل: هل الغبن يكون للبائع أيضًا؟ بمعنى أن البائع يكون هو المغبون؟

طلبة: نعم.

الشيخ: (

).

طلبة: نعم يكون.

الشيخ: كيف يكون؟

طالب: بالثمن.

طالب آخر: يكون بأن يأتي مثلًا رجل يشتري سلعة، وهو يعرضها للبيع، فيقول: هذه في السوق لا تباع إلا بثمانين، وهي تباع في الحقيقة بمئة وخمسين، فيقول البائع: بعتك إياها بثمانين؛ ظنًّا منه أن هذا هو الحق، فهذا المغبون عندما يرى أنا السلعة تُباع أكثر من هذا.

طالب آخر: كذلك في الثمن أن يُعطى دراهم مغشوشة.

الشيخ: لا، هذا عيب، وسيأتي.

طالب: تلقي الركبان، أليس من هذه الصورة؟

الشيخ: ويش؟

الطالب: الراكب يأتي معه بضاعة يبيعها في السوق بثمن على أساس أنها بهذا الثمن، فإذا ..

الشيخ: الغبن لمن؟

الطالب: للبائع هذا.

طالب آخر: يا شيخ، الصحيح أنه لا يغبن، والصورة التي ذكرها الأخ تفريط من البائع؛ لأنه هو ما يعرف السوق.

الشيخ: نعم.

طالب: كأن يرتفع ثمن السلعة ولا يعلم البائع بذلك.

الشيخ: إي، هذه نفس اللي قالها الإخوان، فيأتي إنسان جيد ويشتريها، وهذه تقع كثيرًا، لا سيما فيما سبق من الزمان، مثلًا يأتي التاجر المعروف، يأتيه خبر بأن السُّكَّر ارتفعت قيمته، فيذهب إلى من عندهم السكر ويشتري كل ما عندهم بالقيمة الحاضرة، وهم لا يعلمون أن قيمته ارتفعت، فيكون غبنًا أو لا؟ غبن لا شك، هذا غبن، وهم لم يفرطوا في الواقع، البائع في الواقع لم يفرط في مثل الصورة التي ذكرت الآن؛ لأنه باع على أن هذه هي القيمة، وأن الأسعار مستقرة.

والحاصل أنه كما أن للمشتري الحق إذا غُبن في فسخ البيع، فللبائع الحق إذا غُبن في فسخ البيع، ولا فرق.

طالب: البائع إذا كان له سلع مختلفة، بعضها يبيعه بالجملة وبعضها ..

الشيخ: أَعِد.

ص: 958

الطالب: البائع له بضائع مختلفة، يبيع بعضها بالجملة؛ يعني: بسعر خاص، بويع أرخص من السعر الثاني، وإذا جاء الشارون؛ يعني إذا أتوا إليه (

).

الشيخ: الشارون أو المشترون؟

الطالب: المشترون.

الشيخ: نعم؛ لأن الشاري هو البائع.

الطالب: صحيح، يبيعه بسعر آخر أردأ من الإجمالي، هل هذا يمكن فيه الغبن؟

الشيخ: هل هذا يخرج عن العادة؟ هذه عادة الناس، يفرقون بين الجملة وبين المفرَّق.

طالب: إذا اشترى السلعة وكان يقول: بمئة وخمسين، قال: أنا أشتريها منك بمئة وخمسين، فإذا وجدتها في السوق بمئة فأرجع فلك السلعة.

الشيخ: فإذا؟

الطالب: إذا وجدتها في السوق بمئة أرد لك السلعة.

الشيخ: إذا وافق فلا بأس، وهذا من باب تحقيق الفسخ، لكن كما قلنا سابقًا: ينبغي أن يحدَّد، يقول: أنا بدوَّر في السوق إن وجدتها أرخص في خلال يوم أو يومين (

).

طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، كيف يضر الناجش البائع؟

الشيخ: أيش؟

الطالب: الناجش كيف يضر البائع؟

الشيخ: إي نعم، ما يتصور أن الناجش يضر البائع، يضر بالبائع؟ ! الناجش ينفع البائع، أو يضر المشتري، أو يريد نفع البائع وضرر المشتري جميعًا.

طالب: بالنسبة يا شيخ عندما قلنا: إنه يبيع بمئة ويخلي فرقًا عشرين ريالًا عشان المماكسة.

الشيخ: نعم.

الطالب: لو قلنا: إن السلعة أصلًا هي بثمانين مثلًا، ولكنه من جاء يماكسه نزَّل له بالخمسة أو عشرة؛ سبعين يعني، والذي لا يماكسه باعه بثمانين، فهل هذه تدخل في الصورة هذه أم ..

الشيخ: لا، إذا كان هذا بالثمن المعتاد يعني؟

الطالب: المعتاد الثمن هذا.

الشيخ: إذا كان هذا هو الثمن المعتاد بين الناس، لكن هذا الرجل إنسان صلب مماكس ونزَّل له للمماكسة فيه دفعًا لأذاه، أو كان صديقًا له مثلًا وباع عليه بأنزل؛ هذا لا بأس به.

ص: 959

طالب: بعض التجار ينقلون البضاعة من منطقة إلى منطقة بعيدة، وإذا وصل المنطقة البعيدة يرفع السعر، ربما (

)؛ يعني الضعف، ويقول: هذه من أجل المسافة، هل هذا غبن؟

الشيخ: لكن هل قيمتها في البلد الثاني هي القيمة التي حددها أو أقل؟

الطالب: ربما لا توجد هذه الـ ..

الشيخ: يعني يكون محتكرًا؟

الطالب: نعم.

الشيخ: إذن ما يجوز.

الطالب: وإذا وقع هذا العقد؟

الشيخ: إذا وقع فله الخيار.

الطالب: لمن؟

الشيخ: للمشتري.

الطالب: المشتري لا يعرف الحد (

).

الشيخ: إذا علم.

الطالب: وإذا لم يعلم هل يبقى ..

الشيخ: إذا لم يعلم هذا آثم.

الطالب: هل يذهب إليه ويرد عليه الثمن الزائد؟

الشيخ: إذا علم.

الطالب: من؟

الشيخ: إذا علم المشتري بالغبن له الخيار.

الطالب: وإذا لم يعلم يا شيخ؟ قال: هذا وقع.

الشيخ: (

).

الطالب: لا، بعض البائعين يتوب إلى الله عز وجل يقول: (

).

الشيخ: إذا كان يريد أن يتوب يذهب إلى المشتري، ويقول: يا أخ، ترى أنا في الواقع احتكرت السلعة ورفعت قيمتها بأكثر مما تسوى؛ لأن هذا يحسب أجرة النقل ويحسب أجرة الكسب، لا بد من شيئين.

لكن فيه مسألة ثانية قالها لي بعض الباعة غريبة، يقول: أنا أشتري ثيابًا -وليكن من جدة- بعشرين ريالًا الثوب، ثم آتي به -مثلًا إلى هنا في القصيم- وأقول: بثمانين؛ لأني إذا قلت للمرأة: القيمة عشرين، قالت: هذا ما نبغي الشين؛ لأن المرأة (

)، إذا قال لها: بعشرين فهو قيمته عشرون حقيقة، قالت: لا، هذا ما هو بزين، ولو قال لها: بمئتين، قالت: هذا الثوب الطيب، يلّا خذ. هل يجوز أن يفعل هذا أو لا؟

طالب: لا، ما يجوز.

الشيخ: ولا يشترى منك.

طالب: ولو ما اشترى.

الشيخ: إيش تقول؟

طالب: أقول: لا يجوز.

الشيخ: لا يجوز، لكن إذا قال: ما يشترى مني وأيش أسوي؟

طالب: لا يشترى.

طالب آخر: يشترى بالحلال.

طالب آخر: لا يسوي الحرام.

الشيخ: ما نقول له: قل لها: إنه عليَّ بعشرين ولا أبيعه إلا بثمانين؟

ص: 960

طلبة: لا، ما تشترى.

طالب: نفس المسألة.

طالب آخر: يجيب (

).

الشيخ: لا، (

) يدور المكسب، ويمكن يكون ما عنده دراهم تتحمل (

).

طالب: ما لا يدرك كله لا يترك كله.

الشيخ: (

) على كل حال، المهم أن هذه يستعملونها بعض الناس، ولو قلنا لهم: هذا ما يجوز، قالوا: ما يشترى منا، ويش نسوي؟ الأخ اقترح أنه يشتريه طيبًا بقيمة -مثلًا- مئتين، ثلاث مئة، ثم يبيعه بالقيمة المرتفعة.

طالب: الواقع يا شيخ أن الباعة اللي يجلبون البضائع من جدة ويبيعونها هنا بسعر رخيص أن الناس يزدحمون عليهم حتى إلى الثانية ليلًا أحيانًا بعد منتصف الليل، وهم يفرغون من هذه البضايع وكذا، والناس ..

الشيخ: هذا هو المتوقع، لكن السؤال يرد عليَّ كثيرًا، يقولون: إذا فعلنا هذا ترى هذا (

).

الطالب: إذن لا يبيعه {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]، فالرزق معلق التقوى.

الشيخ: يعني على كل حال نقول: ما يجوز؟ (

)

طالب: شيخ، لو (

) ثم اشترى منه؟

الشيخ: فله الخيار، لصاحبه الخيار؛ لأن هذا حق له، لكن هذا لا، قد نقول: إنه لا يعلم، وقد نقول بالإثم؛ لأنه ما دام اشترى منه قبل أن ينزل إلى السوق فهذا ممنوع.

طالب: هذا الرجل الذي جاء بالبضاعة مباعة (

).

الشيخ: ما كان يعلم.

الطالب: إي، وكانوا (

).

الشيخ: ويش اللي وقع له؟

طالب: تصدق بها.

طالب آخر: ويش السؤال؟

الشيخ: يتصدق بالزائد، يقول السؤال: إن هذا يشتري بعشرين ويبيع بثمانين ويقول: ما دريت أن هذا لا يجوز؟ هو على كل حال إذا كان هذا سعره في سوق البلد فلا عليه شيء، لكن أحيانًا يحتكر ما فيه أحد يورد إلا ..

طالب: يا شيخ، هذا ما ذكره البائع ليس قاعدة مضطردة.

الشيخ: اللي هو؟

الطالب: يعني أنه لا يُشترى منه إلا بثمانين؛ لأنه يوجد من الناس من هو فقير ومسكين ومتوسط الحال.

الشيخ: إي، لكن أنا قلت لك: النساء ما (

).

ص: 961

الطالب: (

).

الشيخ: هو الغالب هذا في النساء، لكن الرجال الظاهر أنه ما يجد (

)، لا بد يُشترى.

طالب: إذا علم يا شيخ البائع أن المشتري سوف يضطر إلى شراء سلعة حتى لو كانت غالية، فقال له: هذه بعشرين ولن أبيعها (

)، يعلم أن المشتري سوف يغبنه.

الشيخ: الإمام أحمد كره ذلك، كرهه، وهو جدير بأن يُكره؛ لأن قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (3)، إذن مثل هذا ما يجوز، يتحين ضرورته، ويقول: ما أبيع عليك إلا بكذا.

طالب: يا شيخ، المسألة التي ذكرها أليست من باب الغبن؟

الشيخ: إذا ظهر أنه باع فله الخيار، لكن يسأل هل يجوز أو لا؟

الطالب: يعلم يا شيخ.

الشيخ: من اللي يعلم؟

الطالب: يقول: هذه بعشرين ولن أبيعها إلا بأزيد.

الشيخ: إي، خلاص ما فيها غبن.

الطالب: بدون (

).

الشيخ: لا، ما فيها غبن، لكن ما يجوز أن هذا يتحين ضرورته.

طالب: شيخ، بالنسبة فيه بعض المحلات معروفة بأنها محلات غالية، ولا يأتيها إلا الأثرياء، فقد تكون السلعة عندهم بخمسين وفي المحلات الأخرى بعشرة ريالات، ألا نقول: إنه يجوز لهم أن يبيعوها؛ لأنه معروف الطبقة التي تأتي إلى هذه المحلات لم تأتِ ..

الشيخ: (

)، إذا كان يفرق بين أهل البلد وعارف أن هذه محلات كبيرة وأجورها كبيرة وخدمها اللي فيها (

) ويحتاج إلى ربح بيِّن (

)، وإلا صحيح ربما تجد السلعة عند صاحب الدكان مثلًا بمئتين، تجدها مرصوصة مع البساطين ..

طلبة: بخمسين ريالا أو عشرين.

الشيخ: إي نعم، بعشرين ريالًا، ولهذا صار التجار يتسلطون على أصحاب (

) يمنعونهم؛ لأنهم يفسدون عليهم.

طالب: شيخ، قلنا: إن الناجش هو الذي يريد زيادة سلعة مع مضرة الـ ..

الشيخ: لا، قلنا: الناجش من يزيد في السلعة وهو لا يريد الشراء.

ص: 962

الطالب: هو لا يريد الشراء، وقد يترتب عليه مضرة المشتري، إذا كان له غرض صحيح كأن يزيد في سلعة هي مِن منافع المسلمين، تدخل مالها المبيع به الثمن ..

الشيخ: ما يجوز، حتى ولو كان كذلك.

الطالب: ولو كان لأجل رفع قيمتها في السوق.

الشيخ: إي، ولو كان لذلك؛ لأنه ما (

) حق خاص؛ يعني بعض الناس يقول مثلًا: هذه الأموال تصرف في الإغاثة مثلًا أو في تسليح المجاهدين أو ما أشبه ذلك، يقول: أنا أزود لأجل تكون زيادة لهؤلاء، هذا حرام ما يجوز، إذا عرضت تباع بما عليه (

).

لكن فيه مسألة: لو كان هو لا يريد الشراء في الأصل، لكنه رأى أن الثمن الذي بذل فيها قليل، أن الثمن قليل، فصار يزوِّد وهو في الأصل ما يريدها، لكن صار يزود بناء على أن الثمن قليل، وأنها سوف تُرَبِّحه، حتى ارتفع الثمن ثم تركها، هل هذا جائز؟

طلبة: لا.

الشيخ: هذا جائز؛ لأن الإنسان غرضه إما أن يكون في نفس السلعة وإما أن يكون بربحها، فهو يقول: أنا زودت فيها ما دمت أعتقد أنني سوف أربح، فإذا ارتفعت قيمتها تركتها. نقول: لك ذلك.

طالب: إذا كان إنسان ما يعرف قيمة السلعة، وهو لا يعرف المماكسة، وبضاعته ستؤخذ بدون قيمتها، الإنسان اللي يرفعها يرفعها ما يريد شراءها حتى تصل قيمتها ..

الشيخ: أيش لون؟

الطالب: يعني: إنسان غر، ما يعرف ..

الشيخ: البائع يعني؟

الطالب: إي، البائع.

الشيخ: إي نعم.

الطالب: مثل بضاعة تسوى مئة ريال وقد تؤخذ بخمسين ريالًا (

) سأله حتى يستفيد رأيه، ويش لون (

الشيخ: ويش تقولون في هذا؟ ينطبق عليه النجش ولّا لا؟

طلبة: لا.

طالب: ينطبق النجش.

الشيخ: ينطبق.

طالب: ظاهرًا يا شيخ.

الشيخ: ينطبق عليه النجش؛ لأن هذا أراد بزيادة الثمن ..

طالب: لكن لمصلحة ..

الشيخ: لمصلحة البائع.

طالب: ولو كان (

).

الشيخ: ما يخالف (

) لا يبيعها البائع، إلا إذا وافقت على الخمسين، وقال: السعر خمسون، (

).

طالب: نفس المسألة التي ذكرناها قبل قليل.

ص: 963

الشيخ: وهي؟

الطالب: (

) أنه إذا كان الثوب أقل من القيمة، فيرفع الثوب (

).

الشيخ: لا، ما هي، اللي ذكرنا هو نفسه ما يريده، لكن يريد أن يشتريها ليربح فيها، فكان يزيد، لَمَّا وصلت إلى الثمن الذي يرده وما فيه ربح تركها، عرفت؟

طالب: إي نعم.

الشيخ: هذا ما يجوز؛ لأنه الآن ينفع البائع على حساب؟

طالب: المشتري.

الشيخ: المشتري، لكن إن قلنا: إذا باعها بخمسين وهي تسوى مئة (

) لعلك تعطيه مع الثمن خمسين ريالًا.

طالب: جزاك الله خيرًا (

).

***

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ما هي الحكمة من إثبات خيار المجلس للمتبايعين؟

طالب: أن الإنسان قد يتصرف التصرف الأول ثم يجبره فيما بعد (

).

الشيخ: الحكمة أن الإنسان يعطى مهلة حتى يتروَّى في العقد فيمضيه أو لا؛ لأن الإنسان أول وهلة يرغب في الشيء، ثم تزول رغبته، فجعل الشارع له أمدًا إلى التفرق.

هل يعتبر هذا من محاسن الشريعة؟

طالب: نعم، من محاسن الشريعة، حيث أعطت البائع والمشتري أيضًا ..

الشيخ: البائع والمشتري، أعطت كل واحد منهما فرصة في الرجوع عن العقد.

تبايعا على أن لا خيار بينهما؟

طالب: تم البيع عند العقد.

الشيخ: تم؟

الطالب: نعم، إذا تفرقا.

الشيخ: تبايعا على أن لا خيار بينهما؟

الطالب: نعم، تم البيع.

الشيخ: إذا تفرقا؟

الطالب: سواء تفرقا أو لم يتفرقا.

الشيخ: يعني يلزم بمجرد؟

الطالب: العقد.

الشيخ: العقد، عندك دليل على هذا؟

الطالب: نعم.

الشيخ: ما هو؟

الطالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَإِذَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» (4).

ص: 964

الشيخ: أحسنت، هل هناك دليل على ثبوت خيار الشرط؟

طالب: يُستدل له من قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر:«أَوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ» ، فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم إلغاء خيار المجلس، وهذا فيه تنقيص للمدة، والزيادة مثل النقصان إن لم تتناول (

).

الشيخ: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} يشمل الشروط المباحة فيها؛ لأن الشروط في العقود من أوصاف العقود، فتدخل ضمن قوله:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} .

الملك مدة الخيارين لمن؟

طالب: (

).

الشيخ: كلام المؤلف قبل كل شيء.

الطالب: كلام المؤلف أنه (

).

الشيخ: الملك مدة الخيارين؟

الطالب: نعم.

الشيخ: للمشتري؟

الطالب: إي.

الشيخ: سواء الثمن أو المثمن؟

الطالب: إي نعم.

الشيخ: حتى ملك الثمن للمشتري؟

الطالب: لا، ملك الثمن للبائع، ولكن (

).

الشيخ: نعم، وملك الثمن المعين؟

الطالب: للبائع.

الشيخ: للبائع، الدليل؟

الطالب: لأنه لو تلف عنده ..

الشيخ: الدليل، ما هو التعليل.

الطالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» (5)، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم (

).

الشيخ: لما جعل ماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع علم أن العبد انتقل للمشتري، واضح يا جماعة؟ واضح الدليل؟

طلبة: واضح.

طالب: أقول: ما دام أنه جعل المبيع طبقًا للمشتري (

).

الشيخ: ما دام جعل المال للبائع عُلم أن العبد لمن؟

طالب: للمشتري، وبالتالي صار الثمن ملكًا أيضًا للبائع.

الشيخ: نعم.

رجل اشترى بيتًا وشرط الخيار لمدة عشرة أيام، يجوز؟

طالب: إي نعم.

طالب: ابتداؤه (

).

الشيخ: من العقد.

الطالب: من العقد لا يجوز، (

)، إلا مدة تلي العقد.

الشيخ: اشترى بيتًا وشرط الخيار لنفسه عشرة أيام؟

الطالب: إي، صح.

الشيخ: ابتداؤه منين؟

الطالب: ابتداؤه من العقد.

ص: 965

الشيخ: من العقد.

هل يجوز أن يتصرف المشتري في هذه المدة في المبيع؟

الطالب: نعم، يتصرف على الصحيح.

الشيخ: وعلى غير الصحيح؟

الطالب: على غير الصحيح على مدة (

).

الشيخ: هل يتصرف أو لا؟

الطالب: لا يتصرف.

الشيخ: لا يتصرف.

الطالب: وعلى الصحيح يتصرف، وعليه أجر المثل، إذا تصرف فعليه أجر المثل.

الشيخ: ما عندنا أجر، كيف أجر؟ في الإجارة هذا، ما تقوله في الإجارة، لكن هذا بيع، باع عليه هذا البيت واشترط الخيار لمدة عشرة أيام.

الطالب: نعم، يتصرف (

).

الشيخ: يتصرف؟

الطالب: نعم، يتصرف.

الشيخ: تصرف، هل يبطل خياره؟

الطالب: يبطل خيار المشتري، لا خيار البائع.

الشيخ: البائع ما له خيار أصلًا.

الطالب: قصدي تم البيع.

الشيخ: تم البيع، قال المؤلف:(تصرف المشتري)؟

الطالب: (فسخ لخياره).

الشيخ: الثالث من أقسام الخيار ما هو؟

طالب: خيار الغبن.

الشيخ: خيار الغبن؟ ما هو الغبن؟

الطالب: أن يبيع السلعة على من يجهلها.

الشيخ: لا، الغبن ما هو أصلًا؟ ويش الغبن؟ إذا قال: فلان غبنني. ويش معناه؟

الطالب: خدعني.

الشيخ: خدعني، ما تقولون في هذا؟

طالب: الغلبة.

الشيخ: الغلبة؛ يعني: غلبني فلان.

هل يثبت خيار الغبن في كل شيء أو في أشياء معينة؟

طالب: يثبت في كل شيء إلا في ثلاث حالات: في تلقي الركبان، وزيادة الناجش، والمسترسل.

الشيخ: صح.

طلبة: العكس يا شيخ.

الشيخ: كيف؟

طالب: يقول: يثبت إلا في ثلاث حالات.

الشيخ: لا، يثبت في ثلاث حالات.

طالب: قال: إلا.

الشيخ: يقول: لا يثبت إلا.

طالب: إي نعم.

الشيخ: طيب، لا يثبت إلا في ثلاث حالات.

طالب: لا، قال: يثبت إلا في ثلاث حالات.

الشيخ: يثبت إلا؟

الطالب: هو قالها هكذا.

الشيخ: إي، أنا انشغلت في الورقة اللي جاتني، المهم، الصواب الآن: يثبت في ثلاث صور: تلقي الركبان، والنجش، والمسترسل، والصحيح العموم.

هذا يقول: مهم جدًّا. والصواب مهم ولّا هام؟

طالب: هام.

ص: 966

الشيخ: هام جدًّا، الفرق بينهما: المهم الذي يُلحِق الإنسان الهم، والهام الذي هو هام في نفسه، هذا الفرق، وكثير من المعبرين لا يعرفون هذا الفرق، يجعلون (هام) بدل (مهم) و (مهم) بدل (هام).

***

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

يقول رحمه الله: (الرَّابِعُ: خِيَارُ التَّدْلِيْسِ).

(التدليس) مأخوذ من الدُّلسة وهي الظلمة، ومعناه: خيار الإخفاء؛ لأن الذي يُخفي الشيء مدلِّس.

خيار التدليس ضابطه: أن يُظهر البائعُ السلعة بمظهر مرغوب وهي خالية منه، هذا سببه، فالتدليس إذن: أن يظهر البائع السلعة بمظهر مرغوب وهي خالية منه، هذا التدليس، ومعلوم أنه إذا أظهرها بمظهر طيب مرغوب سوف يزيد ثمنُها، أليس كذلك؟

ومنه فعل الصحابي -عفا الله عنه- حين وضع التمر السليم فوق التمر الذي أصابته السماء (6)، فإن هذا تدليس، ومنه أن يكون عند الإنسان بيت قديم فيُلَيِّسُه حتى يُظهره وكأنه جديد، ومنه أن يكون عنده سيارة مخدَّشة، فيضربها صبغًا حتى يظن الظانُّ أنه ليس فيها شيء، المهم أن التدليس: أن يُظهر الشيء بمظهر مرغوب وهو خالٍ منه.

مثاله -المؤلف رحمه الله وضَّحه بالمثال-: (كتسويد شعر الجارية) يعني: عند بيعها، عنده جارية يريد أن يبيعها، وشعرها أبيض؛ إما لآفة أو كِبَر، فيسوِّده؛ ليظن الظان أنها شابة صغيرة، هذا حرام، وفيه الخيار كما سيأتي.

(وتجعيده)، تجعيد أيش؟ شعر الجارية، (وتجعيده) معناه: أن يدهنه بدهن يجعله متجعدًا؛ يعني متعكرشًا؛ يعني كـ ..

طالب: مموج يا شيخ.

الشيخ: كما يكون في جبال الرمل، النِّفْت.

طالب: مموج.

الشيخ: مموج؟

الطالب: نعم.

ص: 967

الشيخ: يمكن هذا أقرب شيء؛ لأنه إذا ظهر مجعدًا دلَّ ذلك على أنه قوي، وضده السَّبِط اللَّين الذي لا يكون له تجعيد، فأيهما أرغب عند الناس الأول أو الثاني؟ الأول أرغب عند الناس، إذا كان الشعر قويًّا متجعدًا فهو أرغب من أن يكون لينًا سهلًا مسترسلًا، هذا الرجل لما أراد أن يبيع الجارية جعَّد رأسها من أجل أن يزيد الثمن، فنقول: هذا حرام لا يجوز؛ لأنه غش.

(وجَمْعِ ماء الرَّحَى وإرسالِه عند عَرْضِها)، هذا شيئان، لكنهما شيء واحد في الواقع، يجمع ماء الرحى ثم يرسله عند عرضها للبيع، الرحى كيف يكون لها ماء؟

فيه أَرْحِيَة تدور على حسب جريان الماء، فيجعل صاحبُ الرحى سدًّا ينحبس به الماء، فإذا أراد بيعها فتح هذا السد، ثم اندفع الماء بشدة وسرعة، فتدور الرحى دورانًا سريعًا، فيظن المشتري أن هذا هو وصفها، وأنها جيدة، وأن الماء يندفع بسرعة، فيزيد الثمن، هذا أيضًا من التدليس؛ لأنه أظهر المبيع بمظهر مرغوب فيه، وهو خالٍ منه.

فإذا قال قائل: كيف يكون للرحى ماء وهي ستطحن الدقيق؟ وهذا يقتضي أن يكون الدقيق عجينًا؟

نقول: لا، يُجعل عجلة -يعني: بكرة لها رِيَشٌ- يضرب بها الماء فتدور، ثم في هذه البكرة سَيْر متصل بالرحى البعيدة عن الماء، وهذا السير هو الذي يُدير الرحى البعيدة، ويشبه من بعض الوجوه جنزير السيكل، تعرفونه؟

طالب: إي نعم.

الشيخ: إي نعم، يكون الذي يدير هذا بعيدًا عن الرحى، فيظن الظان أن هذا هو ماؤها، وأن هذه قوتها فيزيد في ثمنها.

إذن جمع الرحى وحده ولّا جمعه وإرساله؟

طلبة: جمعه وإرساله.

الشيخ: نعم، جمعه وإرساله عند عرضها.

ص: 968

اقتصار المؤلف رحمه الله على هذه الأمثلة الثلاثة: تسويد شعر الجارية، تجعيده، جمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها، لا يعني أنه لا يثبت إلا في هذا، بل هذه أمثلة، والضابط ما ذكرناه لكم: وهو إظهار المبيع بصفة مرغوب فيها وهو خالٍ منها، من ذلك: تصرية اللبن في ضرع بهيمة الأنعام، تصرية؛ يعني: جمع اللبن في ضرع البهيمة، وهو مُحَرَّم، قال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم:«لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ» (7)، فيربط ضرع البهيمة، ويجتمع اللبن في الضرع، فإذا جلبها في السوق ورآها المشتري ظن أن هذا عادتها، وأن لبنها كثير، فيزيد في ثمنها، إذا وقع هذا من البائع -أعني التدليس- فماذا يصنع؟

نقول: أما التصرية فإن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم حكم فيها بحكم الله عز وجل قال: «وَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ -أي: بعد التصرية- فَهُوَ بِالْخِيَارِ؛ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» ، وفي رواية:«هُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» (8)؛ يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل له الخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسك وإن شاء رَدَّ، وجعل له الثلاثة؛ لأجل أن يستقر اللبن؛ لأنه ربما يستقر على هذه الكثرة، فإن شاء أمسكها، وإن شاء ردها ورد معها صاعًا من تمر، إن شاء أمسكها، وربما يمسكها ولو كان لبنها قليلًا؛ لأنه يريد عين هذه البهيمة أو يمكن يرتفع السعر في أثناء هذه المدة، فيختارها ولو كان لبنها قليلًا، لكن إذا قال: أنا أريد أن أردها. نقول: لا بأس، رُدَّها ورُدَّ معها صاعًا من تمر.

وحينئذٍ يرد إشكال:

أولًا: كيف أمر النبي صلى الله عليه وسلم أو حكم بأن يُرد معها صاع من تمر، والإشكال هنا: هذا الصاع من التمر هل هو عوض عن اللبن الحادث بعد العقد، أو هو عوض عن اللبن الموجود حين العقد؟

طلبة: الثاني.

ص: 969

الشيخ: الثاني، هذا الصاع عوض عن اللبن الموجود حين العقد؛ لأن اللبن الموجود حين العقد مُلك لمن؟ للبائع، أما ما حدث بعد العقد فهو ملك للمشتري، وقد سبق أن نماء المبيع لمن؟ للمشتري، له نماؤه المنفصل.

ثانيًا: لماذا قدره بصاع، وهو قد يساوي أكثر من صاع، وقد يساوي أقل؟

نقول: قدره النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بصاع قطعًا للنزاع؛ لأنه ربما يتنازع المشتري والبائع، فيقول البائع: اللبن فيها كثير، والمشتري يقول: فيها اللبن قليل، فقطعًا للنزاع قدره النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وقوَّمه للأمة إلى يوم القيامة قطعًا للنزاع.

ثالثًا: لماذا لم يقل: صاعًا من طعام، وجعله كالفطرة؛ من البُر، من الشعير، من الأقِط، من الزبيب، بل قال: صاعًا من تمر؟

نقول: لأن التمر أقرب ما يكون إلى اللبن، ففي اللبن حلاوة، وفي اللبن غذاء، والتمر كذلك، فهو أقرب ما يكون شبهًا بالتمر، لو أنك أردت أن تشبه بين اللبن والخبز لوجدت الفرق أكثر، لكن اللبن والتمر متقارب، وكله يؤكل طريًّا بدون كلفة وبدون طبخ؛ يعني يؤكل ويشرب.

رابعًا: لو أراد المشتري أن يرد اللبن الذي حَلَبه، وقال للبائع: أنا حلبتُ صاعًا من اللبن أو نصف صاع من اللبن، وهو موجود الآن أرده عليك بعينه. فهل نقول: إنه يجب على البائع أن يقبله؛ لأنه رد عليه عين ملكه، أو نقول: إن الشرع ورد بتقديره من التمر، فلا نعدل عما جاء به الشرع؟

طالب: الثاني.

طالب آخر: الأول.

الشيخ: اختلفتم كما اختلف العلماء من قبلكم، بعض العلماء يقول: إذا رده بحاله لزم البائع أن يقبل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذا عوضًا عنه؛ لأنه في الغالب أن المشتري إذا حلبه استهلكه؛ هذا الغالب.

وبعض العلماء يقول: إنه لا يُجبَر على قبول اللبن؛ لأنه باع اللبن متصلًا بالبهيمة، وفصَله المشتري، فكان عُرضة للحموضة والفساد، والتمر جنسٌ عيَّنه الرسول عليه الصلاة والسلام فلا نتعداه.

ص: 970

وعندي أن هذا أقرب إلى الصواب، لو لم يكن فيه إلا اتباع السنة لكان كافيًا، فيقال للمشتري إذا أراد أن يرد اللبن نقول: لا، رد صاعًا من تمر، كما أن البائع لو قال: أعطني الحليب الذي حلبته، وهو عندك الآن لَمْ تشربه ولم تتصرف فيه، أعطني الحليب، وقال المشتري: أبدًا، أعطيك صاعًا من التمر، أيهما يُقبل؟ يُقبل الصاع ولّا المشتري؟

طلبة: الصاع.

الشيخ: لا يا أخي، يُقبل المشتري أن يرد الصاع، الصاع ما هو بيُقبل ولا يُرد، اللي يُقبل صاحبه، أنا قصدي بهذا تحديد عبارتكم، إذن يُقبل من قال: أرد الصاع؛ لأن البائع ربما يقول للمشتري: أعطني اللبن الذي حلبت، وهو عندك الآن، واللبن يساوي ثلاثة آصع من التمر. فيقول المشتري: لا أعطيك إلا ما قدره النبي صلى الله عليه وسلم.

إذن كل من طلب ما قدَّره الرسول صلى الله عليه وسلم وعيَّنه فهو .. أتموا.

طالب: فهو الأولى.

الشيخ: فهو المقبول، هو الذي يُقبل.

إذا كان اللبن لا قيمة له شرعًا، كما لو اشترى حمارة مُصَرَّاة، هل يرد صاعًا من تمر؟

طلبة: لا.

الشيخ: إذا قال المشتري: أنا عندي أتان صغيرة، واللبن هذا ما له قيمة بالنسبة للآدمي؛ لأنه حرام، لكن بالنسبة للأتان الصغيرة له قيمة ولّا ما له قيمة؟ له قيمة، فيقال: إن هذا ليس له قيمة شرعًا فليس له عوض، لكن لك الرد، ما دام قد دُلِّس عليك واشتريت حمارة مُصَرّاة فلك الرد.

فيما إذا دُلس عليه بغير التصرية؛ يعني: سُوِّد شعر الجارية، وأراد الرد، فهل نقول: لو اختار الإبقاء -الإمساك- مع الأرش هل له ذلك؟ لو قال المشتري: أنا أريد الجارية، لكن أريد الفرق بين قيمتها شابةً وقيمتها عجوزًا؟

نقول: لا، إما أن تردها، وإما أن تمسكها بدون أرش. (

)

***

طالب: قلنا فيمن اشترى أتانًا وكانت مصراة: إن له الرد، أما الذي يشتري الإبل والغنم فواضح أن له الرد؛ لأن كثرة اللبن في الضرع مقصودة، لكن كيف يكون لهذا الرد مع أن اللبن في الأتان لا يجوز؟

ص: 971

الشيخ: أنسيت أم غفلت؟

الطالب: لا، ما غفلت.

الشيخ: ولّا نسيت؟

الطالب: ولّا نسيت.

الشيخ: ويش قلنا يا جماعة؟ قلنا: يمكن عندها أولاد؛ جحوش صغيرات.

الطالب: (

) الأتان الصغيرة، قلنا: يأخذ هذه الأتان، لكن اللبن عادي، في الإبل والغنم إنما يشتريه الإنسان ليشربه لا ليعطيه الأتان أو ..

الشيخ: حتى الحمير، ما اشتراه ليشربه، معروفة.

طالب: ما ترضعه يا شيخ، إن صار لها ولد ما ترضعه.

الشيخ: أصبت لو كانت بعيرًا، أما أنت فلست من أهل الحمير، تَشْرَبْ.

طالب: (

) فليس له الأرش.

الشيخ: نعم.

الطالب: أليس هذا يفتح باب التدليس (

)؛ لأنه يقول: أنا سوف أدلس، فإن اكتشفت فسوف ترد عليَّ بالأرش، (

).

الشيخ: هل التدليس معصية أو لا؟

الطالب: نعم.

الشيخ: معصية؟

الطالب: نعم.

الشيخ: يقول العلماء: التعزير واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، يرفع الأمر إلى القضاء ويعزر.

الطالب: (

) بالأرش أو بالرد أو بالإنظار.

الشيخ: هو على كل حال لو قيل بأن فوات الصفة المطلوبة كوجود العيب، لو قيل بهذا، لكن الفقهاء يقولون: لا، ما فيه أرش.

طالب: شيخ، لو (

).

الشيخ: يقول: لو أنه سلط أنوارًا قوية على الملابس والأجهزة اللي في الدكان، فظنها الإنسان مثلًا ..

طالب: جديدة.

الشيخ: لا، جديدة أو عتيقة ما هي مشكلة.

طالب: جميلة.

الشيخ: لكن ظنها أجمل مما لو كانت الأنوار خفية، ما تقول؟ لو أكثر الفُرَج في الدكان -الفرج: الإضاءة- هل يكون تدليسًا؟

طالب: لا.

الشيخ: وهذه؟

الطالب: وهذا الرجل إذا فهم هذا مثل (

).

الشيخ: لا، ما أظن هذا تدليسًا؛ لأن هذا لا يعود إلى نفس السلعة، السلعة ما غُيرت.

طالب: (

).

الشيخ: بعد أن يحلبها.

الطالب: إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعًا من تمر.

الشيخ: صح.

الطالب: (

).

الشيخ: قبل حلبها؟ ويش يدريه أن التصرية قبل الحلب؟ ما يعلم التصرية إلا بعد حلبها.

ص: 972

طالب: لو اشترى شيئًا مصراة، بقرًا سواء أو إبلًا، ثم أراد أن يرجع لما تبين أنه ليس كما ظنه بالأول، وليس معه التمر، في بعض البلاد ما يوجد تمر.

الشيخ: صحيح، ماذا تقولون في هذا؟ يقول: في بعض البلاد ما فيه التمر؟

طالب: القيمة يا شيخ.

الشيخ: كيف؟ التمر ما له قيمة، ما فيه تمر، هل عندهم تين؟

طالب: لا، ما عندهم.

الشيخ: ويش أقرب شيء للتمر عندهم؟

الطالب: يعني قد يوجد بالسوق تمر ولكنه أغلى يا شيخ؛ لأنه لكثرة الندرة يكون ..

الشيخ: الحديث «صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» (7)، ولو كان بألف ريال، هو على كل حال، إذا رأى أن قيمة صاع التمر أكثر من قيمة البهيمة ما (

)، خليها.

طالب: (

) العنب.

الشيخ: نعم.

طالب: الزبيب يا شيخ.

الشيخ: عندكم عنب؟

طالب: لا، الطعام اللي على الحبوب، اللي على الذرة (

)، الحبوب وغيرها.

الشيخ: الجواب الصحيح أنه إذا فُقِد التمر فما يقوم مقامه يجزئ عنه (

).

إظهار السلعة بوصف مرغوب وهي خالية منه، مثاله؟

طالب: مثاله تسويد شعر الجارية، وتصرية ..

الشيخ: حتى تظهر وكأنها؟

الطالب: وكأنها شابة.

الشيخ: نعم، ما معنى قول المؤلف:(وجَمْعِ ماء الرَّحَى وإرسالِه عند عَرْضِها)؟

طالب: أن تكون الرحى تدور ببكرة، تدور هذه البكرة عن طريق الماء، فيجمع الماء ويحبسه، فإذا أراد أن يبيعها يطلق الماء دفعة واحدة؛ فتضخ وكأنها تدور سريعة (

)، فيظن المشتري أن هذا دورانها الطبيعي.

الشيخ: نعم، إذن (جَمْع ماء الرَّحَى وإرساله) ليس مسألتين.

الطالب: نعم، نفس المسألة.

الشيخ: بل هي مسألة واحدة.

هل التدليس حرام؟

طالب: نعم، التدليس حرام.

الشيخ: الدليل؟

الطالب: لقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» (9).

الشيخ: أحسنت، إذن هو من الكبائر؛ لأنه رُتب عليه عقوبة، بارك الله فيك.

عَلم بالتدليس فماذا يصنع؟

طالب: إذا علم بالتدليس فهو مخيَّر -على المذهب- مخير بين الإمساك مع الأرش وبين الردِّ.

ص: 973

الشيخ: بين الإمساك مع الأرش -على المذهب- أو الرد.

الطالب: في غير التصرية.

الشيخ: في غير التصرية، الظاهر أنه فيه من يخالف، توافقون على هذا: أنه يمسك مع الأرش أو يرد إلا في التصرية؟

طالب: الإمساك صحيح بلا أرش.

الشيخ: كيف؟

الطالب: إما أن يمسك بلا أرش أو يَرُدَّ.

الشيخ: تمام، هذا هو الصحيح، هذا المذهب: يمسك بلا أرش وإلا يرُدَّ، إلا في مسألة واحدة، ما هي؟

طالب: التصرية.

الشيخ: التصرية؛ فإنه يردها؟

الطالب: إن انتفع باللبن يردها وصاعًا من تمر.

الشيخ: نعم، وهل خيار التدليس على التراخي أو على الفور أو مقيد بمدة؟

طالب: في التصرية مقيد بثلاثة أيام.

الشيخ: أحسنت.

الطالب: وفي غير التصرية.

الشيخ: في التصرية يقيد بثلاثة أيام بعد الحلب، وغير التصرية؟

الطالب: على التراخي.

الشيخ: يرى بعض العلماء أنه إذا تبين التدليس فله الإمساك مع الأرش.

طالب: نعم يرى هذا بعض العلماء.

الشيخ: يرى هذا؟

الطالب: إي نعم.

الشيخ: وجهه؟

الطالب: وجهه يقول: ما دام أنها ما تساوي هذه السلعة ما تساوي هذه القيمة فهو بالخيار؛ لأنه هو المخطئ.

الشيخ: اشتراها على أنها موصوفة بهذه الصفة، وتبين أنها خالية منها، فهو كالعيب، ولكن ظاهر حديث المصراة أنه؟

طالب: ظاهر حديث المصراة أنه ليس له أرش.

الشيخ: ليس له أرش؛ لأنه قال: «إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا» (7)، ولم يقل: أمسكها بأرش. نعم، وهذا هو المذهب: أنه لا أرش له، يقال: إما أن تقبل على ما هي عليه وإما أن ترد، والمسألة فيها خلاف في غير المصراة، أما المصراة فالحديث ظاهر أنه ليس له أرش.

***

قال المؤلف رحمه الله: (الخَامِسُ) يعني: من أقسام الخيار.

(الخَامِس: خِيَارُ العَيْبِ).

(خيار) مضاف، و (العيب) مضاف إليه، وهو من باب إضافة الشيء إلى سببه؛ يعني: الخيار الذي سببه العيب.

ص: 974

والعيب ضد السلامة، فيقال: هذا مَعيب، وهذا سليم، يُقال في البهيمة التي لا تجزئ في الأضحية يقال: هذا عيب، والسالمة يقال: سليمة، فالعيب ضد السلامة، والمعيب ضد السليم.

لكنه هنا يقول المؤلف رحمه الله: (وهو ما يُنَقِّصُ قيمةَ المبيع).

فإذا كان هذا المبيع لولا هذا العيب لكان يساوي ألفًا، وبالعيب يساوي ثمان مئة مثلًا، هنا نقَّص قيمة المبيع، وظاهر كلام المؤلف أنه ولو كان النقص مما يُتغابن به عادة؛ يعني: لو كان النقص يسيرًا، كاثنين في المئة، فظاهر كلامه أن هذا عيب؛ لأنه أطلق فقال:(ما ينقص)، وكلمة (ما) اسم موصول تفيد العموم.

وقوله: (ما ينقص قيمة المبيع)، هذا هو الضابط، وما بعده فأمثِلة.

مثاله: (كمرضه)، ولو كان المرض يسيرًا؛ لأنه من الجائز أن هذا المرض يتطور حتى يتدهور، فإذا وَجد في المبيع مرضًا فله الخيار ولو يسيرًا، حتى وإن كان لا ينقص القيمة إلا شيئًا يسيرًا.

قال: (كمرضه وفقد عضو) يعني: وكفقد عضو، مثل: أن وجد أحد أصابعه مقطوعًا، فهذا فَقْد عضو، وظاهر كلامه رحمه الله: ولو كان خِصاءً، فإذا اشتراه على أنه فَحْل فتبين أنه خَصِي، فظاهر كلام المؤلف أنه عَيب؛ لأن هذا فَقْد عضو، حتى وإن زادت القيمة، ربما تزيد القيمة.

أما في الرقيق فظاهر أن الخَصي أرغب عند الناس من الفحل؛ لأنه أقل فتنة وشرًّا، وأما في البهائم فقد يكون الخَصي أرفع قيمة من الفحل، وقد يكون الفحل أرفع قيمة من الخصي، قد يشتري هذا الذكر من الضأن على أنه فحل من أجل أن يُنْزِيَه على الشِّياه، فإذا كان خصيًّا لم ينفع، فتنقص قيمته، وقد يشتريه للأكل على أنه فحل فيتبين أنه خصي، والخصي في الأكل أرغب عند الناس من الفحل؛ لأنه أطيب لحمًا وأكثر قيمة.

فعلى كل حال، الخِصَاء، الصحيح أنه ليس بعيب مطلقًا، وليس سلامة مطلقًا، بل على حسب مقاصِد المشترين: إذا قصدوا فحلًا فتبين خصيًّا فهو عيب، وإن كان الأمر بالعكس فليس بعيب.

ص: 975

فإذا قال مشتري الرقيق: أنا أريد أن يكون فحلًا لعله في يوم من الأيام يتزوج ويأتيه أولاد، نقول: وإذا تزوج وأتاه أولاد ما فائدتك منه؟ ! لأنه إن تزوج بحرة فأولادها أحرار، وإن تزوج بمملوكة فأولادها لسيدها، ولن تستفيد من ذلك شيئًا، قال: لعلي إذا أعتقته تزوج وأنجب، نقول: وإذا تزوج وأنجب بعد إعتاقه فلا فائدة لك منه، والخصاء في الرقيق لا شك أنه رفعة لقيمته، وهذا أمر معروف.

إذن فَقْد عضو عيب، إلا في الخصاء ففيه التفصيل الذي سمعتم.

وفقد سِن، السن أليس عضوًا؟ لا، ليس عضوًا؛ لأنه في حكم المنفصل، ولهذا لو مسه الإنسان بشهوة؛ يعني: لو مس سن امرأته بشهوة، وقلنا: إنه إذا مس امرأته بشهوة انتقض وضوؤه، فمس سنَّها، وحدث منه أعلى شهوة إلا أنه لم يخرج منه شيء فإن وضوءه لا ينتقض؛ لأنه ليس عضوًا، في حكم المنفصل؛ فلهذا قال:(فقْد عضوٍ أو سن).

ولا يقال: هذا من باب عطف الخاص على العام؛ لأن السن ليس من جنس الأعضاء حتى يقال إنه من باب عطف الخاص على العام، بل هو من عطف المغايِر على مغايِرِه.

إذا قال قائل: (فقْد عضوٍ أو سن) إذا كانا زائدين وفقدهما، هل هو عيب؟

طالب: عيب.

طالب آخر: ليس عيبًا.

الشيخ: ليش؟ لأن هذا زيادة خير، الأصبع الزائد يحاول الناس أن يقطعوه، وكذلك السن الزائدة، بعض الناس يكون عنده أسنان مترادفة زيادة، فإذا فُقد الزائد فليس بعيب.

ولهذا قال: (أو زيادتهما)، زيادة العضو عيب، زيادة السن عيب أيضًا؛ لأن ذلك يُنقِّص القيمة، فإذا كان له يدانِ من المرفق متساويتين، وقال المشتري: هذا عيب، وقال البائع: بل هذا زيادة خير، بدلًا ما يكون له يد واحدة تعمل صار له الآن اثنتان، يقال: يرجع إلى عرف الناس، إذا قالوا: إن قيمته تزيد بزيادة هذا العضو فلا بأس، فليس بعيب، لكن الغالب أنها عيب تَنقص قيمتها، حتى وإن كان يعمل بهما سويًّا.

ص: 976

يقول: (وَزنَا الرَّقِيقِ) أي: إذا زنى الرقيق فزناه عيب، وظاهر كلامه: ولو مرة واحدة؛ لأن ذلك ينقِّص قيمته، إذا تبين أن هذا الرقيق الذي اشتراه قد زنى، فإنه ستنقص قيمته كثيرًا، إن كان ذكرًا فالأمر واضح، وإن كان أنثى فكذلك، ولم يُفصح المؤلف سِنَّ الزاني، زنى الرقيق متى؟ حتى الصغير اللي له سبع سنوات ولّا والبالغ ولّا من بلغ عشرًا ولّا من؟ ما بيَّن، ولهذا اختلف الفقهاء رحمهم الله فقالوا: إن زنا الرقيق يُشترط أن يكون الرقيقُ قد بلغ عشرًا وأطلقوا.

ويحتمل أن يقال: إذا بلغ عشرًا في الرجال؛ في الذكور يعني، وإذا بلغ تسعًا من الإناث؛ لأن بنت التسع قد تحمل، وابن العشر قد يُحمَل له، وما دون ذلك لا حَمْل.

وقال بعض أهل العلم، بعض الفقهاء: العبرة بالبلوغ، زنا الرقيق إذا كان بالغًا؛ لأنه قبل ذلك ليس بمكلَّف.

ولكن الأقرب أن يحدَّد بعشر سنين في الذكور وبتسع سنوات في النساء، أما ما دون ذلك فيُنظر إن استمر به هذا الأمر فهو عيب، وإن كان وقع منه مرة واحدة فليس بعيب؛ لأن هذا يكثر فيما بين الصبيان الصغار.

(وسرقته)(سرقته) يعني أن يكون مسروقًا أو سارقًا؟

طلبة: سارقا.

الشيخ: أن يكون سارقًا، إذن فهو من باب إضافة المصدر إلى فاعله؛ يعني كذلك أيضًا إذا تبين أنه يسرق فإنه يعتبر عيبًا.

وظاهر كلامهم: ولو مرة واحدة؛ لأنه لا بد أن يخدشه، حتى لو تاب من السرقة ومن الزنا، فإن الناس لا يزال في نفوسهم شيء من ذلك، وليست المسألة مبنية على عدالته في دينه حتى يقال: إنه إذا تاب فقد زال فسقه، بل المسألة راجعة إلى عرف الناس، فإذا قالوا: إن زناه أو سرقته يوجبان أن تنقُُص قيمته فهذا عيب.

(وإباقه)(إباقه) يعني: هربه، إذا كان هذا الرقيق قد عُرف بالإباق، فهو عيب، كيف يكون عيبًا؟

لأنه يهرب، فيفوت على سيده، والإباق -لا شك- أنه ينقص قيمة المبيع.

ص: 977

(وبوله في الفراش)، إذا كان يبول في الفراش فهو عيب، كيف؟ ويش علينا منه؟ إذا بال في الفراش يطهر الفراش وينتهي؟

طالب: (

) فراش السيد.

الشيخ: لا، السيد يمكن يعطيه فراشًا له، لكن يقولون: إن هذا عيب، ولكن يجب أن يقيَّد إذا كان في سن لا يبول مثلُه في فراشه؛ لأن الصبيان الصغار، لو اشترى رقيقًا طفلًا، الطفل لا بد أن يبول في الفراش، فيكون المراد بقوله:(وبوله في الفراش) إذا بلغ سنًّا لا يبول في مثلها في الفراش.

وإذا كان به سَلَس، هل هو عيب؟

طلبة: عيب.

طالب: مرض.

الشيخ: إي نعم، هذا عيب، ومرض أيضًا.

عندي بالشرح: (وكونه أعسَر لا يعمل بيمينه عملها المعتاد) تعرفون الأعسر؟ الذي لا يعمل باليمين عملها المعتاد، ويعمل باليسار، يوجد بعض الناس الآن يعمل بيساره أكثر مما يعمل بيمينه، يكتب بيساره، ويرمي بيساره، ويضرب بيساره، ويسارُه هي التي فيها القوة، واليمين ما يعرف يصلح فيها شيئًا إلا الأكل، ولولا أنه نُهي عن الأكل بالشمال لأكل بشماله، هذا يسمى أعسر، فإذا اشترى عبدًا وتبين أنه أعسر فهو عيب، وقال بعض العلماء: إنه ليس بعيب، إذا كان يعمل بيساره عمل يمينه لو كان غيرَ أعسر فإن ذلك لا ينقص قيمته، بل ربما يكون عملُه باليسار أقوى.

ولهذا يقول بعض الناس: هذه ضربة أشدف. تعرفون الأشدف؟ هو الأعسر، ما يضرب إلا باليسار، يقولون: إن ضرب الأعسر أشد، فإذا كان عمله بيساره أشد من عمله بيمينه فكيف يكون عيبًا؟ ! فيقال: نحن لا نجادل في مثل هذه الأمور، لدينا قاعدة نبني عليها: هل تنقص قيمته إذا كان أعسر؟ إذا قال أهل البيع في الرقيق: إنها لا تنقص فليس بعيب، وإن قالوا: تنقص فهو عيب.

طيب، أعسر يَسر؟

طالب: ليس عيبًا.

الشيخ: ليش؟

طالب: زيادة.

ص: 978

الشيخ: لأن هذا زيادة خير، والأعسر اليَسر الذي يعمل بيديه جميعًا على حد سواء، يوجد بعض الناس يعمل باليد اليمنى واليسرى سواءً، يكتب باليمنى ويكتب باليسرى، هذا نقول: إذا وُجد أعسر يسر فهو زيادة خير.

اقتصر الماتن على أمثلة، وزاد في الشرح عدة أمثلة كثيرة لا حاجة لقراءتها؛ لأن لدينا ضابطًا، وهو أن العيب كلُّ ما يُنقص قيمة المبيع.

***

(فَإذَا عَلِمَ العَيبَ بَعْدُ أمْسَكَهُ بَأرْشِهِ، وَهُوَ قِسْطُ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الصّحَةِ والعَيْبِ، أَوْ رَدَّه وَأخَذَ الثَّمَنَ).

(إذا علم) الفاعل من؟ المشتري، هذا إذا كان العيب في المبيع، أو البائع إذا كان العيب في الثمن المعين، يمكن هذا؟

نعم، بعت عليك شاة بمعز، الشاة مبيع والمعز ثمن، (فإذا علم) سواء المشتري أو البائع في ثمن معين.

وقوله: (بعدُ)؛ يعني: بعد العقد، وفيها إشكال، حيث كانت مرفوعة مع أنها ظرف زمان، ويجيب عن الإشكال ..

طالب: قد يكون مضافًا إليه ونُوِي معناه.

الشيخ: فصارت؟

الطالب: مبنية على الضم.

الشيخ: إذن الحركة هنا حركة بناء أو إعراب؟

طلبة: بناء.

الشيخ: بناء، وأصلها: بعدَ العقد، إذا علم العيب بعد العقد، لكن حُذِف المضاف إليه ونُوِي معناه، وذكروا أن (قبل) و (بعد) لهما أربع حالات في هذه المسألة: إما أن يُذكر المضاف إليه، أو يُنوى لفظه، أو يُحذف ويُنوى معناه، أو يُحذف ولا يُنوى معناه.

الأقسام؟

طالب: أربعة.

الشيخ: عدَّها.

الطالب: أن يُذكر المضاف إليه، أن يُحذف ويُنوى معناه، أن يُحذف وينُوى لفظه، أن يُحذف ولا يُنوى لفظه ولا معناه.

الشيخ: إذا حُذف ولم يُنوَ لفظه ولا معناه؟

ص: 979

أَمْسَكَه بأَرْشِه ، وهو قِسْطُ ما بينَ قِيمةِ الصِّحَّةِ والْعَيْبِ، أو رَدَّهَ وأَخَذَ الثَّمَنَ، وإن تَلِفَ الْمَبيعُ أو عَتَقَ العبدُ تَعَيَّنَ الأَرْشُ، وإن اشْتَرَى ما لم يَعْلَمْ عَيْبَه بدونِ كَسْرِه كجَوْزِ هِنْدٍ وبَيْضِ نَعامٍ فكَسَرَه فوَجَدَه فاسدًا فأَمْسَكَه فله أَرْشُه ، وإن رَدَّه رَدَّ أَرْشَ كَسْرِه، وإن كان كبيضِ دَجاجٍ رَجَعَ بكلِّ الثَّمَنِ، وخيارُ عيبٍ مُتَرَاخٍ ما لم يُوجَدْ دليلُ الرِّضَا، ولا يَفْتَقِرُ إلى حُكْمٍ ولا رِضًا ولا حُضورِ صاحبِه، وإن اخْتَلِفَا عندَ مَن حَدَثَ العيبُ، فقولُ مُشْتَرٍ معَ يمينِه، وإن لم يَحْتَمِلْ إلا قولَ أحدِهما قُبِلَ بلا يَمينٍ.

السادسُ: خِيارٌ في البيعِ بتَخبيرِ الثَّمَنِ متى بانَ أَقَلَّ أو أَكْثَرَ، ويَثْبُتُ في التوليةِ والشَّرِكَةِ والْمُرَابَحَةِ والْمُواضَعَةِ، ولا بدَّ في جميعِها من مَعرفةِ الْمُشْتَرِي رأسَ المالِ، وإن اشْتَرَى بثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ

لكن حُذِف المضاف إليه ونُوِيَ معناه، وذكروا أن (قَبْل) و (بَعْد) لهما أربع حالات في هذه المسألة: إما أن يُذكر المضاف إليه، أو يُنوى لفظه، أو يُحذف ويُنوى معناه، أو يُحذف ولا يُنوى معناه. الأقسام؟

طالب: أربعة.

الشيخ: عدَّها؟

الطالب: أن يُذكر المضاف إليه، أن يُحذف ويُنوى معناه، أن يُحذف ويُنوى لفظه، أن يُحذف ولا يُنوى لفظه ولا معناه.

الشيخ: طيب، إذا حُذف ولم يُنوَ لفظه ولا معناه فهو مُعرب مُنوَّن، ومنه قول الشاعر:

فَسَاغَ لِيَ الشَّرَابُ وَكُنْتُ قَبْلًا

أَكَادُ أَغَصُّ بِالْمَاءِ الْفُرَاتِ

الشاهد قوله: وَكُنْتُ قَبْلًا.

طيب، إذا حُذف المضاف ونُوِي لفظه فهو مُعرَب غير مُنوَّن، فتقول: أتيت من قَبْلِي فوجدت صاحبي، هنا مُعرب غير مُنوَّن؛ لأنه نوي لفظ المضاف إليه.

إذا حُذف لفظه ونوي معناه فحينئذٍ يُبنى على الضم، فتقول: أتيت من قَبْلُ -يعني من قبل هذا الزمن- فوجدت صاحبي.

ص: 980

الرابع: أن يُذكر المضاف إليه، فحينئذٍ يعرب، وبالطبع لا يُنوَّن؛ لأن الشاعر يقول لمخاطَبِه:

كَأَنِّيَ تَنْوِينٌ وَأَنْتَ إِضَافَةٌ

فَأَيْنَ تَرَانِي لَا تَحِلُّ مَكَانِي

طيب هنا نقول: حُذِف المضاف إليه ونُوِي معناه. وهل يمكن أن يقرأها من قبل: (فإذا علم المشتري العيب بعدَ)؟

طالب: (بعدُ).

الشيخ: ما يمكن (بعدَ)؟

الطالب: ما يمكن، إلا إذا .. في العبارة هذه ما ينفع.

الشيخ: لماذا؟

الطالب: لأن المضاف إليه ليس مذكورًا.

الشيخ: طيب نُوِي لفظه.

الطالب: هنا القرينة تقتضي أنه نَوَى معناه.

الشيخ: ويش القرينة؟

الطالب: قوله: (بعد).

الشيخ: قوله: (بعد) ما هي بقرينة، الإشكال عند (بعد) الآن.

الطالب: (

).

الشيخ: ويش تقولون؟

طلبة: يمكن.

الشيخ: يمكن، يجوز؛ لأن هذا على نية المتكلم، فإذا قال مثلًا:(فإذا علم المشتري العيب بعدَ) عرفنا أنه حذف المضاف إليه ونوى لفظه.

طيب، يقول:(أمسكه بأرْشه، وهو قِسْط ما بين قيمة الصحة والعيب).

(أمسكه) أي: أمسك المبيع الْمَعِيب.

(بأرْشه)، والأرش فسَّره المؤلف، (وهو قِسْط) أي فرْق (ما بين قيمة الصحة والعيب). وقال:(قيمة)، ولم يقل: ثمن، والفرْق بين القيمة والثمن أن القيمة هي ثمنه عند عامة الناس، والثمن هو الثمن الذي وقع عليه العقْد، فإذا اشتريتُ ما يساوي ثمانية بستة، فالقيمة الثمانية، والثمن الستة.

ولهذا انتبهوا عند كتابة العُقود، لا تقل: باعه عليه بقيمة قدرها كذا وكذا، قل: بثمنٍ قدره كذا وكذا. وما أكثر الكتاب الذين يخطئون في هذا، أو يقول: باعه بثمن قدره كذا وكذا والقيمة واصلة، بدلًا من أن تقول: القيمة، قل: الثمن، الثمن واصل.

ص: 981

طيب، ولهذا قال:(قِسْط ما بين قيمة الصحة والعيب)، وكيف ذلك؟ يُقوَّم هذا الشيء صحيحًا، ثُمَّ يُقوَّم معيبًا، وتؤخذ النسبة التي بين قيمته صحيحًا وقيمته معيبًا، وتكون هي الأرْش، فيُسقط نظيرها من الثمن، مثال ذلك: باع سيارة قيمتها مئة، باعها بخمسين ألفًا وقيمتها مئة، ثم تبيَّن بها عيب، وقلنا لأهل الخبرة: قدِّروا العيب، قالوا: هي معيبة تساوي ثمانين وسليمة تساوي مئة. كم الأرش الآن؟

طلبة: عشرون.

الشيخ: خطأ.

الطلبة: الخُمس.

الشيخ: إي، قُل: الخمس، ولهذا (قِسْط ما بين).

طالب: العشر يا شيخ.

طالب آخر: عشر ريالات.

الشيخ: يا ناس، الأرش الْخُمس، أضف هذا إلى الثمن، الثمن كان خمسين ألفًا، كم ينقص؟ عشرة آلاف، شوف الآن لو قلنا: ينقص ما بين القيمتين كان ينقص من الثمن عشرون، وتبقى بثلاثين ألفًا، وهذا غلط.

فالحاصل أنه يُقدَّر بالقيمة، ثم يُنظر الفرق بين القيمتين المعيب والسليم، ويُسقَط من الثمن بمثل تلك النسبة؛ ولهذا قولكم في الأول: إن القسط عشرون نعتبره خطأ؛ لأنه لو قلنا: القسط عشرون لنزَّلنا من الثمن عشرين، لكن نقول: القسط بالنسبة هو الْخُمس، فنُسقط من الثمن الْخُمس.

طيب، ولو باعها بمئتين وتبين بها عيب، فقُوِّمت السيارة، وقيل: إن السيارة سليمة بمئة ومعيبة بثمانين، كم القسط؟

طالب: الخمس.

الشيخ: كم ننقص من الثمن؟

طلبة: أربعين.

الشيخ: أربعون ألفًا، طيب، إذن انتبهوا لهذا.

وقول المؤلف رحمه الله: (إن علم المشتري العيب بعدُ)، كلمة (بعدُ) تدل على أنه لو علم به قبل فإنه لا خيار له، لماذا؟ لدخوله على بصيرة.

طيب، فإن باعه بشرط البراءة من العيب، فقد سبق أنه إن أبرأه بعد العقد فالإبراء صحيح، وقبل العقد لا يصح؛ هذا المذهب، وتقدم أن القول الصحيح: إن أبرأه وهو مدلس -أي البائع- فإنه لا يبرأ سواء كان قبل العقد أو بعده، وإن كان غير مدلس صح؛ سواء كان قبل العقد أو بعد العقد.

ص: 982

طالب: لو تعيَّبت سلعة قبل أن يكون .. فهل .. ؟

الشيخ: ما كان من ضمان المشتري فعليه ولا يرد، وما كان من ضمان البائع فهي كما لو تعيَّبت قبل العقد.

الطالب: (

) يا شيخ؟

الشيخ: ما مر علينا هذا؟ أظنه مر علينا.

الطالب: قبل أن يخبره يا شيخ.

الشيخ: سبعة من ضمان البائع: ما بِيع بكيل، أو وزن، أو عد، أو ذرع، أو رؤية سابقة للعقد، أو صِفة، أو الثمر على رؤوس الشجر، فهذه من ضمان البائع، وما عدا ذلك فهي من ضمان المشتري.

طالب: ما بعد جت.

الشيخ: إذن نُؤجِّلها.

على كل حال القاعدة: إذا حدث العيب بعد العقد فما كان من ضمان البائع فهو كما لو حدث قبل العقد، وما كان من ضمان المشتري فلا خيار له.

طالب: شيخ، شخص تسلَّم سيارة جديدة، لما وداها للصيانة (

) بالمعارض، السيارة تكلفت ثمان مئة ريال، جديدة السيارة، وبعد المعيب اللي حصل لها ..

الشيخ: اتكلف ولا قيمتها؟

الطالب: قيمتها ..

الشيخ: آه.

الطالب: وبعد المعيب أربعين ألفًا أو ثلاثين ألفًا، ما الفرق يا شيخ بالنسبة لـ .. ؟

الشيخ: النصف.

الطالب: النصف.

الشيخ: إي، صحيح؟

طالب: إذا ظهر الغرر في المبيع مثلًا في الغنم، وكل واحد يقول: هذا مرضه عرضًا بالغنم عنده لا ..

الشيخ: سيأتينا، إذا اختلفا عندما حدث العيب.

طالب: شيخ، إن اشتراها بخمسين وإذا فيها عيب، وقبل أن يعلم بالعيب باع السلعة بمئة مثلًا قبل خمسين، ثم لما باعها أخبره المشتري الثاني أن فيها عيبًا، فهل يجوز له أن يرجع للأول مع أنه (

الشيخ: هل ردها؟

الطالب: ما ردها، بقيت عنده.

الشيخ: طيب، إن تصرف بها عالِمًا بالعيب فلا خيار له؛ لأن تصرفه يدل على رضاه بها، وإن لم يعلم فله الأرْش.

الطالب: حتى لو كان باعها بأكثر يا شيخ؟

الشيخ: إي نعم، حق له.

طالب: (

).

ص: 983

الشيخ: ما شاء الله! الأرش ما هو؟ هو الفرْق بين قيمته معيبًا وقيمته سليمًا؛ هذا الأرْش، الفرق بين القيمتين هو الأرْش، لكنه يُقدَّر بالقسط، يعني مُشاعًا، إذا كان سليمًا بمئة ومعيبًا بثمانين، كم الأرْش؟

الطالب: الأرْش؟

الشيخ: إي، معيبًا بثمانين وسليمًا بمئة كم الأرْش؟

الطالب: عشرة.

الشيخ: سبحان الله!

الطالب: عشرين.

الشيخ: عشرين؟

الطالب: إي نعم.

الشيخ: لا تقل عشرين، اذكُره بالنسبة مشاعًا، قل: الأرش خُمُس، حينئذٍ عُدْ إلى الثمن، فإذا كان الثمن خمسين فأسقِط عشرة؛ هذا المعنى.

طالب: مسألة زِنا الرقيق، الزِّنا نفسه ينقص قيمة المبيع؛ لأنه يدل على قُبح الرقيق، فما حاجة يا شيخ (

).

الشيخ: ويش تقولون في ها الكلام هذا؟ يقول: زِنا الرقيق لو ما له إلا خمس سنين، صبي يعبث بصبية كُبرى ما يعرف؟ ! ! كذا؟

طالب: نعم، ما يعرف شيئًا.

الشيخ: أبد ما يعرف.

طالب: لو سن التمييز؟

الشيخ: حتى سن التمييز ما أظنه يعرف.

طالب: اشترى شخص سيارة، ثم إنه جرَّبها وتفرَّقا وتبايعا على هذا وتقابضا، ثم بعد أن انصرف المشتري وجد بها عيبًا كبيرًا يُخِل بثمنها تمامًا، وينقص من ثمنها تمامًا، ويقول البائع: أنا لا أعلم هذا العيب مطلقًا.

الشيخ: إذا كان أبرأه فلا خيار له.

الطالب: ولا يردها عليه، ولا يرجع بها؟

الشيخ: إذا كان أبرأها معلوم، ما يرد.

طالب: شيخ -بارك الله فيكم- ذكرنا القاعدة في نقصان القيمة في خيار بالعيب، كيف نُنزِّل مسألة العبد الخصي أو الفحل على هذه القاعدة؟

الشيخ: لا، على قاعدة الماتِن ما ننزل؛ لأنه ما ينقص قيمة المبيع أو عينه، المؤلف اختصره.

طالب: شيخ، لو اشترى رجل مسلم عبدًا من رجل كافر، والكافر لا يرى حُرمة الزنا؟

الشيخ: هو على حد سواء، ما هي بنفسها من جهة التكليف، من جهة هذا الخُلق الذميم.

***

ص: 984

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى: وإن تلف المبيع أو عَتَقَ العبد؛ تعين الأرش، وإن اشترى ما لم يعلم عيبه بدون كسره، كجوز هند، وبيض نعام، فكسرَه فوجده فاسدًا فأمسكه؛ فله أرشه، وإن رده رد أرش كسره، وإن كان كبيض دجاج؛ رجع بكل الثمن، وخيار عيب متراخٍ ما لم يوجد دليل الرضا، ولا يَفتقر إلى حُكم ولا رضًا، ولا حضور صاحبه، وإن اختلفا عند من حدث العيب؟ فقول مشترٍ مع يمينه، وإن لم يحتمل إلا قول أحدهما قُبل بلا يمين.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

بَيِّن لنا العيب الذي يَثبت به الخيار؟

طالب: هو ما ينقص قيمة المبيع.

الشيخ: ما ينقص قيمة المبيع. مثاله؟

الطالب: كزِنَا الرقيق.

الشيخ: كزنا الرقيق الذي له سبع سنوات.

طالب: الذي بلغ، الذي (

) منه.

الشيخ: وهو من بلغ عشرًا. ما هو الدليل على أن العيب فيه خيار؟

طالب: لأنه من التدليس والغش.

الشيخ: هذا يدل على التحريم.

الطالب: لأنه ثبت الخيار في التدليس.

الشيخ: في أي شيء؟

الطالب: كما في حديث الْمُصرَّاة، فإذا حَلَبَهَا فَهُو بِالخيار، إن شَاءَ أَمْسَكَها أو رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ.

الشيخ: إذن حديث المصرَّاة يُستدل به على ثبوت الخيار في العيب.

طيب، هل بوْل الرقيق في الفراش عيب؟

طالب: نعم، عيب.

الشيخ: عيب، ولو كان طفلًا؟ !

الطالب: لا، إذا كان الرقيق في السن الذي في مثله يعتبر بوله عيبًا على الفراش، فلا ..

الشيخ: هل حدده الفقهاء؟

طالب: لم يحدده الفقهاء، لكن ينبغي أن يقيد بهذا القيد.

الشيخ: نعم.

طالب: ما حددوها يا شيخ، لكن قالوا ..

الشيخ: ما وصلنا له.

طالب: قلنا: ينبغي أن يقيم.

طالب آخر: ذكرناها.

الشيخ: ذكرناها، طيب.

طالب: لا يبول من (

).

طالب آخر: قلنا يا شيخ: إن الراجح أن البالغ هو الذي يكون بوله عيبًا.

ص: 985

طالب: اللي مثلهم لا يبول.

الشيخ: هذا اللي قاله أخونا هذا.

طلبة: لم يحددوه يا شيخ.

طالب: قول الفقهاء عشر سنين.

الشيخ: نعم، ذكرنا أن قول الفقهاء عشر سنوات، بول؟

طالب: هذا في الزنا يا شيخ.

الشيخ: يا إخواننا.

طالب: ما ذكرناه.

الشيخ: ذكرناه.

طالب: (

) بصوت لازب.

الشيخ: إي، هذا جمع بين القولين! !

على كل حال هم يقولون: من بلغ عشرًا، وقلنا: إن الصحيح بوْل من لم تجرِ العادة ببوله في فراشه؛ هذا العيب.

طيب، حكم خيار العيب؛ يعني إذا اطَّلع المشتري على العيب، فماذا يكون؟

طالب: له أن يمسكه بأرْشه أو يرده.

الشيخ: له رده أو إمساكه بالأرش. طيب، ما معنى إمساكه بالأرش؟

الطالب: أن يقوم المبيع معيبًا.

الشيخ: يُقوَّم المبيع معيبًا، أو يُقوَّم سليمًا؟

الطالب: يُنظر إلى قيمته سليمًا، ثم يُقوَّم معيبًا، وتُؤخذ النسبة وتُخصم من السعر.

الشيخ: نعم، إذن يُقوَّم سليمًا، ثم معيبًا، وما بين القيمتين فهو الأرْش، يُؤخذ بقسطه من الثمن.

إذا قُوِّم بمئة سليمًا وبثمانين معيبًا، وقيمته مئتان، كم من الأرش؟

طالب: يقال يا شيخ: النسبة الخمس.

الشيخ: كم من الأرش؟

الطالب: أن نُقومه أول شيء.

الشيخ: قوَّمناه سليمًا بمئة ومعيبًا بثمانين، والثمن مئتان؟

الطالب: تكون النسبة الخمس.

الشيخ: الخمس؟

الطالب: إي نعم.

الشيخ: كم يلزمه، كم من الأرش الذي يلزم البائع؟ هو باع بمئتين.

الطالب: عشرين يا شيخ.

الشيخ: عشرين؟ أنت تأبى، أنت قلت: إن الأرش الخمس، فهل خمس المئتين عشرون؟

الطالب: لا.

الشيخ: طيب، كم خُمس المئتين؟

طالب: أربعون.

الشيخ: طيب، إذن يكون الأرْش إذا كانت القيمة مئتين يكون الأرش أربعين.

طيب، إذا قُوِّم سليمًا بمئتين ومعيبًا بمئة وستين، وكان الثمن مئة، كم من الأرْش؟

طالب: يُقوَّم بمئتين.

الشيخ: قُوِّم بمئتين سليمًا، وبمئة وستين معيبًا، وكان الثمن مئة، كم من الأرْش؟

الطالب: الثمن مئة، والتقويم ..

الشيخ: أيش الثمن مئة؟

ص: 986

الطالب: الثمن مئة، والتقويم مئتان، ومع العيب مئة وستون.

الشيخ: كم من الأرش؟

الطالب: أربعون.

الشيخ: أربعون، انسبها للمئتين؟

الطالب: خمس؟

الشيخ: كيف خمس؟ أربعين إلى مئتين خمس؟

الطالب: أربعين إلى مئتين؟

الشيخ: إلى مئتين خمس؟ كل أحد يعرف هذه النسبة.

الطالب: يبقى مئة وستين يا شيخ.

الشيخ: إي نعم، معيبًا بمئة وستين وسليمًا بمئتين، كم من النسبة؟

الطالب: خمس.

طالب آخر: شيخ، الثمن مع العيب مئة وستون، بدون العيب مئتان.

الشيخ: نعم.

الطالب: يكون الباقي أربعين.

الشيخ: إي، كم النسبة؟

الطالب: خمس، قلت لك.

الشيخ: متأكد؟

الطالب: إي نعم.

الشيخ: ما فيه إشكال؟ طيب، كم تُسقط من الثمن الذي هو مئة؟

الطالب: أربعين.

الشيخ: كم تسقط من الثمن الذي هو مئة؟

الطالب: عشرين.

الشيخ: عشرين؛ لأنه الخمس.

الآن عرفنا الأرش: هو قِسْط ما بين قيمته صحيحًا ومعيبًا، ويكون ذلك بالنسبة.

الخيار في ذلك لمن؟

طالب: الخيار للمشتري إن كان المعيب في المبيع، وللبائع إن كان المعيب في الثمن المعين.

الشيخ: أحسنت، الخيار للمشتري إذا كان العيب في المبيع وللبائع إذا كان العيب في الثمن المعين.

يقول رحمه الله: (أو رده وأخذ الثمن) واضح.

(وإن تلف المبيع أو عتق العبد تعين الأرش)، الآن المشتري بين خيارين؛ إما أن يرد وإما أن يأخذ الأرش، لكن يتعين الأرْش إذا تعذَّر الرد؛ هذه القاعدة: إذا تعذّر الرد تعيَّن الأرش. بماذا يتعذَّر الرد؟ إذا تلِف المبيع المعِيب يتعين الأرش؛ رجل اشترى ناقة فوجد فيها عيبًا، ولكن الناقة ماتت قبل أن يردها، فيتعين الأرش. اشترى عبدًا فأعتقه، ثم وجد فيه عيبًا؛ يتعين الأرش؛ لأنه تعذَّر الرد.

فإذا قال قائل: العبد موجود، كيف يتعذر الرد؟

قلنا: لكن عبوديته الآن زالت، فهو بمنزلة التلف المالي؛ يعني ماليته تلفت في الواقع.

ص: 987

طيب ويتعين الرد إذا لزم من الأرْش الربا، مثل: أن يبيع ذهبًا -حليًّا من الذهب- بوزنه دنانير، ثم يجد في الحلي عيبًا، فهنا لا يمكن أن يأخذ الأرش. لماذا؟ لأنه يلزم منه الوقوع في الربا؛ إذ سيكون للمشتري ذهب بوزن الذهب الذي دفع، ثم يُزاد على ذلك الأرش.

وحينئذٍ نقول: القاعدة أو الضابط: إذا تعذَّر الرد تعين الأرش، وإذا لزم منه الوقوع في الربا تعين الرد.

فيُقال لهذا الذي وجد في الحلي عيبًا يقال: إما أن ترده، وإما أن تمسكه بدون أرش؛ لأنك لو أخذت الأرش لزم من هذا الربا، فلا يجوز.

طيب، صار عندنا الآن ضابطان، ما هما؟

طالب: أنه يتعين الأرْش إذا تعذر الرد.

الشيخ: نعم، أنه يتعين الأرْش إذا تعذر الرد. والثاني؟

الطالب: أنه يتعين الرد إذا.

الشيخ: أفضى الأرْش إلى ربا، والمثال عرفتموه.

ثم قال: (وإن اشترى ما لم يُعلم عيبه بدون كسره كجوز هند، وبيض نعام فكسره فوجده فاسدًا فأمسكه؛ فله أرشه، وإن رده رد أرْش كسره).

(إذا اشترى ما لم يُعلم عيبه بدون كسره كجوز هند)، وجوز الهند كبير كبيض النعام أو نحوه، والمقصود منه فيما كان داخل القشر، كسره فوجده فاسدًا، أي وجد ما كان داخل القشر فاسدًا؛ هذا عيب. فإذا كسره نقول: أنت الآن بالخيار، إن شئت أخذتَ الثمن، وإن شئت أخذتَ الأرش، لكن إن رددته وأخذتَ الأرش لزمك رد أرش الكسر.

وظاهر كلام المؤلف أنه إذا لم يكن هناك فساد في الكسر فإنه لا يرد أرْش الكسر، كما لو شذبه شذبًا متساويًا فصار قطعتين يمكن أن يُنتفع بهما على أنهما إناءان، فحينئذٍ نقول: لا أرْش لهذا الكسر، لماذا؟ لأنه لم يتأثر.

ثم نقول: إذا كسره كسرًا لا يبقى بعده قيمة، يعني لا قيمة له بعد هذا الكسر، مثل إن كسَّره، رضَّه رضًّا، فإنه حينئذٍ يتعين الأرْش؛ لأنه تعذَّر الرد.

فصارت هذه المسألة لها ثلاث حالات:

ص: 988

الحال الأولى: أن يكسره كسرًا متوازيًا بحيث يصلح أن يكون إناءً، ولا تنقص به القيمة؛ فهذا لا أرْش له؛ لأنه ما نقص.

والثانية: أن يكسره كسرًا لا تبقى معه قيمة؛ فيتعين الأرش؛ لأنه تعذر الرد.

والحال الثالثة: أن يكسره كسرًا تبقى معه القيمة، لكنها تنقص؛ فهذا يأخذ الأرش، أرْش الكسر، إذا رده رد أرش كسره، وإن أبقاه وأخذ الأرْش فهو حُرٌّ، يعني أنه على الخيار الأول.

فصار الذي يشتري ما لا يُعلم عيبه إلا بكسره، نقول له: أنتَ الآن بالخيار، إن شئت رددته وأرش كسره وأخذت الثمن، وإن شئت أبقيته وأخذت أرش العيب.

لكن في مسألة الرد له ثلاث حالات كما قلنا: إن بقي له قيمةٌ بعد الكسر رده ورد أرْش الكسر، وإن لم يبقَ له قيمة تعيَّن الأرش للمشتري، وإن لم تنقص قيمته بكونه كسره كسرًا مُحكمًا يصح أن يكون أواني فإنه يرُده بلا أرش؛ لأنه لم ينقص، يرده ويأخذ الثمن ولا أرش عليه.

(وإن كان كبيض دجاجٍ رجع بكل الثمن) لماذا؟ لأنه تبين أن البيع فاسد؛ لأن بيض الدجاج لا ينتفع الناس بقشره، بل يُرمى في الزبالة، فإذا كسر بيض الدجاج فوجده فاسدًا لا يصلح للأكل؛ فإنه يرجع بكل الثمن، من الذي يرجع بكل الثمن؟ المشترِي، لماذا؟ لأنه تبين أن العقد عليه فاسد؛ إذ من شرط العقد أن يكون على عين يُنتفع بها، وهذا لا نفْع فيه.

طيب، إذا كان كبطيخ، اشترى بطيخة؛ حبحبة، تعرفون الحبحبة؟

طالب: نعم.

الشيخ: طيب، فلما شجها وجدها فاسدة.

طالب: (

).

طالب آخر: (

).

الشيخ: يا إخواننا! ما يرجع بكل الثمن؛ لأن هذه البطيخة يمكن أن تكون علفًا للدواب، أليس كذلك؟ إذن لا يرجع بكل الثمن. يُقال له: لكَ أن تردها، ولكن ترد أرش الشق الذي حصل منك، والفرق بينها وبين البيض أن البيض لا ينتفع بقشره بخلاف البطيخة.

في مسألة بيض الدجاج، لو قال البائع: أعطني القشور، إذا كنت الآن تقول: إن العقد فاسد أعطني القشور؟ يلزمه أو لا؟

طلبة: لا يلزمه.

ص: 989

الشيخ: لماذا؟ لأنه لا قيمة لها عادة، وتُرمى في الزبالة.

ثم قال: (وخيار عيب متراخٍ ما لم يوجد دليل الرضا) خيار العيب متراخٍ؛ يعني أنه لا يلزم المشتري أن يُطالِب بالعيب من حين أن علِم به، بل له أن يُؤخِّر الطلب، فإذا علِم بالعيب في أول النهار، ولم يطالِب بالرد إلا في آخر النهار فله ذلك، لكن لو قلنا: إنه على الفور لكان إذا علم في أول النهار ولم يُطالِب بالرد إلا في آخره ليس له خيار.

ولكن نقول: إنه على التراخي؛ لأنه حق للمشتري، ولا يسقط إلا بما يدل على إسقاطه، ولهذا قال:(ما لم يُوجد دليل الرضا).

دليل الرضا له صور:

الصورة الأولى: أن يُصرِّح بذلك؛ بأن يقول لصاحبه: باع فلانٌ عليَّ حاجة فوجدتها معِيبة، ولكن نظرًا لحقه عليَّ فأنا راضٍ بذلك ولن أطالبه بالرد. هذا صريح، أليس كذلك؟

طلبة: بلى.

الشيخ: إذن لا يمكن أن يرُد بعد هذا القول.

الصورة الثانية: أن يتصرف فيه، بعد أن علم بالعيب باعه، أو أوقفه، أو رهنه، أو ما أشبه ذلك. فهذا على المذهب يسقط خياره؛ لأن تصرفه به دليل على رضاه به، ولكن الصحيح أن في ذلك تفصيلًا؛ فإن قال: إني تصرفت فيه راضيًا بالأرْش وعدم الرد فله الأرْش، وإن قال: تصرفتُ فيه مُسقِطًا للخيار سقط خياره؛ لأن هذا الأمر يعود إلى نيته، فإن قال البائع: أنا أريد أن أُحلِّفه أنه إنما تصرف فيه راضيًا بالأرْش لا بالعيب، فإنه يُحلَّف، ويقال: احلف أنك إنما تصرَّفت فيه إمضاءً للعقد ورضًا بالأرش، فإذا حلف فالأمر موكول إلى ذمته.

قال: (ولا يفتقر).

وخلاصة الكلام هذا: أن خيار العيب على التراخي، لا يلزم المشتري أن يطالب به فورًا إلا إذا وجد دليل الرضا فإنه يسقط.

ودليل الرضا إما أن يكون صريحًا كما لو قال: أنا راضٍ به ولن أطالبه؛ لأنني أحترمه، أو لأنه صاحبي أو ما أشبه ذلك، وإما بتصرف يدل على الرضا بالعيب؛ ببيع، أو إجارة، أو غير ذلك.

ص: 990

ولكني قلت لكم: إن الصحيح في المسألة الثانية التفصيل؛ إن تصرف فيه راضيًا بالعيب فإنه لا أرْش له، وإن تصرف فيه إمضاءً للعقد واختيارًا للأرش فإن له ذلك. وإذا تنازع البائع والمشتري في هذا حُلِّف المشتري.

قال: (ولا يفتقر إلى حكم ولا رضا، ولا حضور صاحبه)(لا يفتقر) يعني الفسخ بالعيب، (إلى حكم) أي: إلى حكم حاكم، يعني لا يلزم المشتري إذا أراد أن يفسخ أن يذهب إلى القاضي ويقول: إنني أريد أن أفسخ البيع الذي حدث مع فلان؛ لأن المبيع معيب؛ لأن الحق له.

كذلك لا يفتقر إلى (رضا وحضور صاحبه)، (رضا) هنا غير مُنوَّنة؛ لأنها بنية المضاف إليه، فلا يفتقر إلى (رضا صاحبه ولا حضور صاحبه).

من صاحبه؟ البائع، يعني لا يفتقر إلى رضا صاحب المشتري -وهو البائع- ولا إلى حضوره.

ووجه ذلك أن الحق فيه لمن؟ للمشتري، فهو الذي له حق الفسخ، فلن يُشترط رضا المفسوخ عليه كالطلاق بيد الزوج، ولا يُشترط أن ترضى الزوجة، ولا أن تحضر الزوجة، ولهذا لو طلق زوجته وهي غير حاضرة طلقت، وإن لم تعلم إلا بعد يومين أو ثلاثة؛ لأنه لا يُشترط رضاها. كذلك أيضًا البائع لا يُشترط رضاه ولا حُضوره.

فإن ادَّعى المشتري أنه قد فَسَخَ وأنكر البائع، فمن القول قوله؟ القول قول المشتري؛ لأن هذا لا يُعلم إلا من جهته.

قد يقول قائل: إن الأصل عدم الفسخ، فيلزم أن يكون القول قول البائع، فيقال: هذا الأصل معارض بأصل آخر. ما هو الأصل الآخر؟ أنه لا يُعلم إلا من جهته، فإذا قال: إني فسخت، أخذنا بقوله.

(وإن اختلفا عند من حدث العيب)(اختلفا) الفاعل: البائع والمشتري.

(عند من حدث العيب) فقال البائع: حدث عندك، يقول للمشتري؛ يعني فلا خيار له، وقال المشتري: بل هو سابِغ للعقد فلي الخيار.

يقول: (فقول مشترٍ مع يمينه، وإن لم يحتمل إلا قول أحدهما قُبِل بلا يمين)

ص: 991

فهذه المسألة أفادنا المؤلف رحمه الله أنها لا تخلو من حالين؛ الحال الأولى: ألا يحتمل قول الآخر، فقوله لاغٍ إذا كان لا يحتمل قوله.

والحال الثانية: أن يكون هناك احتمال، فهنا يكون القول قول المشتري.

مثال ما لا يحتمل قول البائع: الإصبع الزائدة، اشترى عبدًا فوجد فيه أصبعًا زائدة، فأراد رده، فقال البائع: حدث هذا العيب عندك، قال المشتري: أبدًا. مَنِ القول قوله؟

طلبة: قول المشتري.

الشيخ: ما يمكن يحدث الأصبع الزائد؟

طالب: لا.

الشيخ: معلوم ما يمكن يحدث، ولو أمكن أن يحدث لكان كل يوم الإنسان توقع أن يكون له مئة أصبع، لكنه لا يمكن يقع.

طيب، إذا قبلنا قول المشتري هل يُشترط أن يحلف؟ لا؛ لأنه لا حاجة للحلف.

مثال آخر: اختلف البائع والمشتري في جرح؛ يعني اشترى بهيمة فوجد فيها جرحًا، اشترى بهيمة، ثم ردها والعيب الذي فيها جرح، الذي ادعاه المشتري، فنظرنا إلى الجرح، وإذا هو يثعب دمًا، جرْح طري، والبيع له مدة أسبوع، فمَنِ القوْل قوله؟

طلبة: البائع.

الشيخ: قول البائع، القول قوْل البائع، لماذا؟ لأنه لا يحتمل أن يكون هذا الجرح قبل العقد، والعقد له أسبوع والجرح طري الآن يثعب دمًا.

طالب: (

الشيخ: لا، قلنا: طري يثعب دمًا، فعلى هذا يكون القول قول البائع بلا يمين.

طيب، إذا كان يحتمل هذا وهذا، كعَرَج وفَسَاد في طعام وما أشبه ذلك، فالمؤلف يقول: إن القول قول المشتري.

عِلَّة ذلك: أن العيب فوات جُزْء في المبيع -وهو الكمال- فالمعيب قد فاته الكمال، والأصل عدم قبْض هذا الجزء الفائت، ومن الذي يدعي عدم قبضه؟ المشتري، فيكون القول قول المشترِي؛ هذا وجهه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» .

ص: 992

البائع الآن يقول: إني بعتُ عليك هذا الشيء سليمًا، وهو يقول: بعته عليَّ معيبًا، والمسألة محتملة. نقول: القول قول المشتري. لماذا؟ لأن الأصل عدم قبض هذا الجزء الفائت بالعيب، فيكون المشتري مُدَّعى عليه والبائع مُدَّعٍ. وهذه الرواية من مفردات المذهب؛ مذهب الإمام أحمد.

والقول الثاني: أن القول قول البائع؛ وهو مذهب الأئمة الثلاثة، وهو القول الراجح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:«إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ» ، وهذا نص صريح؛ ولأن المشتري مُدَّعٍ أن العيب سابق، والأصل عدم وجود العيب، الأصل عدم العيب، وهذا المشتري يدعي أنه سابق أنه منذ ثلاثة أيام، والبائع يقول: أبدًا.

فالأصل السلامة، ودعوى أن العيب سابق على العقد خلاف الأصل، وعلى هذا فالقول الراجح أن القول قوْل البائع.

ولكن يجب أن نعلم أن كل من قلنا: القول قوله فإنه لا بد مِن اليمين؛ هذه قاعدة عامة: كل من قلنا: القول قوله فلا بد من اليمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» ، وفي لفظ:«عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ؛ إذ «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ» .

فإن قال قائل: المدعي يسهل عليه أن يحلف؛ أولًا: لأجل أن يصر على قوله، وثانيًا: طمعًا؟

قلنا: «إِذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» .

ولا يمكن لمؤمن أن يقدم على هذا العمل. ثم إن الإمام أحمد رحمه الله قال: اليمين الفاجرة تدع البلاد بلاقع، يعني أنها مُتلِفة، وهذا هو الواقع.

ص: 993

ولقد حدثني أحد الأشخاص الموثوقين أنه صار له دعوى على شخص بدراهم، وليس له بها بينة وهي ثابتة، فتحاكموا إلى القاضي، وحكم ببراءة المدَّعى عليه باليمين، وحلف أنه بريء منها، فدعا عليه المحكوم عليه، فخرج هو وعائلته من البلد التي جرى فيها التحاكم إلى بلد قريبة منها فأُصِيب بحادث ومات هو وعائلته! ! هذا الذي حلف وهو كاذِب، وهذا شاهد لقول الإمام أحمد: إنها تدع الديار بلاقع؛ أي خالية ليس فيها أحد.

ففائدة اليمين إذن أن فيها خطرًا عظيمًا دنيويًّا وأخرويًّا، ولا يقدم عليها إنسان إلا رأى النتيجة سيئة قريبًا أو بعيدًا.

طالب: قلنا: إذا اشترى جوز هند أو بيض نعام، أن هذه الأشياء إذا ردها رد الأرش معها، فالآن في زمننا هذا ما يُنتفع بقشر جوز الهند والأشياء هذه؟

الشيخ: طيب، إذن إذا كان لا يُنتفع بها فإنها تكون كبيض الدجاج.

طالب: يا شيخ، أنا ما فهمت موضوع البيض، أنه إذا بِيع البيض، ثم انكسر عند المشتري يكون ..

الشيخ: ما هي انكسر؛ كسرها المشتري.

الطالب: إي نعم.

الشيخ:

طالب: شيخ -بارك الله فيك- مدة خيار المشتري في خيار العيب، كم مدته؟ يحدده العرف أم .. ؟

إي نعم، المذهب ما له حد إلا إذا وُجِد دليل الرضا، ودليل الرضا عرفتم أنه يصرح أو يتصرف، ولكن بعض أهل العلم يقول: إنه على التراخي ما لم يُؤخِّر تأخيرًا يضر البائع.

الطالب: والثاني أرجح.

الشيخ: وهذا أرجح لا شك.

طالب: شيخ، ذكرنا أنه لا أرْش في خيار التدليس إلا في التصرية، وذكرنا فيه أرش خيار العيب.

الشيخ: إي نعم.

الطالب: الفرْق يا شيخ؟

الشيخ: هل ذكرنا إلا في التصرية؟ هل استثنينا التصرية في خيار التدليس؟

الطالب: لا.

الشيخ: خلاص، خيار التصرية هو الذي بنى عليه الفقهاء أنه لا أرْش في التدليس.

الطالب: الفرق بين العيب والتدليس؟

الشيخ: فوات جزء (

)

طالب: ما عرفت أنا جوز الهند.

الشيخ: إن شاء الله تسافر الهند وتشوفه!

الطالب: يعني هي ثمرة من الثمار ولَّا .. ؟

ص: 994

الشيخ: إي، ثمرة من الثمار، لكنها كبيرة، ولها قِشْر صلب.

الطالب: (

).

الشيخ: هل عرفت بيض النعام؟

الطالب: إي نعم.

الشيخ: هذه مثلها.

طالب: هل يدخل تحت الوعيد من اقتطع مال امرئ كافر وليس بمسلم؟ وهل عليه يمين إن أنكر؟

الشيخ: الكافر إذا كان له عهْد فإنه لا يجوز الخيانة.

الطالب: طيب، وإن كان منكرًا هذا الكافر وطلب منه اليمين، فهل (

)؟ يعني هل يقبل من هذا الكافر اليمين إن أنكر، وطلبه المسلم؟

الشيخ: يُقبل منه اليمين.

طالب: قوله: إنه إذا اشترى الذهب بالدنانير، وتبين أن الذهب الذي اشتراه عيبًا فإنه يتعين الرد ولا يتعين الأرش؛ لأنه ..

الشيخ: ولا يجوز.

الطالب: ولا يجوز الأرْش؛ لأنه يترتب على ذلك ربا. نقول: إن هذا الذهب قيمته ليست القيمة التي أخذها، قيمته مع الأرش هذه قيمته، فإذا اشترى الذهب بثلاثة آلاف مثلًا، وتبين أنه معيب ولا يسوى إلا ألفين وخمس مئة، لو قلنا: إن الزيادة الخمس مئة هذه ليست ربًا، وإنما هي نقص من قيمته.

الشيخ: هل قرأت حديث عبادة بن الصامت؟

الطالب: نعم.

الشيخ: «الذَّهَبُ» ؟

الطالب: «بِالذَّهَبِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ» .

الشيخ: «مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ» ، هنا نقول: كان على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول: الذهب بالذهب قيمة بقيمة، ولكن الرسول قال:«مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ» .

طالب: المقصود يا شيخ القيمة الورقية الآن؛ يعني الذهب المعيب قيمته تختلف عن قيمته إذا كان صحيحًا.

الشيخ: سبحان الله، ما فهمت ما أقول؟ ! الآن الأخ يقول: كان على الرسول أن يقول: الذهب بالذهب قيمة بقيمة، فأَعْطِه عشرة مثاقيل من الذهب بمثقال من الذهب يساويها في القيمة، كذا؟

طالب: لا يا شيخ.

الشيخ: هذا كلامك.

الطالب: ما أردت هذا.

ص: 995

الشيخ: وإن لم تُرِد فهذا معنى كلامك، إذا بعتُ عليه حُليًّا من الذهب بوزنه ذهبًا، نقود، وافق الحديث أو لا؟ وافق الحديث، فوجدنا فيه العَيْب، نقول: الآن لو أعطينا الأرْش لحصل التفاضل، فيتعيَّن الرد.

الطالب: طيب، الأوراق النقدية يا شيخ هي موزونة.

الشيخ: ما تكلمنا عن الأوراق النقدية بارك الله فيك.

الطالب: لا، أنا سؤالي في الأوراق النقدية.

الشيخ: إحنا كلامنا في الذهب، مثالنا في الذهب الحلي، حلي ذهب بذهب؛ هذا المثال، أما مسألة الأوراق خليها جانبًا؛ لأنها (

) فيها ألف إشكال.

طالب: عفا الله عنك، (

) صغير وواحد حلف ومات، وحلف على (

)، ومات هو وأبوه وأخوه؟

الشيخ: الله أكبر! صحيح.

الطالب: ولو كان يا شيخ ها الحين توقف، واشهدوا على الناس، ناس من (

) أن العقوبة تنزل ما قال أسبوع (

)، وها الحين يا شيخ نشاهد الناس يحلفون على الكذب، وما يدرون شيئًا.

الشيخ: هذا من الابتلاء والاستدراج، يستدرج الله الناس بأن يفعلوا أسباب الهلاك ولا يهلكون:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178].

الطالب: (

) سبحان الله العظيم!

الشيخ: نعم.

طالب: شيخ، إذا أراد الرد لا لأجل العيب، ولكن لأجل شيء آخر مع وجود العيب، مثلًا لو اشترى شاة فنزلت القيمة، فوجد فيها عيبًا، فقال: أردها لأنها نزلت القيمة لا؛ لأن العيب موجود.

الشيخ: إي، له الحق.

الطالب: ولكن ما أراد الـ (

).

الشيخ: هو الآن العيب يقول: ما به، أرأيت لو زادت القيمة أليس نقول: لك أن تمسكه؟

الطالب: بلى.

الشيخ: نفس الشيء.

***

ص: 996

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى: السادس: خيارٌ في البيع بِتَخْبِير الثمن متى بان أقل أو أكثر، ويثبت في التولية والشركة والمرابحة والمواضعة، ولا بد في جميعها من معرفة المشتري رأس المال، وإن اشترى بثمن مؤجل، أو ممن لا تُقبَل شهادته له، أو بأكثر من ثمنه حيلة، أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن، فللمشتري الخيار بين الإمساك والرد.

الشيخ: (ولم يبين ذلك في تخبيره بالثمن).

الطالب: (وللمشتري الخيار).

الشيخ: لا، قبلها:(أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن).

الطالب: (وللمشتري الخيار).

الشيخ: لا، (ولم يبين ذلك) اكتبها:(ولم يبين ذلك في تخبيره بالثمن).

الطالب: أكمل يا شيخ؟

الشيخ: اقرأ من الأول.

الطالب: وإن اشترى بثمن مؤجل، أو ممن لا تقبل شهادته له، أو بأكثر من ثمنه حيلة أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن، ولم يُبيِّن ذلك في تخبيره بالثمن، فللمشتري الخيار بين الإمساك والرد.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اختلف البائع والمشتري عند مَنْ حَدَثَ العيب؟

طالب: فقول مشترٍ مع يمينه.

الشيخ: بدون تفصيل.

الطالب: لا، فيه التفصيل.

الشيخ: فَصِّل.

الطالب: الأول: ألا يكون هناك احتمال يُقوِّي جانب أحدهما، فالقول قول مشترٍ مع يمينه، وأما إذا كان لا يحتمل إلا قول أحدهما، فقول الذي يُحمَل عليه بِلا يمين.

الشيخ: إي، أحسنت، هذا التفصيل.

مثال ما لا يحتمل إلا قول أحدهما؟

طالب: مثال: اشترى شيئًا ومر عليه قدرٌ من الزمن، ثم ادعى أنه اشتراه مجروحًا، فإذا ..

الشيخ: فنظرنا إلى الجرح.

الطالب: فنظرنا إلى الجرح، فإذا هو طري.

الشيخ: فإذا هو طري.

الطالب: فعلى هذا يُحمل على أنه حدث من عنده، يعني تأكد أنه حدث من عنده.

الشيخ: هذا لا يحتمل إلا قول مَنْ؟

الطالب: لا يحتمل إلا قول البائع.

الشيخ: البائع، أحسنت.

ص: 997

طيب، مثال ما لا يحتمل إلا قول المشتري؟

طالب: مثاله أن يشتري مثلًا عبدًا وفيه أصبع زائد، فيقول: إن الأصبع الزائدة ردت بعد البيع، فلا يحتمل إلا قول البائع.

الشيخ: لا يحتمل إلا قول البائع؟

الطالب: المشتري.

الشيخ: إلا قول المشتري، صحيح؟

طلبة: نعم.

الشيخ: لأنه لا يمكن ينبت الأصبع الزائد. ومثله لو كان أثر الجرح قديمًا، لو كان أثر الجرح قديمًا لا يحتمل أنه جُرِح وبرئ، فالقول قول المشتري.

طيب، في أصل المسألة يقول المؤلف: إن القول قوْل المشتري، فما هو الدليل أو التعليل؟

طالب: التعليل (

) التعليل يا شيخ.

الشيخ: ما هو؟

الطالب: التعليل أن البيع على هذه الصورة فيه فوات جزء من المبيع وهو الكمال، والأصل عدم قبْض هذا الجزء الفائت، فيكون المشتري مُدَّعى عليه.

الشيخ: صح، الأصل أن الأشياء على الكمال، والعيب فوات، والأصل عدم قبض هذا الفائت، فيكون القوْل قول المشتري.

هل هناك قول آخر؟

طالب: هذا القول قول البائع.

الشيخ: القول قول البائع. طيب، ما التعليل؟

الطالب: استدلوا بدليل، وعللوا المسألة ..

الشيخ: دليل وتعليل؟

الطالب: استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَوْ يَتَرَادَّانِ» .

الشيخ: «فَالْقَوْلُ مَا قَالَ البَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ» .

الطالب: وعلَّلوا بأن الأصل السلامة وعدم وجود العيب.

الشيخ: أحسنت. بماذا يدفعون تعليل الآخرين؟ بماذا يدفعون قول الآخرين؟

طالب: والله بالحديث يا شيخ الذي ذكروه.

الشيخ: الحديث على العين والرأس، لكن التعليل؟

الطالب: قلنا: الأصل ليس فوات، الأصل أنه لا يكون فيه عيب.

الشيخ: الأصل أنه قبضه سليمًا؟

الطالب: نعم.

الشيخ: صح، إذن الصواب أن القول قول البائع إلا إذا كان لا يحتمل إلا قول المشتري، فعرفتم أن القول قول المشتري.

لماذا لا نُلزمه باليمين إذا كان لا يحتمل إلا قول أحدهما؟ لماذا لا نلزمه باليمين؟

ص: 998

طالب: لأن الحق له.

الشيخ: والحق له، ما يحتاج إلى يمين؟

الطالب: (

).

الشيخ: ليش؟ الآن لو ادعيت على زيد أني أطلبه عشرة ريالات، وأنكر، لا بد من اللي يحلف؟

الطالب: هو يحلف، لكن أنت؟

الشيخ: لا، أنا الآن مُدَّعى عليَّ، الآن البائع يقول: أبدًا، أنا ما عاب عندي، لم يعب عنده، فعلى (

).

الطالب: نقول له: احلف و ..

الشيخ: نقول: احلف؟

الطالب: نعم.

الشيخ: إذا لم يحتمل إلا قول أحدهما؟

الطالب: القول قوله إذا لم يحتمل إلا قول أحدهما.

الشيخ: بلا يمين؟

الطالب: نعم.

الشيخ: لماذا لا نلزمه باليمين؟

طالب: لأن البينة موجودة.

الشيخ: ولا فائدة من ذلك؛ لأن اليمين لتوكيد الشيء، وهنا ما حاجة، أصبع زائدة معروف أنها حادثة عند البائع، جرح طري والبيع له عشرة أيام معروف أنه عنده مشكلة، ما حاجة (

)، واضح؟

قال رحمه الله تعالى: (السادس) يعني من أقسام الخيار، (خيارٌ في البيع بتخبير الثمن).

قوله: (بتخبير الثمن) متعلق بالبيع، يعني فيما إذا باع بتخبير الثمن، وتخبير بمعنى إخبار، أي فيما إذا باع الشيء بما أخبر به من الثمن؛ هذا معنى العبارة.

والظاهر -والله أعلم- أن الفقهاء رحمهم الله تناقلوها، عبر بها الأول، ثم تبعه الآخر، وإلا فلو قيل: خيار يثبت فيما إذا أخبره بالثمن، كان أوضح، وهذا هو المعنى؛ يعني إذا باع الشيء وقال المشتري: كم الثمن؟ قال: الثمن مئة ريال، وهو باعه برأس ماله، الآن أخبره بالثمن بأن رأس المال مئة ريال، فإذا تبين أن رأس المال تسعون ريالًا، فحينئذٍ يثبت له الخيار، بسبب إخباره بالثمن، بسبب إخبار البائع إياه بالثمن، فتبين أن إخباره بالثمن صحيح ولَّا غير صحيح؟ غير صحيح؛ لأنه قال: بمئة، ثم ثبت أنه اشتراه بثمانين.

ص: 999

أعود مرة ثانية: جاءني رجل، قال: أنا قد اشتريت سيارة بثمانين ألفًا، فجاءني رجل وقال: بعنيها برأس مالها. قلت: طيب بعتُها عليك برأس المال. كم رأس المال؟ قلت: مئة ألف. قال: قبلت، ثم تبين بعد ذلك أن الثمن ثمانون ألفًا، تبين بالاستمارة ولَّا بالشهود؟ المهم تبين أنه ثمانون ألفًا، فالبائع حينئذٍ كذب على المشتري حيث أخبره بما لا صحة له، هذه المسألة. واضح؟

إذن (خيار) يثبت (في البيع بتخبير الثمن)، وقلت لكم:(بتخبير) متعلق بـ (البيع)، وليس متعلقًا بـ (خيار)، بل متعلق ب ـ (البيع)، يعني يثبت فيما إذا باعه بتخبيره بالثمن.

والتخبير هنا بمعنى الإخبار؛ لأنه مصدر خبَّر يُخبِّر تخبيرًا، ويماثله: أخْبَرَ يُخبر إخبارًا.

قال المؤلف: (بتخبير الثمن متى بان، أقل أو أكثر).

(متى بان أقل) واضح، يعني متى بان الثمن أقل مما أخبر به؛ هذا واضح.

لكن (أو أكثر) تصويرها صعب، ولهذا لا توجد هذه العبارة (أكثر) لا في الإقناع ولا في المنتهى ولا في المقنع اللي هو أصل الكتاب هذا ولا غيرها، فإما أن تكون سبقة قلم من المؤلف، وإلا فتصويرها صعب.

أما (متى بان أقل) واضحة؛ لأنه إذا بان أقل صار المشتري مغبونًا، أما إذا بان أكثر فليس بالمغبون، اللهم إلا أن يقول المشتري: أنا لا أريد أن يمن عليَّ، أنا أريد الثمن الحقيقي بلا زيادة؛ فهذه ربما تكون هذه الصورة، وأما من الناحية المالية، فمتى بان أكثر فالواقع أن الحظ في جانب المشتري، فكيف يثبت له الخيار؟

يقول: (متى بان أقل أو أكثر، ويثبت في التولية والشركة والمرابحة والمواضعة).

وجه حصره في هذه الأربع: أن هذه هي الصور الممكنة عقلًا، البيع بالتخبير يمكن بصور أربع فقط.

ص: 1000

(التولية): هي أن يبيعه برأس ماله، وسميت تولية؛ لأن المشتري صار بدلًا عن البائع، وكأنما يسير وليًّا له، أي متابِعًا له، وكأنه يقول -أي البائع-: وليتُك ما توليتُ؛ ولهذا تسمى تولية؛ وهي أن يبيعه برأس المال، يشتريه بمئة، ويأتيه واحد يبغي يشتريه منه، يقول: بعتُه عليك برأس المال، هذه تولية.

(والشركة): أن يبيع عليه بعضه بقسطه من الثمن. مثلًا إذا باع عليه النصف يكون على المشتري الثاني نصف الثمن، الثلث عليه الثلث، الربع عليه الربع، التولية باعه كله أو باع بعضه؟

طلبة: كله.

الشيخ: طيب، الشركة باع بعضه؛ النصف أو الربع أو أكثر أو أقل.

(والمرابحة والمواضعة)، المرابحة يبيع كله أو بعضه، وكذلك المواضعة، المرابحة أن يبيعه برأس ماله وربح معلوم؛ هذه المرابحة، فيقول: بعتُكَ برأس مالِه وربح عشرة ريالات؛ هذه المرابحة، أو: بعتك برأس ماله مع ربح العُشر؛ يعني سواء عين الربح أو نسبه؛ هذه المرابحة.

الرابعة: (المواضعة) أن يضع من الثمن، فيقول: بعتُك إياه بخسارة عشرة ريالات، أو العُشر، أو الخمس، أو ما أشبه ذلك. هذه معاني هذه الأربعة.

الأمثلة: (التولية): اشتريت سيارة بمئة ألف، فجاءني رجل فقال: بعنيها برأس مالها، فقلتُ: بِعْتُكها برأس مالها. هذه تولية.

(الشركة): اشتريت أرضًا بمئة ألف، فجاءني رجل فقال: اجعل لي بعض الأرض، أنا أريد أن أعمر مُستراحًا لي، اجعل لي نصف الأرض، فقلت: نعم، أشركتُك بنصف الأرض على حسب رأس المال. هذه تولية ولَّا لا؟

طلبة: شركة.

الشيخ: شركة، لكنها بحسب الثمن تولية؛ لأنه ما ربح عليه ولا نزَّل له.

(المرابحة): اشترى سيارة بمئة ألف، فجاءه إنسان وقال: أنا أريد أن أربحك، بعنيها بربح عشرة آلاف، فيقول: بعتُك. هذه مرابحة.

أو يقول: بِعنيها برِبْح العُشر، كم تكون؟ عشرة آلاف، نفس الشيء، مئة وعشرة آلاف. فالمرابحة تكون بالنسبة وتكون بالتعيين.

ص: 1001

(المواضعة) عكس المرابحة، يقول: إني اشتريتها بمئة، وأنا أضع لك عشرة في المئة، أو يقول: العُشر، فتكون بكم؟ بتسعين.

طيب هذه أنواع أو صور مع ما ذكر المؤلف.

قال: (ولا بد في جميعها من معرفة المشتري رأس المال) يعني: إذا بعتها تولية لا بد أن يعرف المشتري رأس المال؛ لأنه إن لم يعرفه صار مجهولًا، ومن شرط صحة البيع العلم بالثمن.

وظاهر كلام المؤلف: حتى ولو كان البائع ممن عُرف بالمتاجرة، ووُثِق من شرائه، فإنه لا بد أن يعرف المشتري رأس المال، فلو جاءني وقال: اشتريتُ منك هذه الأرض برأس مالها، فقال: بعتُك إياها، والمشتري لا يعلم كم رأس المال، فإن البيع لا يصح؛ لماذا؟ لأن الثمن مجهول، ومن شروط البيع أن يكون الثمن معلومًا.

ويتخرَّج على القول بأنه يجوز أن يبيعه كما باع فلان أو بمثل ما باع به فلان، يتخرَّج من هذا القول جواز ذلك، إذا كان المشتري معروفًا بالحذق في البيع والشراء، المشتري اللي هو البائع في المسألة الثانية، فاهمين؟

طلبة: نعم.

طالب: ما فهمنا.

الشيخ: لا إله إلا الله! اشتريت أنا أرضًا بمئة ألف ريال، وأنا ممن يتجر بالأراضي ولا يُغْبن فيها، فجاءني رجل وقال: بِعْني الأرض التي اشتريت برأس مالها، قلت: بعتها عليك، وهو لا يدري كم اشتريتها، لكنه يعرف أنني رجل مُتاجِر حاذق، لا أُغْبن في الشراء، فالمذهب لا يجوز، لكن قلت لكم: يتخرج على القول بجواز البيع كما يبيع الناس أو كما يبيع فلان أنه يجوز، وهو الصحيح؛ لأن كثيرًا من الناس إذا عرف أن هذا الرجل ممن يتاجرون مثلًا بهذه السلعة، وأنه حاذق فيها يثق به، بل ربما لو أراد أن يشتريها لجاء إليه يستشيره.

ولكن لا شك أن الأولى والأحسن أن يَعْلم الثمن؛ لأن الإنسان قد يُقدِّر ثمن هذه السلعة قليلًا ويكون كثيرًا، وهذا يقع بكثرة، أن الإنسان يظن أن الأرض مثلًا هذه لا تبلغ هذه القيمة، فإذا كان قد عقد البيع ولزم البيع فإنه ربما يستحيي أن يقول: هوَّنت.

ص: 1002

فمن ثم نقول: لا شك أن الأولى بيان الثمن للمشتري؛ أولًا: للخروج من الخلاف، وثانيًا: لأنه أطيب للقلب، لكن كون هذا شرطًا هذا فيه نظر، بل نقول: إذا كان البائع الذي باع برأس المال ممن عُرف بالحذق في التجارة فإنه يكفي الاعتماد على حذقه واتجاره.

طيب، عندي بالشرح يقول: لا بد من معرفة المشتري والبائع رأس المال. الماتن حذف كلمة (البائع)، والشارح قال:(والبائع)، وإنما حذفها الماتن؛ لأن الغالب أن البائع يعلم رأس المال، لكن قد يكون لا يعلم كثيرًا، يعني كثيرًا ما يقع وهو لا يعلم، مثل أن يكون البائع تاجرًا له وكلاء، فاشترى وكيله له أرضًا، ثم جاء رجل وقال له -أي للتاجر-: بعني الأرض المذكورة برأس المال، قال: أبرك ساعة، أبيعها عليك. البائع حينئذٍ يعلم ولَّا ما يعلم؟

طلبة: يعلم.

الشيخ: من اللي يعلم؟ وكيله، وهو لا يعلم، إذن لا بد أن يعلم البائع برأس المال، واشتراط علم البائع برأس المال أوكد من اشتراط علم المشتري برأس المال؛ لأن البائع ربما يُغبن غبنًا كثيرًا، يكون وكيله قد اشتراها في زمن الرخص مثلًا، اشتراها بمئة ألف وهي تساوي مئتين، أو ارتفع السعر طفرة، وبلغت ضعف قيمتها، وهذا التاجر لا يعلم، فإذا باعها عليه برأس المال، وقال الوكيل: إن رأس مالها مئة ألف، وهي تساوي مئتين ألف أو أكثر، سيقول البائع: إن هذا المشتري غبنني وخدعني ويكون في قلبه حسْرة لا سيما إن كان ممن هم حريصون على الدنيا، ويُمَثِّلون قول المتنبي:

بَلِيتُ بِلَى الْأَطْلَالِ إِنْ لَمْ أَقِفْ بِهَا

وُقُوفَ شَحِيحٍ ضَاعَ فِي التُّرْبِ خَاتَمُهُ

تشبيه عجيب، بَلِيتُ بِلَى الأطلال، الأطلال هي بقايا الديار.

............... إِنْ لَمْ أَقِفْ بِهَا

وُقُوفَ شَحِيحٍ ضَاعَ فِي التُّرْبِ خَاتَمُهُ

هذا رجل شحيح ضاع خاتمه بالتراب، متى يروح؟

طالب: (

).

الشيخ: نعم، يبقى بها التراب، يحرثه ويدفنه حتى يجد الخاتم.

ص: 1003

فالحاصل أن نقول: إنه إذا كان البائع لا يعلم بالثمن لكونه وكل الأمر إلى وكلائه فجاءه إنسان واشترى منه شيئًا برأس المال، ثم تبين لهذا التاجر أن رأس المال أقل مما يتصور، فحينئذٍ سيقول: إن المشتري خدعني وغبنني، فيقع في نفسه شيء. إذن لا بد في الخيار بتخبير الثمن، لا بد من عِلْم البائع والمشتري برأس المال.

انتبه الآن: باع عليَّ الرجل برأس مال، باع عليَّ سلعة برأس المال، فقلت له: كم رأس المال؟ قال: رأس المال مئة، ثم تبين أن رأس المال ثمانون، لي الخيار أو لا؟

طلبة: نعم.

الشيخ: لي الخيار، إن شئتُ أمسكتها، وإن شئت رددتها، ولكن المذهب ألَّا خيار، أن يُقال له: نضع عنك الزائد وتلزمك؛ لأن هذا من مصلحته، فكيف نثبت له الخيار؟ هو اشتراها برأس المال، وقيل له: إن رأس المال مئة، ورضيها بمئة، وتبين أن رأس المال كم؟ ثمانون، كيف نجعل له الخيار؟ لا نجعل له الخيار، الخيار لدفع الضرر، وهذا الذي اشترى برأس المال على أنه مئة، ثم تبين أنه ثمانون، هل عليه ضرر؟

طالب: لا.

الشيخ: إذا قيل: أعطِنا ثمانين وامشِ، ما فيه ضرر. فالمذهب في هذه المسألة أن يُقال: متى بان أن الثمن أقل فلا عليك ضرر، خُذْه بالثمن الحقيقي ولا خيار لك.

نعم، لو رأى القاضي، إذا ترافعوا للقاضي، ورأى القاضي أن من المصلحة إثبات الخيار له لكونه يعلم أن البائع مُدلِّس، فحينئذٍ يتوجه القول بإثبات الخيار تأديبًا لمن؟ للبائع عن التدليس والكذب، وأما إذا لم يكن هناك شيء فلا يمكن؛ لأن المشتري قد يجعل هذا وسيلة -يعني المشتري إذا قلنا: له الخيار- قد يجعله وسيلة لترْك المبيع؛ لأن قيمته في السوق نقصت، فنفتح باب الحيل على الناس.

طيب لو أن البائع قال: بِعتُك برأس المال، قال: كم رأس المال؟ قال: مئة، ثم تبين أنه ثمانون؟ ما مشى عليه المؤلف: له الخيار، والمذهب: لا خيار، ولكن ينزل الزائد.

ص: 1004

لو قال البائع: أنا والله غلطت، قلت: إن الثمن مئة، ظننت أنها السلعة الفلانية، أو أن قيمة هذه السلعة مئة غلطًا؛ فإنه لا يُقبل قوله إلا ببينة؛ لأنه مُدَّعٍ.

إذا لم يكن عنده بينة، فهل القول قول المشتري؟ نعم، القول قول المشتري، فيحلف أنه لا يعلم أن البائع غلط، ويثبت له الخيار على القول بالخيار.

خلاصة الأمر الآن: أن هذا القسم من الخيار مُختلَف فيه، هل يثبت أو لا؟ فالمذهب لا يثبت، إذا بان أن رأس المال أقل مما اشترى به، ووجه عدم ثبوت الخيار له أنه لا ضرر عليه؛ لأن من قبِل الشيء بمئة لا ضرر عليه أن يكون عليه بثمانين، والخيار إنما هو لدفْع الضرر.

أما المؤلف فيرى الخيار، وقلت لكم: إنه لو قيل بقول وسط في هذه المسألة، وهو أنه إذا ثبت أن البائع كاذب متعمدًا فإنه ينبغي أن نُمكِّن المشتري من الخيار، لماذا؟ تأديبًا للبائع وعقوبة له.

ثم قال: (وإن اشترى بثمن مُؤجَّل، أو ممن لا تُقبل شهادته له، أو بأكثر من ثمنه حيلة، أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن) هذه أربع مسائل: (ولم يُبيِّن ذلك في تخبيره بالثمن، فلمشترٍ الخيار بين الإمساك والرد).

(إذا اشترى بثمن مؤجل)، ومعلوم أن الثمن المؤجَّل أكثر من الثمن الحال، اشترى هذه السلعة بثمن مؤجل بمئة ألف، ثم جاءه إنسان وقال: بعنيها برأس المال، قال: بعتك برأس المال. كم رأس المال؟ قال: مئة ألف، ثم تبين أن الثمن بالصفقة الأولى مُؤجَّل؛ يثبت للمشتري الخيار؛ لأنه من المعلوم أن الثمن المؤجل أكثر من الثمن الحال، وهو قد باعه على المشتري؛ المشتري الأول باعه على المشتري الثاني بثمنه الحال، لم يقل: إني اشتريته بثمن مؤجل، فاشتراه على أنه الثمن حال وسلَّمه مئة ألف، ثم تبين أنه اشتراه بثمن مؤجل. يثبت له الخيار، لِمَنْ؟ للمشتري الثاني، له أن يفسخ البيع.

ص: 1005

المذهب لا خيار له في هذا، ويبقى الثمن عليه مؤجلًا، لكن المذهب في هذه المسألة ضعيف، والصواب ما مشى عليه الماتِن؛ أنه يثبت له الخيار؛ لأن المشتري الثاني يقول: أنا عندي دراهم ما حاجة أني ألتزم بثمن مؤجل زائد على الثمن الحاضر، فعليه ضرر.

فلذلك انتبهوا، يعني الآن ما مشى عليه المؤلف الماتن من ثبوت الخيار هو الصحيح، والفرق بينه وبين المسائل الأربع أن المسائل الأربع السابقة ما عليه ضرر، أما هذه عليه ضرر؟ مفهوم ولَّا غير مفهوم؟ غير مفهوم.

طلبة: غير واضح.

الشيخ: اللَّهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا.

الآن إن شاء الله نعيدها: رجل اشترى أرضًا بمئة ألف تحل بعد سنة، الثمن الآن مُؤجَّل. جاء رجل قال: بعها عليَّ برأس مالها، قال: بعتُها عليك، قال: تفضَّل، هذه مئة ألف، ثم تبين أن البائع الذي باع عليه -وهو المشتري الأول- قد اشتراها بثمن مُؤجَّل، نقول: للمشتري الثاني الخيار. لماذا؟ لأن الثمن المؤجل يكون أكثر من الحال.

لو قال البائع: خُذْ دراهمك، أنا أؤجلها عليك، نقول: لا يصح، لا يلزمه؛ لأنه قد يقول: أنا الدراهم حاضرة عندي، وآخذها بثمانين نقدًا، فلي الخيار. ثم إن بعض الناس لا يرضى بالتأجيل، يبقى الشيء دينًا في ذمته، اتضح الآن ولَّا ما اتضح؟ اتضح.

المذهب يقولون: إنه يأخذه بتأجيله ولا خيارَ له؛ لأنه لا ضرر. ونقول: بل له الخيار، وقولهم:(لا ضرر) غير صحيح، بل عليه ضرر. ما هو الضرر؟

ص: 1006

وإن اشْتَرَى بثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أو مِمَّنْ لا تُقْبَلُ شَهادتُه له ، أو بأَكْثَرَ من ثَمَنِه حيلةً أو ، باعَ بعضَ الصَّفْقَةِ بقِسْطِها مِن الثمَنِ ولم يُبَيِّنْ ذلك في تَخْبِيرِه بالثمَنِ ، فللمُشْتَرِي الخيارُ بينَ الإمساكِ والرَّدِّ، وما يُزادُ في ثَمَنٍ أو يُحَطُّ منه في مُدَّةِ خِيارٍ، أو يُؤْخَذُ أَرْشًا لعَيْبٍ أو جِنايةٍ عليه يَلْحَقُ برأسِ مالِه ويُخْبَرُ به، وإن كان ذلك بعدَ لُزومِ البيعِ لم يَلْحَقْ به، وان أُخْبِرَ بالحالِ فحَسَنٌ.

السابعُ: خِيارٌ لاختلافِ الْمُتبايِعَيْنِ ، فإذا اخْتَلَفا في قَدْرِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا،

نقول: لا يصح، لا يلزمه؛ لأنه قد يقول: أنا الدراهم حاضرة عندي وآخذها بثمانين نقدًا، فلي الخيار.

ثم إن بعض الناس لا يأبه بالتأجيل؛ يبقى الشيء دينًا في ذمته، اتضح الآن ولَّا ما اتضح؟

طلبة: اتضح.

الشيخ: اتضح طيب.

المذهب يقولون: إنه يأخذه بتأجيله ولا خيار له؛ لأنه لا ضرر، ونقول: بل له الخيار، وقولهم: لا ضرر غير صحيح، بل عليه ضرر. ما هو الضرر؟ زيادة الثمن بالتأجيل، وقد يكون الضرر بالتأجيل وإن لم يزد الثمن؛ لأن بعض الناس لو صارت الدراهم عنده يحب أن يقضي لزومه، يخشى أنها لو تبقى بيده لذهبت؛ ضاعت ما يستفيد منها.

إذن هذه المسألة نقول: الصحيح ما مشى عليه الماتن؛ وهو أن له الخيار.

طالب: لو أن -يا شيخ- اشترى أرضًا في الرخص -مثلًا- بمئة، وجاءت الطفرة وصار سعرها ثلاث مئة -مثلًا- فجاء له قال له المشتري: بعنيها بسعر ما اشتريتها ..

الشيخ: برأس مالها.

الطالب: برأس مالها.

الشيخ: طيب.

الطالب: هل نقول: إنه يبيعه برأس المال السابق أم يعمل .. ؟

الشيخ: هو رأس مالها الثمن الذي وقع عليه العقد، هذا رأس المال.

الطالب: نعم، طيب الآن صارت زيادة الآن .. ؟

الشيخ: ما يخالف، هو رضي؛ البائع رضي أن يبيع بالثمن الأول.

الطالب: طيب لو كان المشتري .. ؟

ص: 1007

الشيخ: ولم يقل: بعنيها بالقيمة، يقول: بعنيها بالثمن؛ رأس ماله، وهو مئة فقط.

طالب: شيخ، التخبير بالثمن هل (

) فقط ولَّا على قيمتها بالسوق؟

الشيخ: يا جماعة الخير، يا طلبة العلم، قلنا لكم: الثمن ما وقع عليه العقد، والقيمة ما تساويه في السوق، الثمن: ما وقع عليه العقد قلَّ أو كثر، قد أشتري هذا الشيء بمئة وهو سعره خمسون في السوق، ما هو الثمن؟

طالب: ما وقع عليه.

الشيخ: طيب، قد يساوي مئة في السوق واشتريته بخمسين، ما هو الثمن؟

طالب: هو الذي وقع عليه العقد.

الشيخ: اللي وقع عليه العقد، اللي هو الخمسين.

الطالب: لكن -يا شيخ- اللي أشكل عليَّ أننا (

) -يا شيخ- إذا كان المشتري حذقًا في البيع والشراء وعالمًا فهو جائز، والأولى إخباره بالثمن.

الشيخ: كيف؟

الطالب: قلنا: إذا كان المشتري يعرف البيع والشراء؛ حاذق في هذه المسائل، الأولى أن نخبره، ولو لم نخبره فالبيع جائز.

الشيخ: إي نعم، لكن البائع باع بالثمن، ما باع بالقيمة.

الطالب: إذا كان الثمن -يا شيخ، حفظكم الله- قديمًا.

الشيخ: ما يخالف، الثمن قديم أو حديث، هو رضي أن يبيعه بالثمن والمشتري رضي أن يشتريه بالثمن.

طالب: شيخ -بارك الله فيكم- ما هو الفرق بين بيع الشركة وبين أن يبيع نصف أرضه بمال مثلًا، الآن ملك الأرض وباع نصفها (

) تجعل هذا قسمًا وهو لأنه ملك الأرض وباعها؟

الشيخ: إذا باع -بارك الله فيك- نصف الأرض فهو مُعيَّن، للمشتري الشرقي ولذاك الغربي.

الطالب: طيب، كأنه باع أرضًا؛ يعني: ملكها؟

الشيخ: إذا قال: أنت شريكي فيها صار كل حبة من ترابها فهما فيها شريكان.

الطالب: هذا فيما (

) على ثمن الأجزاء؟

الشيخ: كيف؟ الآن الشركة معناها أن يكون شريكًا له مشاركة مشاع، ما عُيِّن لكل واحد.

الطالب: هذا المراد (

) هذا؟

الشيخ: هذا المراد.

ص: 1008

طالب: (

) مثلًا البائع اشترى وكيله أرضًا ولم يعلم البائع، على قول أنه يصح أن يبيعها البائع قبل أن يعرف الثمن، فقال للمشتري الثاني: أبيعك برأس مالها على ألَّا خيار.

الشيخ: ما يجوز هذا، ربما يخدعه في هذا.

الطالب: لكن ما يعرفه؟

الشيخ: ما يجوز، البائع لا بد من علمه؛ يعني: تأكيد علم البائع أشد من تأكيد علم المشتري.

الطالب: إسقاط الخيار ليس (

الشيخ: إسقاط الخيار بعد أن يثبت.

الطالب: لو علم؟

الشيخ: إذا ثبت (

).

طالب: لو كان -مثلًا- صاحب أحد المحلات يشتري وعنده الأسعار التي اشترى بالحبة أو بالقطعة الواحدة، فأتى أحد اشترى منه جملةً، فقال: أبيعك بثمنها؛ برأس مالها، فهل يلزمه يبيع برأس المال .. ؟

الشيخ: لا بد أن يخبر، سيأتينا هذا، لا بد أن يخبر؛ البائع لا بد أن يخبر يقول: لقد اشتريتها أفرادًا.

طالب: بارك الله فيكم، فيه بعض الأراضي -يا شيخ- تباع بوضع اليد؛ يعني: رجل يأخذ قطعة أرض كبيرة بوضع اليد، لا عقد ولا شيء، ويبيع منها قطعة، ثم تأتي الدولة تأخذ من نفس اللي اشترى هذا أموال (

الشيخ: ضرائب يعني؟

الطالب: لا، ما هو ضرائب، عقد آخر؛ يعني: يقول له: خلاص، أنت اشتريت هذه بوضع اليد منذ فترة كبيرة، فالآن نكتب لك عقدًا، ونأخذ منك ثمن الأرض؛ لأن الأرض هذه حق الدولة.

الشيخ: ما يصير هذا.

الطالب: (

) حصل.

الشيخ: لا، ما يصير، الدولة ما تفعل هذا، الدولة تمنح الأراضي، ومن أحياها فهي له.

الطالب: لا، ما هو هنا يا شيخ، دولة أخرى.

الشيخ: دول أخرى؟

الطالب: إي.

الشيخ: وين؟

الطالب: أمريكا.

الشيخ: أمريكا؟ ! أمريكا ما يحكمون بالشرع، ما علينا منهم.

الطالب: لا، أتكلم الآن في مسألة جايه الآن ما .. اشترى بالأول بثلاث مئة ..

الشيخ: خبرني ويش هذه الدولة؟

طالب: في مصر يسمونها أرض الخفية.

الشيخ: في مصر، أرض خفية؟

الطالب: بمعنى .. ، أوضح المسألة يا شيخ؟

طالب آخر: يا شيخ، الأرض هذه بوضع اليد، اشتراها ..

ص: 1009

الشيخ: ما يشتري بوضع اليد -بارك الله فيك- أصلًا ما يمكن بيعها حتى يثبت ملكها.

الطالب: يا شيخ، أراضي وضع اليد مباعة (

)، الصحراء كلها تباع الآن.

الشيخ: من يأخذ قيمته بوضع اليد هذا؟

الطالب: الرجل الذي وضع يده من أول منذ أن كان ..

الشيخ: طيب، مثلًا افرض أني أنا جئت على أرض بور ما فيها شيء وأخذت -مثلًا- ألف كيلو؟

الطالب: ثم تبيع فدانًا فدانًا مثلًا.

الشيخ: زين.

الطالب: طيب، اللي تبيع له بس لا ورقة ولا شيء؛ يعني: تكتب أنك بعت له وخلاص، لكن المسؤولون يأتون ويقولون: هذه الأرض أنتم أخذتموها بوضع اليد، ولكن نأخذ عليكم مثل عقد حتى ندخل الماء والكهرباء والأشياء هذه، لا بد من مداولة عقد آخر، فيدفع ثمنًا آخر، السؤال: إذا أراد أن يبيعها هل يضيف الثمن الأول مع الثمن الآخر ولَّا يبيعها بنفس الثمن اللي اشتراها به؟

الشيخ: يبين، هو إذا بين .. ، لا بد أن يبين، يأتينا -إن شاء الله- في كلام المؤلف.

***

(

) وأصحابه أجمعين.

السادس من أقسام الخيار؟

طالب: الخيار في البيع بتخبير الثمن.

الشيخ: أحسنت. ما معنى هذه الجملة؟

الطالب: أي: أن يخبر البائع المشتري بثمن السلعة، فيتبين خلاف ذلك بأقل مما أخبره به فالمشتري بالخيار.

الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك.

ما تقول في تلييس البيت القديم وعرضه للبيع؟

طالب: هذا تدليس.

الشيخ: من التدليس.

الطالب: لأنه أظهره بالمظهر المرغوب وهو (

).

الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك. حكمه؟

الطالب: حكمه غش.

الشيخ: غش، لكن حرام ولَّا جائز؟

الطالب: الغش حرام.

الشيخ: حرام.

الطالب: إي.

الشيخ: طيب. هل يعتبر من الصغائر أو من الكبائر؟

الطالب: لا، من الكبائر.

الشيخ: لماذا؟

الطالب: لأن من غش فهو ليس منا.

الشيخ: لتبرؤ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله، طيب، بارك الله فيك.

ما معنى قول المؤلف: (جَمْعِ ماء الرَّحَى وإرسالِه عند عَرْضِها)؟

ص: 1010

طالب: أن يجمع الماء في منطقة حيث قلنا: الجريان بحاجز أو بغيره، ثم إذا أتى يريد أن يبيع ..

الشيخ: يبيع أيش؟

الطالب: يبيع ..

الشيخ: الماء.

الطالب: لا، اسمها؟

الشيخ: الرحى.

الطالب: الرحى نعم، يبيع الرحى، أطلق الماء فتجري الرحى بسرعة، فيظن المشتري أن هذه عادتها.

الشيخ: طيب، يعني يصب الماء في حلقوم الرحى؟

الطالب: لا، يطلق الماء.

الشيخ: طيب، ما علاقة الماء بالرحى؟

الطالب: إذا أطلق الماء اندفع الماء نحو الرحى.

الشيخ: يعني يمر من عندها؟

الطالب: لا يا شيخ، هو الرحى يكون ملامسًا للماء.

الشيخ: طيب، إن لامس الماء جاء الماء فأفسد الدقيق.

الطالب: لا، رحًى للماء ورحًى للدقيق.

الشيخ: ما يصلح. الظاهر أنك ما حضرت ولَّا لا؟

الطالب: لا، حضرت.

طالب آخر: يقول المؤلف: (وجَمْعِ ماء الرَّحَى وإرسالِه عند عَرْضِها) الرحى عبارة عن ..

الشيخ: الرحى اللي تطحن الحب.

الطالب: تطحن الحب اللي هي عبارة عن حجر يدور -يا شيخ- بالماء، أولًا ما كان فيه مواتير قديمًا.

الشيخ: أيش؟

الطالب: في القديم ما كان فيه مواتير.

الشيخ: صحيح.

الطالب: في القديم كانوا يأتون بالماء حتى تلف هذه الرحى بقوة، فيجمع ماء ..

الشيخ: لكن هل هو يباشر الرحى؟

الطالب: لا، البكرة، هو الماء يباشر البكرة (

) الرحى اللي بتدور الرحى، فإذا جاء يبيعها جمع الماء؛ ماء الرحى جمعه، ثم إذا أتى المشتري فتح الماء، فأتى الماء بسرعة واندفع فدوَّر الرحى أمامه تصير كأنها ممتازة.

الشيخ: يعني: الماء يباشر العجلة التي تُدير الرحى.

الطالب: تدير الرحى.

الشيخ: إي. ما وجه كون هذا من التدليس؟

طالب: حيث أظهرها بمظهر مرغوب وهي خالية منه.

الشيخ: إي نعم، أظهرها بالمظهر المرغوب وأنها قوية؛ دورانها قوي، وهي ليست كذلك.

رجل اشترى بيض دجاج فكسره فوجده فاسدًا، فما الحكم؟

طالب: يرجع بكل الثمن.

الشيخ: لماذا؟

الطالب: له الخيار ويرجع بكل الثمن.

الشيخ: طيب، لماذا؟ يرجع بكل الثمن؟

ص: 1011

الطالب: لا يمكن الفائدة من قشر البيض.

الشيخ: من قشره، صح، وقشره غير مقصود أصلًا، إذن يرجع بكل الثمن لتبيُّن فساد العقد؛ لأنه وقع على ما لا منفعة فيه.

رجل اشترى شيئًا فوجد فيه عيبًا فكيف يكون خياره؟

طالب: يأخذ أرش.

الشيخ: يأخذ أرش؟ لازم؟

الطالب: إذا كان ما يستفاد منه ..

الشيخ: لا، يستفاد منه، اشترى شاة فوجدها فيها جرح مثلًا؟

طالب: له الخيار أن يمسكه بأرشه أو يرده ويأخذ الثمن.

الشيخ: طيب، يُخير بين رده وأخذ الثمن أو إمساكه مع الأرش.

ما هو الأرش؟

طالب: هو فرق ما بين (

).

الشيخ: فرق ما بين قيمته سليمًا ومعيبًا، صح.

هل يُؤْخَذ بنفس الفرق أو بالقسط؟

طالب: يؤخذ بنفس الفرق.

الشيخ: بنفس الفرق؟

الطالب: يُقَوَّم.

الشيخ: السؤال هل يأخذ بنفس الفرق أو بالقسط؟

الطالب: القسط.

الشيخ: بالقسط؟

الطالب: بالقسط.

الشيخ: طيب، مثِّل؟

الطالب: يعني مثلًا اشترى سلعةً بثمانين وقيمتها صحيحة مئة.

الشيخ: لا، اشتراها بثمانين معناه عرف العيب ونزلت قيمتها.

الطالب: يعني: قيمتها معيبة ..

الشيخ: اشتراها بمئة فوجد بها عيبًا، قومناها.

الطالب: قومناها معيبًا فطلعت ..

الشيخ: بثمانين.

الطالب: بثمانين.

الشيخ: وسليمة؟

الطالب: بمئة.

الشيخ: بمئة، طيب.

الطالب: (

).

الشيخ: نقول: إما أن ترد السلعة، وإما أن يعطيك البائع.

الطالب: الخمس.

الشيخ: الخمس. طيب، إذا كان قد اشتراها بخمسين وقُوِّمَت بمئة، وكان الأرش عشرين من المئة، فكم يكون الأرش بالنسبة للثمن الذي هو الخمسون؟

الطالب: الأرش عشرون.

الشيخ: عشرون.

الطالب: يكون الخمس يا شيخ.

الشيخ: الأرش عشرون، فتكون عليه بثلاثين.

الطالب: نعم.

الشيخ: كذا؟

الطالب: لا، تكون بأربعين.

الشيخ: كيف تقول: الأرش عشرون؟ ما هو بالأرش عشرون؟

الطالب: لا، الأرش يكون الخمس مقدار ..

ص: 1012

الشيخ: إي، هذا هو الفرق بين قولنا: إنه هو الفرق بين قيمته سليمًا ومعيبًا بالكم أو بالقسط، قلنا: إنه بالقسط، قل: الفرق خمس مثلًا، عشان ينقص من الثمن الخمس؛ وهو عشرة من خمسين.

متى يتعين الأرش؟

طالب: يتعين الأرش إذا تعذر الرد.

الشيخ: تعذر الرد؟

الطالب: إي.

الشيخ: كيف تعذر الرد؟

الطالب: مثلًا أن يأخذ سلعة معيبة ثم تتلف.

الشيخ: إذا تلفت.

الطالب: إي نعم، يتعين الأرش.

الشيخ: إذا تلفت يتعين الأرش؛ لأنه لا يمكن الرد الآن بعد تلفها.

ومتى يتعين الإمساك مجانًا أو الرد؟

طالب: إذا كان يلزم من الأرش الوقوع في الربا.

الشيخ: إذا كان يلزم من الأرش الوقوع في الربا. مثاله؟

الطالب: مثاله إذا اشترى حليًّا ذهبًا، ثم تبين له أن الحلي معيب، فإن أخذ الأرش وقع في الربا (

)، فهنا يتعين؛ إما الإمساك، أو الرد بلا أرش.

الشيخ: سمعتم؟ اشترى حليًّا من الذهب بذهب، فهنا يشترط الموازنة؛ وزنًا بوزن، فإذا ظهر في الحلي عيب، قيل له: إما أن تمسك مجانًا، وإما أن ترد. أما الأرش فلا؛ لأننا لو أعطيناه أرشًا صار ربًا؛ صار في الطرف الآخر زيادة.

ادَّعى المشتري أن في المبيع أصبعًا زائدة، وفعلًا نشاهد الأصبع الزائدة، فقال البائع: حدثت عندك، وقال المشتري: حدثت عندك؟

طالب: القول قول المشتري.

الشيخ: ويش الأصل؟ عدم العيب ولَّا وجود العيب؟

الطالب: الأصل عدم العيب، ولكن هذه الحالة ..

الشيخ: هذا العيب.

الطالب: هذا العيب هو لا يكون إلا قول المشتري.

الشيخ: إي، يعني لا يمكن أن يحدث؟

الطالب: نعم.

الشيخ: طيب، إذن فالقول هنا قول؟

طالب: المشتري.

الشيخ: زين. هل يحلفه أو لا؟

الطالب: لا يحلفه.

الشيخ: لماذا؟

الطالب: لأن الحلف لا داعي له، لغوًا يكون.

الشيخ: توافقون على هذا؟

طلبة: نعم.

الشيخ: طيب.

قال المشتري: إن في الجمل الذي اشتريت دبرة، تعرف الدبرة؟

طالب: إي، دبارة.

الشيخ: إي!

الطالب: يُنْظر إذا كانت الدبرة بأثر جديد ..

ص: 1013

الشيخ: إذا كانت جديدة.

الطالب: جديدة، فهو ..

الشيخ: فالقول قول؟

الطالب: فالقول قول البائع.

الشيخ: صح، وإن كانت ..

الطالب: إن كانت قديمة ..

الشيخ: فالقول قول؟

الطالب: البائع.

الشيخ: كلها القول قول البائع؟ !

الطالب: إذا كانت قديمة فالقول قول المشتري.

الشيخ: نعم.

الطالب: وإذا كانت جديدة فلا عبرة بقول المشتري؛ لأن هذا حدث ..

الشيخ: طيب، إذا احتمل الأمران فمن القول قوله؟

الطالب: قُبِلَ بلا يمين.

الشيخ: لا، من القول قوله؟

الطالب: القول قول البائع.

الشيخ: ولا فيه قول ثانٍ؟

الطالب: القول قول المشتري.

الشيخ: ولا فيه قول ثالث؟ ! ما فيه قول ثالث؟ !

الطالب: لأنه لا بد أن يستلمها صحيحة.

الشيخ: إذا كان هذا خفيًّا، ما هو شيء ظاهر؟

الطالب: هو في قولٍ يُحلَّف.

الشيخ: لا، دعنا من التحليف، هذا إذا قلنا: إن القول قول فلان لا بد من اليمين، لكن لمن القول قوله؟ الآن ذكرت أن في المسألة قولين، ولكنني لا أدري هل هذا الذكر عن علم أو لما أنت سُئلت عن القول الأول أردفت بقول ثانٍ؟

الطالب: عن علم.

الشيخ: عن علم، أيهما المذهب؛ قول المشتري ولَّا البائع؟

الطالب: القول قول المشتري.

الشيخ: المذهب أن القول قول المشتري، صح. والقول الراجح؟

الطالب: القول الراجح أنه للبائع.

الشيخ: أن القول قول البائع.

الطالب: لأن المشتري لا بد أن يستلم ..

الشيخ: اصبر، لا تعلل المسألة، القول قول البائع؟

الطالب: إي نعم.

الشيخ: بارك الله فيك، صحيح يا جماعة.

طلبة: نعم.

الشيخ: طيب، التعليل للقول بأنه قول البائع؟

طالب: أن القول قول البائع لهم دليل حديث وتعليل.

الشيخ: ما هو الحديث؟

الطالب: أما الحديث فهو قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَوْ يَتَرَادَّانِ» (1). وأما التعليل: لأن معه الأصل؛ وهو أن الأصل أن المشتري استلم السلعة كاملة بلا عيب.

ص: 1014

الشيخ: إي، الأصل السلامة حتى يقوم دليل على أن العيب سابق.

ما هو تعليل القول الثاني؟

طالب: القول قول المشتري على المذهب، تعليله: أن الأصل السلامة في السلعة إذا باعها البائع أو أن العقد وقع على كل جزء في السلعة.

الشيخ: نعم.

الطالب: وإذا كان

الشيخ: أن العقد يتم على كل جزء من السلعة، والأصل عدم؟

الطالب: عدم فوات ..

الشيخ: عدم قبض الجزء؟

الطالب: الجزء المعيب.

الشيخ: إي نعم، الذي فات بالعيب، لكنه كما ترى تعليل عليل، وأيضًا هو تعليل في مقابلة النص فلا عبرة به.

***

تخبير الثمن عرفناه قبل قليل ونمشي الآن فيه، ونقرأ بعض الشيء حتى لا يفوت شيء من الدرس.

يقول رحمه الله تعالى: (وإن اشترى بثمنٍ مؤجَّلٍ)(إن اشترى) أي: البائع توليةً، (اشترى) الفاعل يعود على البائع توليةً، (اشترى بثمن مؤجل) ولم يبين، مثل أن يقول: بعتك هذا الكتاب برأس ماله، إذا قال: بعتك برأس ماله، وأيش نوع البيع هذا؟ تولية، قال: كم رأس ماله؟ قال: رأس ماله عشرون درهمًا، قال: أخذته، وكان هذا الذي باعه قد اشتراه بعشرين درهمًا مؤجلًا ولم يخبر، ومعلوم أن الثمن المؤجل يكون أكثر ولَّا أقل؟ أكثر، فاشتراه المشتري، صدَّقه وأخذه بعشرين، ثم تبين أن هذا الثمن كان ثمنًا مؤجلًا، هو صادق؛ لأنه اشتراه بعشرين لكنه ثمن مؤجل. فنقول: للمشتري الخيار؛ إن شاء أمسكه، وإن شاء رده؛ لأن البائع غرَّه وخدعه، فجزاؤه أن يُفسَد عليه أمره وأن يقال للمشتري: أنت بالخيار.

هذا هو الذي مشى عليه المؤلف، وهو وجيه جدًّا إذا كان البائع الذي باع برأس ماله قد خدعه، فنعامله بنقيض قصده.

والمذهب أنه ليس له حق الفسخ، ولكنه يأخذه بأجله؛ لأنه في هذه الحال لا ضرر عليه؛ إذ إنه زاده خيرًا، كان بالأول قد رضي أن يشتريه نقدًا بعشرين، والآن صار عليه مؤجلًا بعشرين، والتأجيل أرفَقُ به فيكون قد زاده خيرًا وليس له الخيار؛ لأن الخيار إنما هو لدفع الضرر وهنا لا ضرر.

ص: 1015

فصارت المسألة: إذا باعه بثمنه وتبين أنه ثمن مؤجل فللمشتري الخيار بين أن يرده وبين أن يمسكه. هذا رأي من؟ المؤلف؛ الماتن، والمذهب لا خيار له، بل يبقى البيع لازمًا مؤجلًا.

ما هو تعليل كلٍّ من القولين؟

أما القول الأول الذي يقول: له الخيار فتعليله أنه خدعه، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (2)، فخدعه، فهذا جزاؤه؛ أن يُفْسَد عليه الأمر.

وأما تعليل الثاني فيقولون: إنه ليس عليه ضرر في هذه الحال؛ لأنه رضي بالثمن نقدًا، فإذا أُجِّل عليه صار ذلك أيسر له، ينتفع بالثمن الآن نقدًا يبيع به ويشتري، فإذا حل الأجل سلَّمه للذي باع عليه فقد زاده خيرًا.

ولكن مع ذلك يقال: قد يكون زاده خيرًا وقد يكون زاده شرًّا، ربما يقول المشتري: أنا أحَبُّ إلي أن أشتري بنقد؛ لأن الدراهم الآن معي، فإن بقيت معي إلى الأجل فربما أصرفها في أشياء غير مفيدة لي، وربما يكون أيضًا في بلد ظالمٌ والِيها، فيَخشى إن بقي عنده شيء من المال أن يؤخذ منه مصادَرة ويقول: أنا التعجيل أحَب إليَّ من التأجيل.

ولكن الجواب على هذا أن يقال: هذه حال نادرة، والأصل عند جميع الناس من حيث العموم أن المؤجَّل أيسر على باذله من الحالِّ.

ولكني -كما قلت لكم-: إذا علمنا أن البائع قد خدعه يقينًا فإنه في هذه الحال نقطع عليه الطريق ونقول للمشتري: أنت بالخيار؛ إن شئت افسخ، وإن شئت خذه بأجله.

إذا قلنا: يأخذ بأجله فهل يكمِّل الأجل أو يبتدئ الأجل من جديد؟

طالب: يكمل من الأول.

الشيخ: يكمل من الأول! كيف يكمل! تناقض.

طالب: يبتدئ من الأول.

الشيخ: هل يأخذه بأجله من جديد أو يكمِّل الأجل؟

طالب: من جديد.

طالب آخر: يكمل الأجل.

الشيخ: لا، يأخذه من جديد؛ لأن الثمن من أوصافه أن يكون مؤجلًا، فالتأجيل من أوصافه، فيأخذه بأجله ابتداءً.

ص: 1016

فإذا قُدِّر أنه باعه بعد أن اشتراه بثلاثة أشهر والأجل ستة أشهر، هل يبقى على المشتري ثلاثة أشهر ولَّا يستأنف ستة؟

طلبة: يستأنف ستة.

الشيخ: يستأنف ستة؛ لأن هذا هو الثمن.

***

طالب: (

) ولم يُبَيِّنْ ذلك في تخبيره بالثمن فللمشتري الخيارُ بين الإمساكِ والرَّدِّ، وما يُزَاد في ثمنٍ أو يُحَطُّ منه في مدة الخِيار أو يُؤخَذ أَرْشًا لعيبٍ أو جنايةٍ عليه يُلْحَقُ برأس ماله ويُخْبَرُ به، وإن كان ذلك بعد لزوم البيع لم يُلْحَقْ به، وإن أخْبر بالحال فَحَسَنٌ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

نحن الآن في القسم؟

طالب: السادس.

الشيخ: السادس من أقسام الخيار؛ وهو الخيار الذي يثبت بتخبير المشتري بالثمن متى بان أقل.

وسبق لنا أن هذا فيه خلاف بين العلماء؛ فالمذهب أنه لا خيار، ويأخذه المشتري بالأقل؛ لأنه إذا أخذه بالأقل لم ينقصه شيء؛ إذ إنه راضٍ أن يأخذه بمئة -مثلًا- فإذا بان أن الثمن ثمانون فقد زاده خيرًا، فلا خيار له.

وذكرنا أن القول الراجح في هذه المسألة هو أيش؟

طالب: (

).

الشيخ: لا، هو التفصيل؛ أنه إذا تبين أن البائع خدعه فله الخيار، وإلا فلا خيار له؛ لأننا نقول للمشتري: أنت لا ضرر عليك، خذه بما قال.

ثم ذكر المؤلف صورًا منها (إذا اشترى بثمنٍ مؤجَّلٍ)، الفاعل في قوله (اشترى) يعود على مَن؟

طالب: يعود على البائع.

الشيخ: البائع بالتخبير؟

الطالب: يكون البائع اشتراه بثمن مؤجل ..

الشيخ: أقول: (إن اشترى) يعود على من؟

الطالب: البائع.

الشيخ: البائع؛ يعني: البائع بتخبير الثمن.

الطالب: البائع على المشتري (

).

الشيخ: إي، البائع بتخبير الثمن. ويش تقولون يا جماعة هو هو؟

طلبة: نعم.

ص: 1017

الشيخ: طيب، البائع بتخبير الثمن إذا اشترى بثمن مؤجل فالمؤلف يرى أن له الخيار؛ لأنه إذا اشتراه بثمن مؤجل بمئة، فثمنه في الحال غالبًا أقل؛ ثمانون.

فإذا اشتراه بثمن مؤجل ثم جاء إنسان وباعه عليه برأس ماله وتبين أنه اشتراه بثمن مؤجل فالمؤلف يرى أنه له الخيار، والمذهب لا خيار له ويأخذه بأجله.

ويقال في هذا ما قلنا فيما سبق: إنه ليس على المشتري ضرر؛ لأنه مطالب بالثمن نقدًا في الأول، والآن سوف يؤجَّل عليه. هذه واحدة.

(أو ممن لا تُقْبَلُ شهادتُه له) يعني: أو اشترى البائع بتخبير الثمن ممن لا تُقْبَل شهادته له، ثم باعه على آخر ولم يخبِره، فللثاني الخيار؛ لأن الغالب أن الإنسان مع مَن لا تُقْبَل شهادته له لا يستقصي في الثمن؛ يعني: لا يماكس، الغالب. من الذي لا تُقْبَل شهادته له؟ الأصول والفروع.

مثال: رجل اشترى من أبيه سلعةً بمئة، ثم باعها على آخر برأس مالها، كم رأس المال؟ مئة، ثم تبين للمشتري أن الذي باع عليه قد اشترى من والده. يقول المؤلف: له الخيار، وظاهر كلامه: سواء غُبِن أم لم يغبن، بناءً على أيش؟

طالب: الأصل.

الشيخ: على أن العادة أن الإنسان لا يستقصي فيما إذا اشترى ممن لا تُقْبَل شهادته له.

ما وجه الخيار للمشتري؟

يقول المشتري: أنت اشتريت من أبيك، لو اشتريته من أجنبي لكاسرته -ماكسته- حتى ينزِّل، وأبوك تستحي، وكذلك يُقَال في الابن. فإذن يَثبت له الخيار.

والصحيح في هذه المسألة أنه لا يثبت له الخيار إلا إذا ظهر في ذلك غبن، إذا ظهر في ذلك غبن فله الخيار، ويكون من باب الخيار الغبن، أما إذا لم يكن هناك غبن فإنه كثيرًا ما يشتري الإنسان من أصوله أو فروعه ويستقصي في الثمن. هذه واحدة.

الآن أسألكم: من الذي لا تُقْبَل شهادته له؟

طلبة: الفروع والأصول.

ص: 1018

الشيخ: الأصول والفروع: الآباء والأبناء، والبنات والأمهات، والجدات والأجداد، وأبناء الأبناء وأبناء البنات، وكذلك الزوجان لا تُقْبَل شهادة أحدهما للآخر.

(أو بأكثر من ثمنه حيلةً) اشترى بأكثر من ثمنه حيلة؛ يعني: البائع الذي باع بتخبير الثمن كان قد اشتراه بأكثر من الثمن حيلة، ويش مثال الحيلة؟

المثال: رجل يطلب آخر مئة ريال، والمطلوب يُمَاطل؛ كلما جاء قال: انتظر، في يوم من الأيام اشترى منه سلعةً تساوي ثمانين بمئة، فلما اشتراها قال: إذن مقاصة، ما لك شيء، يقوله من؟ المشتري اللي هو الطالب، البائع الآن مطلوب ويماطل المشتري، فاشترى منه سلعةً تساوي مئة بثمانين، وكان الدين مئة، هذا الشراء هل هو لرغبة في السلعة أو حيلةً على استخلاص حقه؟

الطلبة: الثاني.

الشيخ: الثاني؛ حيلة على استخلاص حقه، انتهى البيع، جاء رجل آخر وقال له: بعني هذه السلعة، كم اشتريتها؟ قال: بمئة ريال، أبيع عليك برأس المال؛ مئة، ثم تبين بعد ذلك أنه اشتراها بمئة حيلةً ليخلِّص دَيْنَه من هذا المماطل، فللمشتري الخيار.

كذلك إذا كان بأكثر من ثمنه محاباةً، نذكر صورًا في الشرح لأنها مفيدة، محاباةً. كيف محاباة؟ يعني أن الذي باع بالتخبير اشترى هذه السلعة من شخص صديق له، هي لا تساوي مئة لكن اشتراها بمئة لأنه صديقه، أو اشتراها بمئة لأنه رأى هذا الرجل فقيرًا قال: أزيد الثمن محاباةً له وجبرًا لخاطره، ثم إن هذا المشتري باعها بالتخبير بالثمن وقال: إن ثمنها كم؟ مئة، فنقول للمشتري الذي اشترى بالتخبير بالثمن: لك الخيار إذا تبين أنها أكثر من ثمنها من أجل المحاباة، والمحاباة تعرفون أن الإنسان إذا حابى أحدًا ما يهمه أن يزيد عليه ريالين أو ثلاثة أو عشرة، وأنه إذا باع عليه ما يهمه أن ينقص ريالين أو ثلاثة أو عشرة.

(أو لرغبة تخصه) الذي باع بتخبير الثمن اشترى هذه السلعة لرغبة تخصه، ما هو لأنها زائدة في السوق، لا، لرغبة تخصه.

ص: 1019

مثاله: رجل اشترى بيتًا إلى جنب بيته، البيت يساوي مئة ألف، اشتراه بمئة وعشرين لأنه جنب بيته ويداخل البيت، هذه رغبة تخص من؟ تخص المشتري؛ لأنه لو كان ليس جارًا له ما اشتراه بمئة وعشرين، ثم إنه طابت نفسه من البيت وباعه على إنسان بالتخبير بالثمن، قال: بكم اشتريته؟ قال: بمئة وعشرين، قال: أخذته برأس ماله، وتبين أن المئة والعشرين أكثر من الثمن وأن ثمنه مئة، طيب لماذا زاد عشرين؟ لرغبة تخص المشتري؛ وهو كونه إلى جنبه ومداخلًا بيته، فهذه رغبة تخصه.

الصورة الرابعة: (أو موسم فات) كيف موسم فات؟ يعني: اشتراه أيام الموسم في عيد الأضحى، اشترى شاةً في عيد الأضحى، عادةً أن الغنم في عيد الأضحى ترتفع قيمتُها، فاشترى هذه الشاة بمئة، في غير الموسم تساوي ثمانين، ثم إنه بعدما فات الموسم باعها برأس ماله كم؟ مئة، وهو أكثر من الثمن، لولا أنه اشتراها في موسم، والموسم قد فات، أما لو باعها في نفس الموسم فهذا لا بأس، لكن هو الآن قد فات، فنقول: للمشتري الخيار.

اشترى شاةً حلوبًا بمئة وعشرين؛ لأن عنده طفلًا من الغنم يحتاج إلى لبن، فاشتراها بمئة وعشرين من أجل أن ترضع هذا الطفل، ثم انتهى رضاع الطفل وجاء إنسان قال: أشتريها منك برأس المال؟ قال: نعم، كم رأس المال؟ قال: مئة وعشرون، تبين أنه اشتراها بمئة وعشرين علشان إرضاع الطفل، هذا من أي الأقسام الأربعة؟ رغبة تخصه.

إذن متى بان الثمن أكثر لسبب من الأسباب يتعلق بالمشتري أو يتعلق بالمبيع فإن للمشتري الخيار.

قال: (أو باع بعضَ الصَّفْقةِ بقِسْطِها من الثمنِ ولم يُبَيِّنْ ذلك في تخبيره بالثمن فللمشتري الخيارُ بين الإمساكِ والرَّد).

إذا باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن ولم يبين ذلك للمشتري فإن للمشتري الخيار.

ص: 1020

اشترى كيسًا من الرز بمئة ريال، ثم باع نصفه بخمسين، بقي النصف، كم؟ خمسون، جاء شخص يريد أن يشتري منه، قال: أبغي أشتري منك هذا برأس ماله، قال: لا بأس، رأس ماله خمسون، اشتراه، فتبين أن هذا بعضُ ما اشترى وأنه باع بعضه بقسط من الثمن، فللمشتري الخيار، إلا إذا بَيَّن، قال: أنا اشتريت كيسًا من الرز بمئة وبعتُ نصفه بخمسين وهذا بخمسين، إن بيَّن فالأمر واضح، لكن إذا لم يبيِّن فللمشتري الخيار.

فإذا قال قائل: كيف يكون له الخيار؟

نقول: نعم؛ لأن الناس يفرقون بين بعض التجزئة وبعض الجملة، وقد يكون الإنسان يزيد الثمن في الجملة أو في التجزئة حسب الرغبات، وبهذا نعرف حِرْص العلماء رحمة الله عليهم على الصِّدق في البيع والشراء، وإلا كان بعض الناس يقول: ما دام أنه باع النصف بنصف الثمن لماذا لا يقول هذا: حصل عليه بخمسين، يقولون: يجب أن يصدق، هو لم يحصل عليه بخمسين، حصل عليه مع البقية بكم؟ بمئة، وهذا يساوي خمسين، فالواجب أن يبين.

***

ثم قال: (وما يُزاد في ثمنٍ أو يُحَطُّ منه في مدة الخيار أو يُؤخذُ أَرْشًا لعيبٍ أو جنايةٍ عليه يَلْحَقُ برأس ماله ويُخْبَر به).

ما يزاد في الثمن في مدة الخيار فإنه يجب أن يخبَر به. مثاله: اشترى شيئًا بمئة، أطلق المالك عليه البيع قال: بعتك إياه بمئة، قال: قبلت، تم البيع ولَّا لا؟

طالب: نعم.

الشيخ: طيب، في أثناء المجلس قال البائع: أنا الآن مغبون، ما أبيعه إلا بمئة وعشرين، تبيع، وإلا أنا بالخيار، نحن الآن في المجلس، قال: قبلت بمئة وعشرين، جاء رجل آخر يريد أن يشتري من المشتري برأس المال، هل يقول: رأس ماله مئة وعشرين أو يقول: مئة؟ هو لن يقول: مئة؛ لأن هذا خسارة عليه، لكن هل يقول: مئة وعشرين؟ لا، لا بد أن يُخْبَر به، يقال: اشتريته بمئة، ثم في زمن الخيار زاد عليَّ، لماذا؟ لأن العقد الأول كان على مئة، فيجب أن يصدق، حتى في هذه الصورة يجب أن يُلحَق برأس المال ويُخْبَر به.

ص: 1021

كذلك أيضًا يقول: (أو يُحَطُّ منه) يحط منه في مدة الخيار كذلك يجب أن يُخْبَر به، لما تم البيع بين البائع والمشتري وهما في المجلس قال المشتري: أنا مغبون، اشتريته منك بمئة وهو لا يساوي إلا ثمانين، واتفقا على ثمانين، فباعه بثمانين، إذا اشتراه أحد منه برأس ماله لا بد أن يقول: اشتريته بمئة، ثم حَاططتُه إلى ثمانين، مراعاةً لأيش؟ للعقد الأول؛ لئلا يلغى العقد الأول، يعني شوف تحري العلماء رحمهم الله تحريهم للصدق إلى هذا الحال!

كذلك ما (يُؤخذُ أَرْشًا لعيبٍ) اشترى رجل شاةً بمئة ريال، ثم وجد بها عيبًا قُوِّم بعشرين، من الذي يدفع العشرين؟ البائع يدفع عشرين، المشتري الذي اشترى الشاة باعها برأس مالها، ماذا يقول؟ هل يقول: إني اشتريتها بثمانين، أو بمئة ثم نزَّلت للعيب عشرين؟ الثاني، لا بد أن يقول هكذا، حتى يكون صادقًا في أنه اشتراها بمئة، ثم رُدَّ عليه عشرون من أجل العيب.

كذلك ما يُؤْخَذ أرشًا لـ (جنايةٍ عليه)؛ اشترى عبدًا بمئة -لو كثرنا التمثيل بمئة ما يضر- اشترى عبدًا بمئة، ثم إن العبد جُنِيَ عليه، اعتدى عليه إنسانٌ بقطع بعض أطرافه أو ما أشبه ذلك، كانت الجناية خمسين؛ أرش الجناية التي جُنِيَ على العبد خمسون، فباعه برأس ماله، هل يقول: إن رأس ماله مئة أو خمسون؟ لأنه لما (

) بخمسين صار العبد الآن معيبًا بخمسين، أليس كذلك؟ فإذا باعه برأس ماله وهو معيب، هل يقول: إن رأس ماله خمسون، لا، يجب أن يقول: إني اشتريته بمئة فجُنِيَ عليه بخمسين؛ يبين بالواقع.

ص: 1022

قال المؤلف: (يُلْحَقُ برأس ماله ويُخْبَرُ به، وإن كان ذلك بعد لزوم البيع)(إن كان ذلك) المشار إليه الزيادة والنقص وليست الجناية، إنما الزيادة والنقص، (إن كان ذلك بعد لزوم البيع لم يُلْحَق به) لماذا؟ لأن البيع استقر على الثمن الأول، وأما ما أُخِذ أرشًا لعيب أو أُخِذَ أرشًا لجناية فيُخبَر به وإن كان بعد لزوم البيع، لكن الزيادة والنقص في الثمن هو الذي يُشْتَرط أن يكون ذلك قبل لزوم البيع، أما بعد لزوم البيع فإنه لا يَجب، ولذلك لو أن البائع الأول الذي باعه بمئة وتم البيع وتفرقا أبرأ المشتري من الثمن، ثم إن المشتري باعه برأس ماله، هل يلزمه أن يقول: إني اشتريته بمئة وأبرأني منها؟ لا يلزمه؛ لأن هذا بعد لزوم البيع؛ ولهذا قال: (إن كان هذا بعد لزوم البيع لم يُلْحَقْ به).

إنسان اشترى ثوبًا متسخًا بعشرة دراهم، ثم أعطاه القَصَّار بدرهمين، من القصار؟ الغسال اللي يغسل يسمى القصار، أعطاه إياه فغسله بريالين، كم تحصل عليه؟ باثني عشر درهمًا. طيب، جاءه إنسان قال: أريد أن تبيعني إياه برأس المال، قال: رأس المال اثنا عشر درهمًا، هل يجوز؟ لا يجوز مع أنه الآن ما تحصل عليه إلا باثني عشر درهمًا، نقول: لا يجوز، لا بد أن يقول: اشتريته بعشرة، وغسَّلته بدرهمين.

كل هذا تحريًا للصدق في المعاملات؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في المتبايعين: «إِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» (3).

(وإن أخبر بالحال) يعني: حتى ولو بعد لزوم العقد، (فحسن)، وعلل ذلك بالشرح يقول: لأنه أبلغ في الصدق.

ص: 1023

هل يلزمه أن يخبر بكسب العبد ونماء البهيمة المنفصل فيسقطه من الثمن أو لا يلزم؟ لا يلزم؛ يعني: لو اشترى عبدًا بعشرة آلاف، وبقي عنده شهرًا أو شهرين وكسب في هذه المدة ألفين، ثم باعه برأس ماله وقال: رأس ماله عشرة آلاف، هل يخصم منها الألفين الذي كسب؟ لا؛ لأن هذا نماء منفصل، وهو للمشتري؛ لأنه في ملكه.

***

ثم قال المؤلف رحمه الله: (السابع: خيارٌ لاختلافِ المتبايعَيْن) والخلاف بين المتبايعين من قديم الزمان؛ يختلفان في الجنس، أو في القَدْر، أو في الصفة، أو في العين، الاختلافات لا حصر لها، والعلماء رحمهم الله ذكروا ما يُشبِه القواعد في هذا الباب؛ إذ إن جزئيات المسائل لا تمكِن الإحاطة بها، وليس كل اختلاف يوجب الخيار، بل الاختلاف الذي دلت السنة على ثبوت الخيار في مثله؛ ولهذا عندي في الشرح يقول: في الجملة، والفقهاء إذا قالوا: في الجملة، فالمعنى: أكثر الصور، وإذا قالوا: بالجملة، فالمعنى: جميع الصور، هذا مصطلح عندهم، إذا كانت (في) فهي أكثر الصور، بالباء جميعها. والفرق أن (في) للظرفية والباء للاستيعاب، هذا هو الفرق.

يقول: (فإذا اختلفا في قَدْر الثمن) بأن قال البائع: بعته بعشرة، وقال المشتري: اشتريته باثني عشر، (

) صحيح؟

طالب: غير صحيح.

الشيخ: البائع قال: بعته بعشرة، والمشتري قال: اشتريته باثني عشر، يمكن هذا؟

طلبة: يمكن.

الشيخ: لا، بس هذا بعيد، إذن قال البائع: بعته بعشرة، وقال المشتري: اشتريته بثمانية، صحيح؟ اختلفا في قدر الثمن ولم يوجد بينة، إن وُجِدَ بينة تشهد بقول أحدهما فالأمر ظاهر.

وهل القرينة هنا تنفع؟ يعني لو قيل: إن ما ادعاه المشتري أقرب إلى الثمن في السوق مما ادعاه البائع؟

نقول: في هذا تفصيل؛ إذا كان ما ادعاه أحدهما بعيدًا لا يمكن فهذا لا يُقبَل ولا يُلْتَفت له ولا تُسْمَع دعواه، وإن كان محتمِلًا فعلى ما قال المؤلف، وسيُذكر إن شاء الله.

ص: 1024

مثال هذا: باع واحد سيارةً على شخص؛ سيارة فخمة تساوي في السوق ستين ألفًا، ثم اختلفا في الثمن، فقال البائع: بعتها بستين ألفًا، وقال المشتري: اشتريتها بعشرة آلاف، ممكن هذا؟ لا يمكن هذا، إلا لسبب من الأسباب، والأصل عدم السبب، هذا لا يمكن. ولذلك لو أن أحدًا عرض هذه السيارة التي تساوي ستين ألفًا بعشرة آلاف لقيل: إن هذا سارقها أو فيه بلاء.

إذن نحن نقول: إذا ادعيا قدرًا محتمِلًا؛ كما قلنا في العيب فيما سبق: (إن لم يحتمل إلا قول أحدِهِما قُبِلَ بلا يمين)، هنا اختلفا في القدر في الثمن؛ البائع يقول: مئة، والمشتري يقول: ثمانين، فماذا نصنع؟ يقول المؤلف:(تحالفا) كل واحد يحلف.

فإذا قال قائل: كيف نلزمهما بالحلف والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (4)؟

قلنا: حقيقة الأمر أن كل واحد منهما مدعٍ ومنكِر، فتلزم اليمينُ كلَّ واحد منهما، فالبائع مدعٍ أن الثمن مئة ومنكِر أنه ثمانون، والمشتري مدعٍ أنه ثمانون ومنكِر أنه مئة. إذن كلٌّ منهما مدعٍ ومنكِر؛ ولهذا ألزمنا كلَّ واحد منهما بالحلف، فيتحالفان.

من الذي يبدأ؟

يقول المؤلف: (فيحلِفُ بائعٌ أولًا، ثم يحلف مشترٍ) يحلف البائع أولًا؛ لأنه هو الذي انتقل الملك عنه، فكان جانبه أقوى؛ لأن الأصل عدمُ خروج الملك من يد صاحبه، فيُقدَّم البائع؛ يحلف البائع أولًا، ويجب أن يجمع بين النفي والإثبات؛ بين نفي ما ادَّعاه خصمُه، مَن خصمُه؟ المشتري، وإثبات ما ادَّعاه هو، فيقول: واللهِ ما بِعتُه بكذا وإنما بعته بكذا.

ص: 1025

مثالنا: واللهِ ما بعته بثمانين وإنما بعته بمئة، فيبدأ بالنفي أولًا، كما هي العادة أن التخلية قبل التحلية، ولدفع دعوى المشتري فيقول: واللهِ ما بعته بثمانين وإنما بعته بمئة، فيجمع بين النفي والإثبات، والمشتري كذلك؛ يحلف المشتري: واللهِ ما اشتريته بكذا بكم؟ بمئة وإنما اشتريته بثمانين. فإذا تمت المحالَفة ولم يرضَ أحدهما بقول الآخر فلكلِّ واحد منهما الفسخ.

وظاهر كلام المؤلف أنه لا بد من تقدُّم حَلِف البائع، فلو بدأ المشتري أولًا لم يصح، قلنا للبائع: احلف، ثم يحلف المشتري، فيلزم المشتريَ في هذه الحال أن يَحلف ثانيةً؛ لأن المؤلف يقول:(فيحلِفُ البائعُ أولًا).

ثانيًا: ظاهر كلام المؤلف أنه لا بد من الجمع بين النفي والإثبات؛ نفي ما ادَّعاه خصمُه وإثبات ما ادَّعاه هو، فلو نفى ما ادَّعاه خصمه فقط وقال: واللهِ ما بعته بثمانين -يقول البائع- يكفي ولَّا لا؟ لا يكفي، حتى يُثبِت ما ادعاه؛ يحلف على ما ادعاه.

لو اقتصر على الإثبات فقط قال: واللهِ لقد بعتُه بمئة، وإن هذا المشتري كاذب؟ ما يكفي، لا بد أن يقول بالنفي: ما بعته بثمانين وإنما بعته بمئة.

لو قَدَّم الإثبات على النفي، قال: واللهِ لقد بعته بمئة وما بعته بثمانين؟ على كلام المؤلف لا يصح.

فلا بد من أمور ثلاثة:

أن يحلف البائع أولًا.

الثاني: أن يجمع بين النفي والإثبات.

الثالث: أن يقدم النفي.

وكذلك يقال بالنسبة لحلف المشتري: أن يكون ثانيًا؛ أي: أن يكون هو الثاني في اليمين، وأن يبدأ بالنفي قبل الإثبات، وأن يجمع بين النفي والإثبات.

وقال بعض أهل العلم: إن القول قول البائع؛ لأن المُلك خرج من يده، ولا يمكن أن يخرج إلا بما يرضى به هو، ما لم توجد بينة، هذا من جهة التعليل. من جهة الدليل:«إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ» (1).

ص: 1026

وهذا القول أقوى؛ لأنه يؤيده ظاهر الحديث ويؤيده المعنى أيضًا؛ أن القول قول البائع، ويقال للمشتري: إن رضيت بما قال البائع، ولَّا ملكه باقٍ. إلا إذا ادعى البائع ثمنًا خارجًا عن العادة فحينئذٍ لا يُقبَل؛ بأن قال: بعتها بمئة وهي لا تساوي خمسين في السوق، فهنا لا نقبل.

فإن قال قائل: لماذا لا تقبلون؛ لأنه ليس على المشتري ضرر؛ إذ إنه سيفسخ، إذا لم يرض المشتري بما ادعاه سوف يفسخ العقد؟

فالجواب: أن في ذلك ضررًا على المشتري؛ لأن المشتري قد تكون حاجته متعلقةً بهذه السلعة وقد اشتراها، أو يكون السوق ارتفعت أسعارُه أو ما أشبه ذلك، فحينئذٍ نقول: إذا ادَّعى ثمنًا أكثر مما جرت به العادة فإننا لا نقبل قوله؛ لبُعده.

وعلى القول بأنهما يتحالفان فالصحيح أنه لا يحتاج إلى الجمع بين النفي والإثبات، والمقصود هو نفي ما ادَّعاه صاحبه فقط أو إثبات ما ادعاه هو، وهذا يحصل، يحصل بأيش؟ بإفراد النفي أو إفراد الإثبات، والجمع بينهما ليس بلازم، وهذا أيضًا أقوى من وجوب الجمع بينهما. هذه واحدة.

وإذا قلنا بالجمع فالقول الراجح أيضًا أنه لا يُشْتَرط تقديم النفي، وأنه لو قال: واللهِ لقد بعتُه بمئة وما بعته بثمانين، كفى؛ لأن المقصود حَصَل.

بقي عندي توقُّف: هل يُشْتَرط تقديم يمين البائع أو يمين المشتري؟

المؤلف يرى أنه يُقَدَّم يمين البائع، وهذا قد يكون له وجه كما ذكرنا في تعليله، وقد يقال: لو أن المشتري تعجَّل وحلف قبل، فما المانع من أن يكون حَلِفه مقبولًا؟ فهذه مسألة نتوقف فيها.

طالب: بالنسبة إذا باع سلعة بقسطها من الثمن ولم يخبر المشتري، فالمؤلف يقول: له الخيار، لكن إذا كانت -يا شيخ- السلعة متبادلة؟

الشيخ: كلام المؤلف مطلقًا سواء ينقسم عليه الثمن بالأجزاء أو بالقيمة.

الطالب: ويش العلة في الخيار؟

الشيخ: العلة أنه قد يكون بعض الناس له رغبة إذا كان العقد على شيء كثير.

الطالب: هو يريد هذا الشيء.

ص: 1027

الشيخ: لا، بس بالنسبة للبائع قد تكون الرغبة بالكثير أكثر من القليل، ونحن أشرنا إلى هذا، لكن فيه -الرأي الذي أشرت إليه- أنه إذا صار ينقسم عليه الثمن بالأجزاء فلا بأس.

طالب: قلنا: الخيار (

) المشتري في الصورة التي ذكرها المؤلف (

) على المشتري؟

الشيخ: اللي هي؟

الطالب: الزيادة.

الشيخ: كيف الزيادة؟

الطالب: اشترى بمئة وزاد عشرين في خيار المجلس، قال: أنا اشتريت بمئة وعشرين، مع أنه لا ينقص (

) الضرر على المشتري.

الشيخ: الضرر؛ لأنه ربما أن هذه من جنس المحاباة؛ أن قيمته الحقيقة مئة، لكن المشتري له رغبة أكيدة في هذا الذي اشتراه فزاده العشرين.

الطالب: (

).

الشيخ: هو هذا السبب، السبب أنه قد يكون هكذا.

طالب: بارك الله فيكم، قلنا في البيع بتخبير الثمن: إن تبين للمشتري أن البائع خدعه، وإلا فلا خيار، فكيف نتصور -يا شيخ- أن يبيعه ويزيد عليه بدون خداع، لا بد أن يخدع في كل حال؟

الشيخ: لا، ما هو على كل حال، قد يكون ناسيًا أو ما أشبه ذلك، ما هو على كل حال.

(

) تخبير.

طلبة: المساومة.

الشيخ: تعرفون المساومة؟

الطلبة: إي نعم.

الشيخ: يعني: أبيعه وأقول: من يشتري؟

طالب: أريح.

الشيخ: نعم، المساومة أسهل، لكن أيهما أشد طمأنينة بالنسبة للمشتري؟

الطلبة: التخبير.

الشيخ: التخبير؟

الطلبة: نعم.

الشيخ: إي، إذن كل واحدة منها تمتاز بمزية، لكن الإمام أحمد أحب إليه المساومة؛ لأنها أبرأ للذمة لا شك (

) أنا شاريه بعشرة والآن يسوى مئة ما يهم.

طالب: في بعض البلاد -يا شيخ- هناك غصب في القوانين، بمعنى مثلًا (

) تؤخذ منه البضاعة، ثم إذا اجتمعت بضائع كثيرة بيعت في المزاد العلني، ما يسمى بالمزاد العلني، فهل يجوز للناس أن يشتروا مثل هذه السلع؟ وهل يجوز لمن أخذت منه هذه السلعة أن يذهب فيشتري؟

ص: 1028

الشيخ: يقول: في بعض البلاد -ولا سيما على المواني- يتأخر بعض الناس عن التحميل أو عن دفع الأُجرة، وقد حُدِّد له أجل معلوم معروف، ولكنه لا يأتي، فيباع بالمزاد العلني، فهل يجوز أن نشتريه؟ الجواب: نعم، ولك أجر.

الطالب: عفوًا يا شيخ، صورة سؤالي (

) يعني أقصد في بعض البلاد ..

الشيخ: خليني أكمل، أقول: نعم؛ لأن أهل هذه الأموال قد علموا أنها ستؤخذ إلى أجل معلوم، وثانيًا: أنك إذا اشتريت ستزيد في الثمن ويزيد غيرُك عليه، فيكون في ذلك مصلحة لبيت المال، ولو قلنا للناس: لا تشتروا، لفسدت هذه البضائع، نعم هذا هو، وكذلك لو أن صاحبها اشترى منها ما فيه بأس.

الطالب: جائز.

الشيخ: نعم.

الطالب: هذه الصورة فهمتها. التي أقصد بعض البلاد ليس -مثلًا- يقولون: إذا لم تأتِ في كذا وكذا، يأتي -مثلًا- سائح أو كذا أو راجع إلى بلده فيأخذ معه أشياء فيجمركونها، وإذا لم يدفع أخذوها منه، أو يأخذوها منه لأنه زاد على العدد، مسموح له أن يأتي مثلًا .. ؟

الشيخ: (

) كل عقوبة معلومة فهي حلال.

طالب: في مسألة إذا دخل شخص ما البستان، (

) حيازة، فأصبح الآن معتديًا على البتسان، لأنه فيه سور البستان؟

الشيخ: لا، البستان المسور ما يؤخذ منه شيء.

الطالب: ما يؤخذ منه.

الشيخ: إي نعم.

الطالب: لو أن رجلًا دخل على بستان شخص فحشه وقطع الشجر فإنه يكون ملكًا له.

الشيخ: لمن؟

الطالب: يكون ملكًا له؛ لأنه حازه.

الشيخ: هذا ما لم يكن صاحب البستان هو الذي أنبته، أما إذا كان هو اللي زرعه فهو يضمنه، لكن إذا كان هذا من الكلأ فإنه يملكه ويأخذه مع الإثم.

طالب: في بعض البلاد بعض الناس يستوردون بضائع (

) الدول الخارجية.

الشيخ: يسرقونها؟

الطالب: لا، يستوردونها بالشراء.

الشيخ: نعم.

الطالب: والحكومة تفرض عليهم الضرائب والجمارك (

)، وفي مثل هذا على كل حال بعض الناس يهربون (

) نقاط التفتيش والضرائب، يهربونها (

)، فهل عليهم إثم في هذا؟

ص: 1029

الشيخ: ماذا تقولون؟ يقول: إن بعض البلاد فيها جمارك، فهل يجوز لصاحب المال أن يفر من ذلك مع طريق آخر؟

الجواب: نعم، يجوز بشرط ألَّا يكون في ذلك منابذة منه للحكومة؛ يعني أنه يتسلل خُفية، أما إذا كان فيه منابذة فلا تجوز المنابذة، بل الواجب الصبر.

طالب: وكذلك الضرائب يا شيخ؟

الشيخ: والضرائب، كلها، كل من أخفى شيئًا لدفع الظلم عن نفسه فلا بأس، لكن أما أن يكذب ويضع شيئًا آخر تحيلًا فهذا لا يجوز. (

)

يقول: رجل اشترى سلعتين ودفع الثمن واستلم واحدةً منهما، والأخرى يستلمها بعد عشرة أيام (

) الأسعار، فما الواجب أن يفعله البائع والمشتري في هذه الحال؟

الواجب أن يسلم البائع المبيع والثمن قد اسْتُلِم.

طالب: ما يطالبه بالزيادة؟

الشيخ: لا، ما يطالبه؛ لأنها ملكه، أرأيت لو هلكت السلعة هل يضمنها؟

الطالب: لا.

الشيخ: من له غنم الشيء فله غرمه، من عليه الغرم فله الغنم.

***

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى: السابع: خيارٌ لاختلافِ المتبايعَيْن، فإذا اختلفا في قَدْر الثمن تَحَالَفَا، فيحلِفُ البائعُ أولًا: ما بعْتُه بكذا وإنما بِعْتُه بكذا، ثم يَحْلِفُ المُشتري ما اشتريتُه بكذا وإنما اشتريتُه بكذا، ولِكُلٍّ الفسخُ إذا لم يَرْضَ أحدُهما بقول الآخَر، فإن كانت السلعةُ تالفةً رجعَا إلى قيمةِ مثلِها، فإن اختلفا في صِفَتِها فقولُ مُشْترٍ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

(السابع) يعني: من أقسام الخيار، وقد مضى ستة أقسام، والذي مضى منه ما يثبت بالشرط ومنه ما يثبت بالشرع، فخيار المجلس ثابت؟

طالب: ثابت بالشرع.

الشيخ: بالشرع، طيب. وهل لهما إسقاطه؟

الطالب: نعم.

الشيخ: الدليل أولًا، ثم التعليل ثانيًا؟

ص: 1030

الطالب: الدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن تبايعا على ذلك» .

الشيخ: لفظ الحديث من يعرفه؟

طالب: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ» .

الشيخ: «إِذَا تَبَايَعَ رَجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا» ..

الطالب: «فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعَ» .

الشيخ: نعم، «وَإِنْ تَفَرَّقَا» ؟

الطالب: «وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعَ» (3).

الشيخ: التعليل؟

الطالب: التعليل: لأن هذا حقهما، فإذا أسقطاه (

).

الشيخ: تمام.

وفيه خيار يثبت بالشرط؟

طالب: وهو خيار الشرط؛ أن يشترط أحد المتبايعين الخيار لمدة معينة.

الشيخ: طيب.

وهل يُشْتَرط بقاء المبيع في هذه المدة أو يجوز حتى فيما لا يُظَن بقاؤه في هذه المدة؟

الطالب: فيه خلاف، (

) يُشْتَرط بدون المبيع.

الشيخ: كيف يُشْتَرط بدون المبيع؟

الطالب: يعني يُشْتَرط أن يكون في مدة (

).

الشيخ: في مدة يبقى فيها المبيع؟

الطالب: نعم.

الشيخ: إي، هذا المذهب؟

الطالب: لا أذكر -يا شيخ- هذا المذهب أو لا، ذكرنا أن فيها خلافًا، فيها قولان، وهذا أحد القولين.

الشيخ: والقول الثاني؟

الطالب: القول الثاني أنه لا يُشْتَرط.

الشيخ: طيب، على هذا القول كيف نعمل إذا اختار الفسخ؟

الطالب: القول الثاني؟

الشيخ: هذا القول كيف نعمل إذا اختار الفسخ؟

الطالب: إذا اختار الفسخ يُرْجَع بمثل المبيع أو بقيمته.

الشيخ: يُرْجَع بمثل المبيع أو بقيمته. طيب، وحينئذٍ قد تكون القيمة أكثر أو أقل.

خيار يثبت لخلل أو نقص في المبيع؟

طالب: يسمى خيار العيب.

الشيخ: وهو خيار العيب.

ص: 1031

ما هو العيب الذي يثبت به الخيار؛ الضابط فيه؟

الطالب: هو كل ما ينقص من قيمة المبيع.

الشيخ: كل ما ينقص قيمة المبيع. طيب، حتى لو زادت عينه؟ يعني: عين المبيع زادت ولكن نقصت القيمة؟

الطالب: حتى لو زادت.

الشيخ: مثل؟

الطالب: مثل الأصبع الزائد.

الشيخ: مثل الأصبع الزائد.

إذا ثبت العيب فكيف يكون الخيار؟ يعني: اشترى إنسان سلعة فبان بها عيب فكيف يكون الخيار؟

طالب: يكون الخيار للمشتري.

الشيخ: للمشتري، بَيْن؟

الطالب: إن أراد أن يشتريها أو ردها.

الشيخ: إن شاء أمسكها.

الطالب: أو ردها.

الشيخ: طيب، وإذا أمسكها فهل له النقص الذي حصل بهذا العيب أو لا؟

الطالب: نعم له.

الشيخ: له ذلك؟

الطالب: نعم.

الشيخ: إذن يخير بين؟

الطالب: بين الإمساك.

الشيخ: بين الإمساك مع الأرش وبين الرد، طيب. هل في هذا خلاف؟

طالب: نعم، فيه خلاف.

الشيخ: ما هو الخلاف؟

الطالب: المذهب يقول: إنه إذا أمسكه فليس له أرش العيب، أما إذا رده.

الشيخ: معناه أنك ما حضرت زاد المستقنع، سبحان الله!

طالب: ذكرنا أنه لو أمسكه له الإمساك مع الأرش أو له الرد بأخذ الثمن.

الشيخ: طيب، معلوم له الرد ويأخذ الثمن، أو له الأرش، لكن هل في المسألة خلاف؟

طالب: نعم، مع الإمساك أخذ الأرش أو الرد بالثمن.

طالب آخر: إن كان العيب مما يمكن رده (

)، وإلا فله ثمن ..

الشيخ: خليه إذا تعذر الرد تعين الأرش، لكن ذكرنا لكم فيما سبق أن شيخ الإسلام يقول: إما أن يأخذه مجانًا، وإما أن يرده، وأما الأرش فلا بد من رضا البائع؛ لأنه معاوضة، فالبائع يقول: أنا بعت عليك هذا الشيء؛ فإما أن تأخذه، وإما أن ترده، أما الأرش فهذا يعتبر عقدًا جديدًا، إلا إذا كان مدلسًا البائع؛ يعني علمنا أنه عالم بالعيب ولكن دلس فهنا يكون الخيار بين الإمساك مع الأرش وبين الرد.

هناك خيار يكون بالغش ما هو؟

طالب: هذا مثاله الذي ..

الشيخ: لا، ماذا يُسَمى عند الفقهاء؟

الطالب: خيار تدليس.

ص: 1032

الشيخ: خيار تدليس، طيب. وما هو التدليس؟

الطالب: التدليس مثاله يا شيخ ..

الشيخ: لا، عَرِّفه أولًا، ثم مثِّل ثانيًا؟

الطالب: أن يُظْهِر البضاعة خلاف ما هي عليه.

الشيخ: من أيش؟ من زين أو من شين؟

الطالب: لا، من زين، يُظْهِر خلاف ما هي عليه من شين؛ من عيب، يعني يغطي ..

الشيخ: يعني معناه أن تكون السلعة جيدة فيظهرها بالمظهر السيئ؟

الطالب: لا، بالعكس.

الشيخ: بالعكس، إذن أن يظهر السلعة على وجه مرغوب فيه وهي خالية منه.

ما هو الأصل في هذا؟

الطالب: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» .

الشيخ: نعم، حين مر بطعام.

الطالب: فوجد رجلًا يبيع تمرًا وكان ..

الشيخ: قد أصابته السماء، وكان البائع قد جعل الذي أصيب في الأسفل، والسليم؟

الطالب: الذي أصيب من أسفل والسليم من فوق، فقال: يا رسول الله، أصابته السماء. فقال:«هَلَّا أَظْهَرْتَهُ لِلنَّاسِ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» .

الشيخ: قال: «مَا هَذَا؟ » قال: أصابته السماء، فقال:«هَلَّا جَعَلْتَهُ فَوْقَ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» (5).

ما الفرق بينه وبين خيار العيب؟

الطالب: أن التدليس بفعل البائع وبقصده، وأما العيب فقد يكون بخلاف قصد البائع، ليس بقصد البائع.

الشيخ: قد يكون بقصده.

الطالب: لكن التدليس متعين أنه بقصد من البائع.

الشيخ: ما هو هذا الفرق، ما الفرق بين التدليس والعيب؟

طالب: العيب بأن يغطي عيبًا وقع في هذه السلعة فيظهرها بأنها خالية منه، وخيار التدليس بأن يصفها بصفة مرغوبة فيها وهي خالية منها.

طالب آخر: التدليس أن يخفي العيب حين البيع، والعيب أن يكون سابقًا في البيع.

طالب آخر: العيب أن يكون في أصل السلعة، والتدليس أن يكون في وقت الشراء.

ص: 1033

الشيخ: العيب فوات كمال، وأما التدليس فهو إظهار محاسن وهي خالية منها، هذا الفرق؛ فالمدلس يُظهِر السلعة بمظهر حسن مرغوب وهي ليست كذلك، والعيب فوات كمال في السلعة؛ يعني السلعة الأصل خلوها منه. هذا هو الفرق.

إذا أَعتَق المبيع الذي ظهر فيه العيب فما الذي يتعين هنا؟

طالب: يتعين الأرش.

الشيخ: يتعين الأرش؟ لماذا؟

الطالب: لتعذر الرد.

الشيخ: لتعذر الرد؛ حيث إن العبد تحرر ولا يمكن أن يعود رقيقًا.

فيه خيار يكون بكذب البائع ويُسَمى؟

طالب: الخيار بتخبير الثمن.

الشيخ: الخيار بتخبير الثمن، وأيش معنى تخبير الثمن؟

الطالب: أن يخبره بثمنه؛ برأس ماله.

الشيخ: يعني: يخبر المشتري بخلاف الواقع. مثاله؟

الطالب: مثل أن يشتري شيئًا ما، ثم يبيعه ولا يخبر المشتري برأس المال.

الشيخ: لا.

طالب: مثل يشتري -مثلًا- سيارة بثمانين ألفًا، ثم يأتيه رجل فيقول: بعنيها برأس مالها، فيقول: رأس مالها مئة ألف.

الشيخ: إي نعم، صحيح، أن يبيع السلعة برأس مالها ويدَّعي أن رأس مالها مئة ورأس مالها في الحقيقة ثمانون، هذا البيع بتخبير الثمن.

هل له أصل يُرجَع إليه في هذا؟ يعني من السنة أو من القرآن بحيث نقول: لك الخيار؛ لأنه أخبرك بخلاف الواقع؟

طالب: (

) قول الرسول: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» (5).

الشيخ: كيف؟

الطالب: أنه غش (

).

الشيخ: (

) الغش أو من التدليس؟ هو أقرب للتدليس أقرب منه إلى العيب، هو داخل في الحديث؛ لأن الغش تدليس، هذا أقرب ما يُلحق به في الأصول.

إذا اشترى ثوبًا بعشرة، ثم غسله ونظَّفه بخمسة، وباعه بالتخبير بالثمن وقال: إنه بخمسة عشر، ماذا تقول؟

طالب: لا، يجب عليه أن يقول: إنه أصله بعشرة، ثم غسله ..

الشيخ: هل يجوز هذا أو لا؟

الطالب: لا.

الشيخ: لا يجوز؛ يعني: لا يجمع بين أصل الثمن وبين أجرة التغسيل، بل يقول: اشتريته بعشرة، وغسلته بخمسة.

***

ص: 1034

السابع من أقسام الخيار وهو الأخير، يقول:(السابع: خيارٌ يثبت لاختلافِ المتبايعَيْن).

(فإذا اختلفا في قَدْر الثمن)(اختلفا) الفاعل البائع والمشتري، (في قدر الثمن) فالبائع يقول: مئة، والمشتري يقول: ثمانون، (تحالفا) أي: كل واحد منهما يحلف؛ لأن كل واحد منهما مدعٍ ومدعًى عليه، فالبائع مدعٍ والمشتري مدعًى عليه، والمشتري أيضًا مدعٍ والبائع مدعًى عليه؛ البائع يدعي الأكثر، والمشتري يدعي الأقل؛ فلهذا كان الحلف بجانب الطرفين، ولا ينافي هذا قولَ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (4)؛ لأن كلًّا منهما مدعٍ ومنكِر؛ فلهذا نقول: إذا اختلفا في قدر الثمن تحالفا.

ولكن هذا مشروط بما إذا لم يكن هناك بينة، ومشروط بما إذا لم تقم قرينة تكذِّب قول أحدهما، فإن كان هناك بينة فالثمن ما شهدتْ به البينة، وإن كان هناك قرينة تكذِّب قول أحدهما فإنه لا يُلتفت إليه.

مثال الأول: تخالف البائع والمشتري في قدر الثمن؛ فقال البائع: قدره مئة، وقال المشتري: قدره ثمانون، وأقام المشتري بينة أنه بثمانين، فمنِ القول قوله؟ قول المشتري؛ لوجود البينة.

وكذلك لو أقام البائع بينةً أنه مئة فالقول قول البائع؛ لأنه معه البينة.

وإذا ادعى أحدهما ما لا يمكن أو ما كان بعيدًا؛ مثل أن يقول: بعت عليك حزمة هذا البصل بمئة ريال، وهي في السوق بعشرة، فقال المشتري: اشتريتها بعشرة، فهل نقول في هذه الحال: إذا لم يكن هناك بينة يتحالفان؟ لا، لماذا؟ لأن دعوى البائع تكذبها القرينة، فلا عبرة بها، فيقال الآن ..

ص: 1035

فيَحْلِفُ البائعُ أوَّلًا: ما بِعْتُه بكذا وإنما بِعْتُه بكذا، ثم يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي: ما اشْتَرَيْتُه بكذا وإنما اشْتَرَيْتُه بكذا. ولكلٍّ الفسخُ إذا لم يَرْضَ أحدُهما بقَولِ الآخَرِ، فإن كانت السلعةُ تالِفَةً رَجَعَا إلى قِيمةِ مِثلِها، فإن اخْتَلِفَا في صِفتِها فقَوْلُ مُشْتَرٍ، وإذا فُسِخَ العقدُ انْفَسَخَ ظاهرًا وباطِنًا، وإن اخْتَلَفا في أَجَلٍ أو شَرْطٍ فقَوْلُ مَن يَنْفِيهِ، وإن اخْتَلِفَا في عَينِ الْمَبيعِ تَحَالَفَا وبَطَلَ الْبَيْعُ، وإن أَبَى كلٌّ منهما تَسليمَ ما بيدِه حتى يَقْبِضَ الْعِوَضَ - والثمَنُ عينٌ - نُصِّبَ عَدْلٌ يَقْبِضُ منهما ويُسَلِّمُ الْمَبِيعَ ثم الثَّمَنَ، وإن كان دَيْنًا حالًّا أُجْبِرَ بائعٌ ثم مُشْتَرٍ إن كان الثمَنُ في الْمَجْلِسِ، وإن كان غائبًا في البلَدِ حُجِرَ عليه في الْمَبيعِ وبَقِيَّةِ مالِه حتى يَحْضُرَه، وإن كان غائبًا بعيدًا عنها والْمُشْتَرِي مُعْسِرٌ فللبائعِ الفَسْخُ، ويَثْبُتُ الخيارُ للخُلْفِ في الصفةِ ولتغييرِ ما تَقَدَّمَتْ رؤيتُه.

(فصلٌ)

ومَن اشْتَرَى مَكيلاً ونَحْوَه صَحَّ ولَزِمَ بالْعَقْدِ ولم يَصِحَّ تَصَرُّفُه فيه حتى يَقْبِضَه، وإن تَلِفَ قبل قَبضه فمِن ضَمانِ البائِعِ، وإن تَلِفَ بآفَةٍ سَماوِيَّةٍ بَطَلَ البيعُ، وإن أَتْلَفَه آدميٌّ خُيِّرَ مُشْتَرٍ بينَ فَسْخٍ وإمضاءٍ ومُطالبَةِ مُتْلِفِه ببَدَلِه

البائع والمشتري في قدْر الثمن، فقال البائع: قدره مئة، وقال المشتري: قدره ثمانون، وأقام المشتري بينة أنه بثمانين، فمَن القول قوله؟ قول المشتري لوجود البينة. وكذلك لو أقام البائع بينةً أنه مئة، فالقول قول البائع؛ لأنه معه البينة.

ص: 1036

وإذا ادعى أحدهما ما لا يمكن أو ما كان بعيدًا، مثل أن يقول: بعتُ عليكَ حزمة هذا البصل بمئة ريال، وهي في السوق بعشرة، فقال المشتري: اشتريتها بعشرة. فهل نقول في هذه الحال: إذا لم يكن هناك بينة يتحالفان؟ لا، لماذا؟ لأن دعوى البائع تكذبها القرينة، فلا عبرة بها، فيقال الآن: قول البائع غير مسموع إطلاقًا، والقول هنا قول المشتري؛ لأن العرف يؤيده، فإذا حلف أن هذا الثمن قبض.

فعليه يكون قول المؤلف: (تحالفا) مشروط بما إذا يكن بينة، ولم تكن قرينة تكذب قول أحدهما.

كيفية التحالف، قال:(فيحلف البائع أولًا ما بعتُه بكذا وإنما بعته بكذا)، فيُقدَّم البائع؛ لأن البائع قد انتقل ملكه إلى المشتري، فهو الذي يُقدَّم من حيث إنه هو الذي انتقل من يده الملك. ثم يبدأ بالنفي، ثم بالإثبات؛ لأن الأصل دفع المدَّعَى، ثم إثبات ما يدعيه النافي، فيحلف أولًا: ما بعتُه بكذا، وإنما بعته بكذا، هو قال: بمئة، والمشتري قال بثمانين، فكيف يقول؟ والله ما بعته بثمانين، وإنما بعته بمئة.

والمراد هذا اللفظ أو معناه، فلو قال: والله لستُ بائعًا له بثمانين، بل أنا بائع إياه بمئة، فإن ذلك كافٍ، فالعبارة التي ذكرها المؤلف لا يُشترط لفظها، المقصود المعنى، لكن يبدأ أولًا بالنفي، ثم بالإثبات.

وظاهر كلام المؤلف أنه لا بد من الجمْع بين النفي والإثبات، وهذا أحد القولين، وإنما اشتُرط ذلك ليكون دافعًا لما ادعاه خصمه بالنفي مثبِتًا لما ادعاه هو بالإثبات. وقيل: يكفي الإثبات، فيقول: والله ما بعتُه إلا بمئة، وهذا القول هو الصحيح، وذلك لأن المقصود من الألفاظ هو المعاني، فإذا ظهر المعنى اكتفينا به بأي صيغة كانت، فلا يُشترط على القول الراجح البداءة بالنفي، بل نقول: إذا أثبت كفى، سواء جاء بطريق الحصر: والله ما بعته إلا بكذا، أو قال: والله لقد بعته بمئة، يكفي.

ص: 1037

وكذلك يقال بالنسبة لمن؟ للمشتري، المشتري يحلف أولًا: ما اشتريته بكذا؛ يعني به ما قاله البائع، وإنما اشتريته بكذا؛ يعني ما ادعاه، فيقول: والله ما اشتريته بمئة، وإنما اشتريته بثمانين، ويُقال فيه كما قيل في البائع، بأن القول الراجح أنه إذا حلف على إثبات ما ادعاه كفى.

فإن عكسا في الترتيب فبدأ المشتري أولًا، ثم البائع، فماذا نصنع؟ نقول: يعيد المشتري؛ لأنه لا بد من الترتيب كما قال المؤلف: (يحلف البائع أولًا)، وقد قيل: إنه لا يشترط الترتيب، وأن المشتري لو أنه بدأ أولًا لاعتُبرت يمينه؛ لأن المقصود حاصل، وقيل: يُبدأ بالمدعي، فمثلًا إذا كان المشتري هو الذي قال: اشتريته بكذا قبل أن يدعي عليه البائع أنه باعه بكذا؛ قُدِّم المشتري.

والظاهر بناءً على القاعدة العامة أن العبرة في الألفاظ، العبرة بمعانيها، فإذا حصل المقصود فإنه يصح ويُحكم به سواء بالتقديم أو التأخير، وبتقديم النفي على الإثبات أو بالاقتصار على الإثبات.

قال: (ولكل واحد منهما الفسْخ إذا لم يرضَ أحدهما بقول الآخر).

يعني بعد التحالف نقول: الآن كل واحد منكما بالخيار، فإن رضي أحدهما بقول الآخر فلا فسخ، إذا رضي أحدهما بقول الآخر فلا فسْخ، مثلًا المشتري لما رأى أن البائع حلف وهَّم نفسَه، وقال: إن هذا الرجل لن يحلف هذا الحلف البات إلا عن يقين، ثم رضي، فالقول ما قال البائع، وكذلك لو أن البائع لما رأى أن المشتري قد حلف وأكد فقال: أنا أصدقه وأوهم نفسي، فإنه يبقى المبيع على ما هو عليه، ولهذا قال:(إذا لم يرضَ أحدهما بقول الآخر).

ص: 1038

(فإن كانت السلعة تالفةً رجعا إلى قيمة مثلها) إن كانت السلعة تالفة رجع إلى قيمة مثلها، مثل أن اشترى شاةً، ثم ذبحها وأكلها، ولما أراد أن يُسلِّم الثمن للبائع قال البائع: الثمن مئة، وقال الذي اشترى الشاة وذبحها إنها -أي القيمة- ثمانون، الآن لو فسخنا العقد فأين المبيع؟ المبيع تالِف، نرجع إلى قيمة الْمِثل. وصريح كلام المؤلف أننا لا نرجع إلى مِثل المثل، بل إلى القيمة، وذلك لأن البائع أقر بأنها خرجت من ملكه بالقيمة، فهي مضمونة بماذا؟

طالب: بقيمتها.

الشيخ: بالقيمة، وليست كضمان الْمُتلف يرجع فيه إلى الْمِثل، ثم إلى القيمة، بل هذه البائع اعترف الآن بأنها خرجت منه بأيش؟

طالب: بالثمن.

الشيخ: بالقيمة، خرجت منه بالقيمة، فإذا كان اعترف بأنها خرجت من ملكه بالقيمة بقي النظر الآن اختلافها في القيمة فيُرجع إلى قيمة المثل. وظاهر كلام المؤلف أنه يُرجع إلى قيمة الْمِثل ولو كانت أقل مما قال المشتري أو أكثر مما قال البائع.

يعني مثلًا البائع قال: إنها بمئة، والمشتري قال: بثمانين، والسلعة تالفة، وقلنا: نرجع إلى القيمة؛ قيمة الْمِثل، فقالوا: إن قيمة الْمِثل تساوي هذه الشاة مئة وخمسين، فصارت القيمة أكثر مما قال البائع، أو قالوا: إن القيمة بستين، أنقص مما قال المشتري، فالآن المشتري مُقِرٌّ، قد أقر بأن في ذمته لهذا الرجل ثمانين، والبائع قد أقر أنه لا يُطالِب المشتري بأكثر من مئة، والآن سيأتي البائع مئة وخمسون، وسيدفع المشتري كم؟ ستين، أقل مما ادعى، وهذا مراد، يعني هذا ظاهر كلام المؤلف، وهو مُراد، وعلَّلوا ذلك بأنه لما انفسخ العقد رجعنا إلى القيمة، إلى قيمة الْمِثل، فلغى قول البائع، ولغى قول المشتري، ورجعنا إلى الأصل وهو القيمة.

ص: 1039

وقال بعض أهل العلم: إنه إذا صارت القيمة أكثر مما قال البائع فإنه لا يستحق أكثر مما ادعى، وإذا بانت القِيمة أقل مما قال المشتري أُلزِم بما أقر به، ولا شك أن هذا هو الورَع؛ أن يقول البائع: أنا لا آخذ أكثر مما ادعيت أنني بعتُ به، والمشتري يقول: أنا سأدفع ما أقررت بأنني اشتريت به، هذا لا شك أنه هو طريق الورع، لكن هل يُلزم حُكمًا؟ هذا محل خلاف، المذهب أنه يُلزم بالقيمة سواء كانت أكثر مما ادعاه البائع أو أقل مما ادعى المشتري، ولهذا قال:(اختلفا)، أي رجعا إلى قيمة مثلها، وحينئذٍ لا بد أن نعرف تعليلين: التعليل الأول: لماذا نرجع إلى قيمة الْمِثل دون الْمِثل؟

طالب: لأن البائع أقر بالخروج عن ملكه بهذه القيمة.

الشيخ: بالقيمة.

الطالب: بالقيمة، نعم.

الشيخ: طيب، فهو لا يستحق المثل. طيب، والمسألة الثانية: لماذا نرجع إلى القيمة دون ما ادعياه؟

طالب: لأنه لما انفسخ البيع.

الشيخ: العقد.

الطالب: لأنه لما انفسخ العقد سقط قول البائع للمشتري فيرجع للقيمة وهي (

).

الشيخ: طيب، لأنه بفسخ العقد صار لا عبرة به، لا عبرة بالعقد إطلاقًا، فيُرجع إلى قيمة الْمِثل.

قال المؤلف رحمه الله: (فإن اختلفا في صفتها فقول مشترٍ)(اختلفا في صفتها) أي صفة السلعة التالفة، فالقول قول المشتري، مثل أن يقول البائع: إن العبد الذي هلك كان كاتبًا، وقال المشتري: بل كان غير كاتب.

ص: 1040

فهنا إذا رجعنا إلى القيمة فبينهما فرْق عظيم، أيهما أغلى؟ الكاتب، والبائع الآن يدعي أنه كاتب، والمشتري يقول: غير كاتب، فالقول قوْل المشتري، وذلك بناءً على القاعدة: أن كل غارم فالقول قوله، الغارم القول قوله، كل غارم فالقول قوله؛ لأن ما زاد على غرمه دعوى فيحتاج إلى بينة، فمثلًا إذا قال البائع: إن العبد الذي تلف كان كاتبًا، وقال المشتري: بل كان غير كاتب، فالقول قول المشتري، فتُقدَّر قيمته غير كاتب، والعلة أيش هي؟ أنه غارِم، والغارم لا يُلزم بأكثر مما ادعى أو مما أقرَّ به؛ لأن الأكثر مما أقر به دعوى تحتاج إلى بينة.

يقول رحمه الله: (فإن اختلفا في صفتها فقول مشترٍ).

طيب، هل مثل ذلك إذا اختلفا في قدرها بأن قال البائع: إني قد بعت عليك شاتين، وقال المشتري: بل واحدة، وقد تلفت الشاتان، هل نقول: إن القول قول المشتري بناءً على القاعدة أو القول قول البائع؟

الأول، بناءً على القاعدة، القول قول المشتري؛ لأن البائع الآن يدَّعي أن المبيع اثنان والمشتري لم يقر باثنين، أقر بواحد وأنكر الثاني، والبينة على المدعي واليمين على من أنكر. إذن إذا اختلفا في قدر المبيع أو في صفته فالقول قول المشتري.

يقول: (وإذا فسخ العقد انفسخ ظاهرًا وباطنًا) إذا فُسِخ العقد انفسخ ظاهرًا وباطنًا ورُدَّت السلعة إلى البائع، يتصرف فيها تصرُّف الملاك في أملاكهم، ورجع الثمن إلى المشتري، يتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم، سواء كان أحدهما صادقًا أم كاذبًا، حتى الكاذب ينفسخ العقد في حقه باطنًا وظاهرًا.

طيب، اختلفا البائع والمشتري في قدْر الثمن، فقال البائع: بعت عليك هذه الشاة بمئة، وقال المشتري: بثمانين، ولا بيِّنة، فتحالفا وتفاسخا. ترجع الشاة إلى مَنْ؟ إلى البائِع، والقيمة المدفوعة للمشتري. انفسخ العقد الآن ظاهرًا وباطنًا؛ أما ظاهرًا فواضح، لو ترافعا إلى الحاكم لحكم برد السلعة إلى البائع ورد الثمن إلى المشتري، ظاهرًا.

ص: 1041

باطنًا؛ لو فرضنا أن البائع كاذب، وأن البيع بثمانين، السلعة رُدَّت إليه الآن، أليس كذلك؟ نقول: تصرف فيها تصرف الملاك في أملاكهم، فإذا بعتها، أو أجرتها، أو وهبتها، فكل العقود التي تكون بعد فسْخ العقد الأول تكون نافذة وصحيحة، حتى وإن كنت كاذبًا.

وهذا ما مشى عليه المؤلف رحمه الله، ولكن هذا قوْل ضعيف جدًّا، والصواب أن الكاذب منهما لا ينفسخ العقد في حقه باطنًا، وأنه لا يحل له أن يتصرف فيه فيما رجع إليه من ثمن إن كان مشتريًا أو من سلعة إن كان بائعًا، كما قالوا ذلك في الصلح فيمن ادُّعي عليه بدَيْن وأنكر وهو كاذِب، وجرى الصُّلح بينه وبين المدَّعِي، فإنهم قالوا هناك: من كذب لم يصح الصلح في حقه باطنًا، فيقال: أي فرْق بين هذا وهذا؟

فالصواب أن الكاذِب منهما ينفسخ العقد في حقه ظاهرًا فقط، أما باطنًا فلا، ويظهر لك ذلك بالمثال: هذا الرجل البائع الذي حلف أنه لم يبِع بما قال المشتري، وإنما باع بما ادعاه وفسخنا العقد، فرجعت السلعة إلى البائع، ثم باعها لشخص آخر، البيع هذا صحيح أو غير صحيح؟ صحيح ظاهرًا وباطنًا، حتى لو ترافع إلى القاضي فيما بعد، لو حصل خلاف بين المشتري الثاني وبين البائع، فإن الحاكم يحكم بأنها ملكه، أما إذا كان كاذبًا فهنا محل الخلاف:

المذهب أن البيع الثاني صحيح حتى عند الحاكم، والقول الثاني أنه ليس بصحيح، وأن هذا البائع يُعْتبر كالغاصِب تصرَّف في مُلك غيره؛ لأن أصل انفساخ العقد ظُلْم، إذ إن القول هنا ما قال من؟ المشتري، لكن البائع ظَلَمه فادَّعى أكثر من الثمن من أجل أن يسترد المبيع، لكن المؤلف يقول: إنه ينفسخ العقد ظاهرًا وباطنًا؛ لأنه لا علاقة للمشتري به الآن، وقد انفسخ العقد، وكل واحد منهما ذهب إلى وُجْهة نظره.

(وإن اختلفا في أجل أو شرط فقول من ينفيه)(اختلفا في أجل)، بأن قال البائع: بعتُك هذا الشيء نقدًا غير مُؤجَّل، فقال المشتري: بل بعتنيه مؤجلًا. فالقول قول مَنْ؟

ص: 1042

طالب: البائع.

طالب آخر: المشتري.

الشيخ: من اللي نفى؟

طالب: المشتري.

الشيخ: يا إخواننا! !

طالب: البائع يا شيخ.

الشيخ: البائع قال: إني بعتُ عليك هذا الشيء نقدًا، فقال المشتري: بل مؤجلًا إلى سنة، فمن القول قوله؟

طالب: البائع.

طالب آخر: المشتري.

طلبة: (

).

الشيخ: يا جماعة الخير، أنتم ما شاء الله على مستوى .. (فقول من ينفيه) من الذي نفاه؟

طالب: البائع.

الشيخ: البائع، إذن القول قول البائع، فيُلزم المشتري بدفعه نقدًا، لماذا كان القول قول من ينفيه؟ لأن الأصل عدمه، الأصل عدم التأجيل، فلهذا صار القول قول من ينفيه.

كذلك لو اختلفا في مقدار الأجل، فالقول قول من ينفي الزيادة، يعني اتفقا على أن الثمن مؤجل، لكن قال البائع: مؤجَّل إلى ستة أشهر، وقال المشتري: مؤجَّل إلى سنة، من القول قوله؟

طلبة: البائع.

طالب آخر: من يقول يا شيخ.

الشيخ: تأملوا، من الذي قال: ستة أشهر؟

طلبة: البائع.

الشيخ: البائع، اتفقا على الأجل، يعني لم يختلفا في أصله؛ بل اتفقا على أن الثمن مؤجل، لكن قال البائع: إنه مُؤجَّل إلى ستة أشهر، وقال المشتري: إنه مُؤجَّل إلى سنة، فالقول قول مَنْ؟ قول البائع؛ لأن الأصل عدم الزيادة، فهما قد اتفقا على ستة أشهر، واختلفا فيما زاد، والأصل عدم الزيادة، فإذن القول قول من ينفي أصل التأجيل إذا اختلفا في أصله، وقول من ينفي الزيادة إن اختلفا في قدْر الأجل، فالقول قول مَنْ ينفي الزيادة.

فإن قال قائل: هل يُمكن أن نرجع إلى القرائن في هذه الحال؟ يعني بمعنى أننا نعلم أن هذه السلعة لو كانت نقدًا لكانت بمئة، ولو كانت مُؤجَّلة إلى سنتين أو أكثر لكانت بمئتين، والثمن الآن مئتان، والمشتري يقول: إنه مُؤجَّل إلى سنتين، والبائع يقول: غير مؤجَّل، فهنا القرينة مع مَنْ؟

طالب: مع المشتري.

طلبة: مع المشتري.

طالب: مع البائع.

الشيخ: مع من؟

طالب: (

).

الشيخ: لا، لا تختلف.

طالب: مع المشتري.

ص: 1043

الشيخ: طيب الآن، نُعيد المسألة من أصلها: إذا اختلفا في أجل، يعني بأن قال البائع: بعتُك هذا الشيء بمئة نقدًا، فقال المشتري: بل بعتَنيه بمئة مُؤجَّلة، من القول قولُه؟ قول البائع؛ لأن القول قوْل من ينفي.

الصورة الثانية: اتفقا على الأجل، قال: بعتُك إياه مؤجلًا إلى ستة أشهر، فقال: بل إلى سنة، من القول قوله؟ البائع؛ لأنهما اتفقا على ستة أشهر، واختلفا في الزيادة، والأصل عدم الزيادة.

لكني أقول: لو فُرِض أن القرينة تؤيد قول أحدهما، هذه السلعة نعرف أن قيمتها في السوق الآن مئة، وأنه إذا كان الثمن مُؤجلًا ستكون بمئتين، والثمن الآن مئتان، الثمن مئتان، فالبائع يقول: إنه نقد، والمشتري يقول: مُؤجَّل، فالقرينة مع مَنْ؟ القرينة مع المشتري، لو سألنا أهل السوق قلنا: يا جماعة، كم تسوى هذه نقدًا؟ قالوا: ما تسوى إلا مئة، كم تسوى مؤجَّلة إلى سنتين؟ قالوا: تسوى مئتين.

فهنا القرينة مع المشتري، وعلى هذا فيترجح جانبه، ويقال: يحلف على أن الثمن مؤجل إلى سنتين، ويُحكم بذلك، وعلى هذا فيكون إطلاق المؤلف إن كان مرادًا ففيه نظر، وإن كان غير المراد، وأن هذه الصورة تخرج منه فالأمر ظاهِر. إذن إذا اختلفا في الأجل فالقول قوْل من ينفيه ما لم تقم قرينة على أن القول قوْل من يُثبته فيُحكم بهذه القرينة.

فإذا قال قائل: القرينة أمْر ظاهر، فكيف تُغلِّبونه على الأصل؟ ما هو الأصل؟ عدم الأجل، هذا الأصل، والقرينة أمر ظاهِر، فكيف يُغلَّب على الأصل؟

ص: 1044

قلنا: هذه القاعدة في كل الدعاوى، ما الذي جعل المدعِي إذا كان عنده بينة فالقول قوله إلا القرينة بالشهادة؟ ثم ما الذي جعل سليمان عليه الصلاة والسلام يحكم بأن الولد للصغرى حين تنازعت مع الكبرى؟ القرينة، وما الذي جعل حاكم يوسف يقول:{إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 26، 27]، أيش؟ إلا القرينة، وما الذي جعل الأصحاب يقولون: إذا ادَّعت المرأة المطلقة بأن دلال المجلس ومبخرة المجلس لها، وقال الزوج: بل هي لي، من القول قوله؟ قول الزوج، إلا القرينة. فالمهم أن القرائن دلائل ما فيها إشكال، فإذا ادَّعى الإنسان ما يخالف الظاهر فإن القول مع خصمه؛ لأن مخالفة الظاهر قرينة على كذبه.

يقول رحمه الله: (إذا اختلفا في أجل أو شرط)

(أو شرط)، إذا اختلفا أيضًا في شرط فالأصل عدمه، مثال ذلك: باع رجل بيته على آخر بثمن، ثم ادَّعى البائع أنه قد اشترط سُكناه لمدة سنة، فمن القوْل قوله؟

طالب: قول المشتري إذا نفاه.

الشيخ: يا إخوان!

طالب: (

) ينفيه.

الشيخ: الآن باع البيت، ثم ادعى أنه اشترط سُكناه سنة، وقال المشتري: لا.

طلبة: قول المشتري.

الشيخ: قول المشتري، لماذا؟ لأنه ينفي الشرط، والأصل عدم وجود الشرط.

طيب، باع عليه عبدًا، فقال المشتري: إنك اشترطت عليَّ أنه كاتِب، وقال البائع: لم أشترط أنه كاتب. مَنِ القول قوله؟

طلبة: البائع.

الشيخ: قول البائع؟

الطلبة: نعم.

الشيخ: مُطلقًا.

الطلبة: نعم.

الشيخ: لا.

طالب: ما لم يوجد قرينة.

الشيخ: ما لم يوجد قرينة، وهنا نضرب مثلًا: إذا قُدِّر أن هذا العبد بِيع بعشرة آلاف ريال، الثمن عشرة آلاف مُتفق عليه، وهو غير كاتب يساوي ألفي ريال، فهل القول هنا قول البائع ولَّا قول المشتري؟

طالب: قول المشتري.

ص: 1045

الشيخ: ليش؟ القرينة، إذا كان غير كاتب ما يُباع بعشرة آلاف، يُباع بألفين، فالقول هنا قول المشتري.

طيب الصورة الثانية: إذا كان الذي اشتراه صاحب تجارة، ويغلب على ظننا أنه إنما اشتراه ليكون كاتبًا عنده في المحل، فقال المشتري: إني قد اشترطت عليك أنه كاتب، وقال البائع: لا، فهل هذه قرينة؟ أو نقول: هذه قرينة خاصة بالطالب الذي هو المشتري، ما هي قرينة ظاهرة في العموم، ومن المعلوم أن المشتري ولو كان تاجرًا يمكن يشتريه للخدمة، ما هو للكتابة، فهذه ليست قرينة، وبهذا نعرف أن القرائن قد تقوى وقد تضعف، لكن إذا كانت القرينة قوية فحينئذٍ تُرجِّح جانب المدعي.

(وإن اختلفا في شرط فقول من ينفيه) طيب، باع عليه سيارته بثمن قليل أو كثير، فادعى البائع أنه رهنها، قال للمشتري: أنت راهن السيارة، وقال المشتري: أبدًا، ما راهنتك إياها، البيع ما فيه رهن. من القول قوله؟

طلبة: المشتري.

الشيخ: لماذا؟ لأن الأصل عدمه، فيدخل في قوله:(شرط)، (إن اختلفا في أجل أو شرط فقول من ينفيه). طيب، والعلة؟ أن الأصل العدم. (

)

طالب: (

).

الشيخ: يعني في قدْر الثَّمن؟

الطالب: واحد يقول مثلًا: بعتُك عليه بأجَل معلوم ستة أشهر، والآخر يقول: لا، لسنة. المشتري يقول: لسنة، والبائع يقول: لستة أشهر، هذا (

الشيخ: لا، ليس كالاختلاف في قدْر الثمن، لا يكفي النفي.

الطالب: (

) مثل الآخر.

الشيخ: إي، لكن ما يشترط، ما هو مثل قدر الثمن، قدر الثمن لا بد من الجمع بين النفي والإثبات، وهنا ما هو بشرط.

طالب: إذا كان الاثنان تحالفا وأخذ البائع السلعة ورد الثمن على المشتري، وكان البائع كاذبًا، نقول: إن المال في حقه أو السعر في حقه كالغصْب، وذكرنا الخلاف، هل الخلاف هذا يجري في كل معاملة؟ يعني إذا أخذ حقًّا أكثر من حقه؟

الشيخ: إي، في كل معاملة، «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1).

الطالب: يوجد خلاف في هذا؟

ص: 1046

الشيخ: لا، ما يُوجد فيها خلاف، الآن بينا لكم -قبل قليل- أن الصُّلح يقولون: من كذب فالصلح في حقه باطل باطل، ما هي مطردة على المذهب، على القول الراجح مطردة.

الطالب: نعم، والمذهب؟

الشيخ: المذهب لا.

الطالب: نفس المسألة هذه؟

الشيخ: ما هي مطردة، ما داعي، المسألة هذه أو غيرها، لكن ما هي مطردة.

طالب: حديث: «إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي» .

الشيخ: «الْقَوْلُ مَا قَالَ البَائِعُ» .

الطالب: «الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ» (2). ما يدل على أن القول قول البائع مطلقًا بكل الصور؟

الشيخ: هذا خلاف المذهب، ولا هو في كل شيء، في الثمن فقط، والقول قول البائع في الثمن، هذا جيد؛ لأن البائع لم يُقِر أنها خرجت من ملكه إلا بهذا القدر، فالقول بأن القول قول البائع أقوى من القول بأنهما يتحالفان، لكن المذهب يتحالفان.

الطالب: يُخصص الحديث باختلاف الثمن؟

الشيخ: إي نعم، بما يتضمن أن البائع لم يقر بخروج السلعة عن ملكه إلا على هذا الوجه. (

)

***

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

يقول المصنف رحمه الله: وإن اختلفا في عين المبيع تحالفا وبطل البيع، وإن أبى كل منهما تسليم ما بيده حتى يقبض العوض -والثمن عين- نُصِب عدْل يقبض منهما، ويُسلِّم المبيع، ثم الثمن، وإن كان دينًا حالًّا أُجبر بائعٌ، ثم مشترٍ إن كان الثمن في المجلس، وإن كان غائبًا في البلد حُجر عليه في المبيع وبقية ماله حتى يحضره، وإن كان غائبًا بعيدًا عنها، والمشتري معسر فللبائع الفسْخ، ويثبت الخيار للخلف في الصفة ولتغيُّر ما تقدمت رؤيته.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ص: 1047

ما هو القول الراجح فيما إذا فُسِخ العقد بعد التحالف، هل ينفسخ ظاهرًا وباطنًا، أو باطنًا أو ظاهرًا؟

طالب: القول الراجح أنه ينفسخ ظاهرًا.

الشيخ: فقط؟

الطالب: نعم.

الشيخ: لا باطنًا في كل الصور.

الطالب: إلا إذا (

).

طالب آخر: ينفسخ ظاهرًا في حق الكاذب، وينفسخ ظاهرًا وباطنًا في حق (

).

الشيخ: طيب، هذا القول الراجح، والمذهب؟

الطالب: أنه ينفسخ ظاهرًا وباطنًا في حق الـ ..

الشيخ: في حق الجميع.

طيب، اشترى من شخص شيئًا، وادعى أن الثمن مؤجل، ولكن البائع أنكر الأجل. من القول قوله؟

طالب: القول قول البائع.

الشيخ: لماذا؟

الطالب: لأن الأصل ..

الشيخ: أولًا: بَيِّن الدليل والتعليل؟

الطالب: الدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ» (2).

الشيخ: لا، «الْبَيِّنَةُ عَلَى

»؟

الطالب: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (3).

الشيخ: نعم، وهنا المدعي مَنْ؟

الطالب: المدَّعي البائع.

الشيخ: المدعي؟ !

الطالب: المدعي المشتري.

الشيخ: المشتري، هو الذي ادَّعى أن الثمن مؤجل فأنكر البائع، نقول للمشتري: هاتِ البينة لأنك مُدَّعٍ. طيب، إذا اختلفا في شرط؟

طالب: فالقول قول من ينفيه.

الشيخ: قول من ينفيه، لماذا؟

الطالب: لأن الأصل عدم الشرط.

الشيخ: الأصل عدمه، وهل يدخل في الحديث الذي ذكرناه قبل قليل، «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» (4)، مثاله؟

الطالب: مثاله أن يشتري رجل سلعةً من آخر، ثم يردها عليه ويقول، أو يشترط في الذي اشتراه في العبد مثلًا الذي اشتراه أنه ..

الشيخ: أضربت عن الجواب الأول؟ أنت قلت: أن يشتري سلعة، أضربت عنه؟

الطالب: سلعة أو عبدًا.

الشيخ: طيب.

الطالب: ثم يقول: أنا اشترطت فيه أن يكون كاتبًا، ويقول البائع: لم أشترط هذا الشرط.

الشيخ: نعم، فالقول؟

الطالب: قول البائع.

ص: 1048

الشيخ: البائع. يقول: اشترى عبدًا، ثم ادَّعى -أي المشتري- أنه اشترط على البائع أن يكون كاتبًا، وقال البائع: لم تشترط ذلك، فالقول قول البائع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (5)، ولأن الأصل عدم الشرْط.

ثم قال: (وإن اختلفا في عين المبيع)، قال:(وإن اختلفا) أي البائع والمشتري (في عين المبيع)، بأن قال البائع: بِعتُك هذه السيارة، وقال المشتري: بل هذه السيارة، سيارة أخرى؛ فهنا اختلفا في عين المبيع. أو قال: بعتُك هذا الجمل، فقال: بل بعتني هذه الناقة.

فيقول المؤلف: إنهما يتحالفان ويُفسَخ البيع، والتحالف هنا كالتحالف فيما سبق في قدْر الثمن، فيقول البائع: والله ما بعتُك هذه، وإنما بعتُك هذه، ويقول المشتري: والله ما اشتريت هذه، وإنما اشتريت هذه، فإذا تحالفا ولم يرضَ أحدهما بقول الآخر فُسِخ البيع، ورجع المشتري بالثمن إن كان قد سلَّمه وإلا فالثمن عنده، هذا هو الذي مشى عليه المؤلف رحمه الله.

والقول الثاني في المسألة أن القول قول البائع، وهذا هو الراجح وهو المذهب أيضًا، وهذه المسألة مما خالف فيها الزاد للمشهور من المذهب، فالصحيح أن القول قول البائع؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ» (2). وعلى هذا فنقول للمشتري: إما أن تأخذ السلعة التي عينها البائع، وإما أن يُترك البيع؛ ولأن البائع غارم، هو الذي ستُؤخذ منه السلعة، فلا يُغرَّم غير ما أقر به، فيكون في هذه المسألة دليل وتعليل، وعلى هذا فنقول: القول الراجح أن القول قول البائع فإن رضيه المشتري فذاك، وإن لم يرضه فُسِخ البيع.

ص: 1049

ومثل ذلك الاختلاف في قدْر الثمن على ما سبق، وأظننا لم نُرجِّح هذا القول هناك، لكن الآن نرجح أن القول قول البائع للحديث؛ ولأنه غارِم، فلا يمكن أن تُخرج السلعة من ملكه إلا بثمن يرتضيه، فإما أن يقبل المشتري بذلك، وإما أن يُفسخ البيع ولا حاجة للتحالف، وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية في قدْر الثمن، وكذلك في عين المبيع من باب أولى.

قال: (وإن اختلفا تحالفا وبطل البيع).

قوله: (وبطل البيع)، في هذا التعبير نظر عند أهل العلم حسب المصطلح بينهم؛ لأن البيع لم يبطل، ولكن فُسِخ، وفرْق بين البطلان وبين الفسخ، فصواب العبارة أن يُقال: وانفسخ البيع.

(وإن أبى كل منهما تسليم ما بيده حتى يقبض العوض .. ) إلى آخره.

هذه أيضًا من مسائل الخلاف بين المتبايعين، إذا اختلفا أيهما يسلم أولًا، فقال البائع: لا أسلمك حتى تسلمني الثمن، وقال المشتري: لا أُسلِّمك حتى تُسلِّمني المبيع، فماذا نعمل؟

فسرها المؤلف، قال:(والثمن عين) أي معين (نُصِب عدل يقبض منهما ويسلم المبيع، ثم الثمن).

قوله: (نُصِب) مبني لما لم يُسمَّ فاعله، والناصب هو الحاكم الشرعي؛ يعني أن هذين المتبايعين يختصمان إلى الحاكم، ثم ينصب الحاكم رجلًا يستلم منهما، ثم يسلم المبيع أولًا، ثم الثمن ثانيًا.

مثاله: اشترى رجل من آخر ساعة، فقال المشتري: أعطني الساعة وأعطيك الثمن، فقال البائع: أعطني الثمن وأعطيك الساعة، تنازعا، فبقي كل واحد يقول: أعطني العِوض. نقول: اذهبا إلى من؟ إلى الحاكم في المحكمة الشرعية، ثم الحاكم يجب عليه أن ينصب رجلًا عدلًا موثوقًا فيأخذ الساعة من البائع، ويأخذ الثمن من المشتري، ثم يُسلِّم الساعة للمشتري، ويُسلِّم الثمن للبائع. هذا هو الذي .. نمشي على كلام المؤلف وبعدين نشوف الراجح.

قال: (وإن كان دينًا) يعني غير معين، (وإن كان دينًا حالًّا أُجبر بائع ثم مشترٍ) (إن كان) الضمير يعود على الثمن؛ لأنه قال بالأول:(والثمن عين).

ص: 1050

(إن كان دينًا حالًّا أجبر بائع، ثم مشترٍ إن كان الثمن في المجلس).

إذا كان الثمن دينًا، أي لم يقع العقد على عينه؛ لأنكم تعرفون الفرْق بين الثمن المعين الذي وقع العقد على عينه وبين الثمن الذي لا يقع العقد على عينه، فهذا الثاني يُسمَّى دينًا. فإذا قلت: بِعني هذه الساعة بهذه الدراهم، فالثمن مُعيَّن، وهو المسألة الأولى، وإذا قلت: بِعنيها بعشرة، فقال: بعتُكها بعشرة، فالثمن هنا دَيْن؛ لأنه غير مُعيَّن، والدَّيْن عند الفقهاء ليس هو الدَّيْن الذي يعرفه العامة، كل ما لم يُعيَّن من ثمن فهو دَيْن.

(إذا كان دينًا حالًّا أُجبِر بائع، ثم مُشترٍ)، (أجبر) مبني لما لم يُسمَّ فاعله، فمن الْمُجبِر؟ المجبر القاضي الحاكم، وعلى هذا نقول: إذا أبى كل واحد منهما أن يُسلِّم ما بيده والثمن غير مُعيَّن، يذهبان إلى الحاكم، ثم يقول للبائع: سلِّم المبيع، ويقال للمشتري: سلِّم الثمن، ولا حاجة إلى نصْب عدل يقبض منهما. وهذا هو الفرْق بين هذه المسألة وبين المسألة الأولى، ووجه الفرق بينهما أن الثمن في الثانية تعلَّق بذمة المشتري، وأما في الأولى فحقُّ البائع تعلق بعين الثمن؛ لأنه قد عُيِّن له، فهذا هو الفرْق، واضح الفرق؟

طالب: ما هو بواضح.

الشيخ: ما هو بواضح. في المسألة الأولى قال: اشتريت منك هذه الساعة بهذه الدراهم، الآن هذه الدراهم ملك لِمَنْ؟ للبائع، أما الثانية فقال: اشتريتُ منك ساعة بعشرة، فالثمن الآن في ذمة المشتري، لم يملكه البائع بعد، فهذا هو الفرق بينهما، ولهذا قلنا في الأولى: ينصب عدل يقبض منهما، ثم يسلم المبيع، ثم الثمن، أما هنا فقلنا: يجبر البائع، فإذا قال: كيف تجبروني؟ انصبوا عدلًا، أنا الآن لو سلمته المبيع أخشى أن يهرب المشتري، فلماذا تجبروني؟

ص: 1051

لماذا لا تنصبون عدلًا يقبض مني ومنه، ثم يسلم المشتري ويسلمني؟ قلنا: لأن حقك في المسألة الأولى تعلق بعين العِوض، أما الآن فحقك تعلق بذمته، فلا حاجة أن ننصب عدلًا، سلمه المبيع الآن وهو يسلمك الثمن، فإن قال: أخشى إذا سلمناه المبيع هرب؟ قلنا: إذا هرب فهو مُدرَك إن شاء الله.

نعم، المسألة الثالثة، قال:(وإن كان غائبًا في البلد حُجِر عليه في المبيع وبقية ماله حتى يحضره).

(إن كان) الضمير يعود على الثمن.

(غائبًا في البلد) فإنه يحجر عليه، أي على المشتري.

يقول: (حجر عليه) أي على المشتري (في المبيع وبقية ماله حتى يحضره).

مثال ذلك، قال: اشتريت منكَ هذه الساعة بعشرة ريالات، وهي في بيتي مثلًا، فإننا نحجر عليه، نعطيه المبيع، لكن نحجر عليه في المبيع على مَنْ؟ على المشتري في المبيع، لا يتصرف فيه، وفي بقية مال، لو كان عنده من الأموال عقارات وسيارات وأدوات حراثة، وغير ذلك حجرنا عليه.

قلنا: الآن خلاص غلِّق الدكان، ما يمكن تتصرف في أي شيء من مالك حتى تُحضر الثمن، الساعة بكم؟ بعشرة ريالات، والدكاكين والعقارات بملايين، نقول: الآن وقِّف التصرف حتى تُحضر عشرة ريالات، لماذا؟ قالوا: لأنه يُخشى أن يتصرف في ماله تصرفًا يضر البائع، وهذا التعليل يقتضي أنه لا يُحجر عليه إلا إذا كان الثمن كثيرًا، أما لو كان عنده من الملايين ما عنده والثمن عشرة ريالات، نقول: نحجر عليك في الساعة هذه ما تتصرف فيها، ولا تتصرف في أي شيء مالك حتى تحضر الثمن؟ ! لكن هذا ظاهر كلام المؤلف، والتعليل ظاهره أنه يُفرَّق بين الثمن الكثير والثمن القليل.

الصورة الرابعة: إن كان غائبًا بعيدًا عنها فإن للبائع الفسخ، إذا قال: اشتريتُ منك هذه الساعة بعشرة ريالات. طيب سلِّم، قال: والله العشرة ريالات في منزلي في الرياض، ونحن الآن في عنيزة، بعيد الرياض ولَّا قريب؟ بعيد، إذن نقول للبائع: لك الفسْخ، فسْخ البيع، وترجع السلعة لك، وهذاك ثمنه عنده.

ص: 1052

فصارت المسألة لها أربع صور:

الصورة الأولى: إذا كان الثمن معينًا، فالحكم أننا ننصب عدلًا يقبض من البائع والمشتري، ثم يُسلِّم المبيع، ثم الثمن.

الثانية: إذا كان دَيْنًا حالًّا، يعني غير مُعيَّن، وهو في البلد، فماذا نعمل؟ يُجبر البائع أولًا، ثم المشتري ثانيًا.

الثالث: إذا كان غائبًا عن البلد، لكن قريب، فإنه يُحجَر عليه في المبيع وبقية ماله حتى يحضره.

الرابع: إذا كان بعيدًا عنها فإن للبائع الفسخ.

هذا هو التفصيل فيما إذا أبى كل واحد منهما أن يُسلِّم ما بيده. والقول الراجح في هذه المسألة: أن للبائع حبْس المبيع على ثمنه، فيقول: نعم، أنا بعتُ عليك، لكني لا آمن أن تهرب ولا تُوفيني أو تُماطل أو ما أشبه ذلك، فأنا أبقيه عندي محبوسًا حتى تُسلِّمني. وهذا القول هو الذي لا يتأتى العمل إلا به، ولا تستقيم أحوال الناس إلا به؛ لأن هذه المسائل التي ذكرها المؤلف وهذه الصور فيها مشقة على الناس، افرض أن المحكمة عندها مئة معاملة، وهذه المعاملات كل يوم معاملتان، كم يبقى بالانتظار؟ خمسين يومًا حتى يُقال للحاكم: انصب عدلًا يقبض منهما، وهذا لا تستقيم به أحوال الناس.

فالصواب أن يُقال: إذا أبى كل واحد منهما أن يُسلِّم ما بيده فللبائع أن يحبس المبيع، يقول: ما أُسلِّم حتى تُسلِّم، فإذا سلَّمه أعطاه، وإذا كان كل منهما لا يثق بالآخر فهما بأنفسهما ينصبان عدلًا، يقال: أنت ما تثق مني، وأنا ما أثق منك، نذهب إلى فلان ونعطيه الثمن والسلعة ويُسلِّم؛ هذا هو القول الراجح.

يقول المؤلف رحمه الله: (والمشتري مُعسِر)، العبارة هذه فيها قلق؛ لأن ظاهر قوله:(والمشتري مُعسِر) أنها قيد فيما إذا كان غائبًا بعيدًا عنها، وأن الواو للحال، ولكن الواقع خلاف ذلك، فالواو هنا بمعنى (أو)، يعني وكذلك إذا ظهر أن المشتري مُعسِر فللبائع الفسخ.

ص: 1053

وقوله: (أو المشتري معسر) أو ظهر أن المشتري معسر، يدل على أنه لو كان البائع يعلم بعسرة المشتري فإنه لا خيار له، وهو كذلك، فالرجل مثلًا إذا باع على إنسان سِلْعة يظن أنه غني، ثم تبين أنه معسِر، فله الفسخ؛ لأن في إنظاره ضررًا عليه، أما إذا باع هذه السلعة على شخص وهو يعلم أنه معسِر فإنه لا خيارَ له؛ لأنه دخل على بصيرة.

فإن ظهر أنه مماطِل ليس مُعسرًا، بل هو مماطل، فهل له الفسخ؟ الصواب: نعم، والمذهب لا، إذا ظهر أنه مماطِل فإنه يُحاكَم عند القاضي حتى يُجرى عليه أحكام المماطلين، لكن الصحيح أنه إذا ظهر أنه مماطِل فإن للبائع الفسخ؛ لأن بعض المماطلين أسوأ حالًا من الفقراء، فإن الفقير ربما يرزقه الله المال ويوفي، والمماطل إذا كان هذا من عادته فإنه يصعب جدًّا أن يوفي.

فالصواب أنه إذا ظهر أن المشتري مماطل فإن للبائع الفسخ حفاظًا على ماله. وفيه أيضًا -مع كونه حفاظًا على مال البائع فيه- ردع للمماطل، لأنه -أي المماطل- إذا علم أنه إذا ماطل فُسِخ البيع فسوف يتأدَّب، ولا يماطل في المستقبل.

الآن عندنا في الحقيقة ثمانية أقسام في الخيار، ولَّا لا؟ وهو إذا ظهر أن المشترِي مُعسِر أو مماطل على القول الراجح.

فيه أيضًا خِيار تاسِع، قال:(ويثبت الخيار للخُلف في الصفة ولتغيُّر ما تقدمت رؤيته).

الْخُلف في الصفة غير الْخُلف في الشرط السابق الذي قلنا: إنه يشترط أنه كاتب أو غير كاتب، الْخُلف في الصفة يعني أنه باعه شيئًا موصوفًا، مثل أن يقول: بعتُكَ سيارة صفتها كذا وكذا وكذا، ثم اختلفا في الصفة، فقال المشتري: وصفتَها -يخاطب البائع- على كذا، وقال البائع: وصفتُها على كذا، فهنا لا مُرجِّح لأحدهما، فيثبُت لهما الخيار. والقول الراجح ما سبق: أن القول قول البائع أو يترادان، فيُقال: إما أن تقتنع بقول البائع وإلا فالملك ملكه.

ص: 1054

قال: (ولتغير ما تقدمت رؤيته) كيف تغير ما تقدمت رؤيته؟ يعني لو باعه شيئًا معينًا، ثم تغير بعد ذلك قبل العقد، فإنه يثبت الخيار للمشتري. وهذا فيما إذا كان المبيع مما يمكن تغيُّره في مدة وجيزة، مثل: بعض الألبان مثلًا التي يكون لها وقت مُعيَّن، أو غير ذلك من الأشياء التي تتغير قبل العقد، مثاله: باع عليه مثلًا لبنًا بالأمس وقد شاهده المشتري، ثم .. أنا قلت باع، ولكن أقول: نظر إليه المشتري بالأمس، وفي اليوم عقد عليه البيع، ففيما بين الأمس واليوم تغيرت صفته، فتنازعا في ذلك، فإذا تنازعا في ذلك فللمشتري الفسْخ؛ لأن المبيع تغيَّر عن رؤيته السابقة، وبذلك تمت أقسام الخِيار.

هناك سبق في الشروط في البيع أنه إذا لم يفِ أحدهما بالشرط فللآخر الفسْخ، وعلى هذا فحصر الخيار في خمسة أو عشرة أو سبعة لا يستقيم؛ لأنه قد يكون الخِيار فيما يفوت به مقصود أحد المتعاقِدَيْن، وإن لم يكن من هذه الأقسام التي عدها المؤلف رحمه الله.

ثم قال: (فصْل: ومن اشترى مكيلًا ونحوه).

هذا فصل عقده المؤلف لمسألتين؛ المسألة الأولى: التصرُّف في المبيع، والمسألة الثانية: في ضمان المبيع، هل ضمان المبيع يكون على المشتري من حين العقد، أو هو مضمون على البائع؟ وهل للمشتري أن يتصرف في المبيع بمجرد العقد، أو يحتاج إلى تقدم شيء على هذا التصرف؟ هذا خلاصة أو ما يجتمع فيه البحث في هذا الفصل.

فقال المؤلف: (ومن اشترى مكيلًا ونحوه).

(مَنْ) اسم شرط جازم، وجواب الشرط قوله:(صح ولزم بالعقد .. ) إلى آخره.

قوله: (مكيلًا ونحوه)، نحو المكيل الموزون والمعدود والمذروع، هذه ثلاثة أشياء، بالإضافة إلى المكيل تكون أربعة، إذا اشترى شيئًا من ذلك (صح) الفاعل يعود على أيش؟

طالب: البيع.

الشيخ: لا، ما هو على البيع.

طالب: العقد أو على الشراء.

الشيخ: على الشراء، لأنه قال:(من اشترى شيئًا)، ومعلوم أنه إذا صح الاشتراء صح الشراء، صحيح؟ نعم.

ص: 1055

(ولزم بالعقد)(ولزم) أي لزم الاشتراء بالعقد، أي بمجرده ولكن حيثُ لا خيار، أما إذا كان هناك خيار، فمعلوم أن هناك خيار مجلس لا يلزم العقد إلا بالتفرق بعده، لكن يلزم بالعقد إلا أن يكون فيه خيار.

(ولم يصح تصرفه فيه حتى يقبضه) الآن رتب المؤلف على هذا الشراء ثلاثة أشياء:

أولًا: الصحة، وهل تقيد هذه أو لا؟ تُقيَّد بما إذا تمت شروط الصحة وانتفت الموانع، وهذا أمر قد يقال: إنه معلوم من قوله: (ومن اشترى)؛ لأن الاشتراء الشرعي لا يكون إلا إذا تمت الشروط وانتفت الموانع.

المسألة الثانية: لزم بالعقد، ويقيد هذا أو لا؟ يقيد حيث لا خيار.

الثالث، الحكم الثالث: ولم يصح تصرفه فيه حتى يقبضه، هل يُقيَّد أو لا؟ ظاهر كلام المؤلف أن أي تصرف فيه فإنه لا يصح حتى يقبضه، سواء تصرف فيه ببيع أو هبة أو جعلِه صداقًا، أو عِوَض خلع، أو أجرة إجارة، أو غير ذلك؛ لعموم قوله:(تصرفه)؛ لأن (تصرف) مفرد مضاف فيكون عامًّا (حتى يقبضه).

ولكن هذا العموم المستفاد من قوله: (تصرفه) عموم أُريد به الخاص، أو أريد به الخصوص، فالمراد التصرف العوضي، يعني تصرفه بعِوض، مثل: البيع والهِبة بعِوض، وجعله أجرة إجارة، وأما تصرفه فيه بهبة، أو صدقة، أو هدية، أو ما أشبه ذلك فلا بأس؛ هذا هو المراد.

وقوله: (لم يصح تصرفه حتى يقبضه)، ظاهر كلامه ولو مع البائع، يعني ولو كان مع البائع، كيف مع البائع؟ نعم، اشتريت مئة صاع من هذا الرجل وهي عندي الآن بيدي، ثم بعتها عليه بثمنها أو أكثر، فهل يصح؟ نقول: ظاهر كلام المؤلف أنه لا يصح، فلا يصح التصرف حتى مع البائع.

ص: 1056

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يصح تصرفه مع البائع، وأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ» (6). يعني لا يبيعه بيعًا على غير بائعه، واختار أيضًا أنه إذا باعه تولية فلا بأس، ومعنى تولية؟ برأس المال، وقال: إن العِلَّة في النهي أنه إذا باعه بربح فقد ربح فيما لم يضمن، أي فيما لم يدخل في ضمانه. وأيضًا فإن العلة من النهي خوف العداوة والبغضاء أو محاولة البائع فسخ العقد؛ لأن البائع إذا رأى أن المشتري ربح فيه قبل أن ينقله إلى بيته، فربما يحاول فسْخ العقد بأي طريق، فيحصل بذلك النزاع والخلاف.

ولكن الأولى أن يُقال: إن الحديث على ظاهره، النهي على ظاهره، وأنه يشمل حتى ما إذا باعه على بائعه، أو باعه تولية أو مشاركة، أو مُواضَعة، أي شيء، هذا هو ظاهر النص، ثم هو ظاهر تعليل ابن عباس رضي الله عنهما؛ لأن ابن عباس علل هذا بأنه دراهم بدراهم والقبض مُرْجَأ (7)، لما سأله طاوس: ليش يعني النهي هذا؟ قال: لأنه دراهم بدراهم والقبض مرجأ، أي مُؤخَّر، وجه ذلك: أنني إذا اشتريته من هذا الرجل سلعةً بمئة دينار، وأبقيتها عنده، ثم بعتها بمئة دينار وعشرة دنانير، صار كأنني بعت مئة دينار بمئة وعشرة فقط، وهذه السلعة ممر.

ص: 1057

وهذا الاستنباط من ابن عباس قريب جدًّا؛ لأنها في هذه الحال تُشبه العِينة من بعض الوجوه، وإذا كان ابن عباس رحمه الله ورضي الله عنه يرى هذا التعليل -وهو صحابي جليل فقيه:«اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (8) - فإنه يدلك على قبح المعاملات المشهورة الآن، والتي يسمونها التقسيط؛ بأن يختار المشتري سلعة معينة، ثم يذهب إلى تاجر من التجار، ويقول: اشترها لي، ثم بِعْها عليَّ بربح، هذا واضح أنه ربا، ولا يخفى إلا على إنسان لم يتأمل؛ لأن حقيقته أنه أقرضه الثمن بزائد، فبدلًا من أن يقول: أعطني مثلًا قيمة هذه السلعة وأعطيك فيها ربحًا، قال: اشترها لي، ثم بِعْها عليَّ، والتاجر لم يُرِد الشراء إطلاقًا، ولولا هذا ما اشتراها ولا بفلس واحد، فواضح أن المقصود هو الربا، واضح جدًّا، ولا يُشكل على إنسان إذا تأمل.

وإذا كان ابن عباس رضي الله عنهما يرى أن العِلَّة في النهي عن بيْع الشيء قبل قبضه هو أنه يُشبه بيع الدراهم بالدراهم مع تأخير القبض، فهذه من باب أولى وأعظم وهي واضحة جدًّا، لكن مع الأسف أن الناس الآن انكبوا عليها انكبابًا عظيمًا.

ثم إن هؤلاء ينكرون إنكارًا عظيمًا على الذين يتبايعون بالربا الصريح، مثل البنوك، البنك يقول: خُذْها هذا الألف بألف ومئة صراحةً، وهذا يقول: خذ هذا الألف بألف ومئة، لكن مع اللف والدوران، ومعلوم أن من يأتي الشيء صريحًا أهون مما يأتيه مخادعةً، لأن المخادعة يكون الإنسان قد وقع في مفسدة الربا مع مفسدة الخداع، ثم إن الذي يأتي الشيء بخداع يأتيه وكأنه أمر حلال، لا يكن عنده خشية لله عز وجل أو يرى أنه مذنب فيخجل من الله، أو أنه مذنب، فيحاول أن يستعتب، لا، يرى أن هذا مباح، وأنه سيستمر عليه، لكن من أذنب ذنبًا صريحًا فسيكون في قلبه شيء من خشية الله عز وجل، وخوف العقوبة والإنابة إلى الله عز وجل.

ص: 1058

على كل حال الآن نرجع إلى مسألتنا، قول المؤلف:(لم يصح تصرفه)، ظاهره أنه لا يصح تصرفه تصرفًا عِوضيًّا أو غير عوضي؛ هذه واحدة.

ثانيًا: لا يصح تصرفه لا مع البائع ولا مع غيره.

أما الثاني، فنعم، لا يصح تصرفه مع البائع ولا غيره، وأما الأول فالصحيح -وهو المذهب أيضًا- أنه إذا تصرف تصرفًا لا عِوض فيه فإنه لا بأسَ به، ولهذا جاء الحديث:«فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ» (6)، «فَلَا يَبِعْهُ» ، ومعلوم أن البيع مُعاوَضة، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام ذكر البيع وحده، فهو دليل على أن ما شابهه كالأجرة وهبة الثواب -يعني الهِبة على عِوض- فهي مثله، أما ما لم يوافق في العلة، ولم يُقصد به المعاوضة، وإنما قُصد به وجه الله إن كان صدقة أو التودُّد والتحبب إن كان هديةً وهبة، فإنه لا يساويه في الحكم، وقياس الهبة والهدية على البيع قياس مع الفارق.

طالب: تعليل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عندما قال: دراهم بدراهم والقبض مؤجل.

الشيخ: مرجأ.

الطالب: مرجأ (7)، هو واضح يا شيخ إذا كان مرابحة أنه قد يكون فيه شبه من العينة. طيب يا شيخ إذا كان فيه تولية؟

الشيخ: إي، يعني بثمنه؟

الطالب: نعم.

الشيخ: فيه أيضًا؛ لأن الإنسان قد لا يكون عنده شيء الآن يُسلمه للبائع، ما عندي دراهم، اشتريت هذه السلعة مثلًا بمئة ريال وأنا ما عندي مئة ريال.

أقول: ربما يكون ما عنده فلوس الآن، وهو محتاج للفلوس يبيعها برأس مالها عشان يأخذ الفلوس.

الطالب: هذه يكون فيها ربا يا شيخ؟

الشيخ: إي، فيها ربا؛ لأني الآن أنا كأني بعت شيئًا في ذمتي للبائع على هذا الرجل الذي أعطاني نقدًا.

الطالب: بدون رِبْح.

الشيخ: إي، بدون ربح، ربا نسيئة.

طالب: اختلف البائع والمشتري في كوْن البائع يقول: بأني اشترطت أن أبيعك عبدًا كاتبًا، ويقول المشتري: بل اشترطت أن يكون العبد قارئًا مثلًا، فالقول قول مَنْ وماذا (

ص: 1059

الشيخ: الصحيح أن القول قول البائع في جميع الصور كما دل عليه الحديث (9)؛ ولأنه غارم، كيف يُطالَب بشيء لم يقر بالتزامه؟ !

طالب: الآن معارض السيارات، الوكالة يشتري السيارة وكالة (

)، ثم يريد أن يبيع، ولكن إذا أخرجها من حوش الوكالة نزلت القيمة، فيبيعها قبل أن يركب اللوحات، وقبل أن يخلص أوراقها ..

الشيخ: وقبل يطلعها.

الطالب: وقبل يطلعها، يقول: إذا طلعت رخصة القيادة وهي السيارة تسير، فيقول له: أبقها في الحوش أو في المعرض وبِعْها في المعرض.

الشيخ: يعني تريد أن أقول: لا بأس؟

الطالب: لا! !

الشيخ: واضحة المسألة، ولكن نحن نقول: الناس ما عندهم يقين في الواقع، وإلا فالله يقول:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]، وطاعة الله ورسوله هي الربح، ما هي بالربح دراهم يأخذها الإنسان ولو الخسارة فوات دراهم عليه.

الخسارة معصية الله ورسوله، فنحن نقول: أنت إذا اتقيت الله عز وجل، وقمت بما يجب فأبشر بالخير وأبشر بالرزق، وانصقال القلب بطاعة الله ما يُعادله شيء أبدًا، هو النعيم، إذا أردت النعيم حقيقة فعليك بطاعة الله؛ لأن نعيم القلب فوق نعيم الجسم.

طالب: بعضهم أفتى يقول: يركب السيارة، ويمشي بها إلى المعرض ويرجعها، فهذا نقل السبب.

الشيخ: بس من المفتي؟ لعله صاحب المعرض!

طالب: ربما الذي ينقل الوكالة يا شيخ.

طالب آخر: شيخ، في المسألة اللي ذكرناها أنه إذا اختلفا في سلعة تلفت هذه السلعة، قلنا: يرد قيمة الْمِثل، قيمة مِثل هذه السلعة، ما صورة هذه يا شيخ؟ يعني كيف الصورة هذه؟

الشيخ: اشتريت من الأخ هذا كتابًا وأخذته، ثم سُرق الكتاب أو احترق، ثم جئت بالثمن توفيه أعطيته عشرة ريالات، قال: لا، الثمن اثنا عشر ريالًا، تحالفتما على المذهب والسلعة تالفة، نقول: نذهب نسأل المكاتب: كم قيمة الكتاب الفلاني؟ قالوا: القيمة خمسة عشر ريالًا، هذه.

ص: 1060

الطالب: نفرض أنه حصل القبض من قبل؟

الشيخ: كيف؟ قبض أيش؟

الطالب: (

).

الشيخ: الغالب أنه ما يصير اختلاف هنا، ما دام قبض الثمن فالغالب أنه ما يصير اختلاف، لكن ربما يصير أيضًا، ربما يجيئك بكرة ويقول: تراك أنت أعطيتني عشرة ريالات وهو باثني عشر ريالًا؟

الطالب: طيب، كيف نترفع عن هذا؟

الشيخ: نعم.

الطالب: يعني الكتاب سرق، ثم إن بعض الناس ..

الشيخ: الآن لو أنك استلمت عشرة وأخذت الكتاب، ثم جاءك من غد وقال: أعطني بقية الثمن، أعطني ريالين، قلت أنت: الثمن عشرة، اختلفتم الآن، الكتاب سُرق ولَّا تلف؟ هذه نفس الصورة.

طالب: بالنسبة الآن بعد ترجيح قول: إن القوْل قوْل البائع، فهل يكون هناك تحالُف؟

الشيخ: إي، يحلف، كل من قُلنا: القول قوله في حق الآدمي فلا بد من اليمين.

الطالب: لا، التحالف؟

الشيخ: لا، ما فيه تحالف.

طالب: إذا باع على رجل يا شيخ، ثم بان بعد شهرين أنه مماطل لا يأتي بالثمن، فالملك (

الشيخ: للمشتري، الملك للمشتري إلى حد الفسخ.

طالب: عفا الله عنك (

)، فتوى ابن تيمية رحمه الله، فالبيع على البائع، بيْع المشتري على البائع، لعله يا شيخ يكون على (

) اللي بايع السلعة.

الشيخ: لا، الشيخ عنده رحمه الله أنه يخشى، يقول: إن العلة ألا يربح المشتري، فإذا ربح المشتري حاول البائع أن يفسخ البيع، وصار في قلبه شيء أيضًا، لكن كلام ابن عباس غير كلام شيخ الإسلام رحمه الله، كلام ابن عباس هو أن هذا كأنه ربا.

طالب: قول المصنف: (ومن اشترى مكيلًا ونحوه صح، ولزم بالعقد)، شيخ، لماذا قيد المكيل ونحوه بالصحة ولزوم العقد؟

الشيخ: سيأتينا إن شاء الله.

طالب: شيخ، ما الفرق بين مسألة الصرافة ومسألة الذهاب إلى تاجر لكي يشتري سلعة من المعرض؟

الشيخ: التورُّق -بارك الله فيك- السلعة مملوكة للبائع، ويبيعها على هذا المتورِّق، ويبيعها على آخر يريد عين السلعة، أما هذه ما ملكها أصلًا.

الطالب: المشتري لا يريد عين المال؟

ص: 1061

الشيخ: إي، لكن البائع ما يملك السلعة قبل أن يأتي هذا الرجل، يعني فمن حرم التورَّق لا شك أن هذا حرام عنده مسألة التقسيط، ومن لم يحرمه فهذه حرام، حتى من لم يحرمه، واضح. (

)

***

طالب: قال رحمه الله تعالى:

فصل

وإن تلف قبل قبضه، فمن ضمان البائع، وإن تلف بآفة سماوية بطل البيع، وإن أتلفه آدمي خُيِّر مُشترٍ بين فسخ وإمضاء، ومطالبة متلفه ببدله.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

هذا الفصل الذي ذكره المؤلف فيه بيان حُكم التصرف في المبيع قبل القبض، وحكم ضمانه قبل القبض، فالتصرف فيه تفصيل، يقول رحمه الله:(من اشترى مكيلًا ونحوه صح ولزم بالعقد، ولم يصح تصرفه فيه حتى يقبضه).

قوله: (صحَّ) أي العقد، و (لزِم) أي ثبت ولم يكن خيار. وقوله:(لم يصح تصرفه) ظاهر كلامه أنه لا يتصرف فيه بأي نوع من التصرف، وذكرنا أن القول الراجح أنه لا يتصرف فيه تصرف معاوضة، وأما تصرف غير المعاوضة فلا بأس، وذكرنا أيضًا أن ظاهر كلام المؤلف أن المكِيل ونحوه لا يجوز التصرف فيه ولو بيع جُزافًا، (جزافًا) بضم الجيم، وفتحها، وكسرها.

وقيل: إذا بِيع جزافًا فلا بأس من التصرف فيه قبل القبض، ولكن ظاهر كلام المؤلف أنه لا يجوز ولو كان جزافًا، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الذي دلَّ عليه حديث عبد الله بن عمر أنهم كانوا يتبايعون الطعام جزافًا، فنهاهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبيعوه حتى يحولوه أو ينقضوه (10)، وما دام الحديث صريحًا فيه فإنه يكون هو الراجح.

ثم انتقل المؤلف إلى الضمان قبل قبضه، هل يكون على البائع أو يكون على المشتري؟ فقال:(وإن تلف قبل قبضه فمن ضمان البائع).

ص: 1062

(إن تلف) الضمير يعود على المكِيل ونحوه مما بِيع إما جزافًا أو بتقدير، وإما بتقدير فقط، المذهب أنه إذا كان بتقدير، يعني بِيع المكيل كيلًا، والموزون وزنًا، والمعدود عدًّا، والمذروع ذرعًا، فهذا إذا تلف قبل القبض فمن ضمان البائع، وبعد القبض يكون من ضمان المشتري.

مثال ذلك: بعتُ عليك هذا الكيس من الحنطة، كل صاع بعشرة دراهم، وقبل أن نكيله تلف إما بسرقة، أو بأمطار حملته، أو ما أشبه ذلك، فالضمان على مَنْ؟ الضمان على البائع، فإن بعته جُزافًا هكذا، بعت عليك كيس هذه الحنطة بكذا، فعلى كلام المؤلف، على ظاهره أنه لا فرْق بين أن أبيعه مُكايلة أو جُزافًا، وعلى القول الثاني أنه إذا بِيع جزافًا فهو من ضمان المشتري، ويصح تصرُّفه فيه.

يقول: (إن تلف قبل قبضه، فمن ضمان البائع)، ثم فسَّر رحمه الله فقال:(وإن تلف بآفة سماوية بطل البيع).

قوله: (بطل) بمعنى انفسخ، وذلك لأن هذا التلف حصل به الانفساخ دون البطلان، البطلان يكون لفوات الشرط أو وجود مانع، وهنا لا فوات شرط ولا وجود مانع، فيجب أن يُفسَّر البُطلان بأنه الانفساخ، وهذا كقوله فيما سبق:(تحالفا وبطل البيع)، وقلنا: إن الصواب انفسخ البيع.

(إن تلف بآفة سماوية بطل البيع)، والآفة السماوية: كل ما لا صُنع للآدمي فيه، مثل أمطار أتلفته، صاعقة أحرقته، رياح حملته، إلى غير ذلك، فالآفة السماوية هي التي ليس للآدمي فيها صنع، والمثال: رجل باع على شخص كيس حنطة كل صاع بكذا، ثم أتى السيل فحمله وأفسده وذهب به، فالتلف هنا بآفة سماوية، أو نزلت صاعقة فأحرقته، أو هبَّت رياح فحملته، فالضمان على البائع، فإن كان قد استلم الثمن ردَّه على المشتري، وإن كان لم يستلمه فهو عند المشتري.

ص: 1063

ثم يُشبه الآفة السماوية من لا يمكن تضمينه، كما لو تلف بأكل حيوان له، أو تلف بأكل الجند له، يعني مرَّت جنود السلطان فأكلته؛ فهذا يُلحق بالآفة السماوية؛ لأنه لا يُمكن تضمينه، فالحيوان الذي أكله لا يمكن أن يُضمَّن، والجيش الذي مر به فأخذه لا يمكن أن يضمن، وحينئذٍ نقول: إذا أتلفه ما لا يمكن تضمينه أُلْحِق بالآفة السماوية، وإن أتلفه آدمي مُعيَّن يمكن تضمينه فإنه يُخيَّر المشتري بين فسخ وإمضاء ومطالبة متلفه، هذه ثلاثة أشياء: بين فسخ وإمضاء، هذا الخيار، بين الفسخ والإمضاء.

وإذا أمضى طالب مُتلِفه، وعلى هذا فقوله:(ومطالبة مُتلِفه) ليست داخلة في التخيير، لكنها مفرعة على الإمضاء، يعني فإذا أمضى طالب متلفه ببدله.

إذن إذا تلف المبيع المكيل ونحوه فعلى أربعة أنواع:

أولًا: أن يتلفه البائع.

ثانيًا: أن يتلف بآفة سماوية.

ثالثًا: أن يتلفه ما لم يمكن تضمينه.

رابعًا: أن يتلفه آدمي يمكن تضمينه.

وكل واحدة من هذه الأقسام لها حكمها: إذا أتلفه البائع انفسخ البيع، وقيل: إن أتلفه البائع ضمنه؛ وهذا هو الراجِح، والفرق بين القولين أننا إذا قلنا: انفسخ البيع لم يرجع عليه المشتري بشيء، انفسخ البيع إن كان المشتري قد سلَّم الثمن ليأخذ الثمن، وإن كان ما سلَّمه فهو عنده، وإذا قلنا: إنه يضمنه فإنه ربما تكون القيمة قد زادت بين الشراء والإتلاف، فإذا قلنا: يضمنه فإن المشتري يرجع على البائع بما زاد على الثمن إن زادت القيمة، وهذا القول هو الراجح، وذلك لأن البائع الآن أصبح ظالمًا غاصبًا.

ص: 1064

الحال الثانية: أن يتلف بآفة سماوية، فما الحكم؟ نقول: ينفسخ البيع، فيرجع المشتري بالثمن إن كان قد سلَّمه، وإن لم يُسلِّمه فالثمن عنده، ويُستدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِذَا بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا، فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ » (11). فجعل ضمانه على مَنْ؟ على البائع ولا يرجع بشيء.

الصورة الثالثة: أن يتلفه ما لا يمكن تضمينه من آدمي أو غيره، فحكمه حكم ما تلف بآفة سماوية، يعني أنه ينفسخ البيع.

الرابع: أن يتلفه آدمي يمكن تضمينه، فهنا نُخيِّر المشتري بين أمرين؛ بين أن يفسخ البيع ويرجع على البائع بالثمن، أو يمضي البيع ويرجع على المتلف بالبدل، ولاحظوا الفرق بين قولنا: بالبدل، وبين قولنا: بالثمن، فإذا فسخ البيع فليس له إلا الثمن، وإذا لم يفسخه رجع بالبدل.

مثال ذلك: اشترى شخص كيسًا من الحنطة كل صاع بكذا، فجاء آدمي فأتلفه بإحراق أو أكل أو غير ذلك، نقول للمشتري الآن: أنت بالخيار، إن شئت فسخت البيع، ورجعت على المشتري بالثمن.

وما عداه يَجوزُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فيه قبلَ قَبْضِه، وإن تَلِفَ ما عدا الْمَبيعَ بكيلٍ ونحوِه ، فمِن ضَمانِه ما لم يَمْنَعْه بائعٌ من قَبْضِه، ويَحْصُلُ قبضُ ما بِيعَ بكيلٍ أو وَزْنٍ أو عَدٍّ أو ذَرْعٍ بذلك، وفي صُبْرَةٍ وما يُنْقَلُ بنقلِه وما يُتناولُ بتناوُلِه، وغيرُه بتَخليتِه.

و(الإقالةُ) فَسْخٌ. تَجوزُ قبلَ قَبْضِ الْمَبيعِ بِمِثْلِ الثمنِ، ولا خِيارَ فيها ولا شُفْعَةَ.

فإذا فسخ البيع فليس له إلا الثمن، وإذا لم يفسخه رجع بالبدل.

ص: 1065

مثال ذلك: اشترى شخص كيسًا من الحنطة، كل صاع بكذا، فجاء آدمي فأتلفه؛ بإحراق أو أكل أو غير ذلك، نقول للمشتري الآن: أنت بالخيار؛ إن شئت فسخت البيع ورجعت على البائع بالثمن، هو قال: اشتراه بمئة ريال، فإذا قال: أنا فسخت البيع، كم يعطيه البائع؟ مئة ريال، أو نقول: أبق البيع على ما هو عليه، وارجع على المتلف بالبدل، فإذا كان الآن عند إتلافه يساوي مئةً وعشرين، فالمشتري في هذه الحال سوف يختار الإمضاء أو الفسخ؟ الإمضاء، ويرجع على المتلف بالبدل؛ أي: بمثله إن كان مثليًّا، وقيمته إن كان متقوَّمًا.

الحنطة من المثليات أو من المتقومات؟ من المثليات، فيرجع عليه بمثل الحنطة التي أتلفها.

طيب، الساعة؟

طلبة: متقومة.

الشيخ: متقومة على المذهب، فيرجع عليه بقيمتها، انتبهوا للمثال هل هو صحيح أو لا؟ هل الساعة من المكيل ونحوه؟

الطلبة: لا.

الشيخ: إذن لا يصح بها التمثيل، وعلى هذا فلا يمكن أن يكون إلا مثليًّا ما لم ينتقل هذا الطعام إلى صنعة؛ يصنع خبزًا أو طبيخًا، فحينئذٍ يكون غير مثلي.

***

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى: وما عداه يجوز تصرف المشتري فيه قبل قبضه، وإن تلف ما عدا المبيع بكيل ونحوه فمن ضمانه ما لم يمنعه بائع من قبضه.

ويحصل قبض ما بِيعَ بكيل أو وزن أو عَدٍّ أو ذرع بذلك وفي صبرة، وما يُنْقَل بنقله، وما يُتَنَاول بتناوله، وغيره بتخليته.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ما هي الأشياء التي لا يصح تصرف المشتري فيها قبل قبضها؟

طالب: (

) كيل ونحوه.

الشيخ: لا تقل: ونحوه، عدها.

الطالب: كيله أو وزنه أو ذرعه أو عده.

الشيخ: لا.

الطالب: كيل أو وزن أو ذرع أو عد.

الشيخ: إي نعم.

الطالب: جزافًا.

الشيخ: لا.

طالب: ما بيع برؤية (

) لا يتغير فيها البيع أو صفة (

).

الشيخ: سابقة للعقد.

ص: 1066

الطالب: (

).

الشيخ: لا.

الطالب: ما بيع برؤية (

) سابقة على العقد.

الشيخ: ستة.

الطالب: برؤية.

الشيخ: هي ستة؛ ما بيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع أو رؤية سابقة أو صفة، هذه لا يجوز التصرف فيها قبل قبضها.

وهل جميع التصرفات ممنوعة أو بعضها؟

طالب: ظاهر كلام المصنف أنها كلها ممنوعة، ولكن الصواب التفصيل؛ التصرف بعوض لا يجوز، التصرف من غير عوض جائز.

الشيخ: جائز، أحسنت.

ما هو الدليل على هذا القول أن الممنوع هو التصرف بمعاوضة؟

طالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» (1).

الشيخ: «فَلَا يَبِعْهُ» ، ولم يقل: فلا يتصرف فيه.

المكيل إذا بيع جزافًا فهل يصح فيه التصرف؟

طالب: نعم، يصح فيه التصرف؛ لأنه صار للمشتري (

).

الشيخ: هل هذا ظاهر كلام المؤلف؟

الطالب: لا، ليس ظاهر كلام المؤلف.

الشيخ: ما هو ظاهر كلام المؤلف؟

الطالب: ظاهر كلام المؤلف أنه إذا كيل كيلًا أو وزن وزنًا.

الشيخ: لا يا أخي، اقرأ:(ومن اشترى مكيلًا ونحوه صح ولزم بالعقد، ولم يصح تصرفه).

طالب: لا يصح تصرفه.

الشيخ: ظاهر كلام المؤلف أنه لا يصح التصرف.

الطالب: (

).

الشيخ: اصبر، ما بعد، أنا أريدك تتكلم عن ظاهر كلام المؤلف؛ أنه لا يصح.

هل هذا الظاهر هو المذهب عند المتأخرين؟

طالب: المذهب أنه يصح التصرف فيه.

الشيخ: إذا اشْتُرِي جزافًا، طيب، وهو كذلك.

أيهما أرجح؟

طالب: أنه لا يصح التصرف.

الشيخ: أنه لا يصح التصرف.

ما هو الدليل على رجحانه؟

الطالب: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه: أنهم كانوا يبيعون الطعام جزافًا، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى (

) (2).

الشيخ: نعم، أحسنت، هذا هو الصحيح؛ أنه عام، سواء بيع بكيل أو وزن أو عَدٍّ أو ذرع أو جزافًا.

ما معنى قول المؤلف: (صح ولزم بالعقد)؟ وهل شيء يصح ولا يلزم بالعقد؟

طالب: إذا كان هناك خيار.

ص: 1067

الشيخ: نعم، إذا كان هناك خيار فالبيع صحيح وينتقل فيه الملك إلى المشتري، ولا يلزمه إلا بانتهاء الخيار.

أما قوله: (حتى يقبضه) فسيأتي إن شاء الله.

طالب: ما فهمت.

الشيخ: يعني مثلًا: إذا بعت شيئًا وتمت الشروط وانتفت الموانع صح البيع، وهل يقع لازمًا أو جائزًا؟ إن كان في الخيار يقع جائزًا؛ لأن لكل من المتخيرين أن يفسخ، وإن لم يكن خيار فهو لازم بالعقد.

إذا تلف المبيع فهل هو من ضمان المشتري أو من ضمان البائع؟

طالب: الأصل أنه من ضمان البائع إلا إذا كان ذات المبيع يتلف يعني.

الشيخ: وغير الأصل؟

الطالب: إذا كان ذات المبيع يتلف بكثرة المدة.

الشيخ: كل شيء يتلف، ما يبقى إلا وجه الله.

الطالب: لا، إذا كان يعلم أنه يتلف بكثرة ..

الشيخ: أنا أعلم أن جميع الأشياء تتلف إلا الله عز وجل؛ {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26].

ما تقول: إذا تلف المبيع فهل هو من ضمان المشتري أو من ضمان البائع بعد أن يتم العقد ويصح؟

طالب: على الحالات المذكورة.

الشيخ: ما نعرف الحالات المذكورة، أنت قُلْ لي، قل: نعم، أو: لا، أو: فيه التفصيل.

الطالب: فيه التفصيل.

الشيخ: فيه التفصيل، فصل.

الطالب: إذا كان التلف بفعل البائع فمن ضمانه.

الشيخ: لا.

طالب: إن كان التلف قبل القبض ..

الشيخ: هو قبل القبض، بعد القبض ما فيه إشكال.

الطالب: قبل القبض على البائع.

الشيخ: البائع مطلقًا؟

الطالب: إلا إن كان تلف بآفة سماوية فإنه ينفسخ.

الشيخ: توافق على التفصيل، ولَّا الجواب بالنفي والإثبات؟

الطالب: التفصيل إلا إن كان (

) على البائع.

الشيخ: يا رجال ما أجبت جيدًا.

الطالب: على البائع.

الشيخ: لا حول ولا قوة!

طالب: في المسألة التفصيل؛ إن تلف بآفة سماوية ..

الشيخ: أنا أسأل ترى ما هو عن المبيع بكيل أو وزن، مطلقًا، هل إذا تلف المبيع هل هو من ضمان المشتري أو ضمان البائع؟ مطلقًا، فأريد التفصيل اللي إحنا قرأنا وفي المتن أيضًا؛ في نفس المتن.

ص: 1068

طالب: إن كان قبل القبض من ضمان البائع، وإذا كان بعد القبض ..

طالب آخر: في فصل ذكرنا إن تلف بتفريط من المشتري ..

الشيخ: لا، يا شيخ، غير المكيل والموزون والأشياء اللي ذكرها المؤلف يكون من ضمان المشتري؛ ولهذا قال:(إن تلف ما عدا المبيع بكيل ونحوه فمن ضمانه) أي: من ضمان المشتري الموجود بالمتن، إلا إن كان ما شرحناه، ما أدري.

طلبة: ما شرحناه.

الشيخ: ما شرحناه؟

طالب: ما شرحناه.

الشيخ: طيب، يقولون: إن الشركاء لا تُقْبَل شهادة بعضهم لبعض، وأنتم الآن شركاء!

الآن فهمنا -يا إخوان- أن الذي يكون من ضمان البائع كم؟ ستة أشياء: ما بيع بكيل، أو وزن، أو عدٍّ أو ذرع، أو صفة، أو رؤية سابقة. هذه من ضمان البائع.

وكذلك أيضًا -سيأتينا إن شاء الله- الثمر على رؤوس النخل يكون من ضمان البائع، الثمر على رؤوس النخل؛ يعني مثلًا: لو اشتريت ثمرة نخلة بعد بدو صلاحها ثم تلفت، فهي من ضمان البائع؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«إِذَا بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ » (3). إذا أضفناه إلى الستة كانت سبعة.

بعد أن عرفنا أن هذه السبعة تكون من ضمان البائع نعود إلى مسألة أخرى، وقبل أن نعود أود أن أحصر لكم المسألة أكثر: وما منعه البائع من قبضه؛ يعني أنه باع عليه -مثلًا- سيارة ما فيها لا كيل ولا وزن، ولكن أبى أن يسلمه السيارة بدون سبب، المشتري نقد الثمن، ولكن البائع قال: ما أعطيك السيارة، اصبر، ثم تلفت السيارة، فعلى من؟ على البائع، لكن ضمانها هنا ضمان غصب؛ بمعنى أنه يضمن السيارة ويضمن أجرتها ما دامت في قبضته.

وعليه فتكون الأشياء التي من ضمان البائع ثمانية؛ ما بيع بكيل، أو وزن، أو عَدٍّ، أو ذرع، أو رؤية سابقة، أو صفة، والثمر على روؤس النخل، وما منعه البائع من قبضه.

ص: 1069

إذا تلف وهو من ضمان البائع فقد ذكر المؤلف له ثلاث حالات، ما هي الحالات الثلاث؟

طالب: إذا تلف عند البائع فمن ضمانه.

الشيخ: فمن ضمانه، طيب.

الطالب: وإذا تلف بآفة سماوية ينفسخ البيع، وإذا تلف بشبه الآفة السماوية؛ وهي إذا أتلفه من ذا يمكن ضمانه فينفسخ البيع، وهنالك حالة رابعة وهي إذا أتلفه من يمكن ضمانه.

الشيخ: يعني من يمكن تضمينه؟

الطالب: نعم، فيخير المشتري.

الشيخ: بين؟

الطالب: بين أن يفسخ ويرجع على المشتري ماله، وإما أن يمضي في العقد ويرجع على الذي أتلف شيئًا ببدله.

الشيخ: بارك الله فيك. طيب، إذن أربع حالات، أعدها.

طالب: من قبل البائع (

) بآفة سماوية ينفسخ البيع، أن يتلفه ما لا يمكن تضمينه فينفسخ البيع، وأن يتلفه ما يمكن تضمينه للمشتري الخيار بين الفسخ أو الإمضاء مع أخذ البدل.

الشيخ: بين الفسخ والبائع يرجع للذي أتلفه.

الطالب: نعم.

الشيخ: أو الإمضاء وهو ما يرجع على من أتلفه المشتري، بارك الله فيك.

طالب: المبيع بصفة أو؟

الشيخ: برؤية.

الطالب: سابقة

الشيخ: المبيع برؤية سابقة هو أن يكون المشتري قد رأى المبيع قبل يومين، فيبيعه عليه بعد أن مضى على رؤيته يومان، هذا المبيع برؤية سابقة، ومعلوم أنه لا بد ألَّا يمكن تغيره في هذه المدة؛ لأنه إن أمكن تغيره في هذه المدة لم يصح عقد البيع عليه؛ لاحتمال أن يكون تغير.

المبيع بصفة أن يقول: بعتك سيارتي التي في جراجي وصفتها كذا وكذا، هذا مبيع معين موصوف، فهذا مبيع بصفة.

بخلاف الموصوف في الذمة فهذا شيء آخر؛ لأنه لم يقع العقد على عينه، مثل أن أبيع عليك مئة صاع بر بمئة ريال، هذا لا يقال: إنه مبيع موصوف، بل يقال: هذا موصوف في الذمة؛ لأنه غير معين.

إذن المبيع برؤية سابقة: أن يكون المشتري قد رأى المبيع قبل يومين أو ثلاثة أو شهر أو أكثر، ثم يعقد عليه البيع بدون أن يراه رؤية متجددة.

ص: 1070

المبيع بصفة: أن يقع العقد على شيء معين موصوف؛ مثل أن يبيعه سيارته التي عنده في الجراج ويصفها؛ صفتها كذا وكذا، هذا يسمى مبيع بصفة.

أما الموصوف في الذمة فذاك لم يقع العقد على عينه، فهو من الأصل لم يدخل في ضمان المشتري إطلاقًا؛ مثل أن يبيعه مئة صاع بر بمئة ريال، هذا ما يقال: معين وموصوف، هذا يقال: موصوف في الذمة.

أما إذا منعه البائع من قبضه فالمسألة واضحة، لكن إذا منعه البائع من قبضه هل يضمنه ضمان غصب أو ينفسخ البيع؟

الجواب: الأول؛ يضمنه ضمان غصب، وعلى هذا فإذا كان المبيع مما يؤجر لزم البائع أجرته مدة منعه، وإذا كان غير مثلي لزم قيمته، وقد تكون قيمته أكثر مما وقع عليه العقد وقد تكون أقل.

بقي علينا إذا أتلفه آدمي يمكن تضمينه، قلنا: إن الخيار للمشتري بين أمرين، وهي فسخ البيع، والإمضاء مع مطالبة المتلف، أيهما يختار؟

طلبة: الأنفع له.

الشيخ: سيختار الأنفع له؛ إذا كان المبيع قد نزلت قيمته فسيختار الفسخ؛ ليرجع على البائع بالقيمة، وإذا كانت قد زادت فسيختار الإمضاء؛ ليطالب المتلف بأكثر من الثمن.

ثم قال: (وما عداه) أي: ما عدا ما اشْتُرِيَ بكيل أو وزن أو عَدٍّ أو ذرع أو رؤية سابقة أو صفة، يقول:(يجوز تصرف المشتري فيه قبل قبضه) ما عداه يجوز تصرف المشتري فيه قبل القبض.

مثاله: باع عبدًا، باع بعيرًا، باع دارًا، باع سيارة معينة ولم يقبضها، فيجوز أن يتصرف فيها قبل القبض، لماذا؟ لأنه لا يحتاج إلى حق توفية؛ يعني: ليس مبيعًا بكيل حتى يحتاج إلى كيل، وربما يزيد أو ينقص، أو وزن ربما يزيد أو ينقص، هذا شيء معين يجوز أن تبيعه قبل قبضه ولو في مكان بيعه.

مثاله: باع عليَّ رجل سيارته وهي في بيته، وأنا شاهدتها أو كنت أعلمها من قبل، فهي مرئية لي، فظاهر كلام المؤلف أنه يجوز أن أتصرف فيها قبل القبض، وهذا هو المشهور من المذهب.

ص: 1071

والقول الثاني: إنه لا يجوز أن يتصرف في المبيع قبل قبضه مطلقًا في كل شيء. وهذا ما ذهب إليه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حيث قال: ولا أحسب كل شيء إلا مثله (4)، وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: إن المبيع لا يباع قبل القبض مهما كان، سواء بيع بكيل أو وزن أو عَدٍّ أو ذرع أو رؤية سابقة أو صفة، لا يمكن أن يباع حتى يقبض، وهذا هو الذي يؤيده الحديث؛ حديث ابن عمر: أنهم كانوا يبيعون الطعام جزافًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في السوق، فنهاهم أن يبيعوه حتى ينقلوه (2)؛ يعني: إلى مكان آخر.

واستدل المؤلف أو الشارح لهذه المسألة بحديث ابن عمر قال: كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم -وفي لفظ: بالنقيع بالدراهم- فنأخذ منها الدنانير وبالعكس -يعني: بالدنانير فنأخذ الدراهم- فسألنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال:«لَا بَأْسَ أَنْ تُؤْخَذَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ يَفْتَرِقَا وَبَيْنَهُمَا شَيْءٌ» (5).

والحديث دليل، وهو لا يطابق المدلول، وجه ذلك: أن الحديث إنما هو بيع ما في الذمة وليس بيع شيء معين؛ كانوا يبيعون الإبل بالدراهم، الدراهم أين هي؟ معينة ولَّا ثابتة في ذمة المشتري؟ ثابتة في ذمة المشتري. ويبيعونها بالدنانير؛ ثابتة في ذمة المشتري، فيأخذون عن الدراهم دنانير، وعن الدنانير دراهم.

وكلامنا نحن في الشيء المعين هل يجوز أن يُبَاع قبل أن يقبض أو لا؟ وعليه فلا دلالة في الحديث لما استدل به المؤلف عليه؛ الشارح، وأنا سقت هذا الحديث لفائدة غير مسألة أنه دليل أو غير دليل؛ وهي أنه يجوز بيع الدين على من هو عليه، بشرطين: الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه. والثاني: أن يتقابضا قبل التفرق، لكن هذا فيما يُشْتَرط فيه التقابض؛ كالدراهم بالدنانير والدنانير بالدراهم، والبر بالشعير والشعير بالبر، وما أشبهها.

ص: 1072

أما شرط التقابض بين الدراهم والدنانير ونحوها فظاهر، ما وجه ظهوره؟ وجه ظهوره أنه لا يباع الشيء بالشيء في مثل هذه الصورة إلا بالتقابض؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذهب والفضة والبر والتمر والشعير والملح:«إِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» (6).

وأما كونها بسعر يومها -وهو الشرط الثاني- فلئلا يربح فيما لا يدخل في ضمانه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ربح ما لم يُضْمَن (7). كلام عربي مفهوم؟

طالب: غير مفهوم

الشيخ: غير مفهوم.

في ذمة الرجل لي دنانير، فبعتها عليه بدراهم، بيع الدنانير بالدراهم يُشْتَرط فيه القبض أو لا؟ يُشْتَرط فيه القبض، إذن لا بد أن نتقابض، الدنانير عنده في ذمته، إذن يعطيني الدراهم فقط، وليس بلازم أن يحضر الدنانير، ما هو لازم، يعطيني الدراهم، والدنانير عنده في ذمته، مفهوم هذا ولَّا غير مفهوم؟

طالب: غير مفهوم.

الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله!

في ذمة الرجل لي دنانير، أردت أن أبيعها عليه بدراهم، ووافق، اتفقنا على بيعها بدراهم، بيع الدراهم بالدنانير يُشْتَرط فيه أيش؟ التقابض، يُشْتَرط التساوي؟ لا «إِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» (6).

التقابض هنا: أن يعطيني دراهم، أعطاني دراهم هل تقابضنا أو لا؟ تقابضنا؛ لأن الدنانير عنده، تقابضنا، ولا فرق بين أن يحضرها على طاولة العقد أو لا يحضرها؛ لأن الدراهم في ذمته قد قبضها، هذا واضح ولَّا غير واضح؟

طلبة: واضح.

الشيخ: طيب، بقينا بالنقطة الثانية -وعسى الله أن يعيننا على تفهيمكم إياها- أن تكون بسعر يومها، فإذا قدَّرنا أن عشرة دنانير قيمتها في السوق مئة درهم، أبيعها عليه بأيش؟ بمئة درهم لا أزيد ولا أنقص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«بِسِعْرِ يَوْمِهَا» (5). لو بعت الدنانير بمئة وعشرة، يجوز أو لا؟

ص: 1073

طلبة: لا يجوز.

الشيخ: ليش؟ لأني ربحت عشرة في شيء لم يدخل في ضماني، إلى الآن في ذمة البائع.

لو بعت الدنانير العشرة التي تساوي مئة بتسعين، لو نظرنا إلى ظاهر الحديث لقلنا: لا يجوز، ولو نظرنا إلى العلة والحكمة قلنا: يجوز؛ لأن هذا الرجل إذا باع العشرة التي تساوي مئة بتسعين فإنه لم يربح، بل إنه أبرأ البائع أيش؟ أبرأه من عشرة، لكن لم يُذْكر هذا في الحديث؛ لأنه أمر نادر، إنما الذي يكون غالبًا هو الربح؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«بِسِعْرِ يَوْمِهَا» ، لئلا يقع في المسألة تفصيل فيرتبك، فإذا قلنا: بسعر اليوم ما حصل اشتباه، لكن عندما أن نحقق ونحرر المسألة نقول: إذا باعها بأقل فقد زاد المدين خيرًا، وإن باعها بأكثر فقد ربح فيما يُضْمَن؛ أي: فيما لم يدخل في ضمانه، وهذا حرام ولَّا يجوز، واضح يا جماعة؟

الطلبة: نعم.

الشيخ: زين، الحمد لله، مع أنه ليس في المتن، لكن الحمد لله الزيادة خير؛ هو الطهور ماؤه الحل ميتته.

يقول: (وما عداه يجوز تصرف المشتري فيه قبل قبضه) ظاهر كلام المؤلف أنه يشمل حتى المبيع برؤية سابقة أو بصفة، الآن قوله:(وما عداه) ولم يتكلم على المبيع برؤية أو صفة، إنما تكلم على أيش؟ على المكيل، والموزون، والمعدود، والمذروع، فظاهر كلامه أن ما عدا ذلك يجوز تصرف المشتري فيه قبل قبضه، ولكن المذهب لا، المذهب يلحقون ما بيع بصفة أو رؤية سابقة بالمكيل ونحوه؛ لأنه يحتاج إلى حق توفية؛ ولهذا إذا تغير المبيع عن الرؤية السابقة أو الصفة فله الخيار كما سبق، وهذا لا شك أنه أحوط، ونحن نرجِّح أن كل مبيع لا يجوز بيعه إلا بعد القبض.

هل يجوز بيع ثمر النخل على رؤوس النخل؟ يعني: اشتريت ثمرًا ثم بعتها، يجوز أو لا؟ يجوز، وهي من ضمان من؟ من ضمان البائع، فلو تلفت بآفة سماوية بعد أن بعتها رجع المشتري عليَّ، وأنا أرجع على البائع الأول.

إذن ليس كل شيء يكون من ضمان البائع لا يصح التصرف فيه، أو لا؟

ص: 1074

طالب: (

).

الشيخ: لا، صحيح، ليس كل شيء يكون من ضمان البائع لا يصح التصرف فيه، بل قد يكون من ضمان البائع، والتصرف فيه صحيح؛ كالثمر على رؤوس النخل.

وينبغي أن يُقَال فيما إذا كان من ضمان البائع: ما لم يسلمه البائع فيمتنع، وهذه أيضًا مهمة، وقد أشار إليها بعض الأصحاب رحمهم الله؛ قالوا: لو أن البائع قال: تعال يا أخي، خذ، توكل مالك، وأبى، فهنا يكون الضمان على من؟ على المشتري، كما أنه إذا منعه البائع صار على البائع، وهذا لا شك أنه قياس جلي واضح، وإلا لكان مشكلة؛ لأن بعض الناس تجده إذا نزل السعر تباطأ في القبض، يرجو؟

طلبة: الزيادة.

الشيخ: لا، ما هو يرجو الزيادة، لعله يتلف ويكون من ضمان البائع، فإذا كان البائع يقول: خذ ما اشتريت، وهو يقول: انتظر، معك خير، فهنا إذا تلف فإنه يكون من ضمان المشتري؛ لأنه هو الذي فرَّط في قبضه، وله قياس صحيح.

الثمرة الآن، ذكرنا أن الثمرة على رأس النخل من ضمان من؟

طلبة: البائع.

الشيخ: طيب، لو أن المشتري تأخَّر في جنيها وجذِّها حتى جاءت الأمطار وأفسدتها، فعلى من الضمان؟ على المشتري؛ لأنه هو الذي تأخر وفرَّط. وكذلك ما إذا بذل البائع السلعة، ولكن المشتري تباطأ وتأخر فإنها في هذه الحال تكون من ضمان البائع.

طلبة: المشتري.

الشيخ: من ضمان من؟

الطلبة: المشتري.

الشيخ: بارك الله فيكم، من ضمان المشتري.

***

يقول رحمه الله: (وإن تلف ما عدا المبيع بكيل ونحوه) طيب، نقف على هذا.

طالب: لو تلف المبيع بفعل البائع فإن البائع يضمنه.

الشيخ: يضمنه ضمان غصب.

الطالب: نعم، لماذا لا نقول: إنه يخير المشتري بين الفسخ والإمضاء، ويكون للبائع (

الشيخ: لا؛ لأن هذا البائع كان في يده وله سلطة عليه.

الطالب: ربما يكون أنفع للمشتري؛ الفسخ.

ص: 1075

الشيخ: لكن هذا له نوع ولاية عليه؛ لأنه منتقل من عنده، فهو في يده في الأصل أمانة، وما قلتَه وجيه؛ يعني لا بد أن يراجع إذا كان أحد من العلماء يقول بقولك فهو وجيه.

طالب: الذي قلنا: إنه بصفة أو رؤية سابقة، هل يكون من الأربعة؟

الشيخ: إي نعم، ربما يكون من الأربعة.

الطالب: وقد يكون غيرها؟

الشيخ: وقد يكون غيرها كثير.

الطالب: لا، على كلام المؤلف؛ يعني على حسب تصرف الأربعة.

الشيخ: المؤلف الماتن ما جاب أنه يبيع برؤية أو بصفة، أصلًا ما جاء بها.

الطالب: على افتراض إذا كان برؤية سابقة أو صفة، وكان معدودًا أو مذروعًا ونحوه هل يكون من (

الشيخ: من ضمان البائع، علشان مكيل أو موزون أو معدود أو مذروع.

طالب: قلنا: إن القول الراجح إنه لا يجوز أن يتصرف بمبيع ..

الشيخ: قبل قبضه.

طالب: إي نعم.

الشيخ: قبل قبضه في جميع الأشياء، إي نعم.

الطالب: على هذا القول هل نقول: إنه إذا تلف قبل القبض أن يكون من ضمان البائع مطلقًا؟

الشيخ: لا، ما هو من ضمان البائع مطلقًا، يكون من ضمان المشتري؛ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» (8). سيأتينا إن شاء الله تعالى في كلام المؤلف.

طالب: ما معنى الضمان بالأصل؟

الشيخ: إي، إذا قلنا: ينفسخ البيع فإن المشتري يرجع على البائع بالثمن فقط. عرفت؟

الطالب: ليس بعد.

الشيخ: طيب، اشتريت منك هذه السيارة بخمسين ألفًا، فكسَّرها البائع أو أحرقها، إذا قلنا: إنه ينفسخ البيع، كم يرد على المشتري؟

طلبة: نفس السعر.

الشيخ: طيب، إذا قلنا: ضمان غصب وكانت الأسعار قد ارتفعت، أيش يضمنها؟

طالب: بسعرها.

الشيخ: بسعرها؛ يعني هي قد تكون بمئة ألف، أو نقصت بسعرها أيضًا، قد تكون خمسة وعشرين ألفًا.

طالب: شيخ -بارك الله فيكم- إذا كان (

) هل يضمن البائع، أو ليس له دخل؟

الشيخ: الثمر على رؤوس النخل من ضمان البائع.

الطالب: لا، الثمار غير النخل، غير التمر يا شيخ.

الشيخ: غير التمر؟ ! الثمر غير التمر.

الطالب: (

).

ص: 1076

الشيخ: نعم، ما كان مثله فله حكمه.

الطالب: على البائع؟

الشيخ: ما كان مثله فله حكمه، والله أعلم. (

)

اشترى رجل شاةً من آخر واتفقا على أن تكون الشاة عند البائع يعلفها شهرين، فماتت الشاة في هذه المدة، فهل تكون من ضمان البائع أو من ضمان المشتري؟ ما تقولون؟

طالب: (

).

الشيخ: من ضمان المشتري، لا إشكال، ينتقل الملك بمجرد العقد، وليس شيئًا يكون على ضمان البائع إلا ما علمتم؛ الأصناف السبعة، والباقي كلها على المشتري. (

)

***

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: وما عداه يجوز تصرف المشتري فيه قبل قبضه، وإن تلف ما عدا المبيع بكيل ونحوه فمن ضمانه ما لم يمنعه بائع من قبضه، ويحصل قبض ما بيع بكيل أو وزن أو عَدٍّ أو ذرع بذلك، وفي صبرة وما ينقل بنقله، وما يُتَناول بتناوله، وغيره بتخليته.

والإقالة: فسخ تجوز قبل قبض المبيع بمثل الثمن، ولا خيار فيها ولا شفعة.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ما هي الأشياء التي تكون من ضمان البائع؟

طالب: سبعة؛ ما بيع بكيل أو عَدٍّ أو وزن أو ذرع أو رؤية سابقة أو وصف والثمر على رؤوس النخل.

الشيخ: ما بيع بكيل أو وزن أو عَدٍّ أو ذرع أو رؤية سابقة أو صفة والثمر على رؤوس النخل، كم هذه؟ سبعة.

طالب: ثمانية.

الشيخ: والثامن؟

طالب: الثامن إذا منع البائع من القبض.

الشيخ: نعم، لكن هذه لشيء خارج ما هو بمقتضاها؛ ولهذا لم نذكرها فيما سبق، ثم عقبنا وذكرناها.

ما هي الأشياء التي لا يصح فيها التصرف قبل القبض؟

طالب: المكيل والموزون والمعدود والمذروع.

الشيخ: ما بيع بكيل.

الطالب: ما بيع بكيل وما بيع بوزن أو بذرعٍ أو بِعَدٍّ أو برؤية سابقة أو بصفة.

الشيخ: كم هي؟

الطالب: ستة.

ص: 1077

الشيخ: ستة، طيب، أنت قلت: المكيل والموزون والمعدود والمذروع، وأنا قلت لك: ما بيع بكيل أو وزن، فما الذي يوافق كلام المؤلف؟

طالب: ما بيع بكيل أو وزن أو عَدٍّ أو ذرع.

الشيخ: ماذا تقولون؟ أيهما الذي يوافق كلام المؤلف؟

طالب: الثاني هذا كلام الأخ.

الشيخ: أيهما اللي يوافق؛ أن نقول: ما بيع بكيل أو وزن أو عَدٍّ أو ذرع، أو أن نقول: المكيل والمعدود والمذروع ونحوه؟

طالب: المكيل ونحوه.

الشيخ: المكيل ونحوه، طيب، ما الفرق بين العبارتين؟

الطالب: العبارة الأولى لم ينص ..

الشيخ: ما الفرق؟

الطالب: الأول يعني؟

الشيخ: يعني ما الفرق بين أن أقول: ما بيع بكيل أو وزن ونحوه، أو أقول: إذا بيع المكيل ونحوه؟

طالب: إذا قلنا -يا شيخ- أن أبيع بكيل أو وزن فإنه يكون بيع بكيل أو وزن، أما المكيل والموزون فإنه قد يُبَاع جزافًا.

الشيخ: يعني يتناول ما بيع بالكيل ونحوه والجزاف. طيب، صحيح ولَّا لا؟

طلبة: صحيح.

الشيخ: أيهما ظاهر كلام المؤلف؟

طالب: ما بيع بكيل أو وزن أو ذرعٍ.

الشيخ: ما بيع بكيل أو وزن أو عَدٍّ أو ذرع.

الطالب: (من اشترى مكيلًا ونحوه) ظاهره الأول.

الشيخ: أيهما الأول؟

الطالب: يعني: سواء جزافًا أو لا.

الشيخ: أن المعتبر نوع المبيع هل هو مكيل أو لا؟

الطالب: إي نعم.

الشيخ: طيب، وما هو الراجح من القولين؟

طالب: الراجح أنه لا يجوز بيع شيء قبل قبضه.

الشيخ: سواء بيع بكيل أو وزن أو عَدٍّ أو ذرع أو بغير ذلك، انتبهوا يا جماعة، إذا بعت برًّا جزافًا، هذا الكيس بعته عليك بكذا وكذا، فهل يجوز أن أبيعه قبل قبضه؟

طالب: على الصحيح لا.

الشيخ: وعلى كلام المؤلف؟

الطالب: السؤال؟

الشيخ: السؤال: بعت عليك كيسًا من برٍّ فهل يجوز لك أن تتصرف فيه قبل قبضه؟

الطالب: على الصحيح لا.

الشيخ: وعلى كلام المؤلف؟

طالب: على الصحيح يجوز؛ لأنه هو اختيار ابن عباس.

الشيخ: كيف؟

الطالب: على الصحيح لا يجوز التصرف فيه.

الشيخ: وعلى كلام المؤلف؟

ص: 1078

الطالب: وعلى كلام المؤلف يجوز التصرف فيه قبل قبضه.

الشيخ: طيب.

طالب آخر: الصحيح .. على القولين أنه لا يجوز.

الشيخ: يعني: لا يجوز على الصحيح، وعلى كلام المؤلف؟

الطالب: كذلك أنه لا يجوز.

الشيخ: لا يجوز؛ لأنه يقول: (من اشترى مكيلًا) ولم يقل: من اشترى مكيلًا بكيل أو موزونًا بوزن.

قوله: (لم يصح تصرفه)، هل لو وهبه أو آجره أو ما أشبه ذلك يجوز؟

طالب: لا يصح تصرفه مطلقًا.

الشيخ: مطلقًا، سواء تصرف معاوضة أو لا.

الطالب: هذا على قول المؤلف، لكن الصحيح إذا كان تصرفه بغير معاوضة -كهبة أو نحوها- فإن تصرفه يصح.

الشيخ: طيب، توافقون على هذا؟ يقول: على كلام المؤلف لا يصح التصرف فيه مطلقًا، وعلى القول الراجح لا يتصرف فيه تصرف معاوضة، وأما إذا لم يكن كذلك -مثل الهبة، أو جعله صداقًا، أو عوضًا عن خلع، أو ما أشبه ذلك- فلا بأس به، صح.

اشترى رجل مبيعًا بكيل، فبقي عند البائع فأصابته آفة سماوية فتلف، فما الحكم؟

طالب: ينفسخ البيع.

الشيخ: وماذا يكون المشتري؟

الطالب: يرجع على البائع بالثمن.

الشيخ: يرجع على أيش؟

الطالب: على البائع؛ يعني يأخذ الثمن من البائع، وينفسخ.

الشيخ: نعم، لماذا؟ لأنه من ضمانه.

إذا أتلفه آدمي؟

طالب: إن كان يمكن الرجوع إليه فالمشتري بالخيار؛ إما أن يرجع على المتلف الرجل الآدمي، أو يرجع على البائع.

الشيخ: كيف ويش لون أن يرجع أو يرجع؟

الطالب: مخير أن يرجع على البائع، أو يرجع على الذي يمكن تضمينه.

الشيخ: كيف يرجع على البائع؟ يعني يفسخ البيع ولا ويش لون؟

الطالب: يخير بين إمضاء البيع والفسخ.

الشيخ: بين إمضاء البيع والفسخ.

الطالب: نعم، إن أمضى البيع يرجع المتلف على الآدمي، وإن كان اختار الفسخ فيرجع على البائع.

طالب آخر: مثلًا أحوال؛ إما أن يكون البائع هو المتلف يمضي البيع ويضمن البائع، وإما أن يتلفه من لا يصح تضمينه كآفة سماوية ..

الشيخ: لا.

الطالب: كالآدمي المجنون.

ص: 1079

الشيخ: لا، المجنون يمكن تضمينه.

الطالب: مثل الصاعقة.

الشيخ: الصاعقة آفة سماوية.

طالب: مثل البهائم؟

الشيخ: البهائم يمكن تضمينها بالرجوع على صاحبها.

طالب: على الأخيرة.

طالب آخر: إن كان ممن يمكن تضمينه.

الشيخ: الذي لا يمكن تضمينه مثاله، نريد المثال الآن.

الطالب: الذي يمكن تضمينه أو لا يمكن؟

الشيخ: لا يمكن.

طالب: (

).

الشيخ: نعم، صحيح. ما الحكم؟

طالب: فإنه يخير بين إما أن يفسخ، وإما أن يمضي البيع ويرجع على المتلف.

الشيخ: ما هو ممكن؛ لأنه ما يمكن تضمينه.

الطالب: يفسخ البيع.

الشيخ: يعني ينفسخ البيع، كالآفة السماوية.

الطالب: والحالة الرابعة: أن يتلفه من يمكن تضمينه، فيخير بين عدة أمور: إما يفسخ البيع، وإما أن يمضيه ويرجع على البائع، والبائع يرجع على المتلف.

الشيخ: إذن أمرين، طيب، صحيح.

***

بسم الله الرحمن الرحيم، يقول المؤلف رحمه الله:(وإن تلف ما عدا المبيع بكيل ونحوه فمن ضمانه) أي: ضمان المشتري، (إن تلف ما عدا المبيع)(ما) هنا اسم موصول بمعنى (الذي)، و (عدا) بمعنى: جاوز، أو بمعنى: سوى؛ يعني: إن تلف ما سوى المبيع بكيل ونحوه؛ وهو الوزن والعد والذرع، (فمن ضمانه) أي: من ضمان المشتري.

ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» (9)، فجعل الملك ينتقل بمجرد العقد، والأصل أن الضمان على من انتقل الملك إليه؛ لحديث:«الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» (8)؛ يعني: من له غنم شيء فعليه غرمه، فكما أن الملك للمشتري وله غنم المملوك فعليه أيضًا غرمه، فإذا تلف ما عدا المبيع السابق -وقد عددناهم سبعة أصناف، أليس كذلك؟ - فهو من ضمان المشتري.

قال المؤلف: (ما لم يمنعه بائع من قبضه)(يمنعه) الهاء تعود على المشتري؛ يعني: إلا إذا منعه المشتري من قبضه، فإنه يكون من ضمان البائع.

ص: 1080

مثال ذلك: باع عليه سيارة؛ السيارة ليست بكيل، ولا وزن، ولا عدٍّ، ولا ذرع، ولا رؤية سابقة، ولا صفة، باعه عليه في المكان، فأراد المشتري أن يأخذها فقال البائع: لا؛ منعه، فهنا الضمان على البائع، لكنه يضمنها ضمان غصب، ومعنى ضمان غصب: أن عليه أجرتها مدة منعه إياها، وأنها لو تلفت ضمنها بقيمتها وقت التلف لا بما وقع عليه العقد، وإذا ضمنها ضمان غصب بما تساوي وقت التلف فإنه يضمنها بقيمتها، سواء زادت على ثمنها أم نقصت، فإن زادت فالأمر ظاهر؛ لأن الغنم لمن؟ الغنم للمشتري، فزيادة سعرها من مصلحته، فإذا قدَّرنا أنه اشتراها بخمسين ألفًا ومنعه البائع من قبضها، واحترقت وكانت تساوي حين الاحتراق ستين ألفًا، كم يضمن البائع؟ ستين ألفًا، وهذا واضح؛ وذلك لأن المشتري له غنمها وعليه غرمها، وهذا الرجل يضمنها ضمان غصب.

فإن كانت حين احتراقها لا تساوي إلا أربعين، فهل يضمنها بأربعين أو بخمسين؟

طالب: بأربعين.

الشيخ: إذا قلنا: ضمان غصب فإنه قد اختلف العلماء هل نقص السعر مضمون على الغاصب أو لا؟ فإن قلنا: إنه مضمون على الغاصب فإنه يضمنها بخمسين، وإن قلنا: ليس بمضمون فإنه لا يضمنها إلا بأربعين، لكن ينبغي أن يقال: إنه يضمنها بخمسين على كل حال؛ لأنه معتدٍّ بمنعها.

وقوله: (ما لم يمنعه بائع من قبضه) يُفْهَم منه أن من كان ضمانه على شخص فمُنِعَ منه عاد الضمان على المانع؛ لأن الضمان فيما عدا ما بيع بكيل ونحوه من ضمان من؟ المشتري، إلا إذا منعه البائع.

والعكس كذلك؛ يعني: فيما سبق أنه من ضمان البائع إذا سلَّمه البائع للمشتري ولكن المشتري أبى؛ قال: ما أستلم، انتظر، اصبر، ثم تلف، فإن الضمان حينئذٍ يكون على المشتري؛ لأن البائع قد بذله، ولكن هذا امتنع، والبائع يقول: ما لي ولك؟ أنت الآن وضعته عندي على سبيل الوديعة، فضمانه عليك، وأنا قد بذلته.

ص: 1081

وهذه تجري كثيرًا، ربما يكون المشتري لم يهيئ مكانًا للسلع، أو أراد أن يضار البائع بشغل مكانه بسلَعِهِ التي باعها، فحينئذٍ نقول: إنه من ضمان المشتري؛ لأنه هو الذي امتنع من قبضه الواجب عليه.

فصار البائع إذا منع المشتري من قبض ما يجب عليه إقباضه فالضمان عليه، وكذلك إذا امتنع المشتري من قبض ما يجب عليه قبضه فإن الضمان ينتفي عن البائع حتى في الأمور التي ضمانها على البائع.

فإذا باع عليه برًّا وكال له، ثم قال له البائع: ياللا امشِ كل، ولكنه امتنع قال: انتظر، انتظر، ثم تلف، فالضمان على المشتري وليس على البائع؛ لأن البائع بذل ما يجب عليه والمشتري هو الذي تأخر وفرَّط، ولأنه ربما يؤدي ذلك إلى المضارة بالبائع؛ بحيث يحبس المبيع عنده حتى يتضرر بشغل مكانه.

يقول: (ما لم يمنعه بائع من قبضه) وسبق لنا أن المبيع برؤية أو صفة من ضمان من؟ من ضمان البائع، وأن الثمر على رؤوس النخل كذلك من ضمان البائع.

ثم قال المؤلف مبينًا ما يحصل به القبض فقال: (ويحصل قبض ما بيع بكيل أو وزن أو عَدٍّ أو ذرع بذلك) المشار إليه ما سبق، فما بيع بكيل يحصل قبضه بكيله، ووزن بوزنه، وعَدٍّ بعده، وذرع بذرعه، ولا يكفي أن تستولي يد المشتري عليه، فلو فُرِضَ أن المشتري قبضه وهو مبيع مكايلة، ولكنه لم يكله، فإنه لم يقبضه حقيقة؛ لأنه لا يُقْبَض إلا بالاستيفاء؛ بكيل ما يكال، ووزن ما يوزن، وعدِّ ما يعد، وذرع ما يُذْرَع.

وظاهر كلام المؤلف أنه إذا حصل الكيل والوزن والعد والذرع جاز التصرف فيه وإن لم ينقله عن مكانه؛ لأنه حصل القبض، ولكن سبق لنا أن القول الراجح أن السلع لا تُبَاع حيث تُبْتَاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، وعلى هذا فلا يكفي الكيل حتى يقبضه، فيكون ما بيع بكيل أو وزن أو عَدٍّ أو ذرع بذلك لا يتم قبضه إلا بأمرين؛ الأول: حيازته، والثاني: استيفاؤه بالكيل أو الوزن أو العد أو الذرع. هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.

ص: 1082

أما على كلام المؤلف -وهو المذهب- فيقولون: متى حصل الكيل ولو في مكانه فهذا قبض، والوزن ولو في مكانه فهذا قبض، والعد ولو في مكانه فهذا قبض، والذرع ولو في مكانه فهذا قبض.

قال: (وفي صُبْرة وما ينقل بنقله) الصبرة: هي الكومة من الطعام، (وما يُنْقَل) مثل: الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك، يحصل قبضها بنقلها؛ لأن هذا هو العرف.

(وما يُتَنَاول بتناوله) يعني: ما يتناول بالأيدي فإنه يحصل القبض بتناوله؛ مثل: الدراهم، الجواهر، الساعات، الأقلام، هذه نقلها بماذا؟ باليد؛ يناولها صاحبها.

(وغيره بتخليته) يعني: ويحصل قبض غير هذه الأشياء بالتخلية، ومعنى التخلية: أن يخلي بين المبيع وبين المشتري، فيسلمه المفتاح -مثلًا- في البيت، وينتقل عن الأرض في الأرض، وما أشبه ذلك. المهم أنه يخلي المبيع للمشتري.

وإذا قال قائل: لو يُرْجَع في ذلك إلى العرف لكان صحيحًا ما دام لا يحتاج إلى حق استيفاء؛ أي: لا يحتاج إلى كيل أو وزن أو عد أو ذرع، ونرجع إلى العرف، فما عدَّه الناس قبضًا فهو قبض، وما لم يعدوه قبضًا فليس بقبض، لكن المؤلف رحمه الله عيَّن ما ذكره بناءً على أن هذا هو العرف في هذه الأشياء.

***

ثم قال رحمه الله: (والإقالة فسخ) الإقالة: هي أن يُقِيل البائع المشتري أو يُقِيل المشتري البائع. ومعنى الإقالة: ألَّا يلزمه بالعقد فيفسخه.

وحكمها التكليفي أنها سنة، وحكمها الوضعي أنها فسخ؛ لأنكم قرأتم في أصول الفقه أن الأحكام نوعان: تكليفية ووضعية، فحكمها التكليفي أنها سنة، ولكن هي سنة في حق المُقِيل، ومباحة في حق المستقيل؛ يعني: فلا بأس أن تطلب من صاحبك أن يُقِيلك، سواء كنت البائع أم المشتري. أما في حق المقيل فهي سنة؛ لما فيها من الإحسان إلى الغير، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (10).

ص: 1083

فعليه إذا جاءك أخوك نادمًا وقال: أنا اشتريت منك هذا الشيء وليس بيننا خيار، والعقد لازم، لكني ندمت، فأرجو منك أن تفسخ العقد، فإننا نقول: يُسَن لك أن تفسخ رجاء هذا الثواب؛ أن الله تعالى يقيل عثرتك يوم القيامة.

ثم إن من المشاهد المحسوس أن الغالب أن الإنسان إذا أقال أخاه فإن الله تعالى يبارك له في المبيع وتزداد قيمته، وكم من أناس أقالوا بيعاتهم، ثم ارتفعت الأسعار فباعوها بأكثر من ثمنها الأول، وهذا جزاء دنيوي مقدم.

أما بالنسبة للمستقيل فهي مباحة لا حرج فيها، وليست من السؤال المذموم، ونظيرها العارية مباحةٌ للمستعير سنةٌ للمعير، والعلة في هذا أنها إحسان.

قال: (هي فسخ) هذا حكمها الوضعي؛ يعني: أنها فسخ لا بيع، فليست ابتداء عقد، وإنما هي فسخ؛ يعني: إلغاءً للعقد السابق. هذا معنى قوله: إنها فسخ، وليست تجديد عقد؛ ولهذا لا يُشْتَرط فيها ما يُشْترط في البيع، فتجوز -كما سيذكر المؤلف رحمه الله (تجوز قبل قبض المبيع) ولو كان المبيع مكيلًا أو موزونًا.

فلو باع شخص على آخر كيسًا من البر؛ كل صاع بدرهم، فإنه لا يجوز أن يبيعه على أحد ولا على بائعه نفسه حتى يقبضه بالكيل، لكن لو استقال من البيعة وأقاله البائع صح، لماذا؟ لأنها ليست بيعًا، بل هي فسخ؛ أي: إلغاء للعقد الأول، فيُرَد ما كان على ما كان عليه، ولو قلنا: هي بيع ما جاز أن يقيله حتى يقبضه ويستوفيه؛ ولهذا قال: (تجوز قبل قبض المبيع).

(بمثل الثمن) أي: أنها لا تجوز إلا بمثل الثمن، فلا تجوز بزيادة ولا نقص، ولا اختلاف نوع أو اختلاف جنس.

مثال ذلك: اشترى هذا هذه السيارة بمئة دينار، ثم ندم المشتري وقال للبائع: أقلني، فقال: أقيلك بشرط أن تعطيني بدل الدنانير دراهم، فالإقالة هنا لا تصح، لماذا؟ لأنه أقاله بغير مثل الثمن -أقاله بنوع آخر- فلا يصح؛ إذ إنها انتقلت من الفسخ إلى المعاوضة والمصارفة.

ص: 1084

إذا اشترى هذه السيارة بخمسين ألفًا، ثم عاد إلى البائع وقال: أقلني، فقال: أقيلك بشرط أن تعطيني خمسة آلاف ريال، أتجوز؟ لا تجوز؛ لأنها زادت على الثمن، الآن ستكون القيمة خمسة وخمسين ألفًا، فلا تصح، قال الإمام أحمد رحمه الله: لأنها تشبه العينة؛ حيث ربح البائع على المشتري.

وكذلك أيضًا لو أن البائع طلب من المشتري الإقالة، فقال: أقيلك على أن تعطيني كذا وكذا -زيادة على الثمن- فإنه لا يجوز؛ لأنها تشبه العينة؛ حيث زِيدَ على الثمن.

ولكن القول الراجح أنها تجوز بأقل وأكثر؛ وذلك لأن محظور الربا في هذا بعيد، ليست كمسألة العينة؛ فإن مسألة العينة محظور الربا فيها قريب، أما هذه فبعيد، وقد قال ابن رجب رحمه الله في القواعد: إن عن أحمد رواية تدل على جواز ذلك؛ حيث استدل ببيع العربون الوارد عن عمر رضي الله عنه، وقال: هذا مثله، قال: الإقالة بعوض مثله.

وعليه فيكون هناك رواية أومأ إليها الإمام أحمد بجواز الزيادة على الثمن والنقص منه، وهذا هو القول الراجح، وهو الذي عليه العمل؛ عمل الناس، وهو من مصلحة الجميع؛ وذلك لأن البائع إذا أقال المشتري فإن الناس سوف يتكلمون ويقولون: لولا أن السلعة فيها عيب ما ردها المشتري، فيأخذ البائع عوضًا زائدًا على الثمن من أجل جبر هذا النقص.

***

وقع في درس الزاد المطبوع خطأ؛ حيث أبدلت كلمة (المشتري) ووضع مكانها (البائع) صفحة ثمانية وعشرون.

طالب: إذا باع عليه برًّا، ثم قال للبائع خذه، ولكن قال له (البائع) انتظر.

الشيخ: (المشتري)، ولكن قال المشتري.

الطالب: وقبلها يا شيخ: أو أراد أن يضاد باعها على سعرها، (

) أن يضار.

الشيخ: هذه أيضًا تصلح، أن يضار. بارك الله فيكم، هكذا ينبغي التعاون على البر والتقوى؛ لأنكم تعرفون اللي يطبع يمكن يستعجل ويخطئ، لكن إذا حصل تنبيه طيب. فيه شيء بعد؟

طالب: من الفسخ إلى المعارضة، وهي المعاوضة؟

الشيخ: المعاوضة، آخر سطر؟

ص: 1085

الطالب: الصفحة ثلاثين، السطر ثلاثة عشر.

الشيخ: الصفحة ثلاثين، السطر ثلاثة عشر، من فوق ولَّا من أسفل؟

الطالب: لو عددت من فوق أو من أسفل كله واحد.

الشيخ: ستة وعشرون هي؟ إي، طيب.

يقول: المعارضة، والصواب: المعاوضة.

***

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المصنف رحمه الله تعالى: والإقالة فسخ، تجوز قبل قبض المبيع بمثل الثمن، ولا خيار فيها ولا شفعة.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

سبق لنا معنى الإقالة، ما هي؟ ما معنى الإقالة؟

طالب: هي أن يرجع المشتري فيما اشتراه، أو يرجع البائع فيما باعه.

الشيخ: يرجع المشتري فيما اشتراه؟ !

الطالب: المشتري يطلب من البائع أن يرجع فيما اشتراه.

الشيخ: يعني: فسخ العقد، الإقالة: فسخ العقد.

الطالب: (

).

الشيخ: نعم. ما حكمها؟

طالب: جائزة.

الشيخ: جائزة؟ !

طالب: سنة.

الشيخ: سنة؟ ! خطأ.

طالب: تفصيل.

طالب آخر: هي بالنسبة للمستقيل جائزة، وبالنسبة للمقيل مستحبة.

الشيخ: طيب، يعني: بالنسبة لطالب الإقالة جائزة، وبالنسبة للمقيل سنة؛ لما فيها من الإحسان إليه.

هل هي فسخ أو بيع؟

طالب: هي فسخ.

الشيخ: فسخ. هل يترتب على قولنا: فسخ أو بيع أحكام؟

طالب: يترتب عليها، مثلًا تجوز أنها تكون بعد أذان الجمعة الثاني، أما أن يكون بيع فلا يجوز.

الشيخ: هذا واحد، وهذا لم يذكره المؤلف وأنت ذكرته، وتركت ما ذكره المؤلف.

طالب: الإقالة يا شيخ؟

الشيخ: إي نعم، هل هناك فرق بين قولنا: بيع أو فسخ؛ يعني هل يترتب هناك أحكام على ذلك؟

الطالب: تترتب عليه أحكام.

الشيخ: ما هي؟

الطالب: الفسخ يُشْتَرط فيه .. ، البيع يُشْتَرط فيه (

).

الشيخ: إي، وهذه يجبر على الإقالة.

هل تعرف أن الإقالة فسخ ولَّا بيع؟

طالب: لا أعرف.

الشيخ: لا تعرف، طيب، لا بأس.

طالب: تجوز قبل القبض.

الشيخ: قبل أيش؟

الطالب: قبض المدين.

ص: 1086

الشيخ: تجوز قبل قبض المدين، ولو كانت بيعًا؟ ما جازت فيما يُشْتَرط للتصرف فيه القبض ولَّا لا؟

طالب: على الراجح أنه ..

الشيخ: خلي على الراجح، اللي على كلام المؤلف.

طيب، يعني باع عليه برًّا بكيل ثم أقاله، إن قلنا: إنها بيع لا يجوز حتى يكيله، وإذا قلنا: إنها فسخ جاز، والصواب أنها فسخ؛ لأنها رجوع؛ رجوع في العقد.

هل تجوز بأقل من الثمن؟

طالب: نعم تجوز، (

).

الشيخ: لا، نبغي كلام المؤلف.

الطالب: على كلام المؤلف لا يجوز.

الشيخ: لا تجوز؟

الطالب: إي نعم، (

).

الشيخ: بثمن المثل.

الطالب: أن يكون بثمن المثل.

الشيخ: أيش بثمن المثل؟

الطالب: بالثمن الذي تعاقدا عليه ..

الشيخ: بالثمن الذي وقع عليه العقد.

ما هو القول الراجح في هذه المسألة؟

طالب: الراجح أنها تجوز بأقل من الثمن أو أكثر.

الشيخ: تجوز بأقل من الثمن وأكثر.

ألا يكون هذا نقلًا لها من الفسخ إلى المعاوضة؟

الطالب: بعيدة عن مسألة العينة (

).

الشيخ: الجواب أن نقول: وإن كانت معاوضة فهي عوض عن تنازله عن حقه، ولأنه إذا أقيل ربما يكون ذلك سببًا لنقص قيمة السلعة.

***

يقول: (ولا خيار فيها ولا شفعة)(ولا خيار فيها) أي: ليس في الإقالة خيار، و (خيار) نكرة في سياق النفي فتشمل خيار العيب وخيار الشرط وغير ذلك؛ لأنها ليست بيعًا، وإنما هي استرجاع للعقد أو رجوع في العقد، فلو أقاله وبعد أن أقاله في مجلس الإقالة رجع، فهل له ذلك؟ أجيبوا يا جماعة.

طلبة: لا.

الشيخ: لا، لماذا؟ لأنها ليست بيعًا، فليس فيها خيار، يقال: أنت الآن أقلته، وانفسخ العقد، ولا يمكن أن ترجع فيها؛ لأنه ليس فيها خيار.

(ولا شفعة) يعني: ليس فيها شفعة، والشفعة معناها: انتزاع حصة الشريك إذا باعها على آخر.

مثال ذلك: رجلان بينهما أرض، فباع أحدهما نصيبه منها، فلشريكه أن يشفع؛ أي: أن يضم هذا السهم إلى نصيبه فيأخذه من المشتري قهرًا. تصورتم المسألة؟

ص: 1087

رجلان بينهما أرض هما شريكان فيها؛ زيد له نصفها وعمرو له نصفها، فباع عمرو نصيبه على بكر، فلزيدٍ أن يأخذ هذا النصيب من بكرٍ، وهذه شفعة. وسميت شفعة؛ لأنه ضم هذا النصيب إلى نصيبه، فشفعه إليه. هذه هي الشفعة.

فلو أن زيدًا باع على عمرو، ثم بعد أن باع على عمرو جاء شريك زيدٍ ليأخذها من عمرو، له الحق في ذلك أو لا؟ له الحق، لكنه قال: لا آخذها بالشفعة؛ لأن عمرًا رجل حبيب إليَّ ولا آخذها منه، وأبقاها مع عمرو، ثم إن عمرًا جاء إلى الذي باعها عليه وقال: إني نادم وأريد أن تقيلني، فأقاله البائع، فهل لشريكه أن يأخذ بالشفعة؟

طالب: لا، على كلام المؤلف (

).

الشيخ: أنتم فاهمون السؤال جيدًا؟

طيب، نعيده مرة ثانية: زيدٌ وعمرٌو شريكان في أرض، فباع عمرٌو نصيبه على بكرٍ، من الذي له حق الشفعة؟ زيد، لكن زيدًا قال: إن بكرًا حبيبٌ إليَّ ولا أريد أن آخذها بالشفعة، فأسقط حقه من الشفعة، ثم إن بكرًا جاء إلى عمرو وقال له: إني نادم وأحب أن تقيلني، فأقاله، أقاله من؟ أقال عمرٌو بكرًا، فهل لزيدٍ أن يأخذها من عمرو بالشفعة؟ لا، لماذا؟ لأن الإقالة فسخ.

لو أن بكرًا باعها على عمرٍو؛ يعني أن زيدًا لم يأخذها بالشفعة من بكرٍ، ثم إن بكرًا باعها على عمرو بيعًا جديدًا، فهل لزيدٍ أن يأخذها بالشفعة؟

طلبة: نعم.

الشيخ: نعم.

إذن قول المؤلف: (لا شفعة) يعني: أنه لو أقيل المشتري الذي أسقط الشريك شفعته عنه فإنه لا يرجع بالشفعة؛ لأنها ليست بيعًا، واضح؟

طالب: ما هو واضح.

الشيخ: ما وضحت، طيب، الآن يا حامد بينك وبين سعد أرض أنصافًا، فباع سعدٌ على سامح نصيبه، هل لك أن تأخذ النصيب من سامح بالشفعة؟ لك ذلك؟

طالب: نعم.

ص: 1088