الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: إي، لكن ماعزًا أراد أن الرسول يقيم عليه الحد، ولهذا أَقَرَّ ثم أعرض عنه، أقر ثم أعرض عنه، أقر ثم أعرض عنه، وفي الرابعة شاف أنه مصمم أقام عليه الحد.
***
[باب حد القذف]
حد القذف، أولًا: تعريف القذف.
القذف في اللغة: الرمي، وفي الشرع: هو أن يرمي شخصًا بزنا أو لواط، فيقول: يا زاني، أو: أنت زانٍ أو: يا لوطي، أو: أنت لوطي، أو ما أشبه ذلك، هذا هو القذف.
وهو من كبائر الذنوب بالنسبة لمن كان مُحْصَنًا؛ لِمَا ثبت في الحديث الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» (6) وذكر منهن قذف الْمُحْصَنَات الغافلات المؤمنات، ولقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 4، 5].
يقول: القذف له صريح وكناية؛ صريح القذف ما لا يحتمل سواه، كل لفظ لا يحتمل سوى القذف فهو صريح، مثل أيش؟ مثل الزنا واللواط، وأظن الفاحشة أيضًا، إذا قال: أنت تفعل الفاحشة، فإنه يُعْتَبَر صريحًا.
أما الكناية فهي ما يحتمل القذف بالزنا وغيره، ومَثَّل الفقهاء له بأمثلة، منها قولهم: يا قحبة، كلمة (قحبة) يقولون: إنها من الكناية، عند الناس الآن الظاهر أنها صريحة، أو قريبة من الصريح؛ لأنهم ما يعرفون معناها الأصلي، معناها الأصلي: العجوز، ما تقول لامرأة كبيرة في السن: يا قحبة!
على كل حال عندنا قريبة من الصريح؛ يعني ما أحد يعرف أن معنى قحبة في اللغة العربية بمعنى المرأة الكبيرة الْمُسِنَّة، لكن كذلك أيضًا يقولون: لو قال الرجل للمرأة: أنت فضحتِ زوجك، يقولون: إن هذا كناية عن الزنا، يعني كأنه قال: أنت زانية، مع أن (فضحتِ زوجك) عندنا وفي عرفنا بعيدة جدًّا من إرادة القذف، ولَّا لا؟
طالب: نعم.
الشيخ: الغالب أنه يقول: فضحت زوجك، يعني: بالكلام في الزوج، وليس معناه: أنك تمارسين فعل الفاحشة بالنسبة له.
على كل حال هذه المسائل معروفة في كتب الفقه، وبإمكانكم ترجعون إليها، ولكن القاعدة الضابط في هذا الشيء أن نقول: ما لا يحتمل إلا الزنا واللواط فهو صريح، وأما ما يحتمله وغيرَه فهو كناية، وأما ما لا يحتمله مطلقًا فهذا ليس بشيء، ولا يمكن أن يُحْمَل على أنه قذف.
ويش الفرق بين الصريح وبين الكناية من جهة الحكم؟
الصريح هو الذي يكون قذفًا بمجرد النطق به، والكناية لا يكون قذفًا إلا بقرينة.
مثل القرينة: أن يكون هناك مشادَّة بين هذين الرجلين، كل واحد منهم يتكلم في الآخر، فقال هذا القول الذي يحتمل هذا وغيرَه.
مثلًا عندنا كلمة مُخَنَّث، ويش تعني؟ قريبًا من الصريح، فهذه إذا قيلت في مقام المشادَّة والغضب يُحْكَم لها بحكم الصريح، وفي غير هذه الحال لا يُحْكَم لها بحكم الصريح؛ لأن المخنَّث معناه الرجل الذي فيه خصائص المرأة الْخُلُقِيَّة ليست الخِلْقية، يوجد بعض الناس رجل لكن طبائعه طبائع أنثى، يسمَّى هذا مخنثًا، يعني ليس ذكرًا ولا أنثى، من جهة الْخِلْقَة هو ذَكَر، من جهة التَّخَلُّق هو امرأة.
وأنا أذكر أنه بعض الأحيان يجيء أناس حتى في كلامهم، تجد أن كلامه كلام امرأة، حتى في كلامه ومِشْيَته وهيئته تقول: امرأة، لكنه حقيقةً خلقةً هو رجل، هذا معنى المخنث في اللغة العربية، ولكن إذا جاءت في مقام المشادة والغضب نحكم لها بأنها صريحة.
هذا الفرق بين الصريح وبين الكناية؛ أن الصريح يكون قذفًا بمجرد النطق به، وأما الكناية فلا بد لها من قرينة.
حد القذف، يعني العقوبة التي قدَّرها الشارع إما ثمانون جلدة، وإما أربعون جلدة، وإما تعزير، يعني القاذف يُحَدّ بثمانين جلدة، أو بأربعين، أو يُعَزَّر.
أما الأول فيقول: فالأول قَذْف المحصَن؛ وهو الحر المسلم العاقل العفيف الذي يجامِع مثلُه، (الحر) احترازًا من العبد، وإنما لم يكن العبد محصَنًا؛ لأن العبد لا يلحقه من العار بالزنا مثل ما يلحق الحر، ولهذا يُذْكَر أن هند بنت عتبة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم -إن صح الحديث- وهو يبايع النساء، قالت: أَوَتَزْنِي الحرة؟ يعني كأن الزنا عند الحرائر أمر مستحيل، لكنه بالنسبة للإماء كثير، فلا يلحق المرأةَ التي ليست بحرة، أو الرجل الذي ليس بِحُرّ، لا يلحقه من العار بالزنا مثل ما يلحق الحر، فلذلك لا يكون محصَنًا.
المسلم ضده الكافر، الكافر ليس محصَنًا، ولا كرامة له، فإذا قَذَفَ رجل مسلم كافرًا فإنه لا يقام عليه الحد؛ لأنه ليس بمحصَن.
العاقل ضد المجنون؛ لأن المجنون حقيقةً لا يمكن أن يكون محصَنًا، لو أن أحدًا وصفه بأنه يزني يلحقه بذلك عار؟ لا؛ لأنه مجنون، فلا يُلَطِّخُه ولا يُدَنِّسه.
العفيف معناه المشهور بالعفة والبُعد عن هذه الفاحشة، وضده مَن كان متَّهَمًا بها، فإن هذا ليس بمحصَن، والسبب في ذلك لأنه ليس تدنيس هذا الإنسان المستحق للتدنيس بسبب أنه مُتَّهَمٌ به كالإنسان العفيف، أيهم أشد وقعًا، العفيف أشد وقعًا، فلهذا نقول: ليس بمحصَن، فصارت الشروط أربعة.
الشرط الخامس: الذي يجامِع مثلُه، أما الصغير فإنه ليس بمحصَن، مَن الذي يجامِع مثلُه؟ يقولون: بالنسبة للرجل مَن تَمَّ له عشر سنين، بالنسبة للمرأة مَن تم لها تسع سنين؛ لأن مثل هذا يمكن أن يجامع مثلُه، أما مَن قبل ذلك فيزعمون أنه لا يجامِع، وأنه لو جامَع فإنه لا يتلذَّذ به تلذُّذ الإنسان الكبير، والله أعلم هذه ترجع إلى دراسة هذه الأمور من الناحية الطبية، لكن إحنا نتكلم على كلام أهل الفقه، فإذا وُجِدَ مثلًا شيء يخالف هذا الكلام من الناحية الطبية فالمعتمَد الواقع.
طالب: شيخ، يشترط البلوغ؟
الشيخ: ما هو شرط، البلوغ ليس بشرط، ولهذا قلنا: الذي يجامِع مثلُه وإن كان غير بالغ.
إذا كان القاذِف حرًّا، هذا شرط لأي شيء؟ للإحصان ولَّا شرط لجلد الثمانين؟
طلبة: لجلد الثمانين.
الشيخ: لجلد الثمانين، الإحصان شروطه خمسة فقط: الحرية والإسلام والعقل والعفة وبلوغ سنٍّ يجامِع فيه مثلُه، أما وجوب الثمانين فهو إذا كان القاذف حرًّا.
أما الأول، وهو اشتراط الإحصان، فهو ظاهر في الآية الكريمة، {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ، {اجْلِدُوهُمْ} أي: الرامون المحصنات، {ثَمَانِينَ جَلْدَةً} .
أما اشتراط كون القاذف حرًّا فيُجْلَد ثمانين جلدة فهو بالقياس، قالوا: لأن الرقيق إذا زنى ويش يجب عليه من الحد؟ النصف، ولَّا لا؟ قالوا: فكذا يَتَنَصَّف حد القذف في حقه كما يتنصف حد الزنا، ويش الدليل إذن؟
طالب: (
…
) نصف ما على ..
الشيخ: الحر، قياسًا على ما إذا زنى.
ومن العلماء من يقول: إن هذا القياس ليس بصحيح، وإنه يجب على قاذف المحصَن ولو كان عبدًا يجب عليه ثمانون جلدة، واستدلوا بعموم الآية:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} ، وكلمة (الذين) اسم موصول من صِيَغ العموم، فيشمل كل مَن رمى المحصنات، {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ} .
أما القياس فيقولون: إن هذا قياس مع الفارق؛ لأن وجوب الحد على الزاني لتطهيره، ووجوب الحد على القاذف لتطهير المقذوف، أليس كذلك؟ لماذا جَلَدْنَا هذا القاذف؟ حماية لعِرْض المقذوف، وعرض المقذوف يتدنس، سواء كان القاذف حُرًّا أو عبدًا، بخلاف الزنا، فالزنا بالنسبة للأحرار ليس كالزنا بالنسبة للأرِقَّاء، أما المقذوف ما ذنبه إذا كان القاذف رقيقًا؟ هو سوف يلحقه العار سواء كان القاذف رقيقًا أو حرًّا.
ولذلك الصحيح في هذه المسألة أننا لا نشترط لوجوب الثمانين أن يكون القاذف حرًّا، وعليه فالثاني قذْفُ المحصَن إذا كان القاذف رقيقًا يُلْغَى على هذا القول، الثاني ويش هو الثاني؟ أربعون جلدة، قَذْفُ المحصَن إذا كان القاذف رقيقًا، بناء على أيش؟ بناء على قياس حد القذف على حد الزنا، حد الزنا بنص القرآن أنه النصف.
ولكننا نقول: هذا القياس ليس بصحيح، وعلى هذا فيسقط القسم الثاني الذي هو أربعون جلدة، ويكون حد القذف ثمانين جلدة، أو التعزير فقط، على القول الراجح.
الثالث: قذف غير المحصَن، ويش هو الثالث؟ التعزير، قذف غير المحصَن، والتعزير سيأتينا إن شاء الله أنه التأديب، وأنه يختلف بحسب الحال، قد يحتاج إلى جَلْد، أو إلى حبس، أو إلى توبيخ، أو إلى خصم من راتبه، أو غير ذلك، يأتينا إن شاء الله فيما بعد.
إذا قذف شخصًا غَيْرَ معيَّن، بأن قال: واحد من هذا البيت زانٍ، ويش يصير؟ يصير تعزير، يُعَزَّر؛ لأنه ما عَيَّن أحدًا يلحقه العيب والعار.
إذا قذف أهلَ بلد عامة قال: كل أهل ها البلد زُنَاة، ويش الحكم؟ يُعَزَّر؛ لأن حقيقة الأمر ما يلحقهم العار مهما كان.
كذلك لو قذف جماعةً بوصف، وقال مثلًا: كل اللي يعملون كذا وكذا كلهم زُنَاة، أو كلهم -والعياذ بالله- لوطية، فإنه يُعَزَّر؛ لأنه لم يقذف شخصًا معينًا، والعار لا يلحق مثل هؤلاء، حتى لو قال ها الكلام ما أحد يسومهم بعيب.
طالب: يا شيخ بالنسبة (
…
).
الشيخ: ما (
…
)؛ لأن الزاني ما هو لأنه انتهك عرض هذا، قد يكون هذا باختياره، قد يكون الْمَزْنِيّ به باختياره أو الْمَلُوط به، ومع ذلك يجب الحد.
طالب: والتطهير ..
الشيخ: إي، التطهير موجود، لكن حماية عِرض الناس؛ لأن القذف لحماية عِرض المقذوف، هذا هو الأصل، ولهذا خصوصًا على المذهب إذا سمح ولم يطالِب المقذوفُ فإنه لا حد عليه، أما الزنا فهو واجب بكل حال؛ لحق الله.
المهم الآن اللي تبيَّن لنا من هذا، ولاحظوا أن في الحقيقة إننا ما وَسَّعْنَا المباحث هنا، لأنهم يقولون لنا: إن أصول الدين ما يحتاج توسعون عليهم في الفقه؛ لأن أهم شيء عندهم الأصول.
(
…
) منها مثلًا -وهو مهم جدًّا- إذا قذف الإنسان نبيًّا ما نقول: حده حد القذف ثمانون جلدة، إذا قذف نبيًّا فإنه يكفُر كفرًا مُخْرِجًا عن الملة، ويطالَب بأي شيء؟ يطالب بالرجوع إلى الإسلام.
وهل تُقْبَل توبته أو لا تُقْبَل؟ يقول شيخ الإسلام رحمه الله: إنها تُقْبَل، ولكنه يجب قتله؛ لأنه (
…
) تُقْبَل فلا يُحْكَم بكفره؛ إذ الكفر حق لله، لكن القذف حق لمن؟ للنبي، والنبي لم يُسْقِط هذا الحق، وعلى هذا فكل مَن سَبَّ نبيًّا بقذف أو غيره فإنه يكفُر، ثم يطالَب بالرجوع إلى الإسلام، فإذا رجع قُتِلَ حَدًّا.
وقوله رحمه الله هو الصحيح، كذلك أيضًا مَن قذف أم نبي فإنه يكفُر؛ لأنه يلزم من ذلك أن يكون هذا النبي محتمل أن يكون ولد زنا -والعياذ بالله- وهذا كفر.