المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الشروط والعيوب في النكاح] - الشرح الصوتي لزاد المستقنع - ابن عثيمين - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌(باب صفة الصلاة)

- ‌[مكروهات الصلاة]

- ‌[أركان الصلاة وواجباتها]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌(كتابُ الْمَنَاسِكِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط وجوب الحج والعمرة]

- ‌[باب المواقيت]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌(بابُ مَحظوراتِ الإحرامِ)

- ‌(بابُ الفِديةِ)

- ‌(باب جزاء الصيد)

- ‌[باب صيد الحرم]

- ‌[باب ذكر دخول مكة]

- ‌[باب صفة الحج والعمرة]

- ‌[باب الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي والأضحية]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب البيع

- ‌[باب شروط البيع]

- ‌[باب الشروط في البيع]

- ‌[باب الخيار]

- ‌[باب الربا والصرف]

- ‌[باب بيع الأصول والثمار]

- ‌[باب السلم]

- ‌[باب القرض]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[باب الضمان]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[باب الصلح]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[باب الوكالة]

- ‌(باب الشركة)

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[باب المزارعة]

- ‌[باب الإجارة]

- ‌[باب السبق]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[باب الشفعة]

- ‌[باب الوديعة]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب الجعالة]

- ‌[باب اللقطة]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌(كتابُ الوَقْفِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الهبة والعطية]

- ‌[فصل في تصرفات المريض]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب الوصايا

- ‌[باب الموصى له]

- ‌[باب الموصى به]

- ‌[باب الوصية بالأنصباء والأجزاء]

- ‌[باب الموصى إليه]

- ‌(كتابُ النِّكاحِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[أركان النكاح]

- ‌[شروط النكاح]

- ‌[باب المحرمات في النكاح]

- ‌[باب الشروط والعيوب في النكاح]

- ‌[باب نكاح الكفار]

- ‌[باب الصداق]

- ‌[باب وليمة العرس]

- ‌[باب عشرة النساء]

- ‌[باب الخلع]

- ‌(كتاب الطلاق)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب ما يختلف به عدد الطلاق]

- ‌[باب الطلاق في الماضي والمستقبل]

- ‌[باب تعليق الطلاق بالشروط]

- ‌[باب التأويل في الحلف]

- ‌[باب الشك في الطلاق]

- ‌[باب الرجعة]

- ‌(كتابُ الإيلاءِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[من يصح منه الإيلاء]

- ‌[مدة الإيلاء وما تحصل به الفيئة أو فسخ النكاح]

- ‌(كتابُ الظِّهارِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[كفارة الظهار]

- ‌(كتابُ اللِّعانِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط صحة اللعان]

- ‌[ما يلحق من النسب]

- ‌(كتابُ العِدَدِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الاستبراء]

- ‌(كتابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط الرضاع المحرِّم]

- ‌[من يُحَرَّم بالرضاع]

- ‌[مدخل]

- ‌[باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم]

- ‌[باب الحضانة]

- ‌[باب شروط القصاص]

- ‌[باب استيفاء القصاص]

- ‌[باب العفو عن القصاص]

- ‌[باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس]

- ‌(كتاب الديات)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب مقادير ديات النفس]

- ‌[باب ديات الأعضاء ومنافعها]

- ‌[باب الشجاج وكسر العظام]

- ‌[باب العاقلة وما تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب القطع في السرقة]

- ‌[باب حد قطاع الطريق]

- ‌[باب حد المسكر]

- ‌[باب قتال أهل البغي]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب حكم المرتد]

- ‌(كتاب الأطعمة)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الذكاة]

- ‌[باب الصيد]

- ‌(كتاب الأيمان)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌(كتاب القضاء)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب آداب القاضي]

- ‌[باب طريق الحكم وصفته]

- ‌[مدخل]

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌[باب موانع الشهادة وعدد الشهود]

الفصل: ‌[باب الشروط والعيوب في النكاح]

الشيخ: ما يصح، وإن كان (

) يكون ذكرًا وهذا ذكر.

على كل حال يقول: يبقى لا يتزوج، ونقول له كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:«مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ» (8)، فإن نفع به الصوم فذاك، وإن لم ينفع فهناك الآن -والحمد لله- عقاقير تهدئ من الشهوة يُعطى إياها حتى يأتي الله بأمره، نسأل الله ألا يبلونا ولا إياكم.

***

طالب: شيخ، إذا اشترى أحد الزوجين الآخر، لماذا لا نقول: إنه يصح الشراء ويستمر العقد، ولكن يعتق عليه كما لو كان أحد.

الشيخ: يعتق عليه! ما يعتق إلا إذا أعتقها، الرسول قال في صفية:«أَعْتَقْتُكِ وَجَعَلْتُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ» (9).

الطالب: لو اشترى مَحْرَمًا له تعتق عليه؟

الشيخ: كيف مَحْرَمًا له؟

الطالب: إذا اشترى أمه أو أخته؟

الشيخ: لو اشترى زوجته.

الطالب: لو اشترى أُمَّه، هل تعتق عليه أو لازم يعتقها هو؟

الشيخ: لا، تعتق عليه.

الطالب: نقول: هذا في الزوجة.

الشيخ: لا ما يصح؛ لأن هذه ليست ذات محرم منه.

الطالب: يعني الاستدامة أقوى من الابتداء (

).

الشيخ: لا، على كل حال هذه يقولون بأنه لا يصح بحال، والمسألة ما أظنها تخلو من خلاف، لكن الآن ما يحضرني أن فيها خلافًا، لكن ما أستبعد أنه يكون فيها خلاف.

طالب: بالنسبة لزواج الرجل من مملوكته قد يقول: أنا ما أريد أعتقها، ولكن أريد أرفع من منزلتها بالزواج منها؟

الشيخ: ما يمكن، اعتقها كما فعل الرسول.

الطالب: يعني: يقول ..

الشيخ: ما يطاع، إذا قال: لا. نقول: لا.

الطالب: القاعدة يا شيخ أنه لا يرد الأضعف على الأقوى، هل لها مثال آخر غير هذا؟

الشيخ: ما يحضرني الآن.

طالب: زواج (

) أمة أبيه، الأولاد .. ؟

الشيخ: كيف؟

الطالب: هل يكونوا أحرارًا؟

الشيخ: أرقاء لأبيه، وإذا ملكهم أبوهم عتقهم.

طلبة: (

).

***

[باب الشروط والعيوب في النكاح]

ص: 2724

الشيخ: هو في الحقيقة نسأل الله أن يهدينا وإياكم الصراط المستقيم، وكان الرسول يستفتح عليه الصلاة والسلام صلاة الليل بقوله:«اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (10) فالإنسان مفتقر إلى الله عز وجل في أن يهديه لما اخْتُلِفَ فيه من الحق وإلا لضل؛ يعني: لا تظن أنك كلما اجتهدت في شيء وبذلت الجهد ووصلت إلى الغاية، لا تظن أن هذا هو الصواب قطعًا، بل اسأل الله أن يهديك لما اختُلِف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

***

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

باب الشروط والعيوب في النكاح

إذا شرطت طلاق ضرتها أو لا يَتَسَرَّى أو ألا يتزوج عليها أو لا يخرجها من دارها أو بلدها أو شرطت نقدًا معينًا أو زيادة في مهرها صحَّ، فإن خالفه فلها الفسخ، وإذا زَوَّجَه وَلِيَّتَهُ على أن يزوجه الآخر وليته ففعلا ولا مهرَ بطل النكاحان، فإن سُمِّيَ لها مهر صحَّ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، أنا عندي (فإن سُمِّيَ لهما)، عندك (لهما)؟

طالب: نعم (لهما).

طالب آخر: (

) (موليته).

الشيخ: أنا اسمع وعندي.

قال: (باب الشروط والعيوب في النكاح) الشروط جمع شرط وهو العلامة؛ لقوله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18] أي: علاماتها، والشرط في كل موضع بحسبه فيُفَسَّر في باب أصول الفقه بتفسير، ويُفَسَّر في باب الفقه بتفسير آخر.

وقوله: (الشروط في النكاح)، هناك فرق بين شروط النكاح والشروط في النكاح، والفرق بينهما من وجهين:

الوجه الأول: أن شروط النكاح من وضع الشرع، والشروط في النكاح من وضع العاقد.

ص: 2725

والفرق الثاني: أن شروط النكاح: ما تتوقف عليها صحته، والشروط في النكاح: ما يتوقف عليها لزومه؛ لأنها حق آدمي إن شاء أسقطها، وإن شاء أخذ بها.

ما الفرق بين الشروط في النكاح وشروط النكاح؟

طالب: من وجهين؛ الأول: أن شروط النكاح الذي وضعها الشرع، والشروط في النكاح وضعها العاقد.

الوجه الثاني: أن شروط النكاح تتوقف عليها صحة النكاح، والشروط فيه تتوقف عليها لزومه.

الشيخ: أحسنت، ومعنى يتوقف عليها لزومه: أنه لو شاء الذي شرطها لأسقطها.

فمثلًا رضا الزوجين شرطٌ في النكاح أو شرط للنكاح؟

طالب: شرط للنكاح.

الشيخ: للنكاح. شَرْط مهرٍ معين من شروط النكاح أو فيه؟

طالب: من شروط النكاح.

الشيخ: يعني: لو اشترطت المرأة أن يكون مهرها ألف ريال، هذا شرط نكاح ولَّا شرط في النكاح؟

طالب: شرط في النكاح.

الشيخ: تمام، إذن الفرق من وجهين.

أما قوله: (العيوب في النكاح) فالعيوب جمع عيب، فما هو العيب في النكاح؟ هل هو محدود أو معدود؟ وهل يثبت به الفسخ أو لا يثبت؟

الصواب أنه محدود وليس معدودًا، وما ورد عن السلف فإنها قضايا أعيان تكون كالأمثلة لذلك.

وَحَدُّه: ما يوجب التنافر بين الزوجين أو يُفَوِّت المقصود، هذا حد العيب في النكاح؛ ما يوجب التنافر بين الزوجين أو يفوت المقصود من النكاح، هذا هو الصحيح، وهذا حَدٌّ وليس بِعَدٍّ.

ويرى بعض العلماء أن العيوب معدودة وأضرب لذلك مثلًا: البرص من عيوب النكاح، ولو كان بِقَدْر جُبِّ الإبرة، هذا عيب؛ لو أن الرجل دخل على زوجته وجد في زراعها مثل جب الإبرة بياضًا، هذا عيب، عرفت؟

طالب: نعم.

الشيخ: ولو تزوج امرأة، ودخل عليها، فإذا هي عمياء صماء بكماء خرساء زمنى لا تتحرك، فهذا ليس بعيب؛ لماذا؟ لأن العيوب؟

طالب: معدودة.

الشيخ: معدودة معينة، لا محدودة، وأيهما أعظم الأولى أو الثانية؟

طلبة: الثانية.

الشيخ: الثانية. أبغي امرأة عمياء خرساء صماء زمنى! أيش (

) أنقلها؟ !

ص: 2726

على كل حال يرى بعض العلماء رحمهم الله أن العيوب محدودة، ويرى آخرون أنها معدودة. والصواب أنها محدودة؛ وهي كل ما يوجب النفرة بين الزوجين أو يُفَوِّت أيش؟ المقصود بالنكاح.

الشروط في النكاح تنقسم إلى ثلاثة أقسام، ونسأل أولًا: ما المعتبر من الشروط في النكاح، هل يعتبر أن تكون مقارنة للعقد أو يجوز أن تُلْحَق بالعقد أو يصح أن تكون قبل العقد؟

هنا ثلاث أحوال؛ تارة يكون الشرط قبل العقد، وتارة معه، وتارة بعده، فما هو المعتبر؟

المعتبر ما كان في صلب العقد أو اتفقا عليه قبل العقد، وأما ما بعد العقد فليس بمعتبر، ؛ فلو تزوج امرأة وشرَطَ أن تكون جميلة في صلب العقد، فلما دخل عليها إذا هي قبيحة فهذا الشرط صحيح، وله أن يفسخ النكاح.

ولو اتفقا قبل العقد على أنها جميلة وحين العقد سكتوا، ما ذكروا في العقد أنها جميلة ثم تبين بعد الدخول عليها أنها قبيحة، هل يعتبر الشرط السابق؟

الجواب: نعم يعتبر، ما لم يُبْطِلاه حين العقد، وإنما جعلناه معتبرًا؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، أما لو تم العقد وبعد أن قال: زوجتُكَ بنتي. فقال: قبلت. قال: شوف أنا اشترط أنها جميلة، هل يُعْتَبر هذا الشرط؟

طالب: لا.

الشيخ: لا؛ لأنه تم العقد وانتهى صار عقدًا مطلقًا لا شرط فيه فيبقى على إطلاقه.

إذن المعتبر في الشروط أيش؟ ما كان في صلب العقد أو اتفقا عليه قَبْلَه، وهذا سينفعك ليس في الشروط المرغوب فيها، بل حتى في الشروط التي تُطْلَب السلامة منها، المعتبر صلب العقد أو ما اتفقا عليه قبله.

الشروط تنقسم إلى أقسام؛ شروط صحيحة، وشروط فاسدة غير مفسدة، وشروط فاسدة مفسدة، الأقسام كم؟

طلبة: ثلاثة.

الشيخ: ثلاثة؛ فاسدة مفسدة، فاسدة غير مفسدة، صحيحة.

بدأ المؤلف بالصحيح فقال: (إذا شرطت طلاق ضرتها) يعني: فهو شرط صحيح؛ يعني: خطب مِن جماعة قال: ما نزوجك إلا بشرط أن تُطَلِّقَ زوجتك، يقول المؤلف: إن هذا شرط صحيح؛ لماذا؟

ص: 2727

لأن فيه غرضًا مقصودًا للزوجة؛ إذ أن كون الزوج خاليًا لها أحب إليها من أن يكون معها غيرها، أليس كذلك؟

هذا غرض مقصود وأكثر النساء عندها من الغيرة شيء عظيم، ولكن الصواب أن هذا الشرط فاسد؛ لأن النبي عليه وعلى آله وسلم نهى عنه فقال:«لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا فِي إِنَائِهَا» (11) أو كلمة نحوها، ومعلوم أن ما نهى عنه الشرع فهو لا يجوز إقراره، وتصحيح الشرط إقرار له، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:«كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ شُرِطَ مِئَةَ مَرَّةٍ» (12) إذن القول الصحيح أن هذا الشرط أيش؟

طالب: فاسد.

الشيخ: فاسد غير صحيح؛ فلو تزوجها على هذا الشرط على أنه يطلق امرأته الأولى، ثم دخل بها وأمسك الأولى فليس لها أن تطالبه بطلاقها؛ لماذا؟

طالب: لأن الشرط فاسد.

الشيخ: لأن الشرط فاسد باطل كأنه لم يكن.

الثاني: شرطت (ألا يتسرى أو ألا يتزوج عليها) قالت عند العقد: شرط ألا تَسَرَّى وألا تزوج. والفرق بين التسري والتزوج أن التسري في المملوكة والتزوج في غير المملوكة، فهذه امرأة عندها غيرة عظيمة تريد ألا يطأ إماءه، عنده إماء كثير، فقالت: شرط ألا تتسرى واحدة منهن، يصح هذا الشرط أو لا؟ يصح هذا الشرط؛ لأنه ليس فيه اعتداء على أحد إنما فيه حق للزوج أسقطه وليس فيه عدوان على أحد.

ألا يتزوج أيضًا يصح؛ زوجوه بشرط ألا يتزوج عليها فقال: نعم، لكم هذا الشرط. فلا يجوز أن يتزوج؛ لأنه مشروط عليه ألا يتزوج، فإن تزوج فللمرأة فسخ النكاح.

لو قالوا له: اشرط أنك إن تزوجت فهي طالق، فقال: نعم، لكم ألا أتزوج وإن تزوجت فهي طالق، يصح شرط ألا يتزوج.

ص: 2728

لكن لو تزوج هل تطلق؟ لا، لا تطلق؛ لأنه تعليق على ما لا يملك، الطلاق لا يكون إلا بعد النكاح، وهذا الرجل لم يتزوج حتى يطلق؛ ولهذا لو أن امرأة سمعت أن زوجها يريد أن يتزوج، وبدأت تعاكسه تقول: إذا أمرها أن تأتي بشيء: والله الشيء هذا ما حصل لي. اطبخي الطعام. تتأخر في طبخه، هات القهوة. تتأخر، لماذا يا بنتي؟ قالت: لأنك تبغي تتزوج. قال: أتريدين أن أرضيك؟ قالت: نعم. قال: إذا تزوجت أي امرأة فهي طالق، فلما صارت بالليل عقد على امرأتين يطلقن أو لا؟

طلبة: لا.

الشيخ: لا يطلقن؛ لماذا؟ لأنه معلق على النكاح، ولا يصح أن يعلق الطلاق على النكاح؛ إذ إنه لا بد أن يكون النكاح سابقًا على الطلاق.

كذلك ألا يخرجها من دارها؛ إذا شرطت ألا يخرجها من دارها أو بلدها يصح هذا الشرط؛ لأن الأصل أن الزوج إذا تزوج امرأة فله أن يسافر بها ويخرجها من دارها وهي ملكه؛ «إِنَّهُنَّ عَوَانٍ بَيْنَكُمْ» (13) والعاني هو الأسير، وسمى الله الزوج سيدًا {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25]، فليس لها أن تمانع إذا أراد أن يسافر بها، لكن لو أنها شرطت ألا يسافر بها وألا يخرجها من دارها فلها ذلك والشرط صحيح، أو شرطت نقدًا معينًا يعني في المهر؛ قالت: شرط أن يكون مهري من فئة خمس مئة يصح؟

طالب: يصح.

طالب آخر: نعم.

الشيخ: شرط أن يكون دولارًا يعني: من الدولارات، يصح؟

كذلك إذا شرطت زيادة في مهرها فقالت: مثلًا أنا أريد أن تعطيني عشرة آلاف ريال والمهر في العادة خمس آلاف، والتزم بذلك يصح الشرط؟

طالب: يصح.

الشيخ: يصح، يصح الشرط ويلزمه أن يدفع المهر.

قال: (صَحَّ) هذا جواب قوله: (إذا شرطت طلاق ضرتها)، فتبين أن الشروط التي ذكرها المؤلف كلها صحيحة ما عدا شرطًا واحدًا وهو إذا شرطت طلاق ضرتها.

(فإن خالفه فلها الفسخ) إن خالف أيش؟

طلبة: الشرط.

ص: 2729

الشيخ: إن خالف الشرط فلم يف به فإن لها الفسخ، وإن رضيت؟ فلها الرضا، الأمر بيدها إن شاءت فسخت وإن شاءت لم تفسخ.

ولم يُفْصِح المؤلف رحمه الله بالمخالفة هل هي حرام؟ بحيث يجب عليه الوفاء بالشرط أو ليست بحرام؟ والمذهب أنه لا يجب عليه الوفاء بالشرط، بل يُسَنُّ له أن يفي بالشرط وعللوا ذلك بأنه إذا لم يف فلها الخيار يعني فقد استفادت، وإذا استفادت فلا نلزمه؛ فمثلًا لو شرطت ألا يخرجها من بلدها وصمم على أن يسافر بها، لا نقول: إنه آثم، بل نقول: الأفضل أن تفي وألا تسافر بها، فإن سافر وصمم فلها الفسخ.

ولكن الصحيح أن الوفاء بالشرط واجب، الصحيح أن الوفاء بالشروط في النكاح إذا كانت صحيحة واجب بدليل القرآن والسنة والأخلاق الفاضلة؛ أما القرآن فقد قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، والأمر بالوفاء بالعقود يشمل الوفاء بأصل العقد وبشروط العقد التي تُعْتَبر صفات في العقد.

فإذا قال قائل: الشروط زائدة على العقد. قلنا: لكنها صفات في العقد.

وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34]، والشروط مِنَ العهد ولَّا لا؟

طالب: بلى.

الشيخ: من العهد، ولَّا لا؟

طلبة: بلى.

الشيخ: نعم، من العهد لا شك؛ لأن المشترط عليه تَعَهَّد بها فيلزمه أن يَفِيَ بما تعهد به.

ص: 2730

أما السنة فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» (14)، ومعلوم أن الشروط يجب الوفاء بها، الشروط في البيع يجب الوفاء بها، الشروط في الإجارة يجب الوفاء بها، الشروط في الوقف يجب الوفاء بها، فأحق الشروط أن يُوفي بها هي الشروط في النكاح؛ لأنها التي استحللنا بها الفروج؛ إذ لولا التزامنا بهذا الشرط لم نتمكن من التزوج بهذه المرأة التي اشترطت فحين إذن لم نستحل فرجها إلا أيش؟ إلا بهذا الشرط، والصواب أن الوفاء بالشروط في النكاح واجب.

أما كونه هو الموافق للمروءة والأخلاق؛ فلأنه ليس من كريم الخلق أن تتزوج امرأة على أنك لا تتزوج عليها ثم إذا أفسدتها وانتهكت بكارتها وصارت كاسدة بين الناس تذهب وتتزوج عليها، هذا ليس من المروءة وليس من الشيم.

لكن إذا قال: أنا اشترطت ذلك عند العقد؛ لأنني في ذلك الوقت ما وجدت امرأة وقلت: أمشي الأمور، والآن ما أطيق أن أصبر على امرأة واحدة أريد أخرى، نقول: أرضِ زوجتك الأولى حتى تُسْقِطَ حقها من الشرط وحين إذن تزوج، أما ما دامت متمسكة به فإنك لا تملك أن تنتهكه.

لكن المشكل يشكل على هذا أن يقول: إذن أطلقها وأستريح. نقول: أما الطلاق فلا نمنعك، لا نمنعك من الطلاق؛ لأنه حق لك، لكن في هذه الحال نقول: لعل من المروءة أن تقول لها: أنا لا أستطيع أن أفي بهذا الشرط، وأنت بالخيار إن شئت طلقتك وإذا طلقتك سقط الشرط، وإن شئت بقيتِ وألغي الشرط، وهذا أقصى ما يكون؛ لأنه مشكلة الزوج له حق في أن يطلق، وإن كان في هذا شيء من الغرارة على المرأة لكن الحمد لله على كل حال.

قال: (وإذا زوَّجَهُ وَلِيَّتَهُ على أن يزوِّجَه الآخر وَلِيَّتَه ففعلا ولا مهرَ بينهما فلا .. ) إلى أخره؛ هذا النوع الفاسد المفسد.

ص: 2731

(إذا زوَّجَه) أي: زوَّج الرجل شخصًا (وليَّتَه) بمعنى موليته فهو فعيل بمعنى مفعول (على أن يزوجه الآخر وليته) ولم يقل: ابنته؛ «عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ» (15) كما جاء في الحديث؛ لأن ما جاء في الحديث ليس قيدًا بل هو مثال، والفقهاء رحمهم الله ذكروا ما يدل على العموم؛ لأن المراد بوليته كل من له ولاية عليها سواء كانت بنته أو أمه، يمكن؟

طالب: نعم يمكن.

طالب آخر: نعم صحيح.

الشيخ: إي صحيح، تكون مطلقة ولها ولد بالغ وزَوَّجَها، ليس لها أب، أو كانت أخته، أو عمته المهم أن الولي عام (على أن يزوجه الآخر وليته ولا مهر) فهذا نكاح باطل ويُسَمَّى نكاح الشغار.

أقول: هذا يسمى نكاح الشغار، إذا زوجه ابنته .. لنحدد المثال أحسن؛ قال: أنا أزوجك ابنتي بشرط أن تزوجني ابنتك. قال: طيب ما عندي مانع. فقال: زوجتك ابنتي بشرط أن تزوجني ابنتك. قال: قبلت. ثم قال: زوجتك ابنتي. فقال الثاني: قبلت. فأخذ كل واحد منهم بيد البنت ومشى، هذا حرام؛ لأنه جعل المهر بضع المرأة والبضع ليس بمال فتكون النتيجة أنه زوجها بلا مهر، هذه مفسدة.

المفسدة الثانية أنه لو فُتِحَ هذا الباب لتلاعب الناس بالنساء وصار الإنسان يجعل ابنته بمنزلة السلعة فيدخل فيها الهوى والخيانة، أليس كذلك؟

طالب: بلى.

الشيخ: المفسدة الثالثة أنه إذا حصل هذا الشيء، ثم صار سوء تفاهم بين أحد الزوجين وزوجته أفسد الثاني زوجته عليه، وهذا مُشاهَد ومعلوم، هذا إذن نكاح الشغار.

نقول: (أن يُزَوِّجَه وليته على أن يزوجه الآخر وليته).

الشرط الثاني: (ولا مَهْرَ بينهما) فهذا لا يصح.

وعُلِمَ من قول المؤلف: (ولا مهر بينهما) أنه لو سُمِّيَ لهما مهر صحَّ، وصرح به فقال:(فإن سمي لهما مهر صح).

ص: 2732

وعلى هذا فإذا قال: أزوجك وليتي على أن تزوجني وليتك والمهر كذا وكذا؛ عينوه، فالنكاح صحيح، وليس نكاح شغار، واعتمد الفقهاء ذلك لقوله في الحديث:«الشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ» (15) قالوا: هذا التفسير يُحِل الإشكال ويدل على أنه إذا كان بينهما صداق فإن النكاح صحيح.

قالوا: والاشتقاق يدل عليه فإنه يقول: نهى عن أيش؟ نكاح الشغار، وهو من (شَغَرَ المكانُ) إذا خلا، ومنه في عُرْفنا هذه وظيفة شاغرة، ويش معني شاغرة؟

طلبة: خالية.

الشيخ: خالية ما فيها أحد، فقالوا: إنه إذا كان الاشتقاق يدل عليه فالعبرة في الألفاظ بمعانيها، فالشغار إذن ليس فيه مهر، فإن سُمِّيَ مهر فإنه ليس فيه خلو، وهذا هو المذهب.

القول الثاني في هذه المسألة: يقولون: إن نكاح الشغار أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ولو كان بينهما صداق، وقالوا: هذا التفسير الذي استدل به الأولون ليس من قول النبي عليه وعلى آله وسلم. وأن مادة الاشتقاق ليست من (شَغَر المكانُ) إذا خلا، ولكنها من (شَغَر الكلبُ) إذا رَفَع رِجْلَه لِيَبُولَ، الكلب تشاهدونه إذا أراد أن يبول يرفع رجله، فيكون هذا تشبيها لتقبيح هذا العقد، وعلى هذا فلا يصح النكاح سواء سُمِّيَ لها مهر أم لا؟ وقالوا: إن العلة في ذلك لئلا تُتَّخَذ النساء سلعًا تبع الأهواء، وعلى هذا فلا يصح نكاح الشغار ولو سُمِّيَ لهما مهر كامل من كل وجه.

ولو قيل: بالوسط، وخير الأمور الوسط؛ أنه إذا سُمِّيَ المهر وكان كلا منهما كُفْئًا ورضيت كل أنثى بزوجها أو بخطيبها فإن النكاح يصح، لو قيل بهذا لكان فيه جمع بين الأدلة من وجه وأيضًا فيه سلامة من التلاعب؛ فيقال: النكاح هذا إذا شرط أن يزوجه وليته فالنكاح صحيح بشروط ثلاثة:

الأول أن يكون كل من الزوجين كُفئًا لمن؟

طالب: للآخر.

طالب آخر: للمرأة.

الشيخ: للمرأة التي يتزوجها.

ص: 2733

والثاني رضا كل من الزوجتين. والثالث؟

طالب: أن يُسْمَّى مهر.

الشيخ: أن يُسَمَّى لهما مهرلا يَقِلُّ عن مهر العادة. لو قيل بهذا لكان له وجه ولانحلت إشكالات كثيرة كان الناس يعتادونها من قَبْل ولا سيما البادية.

وإن تَزَوَّجَها بشَرْطِ أنه متى حَلَّلَها للأَوَّلِ طَلَّقَها، أو نواه بلا شَرْطٍ، أو قالَ: زَوَّجْتُك إذا جاءَ رأسُ الشهرِ، أو إن رَضِيَتْ أُمُّها، أو إذا جاءَ غَدٌ فطَلِّقْها، أو وَقَّتَه بِمُدَّةٍ بَطَلَ الكلُّ.

(فصلٌ)

وإن شَرَطَ أن لا مَهْرَ لها، أو لا نَفَقَةَ، أو أن يَقْسِمَ لها أَقَلَّ مِن ضَرَّتِها أو أكثرَ، أو شَرَطَ فيه خِيارًا، أو إن جاءَ بالْمَهْرِ في وقتِ كذا وإلا فلا نِكاحَ بينَهما بَطَلَ الشرْطُ وصَحَّ النِّكاحُ، وإن شَرَطَها مُسلمةً فبانَتْ كِتابيَّةً، أو شَرَطَها بِكْرًا أو جميلةً أو نَسيبَةً، أو نُفِيَ عَيْبٌ لا يَنفسِخُ به النِّكاحُ فبَانَتْ بخِلافِه فله الْفَسْخُ، وإن عَتَقَتْ تحتَ حُرٍّ فلا خِيارَ لها بل تَحْتَ عبدٍ.

مَن وَجَدَتْ زَوْجَها مَجبوبًا

وكان كل منهما كفئًا، ورضيت كل أنثى بزوجها أو بخطيبها فإن النكاح يصح، لو قيل بهذا لكان فيه جمع بين الأدلة من وجه، وأيضًا فيه سلامة من التلاعب، فيقال: النكاح هذا إذا شرط أن يزوجه وليته فالنكاح صحيح بشروط ثلاثة:

الأول: أن يكون كل من الزوجين كفئًا للمرأة التي تزوجها.

والثاني: رضا كل من الزوجتين.

والثالث: أن يُسَمَّى لهما مهرٌ لا يقل عن مهر العادة.

لو قيل بهذا لكان له وجه، ولانحلت إشكالات كثيرة كان الناس يعتادونها من قبل، ولا سيما البادية.

فإذا قيل: ما تقولون في رجل زَوَّج ابنته ابن أخيه، ثم إن ابن أخيه زوج بنت هذا المزوج بدون شرط، ما تقولون فيه؟

طلبة: (

).

الشيخ: ابني عم، تزوج كل واحد منهما بنت عمه بدون شرط؛ يعني: أن عمه زوجه بنته، وذاك العم زوَّج ابنة العم الأول بنته، بدون شرط، يصح أو لا يصح؟

طلبة: يصح.

ص: 2734

طلبة آخرون: ما يصح.

الشيخ: لا إله إلا الله! بمهر وبكل شيء.

طلبة: صحيح.

الشيخ: يعني رجل اسمه سليمان، والثاني اسمه عبد الله، سليمان له ابن اسمه محمد، وعبد الله له ابن اسمه عبد الرحمن، زوَّج سليمان بنته لعبد الرحمن ابن أخيه، وزوَّج عبد الله بنته محمد بن أخيه بمهر ورضا، وكل شيء، صحيح هذا ولَّا لا؟

طلبة: صحيح.

الشيخ: حتى لو كان من الأول يقول: هذه -إن شاء الله- نخليها (

) لفلان؟

طلبة: حتى لو كان.

الشيخ: حتى لو كان؛ لأن هذه تقع كثيرًا بين الأقارب يكون معروف عندهم أن بنت العم هذه زوجة لابن عمها، وهذه زوجة لابن عمها الثاني، فهذا ليس فيه شغار، على كل الأقوال ليس بشغار؛ لأنه ليس فيه شرط.

فإن زوَّج الرجل ابنته شخصًا، ثم بعد ذلك خطب من هذا الشخص أخته، ما تقولون، يصح؟ يصح، ما فيه إشكال.

زوَّج هذا الرجل شخصًا، ثم بعد ذلك خطب ابنة هذا الشخص؟ رجل زوج شخصًا بنته، ثم بعد ذلك خطب من الشخص الذي تزوج بنته ابنته؛ ابنة الشخص؟

طلبة: (

).

الشيخ: إذا كان من غير ابنته صح، وإذا كان من ابنته؟

طلبة: لا يصح.

الشيخ: ليش ما يصح؟

طلبة: لأنه جد.

الشيخ: هذه ربما تكون مطبًّا لبعض الناس، على طول يقول: هذا ما يصح، كيف يتزوج بنتًا لزوج بنته وهو جدها؟ ! نقول: لا، فكر، قد يكون لهذا بنتٌ من سابق أو بنتٌ من لاحق.

طالب: (

).

الشيخ: طيب، خير إن شاء الله.

قال: (وإن تزوجها بشرط أنه متى طلقها للأول حللها).

ص: 2735

هذا أيضًا من الشروط الفاسدة المفسدة، ويسمى نكاح التحليل؛ وذلك أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثًا فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، ثم يطأها، ثم يفارقها بموت أو طلاق أو فسخ، فهذا رجلٌ طلق امرأته ثلاثًا، فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، فندم زوجها الأول وضاقت به الحيل، فقال له صديقه: أنا أحللها لك، فعقد عليها بشرط أنه متى حللها للأول طلقها، ويحللها للأول إذا جامعها مع انتشار ذكره، سواء أنزل أم لم ينزل، فتزوجها بشرط أنه متى حللها للأول طلقها، فزوجوه على هذا الشرط؛ فالنكاح باطل لا يصح، أفسده هذا الشرط، فكان هذا الشرط فاسدًا مفسدًا.

وما هو الدليل على أن هذا الشرط باطل؟

أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له (1)، وسماه التيس المستعار؛ تقبيحًا له؛ لأن هذا الرجل الزوج كأننا استعرناه تلك الليلة ليجامع المرأة ويطلقها، كما لو قال صاحب الغنم لجاره: أعرني تيسك الليلة لأن عندي إناثًا تحتاجه، فأعاره تلك الليلة، فإذن هذا الرجل المحلل يستحق هذا الاسم تمامًا أنه تيس مستعار، هذه واحدة.

ولأن المقصود بالنكاح البقاء، إذن الرجل لا يتزوج المرأة إلا يريد أن تكون عنده أم أولاده وأنيسته في فراشه، وجعل الله بين الزوج والزوجة مودة ورحمة. وهذا التحليل هل فيه شيء من هذه الأغراض؟ أبدًا، ما فيه شيء من هذه الأغراض؛ فلذلك صار منافيًا للمقصود الشرعي في النكاح، فكان باطًلا.

هذا الرجل فعل؛ تزوجها بنية التحليل للزوج، ثم طلقها، هل تحل للأول؟ لا تحل للأول؛ لأن هذا ليس نكاحًا شرعًا، فلا يؤثر ما يؤثره النكاحُ الصحيحُ، وعلى هذا فلا تحل لا للأول، ولا للثاني؛ أما الثاني فلأن عقده عليها غير صحيح، وأما الأول فلأنها لم تنكح زوجًا غيره في الواقع، فلا تحل.

لو أن الزوج نوى أنه متى حللها للأول طلقها بدون شرط، ما تقولون؟

طلبة: لا يصح.

ص: 2736

الشيخ: لا يصح، فالنكاح باطل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (2).

نوى؛ خطب هذه المرأة التي طلقها زوجها ثلاثًا، ولا قال لهم: إنه يريد أن يطلقها إذا حللها للأول، لكن نوى بقلبه، نقول: النية كالشرط، الدليل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» .

لو نوته الزوجة أو وليها؛ الزوج ما على باله إلا أنه نكاح رغبة ونكاح بقاء، لكن الزوجة نوت بقلبها أنه للتحليل فقط؟

طلبة: صحيح.

الشيخ: فالنكاح صحيح؛ وذلك لأن المرأة ليس بيدها فرقة، ولا تملك أن تطلق نفسها، أليس كذلك؟ ولهذا قالوا في هذا الباب: من لا فرقة بيده لا أثر لنيته، والزوجة ليس بيدها فرقة، الفرقة بيد من؟ الزوج.

إذن لو أنهم خدعوا شخصًا وقالوا: نريد أن نعطيك عشرة آلاف ريال وتزوج هذه المرأة بشرط أنك إذا حللتها للأول طلقتها، ولكنه لم يلتزم بهذا الشرط؛ سكت، ثم زوجوه، فلما كان في الصباح جاؤوا إليه وقالوا: أعطنا ورقة الطلاق، هل له أن يقول: أنا واللهِ ما نويت ولا شرطت؟

طلبة: نعم.

الشيخ: له أن يقول، ونيتهم هم؟

طلبة: لا تؤثر.

الشيخ: لا تؤثر؛ لأنه من لا فرقة بيده لا أثر له، فيقول: الحمد للهِ أنا جاءتني امرأة ومهر بدون شيء.

طالب: ينعقد يا شيخ؟

الشيخ: قلنا: إنها لو نوت هي أو وليها أنه متى حللها طلقها فإن ذلك لا يؤثر.

وقال بعض أهل العلم: إنه يؤثر، ولكن هذا القول ضعيف؛ لأن الذي بيده الطلاق هو الزوج.

نعم لو قلنا: يؤثر بالنسبة لها هي، وإنها تأثم بذلك، لكن العقد ظاهره الصحة ولا يمكن إبطاله، لكن هي تكون آثمة، لو قيل بهذا لكان له وجه.

ص: 2737

لكن مع ذلك اعلموا أنها إذا كانت هذه نيتها فسوف تحاول بكل ما تستطيع أن تفارق الزوج وتتخلص منه، انتبهوا، تتكرَّه لإعطائه حقوقه، وتمانع، وإذا جاء وقت القيلولة خرجت إلى جيرانها، وفي الليل تسهر، ولا تأتي للفراش إلا وهي مثل الخرقة، ما تدني ولا تؤخر، ولا يتمتع بها الزوج، وهنا سيمل منها ولَّا يبقيها؟ سيمل منها، اللهم إلا أن يعاند فربما يبقيها، لكن حسب الطبيعة أنه ما يريد أن تبقى زوجته هكذا، فيطلقها، فلو فعل وطلقها، هل تحل للأول؟

طالب: نعم تحل.

الشيخ: لا، ما تحل؛ باعتبار نيتها هي، نحن قلنا لكم قبل قيل: نعتبر نيتها بالنسبة لها أن النكاح غير صحيح، أما بالنسبة للزوج وظاهر الحال فالنكاح صحيح، ففي هذه الحال لو أن الزوج طلقها من أجل إساءة عشرتها وتضييقها على الزوج، فإننا نقول لها: إنك لا تحلي للزوج الأول، وهذا واضح، وهو الذي ينبغي أن يعمل به؛ من أجل أن نحول بين النساء وبين الإرادات الفاسدة.

يقول: (أو قال: زوَّجتك إذا جاء رأس الشهر، أو إن رضيت أمها) هذا يسمى النكاح المعلق.

النكاح المعلق: زوَّجتك ابنتي إذا صار يوم العاشر من شهر ربيع الثاني، قال: قبلت، فجاء يوم العاشر، إن أعيد العقد فالنكاح صحيح، بالعقد الأول ولَّا بالثاني؟

طلبة: بالثاني.

الشيخ: وإن أقر العقد الأول، فالنكاح على كلام المؤلف ليس بصحيح.

صورته الثانية قال: زوَّجتك إن رضيت أمها، أو إن رضي أخي، يكون لهذا الرجل أخٌ عزيزٌ عليه أكبر منه، فقال: زوَّجتك بنتي إن رضي أخي، قال: قبلت، فرضي الأخ، هل يصح العقد أو لا؟

طلبة: لا يصح.

ص: 2738

الشيخ: كلام المؤلف لا يصح، كلُّ نكاحٍ معلق لا يصح. والصحيح أن في ذلك تفصيلًا: إن كان مجرد تعليق، فالقول بعدم صحة العقد صحيح؛ مثل: زوَّجتك إذا جاء اليوم العاشر من شهر ربيع الثاني، أما إذا كان التعليق فيه غرض مقصود فالنكاح صحيح؛ زوجتك إن رضي أخي، فذهبنا إلى أخيه فقال: رضيت، نقول: خذ البنت امرأتك، لا حاجة أن نعيد العقد؛ لأننا عقدنا على إن رضي الأخ، وهذا شرط مقصود ولَّا غير مقصود؟

طلبة: مقصود.

الشيخ: مقصود، غرض صحيح، لكن إذا كان في اليوم العاشر من ربيع، هذا في الغالب أنه غير مقصود، ربما يكون مقصودًا بحيث أن يكون هناك في الأيام هذه شغل يحتاجون المرأة فيه، ربما يكون، لكن الغالب أنه ما فيه شيء، ما فيه غرض مقصود.

إذن خلاصة القول أن النكاح المعلق على شرط نكاحٌ غير صحيح ولو وُجِد الشرط، على كلام المؤلف، وعلى ما نختاره سمعتموه.

لو قال: زوجتك بنتي إن شاء الله، قال: قبلت؟

نقول: هذا صحيح؛ لأن مجرد الإيجاب والقبول يدل على أن الله شاء ذلك، ولو شاء الله غيره ما حصل.

زوجتك بنتي إن كانت بنتي، وهما يعلمان أنها بنته؟

طلبة: صحيح.

الشيخ: هذا صحيح، حقيقة الأمر ليس بشرط، هذا في الحقيقة بيان للواقع.

قال: زوجتك بنتي إن كان قد انقضت عدتها، وهما يعلمان أنها قد انقضت عدتها؟

طلبة: صحيح.

الشيخ: يصح، هو على القول الصحيح.

أما إذا كانا لا يعلمان انقضاءها فكلام المؤلف يدل على أنه لا يصح، والصحيح أنه يصح إذا تبين أن العدة قد انقضت.

وقد يقال بأنه لا يصح؛ لأن كونها معتدة لا يصح عقد النكاح عليها، فإذا قلنا: إن كان عدتها قد انقضت صار النكاح مترددًا فيه فلا يصح حتى يُعلم أنها قد انقضت، ثم يعاد العقد.

طالب: (

) ما يعلمان أنها بنته؟

الشيخ: إي، هذا صحيح.

فيه أيضًا الشرط الثالث (أو قال: زوَّجتك، إذا جاء غدٌ فطلقها أو وَقَّته بمدة؛ بطل الكل).

ص: 2739

وهذا الأخير يسمى نكاح المتعة؛ يعني النكاح الذي لا يراد به إلا المتعة فقط، وهو النكاح الموقت.

كل نكاحٍ موقت فإنه نكاح متعة، وهو فاسد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّمه، وكان في الأول مباحًا، ثم ثبت تحريمه إلى يوم القيامة، كما في حديث سبرة بن معبد الجهني أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطب، وقال:«إِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (3)، وهذا الحديث يدل على أنه لا يمكن نسخه؛ أي نسخ التحريم، وجهه أنه قال:«إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» معناه أنه لا يمكن أن يدخله النسخ، وهذا هو الحق، فنكاح المتعة حرام، ولا تحل به الزوجة، ومن جامعها فيه فقد جامعها جماعًا محرمًا كالزنا؛ لأن حقيقة نكاح المتعة استئجار المرأة للاستمتاع بها في وقتٍ معلوم، هذا نكاح المتعة، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة.

وذهبت الرافضة إلى حل نكاح المتعة، وقالوا: يجوز للرجل أن يتزوج ويشترط مدة معينة، وعلى هذا فالمهر يختلف أو لا يختلف؟

طلبة: يختلف.

الشيخ: إذا كانت المدة أسبوعًا فالمهر سبعون ريالًا، وإذا كانت المدة أربعة عشر يومًا المهر مئة وأربعون ريالًا، أجرة تمامًا بالضبط، فهو في الحقيقة استئجارٌ على زنا، والعياذ بالله.

ثم هو منافٍ للمقصود من النكاح، المقصود من النكاح البقاء والمودة والاستمرار بين الزوجين. ثم هو سببٌ لاختلاط الأنساب.

إذا تزوجها لمدة أسبوع وطلقها، ما نقول: طلقها، انتهى العقد؛ لأن ما فيه تطليق، المتعة ما فيها تطليق، مدة معينة تبتدئ من .. إلى، وإذا وصلت الغاية انفسخ النكاح تلقائيًّا بدون اختيار، يجيء إنسان آخر يقول: أبغي أتزوجها، يا رجل فيه عدة انتظر، يقول: ما أنتم؟ هذا الرجل يمكن ما جامعها، يمكن لم يجامعها، ربما يزوج، وتكون حملت من الأول وهي لا تشعر، ثم يأتي الثاني فيسقي ماءه زرع غيره. فالمهم أن مفاسدها كثيرةٌ كثيرةٌ. هذا بقطع النظر عن ثبوت السنة بتحريمه.

ص: 2740

فإن نوى ذلك بلا شرط؛ يعني نوى بنفسه أنه يتزوجها لمدة شهر ما دام في هذا البلد ثم يطلقها، فالمذهب لا يجوز، المذهب أن هذا حرام؛ لأنه إن أضمر في نفسه دون بيان فهو غشٌ وخداع للزوجة وأهلها، وإن أبداه وأظهره صار متعة.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (2). وهذا لم ينوها زوجة وإنما نواها متعة.

ولأن من نوى التحليل -كما سبق قبل قليل- فنكاحه غير صحيح؛ لأن الأعمال بالنيات، فكذلك من نوى المتعة فنكاحه غير صحيح.

ولكن لو قيل: إن النكاح صحيح لكن يأثم لأنه غش لكان له وجه.

يعني لو أن أحدًا أقدم على هذا، ولا أخبر الزوجة ولا أولياءها بذلك، لكن لما دخل عليها رغب، وقال: تبقى؛ فعلى المذهب نقول: النكاح غير صحيح ويجب التفريق، وعلى ما نراه يكون النكاح صحيحًا، ويتوب إلى الله تعالى مما أضمر، لكننا لا نشجع على هذا الشيء؛ لأنه حرام في الأصل.

ثم إن بعض الناس بدأ -والعياذ بالله- يستغل هذا القول بزنا صريحٍ، صار بعض الناس الذين لا يخافون الله ولا يتقونه يذهبون إلى الخارج لأجل أن يتزوج ما هو لغرض؛ يعني: ليس غريبًا في البلد يطلب الرزق ويطلب العلم وخاف من الفتنة فتزوج، لا هو نفسه يروح لأجل يتزوج، ويقول: النكاح بنية الطلاق جائز، وقد سمعنا هذا من بعض الناس، الآن يذهبون إلى بلاد معينة معروفة -والعياذ بالله- بالفجور، يقول: بأذهب وقت العطلة أتنزه وأشوف الناس وأتزوج، حتى بعضهم يقول: يتزوج أكثر من عشر نساء في مدة عشرين يومًا؛ لأنهم لا يخافون الله، ولا يراعون العدة ولا شيء، أو يقول: طلقتك بالثلاثة، والثلاث بائنة، والبائن كالمعدوم، يصير فقيهًا ما شاء الله عند هواه، من أفقه الفقهاء! هذا أيضًا حرامٌ لا يجوز.

ص: 2741

ولذلك يجب أن نقول: إن هذا حرامٌ ممنوع، حتى ولو كان من الوجهة النظرية مباحًا، فهو من الوجهة التربوية يجب أن يكون ممنوعًا؛ لأنه صار وسيلة للفسوق والفجور، نسأل الله العافية.

طالب: شيخ -بارك الله فيكم- إذا قال قائل: كيف اشتراط الزوجة عدم زواج الزوج بعدها؛ يعني أن يتزوجها (

).

الشيخ: ألَّا يتزوج عليها.

الطالب: ألَّا يتزوج عليها، إذا قال: كيف هذا وقد يترتب عليه مفاسد؟

الشيخ: أيش المفاسد؟

الطالب: أن كل زوج الآن زوجاته يمكن يعلمن أن يشترطن، فكلهن يشترطن (

).

الشيخ: إذا اشترطت المرأة ألَّا يتزوج عليها، هل هو مجبر أن يقبل الشرط؟

الطالب: يعني ما فيه دليل .. ؟

الشيخ: ما في بنات آدم إلا هذه المرأة؟ أبدًا، إذا لم يكن في البلد إلا هذه المرأة فنعطيك فتوى (

) تُمنع. على كل حال، يقال: الحق للزوج؛ إن شاء وافق، وإن شاء لم يوافق.

طالب: لو شرطت عدم طلاق نفسها، ألَّا يتزوج عليها وعدم طلاقها؟

الشيخ: ما يصح الشرط الثاني، لا يصح ألَّا يطلقها.

الطالب: لماذا (

الشيخ: لا، ما هو من حق الزوجة، هذا أثبته الله للزوج، وهذا يمنع ما أحل الله.

طالب: ذكرتم في الدرس السابق أن (

)

الشيخ: لا، ما قلنا هكذا، قلنا: قد يجوز الاستدامة دون الابتداء، يعني عكس ما قلت، الاستدامة تجوز دون الابتداء، وهذا له نظائر، صحح اللي أنت كاتبه، ويش أنت كاتب؟

الطالب: إذا ما منع الابتداء منع الاستدامة.

الشيخ: لا، ما هو صحيح، أليس الطيب للمحرم يجوز استدامته؟

الطالب: نعم.

الشيخ: وابتداؤه لا يجوز، مراجعة المطلقة في الإحرام جائز وابتداء النكاح ليس بجائز.

طالب: شيخ -بارك الله فيكم- من أدلة المذهب على أن هذا النكاح لا يجوز ..

الشيخ: أي نكاح؟

الطالب: نكاح من نوى الطلاق من غدٍ، لا يصح، النية، وقاسوها على من نوى التحليل، فكيف نرد على هذا القياس، مع أنه قد يقول: إن هذا قياس جلي؟

ص: 2742

الشيخ: نعم صحيح، هو قياس جلي، لكن الفرق أن التحليل أصله إذا نوى التحليل لم ينعقد النكاح، وهذا نقول: لأنه ربما يرغب وتبقى معه، فهو لا يتعلق بالغيب، مع أنه في الحقيقة فرقٌ ضعيف، لكن أنا اللي أراه في هذه المسألة أن النكاح صحيح، لكنه حرام من أجل الغش، أما من ناحية الروية فأرى منعه، وأن من علم أنه تزوج من أجل أن يطلق يجب أن يؤدب، ويجب أن يفرق بينه وبين زوجته؛ لئلا ينفتح باب الزنا، الآن -نسأل الله العافية- انفتح باب الزنا، وهذا الكتاب الذي ألفه الشيخ صالح منصور في النكاح بنية الطلاق فيه أدلة قوية على أنه ممنوع.

طالب: هل تكون الفتوى خاصة بمن يدرس ويخشى على نفسه الفتنة، ولَّا على القول الثاني نمنع مطلقًا؟

الشيخ: لا، أنا أرى منعه مطلقًا، حتى الذي يخشى على نفسه الفتنة نرى أن نقول: تزوج بنية أنها زوجتك، وإذا لم ترغب فيما بعد طلق.

طالب: صار لي إشكال (

).

الشيخ: وهو؟

الطالب: قلتم يا شيخ: إن هذه منع لما أحل الله، إذا شرطت ألَّا يتزوج في نفس (

) منع لما أحل الله.

الشيخ: لا؛ لأن هذا يتعلق بالغيب، يعني بخلوه من الزوجة الأخرى، أما هذا بإلزامه ما لم يلتزم، لأن كونها ما تطلق، ماذا يصنع؟ تبقى معه أبد الآبدين، وهي امرأة شوهاء بذيئة اللسان، مشكل.

طالب: (

) إنه إلزام بما لا يلزم؟

الشيخ: إي، أقول: هذا إلزام بما أحله الله له؛ يعني الله أحل لك أن تطلق، ثم في إلزامه ألَّا يطلق مشقة عظيمة.

النهاية أيضًا يقول: أنا ما موفٍ بهذا الشرط، ألَّا أوفي بهذا الشرط وبأطلقك، ويش تلزميني بعد؟

طالب:

بارك الله فيك، قلنا: إن اشتراط المرأة طلاق ضرتها لا يجوز، وهذا صحيح، هل لو اشترطت (

) وهو يعلم بطلانه؛ من أجل يمسكها، أمسكها فقالت: طلقني، فيقول: لا، هل يلزمه الشرع؟

الشيخ: طلقها؟

الطالب: إي نعم، طلقها وطلقني.

الشيخ: على القول الصحيح ما يلزم.

الطالب: (

الشيخ: على القول الصحيح ما يلزمه أصلًا،

ص: 2743

نقول: هو ما يمكن يطلق، ترغبين تبقين، ولا افسخ العقد.

الطالب: له -يا شيخ- أن يخدعها؟

الشيخ: لا، الخداع ما يجوز أصلًا، إذا قالوا: بشرط أنك تطلق زوجك، يقول: هذا شرط لا يصح، ولا يمكن أن أقدم على هذا الشرط، ونكاحٌ فيه شرط باطل ما فيه خير.

طالب: يا شيخ، اشتراط الزوجة عدم التسري وعدم التزوج عليها ألا يخالف الكتاب والسنة؟

الشيخ: لا، ما يخالف.

الطالب: الكتاب -يا شيخ- أحل الله أن يعدد.

الشيخ: إي، لكن كل الشروط التي تنافي مطلق العقد؛ كلها إما فيها منع أو تحليل، حتى شروط البيع، كل الشروط التي في العقود فإنها لا بد أن تحدد العقد الذي أطلقه الله، هذا لا بد منه، وهذا الآن هو حقه أن يتزوج، لكن قال: أنا لن أتزوج، طيب أسقط حقه، ولا فيه ضرر على الغير مثل شرط طلاق الضرة، ما فيه ضرر على الغير.

طالب: لو قدر أن المحلل بعدما عقد على المرأة، نكاحه فاسد أصلًا، وإذا حملت في هذه المدة؛ يعني لو قُدِّر أن المرأة حملت، الولد يرجع إلى من؟

الشيخ: إن كان يعلم أن النكاح باطل وأقدم عليه فهو ولد زنا، حكمه حكم أولاد الزنا، وإن كان لا يعلم فهو له؛ لأنه وُلِد بشبهة، هذه القاعدة كل الأنكحة اللي يعلم الإنسان بطلانها فالولد ليس له، ولد زنا، وجماعه إياها جماع زنا.

طالب: لو دخل رجل بين الزوج وزوجته؛ محلل خارجي بدون علمهما، ثم طلقها، هل نقول: تحل للزوج الآخر؟

الشيخ: لا، ما تحل، إذا علمنا أنه محلل لا تحل، لكن إذا كانا لا يعلمان سَلِمَا من اللعن، لعن المحلِّل والمحلَّل له (1).

الطالب: إذا علم بعد فترة، هل يفرق بينهما؟

الشيخ: يفرق بينهما.

طالب: شيخ -أحسن الله إليك- إذا كان الرجل تزوج بامرأة وهو لا يريد ينجب معها أولاد، وبعد فترة أرادت هي أن يكون لها أولاد، هل يصح أنها تفسخ؟

ص: 2744

الشيخ: إي نعم، يحرم على الزوج أن يعزل عن المرأة إلا بإذنها؛ لأن لها حقًّا في الأولاد، فإذا تبين أن الرجل عقيم؛ فإن شرطت أنه ليس بعقيم في العقد فلها الفسخ، وإن لم تشترط فللعلماء في ذلك قولان، والصحيح أن لها أن تفسخ إذا تبين أنه عقيم.

طالب: إذا اشترطت المرأة أن يكون الطلاق بيدها هل يفسخ العقد؟

الشيخ: ألم تعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ» (4)؟ وهل يمكن أن أجعل عقدة النكاح الذي هو من أشرف العقود وأعظمها خطرًا بيد امرأة ناقصة؟ !

الطالب: (

).

الشيخ: سبحان الله! أبشر بأنها إذا خرجت للسوق ووجدت هذا الشاب الجميل المملوء شبابًا، وأنت لك خمسة وأربعون سنة قالت: شوف طالق بالطلاق الثلاث بائن بينونة الأرض من السماء، والله ما يجوز أبدًا، لكن يجوز الخيار؛ شرط الخيار لغرض مقصود، مثل أن تقول: إن طاب لي المسكن فالنكاح باقٍ، وإلا فلي الخيار، ثم تبين أن المسكن غير طيب؛ إما لسوء العشرة مع والدي الزوج، أو مع إخوانه، أو إن الزوج رجل شحيح، فهذه لها خيار، الخيار واضح لها غرض، أما مجرد لي أن أطلقك، هذا ما يصير، إنما الطلاق لمن أخذ بالساق، والطلاق بيد الرجال، ولا يمكن أن نجعله بيد النساء، النساء في الحقيقة ناقصات عقل ودين؛ يمكن لو ترى رجلًا شابًّا أحسن من زوجها وأجمل تركته، ويمكن أيضًا لو يتزوج امرأة طلقته، تأخذها الغيرة على طول طلق، وفي هذا الحال من عليه العدة؟ العدة على من؟ المطلِّق ولا المطلَّق؟ !

الطالب: ولكن هل للزوج أن يعطي امرأته طلاقها؟

الشيخ: يوكلها في الطلاق لا بأس.

الطالب: يعني يوكلها في الوقت؛ يعني إذا أرادت الطلاق أن تطلق نفسها؟

الشيخ: ما فيه بأس؛ لأن هذا بيده إذا شاء لم يوكل.

طالب: شيخ، غير موجود عندنا هذه.

طالب آخر: لو قيل هذا حق للزوج وتنازل عنه؟

ص: 2745

الشيخ: ما يصح هذا -بارك الله فيك- أولًا: حق للزوج إذا تم العقد، فإن ألحق بعد العقد لم يلحق، وإن قارن العقد فليس حقًّا له؛ لأنه لم يتزوج، والله يقول:{إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49].

الطالب: أقول: هذا غير موجود عندنا.

الشيخ: الحمد لله، كيف وجد هذا؟ !

الطالب: هذا من بحري، وإحنا من قبلي.

الشيخ: صحيح وبينهما فرق؟

الطالب: إي نعم، الصعايدة ما عندهم الكلام هذا.

طالب آخر: (

).

الشيخ: والله مشكل والله غرائب! تدرون ويش السبب في هذا؟ السبب هو محاولة أن تكون المرأة كالرجل، وبعدين يخلي عقد النكاح بيدها، تخطب الرجل وتقول له: زوجتك نفسي، أو هو يقول: زوجتُ نفسِي إياكِ. على كل حال هذا نظر للفكرة الغربية؛ أن تكون المرأة مساوية للرجل في الحقوق، وهذا جهل منافٍ للفطرة والطبيعة التي خلق الله عليها المرأة، المرأة ناقصة في كل شيء، وانظروها في البيوت الآن كيف نقصانه، الآن النساء نضرب مثلًا بسيطًا: إذا خرجت موضة في الصباح في اللباس على شكل معين اشترته، في العصر جاء موضة أخرى اشترته، في الصباح هات، تملأ البيوت من الثياب، ما يمكن أبدًا.

***

الطالب: (

) والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، يقول المؤلف رحمه الله تعالى:

وإن شرط أن لا مهر لها، أو لا نفقة، أو أن يَقسم لها أقل من ضَرتها أو أكثر، أو شرط فيه خيارًا، أو أن جاء بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما؛ بطل الشرط، وصح النكاح.

وإن شرطها مسْلِمةً فبانت كتابيةً، أو شرطها بكرًا، أو جميلةً، أو نسيبةً، أو نفيَ عيبٍ لا ينفسخ به النكاح، فبانت بخلافه؛ فله الفسخ.

وإن عتقت تحت حرٍّ فلا خيار لها، بل تحت عبدٍ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

سبق أن للنكاح شروطًا، وله شروط فيه، وأن الفرق بينهما من وجهين أو ثلاثة، الفرق الأول؟

ص: 2746

طالب: الفرق الأول: شروط النكاح أن تكون في صلب العقد، الشروط في النكاح قد نقول: يتوقف عليها صحة العقد، وشروط في النكاح لا يتوقف عليها صحة العقد.

الشيخ: يعني شروط النكاح يتوقف عليها صحة العقد، والشروط في النكاح يترتب عليها لزوم العقد. واضح الفرق هذا؟ يعني معنى شروط النكاح إذا فُقِد شرطٌ منها بطل النكاح.

الشروط في النكاح إذا فُقِد شرط منها فالنكاح بحاله صحيح، لكن يتوقف عليه لزوم النكاح؛ بمعنى أن الذي شُرِط له هذا الشرط إن شاء أبقى النكاح، وإن شاء فسخ النكاح.

مثال ذلك: شرطت المرأة على زوجها أن يسكنها في فيلا بدل شقة، هذا شرط نكاح ولَّا شرط في النكاح؟

طلبة: في النكاح.

الشيخ: في النكاح، الرجل تزوجها ودخل بها ولكنه لم يسكنها في فيلا، فهل نقول: بطل النكاح؟ لا. لكن نقول: يتوقف عليه لزوم النكاح، الآن للمرأة الخيار؛ إن شاءت بقيت معه، وإن شاءت فسخت العقد. هذا واحد.

الفرق الثاني؟

طالب: شروط النكاح من وضع الشارع والشروط في النكاح من وضع العاقدين أو من يقوم مقامهما.

الشيخ: نعم، شروط النكاح من وضع الشارع بمعنى أن الله وضع هذه الشروط؛ إما في الكتاب والسنة. والشروط في النكاح من وضع المتعاقدين أو أحدهما؛ يعني لولا أنهما شرطا ذلك ما صار شرطًا.

طالب: شروط النكاح لا يجوز إسقاطها، والشروط في النكاح يجوز.

الشيخ: نعم، شروط النكاح لا يمكن إغفالها وإسقاطها، فلو قالت المرأة مثلًا: أنا أريد أن أزوج نفسي، أنا راضية بالزوج ولا حاجة أن والدي يعقد النكاح، قلنا: لا يمكن هذا؛ لأن الولي شرط شرطه الشارع لا بد من وجوده.

الشروط في النكاح يجوز إسقاطها ممن هي له، فيجوز للزوجة في المثال الذي ذكرنا قبل قليل أن تسقط الشرط التي شرطته على الزوج أن يسكنها في فيلا بدلًا من الشقة.

طالب: شروط النكاح أصلية ثابتة بخلاف الشروط في النكاح فهي طارئة.

ص: 2747

الشيخ: يعني الشروط في النكاح لا تثبت إلا بشرط، وشروط النكاح ثابتة ولو بدون شرط؛ يعني -فمثلًا- لو خطب امرأة، لا نقول: إنه لا يزوجها وليها إن شرطت ذلك، بل نقول: لا يزوجها إلا وليها، شرطت أم لم تشترط.

طالب: شروط النكاح هي الصحيحة، والشروط في النكاح قد تكون صحيحة، وقد تكون باطلة.

الشيخ: نعم، شروط النكاح كلها صحيحة معتبرة؛ لأنها من وضع الشارع.

الشروط في النكاح بعضها صحيح وبعضها فاسد.

فيه شروط لو شرطها العاقد ما تصح، هذه الفروق واضحة.

الشروط في النكاح تنقسم إلى ثلاثة أقسام: صحيحة، وفاسدة مفسدة للعقد، وفاسدة غير مفسدة للعقد. الأقسام كم؟ ثلاثة: صحيحة، فاسدة مفسدة للعقد، فاسدة غير مفسدة للعقد.

ثم الصحيحة، هل يجب الوفاء بها، أو الوفاء بها سنة؟

في ذلك خلاف بين العلماء؛ منهم من قال: الوفاء بها سنة؛ لأن الشارط له أن يفسخ العقد إذا لم توف له.

ومنهم من قال: إن الوفاء بها واجب. وهذا هو الصحيح أن الوفاء بها واجب؛ لعموم قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وقول الله تعالى:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ؛ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» (5)، فإذا كان الشروط في البيع يجب الوفاء بها فالشروط في النكاح من باب أولى، وهذا هو الصحيح.

مثال ذلك: اشترطت المرأة على زوجها ألَّا يتزوج عليها، فقَبِلَ، وعقد النكاح على ألَّا يتزوج عليها، فهل نقول الآن: أنت أيها الزوج يسن لك ألَّا تتزوج على هذه المرأة، أو نقول: يجب ألَّا تتزوج على هذه المرأة؟ الصحيح الثاني؛ أن نقول: يجب.

ص: 2748

فإذا قال: أنا إذا تزوجت فلها الخيار، قلنا: لكن أنت الآن تجبرها إجبارًا على هذا، هي لا تريد أن تفارقك، هي ترغب أن تبقى معك، فكيف تقول: أنا لا أجبرها على البقاء، لكن هي تريد أن تبقى، لا تريد أن تبقى معك عشرة أيام ثم تطلقها أمام الناس وقد أفسدت بكارتها وأسقطت رغبة الناس فيها.

فالصواب أن الوفاء بالشروط في النكاح واجب، وقد ذكرنا لوجوبه دليلين من القرآن ودليلًا من السنة.

سبق الكلام على جملة من الشروط في النكاح، وبقي جملة.

قال المؤلف رحمه الله: (وإن شرط أن لا مهر لها بطل الشرط وصح النكاح)

كذا عندكم: (وإن شرط أن لا مهر لها بطل الشرط وصح النكاح).

(

) قوله: (بطل الشرط وصح النكاح) جواب لكل الجمل الشرطية السابقة، وإذا كان جوابًا لكل جملة صار مقدرًا بعد كل جملة.

إذن إذا شرط أن لا مهر لها بطل الشرط وصح النكاح.

امرأة -مثلًا- خطبت رجلًا من الناس، ترغب أن تتزوج به فعرضت نفسها عليه، فقال لها: أقبل هذا، لكن بشرط أن لا مهر عليَّ، قالت: نعم، لا مهر عليك، فتزوجها بشرط أن لا مهر لها، وتم العقد.

يقول المؤلف: (بطل الشرط وصح النكاح) ومقتضى هذا أنه يلزمه المهر والنكاح صحيح؛ لأن معنى (بطل الشرط) ما هو الشرط هنا؟ أن لا مهر لها، نقول: هذا بطل، بل لها مهر، والنكاح صحيح.

ما هو المهر؟

المهر قال العلماء: مهر المثل؛ لأن النكاح أوسع من البيع، البيع لا يصح البيع بثمن المثل، لكن النكاح يصح، فنقول: صح النكاح ولها مهر المثل، المرأة هذه امرأة ذات حسب وجاه وسلطة؛ امرأة أمير كبير، بنت رجل كبير، بنت أمير كبير، مهر مثلها في العادة مئة ألف، فماذا يكون الأمر؟ يلزم هذا الزوج المسكين الذي تزوج بدون مهر يلزمه مئة ألف، نقول الآن: النكاح صح، وعليك مئة ألف، قال: يا جماعة أن ما أسوق ولا عشرة ريالات، قلنا: يلزمك مهر المثل؛ لأنك أنت طمَّاع تريد امرأة بلا شيء، ولَّا هذا غير حاصل؟ والمرأة هذه قيمتها رفيعة، أيش نعمل؟

ص: 2749

طالب: يدفع.

الشيخ: يدفع، وإذا أبى حُبِس، إذا كان يستطيع أن يسدد يُحبَس حتى يسدد، وإن كان فقيرًا يبقى في ذمته، المهم أنه يصح العقد، وعليه مهر المثل.

لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن العقد غير صحيح، ولا يحل له أن يستبيح هذه المرأة؛ لأن الله اشترط للحل أن يكون بمهرٍ، فقال الله تعال:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24]، لا أن تبتغوا مجانًا، وعلى هذا فنقول: العقد غير صحيح، وفي أمان الله، ما تحل لك المرأة، أيهما أهون عليه؟

طلبة: الثاني.

الشيخ: الثاني أهون، ما لم يكن قد جامعها، فإن كان قد جامعها فعليه مهر المثل، ويُفَرَّق بينهما.

لكن الثاني أهون إذا لم يكن جامعها؛ مثل أن يكون دخل عليها وباشرها واستمتع بها لكن بدون جماع، فنقول حينئذٍ: ليس عليك مهر، ولكن نكاحك غير صحيح.

كلام شيخ الإسلام رحمه الله أقرب إلى الصواب؛ لأن الله اشترط للحل أن نطلب ذلك بأموالنا، وما كان شرطًا في عقدٍ فإن العقد لا يصح بدونه.

شرط أن لا نفقة لها؛ يعني امرأة خطبت رجلًا ليتزوجها، قال: نعم، ولكن أنا فقير، شرط ما عليَّ نفقة، قال: لا نفقة عليك، واتفقوا على هذا، المهر هل هو منفي في قولها: لا نفقة، أو لا؟ المهر ليس منفيًّا؛ لأنه ليس من النفقة، فنقول: العقد صحيح، ولها المهر المسمى، وليس لها نفقة، أو لا؟

طالب: لا.

الشيخ: العقد صحيح، والشرط باطل، نقول: أنفق.

الرجل قال: كيف أنفق وقد أسقطت عني النفقة؟ نقول: لأنها أسقطت عنك شيئًا مستقبلًا لم تقبضه، ومن أسقط شيئًا مستقبلًا لم يقبض فله الرجوع فيه، فلها أن ترجع وتطالب بالنفقة، فإذا قال: أنا ليس عندي شيء، ولها الخيار؛ إن شاءت فسخت العقد، وإن شاءت لم تفسخ.

نقول: هذا حق، الآن نقول للزوجة: أنت ترضين هذا الرجل بدون إنفاق لأنه فقير، فابقي معه، تريدين فسخ النكاح فلك ذلك.

ص: 2750

إذا شرط أن يقسم لها أقل من ضرتها أو أكثر؛ يعني رجل تزوج امرأة على امرأة سابقة، وهي الضرة، وسميت ضَرة لكثرة المضارة بينها وبين الزوجة الأخرى في الغالب، هو لما خطب هذه المرأة، قالت: أنت رجل معك زوجة، والزوجة كبيرة السن، وأنا أقبل هذا، بشرط أن تقسم لي يومين ولها يومًا واحدًا. ما تقول في هذا الشرط؟

طالب: مثلما قال؛ يعني الشرط باطل.

الشيخ: العقد صحيح والشرط باطل، لماذا؟ لأن في هذا إضرارًا بالزوجة الأولى، وإسقاطًا لحقها، وهذه الزوجة الثانية لا تملك إسقاط حق الزوجة الأولى، صحيح يا جماعة ولَّا لا؟

طلبة: صحيح.

الشيخ: إذا قالت: اقسم لي يومين ولها يومًا واحدًا، هذا ضرر على المرأة الأولى؛ لأن حق المرأة الأولى أن يقسم لها يومًا وللثانية يومًا، فالشرط هنا غير صحيح، والنكاح صحيح.

إذا شرطت أن يقسم لها أقل من ضرتها؟

طلبة: صحيح.

الشيخ: يعني قالت: اقسم لي يومًا ولضرتي يومين.

طالب: صحيح الشرط.

الشيخ: لا، غير صحيح، النكاح صحيح، والشرط باطل.

لكن هل تتوقعون أن هذا الشرط يقع من المرأة؟ نعم يمكن، تكون المرأة الثانية مدرسة أو ذات عمل، وتقول: لا أريد أن تأتي لي يومين أو يومًا، أريد أن تأتي يومًا ولضرتي الأخرى يومين، أو تقول: لي يوم، ولها ستة أيام، اليوم يوم الخميس مثلًا، والجمعة إجازة، والباقي للمرأة الأولى، فقال: ما فيه مانع، ما حكم النكاح؟

طلبة: صحيح.

الشيخ: والشرط؟

طلبة: باطل.

الشيخ: على كلام المؤلف باطل.

لماذا يكون باطلًا؟

ص: 2751

نقول: فيما إذا اشترطت أن يقسم لها أكثر من ضرتها بطلان الشرط واضح، ما وضوحه؟ لأنه عدوان على حق الزوجة الثانية، لكن إذا اشترطت أن يقسم لها أقل من ضرتها، فما المحظور؟ قالوا: لأن في ذلك إسقاطًا لحق الزوج؛ لأن من حق الزوج أن يقسم لامرأة يومًا ولامرأة أخرى يومًا آخر، وهذا إسقاط لحقه، والجواب عن هذا أن يقال: نعم، هو إسقاط لحق الزوج، ولكن برضاه واختياره، وما المانع؟ ولهذا كان الصواب أنها إذا اشترطت أن يقسم لها أقل من ضرتها ورضي بذلك فالشرط صحيح.

يقول رحمه الله: (أو شرطت فيه خياراً صح العقد وبطل الشرط) كيف شرطت فيه خياراً؟

قالت: نعم بأشترط عليك أن لي الخيار لمدة ثلاثة أيام، هذا الشرط باطل، لكنه لا يبطل العقد، وليس كالمتعة؛ المتعة إذا حدد النكاح ثلاثة أيام أربعة بطل العقد، أليس كذلك؟ لكن هذا لم تحدد المدة، هذا شرط الخيار، وجائز أن تختار البقاء، وأن تختار الفسخ. والمتعة فيها خيار بين هذا وهذا؟

طلبة: لا.

الشيخ: تعرفون المتعة -يا جماعة- هي النكاح الموقت، لكن هنا النكاح غير موقت، الموقت فسخه، وفرقٌ بين كونه موقت فسخه، بمعنى أن الإنسان إن شاء فسخ، وإذا شاء لم يفسخ، وبين كونه موقتًا محددًا لا يتعدى هذا الوقت.

إذن إذا شرطت قالت: لي الخيار ثلاثة أيام، وهي امرأة ذكية، قالت: ثلاثة أيام، يمكنني أن أعرف فيها هذا الرجل، ومدى عقليته ومدى معاملته، فبأشترط بالخيار، فقال: نعم، أهلًا وسهلًا، الرجل مشفق على تزوج هذه المرأة وحريص، نقول: يصح العقد ويبطل الشرط؛ لأن النكاح عقدٌ لازم، والذي بيده الخيار هو الزوج، وإذا شرطت المرأة الخيار صار الخيار بيد من؟

طلبة: الزوجة.

الشيخ: ومثل ذلك لو قالت: أنا أقبل النكاح، لكن لي الخيار بين إمضاء العقد وفسخه إذا عرفت أهلك وجالستهم؛ إن استمرت الحال على ما ينبغي فالنكاح بحاله، وإن وجدت ما يكدرني فلي الفسخ، فقال: ما فيه مانع، فهنا يصح العقد، ولا يصح الشرط.

ص: 2752

والصحيح أن العقد والشرط كلاهما صحيح؛ لأنه إذا صح شرط الخيار في البيع فشرطه في النكاح من باب أولى، لا سيما إذا كان هناك غرضٌ مقصود، وشرط المرأة الخيار لا شك أن لها فيه غرضًا مقصودًا.

ففي الأول الذي قلنا: إنها اشترطت الخيار لمدة ثلاثة أيام تستفيد بهذه المدة الاطلاع على حال الرجل ومعرفة أخلاقه ومعرفة قدرته على حق المرأة، فهذا مقصود شرعي.

وفي المسألة الثانية لها أيضًا الغرض الشرعي؛ وهو أن تعرف حال أهله وكيف يعاملونها؛ لأن بعض الناس يكون أهله شرًّا على زوجته.

إذن القول الثاني أن شرط الخيار فيه صحيح، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ أنه يجوز شرط الخيار في النكاح؛ لأن فيه غرضًا مقصودًا.

يقول: (أو إن جاء بالمهر في وقت كذا، وإلا فلا نكاح بينهما؛ بطل الشرط وصح النكاح).

رجل ليس عنده مهر، فقالت له: أنا أقبل النكاح لكن بشرط إن جئت بالمهر في خلال ستة أشهر، وإلا فلا نكاح بيننا، يقول المؤلف: النكاح صحيح والشرط غير صحيح.

دخل على هذا الشرط فمضت الستة أشهر ولم يأت بالمهر، فهل لها خيار؟ أجيبوا على كلام المؤلف.

طلبة: ليس لها الخيار، على كلام المؤلف.

الشيخ: الشرط باطل، فليس لها الخيار.

ولكن الصحيح في هذه المسألة أن لها الخيار؛ لأن هذا شرطٌ مقصود فلها الخيار، إن شاءت بقيت معه متى جاء بالمهر جاء به، وإن شاءت فسخت؛ لأنها اشترطت شيئًا لها فيه غرضٌ صحيح، والمسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرمًا أو حرم حلالًا. (وإلا فلا نكاح بينهما بطل الشرط وصح النكاح).

إذن ما هي المسائل التي اخترنا فيها خلاف ما قال المؤلف؟

أولًا: إذا شرطت أن يقسم لها أقل من ضرتها.

والثاني: إذا شرطت الخيار.

والثالث: إن شرطت إن جاء بالمال في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما.

والرابع: إن شرطت أن لا مهر لها، بينَّا أن الصحيح عدم صحة النكاح.

وأن لا نفقة، إن شرطت أن لا نفقة لها، قلنا أيضًا: الشرط صحيح.

ص: 2753

وأما قول المؤلف: إن هذا شيء مستقبل، والمستقبل لا يمكن إسقاطه؛ لأنه يتجدد، نقول: هذا مستقبل، ولكنه حقٌ للمرأة وقد أسقطته، والمسلمون على شروطهم.

إذن الواقع أننا خالفناهم في كل المسائل، لكن منها ما قلنا: إن النكاح غير صحيح، ومنها ما قلنا: إن النكاح صحيح والشرط صحيح.

ثم قال: (وإن شرطها مسلمة فبانت كتابية) فله الخيار ولَّا لا؟ له الخيار؛ ولهذا قال: (فله الفسخ). إنسان تزوج امرأة على أنها مسلمة، ولكن لم يشترط أنها مسلمة، ولما دخل عليها وجد أن الصليب على صدرها، وأنها تقول: أشهد أن عيسى ابن الله، والله ثالث ثلاثة، فباغتته بهذا، رجل دخل على امرأته على أنها مسلمة، وإذا هي صليبية، له الخيار أو لا؟ ليس له الخيار، إلا إذا شرط أنها مسلمة؛ ولهذا قال المؤلف:(إن شرطها مسلمة) فدل هذا على أنه إذا لم يشرط أنها مسلمة فبانت يهودية أو نصرانية -أي صليبية أو صهيونية- فليس له الخيار. سبحان الله، غرائب هذه!

هذا قد يكون ليس غريبًا إذا كانت البلاد مختلطة بين اليهود والمسلمين والنصارى، لكن غريب إذا كان في بلاد إسلامية أكثر أهلها المسلمون، فنقول: اشتراط كونها مسلمة، وإن لم يكن باللسان فهو بالحال، فالصواب أن له الفسخ في هذه الحال، والفسخ -لاحظوا- أنه غير الطلاق؛ الفسخ يرجع بالمهر على من غرَّه، والطلاق بعد الدخول يستقر به المهر.

شرطها بكرًا، ولما دخل عليها وجدها ثيبًا، له الخيار أو لا؟

طلبة: نعم.

الشيخ: له الخيار، فيفسخ ويرجع بالمهر على من غرَّه، فإن لم يشترطها بكرًا ووجدها ثيبًا فليس له الخيار، حتى لو علم أن هذه البنت لم تتزوج من قبل ثم وجدها ثيبًا فلا خيار له؛ لأنه لم يشترط ذلك.

ص: 2754

المشكلة هذه إذا قال: لو كانت متزوجة أحب إليَّ من أن أجدها ثيبًا وهي لم تتزوج؛ لأن هذه الثيوبة من أين جاءت؟ من جماع، وقد يكون هذا الجماع محرمًا، وقد تكون المرأة مغتصبة، وقد تزول بكارتها بغير الجماع، لكن المهم أنه إذا لم يشترط أنها بكر فوجدها غير بكر فلا خيار له، إلا إذا شرط.

فإن قال قائل: أفلا تجرون الشرط العرفي كالشرط اللفظي؟ بمعنى أن كل أحد يعرف أن الإنسان إذا تزوج بنتًا لم يسبق أن تزوجت فهي بكر، ولا حاجة للإنسان أن يشترط على هذا؟

قلنا: هذا هو الواقع، لكن الآن بدأ الناس الذين يكتبون عقود النكاح، يذكرون البكر؛ تزوج فلان بن فلان البكر فلانة بنت فلان، فينصون على هذا. نقول: هذا فيه راحة؛ حتى لا يحصل خلاف بين الرجل وامرأته فيما لو وجدها غير بكر.

إذا شرطها جميلة ..

طالب: بالنسبة لمن شرط عدم المهر؛ فإن دخل بها فعليه مهر المثل ويفرق بينهما، وإن لم يدخل بها يفرق بينهما ولا شيء عليه؟

الشيخ: على القول الثاني أنه شرط للصحة.

طالب: شيخ، لِمَ لم نوجب عليه نصف مهر المثل؟

الشيخ: لأن العقد الفاسد لا يوجب شيئًا.

طالب: (

).

الشيخ: حفظ الزاد ما نخليها بالخيار. الآن ما فيه مقابل.

طالب: في تركتها يأخذ بدون مقابل؟

الشيخ: إي، هذا منفصل عنه، ما له دخل فيها، منفصل، ولهذا مالها مستقل، لو أراد الزوج أن ينتفع بمالها في حياتها يستطيع؟

طالب: ليس له ذلك.

طالب آخر: يا شيخ، لو قيل: إن هذا ليس من الأخلاق الإسلامية؟

الشيخ: هذا جعل -مثلًا- المروءة شيئًا؛ يعني لو قيل مثلًا: هذه امرأة لها خمسون سنة معك، وتكون النتيجة أنك تقول: أنا لا يمكن أن أجهزها، يعني ربما يقال: هذا بخلاف المروءة، لكن إذا كان رجل ليس له مروءة (

).

طالب: (

) الاستحباب -يا شيخ- على الأقل؟

ص: 2755

الشيخ: لا، دعنا من الاستحباب والوجوب؛ لأن المسألة يتعلق بها حق الورثة أيضًا، إذا قلنا بأنه يجب عليها أن يجهزها توفر المال للورثة، وإذا قلنا: من مالها نقص المال على الورثة، فالاستحباب شيء، والوجوب شيء آخر.

***

الطالب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، يقول المؤلف رحمه الله في باب الشروط في النكاح:

وإن شرطها مسلمة فبانت كتابية، أو شرطها بكرًا، أو جميلةً، أو نسيبةً، أو نفيَ عيبٍ لا ينفسخ به النكاح فبانت بخلافه؛ فله الفسخ.

وإن عتقت تحت حرٍّ فلا خيار لها، بل تحت عبد.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. سبق لنا أن الشروط في النكاح إلى؟

طالب: ثلاثة أقسام؛ صحيحة، وفاسدة مفسدة للعقد، وفاسدة غير مفسدة للعقد.

الشيخ: أحسنت.

والأصل في الشروط، هل هو الصحة ولَّا الفساد؟

طالب: الصحة.

الشيخ: الصحة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» (6)، فدل هذا على أن الأصل الصحة، وقال:«الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» (7).

اشترطت على زوجها أن يقسم لها أقل من ضرتها؟

طالب: على المذهب يجب أن يفرق (

).

الشيخ: الشرط باطل.

الطالب: الشرط باطل وإن اشترطت ..

الشيخ: قولك: على المذهب؛ يعني أن هناك خلافًا؟

الطالب: نعم.

الشيخ: ما هو؟

الطالب: القول الثاني أنه يصح.

الشيخ: القول الثاني أنه يصح؛ يعني يصح أن تشترط عليه أن يقسم لها أقل من ضرتها.

هل يمكن أن ترضى امرأة بأن يكون حقها أقل من ضرتها؟

طالب: نعم.

الشيخ: كيف ذلك؟

الطالب: بأن تكون مدرسة أو طبيبة (

) لها وقت.

الشيخ: أو عاملة مثلًا.

الطالب: أو عاملة مثلًا.

الشيخ: تريد أن يتوفر لها الوقت.

رجل تزوج امرأة فتبين أنها ثيب، هل له الخيار في ذلك؟

طالب: تزوجها على أنها بكر؟

ص: 2756

الشيخ: إي، تزوجها على أنها بكر، ما سمع أن هذه المرأة تزوجت من قبل، ثم بانت ثيبًا؟

الطالب: له الخيار.

الشيخ: له الخيار؟

طالب: ليس له الخيار.

الشيخ: ليس له الخيار؟

طالب: إذا اشترط فله الخيار، وإذا لم يشترطه فليس له الخيار.

الشيخ: صح، إذا اشترط أنها بكر فله الخيار، وإن لم يشترط فليس له الخيار.

هل نحن ناقشنا المؤلف في هذا الرأي؟

طالب: ناقشنا قلنا: المشروط عرفًا كالمشروط لفظًا.

الشيخ: نعم، المشروط عرفًا كالمشرط لفظًا، والإنسان إذا خطب امرأة لم تتزوج من قبل فقد علم أنه أراد أن تكون بكرًا، وعلى هذا فله الخيار.

امرأة اشترطت على زوجها الخيار لمدة ثلاثة أيام؟

طالب: صح الشرط والعقد.

الشيخ: على كلام المؤلف؟

طالب: على كلام المؤلف بطل الشرط ويصح العقد.

الشيخ: على كلام المؤلف يبطل الشرط ويصح العقد؛ يعني معناه أنها إذا قالت: لي الخيار ثلاثة أيام فالشرط لاغٍ، ليس لها الخيار.

كلمة (على المذهب) تعني؟

طالب: ثلاثة.

الشيخ: ما هم؟

الطالب: (

).

الشيخ: لها أن تشترط الخيار.

الطالب: لها أن تشترط الخيار ثلاثة أيام؛ لأنها قد تريد أن تطلع على أخلاق الزوج وعلى (

).

الشيخ: من اختار هذا القول؟

الطالب: شيخ الإسلام.

الشيخ: نعم، أحسنت، بارك الله فيك، وهذا هو الحق، وهو الصحيح؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» (7).

***

بسم الله الرحمن الرحيم.

(أو جميلة) يعني: إذا شرط الزوج أن المرأة جميلة فبانت قبيحة فله الخيار.

فإذا قال قائل: أليس الزوج له أن يطلق ولو رآها جميلة؟

قلنا: بلى، له أن يطلق، لكن إذا قلنا: له الخيار فإنه يرجع بالمهر على من غره. هذا هو الفائدة.

الفائدة من قولنا: إن له الخيار أنه يرجع بالمهر على من غره، وليس الفائدة أنه يفارق الزوجة، هذا أمر بيده من الأصل.

ص: 2757

المهم هذا الرجل اشترط في الزوجة أن تكون جميلة، فلما دخل عليها وجدها غير جميلة، فنقول: له الخيار بين البقاء على النكاح، وبين الفسخ، ويرجع بالمهر على من غره.

فإذا قال قائل: ما هو الميزان لكونها جميلة أو غير جميلة؛ لأنه قد يكون جميلًا عند شخص، ما ليس جميلًا عند آخر، وكل طفلة عند أمها غزالة، فما هو الضابط؟

يقال: إذا تنازع الزوج والزوجة وأهلها -وهذا قد يكون غير وارد- لكن لو تنازعوا؛ قالت الزوجة: أنا جميلة، قال: الزوج: ما أنت جميلة، إلى من نرجع؟

طالب: الزوج.

الشيخ: لا، مشكلة، الزوج ربما يريد أن تكون حورية، الظاهر نرجع إلى نساء متزنات، نرجع إليهن، ومن ثم عرفنا أن الضرورة إلى رؤية الخاطب لمخطوبته الذي جاء الأمر به من الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه إذا رآها لم يبق له حجة؛ دخل على بصيرة.

إذا لم يشترط أنها جميلة، ثم تبين أنها قبيحة، فهل له الخيار؟

طلبة: لا.

الشيخ: لا، ما دام أنه لم يشترط فليس له الخيار؛ لأن الجمال أمرٌ زائدٌ على الأصل، فإذا لم يشترط فإنه لا يثبت له الخيار.

(أو نسيبة) نسيبة يعني: ذات نسب معروف، وهو ما يسمى عندنا بأيش؟ الناس الآن منهم من ينتسب إلى القبائل العربية المعروفة، هذا يسمى نسيبة، ومنهم من لا ينتسب إلى القبائل العربية المعروفة، هذا يسمى غير نسيبة، فهو اشترط أن تكون نسيبة، فتبين أنها ليست نسيبة، فله الخيار، وكذلك لو اشترط أن تكون من آل الرسول عليه الصلاة والسلام؛ من بني هاشم، فلم تكن، فله الخيار، ولكن هل ينبغي للإنسان أن يكون مقصوده هذا؟ نقول: نعم، قد يكون هذا من مقصوده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَدِينِهَا» (8)، والنسب لا شك أنه من الحسب.

ص: 2758

(أو نفي عيب لا ينفسخ به النكاح فبانت بخلافه فله الفسخ) شرط نفيَ عيبٍ لا ينفسخ به النكاح، وذلك أن العيوب نوعان: عيب ينفسخ به النكاح، وعيبٌ لا ينفسخ به النكاح.

مثال العيب الذي ينفسخ به النكاح أن يكون في المرأة -مثلًا- سلس بول، هذا ينفسخ به النكاح؛ بمعنى أن للزوج أن يفسخ العقد، ويرجع بالمهر على من غرَّه.

عيبٌ آخر لا ينفسخ به النكاح مثل: العمى؛ العمى عيب، لكن لا ينفسخ به النكاح، فلو تزوج امرأة ودخل عليها ووجد أنها عمياء، هل له الخيار؟ ليس له الخيار.

لماذا لم تقل عند العقد: وإنها ليست بعمياء؟ فإذا شرطت عند العقد أنها ليست بعمياء فقد شرط نفي عيبٍ لا ينفسخ به النكاح، فإذا وجدها عمياء فله الفسخ؛ لأن الشرط الذي اشترطه لم يوجد.

دخل على المرأة ووجدها صماء، لو ثار عند أذنها المدفع لم تسمعه، فهل ينفسخ النكاح؟ لا، إلا إذا اشترط أنها تسمع.

فتبين الآن أن العيوب تنقسم إلى قسمين: عيب يثبت به الفسخ، فهذا لا يحتاج نفيه إلى شرط. وعيبٌ آخر لا ينفسخ به النكاح، فهذا يحتاج -فسخ النكاح- إلى الشرط.

وأنا مثلت لكم بالعمى والصمم؛ لأن الواقع أن العمى والصمم من أشد العيوب المنفرة؛ يعني تصور على كلام المؤلف وعلى المذهب رحمهم الله يقول: لو وجدها عمياء، صماء، بكماء، زمنة، كبيرة في السن، فلا خيار له، ليش؟ لأن هذه العيوب لا ينفسخ بها النكاح، إلا إذا اشترط نفيها.

ومعلوم أن أحدًا لا يمكن أن يقول: إن هذا ليس بعيب، هل يتصور إنسان يتزوج امرأة، ثم يجدها تحمل بالزنبيل؟ ما يتصور إطلاقًا.

والعجب أنهم يقولون: لو وجد بها بخرًا -يعني: رائحة الفم الكريهة- فهذا عيبٌ ينفسخ به النكاح، ولو وجدها على الوصف الذي ذكرت قبل قليل فليس فيه عيب، وأيهما أولى أن يكون عيبًا؟ لا شك أن ما ذكرناه أولًا أولى بأن يكون عيبًا.

ص: 2759

المهم على كل حال، العيوب تنقسم إلى قسمين: عيبٌ يثبت بوجوده الفسخ، فهذا لا يُشْتَرط للفسخ نفيه. وعيبٌ لا يثبت به الفسخ، فهذا يُشْتَرط نفيه للفسخ، وإذا لم يَنْفِه فلا فسخ له.

كيف تمثل لقوله: (أو نفي عيب لا ينفسخ به النكاح)؟ أمثل بالعمى، الصمم، البكم، العرج، الأمثلة كثيرة.

(فبانت بخلافه فله الفسخ، وإن عتقت تحت حر فلا خيار لها، بل تحت عبد)

(إن عتقت) الضمير يعود على الزوجة، (تحت حر فلا خيار لها بل) إذا عتقت (تحت عبد).

وصورة المسألة أن تكون الزوجة مملوكة والزوج حرًّا، فأعتقها سيدُها فليس لها خيار، لماذا؟ لأنها الآن لما عتقت صارت حرة، ولكنها لم تكن بمنزلةٍ أعلى من الزوج؛ لأن الزوج حر، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خيَّر بريرة حين عتقت على زوجها، وقال:«اخْتَارِي؛ إِنْ شِئْتِ فَاسْتَمِرِّي مَعَهُ، وَإِنْ شِئْتِ فَانْفَسِخِي مِنْهُ» (9)، فاختارت الفسخ، وكانت تبغض زوجها مغيثًا، وكان زوجها مغيث يحبها حبًّا شديدًا حتى كان يتتبعها في أسواق المدينة، يريد منها ألَّا تفسخ، ولكنها أبت، فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع له عندها، فشفع له النبي عليه الصلاة والسلام، قال: ابقي مع زوجك، قالت: يا رسول الله، إن كنت تأمرني فسمعًا وطاعة، وإن كنت تشير عليَّ فلا رغبة لي فيه، وأصرت، المهم أنها خُيِّرت على زوجها حين عتقت؛ لأن زوجها كان مملوكًا حين ذاك، كما جاء في الحديث، وكان عبدًا أسود، لكن لو عتقت تحت حر فإنه لا خيار لها؛ لأنها صارت بمنزلته، ليست أعلى منه.

لكن قد يشكل عليكم كيف تكون أمة تحت حر؟ هل يجوز للحر أن يتزوج الأمة؟

نقول: يجوز بشروط ذكرها الله عز وجل في سورة النساء، فقال:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} إلى قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25].

ص: 2760

فإذا كان الإنسان يخشى العنت من عدم الزواج ولم يجد إلا أمة مملوكة فله أن يتزوجها، تزوجها هذا الحر، ثم أعتقها سيدها، فهل لها الخيار أو لا؟ ليس لها خيار؛ لأنها لم تتميز عليه بشيء، هذا هو المشهور من المذهب.

والذي عليه أكثر العلماء، وقال شيخ الإسلام: لها الخيار مطلقًا، حتى ولو كان زوجها حرًّا، وعلل ذلك بأنها الآن ملكت نفسها، كانت الأول رقيقة، وربما تكون خضعت لهذا الزواج؛ لأنها مملوكة لا تستطيع أن تمانع، فإذا عتقت ملكت نفسها، فيكون لها الخيار، حتى وإن كان زوجها حرًّا؛ لأنه ربما لا يكون لها رغبة فيه من الأصل.

وما ذهب إليه الشيخ رحمه الله أقرب إلى الصواب؛ أنها إذا عتقت ولو تحت حرٍّ فإن لها الخيار؛ لأنه ليس العلة في كون الخيار لها إذا عتقت تحت عبد أنها مساوية له، بل العلة العتق، وأنها ملكت نفسها، والآن لما عتقت ملكت نفسها، فلا فرق بين أن يكون زوجها حرًّا أو عبدًا.

طالب: (

الشيخ: (

) علشان إذا عضته ما تجرحه! منين لقيت هذا؟

الطالب: (

) سيارة أو ..

الشيخ: صحيح هذا ممكن، يمكن ألا يكون عندها سنون؛ إما لكبرها وإلا لحادث أصابها، لكن هل ترى هذا عيبًا بقطع النظر عن كلام المؤلف؟

طالب: نعم.

الشيخ: تراه عيبًا؟ لو أنها ركبت أسنان، قالت لزوجها: أنا أستطيع أن أركب أسنانًا الآن، فركبت.

طالب: ينظر.

الشيخ: ويش اللي ينظر؟

الطالب: إذا الزوجة راغبة ..

الشيخ: هو إذا رغب وإن لم يكن لها أسنان ما فيه إشكال.

لكن إذا قال: وإن ركبتي الأسنان أنا ما أريد النكاح، أريد أن أفسخ النكاح؟ نعم إذا قلنا: إنه اشترط أن يكون لها أسنان وتبين أنه لا أسنان لها فله الخيار لا شك؛ لأن الأسنان التركيبية هذه ليست مثل الأصلية.

طالب: ما هو الضابط في مسألة العيوب؟

الشيخ: سيأتينا إن شاء الله، المؤلف سيعقد لها فصلًا بعد هذا، ونتكلم عليه إن شاء الله.

ص: 2761

طالب: اختيار شيخ الإسلام رحمه الله أن لها الخيار مطلقًا، وقد قال الله عز وجل:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]، إذا قلنا بهذا فربما خالفنا ظاهر الآية؛ لأنه يكون لها الخيار في هذا؛ لأنه بيكون لها قوامة؟

الشيخ: ليس لها قوامة، أليس المرأة إذا اشترطت شروطًا على الزوج ولم يفِ بها، أليس لها الخيار؟

الطالب: نعم، لكن هذا خارج عن الأصل.

الشيخ: لا، هذا بالشرع.

الطالب: الأصل القوامة للرجل، وأخرجنا أنها إذا عتقت تحت عبد؛ لحديث بريرة (10).

الشيخ: ما يخالف، حديث بريرة، شيخ الإسلام يقول: إنه ما ثبت أنه عبد.

الطالب: في البخاري يا شيخ؟

الشيخ: إي، فيه خلاف، الألفاظ فيها خلاف.

الطالب: إذن نقول أنه ليس ..

الشيخ: لا، القول الراجح أن لها الخيار مطلقًا، والعلة أنها ملكت نفسها.

***

الطالب: (

) فلها الفسخ وإن ثبتت عنته بإقراره أو ببينة على إقراره أُجِّل سنة منذ تَحَاكُمِه ..

الشيخ: (منذ تُحَاكِمُه)؛ لأنه لو كان كما قلت: (تَحَاكُم) لزم التثنية؛ أي: منذ تحاكمهما؛ لأن التحاكم يكون بين اثنين.

الطالب: أُجِّل سنة منذ تحاكمه، فإن وطئ فيها، وإلا فلها الفسخ، وإن اعترفت أنه وطئها فليس بعنين، ولو قالت في وقت: رضيت به عنينا؛ سقط خيارها أبدًا.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فصل: ومن وجدت زوجها مجبوبًا) هذا من العيوب، والباب الذي سبق باب الشروط والعيوب في النكاح. و (العيوب) جمع عيب.

والعيب هل هو محدود أو معدود؟

عند الفقهاء أنه معدود، العيوب معدودة، والصحيح أن العيب محدود؛ وهو كل ما يمنع الاستمتاع أو كماله فهو عيب؛ لأن من أعظم مقصود النكاح الاستمتاع، قال الله تعالى:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24].

مما يمنع الاستمتاع ما ذكره بقوله: (ومن وجدت زوجها مجبوبًا) أي مقطوعًا ذكره ..

ص: 2762

مَن وَجَدَتْ زَوْجَها مَجبوبًا أو بَقِيَ له ما لا يَطَأُ به فلها الفَسْخُ، وإن ثَبَتَتْ عُنَّتُه بإقرارِه أو بِبَيِّنَةٍ على إقرارِه أُجِّلَ سنةً منذ تَحاكُمِه فإن وَطِئَ فيها وإلا فلها الفَسْخُ، وإن اعْتَرَفَتْ أنه وَطِئَها فليس بعِنِّينٍ، ولو قالتْ في وقتٍ: رَضِيتُ به عِنِّينًا سَقَطَ خِيارُها أَبَدًا.

(فصل)

والرَّتْقُ والقرنُ والْعَفَلُ والفَتْقُ واستطلاقُ بَوْلٍ ونَجْوٌ وقُروحٌ سَيَّالَةٌ في فَرْجٍ وباسُورٌ وناصورٌ وخِصاءٌ وسَلٌّ ووِجاءٌ وكونُ أحدِهما خُنْثَى واضحًا وجُنونٌ ولو ساعةً وبَرَصٌ وجُذامٌ يُثْبِتُ لكلِّ واحدٍ منهما الفَسْخَ، ولو حَدَثَ بعدَ العَقْدِ أو كان بالآخَرِ عَيبٌ مِثْلُه، ومَن رَضِيَ بالعيبِ أو وُجِدَتْ منه دَلالتُه مع عِلْمِه فلا خِيارَ له، ولا يَتِمُّ فَسْخُ أحدِهما إلا بِحَاكِمٍ، فإن كان قبلَ الدخولِ فلا مَهْرَ، وبعدَه لها الْمُسَمَّى، يَرْجِعُ به على الغارِّ إن وُجِدَ، والصغيرةُ والمجنونةُ والأَمَةُ لا تُزَوَّجُ واحدةٌ منهنَّ بِمَعِيبٍ، فإن رَضِيَت الكبيرةُ مَجبوبًا أو عِنِّينًا لم تُمْنَعْ، بل من مجنونٍ ومجذومٍ وأَبْرَصَ، ومتى عَلِمَت العيبَ أو حَدَثَ به لم يُجْبِرْها وَلِيُّها على الْفَسْخِ.

(بابُ نِكاحِ الكُفَّارِ)

حُكمُه كنِكاحِ المسلمينَ، ويُقَرُّونَ على فاسدِه إذا اعْتَقَدُوا صِحَّتَه في شَرْعِهم ولم يَرْتَفِعُوا إلينا،

هذا من العيوب، والباب اللي سبق: باب الشروط والعيوب في النكاح. والعيوب جمع (عيب)، والعيب هل هو محدود أو معدود؟ عند الفقهاء أنه معدود، العيوب معدودة. والصحيح أن العيب محدود؛ وهو كل ما يمنع الاستمتاع أو كماله فهو عيب؛ لأن من أعظم مقصود النكاح الاستمتاع، قال الله تعالى:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24].

مما يمنع الاستمتاع ما ذكره بقوله: (ومن وجدت زوجها مجبوبًا) أي مقطوعًا ذكره.

ص: 2763

تزوج امرأة فوجدت المرأة هذا الزوج مجبوبًا ليس له ذكر، إما بأصل الخِلقة وإما لسببٍ حادث، فلها الخيار. إذا قال هذا الزوج المجبوب: أنا أُنفق عليكِ نفقة أحسن من نفقة الملوك، في الأكل، والشرب، وآتي لكِ بخادم وسيارة وقصر، كل ما تريدين. قالت: لا، لا أريد، اتقِ الله. يكفيكِ مني مثلًا الاستمتاع الآخر، بالتقبيل والضم وما أشبه ذلك، ودعينا من هذا، هل لها الخيار؟

الطلبة: نعم.

الشيخ: كل شيء تام في حقها.

طلبة: لا، بس ناقص.

الشيخ: لكن الحق الأتم ما تم، فلها الخيار، لها أن تختار.

طيب، هل يُؤجَّل؟ إذا لم ينتظر سنة؟

طلبة: لا، ما ينتظر.

الشيخ: إن كان يُرجى نباته أُجِّلت وإلا فلا، ومعلوم أن العضو إذا قطع أي عضو من الإنسان ما يرجع. إذن لها الفسخ في الحال.

(أو بقي له ما لا يطأ به)، يعني ليس مجبوبًا نهائيًّا، لكن بقي جزء ضعيف من الذكر لا يقدر أن يطأ به؛ فلها الخيار، لها الفسخ في الحال.

إذا لم تجده مجبوبًا، لكن وجدت ذكره قصيرًا جدًّا، لا يستطيع الجماع به، فهل لها الخيار؟ نعم، لها الخيار؛ لأن هذا كالمجبوب تمامًا، لكن قد يقول الزوج: هذا من الله، ما هو بيدي، هل لها الخيار أو لا؟ انتبهوا يا جماعة؟

طالب: إذا كانت تستمتع به ..

الشيخ: قلت لك: لا يستطيع، بقي ذَكَره قصير جدًّا لا يستطيع أن يُجامع.

طلبة: لها الخيار.

الشيخ: لها الخيار؟ نعم، إذا قال: هذا من الله، نقول: نعم، هذا من الله، لكن هذا من المصائب التي أصابك الله بها، فعليك أن تصبر، أو ييسر الله لك امرأة لا تريد هذا الشيء، وإنما تريد الاستمتاع، وأن تكون عند رجلٍ يحضنها وما أشبه ذلك.

كذلك أيضًا (فلها الفسخ)(وإن ثبتت عُنته) هذا القسم الأول في الواقع عدم القدرة على الوطء قد يكون من أجل الآلة -آلة الوطء، وهي الذَّكَر- إما لجبِّه أو قطعه، حتى يبقى ما لا يحصل به الجماع، أو لصغره، بحيث لا يُجامِع.

ص: 2764

القسم الثاني: مرض في العضو مع بقاء العضو كاملًا، وهو ما يسمى بالعُنَّة، والعُنَّة عدم القدرة على الوطء، انتبه، ولهذا قال:(إن ثبتت عُنَّته بإقراره، أو ببينة على إقراره أُجِّل).

يعني إذا وجدته عِنِّينًا، إذا وجدت الزوجة زوجها عِنِّينًا، والعِنِّين هو الذي لا يقدر على الوطء، وبماذا نعلم أنه لا يقدر؟ نعلم أنه لا يقدر بأن يقر هو بنفسه أنه غير قادر على الجماع، فحينئذٍ نأخذ بإقراره؛ لأنه لا عُذر لمن أقر.

(أو ببينة على إقراره) الآن الزوجة تحاكم وتقول: إنه عِنِّين، وهو يقول إنه ليس بعِنِّين، فقالت: عندي بينة أنه قد أقر بذلك، فأتت برجلين يشهدان بأن فلان بن فلان أقر عندهما بأنه لا يستطيع الجماع، فهنا ثبتت عنته بماذا؟ ببينة على إقراره، والأول إن ثبت بإقراره بمعنى ثبت عند الحاكم، أنه لا يستطيع الجماع، فماذا نصنع؟

الجواب في هذا أن يقال: إن علمنا عدم عوده، أي عدم عوده القدرة على الجماع، فلا حاجة أن نؤجل، نقول: الفسخ من الآن، إذا علمنا أنه لا يمكن أن تعود قدرته على الجماع، فلا حاجة من التأجيل، نقول: لها الخيار من الآن، كيف نعلم؟

نعلم بالفحص عليه، فحص الأطباء عليه وقالوا: إن سبب انتشار ذَكَره -أي قيامه- مفقود بالكلية، ولا يمكن أن يعود، لا بدواء ولا بجراحة؛ يعني عملية.

فحينئذٍ نقول: لا يُؤجل، لها الخيار من الآن، أما إذا قيل: يمكن أن يعود فهو يُؤجَّل سنة، ولهذا قال:(أُجِّل سنة منذ تحاكمه) من يؤجله؟

الطلبة: الحاكم.

الشيخ: الحاكم، فيقول مثلًا إذا ثبتت العنة، يقول: لك سنة. هلالية أو فصلية؟

طلبة: هلالية.

الشيخ: أنا عندنا صبي، إذا قلت مثلًا: هل تحب الخبز أو الرز؟ قال: الرز، فإذا قلت: هل تحب الرز أو الخبز؟ قال: الخبز. فالحكم لأيش؟

طالب: للأول.

الشيخ: لا، للأخير. فالأخ لما قلت له هذا، أنا قلت في هذه الحال: هل هي هلالية أو فصلية؟

الطلبة: هلالية.

ص: 2765

الشيخ: الدليل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 189] فيُؤجَّل سنة هلالية.

فإذا قال قائل: هل هناك فرق بين الهلالية وبين الفصلية؟

قلنا: نعم، الفصلية أطول؛ لأن الفصلية متعلقة بالبروج، والبروج اثنا عشر برجًا، وأيامها أطول من أيام اثني عشر شهرًا، واضح؟ فالمهم أننا نؤجله سنة هلالية، والدليل على أنها هلالية ما ذكرته لكم.

فيقال له: الآن اليوم الثامن عشر من شهر صفر عام ستة عشر وأربع مئة وألف، لك سنة إلى ثمانية عشر من شهر صفر عام سبعة عشر وأربع مئة وألف.

إن قدرت على الوطء في هذه المدة فلست بعنين، وإن بقيت عاجزًا فأنت عنين، ولهذا قال:(أُجِّل سنة منذ تحاكمه فإن وطئ فيها) فذلك المطلوب، وزال عنه وصف العنة.

(وإلا) يعني وإلا يطأ (وإلا فلها الفسخ).

إذا قال قائل: لماذا يؤجل بسنة؟

قلنا: هذا الذي ورد عن الصحابة، أنه يُؤجَّل بسنة، ولأنه قد يكون ضعفُه عن الجماع بسبب الفصل، يعني فصل السنة، فمثلًا بعض الناس تضعف شهوته في أيام الصيف، وتنشط في أيام الشتاء، وبعض الناس بالعكس، وبعض الناس تضعف في الخريف وتقوى في الربيع، وبعض الناس بالعكس، فإذا مرت عليه الفصول الأربعة، ولم يستطع علمنا أن هذا لعلةٍ غير الزمن وغير الوقت؛ فلها الفسخ.

إذا علمنا بوصف الطب أنه لن يستطيع الجماع، نؤجل ولَّا لا؟

الطلبة: لا نؤجل.

الشيخ: لا نؤجل؛ لأنه لا فائدة من التأجيل، إذ إن المراد بالتأجيل امتحان قدرته، وهنا لا حاجة.

يقول: (فإن وطئ فيها وإلا فلها الفسخ وإن اعترفت أنه وطئها فليس بعنين) يعني لو اعترفت المرأة بأنه وطئها، ثم عجز بعد ذلك.

يعني هي قالت: إنه في ليلة العُرس جامع جماعًا طبيعيًّا، ثم بعد ذلك خلاص مات، صار لا يستطيع الجماع ولي معه سنة الآن، تقول المرأة، ولم يجامِع، فهو عِنِّين فأنا أطلب الفسْخ، هل لنا أن نجيبها؟

ص: 2766

لا، لماذا؟ لأنها أقرت بأنه جامعها، وإذا جامعها مرة فليس بعِنين، وهذا بناءً على أن العنة لا تطرأ على الإنسان، يعني لا يمكن أن يكون الإنسان عنينًا بعد أن كان قويًّا على الجماع.

ولكن الصحيح أن العنة قد تحدث؛ لأن الإنسان مُعرَّض لفقد قواه كلها أو بعض قواه، أليس الإنسان السميع يمكن أن يلحقه الصمم؟ ويش تقولون؟

الطلبة: بلى.

الشيخ: بلى، يمكن سميع يلحقه الصمم، بصير يلحقه العمى، قوي الجسم يلحقه الضعف، أيضًا قوي الشهوة فيلحقه الضعف.

فالصواب أن العُنَّة قد تحدث، وحينئذٍ إذا ثبتت عُنَّته بعد أن كان قويًّا على الجماع فإننا نؤجله سنة منذ تحاكمه ما لم نعلم أنه لن تعود قوته للجماع، فحينئذٍ لها الفسخ. مثل أن يصاب بحادث تتلف معه الأعضاء التي تُغذِّي الذكر حتى يقوم؛ ففي هذه الحال لنا أن نحكم لها بالفسخ من الآن.

(ولو قالت في وقت: رضيت به عِنِّينًا سقط خيارها أبدًا)

هذه امرأة أول ما تزوجت زوجها أحبته، وكان يكرمها لئلا تطالبه بحق الاستمتاع، فسُئلت عن الزوج، قالت: والله الزوج رجل طيب، لكنه عِنين لا يستطيع الجماع، فقيل لها: اطلبي الفسخ، قالت: لا، الرجل طيب ودَيِّن وحبيب، وأنا رضيت به ولو كان عنينًا، ثم بعد ذلك ساءت العشرة بينها وبينه، فطالبت بالفسخ، قالت: الرجل عِنِّين، هل تُمكَّن من الفسخ؟

طلبة: لا.

الشيخ: يقول المؤلف: لا تُمكَّن؛ لأنها رضيت به عِنِّينًا فسقط حقها، وحق الفسْخ لها، فإذا أسقطته سقط، وهذا واضح؛ لأن الإنسان إذا كان الحق له فأسقطه سقط.

هل لها أن تطلب الطلاق؟ نعم، لها أن تطلب الطلاق، ويخالعها الزوج، فيقول مثلًا: أعطني مالي وأطلقكِ؛ لأن هذا أمرٌ يفوتها كثيرًا من الغرض.

ص: 2767

ولعلكم تذكرون قصة المرأة التي طلقها زوجها ثلاثًا، فتزوجها رجل يقال له: عبد الرحمن بن الزَّبِير، ولكنه لا يستطيع الجِماع، فجاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقالت: إن زوجي فلانًا طلقني فبت طلاقي، وإني تزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، وأخذت ثوبها وقالت: مثل هدبة الثوب، فتعجَّب الصحابة منها، كيف تقول هذا عند الرسول عليه الصلاة والسلام؟ فقال لها:«أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ » . رفاعة القرظي؛ لأنه زوجها الأول «لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» (1). ولم يُمكِّنها النبي صلى الله عليه وسلم من الرجوع إلى الزوج الأول، لماذا؟ لأن زوجها لم يجامعها.

ولهذا اشترط العلماء في حِلِّ المطلقة ثلاثًا لزوجها الأول أن يُجامعها الثاني بانتشار؛ أي بقيام ذَكَرِه حتى يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته.

***

نبدأ بالفصل الثالث، قال:(فصلٌ)

هذا الفصل الذي انتهينا منه عيب يختص بمن؟ بالزوج.

العيوب الثانية في الفصل الثالث.

يقول: (فصل: والرَّتق، والقرَن، والعفَل، والفتَق، واستطلاق بول ونجو، وقروح سيالة في فرج، وباسور، وناصور، وخصاء، وسَلٍّ، ووجاء، وكون أحدهما خنثى واضحًا، وجنون ولو ساعة، وبَرَص، وجذام، يثبت لكل واحد منهما الفسخ، ولو حدث بعد العقد أو كان بالآخر عيب مثله).

هذا في العيوب، فالعيوب ذكرت لكم قبل قليل: هل هي محدودة أو معدودة؟

فيها قولان للعلماء: قول: بأنها معدودة، هذه العيوب معدودة، ما عداها ليس بعيب.

وقول آخر: يقول: إنها محدودة، فما هي على هذا القول؟

كل ما يُنفِّر أحد الزوجين عن الآخر ويمنع كمال الاستماع به. طيب، مثلًا اللي قرأنا الآن قرأناه عليكم، هل فيها ذِكر العمى؟

طلبة: لا.

الشيخ: ما فيها؛ ذِكر الصَّمم؟

طلبة: ما فيها.

ص: 2768

الشيخ: ما فيها؛ ذِكر الزمانة؟ يعني يكون الرجل أو المرأة محرولًا، ما يمشي، أيش؟ مذكور ولَّا لا؟ لا، ليس مذكورًا. نأخذ أدنى واحد منها، أيش أقل واحد منها؟

طلبة: (

).

الشيخ: لا، يمكن الباسور، قد يكون من أسهلها، الباسور -البواسير- يعني الحمد لله سهلة، يسوي الإنسان عملية كأنما يخرج شوكة من رجله، وتنتهي.

وجد مثلًا بزوجته باسورًا، فقال: هذا عيب، لي الفسخ، قالوا: يمكن الآن نعالجه في المستشفى بيومين وتمشي، قال: لا، أبدًا، أنا أريد الفسخ وآخذ المهر كاملًا.

أما الآخر فدخل على زوجته، فوجدها عمياء صماء، يُكلِّمها: يا فلانة، أقصى ما يكون من النطق، تقول: ها، نعم، يريها الأشياء الجميلة، يقول: شوفي هذه، تقول: ما، وتقربها لعينها ما تشوف شيئًا، هل له الفسخ؟

طلبة: ليس له الفسخ.

الشيخ: ليس له الفسخ، هذه الزوجة الآن تكون عالةً عليه ولَّا متعةً له؟

الطلبة: عالة عليه.

الشيخ: تكون عالة عليه، ولا فيها دواء. شوف بينما الباسور ولو كان خفيفًا يعتبر عيبًا.

وبهذا نعرف أنه لا يمكن أن نجعل العيوب معدودة أبدًا، نقول: محدودة، أي إنسان يعلم علم اليقين أن رجلًا لو أُدخل على امرأة فوجدها عمياء صماء، كل يعرف أن هذا غلط، وهذا غرر وغش للزوج وخداع، وكذلك هي لو دخلها عليها، ووجدت الرجل أحدب، أعمى، أصم، يمشي على العصا، معتقدة أن الرجل شاب، وأنه قوي ونشيط، هل هذا عيب ولَّا غير عيب؟

طلبة: عيب.

الشيخ: غش ولَّا غير غش؟

طلبة: غش.

الشيخ: والله غش، ما أشك أن هذا غش، ونقول: ليس لها الخيار؟ ! سبحان الله، ولو كان به باسور يمكن يعالج بيوم واحد في المستشفى؟ قالوا: هذا عيب.

فالحاصل إن شاء الله يأتي الكلام على التفصيل في الدرس القادم، لكن هذا يُبيِّن لنا أن العلماء رحمهم الله مهما بلغوا من العلم، فإنه لن يكون علمهم تامًّا ولن يكونوا معصومين.

ص: 2769

طالب: شيخ، أحسن الله إليك، الرجل إذا ثبتت عُنته، وأراد أن يأخذ المهر الذي أنفقه على الزوجة من المهر و .. ؟

الشيخ: المال؟

الطالب: إي نعم، مهر و .. ؟

الشيخ: أبدًا، ما له ولا قرش، أبدًا المرأة تفسخه، ولا له شيء، لكن سيأتينا إن شاء الله، هل الفسخ بالعيوب يحتاج إلى القاضي؟ أو لمن له الحق أن يفسخ بدون شيء؟

طالب: (

الشيخ: لا، الأصل السلامة، أما قول بعض الناس، يعني الحقيقة الذين نسميهم متزمتين متنطعين، نقول: لا بد أن يُفحص على الزوج والزوجة، هل يصح يتزوجون أو لا؟

نقول: ما هو صحيح، ما هو الزوج والزوجة نحن نشوف نختبره هل فيه مرض ولَّا لا، الأصل أيش؟

طالب: السلامة.

الشيخ: الأصل السلامة.

طالب: أحسن الله إليك، هل يعتبر (

) عيبًا؟

الشيخ: بيجينا إن شاء الله يأتينا.

طالب: شيخ، قلنا: إذا كان الزوج ذكره صغير جدًّا فلها الفسخ، وإذا كان العكس؟ !

الشيخ: الله يعينها عليه، يقول: لو كان ذكره صغيرًا جدًّا فلها الفسخ؟ إذا كان العكس؟ فنقول: الله يعينها عليه!

الطالب: ليس لها الفسخ.

الشيخ: نقول: الله يعينها عليه.

طالب: الآن يا شيخ فيه في الطب تركيب أعضاء صناعية، فكيف المجبوب لو ركَّب عضوًا صناعيًّا؟

الشيخ: ما ينفع يا أخي، لا تفكر، ما ينفع غير الطبيعي. مشكلة إذا صار (

) يقول: أروح أركِّب؟ !

يلَّا، ما فيه أسئلة؟

طالب: (

الشيخ: صحيح، قلنا: الأصل السلامة، لكن لو ظهرت بوادر تدل على هذا المرض المعدي، فالأصل لا تتزوجه.

الطالب: (

الشيخ: إذا حدث هذا المرض المعدي فلها الفسخ.

طالب: بالنسبة لحديث المرأة لتي تزوجت عبد الرحمن بن الزبير، الآن مثلًا هو يعني ما استطاع الجماع، يعني لو رجل ما استطاع الجماع وطلقها، يحل لها أن ترجع للزوج الأول؟

ص: 2770

الشيخ: لا، لا تحل؛ لأن الرسول قال:«حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» (1)، وهذا هو السر في أن الله تعالى قال:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. ولم يقل: حتى تنكح رجلًا.

الطالب: (

).

الشيخ: كيف؟

الطالب: (

الشيخ: يعني إذا فسخت لعدم قُدرته على الجماع، لا بد تتزوج آخر ويجامعها (

).

***

طالب: وباسور، وناصور، وخصاء، وسَلٍّ، ووجاء، وكون أحدهما خنثى واضحًا، وجنون ولو ساعة، وبَرَص، وجذام، يثبت لكل واحد منهما الفسخ، ولو حدث بعد العقد أو كان بالآخر عيب مثله، ومن رضي بالعيب أو وجدت منه دلالته مع علمه فلا خيار له، ولا يتم فسخ أحدهما إلا بحاكم.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

سبق لنا أن العيوب في النكاح مختلَفٌ فيها، هل هي معدودة أو محدودة؟

والصواب أنها محدودة، وأن حدها كل ما يُنفِّر أحد الزوجين عن الآخر ولا تحصل به. أما المذهب فإنها معدودة، وما عداها فليس بعيب ولو كان أعظم منها تنفيرًا.

وسبق لنا في الفصل الأول ما يختص بالرجل، وهو ألَّا يستطيع الجِماع سواء كان ذلك بأصل الخِلقة أو حدث بعد ذلك فإنه من العيوب.

ثم ذكر في هذا الفصل العيوب المشتركة والخاصة أيضًا فقال: (والرَّتق، والقرن، والعفل، والفتق، واستطلاق بول ونجو) إلى آخره.

(الرتق، والقرن، والعفل، والفتق) كلها عيوب مختصة بالفرج؛ فرج الأنثى.

(فالرتق) معناه أن يكون الفرج لا يسلكه الذَّكر، مسدود، لا يمكن أن يسلكه الذكر، وهذا لا شك أنه عيب؛ لأنه يُفوِّت الاستمتاع.

كذلك (القرن) أن يكون الفرْج، يمكن سلوك الذَّكَر فيه لكنه مُقترِن مخرج البول مخرج المني.

(العفل) أن ينبت فيه شيء زائد.

أما (الفتق) فهو انفتاح ما بين مخرجي البول والمني. المهم أن كلها عيوب مختصة بفرج المرأة، فيكون من العيوب المختصة بالمرأة.

ص: 2771

(استطلاق بول ونجو) هذا عام مشترك؛ يعني أن الزوجة بها سلس البول، أو الزوج به سلس البول، هذا لا شك أنه عيب، من يستمتع بامرأة فيها سلس البول، أو المرأة تستمتع برجل فيه سلس البول دائمًا؟

(النجو) يعني الغائط، وهل مثلها الريح؟ الجواب: نعم؛ لأن الريح تبعث رائحة كريهة.

(وقروح سيَّالة في فرج) هذا خاص ولَّا مشترك؟ خاص، الفرج فرج الأنثى.

(قروحٌ سيَّالة) وظاهر كلام المؤلف أنه إذا كان فيه جروح لكن ليست سيَّالة؛ فليس بعيب.

والصواب -بلا شك- أنه عيب؛ لأن الجروح السيالة هي التي تفرز مادة عفنة، وغير السيالة التي لا تفرز لكنها جرح منجرح، يكون فيه دم، يكون فيه مادة، لكن ما تسيل.

والصواب أن هذا عيب بلا شك؛ لأن النفس تتقزز من جماعها وفي فرجها قروح.

(وباسورٌ وناصور) مشترك ولَّا خاص؟

طالب: مشترَك.

الشيخ: (الباسور والناصور) يقول الشارح: إنهما داءان في المقعدة، وهما معروفان، فهما عرقان ينفتحان، فيخرج الدم من الإنسان باستمرار، وهذا لا شك أنه عيب؛ لأنه يُنفِّر كل واحدٍ عن الآخر.

(وخِصَى) خاص ولَّا عام؟

طلبة: خاص.

الشيخ: خاص بمن؟

الطلبة: بالرجل.

الشيخ: بالرجل. (وسَل)؟

طالب: عام.

طالب آخر: مشترك.

الشيخ: هذا خاص.

(سَل) يعني سل للخصيتين، ما هو السِّل المعروف. السِّل المعروف لا شك أنه مرض يكون في الرجل والمرأة، لكن مع ذلك ليس بعيب.

طالب: عندنا بكسر السين.

الشيخ: لا، الصواب بالفتح (سَل) يعني سلًّا للخصيتين. طيب لماذا كان سل الخصيتين وخِصائهما عيبًا؟ لأنه يبطل الشهوة إما بالكلية، وإما يضعفها جدًّا، ثم إنه أيضًا يمنع من النسل؛ لأن النسل إنما يكون بالمني، والمني لا يطبخه إلا الخصيتان، وإذا فُقِد الخصيتان فلا نسل، بل ولا جِماع كامل.

ما الفرق بين الخصاء والسل؟ الخصاء أن تُقطع الخصيتان مع الجلد، والسل يُفتح الجلد وتُسل الخصيتان، ويبقى الجلد كما هو، هذا هو الفرق.

ص: 2772

(ووِجاء) الوجاء بمعنى الرض؛ يعني تُرَضُّ الخصيتان، فهذا أيضًا عيب.

(وكون أحدهما خنثى واضحًا) هذا عيب أيضًا، يكون الرجل خنثى واضحًا، له ذَكَر يُجامِع به كما يجامع الذَّكَر، لكن له فرج أنثى سواء كانت فوق آلة الذكر ولا تحتها، هل المرأة تتلذذ برجل يجامعها وله فرج؟ أبدًا ما تتلذذ.

ولو كان خنثى واضحًا، واضح أنه أنثى، في هذه الحال كيف يجامع الإنسان أنثى لها آلة ذكر؟ وممكن عند الجماع ينتشر هذا الذكر، ومشكلة.

على كل حال كون أحدهما خنثى واضح لا شك أنه عيب، ومن أكبر العيوب.

وكون أحدهما خنثى مشكلًا؟ النكاح لا يصح، ولهذا لم يقل: خنثى وسكت، بل قال:(خنثى واضحًا)؛ لأن الخنثى المشكل لا يصح نكاحه، لا باعتباره أنثى، ولا باعتباره ذكرًا.

(وجنون ولو ساعة) إذا كان أحدهما يُجَنُّ ولو مرة واحدة في السنة؛ فهذا عيب نسأل الله العافية.

(وبرص وجذام) البرص داء معروف، وهو عبارة عن خلاف لون الجلد إلى بياض، هذا عيب.

وظاهر كلام المؤلف لا فرق بين أن يكون كثيرًا أو قليلًا، يعني لا فرق بأن يكون الإنسان كله -والعياذ بالله- انقلب إلى برص، أو قليلًا متوزعًا في الجسم ظاهرًا، أو قليلًا متوزعًا في الجسم باطنًا، أو لا؟

طلبة: نعم.

الشيخ: وجه ذلك، أنه أطلق، قال:(برص)، ولم يقل: برص يعم، ولم يقل: البرص ظاهر، أطلق، وعلى هذا فلو يكون بين كتفيه بُقعة من البرص كعين الجرادة، تعرفون عين الجرادة؟

الطلبة: نعم.

الشيخ: فهو عيب ولَّا غير عيب؟ هذا عيب، لها أن تفسخ. وكذلك بالعكس لو كان في المرأة فله أن يفسخ.

ص: 2773

(وجُذام) الجذام مرضٌ معروف والعياذ بالله، إذا أصاب الإنسان مات؛ لأنه يسعى، إذا أصاب أحد الأعضاء، أجارنا الله وإياكم من الشر؛ فإنه يسعى حتى يقضي على الإنسان، الجذام لا شك أنه عيب، بل إنه يجب الفسْخ إذا علمنا أن أحدهما أصابه جذام وجب الفسخ؛ لأن الجذام معدٍ واضحة عدواه، حتى إن العلماء قالوا: يجب على السلطان أن يعزل الجذمى في مكان واحد لئلا يختلطوا بالناس فينتشر هذا الداء.

وظاهر كلام المؤلف أنه وإن أمكن دواء الجذام؛ لأنه إذا أمكن فإما أن يُمكن بقطع العضو، كاليد مثلًا لو أصاب اليد، إذا قُطِعت يده فهذا لا شك أنه عيْب، وإما أن يكون بالأدوية، فالأدوية الغالب أنها لا تنجح فيه.

قال: (يثبت لكل واحد منهما الفسخ) إلى آخره، (منهما) الضمير يعود على الزوجين، فلو وجد الإنسان في زوجته قرنًا فله الفسخ. ولو وجدت أن زوجها خصي، فلها الفسخ.

قال المؤلف: (ولو حدث بعد العقد) وهذه إشارة خلاف؛ لأن من العلماء من يقول: إذا حدث هذا بعد العقد وهو لا يتعدى ضرره فليس لها الفسخ، إذا حدث وهو لا يتعدى ضرره فليس لها أن تفسخ، مثل: استطلاق البول؛ يعني لو أن الزوج أصابه سلس البول، فليس لزوجته الفسخ على القول الصحيح؛ لأن هذا شيء حدث.

وكذلك لو حدث به برص وقال الأطباء: إنه لا يُعدي، فليس لها الفسخ؛ لأنه لم يضرها.

وقال: (أو كان بالآخر عيب مِثلُه) فله الفسْخ.

يعني لو قالت الزوجة: إن زوجي أبرص، فيه برص، فأنا أريد الفسْخ، وكانت هي أيضًا بَرْصاء، فلها الحق أن تفسخ، فإذا طالبت بالفسخ، وقال: لمَ؟ قالت: لأن فيك برصًا. قال: وأنتِ فيكِ برص، يقول هكذا ولَّا لا؟ نعم، يقول هكذا، لكنها تقول: إن الإنسان ينفر من عيب غيره، ولا ينفر من عيب نفسه، صحيح هذا ولَّا غير صحيح؟ صحيح، الإنسان ينفر من عيب غيره ولا ينفر من عيب نفسه.

ص: 2774

ولذلك تجد الإنسان يستنجي، ويمس النجو بيده، لكن لو قيل له: مس نجو فلان؟ ما يستطيع، أبدًا، بينما هو بكل سهولة يغسل النجوى من دبره ويمس الخارج، ولا يرى في هذا بأسًا، أليس كذلك؟

الطلبة: بلى.

الشيخ: طيب، شيء آخر، الإنسان يتمخط، ولا يرى ذلك عيبًا في نفسه، لكن لو تمخط إنسانٌ أمامه تقززت نفسه، صحيح؟

طلبة: نعم.

الشيخ: إذن إذا قال: أنتِ برصاء، تقول: نعم، هي برصاء، لكن الإنسان ينفر من عيب غيره، ولا ينفر من عيب نفسه، لكن عاد يبقى إذا كان قد علم بأنها برصاء فليس له خيار، وإن لم يعلم فله الخيار، وحينئذٍ يرجع على من غرَّه أو يسقط المهر في هذه الحال؟

هو غارٌّ ومغرور أيضًا، هنا لا يرجع، كيف يرجع؟ لأن هي أيضًا تقول: أنا أريد الفسخ، وإذا أردت الفسخ فلي المهر كاملًا.

وقد نقول: إنه يرجع على من غرَّه، لكن من غرَّه لا يرجع عليها؛ لأنها هي أيضًا مغرورة. ولعل هذا أوجه، وسنحرره إن شاء الله تعالى فيما بعد.

طالب: مسألة سبقت ما وضحت لديَّ.

الشيخ: وهي؟

الطالب: قلنا: إن المرأة تطلب الخيار شهرًا مثلًا، تقول: لي الخيار شهرًا بعد الزواج.

الشيخ: هذه الشروط في النكاح.

الطالب: نعم، فهل نقول في خلال هذا الشهر: إذا انتهى الشهر، وقالت في نهاية الشهر: قررت الفسْخ.

الشيخ: بعد انتهاء الشهر لا تملك هذا.

الطالب: قبل نهاية الشهر.

الشيخ: لها ذلك.

الطالب: وكيف يكون المهر خاصة أنه قد يكون دخل عليها؟

الشيخ: هو ينبغي إذا اشترط الخيار ألا يستمتع بها، كما قلنا فيما لو باع بعيرًا، واشترط الخيار ما يستعملها؛ تبقى حتى يتبين هذا أو هذا.

فنقول: الآن ما دام لها الخيار لا (

)، فإن كان قد دخل بها، فالخيار بأن تقول: أنا أريد فسخ النكاح، وتفسخ النكاح.

الطالب: يُسمى طلاقًا؟

الشيخ: لا، يُسمى فسخًا.

طالب: شيخ، بارك الله فيكم، ما الفرق بين الخنثى الواضح والخنثى المشكل؟ كيف يعني يصح (

ص: 2775

الشيخ: الفرق بينهما أن الواضح هو أن تظهر فيه خصائص الرجال، أو خصائص النساء، فمثلًا إذا كان يبول من ذَكَرِه، ولا يبول من الفرج؛ يعني له فرج وله ذَكَر، لكنه يبول من الذكر ولا يبول من الفرج، هذا واضح أنه ذَكَر، وإذا كان يبول من الفرج دون الذكر، فواضح أنه أنثى.

أما المشكل فأن يبول منهما جميعًا، هذا ما ندري، ما مدام يبول منهما جميعًا لا نعلم هل هو ذكر ولَّا أنثى، فإن تزوجه ذكر، قلنا: لعله يكون ذكرًا فيكون جماعه لِواطًا، وإن تزوجه أنثى، قلنا: لعله يكون أنثى، فيكون نكاحه مساحقة، واضح يا جماعة؟ ما فيه إشكال.

طالب: إذا كان الرجل له خصية واحدة، والمرأة ..

الشيخ: لا، ليس لها الفسخ؛ لأن الإنسان قد يجامع جماعًا تامًّا بالخصية الواحدة.

طالب: (

) قليل: لها الفسخ، ولو كان (

الشيخ: على كل حال في الحقيقة يختلف، هذا لو كان النقطة كما مثلنا نحن بأنها نقطة كعين الجرادة بين الكتفين، هذا خفي جدًّا، ولا يقتضي التنفير، لكن لو كانت هذه بالوجه أثَّرت.

إنما نحن نقول: الفقهاء يقولون مطلقًا: حتى وإن لم يحصل فيه تنفير، ونحن مثلنا بذلك؛ لأنه سيأتينا إن شاء الله أن هناك عيوبًا لا يرون الفسخ بها مع أنها أولى.

يعني لو أن إنسانًا دخل على زوجته فوجدها عمياء، بكماء، صماء، زمنى، مُقوَّسة، مُشوَّهة الوجه؛ لا تعدل فراشها أيضًا، يقول: هذه ما هي عيب، هذا ليس بعيب، إذا كانت هذه ليست بعيوب، فما في الدنيا عيب أبدًا، ونقطة من البرص بين الكتفين يعتبرونها عيبًا.

الشريعة ما تأتي بمثل هذا إطلاقًا، يدخل على المرأة بهذه الصفة، ويقول: سلامٌ عليكم، وهي لا تستطيع أن تقول: ويش تقول؟ كيف هذا! نسأل الله العافية. (

).

***

ص: 2776

طالب: قال: ومن رضي بالعيب، أو وجدت منه دلالته مع علمه فلا خيار له، ولا يتم فسخ أحدهما إلا بحاكم، فإن كان قبل الدخول فلا مهر، وبعده لها المسمى، ويرجع به على الغار إن وجد، والصغيرة والمجنونة والأمة لا تُزوَّج واحدة منهن بمعيب، فإن رضيت الكبيرة مجبوبًا أو عِنينًا لم تمنع، بل من مجنون ومجذوم وأبرص، ومتى علمت العيب أو حدث به لم يجبرها وليها على الفسخ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

سبق لنا أن العيوب -عيوب النكاح- انقسم فيها العلماء إلى قسمين:

منهم من قال: إنها معدودة، ومنهم من قال: إنها محدودة.

فما هو القول الراجح من القولين؟

طالب: محدودة.

الشيخ: كيف محدودة يا شيخ؟ !

الطالب: الأفضل أنها معدودة.

الشيخ: معدودة، هذا القول الراجح. لكن هناك سهامٌ أخرى موجهة لك.

طالب: الصحيح أنها محدودة، وليست معدودة.

الشيخ: أي الرجلين توافقون؟

الطلبة: الثاني.

الشيخ: هي في الواقع محدودة، وضابطها كل ما ينفر أحدهما عن الآخر، ويمنع كمال الاستمتاع به. هذا الضابط.

والقول بأنها معدودة؛ يعني قول ضعيف لا شك، وما جاء عن السلف في مثل هذه الأشياء يقاس عليه ما هو مثله، أو أولى منه. أليس كذلك؟

طلبة: بلى.

الشيخ: طيب، حكم الفسخ إذا وُجد هذه العيوب؟

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (ومن رضي بالعيب، أو وجدت منه دلالته مع علمه؛ فلا خيار له) من رضي بالعيب فلا خيار له بعد ذلك؛ لأنه أسقط حقه من الفسخ. مثال هذا: امرأة وجدت زوجها عِنِّينًا لا يتمكن من الجِماع، فقالت: رضيت به، ثم بعد ذلك رجعت، فهل لها أن ترجع؟ لا.

وجدت زوجها فيه برص فرضيت به، ثم عادت لتطالب بالفسخ، فلا يمكن أن تفسخ، وهلم جرًّا.

ووجه ذلك؛ أي وجه كونها إذا رضيت فلا خيار لها: أن الحق لها وأسقطته.

وقوله: (أو وجدت منه دلالته مع علمه)(وجدت منه دلالته) أي دلالة الرضا.

ص: 2777

(مع علمه) أي بالعيب. الضميران مختلفان، (وجدت منه دلالته) الضمير يعود على الرضا (مع علمه) أي بالعيب؛ أي: يعلم العيب. مثاله: امرأة مكَّنت نفسها من زوجها، تمكينها من زوجها وهو معيب دليل على الرضا، واضح؟

لكن إذا كانت لا تعلم فإن حقها من الفسْخ لا يسقط، وإن كانت لا تعلم فإن حقها من الفسخ يسقط؛ لأن تمكين زوجها من الاستمتاع بها مع علمها بالعيب دليل على رضاها بذلك، فلا يكون الفسخ بعد هذا.

فإن مكنته من نفسها وهي لم تعلم، فما الحكم؟ لها الخيار إذا علمت؛ لأن تمكينها صادر عن غير علم.

(ولا يتم فسْخ أحدهما إلا بحاكم) لم يقل: ولا يتم فسخها، ولم يقل: لا يتم فسخه، بل قال:(أحدهما)؛ لأن العيب قد يكون في الزوج دون الزوجة، أو في الزوجة دون الزوج.

(إلا بحاكم) إذا سمعتم كلمة حاكم في كلام الفقهاء فالمراد به القاضي؛ لقول الله تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26].

فإذا وجَدَت المرأة في زوجها عيبًا، فقالت: أريد الفسخ، ثم أشهَدَت رجلين، قالت: إني قد فسخت النكاح، فإنه لا يتم الفسخ، لماذا؟ لأنه ليس بحكم حاكم، حتى تذهب إلى القاضي، وتطلب منه أن يفسخ النكاح، وإلا فلا.

إذا قال قائل: لماذا يفتقر هذا الأمر إلى فسْخ الحاكم، مع أن هذا حقٌّ لها؟

أرأيتم لو وجد بالسلعة التي اشتراها عيبًا، هل يفسخ، أو يذهب إلى الحاكم ويقول: افسخ؟

الأول: يَفسخ. فلماذا لا يكون هذا مثله؟

قلنا: هذا لأنه عقد نكاح، فيُحتاط له أكثر؛ ولأنه ربما يأتي قاضٍ يرى أن هذا العيب الذي من أجله فسخت ليس عيبًا، فيحكم ببقاء النكاح، فإذا ذهب إلى الحاكم وفسخ العقد صار هذا حكمًا وحُكم الحاكم لا يُنقض؛ ولأن ذلك أحوط في الواقع، أحوط لئلا يقع النزاع.

قد يقول الزوج: هذا ليس بعيب، وتقول هي: إنه عيب، وما أشبه ذلك.

إذا تم الفسخ، فهل عليها عدة، وهل لها مهر، أو ماذا؟

ص: 2778

نقول: أما مسألة العدة فإن كان بعد الخلوة، أو الدخول يعني الجماع، فإن عليها العدة، وإن كان قبل ذلك فلا عدة عليها؛ لأن كل فراق يكون بين الزوجين قبل الدخول والخلوة فإنه لا عدة فيه.

يقول رحمه الله: (فإن كان قبل الدخول فلا مهر) هذه مسألة المهر أيضًا إذا كان قبل الدخول يعني والخلوة فلا مهر؛ لأن العيب إن كان فيها، فهي المتسببة له، وإن كان في الزوج، فهي التي اختارت الفسخ؛ فليس لها مهر.

نقول: إذا كان قبل الدخول والخلوة فلا مهر، لماذا؟ لأن العيب إن كان في الزوج فهي التي فسخته -فسخت العقد- وإن كان فيها فهي السبب؛ إذا كان العيب فيها، فإنها لا تستحق شيئًا، وهذا واضح؛ لأنها هي السبب في الفسخ، فإذا كانت هي السبب في الفسخ فليس لها شيء، مثال ذلك: عقد على امرأة، وبعد أن عقد عليها ثبت عنده أنها رتقاء، لا يمكن مجامعتها، ففسخ النكاح، هل لها مهر؟ لا؛ لأنها هي السبب.

عقَد على امرأة، ولم يدخل عليها، ثم تبين أن الرجل عِنِّين لا يستطيع الجماع، ففسخت هي قبل الدخول والخلوة، يقول المؤلف: ليس لها المهر، ليش؟ لأنها هي التي فسخت، كيف تفسخ هي ثم نقول: لها نصف المهر؟

أفهمتم الآن ولَّا لا؟ ولَّا لأن القول ضعيف ما أنتم فاهمون؟

نقول: إذا كان الفسْخ قبل الدخول والخلوة فليس لها مهر، لا نصفه ولا كله، لماذا؟ إن كان العيب فيها فهي السبب، الزوج معذور، ثم قد تكون قد غرَّته أيضًا، فلا نمكن الغار من الخديعة والعِوَض، وإن كان العيب في الزوج، وقالت: أنا ما أبغيه، لا أريد زوجًا معيبًا، يقول: لأنها هي التي فارقت؛ فالفُرقة من قِبلِها.

لكن القول الراجح المتعين أنه إذا كان العيب في الزوج فعليه نصف المهر؛ لأنه هو السبب في الفسخ، ومعلوم أنه إذا طلَّق قبل الدخول فلها نصف المهر؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237].

ص: 2779

الخلاصة إذا كان الفسخ قبل الدخول والخلوة فلا مهر للزوجة على كلام المؤلف سواء كان العيب فيها أو في الزوج. والصحيح أنه إذا كان العيب في الزوج فلها نصف المهر؛ لأنه الذي غرها.

(وبعده لها المسمى) بعده أيش؟ بعد الدخول، (لها) أي للزوجة (المسمى) هذا صفة لموصوف محذوف والتقدير: المهر المسمى، لها المهر المسمى قل أو كثر.

مثال ذلك: رجل تزوج بامرأة ودخل عليها، وبعد الدخول تبين أن فيه عيبًا -هو- ففسخت النكاح، فهل لها المهر؟

طلبة: (

).

الشيخ: لا إله إلا الله، بعد الدخول، نعم، لها المهر كاملًا بما استحل من فرْجها، فتُعطى المهر كاملًا وتفسخ النكاح. هذا واحد.

وإن وجدت فيها فلها المهر أيضًا، لماذا؟ لأن المهر استقر بالدخول، فلها المهر كاملًا، فإذا كان هذا الرجل -يا جماعة- قد أمهرها مئة ألف ريال، وتبين أن فيها عيبًا، ولا تمكنه الإقامة معها، ففسخ العقد معها من أجل هذا العيب، فهل يسترد مئة ألف ريال؟ أو هو لها؟

طلبة: هو لها.

الشيخ: هو لها، يقول المؤلف:(ويرجع به) أي بهذا المهر (على الغار إن وُجِد) يرجع به من؟

طلبة: الزوج.

الشيخ: الزوج، على من غرَّه إن وُجِد، فمن الذي غره؟ الذي غره الولي؛ لأنه هو الذي عقد.

لكن المؤلف يقول: (إن وُجِد) فإذا قال الولي: أنا ما علمت بالعيب، ولا غررت ولا خدعت. ننظر، هل الزوجة قد غرته؟ إن كانت قد غرته رجع عليها به؛ لأن قول المؤلف:(على الغار) يشمل الزوجة والولي، فإذا قالت: أنا ما علمت بالعيب إطلاقًا، فهل يرجع بالزوج على أحد؟

طلبة: لا يرجع.

الشيخ: إي نعم، لا يرجع وهو حقيقة، هذا هو الصواب، لا يرجع على أحد، لكن قد تقولون: كيف لا تعلم والعيب فيها؟ نعم، يمكن، قد تكون نقطة من البرص بين كتفيها، هذا يمكن ألَّا تعلم ولَّا لا يمكن؟

الطلبة: يمكن.

الشيخ: يمكن ألا تعلم، يعني الإنسان حتى لو اغتسل مثلًا وخلع ثوبه ما يستطيع ينظر الذي بين كتفيه، أليس كذلك؟

طلبة: بلى.

ص: 2780

الشيخ: إذن هي لا تعلم، تقول: والله ما علمت بهذا الشيء، والمغتسل يغتسل وحده أيضًا، ما هو عند أحد حتى نقول: إذا لم تشاهده أنت، شاهده مَنْ حولك، فهذا يمكن أن يوجد.

وخلاصة الكلام الآن: إذا كان الفسخ قبل الدخول والخلوة فلا مهر، سواءٌ كان العيب في الزوج أو في الزوجة. والصحيح أنه إذا كان العيب في الزوج فلها نصف المهر.

إذا كان بعد الدخول والخلوة فلها المهر كاملًا، ويرجع به الزوج على من غرَّه إن وُجِد، فإن كانت الزوجة قد أخبرت الولي بالعيب لكن الولي قال: ما راح أشترط على الزوج، ولعل الله يشفيها مثلًا من هذ المرض، أو ما أشبه ذلك، فالغار من؟ الولي، وإن كانت الزوجة لم تُخبر الولي فالغار الزوجة.

وإن كانت الزوجة لم تعلم بالعيب فلا غرور، وعلى هذا فلا يرجع بالمهر على أحد.

طالب: شيخ، بارك الله فيك، قلنا: إذا كان العيب من الزوج، إذا كان الفسخ منها والعيب من الزوج فإنه عليه نصف المهر قبل الدخول والخلوة.

الشيخ: كيف؟

الطالب: إذا كان الفسخ منها لعيب في الزوج قبل الدخول والخلوة فيفترض نصف المهر.

الشيخ: إي نعم.

الطالب: واستدللنا بالآية، لو قيل لنا يا شيخ: الآية دليل علينا لا لنا؛ لأن الله عز وجل قال: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [البقرة: 237] الفاعل هو الزوج، فهنا الطلاق من الزوج.

الشيخ: الفسخ.

الطالب: الفسخ، مصلحته له فلا مهر.

الشيخ: إي، لكنه غرها، فيكون كالمطلِّق.

الطالب: هذا من باب التأديب؟

الشيخ: باب التأديب، وباب الواقع؛ لأنه لما كان هو السبب صار كأنه هو الفاعل، السبب أن فيه عيبًا مكتومًا.

الطالب: هي الآن لم تخسر بل هي الرابحة.

الشيخ: لا، أبدًا، هي اللي خسرت؛ لأن بعض الناس إذا عُقد على المرأة صارت ما هي مرغوبة.

طالب: ذكرنا أن العيوب الصحيح فيها أنها محدودة، فإن اختلف الزوج والزوجة، الزوج يقول: إنه عيب والزوجة تقول: لا، هذا إشكال؟

ص: 2781

الشيخ: يرجع إلى أهل الخبرة، وإلا بعض الناس نعم مثلما قلت ربما مثلًا يكون أنفه مثلًا ليس مستقيمًا مفرطحًا نقول: هذا عيب، أنا لو دريت أن أنفه على هذه الصفة ما خطبته وهو ليس بعيب، المهم يرجع لأهل الخبرة.

طالب: شيخ، ما المراد بالدخول؟ هل هو الخلوة أو؟

الشيخ: الدخول هو الجماع.

طالب: بارك الله فيك، يا شيخ بالنسبة لمسألة الزوج طلع مريض الزوج عِنِّين امرأة تزوجت رجلًا ..

الشيخ: تبين أنه عِنِّين، طيب.

الطالب: (

) الزوجة يكون لها النصف.

الشيخ: الفسخ.

الطالب: (

).

الشيخ: لمن؟

الطالب: (

).

الشيخ: إذن فالفراق قبل الدخول ما فيه إلا النصف.

الطالب: (

الشيخ: أبدًا. وفسخت قبل الدخول؟

طالب: إذا فسخت قبل الدخول فلها النصف على القول الصحيح (

).

الشيخ: أحسنت، سمعتم الجواب؟ إذا وجدت في زوجها عيبًا وهو في الظاهر قبل الدخول فعلى كلام المؤلف ليس لها المهر، وعلى القول الراجح: لها نصف المهر؛ لأن الفسخ بسببها، وإذا علمت بعد الدخول؟

طالب: إذا علمت بعد الدخول فإنه يلزم المهر كاملًا لما استحل من فرجها.

الشيخ: نعم، والزوج له حقه؟

الطالب: ويعود الزوج على من غرَّه بموجب.

الشيخ: طيب، صح، إذا كان بعد الدخول فإن لها المهر كاملًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» (2). في غير هذه المسألة، ويرجع الزوج به على من غرَّه.

طيب فإن لم يوجد غرر؟

طالب: إذا لم يوجد غارٌّ يرجع إلى وليها.

الشيخ: لا الولي ما يدري وهي أيضًا لم تعلم.

الطالب: يرجع للزوجة.

الشيخ: الزوجة ما علمت، يعني هي ما غرَّت الزوج، وقد مثلنا بهذا، وسنطلب منك المثال، يعني ما فيه معلوم؟

طالب: لا يرجع.

الشيخ: لا إله إلا الله، مئة ألف سلَّم في المهر، تروح عليه على هكذا؟ أيش تقولون يا جماعة؟

طلبة: صحيح.

ص: 2782

الشيخ: صحيح؟ نعم، صحيح؛ لأنه ما فيه أحد غرَّه، والله عز وجل قد يُقدِّر الخسران على شخص بأي سبب من الأسباب.

طيب هل يمكن أن تكون صورة ليس فيها غرور؟ نعم.

طالب: قد يكون يعني برص صغير بين كتفيها ولا تعلم.

الشيخ: لكن هذا المثال اللي ذكرنا، طيب، ممكن يكون في الظهر أيضًا، أحد منكم يستطيع أن ينظر إلى ظهره؟

طالب: لا.

الشيخ: أبدًا، إلا بمرايا، والإنسان ما هو راح يفتش، طيب هذه صورة ما فيها غرور؛ فلا يرجع الزوج على أحد، طيب بارك الله فيكم.

طالب: شيخ، قلنا بقول المؤلف:(لو كان في الآخر عيب مثله) قلنا: سنحررها إن شاء الله فيما بعد.

الشيخ: إي، لو هو الفسخ ثابت، لكن الكلام على المهر، ولا الفسخ له ذلك لكن الكلام على المهر، فأما على المذهب، المسألة واضحة، إذا فسخ قبل الدخول فإنه ليس لها مهر سواء فيها عيب أو ما فيها، وإذا كان بعد الدخول فلها المهر بما استحل من فرجها، والظاهر أن هذا ينبني على ما ذكرنا سواء كان في الآخر عيب مثله أم لا.

طيب يقول رحمه الله: (والصغيرة، والمجنونة، والأمة لا تُزوَّج واحدة منهن بمعِيب). الصغيرة لا تُزوَّج بمعيب، ولو علم الولي بذلك؛ لأن هذا من خيانة الأمانة، فإذا علِم الأب مثلًا أن هذا الخاطب فيه عيب وهو أنه لا يقدر على الجماع فإنه لا يُزوِّج الصغيرة ولو كانت بنته، لماذا؟ لأن هذا من باب خيانة الأمانة.

وكذلك الصغيرة (والمجنونة) لا تُزوَّج بمعيب، وظاهر كلام المؤلف ولو كان ذلك لمصلحتها، مثل أن يُزوِّجها رجلًا لا يستطيع الجماع فظاهر كلام المؤلف أنها لا تزوج.

وفي هذا نظر، بل يقال: إن المجنونة إذا كان من مصلحتها أن تزوج هذا المعيب فلنزوجها؛ لأن المجنونة كما تعلمون لا يرغبها كل الناس، لكن يأتيها إنسان مثلًا فيه عيب ويقول: أنا أستمتع بها وأصبر على جنونها، فهل من المصلحة ألَّا تُزَوَّج؟

طلبة: تُزَوَّج.

ص: 2783

الشيخ: من المصلحة أن تزوج، وعلى هذا فيكون في إطلاق المؤلف بما يتعلق بالمجنونة نظر، ويقال: إن المجنونة تُزوَّج بالمعيب إذا كان العيب لا يتعدى إلى نسلها، أو إلى ضرر فيها؛ فالذي يتعدى إلى النسل مثل البرص والذي يتعدى إلى ضررها هي.

أقول: المجنونة تزوج معيبًا بشرط ألَّا يكون عليها في ذلك ضرر، وألَّا يتعدى عيبه إلى نسلها.

طيب هل تزوج بأجذم؟

طلبة: لا.

الشيخ: لا، يعني مجذوم؛ لأن هذا يتعدى إلى نفسه، لا، مو إلى نفسه، إلى نفسها هي ضرر، عليها ضرر؛ إذ إن الجذام مرض مُعْدٍ.

وهل تُزَوَّج بأبرص؟ لا؛ لأن هذا يتعدى إلى النسل، الغالب من البرص يكون وراثة.

فعلى هذا نقول: المجنونة ليست على ما قال المؤلف أنها لا تُزَوَّج بمعيب، بل نقول: إذا اقتضت المصلحة أن تُزَوَّج بمعيب فإنها تُزَوَّج بشرط أن لا يتعدى ضرر العيب إليها أو إلى نسلها، مثال المتعدِّي إليها: الجذام، والمتعدي إلى نسلها: البرص.

وكذلك يقول: (الأمة) لا تُزَوَّج بمعيب، وإن كان السيد يقول: هذه أمتي أنا أُزوِّجها من شئت، نقول: لا يا أخي، هذه أمانة فلا تزوجها بمعيب.

وظاهر كلامه ولو كانت كبيرة ولو رضِيت بعيب لا يتعدى ضرره، وهذا فيه نظر، بل إذا كانت كبيرة ورضِيت بمعيب لا يتعدى ضرر عيبه إليها.

فالصواب أن ذلك جائز؛ لأنه قد يكون عنده مثلًا أَمَة لا يريدها ولا يشتهيها ولكنها شابة تطلب النكاح، فإذا تقدم إلى خطبتها أحد من الناس وفيه عيب لا يتعدى ضرره، فما المانع من أن نُزوجها؛ لأنها بالغة عاقلة رشيدة ترضى بهذا العيب؟ فتبين الآن أن الأمة فيها أيضًا تفصيل كما أن المجنونة فيها تفصيل على القول الراجح. فإن رضيت الكبيرة ويش نقول؟

الكبيرة العاقلة الحرة؛ لأنه سبق أن الصغيرة والأمة لا تزج بمعيب مطلقًا، فإن رضيت الكبيرة العاقلة الحرة مجبوبًا أو عِنِّينًا لم تمنع، لماذا؟ لأن الحق في الجماع لها، فإذا رضيت بالمجبوب الذي لا يستطيع الجماع فلها ذلك ولا نمنعها.

ص: 2784

فإذا قال أبوها مثلًا: أنا أريد أن يكون لكِ أبناء وبنات. قالت: ما عليك مني، أنا أريد هذا الزوج إما لعلمه، أو ماله، أو خلقه، أو غير ذلك، هو لا يستطيع الجماع، لكن تقول: ما أريد الجماع، أنا أريد أن أتصل بهذا الشخص الذي أنا أرضاه فهل يمنعها أو لا؟ لا يمنعها، لماذا؟ لأن الحق في الجماع لها، فإذا رضيت بزوج لا يُجامِع فلها ذلك.

وقوله: (مجبوبًا أو عِنِّينًا) الفرق بينهما أن المجبوب لا ذَكَرَ له، مقطوع، ومثله إذا كان ذكرُه صغيرًا لا يتوصل به إلى الجماع؛ وأما العِنِّين فهو الذي له ذكر لكنه لا يستطيع الجماع.

(بل من مجنون ومجذوم وأبرص) يعني تُمنع الكبيرة من هؤلاء الثلاثة، المجنون ليش؟

طلبة: لأنه يضر.

الشيخ: نعم، لأنه ربما يقتلها، مجنون، فإذا قالت: أنا أريد هذا المجنون، امرأة أيش تبغي عند المجنون؟ قالت: أريده، هل لأبيها أن يمنعها من ذلك؟ نعم، يمنعها لما في ذلك من الضرر عليها، وربما ضرر على أولادها فيما بعد أيضًا لو جاءت منه بأولاد.

المجذوم كذلك له أن يمنعها لو قالت: إنها ترضى بالمجذوم الذي فيه مرض الجذام فقال وليها: لا، فله ذلك، لماذا؟ لأن الجذام مرض مُعْدٍ، وهي إذا رضيت بهذا المجذوم فهي سفيهة والله عز وجل يقول:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5]. فإذا كان السفهاء لا يعطون أموالهم فكذلك لا يعطون نفوسهم.

الأبرص؟ كذلك تُمنع، لو قالت الكبيرة العاقلة الحرة إنها تريد الأبرص، تقول: ما عليكم مني؟ قلنا: لا؛ لأن هذا ينتشر إلى النسل، وهذا ضرر، فصارت الكبيرة العاقلة الحرة إن رضيت معيبًا لا يتعدى عيبه إليها ولا إلى نسلها فإنها لا تُمنَع، وإن كان يتعدى إليها كالجذام، أو إلى نسلها كالبرص، وكذلك المجنون؛ لأنه يتعدى إليها فإنها تمنع.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (ومتى علمت العيب، أو حدث به) يعني بعد العقد (لم يجبرها وليها على الفسخ).

ص: 2785

شوف الولي يمنع من عقد النكاح، ولا يمنع من استدامته؛ لأن الاستدامة أقوى من الابتداء، وهذه قاعدة فقهية معروفة: الاستدامة أقوى من الابتداء، وقد دل على هذه القاعدة ثبوت بقاء الطيب بعد الإحرام إذا تطيب قبل الإحرام ومنع ابتداء الطيب بعد الإحرام.

الرجل المحرِم لو أراد أن يتطيَّب بعد إحرامه، أيُمنع أو لا؟

طلبة: يُمنع.

الشيخ: اللهم اهدنا فيمن هديت.

رجل محرم أراد أن يتطيب بعد الإحرام، بعدما قال: لبيك عمرة، أو لبيك حجًّا، فقال: أنا أجد رائحة كريهة فأُريد أن أتطيب؟ يُمنع. رجل آخر تطيب قبل عقد الإحرام، وبقي الطيب بعد إحرامه، نقول: يجب أن تزيل الطيب؟

الطلبة: لا.

الشيخ: لماذا؟ لأن الاستدامة أقوى من الابتداء.

هنا نقول: المرأة إذا تزوجت برجُل عاقل، ثم جُنَّ، أصابه جنون، نسأل الله العافية، هل يجبرها وليها على الفسخ؟ لا.

امرأة أرادت أن تتزوج مجنونًا هل يمنعها؟ نعم، لماذا قلنا في الأول: لا، والثاني قلنا: يمنع؟ لأن الأول استدامة نكاح، والثاني ابتداء نكاح، والاستدامة أقوى من الابتداء، وهذا واضح، وتشهد له السنة في مسألة طيب المحرِم.

طالب: بارك الله فيكم، لو غاب ولي المرأة الأقرب، ثم زوجها ولي الثاني لها، ثم أتى فوجده مجنون (

)، فهل له أن يطلقها منه؟

الشيخ: لا، لكن الولي الأبعد زوَّجها على وجه شرعي ولَّا غير شرعي؟

الطالب: (

).

الشيخ: طيب، إذن النكاح صحيح الآن وهي راضية المرأة، ولَّا غير راضية؟

الطالب: راضية.

الشيخ: خلاص، النكاح صحيح.

طالب: المجذوم من هو؟

الشيخ: المجذوم هو الذي أُصيب بمرض الجذام.

ص: 2786

الجذام هذا مرض معدٍ، تقرُّح في الأعضاء، وأكثر ما يقع في الأعضاء الدقيقة مثل الإبط، والثندؤتين، وما أشبه ذلك، مرض تتقرح الأعضاء منه، ويدب على بقية الجسد حتى يطلع على اللسان، وهو سريع السريان وسريع الانتشار؛ ولهذا قال العلماء: يجب على السلطان أو من ينوب منابه أن يعزل الجذماء في مكان خاص لئلا يتعدى جذامهم إلى الأصحاء، وهذا ما يُعرف عندنا في الوقت الحاضر بالحجْر الصحي. عرفت الآن ولَّا لا؟ فمن هو المجذوم؟

الطالب: الذي أصابه الجذام.

الشيخ: كيف تجيبني بما أنكرت عليَّ بالأول؟ ! طيب مرض الجذام ما هو؟

الطالب: (

) ينتشر بسرعة (

).

الشيخ: نعم، أحسنت.

طالب: كيف نقول في هذا الأمر من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» .

الشيخ: الذي قال: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» هو الذي قال: «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ» (3).

فعلى هذا لا بد من أن نجمع بينهما. الجمع بينهما قال العلماء: إن المراد بالعدوى المنفية هي العدوى التي كان يعتقدها أهل الجاهلية بمعنى أنه لا بد أن ينتقل المرض إلى الصحيح، وهذا ليس كذلك.

وأما فر من المجذوم فهذا أمر بتوقي أسباب المرض، ولما قال الرسول عليه الصلاة والسلام:«لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» (4). أورد عليه الأعرابي إيرادًا حقيقيًّا، فأجاب عنه الرسول عليه الصلاة والسلام بجواب مقنع، قال: يا رسول الله، كيف لا عدوى، والجمل الأجرب يأتي إلى الإبل في الصحراء كأنها الرمل يعني من حُسنها ونقائها، ثم تجرب؛ وهذا صحيح ولَّا غير صحيح؟

طلبة: صحيح.

الشيخ: طيب كيف نقول: لا عدوى؟ قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ؟ » (4). يعني من الذي أتى بالجرب له؟ معروف من هو؟ الله عز وجل؛ فالذي ينقل العدوى إلى الصحيح الله عز وجل، وإذا شاء لم ينقلها.

ص: 2787

طالب: شيخ، ذكرنا المجنون، الآن في العصر الحاضر يعني بعض التحليلات يحللها يكون فيه إنسان عنده إذا غضب أقل غضب تغيَّر، ويمكن أن يفعل أي شيء، فهل نقول: هذا يلحق بالمجنون إلحاقًا بالضرر الذي يلحق بالمرأة إذا غضب؟

الشيخ: لا، هذا لا يلحق بالمجنون ليش؟ لأن الغضب له سبب وقد لا يُوجد السبب، والمجنون -نسأل الله العافية- جنونه ثابت بسبب ولغير سبب.

الطالب: لكن يخرج عن قوله إذا غضب.

الشيخ: كثير من الناس يخرج عن قوله، لا سيما في الوقت الحاضر، الناس لا يصبرون، كان الناس عندهم بالأول صبر وتحمل على الأمور المخالفة لأهواهم، أما الآن لا يصبرون، مجرد أن يحصل أدنى مخالفة تجده يغضب غضبًا شديدًا، لو تعطيه الزوجة الشاهي لكنه مُرٌّ شوي، على طول أنتِ بالطلاق الثلاثة، نسأل الله العافية، هذا شيء مجرب يعني نسمع عنه من كثرة من يستفتينا بهذا السبب، نقول: ليش أنت؟ يقول: والله حصل بيني وبينها نزاع، وجيت من الدوام متعب، قلت سوِّي لي شاهي، وجابت لي شاهي مُرّ. هذا موجود؛ فالغضب الآن لا تستنكر، الغضب -نسأل الله العافية- كثر في الناس؛ لأنه ما عندهم تحمُّل ولا صبر (

).

***

طالب: ويُقرُّون على فاسده إذا اعتقدوا صحته في شرعهم ولم يرتفعوا إلينا، فإن أتونا قبل عقده عقدناه على حكمنا، وإن أتونا بعده أو أسلم الزوجان والمرأة تُباح إذا أُقِرَّا، وإن كانت ممن لا تجوز ابتداء نكاحها فرق بينهما. وإن وَطِئ حربي حربية فأسلما وقد اعتقداه نكاحًا أُقِرَّا وإلا فُسِخ ومتى كان المهر صحيحًا أخذته، وإن كان فاسدًا وقبضته استقر وإن لم تقبضه ولم يُسمَّ فُرِض لها مهر المثل.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. سبق لنا في باب العيوب أن من النساء من يُمنع من التزوج بالمعيب؛ يعني لا يُزوجن بمعيب مطلقًا، فمن هي؟

طالب: على ما ذهب عليه المؤلف الصغيرة والأمة والمجنونة.

الشيخ: صح، ومن النساء من تُمنع من التزوج بمن هو معيب بعيب مخصوص؟

ص: 2788